مراسم عاشوراء شبهات وردود

مراسم عاشوراء شبهات وردود0%

مراسم عاشوراء شبهات وردود مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 91

مراسم عاشوراء شبهات وردود

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: الصفحات: 91
المشاهدات: 39732
تحميل: 3972

توضيحات:

مراسم عاشوراء شبهات وردود
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 91 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39732 / تحميل: 3972
الحجم الحجم الحجم
مراسم عاشوراء شبهات وردود

مراسم عاشوراء شبهات وردود

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بالعناوين العارضة، فقد تكون من موجبات التحريم، وقد يزول ذلك الموجب، ويحل محله ما يجعله راجحاً، بل واجباً.

افعل حتى لو مرضت:

7 - ومما يدل على عدم الحرمة الذاتية، وعدم القبح العقلي، لما يعتبره الناس ضرراً، ما دلَّ على لزوم القيام ببعض الأعمال، التي فيها أذى، لا يرضى الناس بتعريض أنفسهم إليه في الظروف العادية.

ونذكر من ذلك:

أ: ما رواه الشيخ عن محمد بن علي، عن محمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، وأحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، وحماد بن عيسى، عن شعيب، عن أبي بصير. وفضالة عن حسين بن عثمان، عن ابن مسكان، عن عبد الله بن سلميان، جميعاً عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : أنه سئل عن رجل كان في أرض باردة، فتخوَّف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل، كيف يصنع؟.

قال: «يغتسل، وإن أصابه ما أصابه»(1) .

ب: وبهذا الإسناد، عن حماد، وعن حريز، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل تصيبه الجنابة في أرض

____________________

(1) تهذيب الأحكام ج1 ص198 والاستبصار ج1 ص162 وسائل الشيعة ط مؤسسة آل البيت ج3 ص374.

٤١

باردة، ولا يجد الماء، وعسى أن يكون الماء جامداً؟ فقال:«يغتسل على ما كان».

حدثه رجل: أنه فعل ذلك، فمرض شهراً من البرد، فقال:«اغتسل على ما كان، فإنه لا بد من الغسل»(1) .

ولعل مورد هذه الرواية هو تعمد الجنابة، بعد دخول الوقت، ومع علمه بوجود البرد، أو بفقدان الماء. فأرادعليه‌السلام : أنه غير معذور فيما أقدم عليه، من حيث إن فيه تضييعاً متعمداً للصلاة المفروضة، فجاء هذا الحكم في حقه، على سبيل العقوبة له.

فقد حتم عليه أن يغتسل، ويتحمل آثار ما أقدم عليه.

فلو كان هذا الإقدام على الضرر قبيحاً عقلاً، وحراماً ذاتاً، لم يكن معنى لتجويزه، فضلاً عن الأمر به على نحو الإلزام.

ذبح إبراهيم عليه‌السلام لولده:

8 - وقد ذكرنا في الفصل السابق أن الله سبحانه قد أمر نبيه إبراهيمعليه‌السلام بأن يذبح ولده إسماعيل، وقد أطاع الله في ذلك، وشاركه في هذه الطاعة ولده إسماعيل.

حزن حتى الموت:

9 - ومما له ارتباط بأحداث عاشوراء، نشير إلى مورد واحد فقط،

____________________

(1) تهذيب الأحكام ج1 ص198 والاستبصار ج1 ص163،ووسائل الشيعة ط مؤسسة آل البيت ج3 ص374.

٤٢

هو ما ذكره المؤرخون أيضاً: أن الرباب بنت امرئ القيس بن عدي، زوجة الإمام الحسينعليه‌السلام قد بقيت سنة بعد الحسينعليه‌السلام ، (لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً)(1) .

ومن المفترض: أن يكون هذا الأمر بمرأى وبمسمع من الإمام السجادعليه‌السلام ، لاسيما بعد أن طال عليها الأمر، ومضت الأشهر الكثيرة، حتى بليت، وهلكت.

فكيف لم ينههاعليه‌السلام عن هذا؟.

ولو أنه نهاها، فلا نظن أنها كانت تعصي له أمراً، ما دامت متفانية في حب أبيه سيد شباب أهل الجنة، وهي لم تكن لتحب الوالد، ثم تعصي أمر ولده وسيد الخلق من بعده، والذي لم تر منه إلا كل خير ورفق ومحبة. فسكوته عنها إمضاء لفعلها، ودليل على أن ذلك الفعل ليس قبيحاً ذاتاً، ولا حراماً شرعاً.

وقد بقيت أمثلة أخرى صريحة في تجويز أو استحباب أو إيجاب أمور فيها احتمالات الهلاك، سنشير إليها في فصل: مراسم عاشورا، إن شاء الله.

____________________

(1) الكامل لابن الأثير ج4 ص39 المطبوع مع تاريخ القرماني، وسكينة بنت الحسينعليه‌السلام ص68، تأليف الدكتورة عائشة بنت الشاطئ. ومصادر ذلك كثيرة، تجدها في ترجمة الرباب في مختلف كتب التراجم التي تعرضت لحالها.

٤٣

الجرح قد يجب وقد يستحب:

هذا. وقد ورد ما يدل على استحباب أو وجوب جرح الإنسان نفسه في موارد عديدة. مما يعني أن بعض موارد الجرح لا اقتضاء فيها للحرمة، فضلاً عن أن تكون من موارد الحرمة الذاتية، أو القبح العقلي. ونذكر من هذه الموارد ما يلي:

1 - الحجامة، فإنها مستحبة، والروايات فيها كثيرة.

2 - ثقب أذن المولود، فإن ذلك من السنة، فقد روى الكليني بسند صحيح، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن عيسى، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال:«ثقب أذن الغلام من السنة، وختان الغلام من السنة»(1) .

وروى علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن خالد قال: سألت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام عن التهنية بالولد متى؟

فقال: إنه قال: «لما ولد الحسن بن علي هبط جبرئيل بالتهنية» إلى أن قال: «ويعق عنه، ويثقب أذنه، وكذلك حين ولد الحسين...»الخ(2) .

3 - والختان مستحب أيضاً، ورواياته كثيرة، ومنها صحيحة ابن سنان المتقدمة.

وروى الكليني أيضاً، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عن عليعليهما‌السلام :«إذا أسلم

____________________

(1) الكافي ج6 ص36.

(2) الكافي ج6 ص34.

٤٤

الرجل اختتن، ولو بلغ ثمانين»(1) .

وهناك روايات صحيحة أخرى، وردت في الكافي وغيره من كتب الحديث، تدل على استحباب الختان. فليراجعها من أراد.

وقد يجب الختان لأجل الحج.

مع أن الختان جرح للجسد، وفيه ألم وأذى.

4 - خفض النساء: وقد روي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «خفض النساء مكرمة»(2) .

فالحكم باستحباب ذلك كله، أو بوجوبه، يدل على أنه ليس فقط قبيحاً عقلاً، ولا هو حرام ذاتاً، وإنما يدل على أنه لا اقتضاء فيه للحرمة أصلاً، بل تكون حرمته أو وجوبه بسبب صيرورته مورداً للعنوان الحرام أو الواجب، أو غيره.

وفي غير السياق المتقدم نذكر:

5 - إن الزهراءعليها‌السلام كانت تطحن بالرحى حتى مجلت يداها(3) .

بل لقد قال الراوندي: (كانت فاطمة جالسة قدامها رحى، تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل، والحسين في ناحية الدار

____________________

(1) الكافي ج6 ص37.

(2) الكافي ج6 ص34 و37.

(3) البحار ج43 ص84.

٤٥

يبكي)(1) .

فلو كان الإدماء، أو إلحاق الأذى، والألم بالنفس حراماً ذاتاً، أو قبيحاً عقلاً، لم يجز للزهراءعليها‌السلام أن تفعل ما يوجب ذلك.

6 - إن الشارع قد حكم بجواز الفصد، وإخراج الدم. وهذا شاهد آخر على ما ذكرناه.

7 - جواز نتف الشعر، الذي ورد التصريح بجوازه في الراويات (كما في الوسائل وغيرها).

والكلام فيه كالكلام فيما سبقه.

جواز الجرح لرغبة دنيوية:

8 - وأخيراً نقول: إن الفقهاء يحكمون بجواز إجراء عمليات هدفها مجرد التجميل، تلبية لرغبة شخصية ولهدف دنيوي بحت، وهو أن يصير ذلك الشخص بعدها أكثر مقبولية وجمالاً، بنظر الآخرين.

وقد أفتى الفقهاء بما يشير إلى مسايرة الشارع له في ذلك، فقد حكموا بأنه يسمح بالتيمم بدلاً عن الوضوء، ويسمح له بالصلاة من جلوس، أو في حال الاستلقاء، وأن يومئ للسجود، ويعفى له عن دم الجروح في الصلاة أيضاً، وما إلى ذلك.

وكل ذلك يدل على أنهم يرون: أن عروض عنوان المصلحة له - ولو كانت شخصية، وغير ذات أهمية، يكفي في تسويغ الإقدام على هذا الجرح.

____________________

(1) الخرائج والجرائح ج 2 ص 530 و531.

٤٦

فما يقال: من عدم جواز أن يجرح الإنسان نفسه، وأنه محرم، وقبيح بذاته، لا يمكن قبوله. فإن المحرم بذاته شرعاً، القبيح عقلاً، لا يمكن أن يصير حلالاً أو حسناً، فضلاً عن أن يصبح مستحباً، أو واجباً في بعض الموارد.

كما أننا لا نجد في كثير من الموارد المشار إليها - كمورد الجراحة للتجميل - مصلحة تلزم بالترخيص بهذا الحرام، فضلاً عن أن تجعله واجباً.

مفارقة ظاهرة:

ومن الطريف هنا: أن بعض من لا يبيح جرح الرأس في عاشوراء قد أجاز الملاكمة وغيرها من الألعاب القتالية الخطرة، والتي لا شك في تأثيرها السلبي على سلامة الأشخاص، وعلى حياتهم.

والمسوغ لذلك عنده هو أن لهذه المباريات غرضاً عقلائياً!!

مع العلم بأن هذه المباريات، فضلاً عما يصاحبها من أخطار، وما ينشأ من جرح وأذى إنما ترتكز في كثير من الأحيان إلى المقامرات والرهانات.

٤٧

٤٨

الفصل الثالث: مراسم عاشوراء في النصوص والآثار

٤٩

٥٠

بداية:

إن الحديث في هذا الفصل، عن أمرين:

أحدهما: ما دل على جواز فعل ما يؤدي إلى الجرح، أو فقل، ما فيه إلى احتمال الهلاك.

الثاني: ما دل على جواز اللطم، فإلى ما يلي من مطالب.

الجرح واحتمالات الهلاك:

قد كان ما تقدم يدور في فلك الآيات والروايات، وحكم العقل في ما يرتبط بالدائرة الأوسع، التي لا تختص بعاشوراء..

وهذه باقة ريانة من النصوص الدالة على جواز التعرض للأذى، في خصوص مراسم إحياء ذكرى الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهي طوائف.

الأولى: ما دل على جواز أن يعرض الإنسان نفسه للقتل، في سبيل إحياء ذكرى الإمام الحسين عليه السلام، ونذكر هنا ما يلي:

1 - زيارة الناحية:

قال الشيخ المفيد في كتاب المزار:

زيارة أخرى في يوم عاشوراء، برواية أخرى: إذا أردت زيارته بها

٥١

في هذا اليوم، فقف، فقل... ثم ذكر الزيارة، وهي المعروفة بزيارة الناحية(1) وجاء فيها:

«ولأبكينك بدل الدموع دماً، حسرةً عليك وتأسفاً على ما دهاك، حتى أموت بلوعة المصاب، وغصة الاكتئاب».

وجاء فيها أيضاً: «تلطم عليك فيها الحور العين، وتبكيك السماء وسكانها».

وهذه الزيارة، وإن لم تكن ثابتة من حيث السند، لكن ذلك لا يعني أن تكون مكذوبة ومخترعة.

وإنما نذكرها هنا، لا لتكون وحدها هي الحجة والدليل، بل لتسهم مع مثيلاتها من الروايات الكثيرة، ومنها ما هو صحيح ومعتبر، في تكوين تواتر مقنع، بأن التعرض للأذى، لإحياء أمرهم صلوات الله عليهم، ليس حراماً ذاتاً، ولا هو قبيح عقلاً - بل إن إحياء أمرهمعليهم‌السلام ، كافٍ في إعطاء صفة المشروعية، أو الرجحان، للأعمال التي يكون فيها درجة من الأذى الجسدي.

وعلى كل حال، فإن هذه الرواية تدل على أنهعليه‌السلام قد أجاز لنفسه، أن تصل به لوعة المصاب، وغصة الاكتئاب على الإمام الحسينعليه‌السلام إلى حد الموت، بسبب ذلك.

____________________

(1) راجع البحار ج98 ص238 و239 و241 و317 و320 وراجع: المزار الكبير ص171 ومصباح الزائر ص116.

٥٢

2 - الزيارة رغم مخاطر الغرق:

ألف: روي عنهمعليهم‌السلام ، الحث على زيارة الإمام الحسينعليه‌السلام حتى مع احتمال الموت غرقاً، فقد ذكر: أنه قيل للإمام الصادقعليه‌السلام : يا ابن رسول الله، إن بيننا وبين قبر جدك الحسين لبحراً، وربما انكفأت بنا السفينة في البحر.

فقال:«لا بأس، فإنها إن انكفأت، انكفأت في الجنة»(1) .

ب: عن محمد بن جعفر القرشي الدزاز، عن خاله محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن بشير السراج، عن أبي سعيد القاضي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رواية، يقول فيها: «ومن أتاه بسفينة، فكفت بهم سفينتهم نادى منادٍ من السماء: طبتم وطابت لكم الجنة»(2) .

ج: قال ابن قولويه: حدثني أبيرحمه‌الله ، وعلي بن الحسين، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن أحمد بن حمدان العلاني، عن محمد بن الحسين المحاربي، عن أحمد بن ميثم، عن محمد بن عاصم، عن عبد الله بن النجار قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : «تزورون الحسينعليه‌السلام ، وتركبون السفن؟».

قلت: نعم.

____________________

(1) نظرتنا الفقهية في الشعائر الحسينية ص11.

(2) كامل الزيارات ص134 و135 والوسائل ج14 ص458 ط مؤسسة آل البيت وفضل زيارة الحسين ص57 و58 تأليف محمد بن علي بن الحسين العلوي الشجري.

٥٣

قال:«أما تعلم أنها إذا انكفت بكم نوديتم: ألا طبتم وطابت لكم الجنة؟»(1) .

3 - محنة الإمام السجاد عليه‌السلام :

وفيما يرتبط بمدى حزن الإمام السجادعليه‌السلام نقول:

ألف: لقد بكى الإمام السجادعليه‌السلام حزناً على الإمام الحسينعليه‌السلام حتى خيف على عينيه(2) .

وفي سياق آخر، قيل له: إنك لتبكي دهرك، فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا(3) .

ب: حدثني أبيرحمه‌الله عن جماعة مشايخي، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب، عن أبي داود المسترق، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال:«بكى علي بن الحسين على أبيه حسين بن علي (صلوات الله عليهما) عشرين سنة، أو أربعين سنة، وما وضع بين يديه طعاماً إلا بكى على الحسين، حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا بن رسول الله، إني

____________________

(1) كامل الزيارات ص135 والوسائل ج14 ص458 ط مؤسسة آل البيت، وفضل زيارة الحسينعليه‌السلام ص57 و58، تأليف محمد بن علي بن الحسين العلوي الشجري.

(2) البحار ج46 ص 108 وفي هامشه عن المناقب لابن شهر آشوب ط نجف ج3 ص303.

(3) البحار ج 46 ص 109 عن المناقب أيضاً.

٥٤

أخاف عليك أن تكون من الهالكين. قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون: إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة لذلك»(1) .

ج: عن أحمد بن محمد بن عياش، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن عبيد الله بن الفضل بن محمد، عن سعيد بن محمد، عن محمد بن سلام بن يسار (سيار خ ل) الكوفي، عن أحمد بن محمد الواسطي، عن عيسى بن أبي شيبة، عن نوح بن دراج، عن قدامة بن زايدة، عن أبيه، عن الإمام السجادعليه‌السلام ، في حديث قال - واصفاً حاله حين حملت النساء على الأقتاب، ورأى الشهداء صرعى -: «... فيعظم ذلك في صدري، واشتد - لِما أرى منهم - قلقي، فكادت نفسي تخرج، وتبينت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت عليعليه‌السلام ، فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك، يا بقية جدي، وأبي، وإخوتي، الخ...»(2) .

4 - البكاء حتى العمى:

كما أن النبي يعقوبعليه‌السلام قد بكى على ولده يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن، وخافوا عليه من الهلاك، أو أشرف عليه:( قَالُوا تَاللّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّى‏ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ) (3) .

____________________

(1) كامل الزيارات ص107 والبحار ج79 ص87 وفي هامشه عن الخصال ج1 ص131.

(2) كامل الزيارات ص261 (الزيادات)، والبحار ج28 ص57.

(3) سورة يوسف/ 85.

٥٥

فلو كان هذا وذاك حراماً ذاتاً، أو قبيحاً عقلاً، فلا يمكن أن يصدر من الإمام السجادعليه‌السلام ، أو من يعقوب النبيعليه‌السلام ، إذ لا يتصور في حقهما، أن يخالفا الشرع، أو أن يكونا غير قادرين على إدراك قبح هذا الأمر، فإن الأنبياء، والأوصياء، هم أتم الناس عقلاً.

واحتمال: أن يكون البكاء حتى العمى، جائز في شرع السابقين دون شرعنا. لا يلتفت إليه، ما لم يثبت النسخ بدليل قاطع. خصوصاً مع ذكر الله تعالى لذلك في كتابه الكريم الذي يريد به تعليمنا وهدايتنا.

5 - زيارة الحسين عليه‌السلام رغم المخاطر:

ومما يدل دلالة واضحة على أن اللطم والجرح تابع للوجوه والاعتبارات فإذا كان بعنوان إحياء ذكرهم جاز فعله.

إن الأئمةعليهم‌السلام لم يقيموا وزناً للأخطار التي يواجهها زائر قبر الإمام الحسينعليه‌السلام . فشجعوا على الزيارة رغم وجود الخوف المستمر، وحيث كانت القوات المسلحة ترصد الطرق، وتأخذ كل من يحاول الوصول إلى كربلاء، ليواجه الأذى والتنكيل.

مع أن الزيارة مستحبة، وهؤلاء يدَّعون: أن دفع الضرر المحتمل واجب، فكيف إذا كان هذا الضرر هو الضرب، أو الحبس، أو هلاك النفس؟!.

وكيف إذا كان ذلك الاحتمال قد كبر ونما حتى أوجد حالة قوية من الترقب والخوف؟.

بل إن بعضهم ذكر: أن بعض الشيعة كان يرضى بقطع يده، في سبيل أن يحصل على إجازة بزيارة كربلاء، وما إلى ذلك، لأنه أدرك: أن الحفاظ على الشعائر أولى من حفظ النفس، وقد يقال: إن الكلام إنما هو

٥٦

في أن يجرح الإنسان نفسه، لا في عدوان الظالمين عليه.

ويجاب: بأن قدرتهم على التحرز عن الضرر والهلاك تجعل من إقدامهم عليه أمراً غير مقبول، إذ لا فرق في الحرمة، بين أن يفعل الإنسان نفسه الجرح، أو القتل، ويقدم طائعاً مختاراً لمن يجرحه أو يقتله.

وعلى كل حال، فإننا نذكر في هذا السياق، النصوص التالية:

أ: حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن حماد ذي الناب، عن رومي، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : ما تقول في من زار أباك على خوف؟

قال: «يؤمنه الله يوم الفزع الأكبر...»، الخ(1) .

ب: بإسناده عن الأصم أيضاً، عن ابن بكير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قلت له: إني أنزل الأرّجان. وقلبي ينازعني إلى قبر أبيك، فإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتى أرجع خوفاً من السلطان، والسعاة، وأصحاب المسالح(2) .

فقال:«يا ابن بكير، أما تحب أن يراك الله فينا خائفاً؟ أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله في ظل عرشه» الخ(3) .

____________________

(1) كامل الزيارات ص125 وراجع: إرشاد العباد إلى لبس السواد ص59 ميرزا جعفر الطباطبائي ومكيال المكارم ج2 ص388 ميرزا تقي الأصفهاني.

(2) جمع مسلحة وهي المواضع التي فيها أناس مسلحون، من قبل السلطان.

(3) كامل الزيارات ص126.

٥٧

ج: حدثني حكيم بن داود بن حكيم السراج، عن سلمة بن الخطاب، عن موسى بن عمر، عن حسان البصري، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:

«يا معاوية، لا تدع زيارة قبر الحسينعليه‌السلام لخوف. فإن من تركه رأى من الحسرة ما يتمنى أن قبره كان عنده. أما تحب أن يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلي، وفاطمة، والأئمةعليهم‌السلام ...» الخ(1) .

د: حدثني محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، قال حدثنا مدلج، عن محمد بن مسلم، في حديث طويل، قال: قال لي أبو جعفر محمد بن عليعليه‌السلام :

«هل تأتي قبر الحسينعليه‌السلام ؟!»

قلت: نعم، على خوف ووجل.

فقال:«ما كان من هذا أشد فالثواب فيه على قدر الخوف. ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين. وانصرف بالمغفرة، وسلمت عليه الملائكة، وزاره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ودعا له، وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء، واتبع رضوان الله». ثم ذكر الحديث(2) .

____________________

(1) كامل الزيارات ص126.

(2) كامل الزيارات ص127.

٥٨

هـ: عن أحمد بن محمد بن عياش، عن ابن قولويه، عن عبيد الله بن الفضل، عن سعيد بن محمد، عن محمد بن سلام، عن أحمد بن محمد الواسطي، عن عيسى بن أبي شيبة، عن نوح بن دراج عن قدامة بن زائدة، عن أبيه، قال: قال علي بن الحسينعليه‌السلام : «بلغني يا زائدة أنك تزور قبر أبي عبد الله أحياناً؟!»

فقلت: إن ذلك لكما بلغك.

فقال لي:«فلماذا تفعل ذلك، ولك مكان عند سلطانك، الذي لا يحتمل أحداً على محبتنا وتفضيلنا، وذكر فضائلنا، والواجب على هذه الأمة من حقنا؟»

فقلت: والله، ما أريد بذلك إلا الله ورسوله، ولا أحفل بسخط من سخط، ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه.

فقال:«والله، إن ذلك لكذلك». يقولها ثلاثاً، وأقولها ثلاثاً.

فقال: «أبشر، ثم أبشر، ثم أبشر» إلخ(1) .

6 - ما دل على جرح الجسد:

ونذكر مما دل على جواز جرح الجسد، في نطاق إحياء أمرهم صلوات الله عليهم، ما يلي:

أ: ورد في زيارة الناحية المقدسة: «ولأبكينك بدل الدموع دماً»(2) .

____________________

(1) كامل الزيارات ص 260 و261 والبحار ج 45 ص 179.

(2) البحار ج 98 ص 317 و318.

٥٩

فإن الإمامعليه‌السلام وفقا لهذه الرواية قد تعهد بأن يبكي على الإمام الحسينعليه‌السلام ولو أدى ذلك إلى أن تنزف عيناه دماً.

وربما يقال: إن ذلك قد جاء على سبيل المبالغة، أو المجاز.

ونقول: إن ذلك يحتاج إلى ما يثبته، ولا يكفي فيه مجرد الدعوى، والاستحسان. وإن ما جرى لنبي الله يعقوب الذي بكى على ولده - الذي كان يعلم أنه حي - حتى ابيضت عيناه من الحزن، إن ذلك يجعلنا نتردد كثيراً في قبول دعوى المبالغة، والمجازية.

ب: وروى الصدوق عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن إبراهيم بن أبي محمود، عن الإمام الرضاعليه‌السلام : «إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا»(1) .

فإن القرح هو الجرح. فإذا كان الأئمةعليهم‌السلام قد بكوا على الإمام الحسينعليه‌السلام حتى تقرحت جفونهم، فذلك يدل على كون هذا المقدار من الضرر ليس حراماً ذاتاً، ولا هو قبيح عقلاً، فلماذا لا يجوز لغيرهم أن يتأسى بهم في ذلك؟! فلنلطم صدورنا، ولنفعل ما فيه بعض الألم أو الجرح.

إلا إذا قيل: إن ذلك قد جاء منهعليه‌السلام على سبيل المجاز والكناية عن شدة وكثرة البكاء.

وقد قلنا: إن ذلك لا يصار إليه إلا بدليل، خصوصاً، وأنهعليه‌السلام قد أورد ذلك على سبيل الإخبار عن أمر وقع خارجاً، فلا مجال

____________________

(1) الأمالي للصدوق ص113 المجلس27 ح2 والبحار ج44 ص284.

٦٠