مراسم عاشوراء شبهات وردود

مراسم عاشوراء شبهات وردود0%

مراسم عاشوراء شبهات وردود مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 91

مراسم عاشوراء شبهات وردود

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: الصفحات: 91
المشاهدات: 39735
تحميل: 3972

توضيحات:

مراسم عاشوراء شبهات وردود
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 91 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39735 / تحميل: 3972
الحجم الحجم الحجم
مراسم عاشوراء شبهات وردود

مراسم عاشوراء شبهات وردود

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لدعوى المبالغة في مثل هذه الحال.

ج: وتقدم أن التاريخ قد حدثنا أن الحكام كانوا يرتكبون أعظم الجرائم حتى القتل في حق زوار قبر الإمام الحسينعليه‌السلام ، ويقدم الشيعة على هذا الأمر باختيارهم. ولم ينقل عن الأئمةعليهم‌السلام أي اعتراض على ذلك، أو تأفف منه، أو كراهة للإقدام عليه.

بل قد تقدم أن الأئمةعليهم‌السلام كانوا يأمرون شيعتهم بالزيارة، ويحثونهم عليها، رغم الأخطار التي تواجههم.

د: ويذكرون أن الإمام السجادعليه‌السلام كان يبكي عند شرب الماء، حتى يجري مع الدمع الدم في الإناء، فقيل له في ذلك.

فقال:«كيف لا أبكي؟ وقد منع أبي من الماء، الذي كان مطلقاً للسباع والوحوش»(1) .

هـ: ويذكرون أيضاً: أن السيدة زينبعليها‌السلام قد ضربت جبينها بمقدم المحمل، حتى سال الدم من تحت قناعها(2) .

و: وحين وصل السبايا إلى الكوفة، وخطب الإمام السجادعليه‌السلام ، وفاطمة بنت الحسين، وأم كلثوم بنت عليعليه‌السلام بكى الناس.

أما النساء فقد (خمشن وجوههن ولطمن خدودهن إلخ...)(3) حسبما ذكره السيد ابن طاووسرحمه‌الله تعالى.

____________________

(1) تاريخ النياحة ج6 ص 146، عن جلاء العيون للسيد عبد الله شبر، وعن أعيان الشيعة.

(2) البحار ج45 ص115 والفردوس الأعلى ص19-22 المجالس الفاخرة ص298.

(3) اللهوف ص88 ط صيدا سنة 1929 والبحار ج45 ص112.

٦١

إلا أن يقال: إنه لم يكن يمكن للإمام السجادعليه‌السلام ، أن ينهى عن ذلك.

غير أننا نقول: إن خطبتهعليه‌السلام فيهم كانت أعظم خطراً عليه، من مجرد نهيه لهم عن فعل الحرام.

ز: وقد قالوا: إنه حين رجوع السبايا إلى المدينة (ما بقيت مخدرة إلا برزن من خدورهن، مخمشة وجوههن، لاطمات خدودهن)(1) .

وقد كان ذلك بحضور الإمام السجادعليه‌السلام ، وبمرأى ومسمع منه، ولم ينههنعليه‌السلام عن ذلك. ولا منعتهن عقولهن عنه.

ح: وتقدم أن مما يدل على جواز عمل ما يوجب تلف بعض الأعضاء خصوصاً مع وجود غرض شرعي، مثل إظهار جلالة وعظمة نبي من أنبياء اللهعليهم‌السلام ، بكاء نبي الله يعقوب (عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام)، على ولده حتى( ...ابْيَضّتْ عَينَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيم ) (2) .

وعمى يعقوب أعظم خطراً من إدماء الرأس أو الظهر على الإمام الحسين الشهيد (عليه الصلاة والسلام)، فضلاً عن اللطم العنيف، أو غير العنيف، في مراسم العزاء.

ط: وتقدم: أن نبي الله يعقوب (عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام) قد بلغ به الحزن على ولده يوسف الذي فارقه، ويتوقع

____________________

(1) اللهوف ص114 ط صيدا ودعوة الحسينية ص117 والبحار ج 45 ص 147.

(2) سورة يوسف/ 84.

٦٢

الاجتماع به - إلى حد أن أشرف على الهلاك، حتى قال له أبناؤه:( ...تَاللّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّى‏ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ) (1) .

ي: أضف إلى ما تقدم ما رواه الصدوق، عن أبيه، عن سعد، رفعه:«أن الدمع قد خدّ خدّي يحيى بن زكريا، وأكل منهما، حتى وضعت أمه عليهما لبداً»(2) .

ك: روى الصدوق، عن محمد بن إبراهيم، عن عمر بن يوسف، عن القاسم بن إبراهيم، عن محمد بن أحمد الرقي، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :«أن شعيب النبي (عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام) قد بكى حتى عمي، فرد الله عليه بصره، ثم بكى حتى عمي، فرد الله بصره، ثم بكى حتى عمي، فرد الله عليه بصره»(3) .

ل: وروى الصدوق عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن العباس بن معروف، عن محمد بن سهل البحراني، يرفعه إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:«البكاؤون خمسة...» إلى أن قال:«فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية»(4) .

____________________

(1) سورة يوسف/ 85.

(2) بحار الأنوار ج67 ص 388.

(3) علل الشرائع ج1 ص54 باب51 ط مكتبة الطباطبائي بقم. بحار الأنوار ج12 ص380.

(4) بحار الأنوار ج79 ص87 وج11 ص204 وفي هامشه عن الخصال ج1 ص131.

٦٣

م: وقد روي بسند صحيح عن الإمام الصادقعليه‌السلام أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد أقرَّ نساء الأنصار على ما فعلن بأنفسهن، ولم يعترض عليهن، وذلك حينما رجع من أحد، فبعد أن شرح الإمام الصادقعليه‌السلام بعض ما جرى في أحد، قالعليه‌السلام :

«ونساء الأنصار في أفنيتهم على أبواب دورهم، وخرج الرجال، يلوذون به، ويثوبون إليه، والنساء - نساء الأنصار - قد خدشن الوجوه، ونشرن الشعور، وجززن النواصي، وخرقن الجيوب، وحزمن البطون على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ... فلما رأينه، قال لهن خيراً، وأمرهن أن يستترن، ويدخلن منازلهن الخ...»(1) .

فيلاحظ: أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أقرّهن على ما فعلن بأنفسهن من أجله، واكتفى بأمرهن بالتستر، ودخول المنازل، ولم ينههن عن جرح أنفسهن، ولا اعترض على خدش وجوههن.

وبالنسبة لقوله: «وحزمن البطون». قال المجلسيرحمه‌الله :

(في أكثر النسخ بالحاء والزاء المعجمة، أي كنّ شددن بطونهن لئلا تبدو عوراتهن، لشق الجيوب، من قولهم: حزمت الشيء، أي شددته.

وفي بعضها: (حرصن) بالحاء والصاد المهملتين. أي شققن وخرقن، يقال: حرص القصار الثوب، أي خرقه بالدق.

وفي بعضها: (بالحاء والضاد المعجمة، على وزن التفعيل، يقال:

____________________

(1) الكافي ج8 ص318 والبحار ج20 ص107 - 109، وتفسير الصافي ج1 ص 387، وتفسير نور الثقلين ج1 ص398.

٦٤

أحرضه المرض، إذ أفسد بدنه، وأشفى على الهلاك)(1).

اللطم:

أما بالنسبة إلى اللطم، فقد ورد ذكره في العديد من النصوص أيضاً، نذكر منها:

1 - لما مروا بالسبايا على الحسين، وأصحابه صاحت النساء، ولطمن وجوههن، وصاحت زينب: يا محمداه الخ!!(2) .

وقد كان هذا مع حضور الإمام السجادعليه‌السلام ، وعدم نهيه لهن عن ذلك، مع قدرته عليه، وطاعتهن له.

2 - في زيارة الناحية المقدسة:«فلما رأين النساء جوادك مخزياً، والسرج عليه ملوياً، خرجن من الخدور، ناشرات الشعور، على الخدود لاطمات، وبالعويل مبادرات...».

وليس بالضرورة أن تكون السيدة زينبعليها‌السلام أو بنات الإمام الحسين [عليه السلام] في جملة من فعلن ذلك. غير أن ما يهمنا هنا هو أن الإمام السجادعليه‌السلام كان حاضراً وناظراً، ولم ينههن عن ذلك.

3 - وقد لطمت النسوة الخدود في ليلة العاشر بحضور الإمام الحسينعليه‌السلام ، فقال الإمام الحسين:

«يا أختاه يا أم كلثوم، يا فاطمة، إن أنا قُتلت فلا تشققن علي جيباً،

٦٥

ولا تخمشن وجهاً، ولا تنطقن هجراً»(1) .

والذي رواه السيد ابن طاووسرحمه‌الله ، يوضح سبب نهي الإمام الحسينعليه‌السلام لهن عن ذلك، فقد قال: (فلطمت زينبعليها‌السلام على وجهها، وصاحت. فقال لها الحسينعليه‌السلام :«مهلاً لا تشمتي القوم بنا»(2) .

كما أنهعليه‌السلام قد أظهر سبب وصيته هذه فيما ذكره في وصيته للنساء في وداعه الثاني، حيث قال لهن: «...فلا تشكّوا، ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم»(3) .

فيلاحظ:

أنهعليه‌السلام إنما قد خص نهيه لهن عن فعل ذلك بما بعد موته. وهذا ما صرح به أيضاً حين قال لأخته زينب نفس هذه الكلمات، حيث جاء في آخرها: «...إذا أنا هلكت...».

يضاف إلى ذلك: أنه قد أوضح: أن سبب النهي هو أن لا ينقص ذلك، من قدرهن، وأن لا يشمت الأعداء بهن.

4 - وحينما سمعت زينبعليها‌السلام أخاها الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ينشد: «يا دهر أفٍ لك من خليل...» إلخ، لطمت

____________________

(1) مقتل الحسين للمقرم ص261 عن الإرشاد، وتهذيب الأحكام للطوسي ج8 ص325 والذكرى للشهيد ص72 ط حجرية.

(2) كتاب الملهوف ط صيدا ص51 والبحار ج44 ص391.

(3) مقتل الحسين للمقرم ص337 عن جلاء العيون للمجلسي.

٦٦

وجهها، وهوت إلى جيبها فشقته، ثم خرت مغشياً عليها)(1) .

5 - وحين اقترب جيش ابن سعد من الإمام الحسينعليه‌السلام في اليوم التاسع، وهو جالس مُحتَبٍ بسيفه، قالت له زينب: أخي، أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟!

(فرفع الحسين رأسه وقال:«إني رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الساعة في المنام، فقال لي: إنك تروح إلي».

فلطمت أخته وجهها، ونادت بالويل...)إلخ(2) .

6 - روى الشيخ الطوسي عن أحمد بن محمد بن داود القمي في نوادره، عن محمد بن عيسى، عن أخيه جعفر، عن خالد بن سدير، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام .. إلى أن قال الإمامعليه‌السلام :

«ولقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي. وعلى مثله تلطم الخدود، وتشق الجيوب»(3) .

وفي هذا الخبر حث ظاهر على اللطم على أبي عبد اللهعليه‌السلام .

وفي الجواهر: (إن ما يحكى من فعل الفاطميات ربما قيل إنه

____________________

(1) الإرشاد للمفيد، ص232 ط مؤسسة الأعلمي سنة 1399هـ. ومقتل سيد الأوصياء للكاظمي ص 98.

(2) الإرشاد للمفيد، ط مؤسسة الأعلمي ص230.

(3) تهذيب الأحكام ج8 ص325 وكشف الرموز ج2 ص263 وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص392 الوسائل ج15 ص583 ط المكتبة الإسلامية. والمهذب البارع ج3 ص568 والمسالك للشهيد الثاني ج10 ص29.

٦٧

متواتر)(1) .

وقال ابن إدريس: (إن أصحابنا مجمعون عليها في تصانيفهم وفتاواهم)(2) .

7 - وقد روى الصدوق بأسانيده، وروى غيره: أن دعبل الخزاعي أنشد الإمام الرضاعليه‌السلام تائيته المشهورة، ومنها قوله:

أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً

وقد مات عطشاناً بشط فرات

إذن للطمت الخد فاطم عنده

وأجريت دمع العين في الوجنات

فلم يعترض عليه الإمامعليه‌السلام ، ولم يقل له: إن أمنا فاطمةعليها‌السلام لا تفعل ذلك لأنه حرام، بل هوعليه‌السلام قد بكى. وأعطى الشاعر جائزة، وأقره على ما قال(3) .

8 - وذكر في اللهوف: أنه لما رجع السبايا إلى كربلاء في طريقهم إلى المدينة، (وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري، وجماعة من بني هاشم، ورجالاً من آل الرسول قد وردوا لزيارة قبر الحسين، فتوافوا في وقت واحد، وتلاقوا بالبكاء، والحزن، واللطم، وأقاموا المآتم المقرحة

____________________

(1) جواهر الكلام ج4 ص371.

(2) الجواهر أيضاً ج33 ص184 وراجع أيضاً كشف الرموز ج2 ص263.

(3) راجع على سبيل المثال: عيون أخبار الرضا ج2 ص263 و264 والبحار ج49 ص237 و239 - 252 مقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص131 والغدير للعلامة الأميني، وغير ذلك كثير.

٦٨

للأكباد، واجتمع إليهم نساء ذلك السواد، وأقاموا على ذلك أياماً)(1) .

فهل كان الإمام السجادعليه‌السلام غائباً عن كل هذا؟

ألم يكن معهم في كربلاء حين رجوع السبايا؟

أليس قد لطموا، وأقاموا على ذلك أياماً والإمام السجادعليه‌السلام معهم؟ فلماذا لم ينههم عن ذلك؟!

فلو أنه كانعليه‌السلام قد اعترض عليهم بمخالفة ذلك لأحكام الشريعة، لذكروا لنا ذلك، ولكانوا أطاعوه، ولم يقيموا أياماً، وهم يفعلون ذلك.

9 - تقدم أنه حين وصل السبايا إلى الكوفة، واجتمع الناس، وخطبهم الإمام السجادعليه‌السلام وفاطمة بنت الحسينعليه‌السلام ، وأم كلثوم بنت عليعليه‌السلام ، بكى الناس.

كما أن النساء (خمشن وجوههن، ولطمن خدودهن، ودعون بالويل والثبور).

10 - في كامل الزيارات: (أن الحور قد لطمت على الحسين في أعلى عليين)، فراجع(2) .

11 - وتقدم في زيارة الناحية المقدسة، قوله: «تلطم عليك فيها

____________________

(1) اللهوف ص112 و113 ط صيدا والبحار ج45 ص146، وجلاء العيون ج2 ص272 و273.

(2) كامل الزيارات ص80 والبحار ج45 ص201.

٦٩

الحور العين»(1)

12 - روي استحباب الجزع على الإمام الحسينعليه‌السلام . والأحاديث في ذلك كثيرة.

وقد فسر الإمام الباقرعليه‌السلام الجزع بما يشتمل على لطم الوجه والصدر.

فقد روى الكليني عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، والحسن بن علي جميعاً، عن أبي جميلة، أن جابراً قال للإمام الباقرعليه‌السلام : ما الجزع؟!

فقالعليه‌السلام : «أشد الجزع الصراخ بالويل، والعويل، ولطم الوجه والصدر...» الخ(2) وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن أبي جميلة، عن جابر مثله.

فإن قيل: إنهعليه‌السلام قد فسر الجزع، لكنه لم يصرح بجوازه.

فالجواب هو: أن الروايات الصحيحة التي صرحت باستحباب الجزع، على الإمام الحسينعليه‌السلام كافية في إثبات جوازه بجميع مراتبه، حيث لم يقيد فيها الجزع بشيء.

استطراد تاريخي:

وثمة نصوص كثيرة لا تدخل في سياق الاستدلال، غير أننا نذكرها

____________________

(1) تقدمت مصادر ذلك حين ذكر الرواية تحت عنوان: احتمالات الهلاك لا تمنع..

(2) راجع: وسائل الشيعة ط المكتبة الإسلامية ج2 ص915.

٧٠

لمجرد إطلاع القارئ عليها، وهي التالية:

1 - إنه قد حصل اللطم في بيت يزيد بالذات، فقد ذكروا: أنه لما أدخل السبايا على يزيد، (قالت فاطمة ابنة الحسين: يا يزيد، أبنات رسول الله سبايا؟!.

قال: بل حرائر كرام، ادخلي على بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلت.

قالت: فدخلت إليهن، فما وجدت منهن إلاّ سفيانية متلدمة)(1) .

(واللدم هو اللطم).

2 - ويقولون: إن سليمان بن قتة العدوي التيمي مر بكربلاء، فنظر إلى مصارع الشهداء، فبكى حتى كاد أن يموت. وكان مروره هذا بعد استشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام بثلاثة أيام(2) .

3 - إن ابن عمر قد ضرب على رأسه لما بلغه خبر قتل الحسينعليه‌السلام (3) .

4 - وقد ذكر في البحار قصة الأسد الذي كان يأتي كل ليلة إلى الجثث الطاهرة، فيمرغ وجهه فيها. فراقبه ذلك الرجل الذي رآه - وهو من بني أسد - حتى اعتكر الظلام.

وإذا الشموع معلقة، ملأت الأرض. وإذا ببكاء، ونحيب، ولطم

____________________

(1) إقناع اللائم ص153، عن العقد الفريد لابن عبد ربه، عن المدائني.

(2) أعيان الشيعة ج25 ص 368 ط أولى.

(3) الخصائص الحسينية: ص 187.

٧١

مفجع، فقصد تلك الأصوات، فتبين له أن هؤلاء من الجن(1) .

5 - ونذكر هنا: أنه في سنة 346 هجرية لطم الناشي (الشاعر) لطماً عظيماً على وجهه، حينما علم أن البعض قد رأى السيدة الزهراءعليها‌السلام في المنام. وأشارت إلى قصيدة كان الناشي قد نظمها في الإمام الحسينعليه‌السلام ، ولطم أيضاً أحمد المزوّق، والناس كلهم. وكان أشد الناس في ذلك: الناشي، وأحمد المزوّق(2) .

6 - ويذكرون أيضاً أن السيد المرتضىرحمه‌الله قد زار الإمام الحسينعليه‌السلام بكربلاء في يوم عاشوراء سنة 396 هجرية، مع جمع من أصحابه وتلامذته، فوجد هناك جمعاً من الأعراب، يضربون على الخدود، ويلطمون على الصدور، وينوحون ويبكون، فدخل معهم السيد وتلامذته، وهو يلطم على صدره. ورأوه ينشد:

كربلا لا زلت كرباً وبلا...

إلى آخر القصيدة التي هي من نظم أخيه الشريف الرضي(3) .

7 - وفي سنة 352 هجرية أمر معز الدولة البويهي بتعطيل الأسواق في عاشوراء (وأن يخرج الرجال والنساء، لاطمي الصدور والوجوه).

ويذكر هذا اللطم أيضاً في سنة 402 هجرية، فراجع(4) .

____________________

(1) البحار ج45 ص194 وجلاء العيون ج2 ص292 و293.

(2) تاريخ النياحة ج2 ص22، عن بغية النبلاء ص161.

(3) تاريخ النياحة ج2 ص26 عن كتاب المواكب الحسينية لعبد الرزاق الحائر الأصفهاني، عن كتاب عمدة الأخبار ص43.

(4) البداية والنهاية ج11 ص254 و245، وتاريخ ابن الوردي ج1 ص 402.

٧٢

وكذا في سنة 423 هجرية(1) .

ونكتفي بهذا المقدار، فإن المقصود هو مجرد الإشارة.

الإضراب عن الطعام في عاشوراء:

وورد أيضاً ما يدل على جواز الإضراب عن الطعام في يوم عاشوراء، حتى تظهر آثار ذلك في الوجه.

فعن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن مسمع بن عبد الملك كردين البصري، قال:

قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : «يا مسمع، أنت من أهل العراق...» إلى أن قال: «فتجزع؟!»

قلت: إي والله، واستعبر لذلك، حتى يرى أهلي أثر ذلك علي، فامتنع من الطعام حتى يتبين ذلك في وجهي.

قال: «رحم الله دمعتك، أما إنك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا الخ...»(2) .

وذلك معناه: أنه يجوز فعل ما فيه أذى للنفس ومشقة عليها في عاشوراء، بل يستحب ذلك.

____________________

(1) راجع: تاريخ كاظمين (فارسي) لعباس فيض ص84.

(2) كامل الزيارات ص101، وغير ذلك.

٧٣

تواتر الأخبار:

وبعدما تقدم نقول: إن ما ذكرناه فيما تقدم من آيات وروايات، رغم أننا اكتفينا منه بما تيسر لنا، يوضح بجلاء نظرة الإسلام في هذا الاتجاه. وقد ظهر أن النصوص كثيرة جداً، ودعوى تواترها لابد أن ينظر إليها بجدية، و بخوع تام.

٧٤

الفصل الرابع:توضيحات حول المراسم

٧٥

٧٦

تعظيم الشعائر وإحياء أمرهم عليهم‌السلام :

وبعد:

فإن يوم عاشوراء، هو من أعظم أيام الله أثراً في إحياء الدين وحفظه، وحفظ جهود الأنبياء، وهو من أجلى مصاديق شعائر الله، التي أمرنا الله سبحانه بتعظيمها:( ...وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللّهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ )

وإن المواكب الحسينية، ومراسم العزاء في هذا اليوم من أظهر مفردات هذا التعظيم، كما أنها من سبل إحياء أمرهمعليهم‌السلام ، وقد أمرواعليهم‌السلام بهذا الإحياء.

وضرب السلاسل، واللطم، وجرح الرؤوس، لم يأت تشهياً، وبدون هدف، بل هو قد جاء على سبيل التعظيم، وبهدف إحياء أمرهمعليهم‌السلام ؛ فيكون محبوباً لله سبحانه.

جواز الجرح واللطم مطلق:

ولأجل ذلك نقول: إن حلّية اللطم، وضرب السلاسل، وجرح الرؤوس لا تحتاج إلى التهاب الأفئدة بحرقة المصاب إلى درجة ينتج عنها هذه الأفعال. كما يزعم بعض الناس.

بل إن نفس الظهور على هذه الحالة، وإظهار هذه الكيفية أو تلك،

٧٧

تعظيم للشعائر، وإحياء للأمر، وهو محبوب لله تعالى، وهو عبادة وعد الله عليها الثواب. حتى لو لم يصاحبه حرقة ولا بكاء، ولا حتى حزن.

ويدل على ذلك أيضاً، وجود أحاديث كثيرة تأمر بالتباكي على الإمام الحسينعليه‌السلام ، مما يعني: أن الثواب يترتب على البكاء الحقيقي تارة. وعلى التظاهر بالبكاء تارة أخرى.

وكذلك الحال في المراسم، فإن الثواب يكون على نفس فعل هذه الكيفيات التي هي مصداق للتعظيم، أو لعنوان إحياء أمرهمعليهم‌السلام .

النوايا في المواكب الحسينية:

وبعدما تقدم نقول:

قد يقول البعض: إنه لا بد للفقيه من أن يحرم اللطم، وضرب الرؤوس، لأن كثيرين ممن يمارسون ذلك، إنما يفعلون ذلك للاستعراض. وبعضهم لا يلتزم بأحكام الشريعة.

والجواب هو: إن وظيفة الفقيه هي أن يعطي حكم الله في الواقعة، وليس له، ولا هو مطالب بأن يفتش عن نوايا الناس، وعن قصودهم.

فهو يقول للناس: عظموا شعائر الله، وأحيوا أمر أهل البيتعليهم‌السلام ، والناس هم الذين يختارون كيفيات ذلك ومفرداته، كل بحسب حاله.

ويقول: إن في المواكب الحسينية تعظيماً لشعائر الله، وفيها أيضاً إحياء لأمرهمعليهم‌السلام ، وعلى الناس أن يقوموا بها لهذا الغرض، تحقيقاً للأهداف الإلهية، وانصياعاً لأوامره سبحانه.

٧٨

وليس له أن يقول: فلان يقصد هذا الأمر أو لا يقصده، وفلان الآخر حزين أو غير حزين وفلان الثالث يرائي في ما يفعل أو لا يرائي. فإن الله لم يطلع أحداً على غيبه، ولا بد من حمل فعل المسلم على الصحة.

ولنفترض وجود مرائين أو منحرفين، فإن ذلك لا يجوِّز لنا الدعوة إلى إلغاء تلك الشعائر من الأساس، وإلا لساقنا ذلك إلى إلغاء الواجبات حتى الصلاة. فإن هناك من يحاول المراءات فيها، وخداع الناس عن طريق التظاهر بالعبادة والتقى من خلالها.

وهل يجوز لنا أن نمنع الناس من الحج، لعلمنا بأن بعضهم يرائي فيه؟!

وهل تمنع الصلاة جماعة لأجل ذلك أيضاً؟! إذا علمنا بوجود أمثال هؤلاء.

وإذا كان هناك أفراد يراؤون الناس بهذه الشعائر، فإنما هم أفراد قلائل، وتبقى الكثرة الكاثرة من المشاركين فيها لا شك بأنهم من أهل الخير، والإيمان، وطهارة النية.

فإذا كان لا بد من التحريم، والمنع، فإنما يمنع من يُعْلَم أنه يفعل ذلك رياء وسمعة. دون من لا يُعلم منه ذلك.

إن المطلوب هو: أن ندعو الناس إلى القيام بواجباتهم، وبإحياء أمر أهل البيتعليهم‌السلام ، وبتعظيم الشعائر، بهذه المراسم، وسواها، ثم نربي الناس، ونهيئ نفوسهم لإخلاص النوايا لله تعالى، بالدعوة إليه بالحكمة، والموعظة الحسنة.

٧٩

المعترضون ودوافعهم:

وإذا أردنا أن ندرس واقع الذين يثيرون الانتقادات على هذه المراسم، فسوف نخرج بحقيقة: أن من ينتقدونها، ويشنِّعون عليها، تختلف دوافعهم، وأغراضهم من ذلك.

فهناك من لمس وجود خلل في فهم هذه المراسم لدى فريق من الناس الغرباء عن الدين، وخاف أن يؤثر ذلك صدوداً منهم عن الحق، وعناداً في قبول حقائقه. فأراد أن يحتفظ بفرصة تمكن من فتح قلوبهم على الهدى وعقولهم، على الحق.

فهذا النوع من أهل الغيرة على الدين، لا بد أن يشكر على هذا الوعي، وعلى تلك الغيرة. مع لفت نظره إلى أننا نوافقه على ذلك من حيث المبدأ، غير أننا نقول: إن ما يفكر به، وإن كان صحيحاً في بعض الموارد، ولكنه لا يمكن تعميمه لكل زمان ومكان.

وهناك من يرفض كل مظاهر الحزن في عاشوراء، انطلاقاً من هوىً مذهبي، أو تعصباً لرأي، أو لجهة يرى أن عليه أن يمنع من إفشاء ما يرتبط بها من حقائق تدينها، أو تقلل من احترام الناس لها.

وهناك فريق ثالث يهاجم مظاهر الحزن في عاشوراء، سعياً منه إلى تشكيك الناس بدينهم، وإضعاف حالة الاندفاع نحو الالتزام بأحكامه. وإسقاط محله في نفوسهم، وإبعادهم عن حالة التعبد والانقياد، والتقديس لمقدساتهم.

وقد يكون الرفض من البعض بسبب أنه يرى: أن مظاهر الحزن على الحسينعليه‌السلام ، تنتج فكراً يضر بمصالحه، وتربي مشاعر، وتثير وجداناً، وتعمق وعياً، لا يؤمن به، ويلزم نفسه برفضه، وبمحاربته،

٨٠