شبابنا ومشاكلهم الروحية

شبابنا ومشاكلهم الروحية0%

شبابنا ومشاكلهم الروحية مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 156

شبابنا ومشاكلهم الروحية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد كامل الهاشمي
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: الصفحات: 156
المشاهدات: 25366
تحميل: 42340

توضيحات:

شبابنا ومشاكلهم الروحية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 156 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25366 / تحميل: 42340
الحجم الحجم الحجم
شبابنا ومشاكلهم الروحية

شبابنا ومشاكلهم الروحية

مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

شبابنا ومشاكلهم الرّوحية

السيد كامل الهاشمي

دار القرآن الكريم

١

- اسم الكتاب: شبابنا ومشاكلهم الروحيّة.

- تأليف: السيّد كامل الهاشمي.

- الناشر: دار القرآن الكريم.

- الصفّ والإخراج الفني الكمبيوتري: دار القرآن الكريم.

- الفلم والألواح الحساسة: حميد - قم.

- تعداد: ٢٠٠٠ نسخة.

- التاريخ: ٢٧ / رجب / ١٤١٣ هـ.

حقوق الطبع والنشر محفوظة لدار القرآن الكريم - قم

٢

فهرست الكتاب

المقدّمة: ٥

الكلمة الأولى: تحليل دوافع النزوع الرّوحي عند الشباب وبيان حد الاعتدال الذي لا يصح للشاب تجاوزه      ١٠

الكلمة الثانية: نقد وتوجيه لمظاهر النزوع الروحي عند الشباب............................ ٢٢

الكلمة الثالثة: تصحيح الدوافع الخاطئة في التوجه الروحي عند الشباب  ٣٢

الكلمة الرابعة: حقائق لابدّ أن يعيها الشباب في سيرهم التكاملي  ٤٢

الكلمة الخامسة: حقائق مهمّة للشباب عن عالم الغيب وقضايا الرّوح  ٥٢

٣

النقطة الأولى: ضرورة الإيمان بالغيب  ٥٤

النقطة الثانية: حقيقة العالم الغيبي  ٥٧

النقطة الثالثة: حقيقة الاتصال بالعالم الغيبي وصوره  ٦٦

النقطة الرابعة: مخاطر الاتصال بالعالم الغيبي  ٨١

الكلمة السادسة: الشباب وعلم العرفان والقراءات الرّوحية والغيبية  ٨٥

الكلمة السابعة: الشباب وعالم الأحلام والرؤى  ٩٥

النقطة الأولى: حقيقة الرؤى والمنامات  ٩٩

النقطة الثانية: حقيقة عالم المثال ١١٠

النقطة الثالثة: عوامل صواب الرؤيا وخطئها  ١١٦

النقطة الرابعة: حاجة الرؤيا إلى التعبير  ١٢٨

النقطة الخامسة: الموقف العملي من الرؤيا  ١٣٤

النقطة السادسة: شبابنا والموقف من الرؤيا في قضية المهدي (عليه السلام) ١٤٢

الخاتمة: ١٥٠

مصادر الكتاب: ١٥٣

٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقدمة

أخي الشاب المسلم كتابي هذا الّذي بين يديك هو نتاج شاب مسلم مثلك، وربما يكبرك في العمر وربّما يصغرك! إلاّ أنه يعيش معك مرحلة الشباب بكلّ همومها ومعاناتها وآلامها وآمالها، نعيش معاً نستلهم من ماضينا الرسالي الإسلامي ثباتاً وقوةَ، ومن حاضرنا معاناة تدفعنا للحركة وتطرد عنا السكون، ومن مستقبلنا الموعود أملاً لا نعرف معه اليأس والقنوط.

أخي الشاب المسلم أكتب إليك كتابي هذا لا لتقرأه في أوقات الفراغ لتملأ به فراغاً تستشعره، ولا في أوقات الملل لتطرد به مللاّ تستبطنه، وإنّما أريدك أن تقرأه كما تقرأ مشروع عمل يطالبك بالنهوض والسعي لتغيير واقعك وواقع أمتك المسلمة مشروع عمل يطالبك بتوفير كلّ مستلزمات النهضة ومتطلبات الحركة مشروع

٥

عمل يقدم لك صفحات لوقت العمل لا صفحات لأوقات الفراغ.

فكلّنا يعي تمام الوعي ويدرك تمام الإدراك القيمة الكبيرة التي يوليها كلّ مجتمع لشبابه؛ إذ أن المجتمع - أيّ مجتمع كان - إنّما يعقد أماله ويعلّق طموحاته على هِمم شبابه وسواعدهم، وبكلمة مختصرة: إن حياة المجتمع تقاس بحيوية شبابه واندفاعهم في ميادين الحياة المختلفة، يفكِّرون ويغيِّرون ويبنون، وإذا ما قدر لأمة ما أن تموت هِمم شبابها وتضعف سواعدهم فإن الأمة سرعان ما تنطفئ شمعة عمرها وتذبل زهرة حياتها.

والأمة التي تفكِّر في النهوض وتسعى إليه هي الأمة التي تفكر أوّل ما تفكر في شبابها وتؤسس الطرق التي من خلالها تتمكن أن تستثمر طاقات وقدرات شبابها أفضل استثمار وأحسنه. وتُناقِضُ حركةُ النهوض ومقتضياته تلك الأمة التي لا تفكِّر في شبابها ولا تسعى لتأسيس قواعد نهضتها على سواعد شبابها، أو تجعل الاهتمام بشؤون شبابها ومشاكلهم في آخر اهتماماتها وأولويات حركتها وانطلاقتها.

وممّا لا ينبغي السكوت عنه ولا يصح التغافل عنه هو طريقة التعامل التي تعتمدها مجتمعاتنا الإسلامية مع شبابها، فهم لا يعطون الاهتمام الكافي، لا على مستوى التفكير بصورة جدية ومتعمّقة في واقعهم، ولا على مستوى التأسيس العملي لمجالات الإنماء والاستثمار لقدراتهم المخزونة وطاقاتهم المودعة في ذواتهم.

إن مجتمعاتنا الإسلامية متهمة - لحد اليوم - بأنّها تفرِّط في

٦

شبابها، ولا أحد يدرك هذا التفريط تمام الإدراك ويستشعره كلّ الاستشعار إلاّ الشباب أنفسهم، فهم يستشعرون الحاجة إلى الموجِّه والمرشد، ويرغبون في من يأخذ بأيديهم إلى الطريق الصحيح، ويتمنون التعامل مع من يحترم عقولهم ويقدِّر أحاسيسهم ويعايش مشاكلهم الصغيرة والكبيرة، ويبحث لهم ومعهم عن حل لمصاعب الحياة الاجتماعية والأخلاقية والروحية، وهي المصاعب التي تضغط على الشاب بشكل كبير في هذه المرحلة الحساسة من حياته.

ولكن الشاب في أكثر الأحيان لا يجد من يقرأ المشكلة التي يعانيها في وجهه قبل أن يضطر الشاب إلى الإفصاح عن مشكلته ومعاناته، ولذا لا يجد الشاب بداً من كتمان مشكلته النفسية أو الروحية أو الاجتماعية أو حتى السياسية، ويبدأ في معالجة مشكلته بنفسه بما يمتلك من خبرات قليلة وأفكار مبتدئة لم تُنضجها تجارب الحياة بعد، ولم تنمّيها حصيلة العمر والفكر بالقدر الكافي للتغلب على مشاكل الحياة المتنوّعة. وفي هذا النوع من الحل الذاتي الّذي يسعى الشاب من خلاله لحلّ مشاكله بنفسه يواجه الشاب في غالب الأحيان إخفاقات وانتكاسات قد لا يراها هو كذلك ويحسبها بشكل من الأشكال حلاً لمشكلته، ولكنها سرعان ما تظهر بصورة سلبية على حركاته وسكناته، وهذه الصورة السلبية التي تعكس تأثيراتها على حركة الشاب وسكونه هي التي تكشف لنا في وقت متأخر أن الشاب قد كان يعاني مشكلة ما لم نستطع الوقوف عليها في بداية نشوئها.

٧

وقد يصاب الشاب بإحباط أكبر حينما يضطر لسبب أو آخر لعرض مشكلته الخاصة والإفصاح عنها إلى من يثق فيه ويعتقد أنه سيدلّه على طريق الحلّ، ولكنه يصدم بالطريقة الباردة التي يتعامل بها الطرف الآخر مع مشكلة الشاب.

وممّا يؤسف له كل الأسف أنّنا حينما هبّت رياح التغيير الفكري والثقافي والعقيدي على مجتمعاتنا الإسلامية بسبب حركة الصحوة الإسلامية المعاصرة التي تركت بصماتها واضحة على سلوك شبابنا المسلم وطريقة تفكيرهم في كلّ أرجاء العالم الإسلامي وحتى خارج هذا العالم، لم نتوقع أن شبابنا سيواجهون مشاكل وإثارات مستجدة هي إفرازات طبيعية لابد من نشوئها نتيجة التغير المفاجئ والقفزة النوعية في حركة الشاب العملية ونظرته الفكرية والعقيدية. ولذا لم نبادر إلى استباق المشكلة التي يفترض أن الشاب المسلم سيواجهها ويعانيها، بالتفكير في بلورة حلّ متكامل وشامل لمشاكل شبابنا في مرحلة ما بعد الصحوة وهكذا قدر للمشاكل والصعاب المختلفة أن يواجهها شبابنا في مرحلة النهوض من دون استعداد مسبق للتغلب عليها ومجاوزتها، وكان من الطبيعي حينئذٍ أن يصعب على كثير من شبابنا المسلم أن لا يقع ضحية هذه الإثارات والمشاكل التي لم يعهدها من قبل في حياته ولو على مستوى القراءة والإطلاع.

وأهم تلك المشاكل التي واجهها وما زال يواجهها شبابنا المسلم في الوقت الراهن هي المشاكل الرّوحية التي ترتبط من قريب أو بعيد

٨

بقضايا غيبية وما وراء طبيعية، ويمكننا أن نعتبر هذه المشاكل؛ بالنظر إلى أثارها الفردية والاجتماعية والدينية والدنيوية التي تلازمها، من أخطر المشاكل الحياتية التي يواجهها الشاب المسلم على الإطلاق.

ومن الواضح أنّ المشاكل الرّوحية لا تبرز في حياة شبابنا كقضايا فكرية يراد معالجتها على ضوء ما تثيره من إشكالات عقلية فلسفية، بل إنها تبرز وتنمو كقضايا نفسية ترتبط أشد الارتباط بالبعد الوجداني الروحي عند الإنسان، وعلى هذا الأساس تتحول المشاكل الروحية عند شبابنا المسلم إلى مشاكل وأزمات نفسية، يُهدِّد أي خطأ في التعامل معها بتحوّل الشاب إلى مريض نفساني يصعب علاجه وربّما استحال.

وإدراكي لخطورة المشاكل الروحية على شخصيات شبابنا المسلم في حاضرهم ومستقبلهم هو الّذي دفعني لمحاولة التعرّف على هذه المشاكل والإلمام بها ومن ثم محاولة معالجتها، فكان هذا الكتاب الّذي أرجو من الله سبحانه أن ينفع به شبابنا وأن يعرِّفهم من خلاله أن الإسلام دين الإنسان السليم في فكره وروحه وعمله وجميع شؤونه.

٩

الكلمة الأولى:

تحليل دوافع النزوع الروحي عند الشباب وبيان حد الاعتدال الذي لا يصح للشاب تجاوزه

مما لا ينبغي التأكيد عليه هو القول بأن الإنسان منذ اللحظة الأُولى التي يعي فيها عالم الحياة ويبدأ بالتفاعل مع ما يحيط به من أشياء وموجودات يستثيره كل الاستثارة التعرّف على عالم الغيب، وبعبارة أخرى: التعرّف على غير ما يبصره ويسمعه ويدركه بصورة مباشرة.

وهذا النزوع لمعرفة ما وراء عالم الطبيعة والحس يتعمق بصورة أكبر وشكل أوسع في نفسية الفرد الذي ينشأ وينمو في بيئة دينية متمسكة بمفاهيم الدين وأعرافه، وإنْ كان الواقع يثبت أن النزوع الروحي يولد مع كل إنسان وهو مغروس في فطرته، غاية الأمر أن هناك عوامل ذاتية وموضوعية تؤثر في تنميته وتوجيهه، أو تؤثر في تخفيف حدّته وحرفه عن وجهته.

وهناك بعض النفوس التي تمتاز بدرجة عالية من الرغبة في التعرّف على ما وراء الطبيعة والظواهر والارتباط بعالم الغيب بصورة مباشرة، ولا يهمُّنا البحث في الدوافع الخاصة التي تدفع بعض النفوس البشرية للتفاعل والتعامل مع القضايا الغيبية بمستوى يفوق المستوى المتعارف

١٠

بين عامة الناس في الاهتمام بالقضايا الغيبية، ولكن ما نريد قوله هو: إن الإنسان كلما أزداد تمسكه بالدين وتعلّقه به كلما ازداد تعلقه بعالم الغيب وما وراء الحس، وربّما أثّرت بعض الأمور والأحداث التي يمر بها الفرد، ولا سيَّما الشاب، في رفع حدة التفاعل بينه وبين عالم الغيب، ولا سيَّما حينما تترك الأحداث آثاراً نفسية قوية في شخصية الفرد وقرارة نفسه، وربما يُقدَّر لهذه الآثار أن تتحول في الكثير من الأحيان إلى أزمات نفسية تترك اختلالات واهتزازات واسعة في تفكير الفرد وشعوره وسلوكه، وهذه الأزمات النفسية تولد عند الإنسان، ولا سيَّما المتدين، إحساساً مضاعفاً بضرورة الالتجاء إلى عالم الغيب والاستنجاد به في حل هذه الأزمات النفسية والروحية، أو على أقل تقدير التخفيف من حدتها.

ولجوء الإنسان إلى الله في أوقات الأزمات والصعاب أمر مشاهد حتى في سلوك من لا يعتقد بالله ولا يؤمن به، وهذا ما يؤكده القرآن الكريم في العديد من آياته، كقوله تعالى:( وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً ) (يونس: ١٢). وقوله تعالى:( وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ) (الروم: ٣٣) إلى غيرها من الآيات التي تشير إلى هذه الحقيقة، والتي تعطينا انطباعاً عاماً بأن الإنسان من شأنه حينما يبتلى بالمشاكل والتعقيدات اللجوء إلى خالقه وربه، يبثُّ إليه همومه وآلامه، ويستعين به على الثبات في وجه تلك المشاكل والتعقيدات.

ومن المؤكد أن هذا الشعور بالرغبة في الارتباط بالمطلق جَلَّ شأنه

١١

والالتصاق بعالم الغيب يقوى عند الإنسان المتدين الذي يجد في نفس الدين حثاً أكيداً على تأصيل هذا الارتباط بين الخالق والمخلوق، وبين العبد وربه. وليس من الضروري أن يعكس هذا الشعور رغبة خفيفة في الفرار من عالم الواقع إلى عالم الخيال، كما يحلو للبعض أن يفسر الأمر بهذه الطريقة؛ لأن عالم الغيب وما وراء الحس والطبيعة غيب بالنسبة لنا وخيال ووهم للذين في قلوبهم مرض وزيغ. وأما بالنسبة إلى الواقع والحقيقة المطلقة، لا النسبية، هو عالم واقعي وجودي بتمام معنى الواقعية والموجودية. وحينما نريد البحث في الدوافع والبواعث التي تأصل النزعة الروحية عند الشاب المسلم فإننا سنجد أمامنا دوافع وبواعث عامة تؤسس لها حضوراً فعالاً في كيان أكثر الشباب المتدين، وسنجد أيضاً دوافع وبواعث خاصة توجدها وتنميها الظروف والملابسات الخاصة التي تكتنف الشاب المسلم في بعض مقاطع حياته ومسيرته.

والخطوة تنشأ في واقع الأمر في النوع الثاني من الدوافع والبواعث التي يراد من خلالها تأكيد وترسيخ حالة النزوع الروحي عند الشاب المسلم، لأننا نرى غالبية الشباب المسلم المتدين والملتزم يزاولون العديد من مظاهر الارتباط الروحي في كل يوم وليلة، وربما بمستوى يفوق المستوى المطلوب كحد واجب لا يجوز الإخلال به والتخلف عنه، ولكننا مع ذلك لا نرى أن هذا المستوى الواجب أو المستحب من الارتباط الروحي يفرز مظاهر مرضية أو سليبة في تفكير الفرد العقلي،

١٢

أو في مشاعره وأحاسيسه النفسية، أو في سلوكه العملي الفردي والاجتماعي.

إذن، الخطورة لا تكمن في النوع الأول من الدوافع والبواعث العامة التي تربط الإنسان بخالقه وربه، وإنما الخطر كل الخطر يكمن في النوع الآخر من الدوافع والبواعث الخاصة التي غالباً ما ينقص الشاب المسلم التعامل معها بوعي وثبات. وربما كانت هناك أسباب عديدة تقف وراء التعامل المشوه مع القضايا الروحية من قبل الشباب المسلم الذي يعاني مشاكل حياتية خاصة:

أولها: الطبيعة النفسية والذاتية للشباب، فهو في أكثر الأحيان يتعامل مع القضايا والإثارات التي تواجهه في حياته الشخصية والاجتماعية بصورة انفعالية، تضخِّم بعداً معيناً في القضية أو المشكلة وتتناسى أو تتغافل الأبعاد الأخرى على مستوى التفكير أو العمل، وربما كان الأمر في مواجهة القضية أو المشكلة يستدعى اهتماماً معكوساً، أي ما يضخِّمه الشباب ينبغي أن لا يولى اهتماماً متزايداً، وما يتغافله ويتناساه يلزمه أن يوليه أهمية أكبر واعتناءً أكثر.

ثانيها: أن الشباب غالباً ما يفتقد الواقعية في التعامل مع قضايا الحياة ويجنح إلى الخيال، فيسعى للبحث عن حلول غير واقعية، وربما غير ممكنة أصلاً، لحلحلة مشاكله الذاتية والموضوعية. وهذا الجنوح الخيالي واللاواقعي يجعل الشاب ييأس من عالم الواقع؛ لأنه لا يجد فيه الحل المستعجل والجاهز لكل أزمة يعانيها،

١٣

ويدفعه إلى أن يسافر إلى عالم الخيال يستنزل منه حلولاً جاهزة ولكنها خيالية لمشاكل وإثارات واقعه الحياتي.

ومن المعلوم أن الإنسان - أي إنسان كان - كلما أسرف في التعامل مع الخيال فإن الخيال ينقلب عنده في نهاية المطاف إلى واقع، كما أنه كلما أسرف في تجاهل الواقع فإن الواقع يتبدل عنده في نهاية المطاف إلى خيال، وهنا تبرز مشكلة الإنسان في تأسيس الحد الفاصل بين الواقع والخيال، وهي مشكلة الناس، فيها بين إفراط وتفريط، إلا القليل ممن وُفِّق لاكتشاف وعي الحد الفاصل بين العالمين: عالم الواقع وعالم الخيال.

ثالثها: الأحكام والتصورات المسبَّقة التي يكوِّنها الشاب لنفسه عن حقائق عالم الغيب. ومما لا يخفى أن هذه التصورات مملؤة بالكثير من الأخطاء والاشتباهات التي ربما ساعد في تأسيسها نفس معطيات الدين الغيبية، ولكن لا لذاتها، وإنما بسبب التصور المغلوط الذي يكوِّنه الشاب لنفسه تجاه تفسير وتحليل هذه المعطيات والظواهر الغيبية والروحية.

وفي الحقيقة والواقع إننا نجد في نفس الدين الإشارة إلى عدد كبير من الظواهر التي ترتبط بشكل أو بآخر بعالم الغيب، وهو ما اصطلح على تسميته بـ "المعجزة" أو"الكرامة" أو غير ذلك من التسميات التي تشير إلى نوع من الفعل الخارق للعادة والذي يتجاوز فيه الإنسان المستوى العادي لقدرة البشر، ويؤكد من خلاله اتصاله وارتباطه بعالم

١٤

آخر غير هذا العالم المحسوس، وقد حكى لنا القرآن الكريم، المصدر الأساس لمعارفنا الدينية، العديد من قصص الأنبياء والصالحين التي تبيِّن قدراتهم على القيام بعدد من الممارسات الخارقة للعادة، ويكفينا في هذا المقام التذكير بقصص موسى وعيسى وسليمان (ع) التي أوردها القرآن في أكثر من موقع. أضف إلى هذا العديد من القصص والحكايات الغيبية التي نجد لها حضوراً مؤثراً في الجو الديني العام. ومما يؤسف له أن فكرنا الديني الإسلامي، أعني نتاجات علماء الدين والمفكرين الإسلاميين والخطباء والوعَّاظ، كان يتعامل في الكثير من الأحيان مع هذه القصص الدينية بأسلوب يستثير السامع أو القارئ من دون أن يلحظ التأثيرات المتوقعة من وراء هذه الاستثارة، وهذا ما سنشير إلى خطورته على تفكير الشباب ونفسيته في بعض الكلمات القادمة.

ومن الطبيعي أن يُوجِد مجموع هذه العوامل الثلاثة، وغيرها مما لم نستطيع اكتشافه، حالة نفسية عند الشاب تقوِّي وتنمِّي توجُّهه ونزوعه الروحي ورغبته في الاتصال بالغيب والمغيبات ولو بأدنى مستويات الاتصال. ومن هنا تبدأ المشاكل الروحية تبرز وتظهر في حياة الشاب عبر تصعيده لمستوى التفكير في القضايا الروحية وزيادة وتيرة الارتباط العبادي بالله سبحانه وتعالى، وهذان الأمران يرهقان الشاب فكرياً وجسدياً، ويجتمع الإرهاق الفكري والإرهاق الجسدي لينتجان حالة معقدة من الإرهاق النفسي، لا يستطيع الشاب، في كثير من الأحيان،

١٥

تحمل ضغوطاتها وإسقاطاتها، وهذا الأمر كفيل بأن يحوِّل الاتصال الروحي الذي كان ينشده الشاب إلى انفصام عقلي ونفسي واجتماعي يقضي على استعداد الشاب وحيوتيه وحركته ويحيله إلى حطام جسدي يفتقد الروح والحياة.

ولقد أدرك البعض من العلماء خطورة إرهاق الإنسان نفسه بالعبادات في مرحلة الشباب، فقال بعد أن أورد عدداً من الأحاديث المشيرة إلى هذا الأمر: (ويستفاد من هذه الأحاديث وأحاديث أخرى أدب آخر، وهو أيضاً من المهمات في باب الرياضة(١) ، وهو:أدب الرعاية . وكيفيته: أن يراعي السالك في أي مرتبة هو فيها - في الأعم من الرياضات والمجاهدات العلمية أو النفسانية أو العملية - حاله، ويتعامل مع نفسه بالرفق والمدارات، ولا يحملها أزيد من طاقته وحاله. ورعاية هذا الأدب بالنسبة إلى الشباب وحديثي العهد من المهمات؛ فإنه إذا لم يعامل الشباب أنفسهم بالرفق والمداراة، ولم يؤدُّوا الحظوظ الطبيعية إلى أنفسهم بمقدار حاجتها من الطرق المحللة، يوشك أن يوقعوا(٢) في خطر عظيم لا يتيسر لهم جبره، وهو أن النفس ربما تصير؛ بسبب الضغط عليها وكفِّها عن مشتهياتها بأكثر من العادة، مطلِقةً للعنان في شهواتها، ويخرج زمام الاختيار من يد صاحبها. واقتضاءات الطبيعة إذا

____________________

(١) أي رياضة النفس ومجاهدتها.

(٢) هكذا في المصدر والصحيح: أن يقعوا.

١٦

تراكمت، ونار الشهوة الحارة إذا وقعت تحت ضغط الرياضة خارجة عن الحد، لاشتعلت - لا محالة - وأحرقت المملكة. وإذا صار سالك مطلق العنان أو زاهد بلا اختيار، فإنه يقع في مهلكة لا يرى وجه النجاة أبداً، ولا يعود إلى طريق السعادة والفلاح وقتاً ما. فعلى السالك أن يتملك نفسه في أيام سلوكه كطبيب حاذق ويعاملها على حسب اقتضاءات الأحوال وأيام السلوك، ولا يمنع نفسه الطبيعية في أيام اشتعال نار الشهوة وغرور الشباب من حظوظها بالكلية. وعليه أن يخمد نار الشهوة بالطرق المشروعة؛ فإن في إطفاء الشهوة بطريق الأمر الإلهي إعانة كاملة على سلوك طريق الحق، فلينكح وليتزوج فإنه من السنن الكبيرة الإلهية، ومضافاً إلى أنه مبدأ البقاء للنوع الإنساني فإن له دوراً واسعاً أيضاً في سلوك طريق الآخرة)(١) .

وقال نفس هذا العالم العارف أيضاً: (وبالجملة: يلزم لسالك طريق الآخرة رعاية أحوال إدبار النفس وإقبالها، فكما أنه لا يجوز له الكف عن الحظوظ مطلقاً؛ فإنه منشأ لمفاسد عظيمة، [ كذا ] لا ينبغي له أن يزعج نفسه في العبادات والرياضات العملية وألَّا يجعلها تحت الضغط، خصوصاً في أيام الشباب وابتداء السلوك؛ فإنه أيضاً يكون منشأ لانزعاج النفس ونفورها، وربما ينصرف الإنسان به عن ذكر الحق. والإشارة إلى هذا المعنى [ وردت ] في أحاديث كثيرة، ففيالكافي الشريف عن أبي عبد الله (ع) قال:اجتهدت في العبادة وأنا شاب،

____________________

(١) الإمام الخميني، الآداب المعنوية للصلاة: ٥٨ - ٥٩. [ هناك إرباك في صياغة السطرين الأولين؛ لذا نقترح أن يُقرأا بالنحو التالي: ونار الشهوة الحارة إذا وقعت تحت ضغطِ رياضةٍ خارجةٍ عن الحد، أشعلت - لا محالة - وأحرقت المملكة. وإذا صار السالك مطلق العنان، أو الزاهد بلا اختيار، فإنه  ...]"شبكة الإمامين الحسنين للفكر والتراث الإسلامي" .

١٧

فقال لي أبي: يا بني، دون ما أراك تصنع! فإن الله عَزَّ وجَلَّ إذا أحب عبداً رضى منه باليسير. وعن أبي جعفر قال:قال رسول الله: إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تكرهوا عبادة الله فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى . وفي حديث آخر: ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله (١) .

وفي الحديث الثاني الذي هو عن أبي جعفر الباقر (ع) نجد بياناً واعياً لحالة الإنسان الذي يكلّف نفسه في العبادة فوق حدودها وقدرتها، فهو يشبه بالراكب الذي يسافر فينقطع به الطريق ويضل مقصوده فيظل يدور ويدور باحثاً عن الطريق إلى مقاصده من دون نتيجة، وفي النهاية يُتعب نفسه بكثرة دورانه وبحثه من دون أن يصل إلى مطلوبه، وهذا ما أشار إليه الإمام (ع) بقوله:(لا سَفَراً قطع ولا ظهراً أبقى) .

ولقد شاهدتُ في حياتي بعضاً من شبابنا المسلم الذي انعكس هذا التردي والسقوط على مساره الحياتي نتيجة تحميل نفسه من العبادات والطاعات فوق قدرته، ولم يصل إلى مطلوبه في القرب من الله، والنتيجة الوحيدة التي استطاع الحصول عليها من وراء سعيه اللاواعي، هذا هي التأزم النفسي في علاقته مع ذاته، والتأزم الروحي في علاقته مع ربه، والتأزم الاجتماعي في علاقته مع الآخرين.

____________________

(١) نفس المصدر: ٦٠.

١٨

وعلى هذا الأساس تبقى مسألة الارتباط الروحي بالله سبحانه وتعالى في الوقت الذي تكون أمراً مطلوباً ومراداً، مسألة لها خطورتها على أكثر من مستوى حينما يراد لها أن تتحرك في مسارات خاطئة لا يلتفت إليها من يقع فيها إلا بعد فوات الأوان.

ونجد في روايات وأخبار أهل بيت العصمة والطهارة (ع) ما يدل على أن الإنسان المتدين كثيراً ما تعترضه حالات نفسية معينة يستشعر فيها الرغبة الجامحة في تكثيف حالة الارتباط الروحي بالله سبحانه وتعالى، فيكثر من العبادات والطاعات، ويقوم بالعديد من الممارسات التي يعتقد أنها تقربه إلى الله، ولكن الحال لا يمكن أن تدوم على هذا المنوال إذ سرعان ما يشعر الإنسان بالتعب والإرهاق نتيجة الضغط المتزايد على نفسه فيبدأ يسكن ويقلل من حدة توجهه الروحي عبر تقليلة لممارساته العبادية والروحية، وحينئذٍ تتبين النتيجة الإيجابية أو السلبة التي خرج بها الإنسان من سعيه وجده واجتهاده في العبادة، وليس من المحتم أن تكون نتيجة هذا السعي نتيجة إيجابية لأنه - وكما ذكرنا سابقاً - قد يولد التوجه الروحي المكثف والذي يرهق النفس والجسد بالعبادات والطاعات نتائج سلبية وخطيرة في الوقت نفسه، وهذا ما تفصح عنه روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت (ع) نذكر منها ما يلي:

قال رسول الله (ص):(ألا أن لكل عبادة شِرَّةً، ثم تصير إلى فترة، فمن صارت شِرَّةُ عبادته إلى سُنَّتي فقد اهتدى، ومن خالف سنتي فقد

١٩

ضلَّ، وكان عمله في تباب أما أنى أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأضحك وأبكي، فمن رغب عن منهاجي وسنتي فليس مني) (١) . والشِرَّة بمعنى الرغبة، وهي بكسر الشين وتشديد الراء، والفَتْرَة بمعنى السكون والتوقف.

قال الصادق (ع):(لكل أحد شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فطوبى لمن كانت فترته إلى خير) (٢) .

قال العلامة المجلسي في شرح هذا الخبر: (الحاصل أن لكل أحد شوقاً ونشاطاً في العبادة، في أول الأمر، ثم يعرض له فترة وسكون، فمن كانت فترته بالاكتفاء بالسنن وترك البدع، أو ترك التطوعات الزائدة، فطوبى له، ومن كانت فترته بترك السنن أيضاً، أو بترك الطاعات رأساً وارتكاب المعاصي، أو بالاقتصار على البدع، فويل له)(٣) .

وتبرز بعض الأخبار الجانب السلبي في الضغط على النفس وإكراهها على العبادة بالقول:(إن للقلوب شهوة، وإقبالاً وإدباراً، فأتوها من قبل شهواتها وإقبالها، فإن القلب إذا أكره عمى) (٤) .

وفي قبال هذا المنحى السلبي الذي يكون همُّ صاحبه الإكثار من الأعمال والعبادات نرى الإسلام يؤكد على أن العمل القليل الذي

____________________

(١) المجلسي، بحار الأنوار: ٧١ / ٢٠٩، حديث ١.

(٢) نفس المصدر: ٢١١، حديث ٢.

(٣) نفس المصدر.

(٤) نفس المصدر: ٢١٧.

٢٠