شبابنا ومشاكلهم الروحية

شبابنا ومشاكلهم الروحية0%

شبابنا ومشاكلهم الروحية مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 156

شبابنا ومشاكلهم الروحية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد كامل الهاشمي
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: الصفحات: 156
المشاهدات: 25497
تحميل: 42414

توضيحات:

شبابنا ومشاكلهم الروحية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 156 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25497 / تحميل: 42414
الحجم الحجم الحجم
شبابنا ومشاكلهم الروحية

شبابنا ومشاكلهم الروحية

مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الكلية والجزئية، كانت الرؤيا غنية عن التعبير، وإن لم تكن شديدة المناسبة إلا أنه مع ذلك تكون بينهما مناسبة بوجه ما، كانت الرؤيا محتاجة إلى التعبير، وهو أن يرجع من الصورة التي في الخيال إلى المعنى الذي صورته المتخيلة بتلك الصورة. وأما إذا لم تكن بين المعنى الذي أدركته النفس وبين الصورة التي ركبتها القوة المتخيلة مناسبة أصلاً لكثرة انتقالات المتخيلة من صورة إلى صورة لا تناسب المعنى الذي أدركته النفس أصلاً، فهذه الرؤيا من قبيل أضغاث الأحلام، ولهذا قالوا: لا اعتماد على رؤيا الشاعر والكاذب، لأن قوتهما المتخيلة قد تعودت الانتقالات الكاذبة الباطلة)(١) .

وفي تعليقته على(بحار الأنوار) يعطى محمد تقي المصباح اليزدي بعض التصورات عن حقيقة الرؤيا فيقول: (لا ريب أن النائم عند ما يرى شيئاً من المنامات تحصل له إدراكات من غير طرق الحواس الظاهرة، وتسمية تلك الإدراكات بالخيالات لا تخرجها عن واقعها، فإن الخيال حتى الفاسد الباطل منه له حصول في الذهن ووجود علمي للنفس، وإنما فساده وبطلانه من ناحية عدم انطباقه على الخارج. ولا ريب في حكاية كثير من المنامات عن وقوع أشياء في الخارج في ما مضى أو ما يأتي مع عدم سبيل للرائي حتى في حال يقظته إلى الاطلاع على شيء منها، وهي أكثر من أن يمكن حملها على الصدفة والاتفاق، وخاصة منامات الأنبياء والأولياء المشتملة على الوحي والإلهام، كما

____________________

(١) بحار الأنوار: ٦١ / ١٩٦ - ١٩٧.

١٠١

أنه لا ريب في أن كثيراً منها تمثيلات ذهنية لاميال وآمال وتركيبات وتحليلات لما اختزن من الصور في خزانة الخيال. وهذه النوع الأخير من الرؤيا - وإن أنقسم إلى أقسام مختلفة - يرجع إلى بروز ما كَمَن في النفس إلى ساحة الحواس الباطنة وإدراك النفس لها بتوسيط تلك الحواس مرة أخرى. ومعرفة علل هذه الأفاعيل النفسية ومدى ارتباطها بالحالات البدنية والروحية رهينة لتجارب كثيرة لا يزال علماء النفس مشتغلين بها.

أما النوع الأول منه فلا يمكن تعليله بأمثال تلك العلل فحسب كما لا يخفى.

وبعبارة أخرى حصول هذا النوع من الإدراكات للنفس ليس معلولاً لحالات فسيولوجية أو ظاهرات بسيكولوجية معينة. فأي حالة بدنية أو نفسية توجب العلم بوجود كنز على مقدار معين في مكان خاص أو بحدوث حادثة مشخصة في زمان خاص في المستقبل؟! وما هو الذي يمكن أن يجعل وجه الربط بين الظاهرات الجسمية والروحية في الإنسان وبين العلم بقضايا عازبة عن ذهنه بموضوعاتها ومحمولاتها؟! فهذه المعلومات ليست مما يستقل به النفس من الإدراك بصرف النظر عما هو خارج عن ذاتها رأساً، والغير الذي يمكن أن يشارك النفس في حصول هذه الإدراكات لها بوجه إما أن يكون أمراً عقلياً محضاً، أو مثالياً برزخياً، ولا يكون أمراً مادياً البتة، للقطع بعدم حصول ارتباط مادي بين الإنسان وبين موجود مادي آخر مما يقع تحت الحواس في

١٠٢

حال النوم بحيث يمكن إسناد تلك العلوم إليه بوجه، فعلى فرض جعل المشارك للنفس أمراً عقلياً يصير الرؤيا اتصالاً للنفس بموجود عقلي في المنام وتمثل ما تستفيد منه حسب استعدادها بصور جزئية في عالمها المثالي. وإن شئت قلت: في ساحة الحواس الباطنة ولوح الذهن، وعلى فرض جعل المشارك أمراً مثالياً يصير الرؤيا إشرافاً للنفس على عالم المثال ومشاهدة أمور هناك مباشرة. وكلاهما مما يصح فرضه عقلاً، ولا ينفيه دليل شرعي، بل يوجد في الأخبار ما يؤيدهما، بل يدل عليهما، فعليك بإجادة التدبر فيها)(١) .

ومن خلال هذين البيانين عن حقيقة الرؤى والمنامات وكيفية حصولها نعلم أن الأصل في ذلك هو تجرد النفس وعدم كونها جسمانية مادية وهذا الأمر مما تسالم عليه الفلاسفة الإلهيون والحكماء الربانيون وأقرته الشرائع السماوية وأكدت عليه، ومعنى كون النفس مجردة أنها تنتمي إلى عالم آخر غير عالم المادة والأجسام الصورية، ولتجردها تشتاق النفس والروح إلى عالمها الروحي والعقلي وتسعى للتواصل معه والاتصال به، ولكن لأن النفس مادامت في هذه الدنيا فهي منشغلة بتدبير أمور البدن ومهماته فلا تتوجه إلى عالمها العلوي الذي تنتسب إليه، إلا حينما تكون النفس قوية ومجذوبة بجذبة إلهية إلى عالمها الأصلي كما هو الشأن في نفوس الأنبياء والرسل والأولياء الذين لا يصرفهم الاشتغال بالأمور الدنيوية عن التوجه إلى عالم الأرواح

____________________

(١) نفس المصدر: ١٩٥ - ١٩٦.

١٠٣

والعقول والمجردات، وأما سائر الناس فلانهماكهم بتدبير أمورهم الدنيوية وتوجههم التام إلى هذا العالم الدنيوي الفاني، فإنهم لا يكادون يفكرون في العوالم الأخرى التي تغيب عن سمعهم وبصرهم، وحينما يخلد الإنسان إلى النوم وتنصرف حواسه الظاهرة والباطنة عن تدبير أمور بدنه وتنقطع علائقه مع عالمه الدنيوي، فإن الروح ربما سرحت ومرحت في عالمها الأصلي الذي تشتاق إليه بطبعها وطبيعتها، وحينئذٍ تطلع الروح على بعض صور وحقائق العالم العقلي ولاسيَّما عالم المثال الذي توجد فيه صور الأشياء مجردة من المادة، وحينما يستيقظ الإنسان فإنه ربما يبقى متذكراً لما شاهده في ذاك العالم وربما ينسى الكثير منه، وعلى هذا الأساس تحصل الرؤى والأحلام التي يشاهدها كل الناس، ولهذا فإن الإنسان في حال النوم يعيش حالة تشابه بعض الشيء حالة الموت التي ينقطع فيها الإنسان بالكلية عن هذا العالم الدنيوي وتصير روحه مع الأرواح وترجع إلى عالمها الأولى، ومن هنا جاءت المقارنة بين النوم والموت في قوله تعالى: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (الزمر: ٤٢).

وقد روي عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع) في تفسير هذه الآية أنه قال:(ما من عبد ينام إلا عرجت نفسه إلى السماء وبقيت روحه في بدنه وصار بينهما سبب كشعاع الشمس فإذا أذن الله في قبض الأرواح

١٠٤

أجابت الروح النفس، وإن أذن الله في رد الروح أجابت النفس الروح، وهو قوله سبحانه: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) فمهما رأت في ملكوت السموات فهو مما له تأويل، وما رأته بين السماء والأرض فهو مما يخيله الشيطان ولا تأويل له) (١) .

وهناك العديد من الأخبار التي تذكر بأن سبب الرؤيا والمنامات هو عروج الروح أو النفس في حال النوم إلى السماء والعالم العلوي واطلاعها على ما فيه، ففي(بحار الأنوار) أن علياً (ع) قال:(سألت رسول الله (ص) عن الرجل ينام فيرى الرؤيا فربما كانت حقاً، وربما كانت باطلاً، فقال رسول الله (ص): يا علي، ما من عبد ينام إلى عرجت بروحه إلى رب العالمين، فما رأى عند رب العالمين فهو حق، ثم إذا أمر الله العزيز الجبار برد روحه إلى جسده، فصارت الروح بين السماء والأرض، فما رأته فهو أضغاث أحلام) (٢) .

ومن المرويات التي رواها أهل السنة في حقيقة الرؤيا عن علي (ع): (أن عمر بن الخطاب قال: العجب من رؤيا الرجل أنه يبيت فيرى الشيء لم يخطر له على بال، فيكون رؤياه كأخذ باليد، ويرى الرجل الرؤيا فلا يكون رؤياه شيئاً. فقال علي بن أبي طالب (ع):أفلا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين؟ إن الله يقول: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ

____________________

(١) السيد هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن: ٤ / ٧٧.

(٢) بحار الأنوار: ٦١ / ١٥٨ - ١٥٩.

١٠٥

وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) فالله يتوفى الأنفس كلها، فما رأت وهي عنده في السماء فهي الرؤيا الصادقة، وما رأت إذا أرسلت إلى أجسادها تلقتها الشياطين في الهواء فكذبتها وأخبرتها بالأباطيل فكذبت فيها . فعجب عمر من قوله)(١) .

ومن خلال هذا البيان الذي قدمناه عن حقيقة الرؤيا يتضح أن الرؤيا - الصادقة طبعاً - في حقيقتها وواقعها نحو من أنحاء اطلاع الإنسان على الغيب ولكن بصورة ضعيفة ومخففة، ومن هذه الجهة فهي تشابه نوع مشابهة النبوة التي تكون للأنبياء والتي من خلالها يتصلون بالعالم الغيبي، ولكن بصورة قوية وجلية لا يتطرق إليها الخطأ والزيغ ولا تؤثر أية مؤثرات خفية في حرفها عن وجهتها لأن الله يصون أنبيائه ورسله عن تأثيرات الشياطين وإلقاءاتهم كما أشار إلى ذلك بقوله تعالى:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (الحج: ٥٢).

ومن هنا انطلقت الكثير من الروايات لتؤكد أن رؤيا المؤمن تقترب بنسبة يسيرة من النبوة لأنها تمثل صورة ضعيفة من صور اطلاع الإنسان على الغيب، ومن تلك الروايات ما رواه في(بحار الأنوار) عن الصادق (ع) أنه قال:(رأي المؤمن ورؤياه في آخر الزمان على سبعين جزء من أجزاء النبوة) (٢) .

____________________

(١) نفس المصدر: ١٩٣.

(٢) نفس المصدر: ١٧٧.

١٠٦

وروى عن النبي (ص) في قوله تعالى: ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) أنه قال:(الرؤيا الصالحة يُبشَّر بها المؤمن جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة) (١) .

وعنه (ص) أيضاً:(ألا أنه لم يبق من مبشّرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له) (٢) .

وعنه (ص) أيضاً:(لا نبوة بعدي إلا المبشرات. قيل: يا رسول الله! وما البشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة) (٣) .

وعنه (ص) أيضاً:(الرؤيا الصالحة بشرى من الله وهي جزء من أجزاء النبوة) (٤) .

إلى غير ذلك من الروايات التي تؤكد على أن الرؤيا الصالحة والصادقة هي من أجزاء النبوة، مما يعني أنها وسيلة يتعرف الإنسان من خلالها على بعض الأمور الغيبية، ولكن بمستوى دون مستوى النبوة الخاصة التي تنكشف فيها للنبي جميع حيثيات الغيب الذي أراد الله سبحانه وتعالى اطلاعه عليه، وعلى هذا الأساس تتفاوت صحة الرؤيا وصدقها من شخص إلى آخر بحسب القدرات الذاتية والمؤهلات الشخصية التي تتواجد في الأشخاص بصورة متفاوتة ومختلفة، وهذا ما

____________________

(١) نفس المصدر: ١٩١.

(٢) نفس المصدر: ١٩٢.

(٣) نفس المصدر.

(٤) نفس المصدر.

١٠٧

تصرح به بعض المرويات كالرواية التي يقول فيها الإمام الصادق (ع):(رأي المؤمن ورؤياه جزء من سبعين جزء من النبوة، ومنهم من يعطى على الثلث) (١).

ومعنى ذلك أن القدرات بين المؤمنين في الاطلاع على الغيب من خلال الرؤيا تكون متفاوتة وغير متساوية.

وهناك بعض الروايات التي تدخل الرؤيا الصالحة بكل صراحة تحت الوحي وتلحقها به، ومن تلك المرويات ما رواه في(بحار الأنوار) عن(جامع الأخبار) عن الأئمة (ع):(إن رؤيا المؤمن صحيحة لأن نفسه طيبة، ويقينه صحيح، وتخرج فتتلقى من الملائكة، فهي وحي من الله العزيز الجبار) (٢) .

ولأن الرؤيا الصادقة هي كشف للغيب بنسبة معينة فقد اعتبرها العرفاء أول باب من أبواب المكاشفة، وقالوا: إن الناس تتفاوت في مكاشفاتها الغيبية بحسب قوة الشخص واستعداده واعتدال مزاجه، وفي ذلك يقول الآملي: (ولما كان كل من الكشف الصوري والمعنوي(٣) على حسب استعداد السالك ومناسبات روحه وتوجه سره إلى كل من أنواع الكشف، ولما كانت الاستعدادات متفاوتة المناسبات، متكثرة، صارت مقامات الكشف متفاوتة بحيث لا تكاد

____________________

(١) نفس المصدر: ١٩١.

(٢) نفس المصدر: ١٧٦.

(٣) مر بيان معنى الكشفين "الصوري" و "المعنوي" في الكلمة الخامسة.

١٠٨

تنضبط.

وأصح المكاشفات وأتمها أنما تحصل لمن يكون مزاجه الروحاني أقرب إلى الاعتدال التام، كأرواح الأنبياء والكُمَّل من الأولياء (صلوات الله عليهم أجمعين) ثم لمن يكون أقرب إليهم نسبة)(١) .

ومن الأبحاث المهمة التي ترتبط بمسألة الرؤيا هو البحث في حقيقة عالم المثال باعتباره العالم الذي تترائى للإنسان فيه الصور والمشاهدات حال نومه، كما أنه العالم الذي يطَّلع العارف عليه من خلال كشفه وشهوده في حال اليقظة. وكما يقول القيصري فإن (  ... جميع أرباب المكاشفة أكثر ما يكاشفون الأمور الغيبية يكون في هذا العالم وفيه يتجسد الأعمال والأفعال الإنسانية الحسنة والقبيحة كل بما يناسبها)(٢) ، ثم يقول: (ولكل إنسان فيه نصيب، وهو القوة الخيالية التي فيها تُرى المنامات)(٣) .

وعلى هذا الأساس فسيكون حديثنا في النقطة الثانية عن عالم المثال، ونود أن نعتذر مسبقاً من القارئ الشاب إذا كان الخوض في مثل هذه الأبحاث العلمية يرهق تفكيره لأننا لم نجد بداً من الإسهاب في الحديث عنها بعد أن أصبح الكثير من شبابنا المسلم ينجذب

____________________

(١) جامع الأسرار ومنبع الأنوار: ٤٧١.

(٢) رسائل قيصري، رسالة التوحيد والنبوة والولاية: ١٨.

(٣) نفس المصدر.

١٠٩

للخوض في مثل هذه القضايا والمسائل المعقدة والتي نعلم أن أكثر الشباب لا يعي ولا يدرك الأكثر من أبعادها وجوانها، ومن هنا كنا مضطرين لأن نبحثها بشيء من التفصيل والتوسع.

النقطة الثانية: حقيقة عالم المثال.

بينا في النقطة الثانية من الكلمة الخامسة أن العوالم الوجودية خمسة، وهي عالم الأعيان الثابتة، وعالم الجبروت، وعالم الملكوت، وعالم الملك، وعالم الإنسان الكامل، ولما كان الحديث عن حقيقة كل عالم من هذه العوامل وخصائصه لا يسعه المجال أولاً، وربما لا تستوعبه الكثير من الأذهان ثانياً، فإننا لن نتحدث عن هذه العوالم من قريب أو بعيد، وما كان ينبغي لنا - في الواقع - أن نتطرق لذكر هذه الأمور في مثل هذا الكتاب لولا أننا وجدنا مسألة الرؤيا والمنامات تثار بشدة وبقوة في أوساط مجتمعاتنا الإسلامية، وتأصل مسارات غير صحيحة في التعامل مع القضايا الشرعية والمسائل الاجتماعية عند الكثير من المتدينين، من دون أن يكون هناك أدنى وعي للإثارات والأبحاث العلمية المعمقة التي تناولها الفلاسفة والعرفاء والعلماء في كتاباتهم وأبحاثهم عن الرؤيا والمنامات والأحلام.

وعلى كل حال فإننا سنتحدث - مضطرين - في هذه النقطة من الكلمة السابعة عن عالم من العوالم الغيبية الذي يرتبط الحديث عنه بقضايا الرؤيا أشد الارتباط، وهو عالم المثال الذي يعد من عالم الملكوت، وقد ذكرنا أن الرؤيا الصادقة للإنسان إنما تحصل بسبب

١١٠

اطلاع الإنسان على هذا العالم وما فيه من حال النوم. فما هي حقيقة هذا العالم وكيف تتصل النفس أو الروح به وتطلع على أسراره وخفاياه؟

يقول القيصري: (اعلم أن بين عالم الأجسام وعالم الأرواح المجردة عالماً آخر يسمى برزخاً. وإليه الإشارة في قوله تعالى:( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ) أي بين بحري عالم الأرواح والأجسام برزخ يمنع عن بغي أحدهما على الآخر. وللبرزخ(١) أن يكون نصيباً منهما، فهو من حيث إنه غير مادي شبيه بعالم الأرواح ومن حيث إنه ذو صورة وشكل ومقدار شبيه بعالم الأجسام)(٢) .

وقال عبد الرحمن جامي أحد العرفاء المشهورين: (ثم اعلم أن العالم المثالي هو عالم روحاني من جوهر نوراني شبيه بالجوهر الجسماني في كونه محسوساً مقدارياً، وبالجوهر المجرد العقلي في كونه نورانياً. وليس بجسم مركب مادي، ولا جوهر مجرد عقلي، لأنه برزخ وحد فاصل بينهما، وكل ما هو برزخ بين الشيئين، لابد وأن يكون غيرهما)(٣) .

وقال: (إنما سمي (العالم المثالي) لكونه مشتملاً على صور ما

____________________

(١) البرزخ في اللغة: ما يكون حاجزاً بين شيئين ومتوسطاً بينهما.

(٢) المصدر السابق: ١٧.

(٣) عبد الرحمن بن جامى، نقد النصوص في شرح نقش الفصوص: ٥٥.

١١١

في العالم الجسماني، ولكونه أول مثال صوري لما في الحضرة العلمية الإلهية من صور الأعيان والحقائق)(١) .

ويبين كيفية التأثير المتبادل بين هذا العالم والعالم الجسماني المادي فيقول: (اعلم أنه لما كان عالم الأرواح متقدماً بالوجود والمرتبة على عالم الأجسام، وكان الإمداد الرباني الواصل إلى الأجسام موقوفاً على توسط الأرواح بينهما وبين الحق سبحانه، وتدبيرها - أعني تدبير الأجسام - مفوَّض إلى الأرواح، وتعذر الارتباط بين الأرواح والأجسام للمباينة الذاتية الثابتة بين المركب والبسيط - فإن الأجسام كلها مركبة، والأرواح بسيطة، فلا مناسبة بينهما، فلا ارتباط، وما لم يكن ارتباط، لا يحصل تأثير ولا تأثر ولا إمداد ولا استمداد - فلذلك خلق الله سبحانه عالم المثال برزخاً جامعاً بين عالم الأرواح وعالم الأجسام ليصح ارتباط أحد العالمين بالآخر، فيتأتى حصول التأثر والتأثير ووصول الإمداد والتدبير)(٢) .

وبعد أن وعينا حقيقة هذا العالم فإن علينا أن ندرك بأن للإنسان القدرة على الاتصال بهذا العالم والاطلاع على ما فيه، وقد بينا هذا الأمر في النقطة المتقدمة من الكلمة، ونضيف هنا مزيداً من التوضيح فنقول: إن الارتباط بين عالم الغيب وعالم الشهادة وإن كان أمراً لا يستشعره أكثر الناس نتيجة احتجابهم عن العالم الغيبي وانصرافهم

____________________

(١) نفس المصدر: ٥٦.

(٢) نفس المصدر: ٥٤ - ٥٥.

١١٢

بشكل كلي إلى العالم المادي واشتغالهم به، إلا أنه من المعلوم أن هناك جملة من الناس تستطيع أو استطاعت التوصل إلى نوع ارتباط بينهما وبين العالم الغيبي، ولا أقل من الأنبياء والرسل (ع) الذين اختارهم الله تعالى لتبليغ رسالاته، وهذا هو المستوى الأعلى والأتم من مستويات الارتباط بين الإنسان وعالم الغيب، ولكن اختصاص الوحي الخاص بالأنبياء والرسل (ع) لا يعني انسداد باب الارتباط بين بقية الناس وبين العالم الغيبي، بل هناك العديد من النصوص الشرعية التي تؤكد على أنه لولا اشتغال الإنسان بعالمه المادي وانغماسه فيه وتقلبه في الشهوات واللذات التي تحجبه عن الحق تعالى لكان يطلع على الغيب ويراه كما يرى ويحس هذا العالم المادي. وهذا ما نعيه في قوله تعالى:( كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ) فقد دلت هذه الآيات على أن الإنسان لو كان عنده علم اليقين لكان ينظر إلى الجحيم ويراها كما يرى ما سواها من أمور مادية محسوسة.

وروي عن رسول الله (ص) انه قال:(لولا أن الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لرأوا ملكوت السماوات والأرض) (١) .

وروى عنه (ص) أيضاً:(لولا تكثير في كلامكم وتمريج في قلوبكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع) (٢) .

____________________

(١) محمد حسين الطهراني، رسالة لب اللباب: ٣٩.

(٢) نفس المصدر.

١١٣

وعلى هذا الأساس نعي أن الارتباط بين الإنسان والعالم الغيبي لا ينحصر في ما يصطلح عليه بـ: (الوحي الخاص) الذي لا يكون إلا للأنبياء والرسل (ع)، وأن الإنسان لو توجه تمام التوجه إلى الله تعالى واستفرغ همه لعبادته وقطع عن نفسه العلائق الدنيوية التي تصرفه عن الحق تعالى، لكان من الممكن أن يطَّلع ويتعرَّف على أمور غيبية لا يطلع عليها ولا يعرفها سائر الناس، ومن هنا أكد العرفاء على أن الوحي الخاص بالأنبياء والرسل (ع) يعتبر الرتبة الأعلى والأتم والأكمل من مراتب الاطلاع على الغيب التي يعبر عنها العرفاء بمراتب الكشف، وأن هناك مراتب آخر للكشف كالمكاشفات والمشاهدات التي تحصل للعرفاء في حال اليقظة، وكالرؤى والمنامات الصادقة التي تحصل لكثير من الناس حال نومهم وسباتهم، وقد بينا الوجه والسبب في ذلك في النقطة السابقة من الكلمة. وهناك من الأخبار ما يعبر بالصراحة عن الرؤيا الصادقة بأنها اطلاع على ملكوت السماء، إذ يقول أحد أصحاب الإمام الصادق (ع): (قلت لأبي عبد الله الصادق (ع): المؤمن يرى الرؤيا فتكون كما رآها، وربما رأى الرؤيا فلا تكون شيئاً؟! فقال:إن المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء، فكلما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير والتدبير فهو الحق، وكلما رآه في الأرض فهو أضغاث أحلام . فقلت له: وتصعد روح المؤمن إلى السماء؟ قال:نعم . قلت: حتى لا يبقى شيء في بدنه؟ فقال:لا، لو خرجت كلها

١١٤

حتى لا يبقى منها شيء إذاً لمات . قلت. فكيف تخرج؟ فقال:أما ترى الشمس في السماء في موضعها وضوؤها وشعاعها في الأرض؟ فكذلك الروح أصلها في البدن وحركتها ممدودة )(١) .

ولأن مكاشفات الإنسان التي تحصل له في حال اليقظة أو حال النوم لا ترقى إلى مستوى المكاشفات التي تحصل للأنبياء والرسل (ع) بسبب الوحي الخاص من الله عَزَّ وجَلَّ، ولأنها - أي مكاشفات غير الأنبياء والرسل والمعصومين (ع) - ربما داخلتها بعض الملابسات التي تحول بين من يراها وبين معرفة المراد الحقيقي والواقعي منها؛ فإن العرفاء أكدوا أيَّما تأكيد على ضرورة اتباع المعصوم في كشفه، وإن كشفه مقدم على كشف العارف، وإننا لا نستغني بمكاشفاتنا عن رأى المعصوم (ع)، نبياً كان أم إماماً، حتى أن العرفاء كانوا يرون ضرورة الرجوع إلى المعصوم (ع) في التعرّف على أول رتبة من مراتب الكشف، وهي التمييز بين الإلهام الإلهي والإلهام الشيطاني، وفي ذلك يقول السيد حيدر الآملي: (والتمييز بين هذين الإلهامين محتاج إلى ميزان إلهي ومحك رباني، وهو نظر الكامل المحقق والإمام المعصوم والنبي المرسل، والمطلع على بواطن الأشياء على ما هي عليه، واستعدادات الموجودات وحقائقها.

ولهذا احتجنا بعد الأنبياء والرسل (ع) إلى الإمام والمرشد، لقوله تعالى:( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) لأن كل واحد

____________________

(١) بحار الأنوار: ٦١ / ٣٢ - ٣٣.

١١٥

ليس له قوة التمييز بين الإلهامين الحقيقي وغير الحقيقي، وبين الخاطر الإلهي والشيطاني، وغير ذلك)(١) .

وسنتحدث في النقاط القادمة عن أسباب وعوامل صواب الرؤيا وخطئها وعن حاجة الرؤيا إلى التعبير الذي لا يتوفر لكل أحد القدرة عليه، وقد مَنَّ الله تعالى به على بعض عباده الصالحين كنبيه يوسف (ع) الذي قال تعالى فيه: ( وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (يوسف: ٦). وقال: ( وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ) (يوسف: ٢١). وشكر يوسف (ع) ربه على هذه النعمة وغيرها من النعم التي آتاها الله إياه فقال كما يحكى لنا القرآن ذلك: (رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (يوسف: ١٠١).

وتأويل الأحاديث إشارة إلى العلم بتعبير الرؤيا الذي أتاه الله سبحانه وتعالى نبيه يوسف (ع) كما أشارت إلى ذلك الروايات وأقوال مفسِّري القرآن.

النقطة الثالثة: عوامل صواب الرؤيا وخطئها.

لابد أن نقرر ابتداءً أن ما يراه الإنسان في حال نومه وحتى في حال يقظته كما هو شأن في

____________________

(١) جامع الأسرار ومنبع الأنوار: ٤٥٥ - ٤٥٦.

١١٦

مكاشفات العرفاء ووحي الأنبياء (ع) من حقائق عالم المثال وصوره لابد وأن تكون كلها حقاً لا باطلاً؛ لأن صور الموجودات وحقائق الأشياء تتجلى في ذلك العالم على ما هي عليه، فحينما يطَّلع الإنسان على ذلك العالم بالوحي أو المكاشفة أو الرؤيا الصادقة فإنما يتعرف على حقائق الأمور وصور الأشياء كما هي، وقد أشار إلى هذا الأمر عدد كبير من الروايات، كما في قول رسول الله (ص) لعلي (ع):(يا علي، ما من عبد ينام إلا عرج بروحه إلى رب العالمين، فما رأى عند رب العالمين فهو حق  ...) (١). وفي رواية عن علي (ع) أنه قال حينما سأله عمر بن الخطاب عن حقيقة الرؤيا وسبب صدقها وكذبها:(فما رأت وهي عنده في السماء فهي الرؤيا الصادقة) (٢) .

إذا أدركنا هذا الأمر فلنتسائل عن سبب خطأ وعدم واقعية بعض الرؤى والمنامات لماذا يكون؟

يجيب الرازي في كتابه(المطالب العالية من العلم الإلهي) عن هذا السؤال قائلاً: (اعلم أن الصور التي تركبها المتخيلة قد تكون كاذبة، وقد تكون صادقة. أما الكاذبة فوقوعها على ثلاثة أوجه:

الأول: أن الإنسان إذا أحس بشيء وبقيت صورة ذلك المحسوس في خزانة الخيال فعند النوم ترتسم تلك الصورة في

____________________

(١) بحار الأنوار: ٦١ / ١٥٨.

(٢) نفس المصدر: ١٩٣.

١١٧

الحس المشترك فتصير مشاهدة محسوسة.

والثاني: أن القوة الفكرية إذا ألفت صورة، ارتسمت تلك الصورة في الخيال، ثم في وقت النوم تنتقل تلك الصورة إلى الحس المشترك، فتصير محسوسة، كما أن الإنسان إذا تفكر في الانتقال من بلد إلى بلد، أو حصل في خاطره رجاء شيء، أو خوف من شيء، فإنه يرى تلك الأحوال في المنام.

والثالث: أن مزاج الروح الحامل للقوة المفكرة إذا تغير فإنه تتغير أفعال القوة المفكرة؛ ولهذا السبب فإن الذي يميل مزاجه إلى الحرارة يرى في النوم النيران والحريق والدخان، ومن مال مزاجه إلى الرطوبة يرى الثلوج، ومن مال مزاجه إلى الرطوبة يرى الأمطار، ومن مال مزاجه إلى اليبوسة يرى التراب والألوان المظلمة. فهذه الأنواع الثلاثة لا عبرة بها البتة، بل هي من قبيل أضغاث الأحلام)(١) .

وعلى هذا الأساس نعي أن الرؤيا هي نتاج القوة المتخيلة عند الإنسان، واتصال الإنسان بعالم المثال إنما يتم بتوسط هذه القوة التي تخطئ أحياناً في تصوير الصور الموجودة في العالم المثالي فتخطئ الرؤيا وتبتعد عن الصواب، وهذا لا ينافي أن يكون أصل ما شاهده الإنسان في عالم المثال حال الرؤيا حقيقياً وواقعياً، لأن الخطأ إنما يقع حينما تريد الحواس أن تصوَّر ما رأته القوة المتخيلة في عالم المثال بصورة محسوسة وهنا المبدء في خطأ الكثير من المنامات التي نراها؛ لأن

____________________

(١) فخر الدين الرازي، المطالب العالية من العلم الإلهي: ٨ / ١٢٩ - ١٣٠.

١١٨

كل إنسان يجسد حسه المشترك ما يراه في عالم الخيال بحسب قوته واستعداده ومقامه، ومن هنا يمكن للمكاشفة التي يراها الإنسان في حال اليقظة أن يخطئ في تفسيرها فضلاً عن ما يراه من مكاشفات في حال نومه.

يقول عبد الرحمن جامي: (وهي - أي حضرة الخيال والصور المرتسمة فيه - كلها صدق، مطابقة للواقع، بشرط أن يكون انطباعها في الخيال من الجهة العلوية أو القلب النوراني، لا من الجهة السفلية، فإن المعنى الكلي العلمي ينزل من أم الكتاب إلى عالم اللوح المحفوظ - وهو بمثابة القلب للعالم - ومنه إلى عالم المثال، فيتجسد فيه، ثم إلى عالم الحس، فيتحقق في الشاهد: وهو المرتبة الرابعة من الوجود النازل من العالم العلوي إلى العالم السفلي ومن الباطن إلى الظاهر ومن العلم إلى الكون والخيال من الإنسان هو عالم المثال المقيد، كما أن عالم المثال هو الخيال المطلق أي خيال العالم. فللخيال الإنساني وجه إلى عالم المثال - لأنه منه؛ فهو متصل به - ووجه إلى النفس والبدن. وكلما انطبع فيه نقش من هذه الجهة السفلية، وتمثلت فيه صورة، كان ذلك محاكاة لهيئة نفسانية أو هيئة مزاجية، أو لبخار يرتفع إلى مصعد الدماغ، كما للمحرورين وأصحاب الماليخوليا، ولا حقيقة له، ويسمى أضغاث أحلام. وكلما انطبعت فيه صورة من الجهة العلوية، أي من عالم المثال أو من القلب النوراني الإنساني، فيتجسد فيه، كان حقاً، سواء كان في النوم

١١٩

أو في اليقظة)(١) .

ومن هنا نعي أن القوة المتخيلة عند الإنسان لها جهتان جهة تتصل بالعالم العلوي وما رأته في النوم أو اليقظة من هذه الجهة فهو حق، وجهة تتصل ببدن الإنسان والعالم السفلي وما رأته  ... من هذه الجهة فهو باطل، وهذا ما نحتمل قوياً أن رسول الله (ص) أشار إليه بقوله:(يا علي، ما من عبد ينام إلا عرج روحه إلى رب العالمين، فما رأى عند رب العالمين فهو حق، ثم إذا أمر الله العزيز الجبار برد روحه إلى جسده، فصارت الروح بين السماء والأرض، فما رأته فهو أضغاث أحلام) (٢).

كما أن علياً (ع) ربما أشار إلى ذلك بقوله:(فما رأتْ وهي عنده في السماء فهي الرؤيا الصادقة، وما رأت إذا أُرسلت إلى أجسادها تلقتها الشياطين في الهواء فكذبتها وأخبرتها بالأباطيل فكذبت فيها) (٣) .

ونجد في روايات أهل بيت العصمة والطهارة (ع) تمييزاً واضحاً بين عوامل الصحة والخطأ في الرؤيا، فعن رسول الله (ص) أنه قال:(الرؤيا ثلاثة: بشرى من الله، وتخزين من الشيطان، والذي يحدِّث به الإنسان نفسه فيراه في منامه) (٤) .

____________________

(١) نقد النصوص في شرح نقش الفصوص: ١٥٧.

(٢) بحار الأنوار: ٦١ / ١٥٨.

(٣) نفس المصدر: ١٩٣.

(٤) نفس المصدر: ١٩١.

١٢٠