شبابنا ومشاكلهم الروحية

شبابنا ومشاكلهم الروحية0%

شبابنا ومشاكلهم الروحية مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 156

شبابنا ومشاكلهم الروحية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد كامل الهاشمي
الناشر: دار القرآن الكريم
تصنيف: الصفحات: 156
المشاهدات: 25502
تحميل: 42415

توضيحات:

شبابنا ومشاكلهم الروحية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 156 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25502 / تحميل: 42415
الحجم الحجم الحجم
شبابنا ومشاكلهم الروحية

شبابنا ومشاكلهم الروحية

مؤلف:
الناشر: دار القرآن الكريم
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وعنه (ص) أيضاً:(الرؤيا على ثلاثة: منها تخويف من الشيطان ليحزن به ابن آدم، ومنها الأمر يحدِّث به نفسه في اليقظة فيراه في المنام، ومنها جزء من ستة وأربعين جزء  ... من النبوة) (١) .

وهذه المرويات وإن كانت في مقام تبيين عوامل ومبادئ الرؤيا إلا أنها في الوقت نفسه تطرح أسباب الصحة والخطأ في الرؤيا والمنامات، وما نستفيده من هذه الأخبار وأمثالها أن مرجع صحة الرؤيا وصوابها هو عامل واحد وهو كونها من الله، أي أن حدوثها يكون بعامل وتأثير إلهيين، لمصلحة تتعلق بالإنسان، وهذا ما نعيه من التعبير عن الرؤيا الصالحة بأنها بشارة أو بشرى من الله كما جاء ذلك في روايات كثيرة، منها ما روى من أن رسول الله (ص) أتاه رجل فقال: (يا رسول الله، أخبرني عن قول الله (عَزَّ وجَلَّ):( الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ ) فقال:أما قوله ( لَهُمُ الْبُشْـرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) فهي الرؤيا الحسنة يراها المؤمن فيبشَّر بها في دنياه )(٢).

وتبين بعض المرويات المصالح التي تكون من وراء الرؤيا التي يريها الله لعباده في نومهم، فتقول - كما عن الصادق (ع):(إذا كان العبد على معصية الله (عَزَّ وجَلَّ) وأراد الله به خيراً أراه في منامه رؤيا تروعه فينزجر بها عن تلك المعصية، وإن الرؤيا الصادقة جزء من

____________________

(١) نفس المصدر: ١٩٣.

(٢) نفس المصدر: ١٧٦ - ١٧٧.

١٢١

سبعين جزء من النبوة) (١) .

كما أن تلك المرويات تدلنا على أن عوامل الخطأ وأسباب الرؤيا الكاذبة عاملان:عامل داخلي يتعلق بالإنسان نفسه، وهو إما أن يكون عاملاً نفسياً يرجع إلى تحديث الإنسان نفسه بشيء واشتغال فكره به، وإما أن يكون عاملاً بدنياً يرجع إلى كثرة الأكل أو غيره. وعامل خارجي يتعلق بإلقاءات الشياطين التي تمتلك تأثيراً بمستوى معين على رؤى الإنسان وأحلامه، وقد دل على ذلك ما روى عن الإمام الصادق (ع) في سبب نزول قوله تعالى: ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (المجادلة: ١٠)، فقد قال (ع):(كان سبب نزول هذه الآية أن فاطمة (ع) رأت في منامها أن رسول الله همَّ أن يخرج هو وفاطمة وعلي والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) من المدينة، فخرجوا حتى جازوا من حيطان المدينة، فعرض لهم طريقان فأخذ رسول الله ذات اليمين حتى انتهى إلى موضع فيه نخل وماء، فاشترى رسول الله (ص) شاة ذرعاء وهي التي في إحدى أذنيها نقط بيض، فأمر بذبحها، فلما أكلوا ماتوا في أماكنهم فانتبهت فاطمة باكية ذعرة فلم تخبر رسول الله (ص) بذلك، فلما أصبحت جاء رسول الله (ص) بحمار فاركب عليه فاطمة وأمر أن يخرج أمير المؤمنين والحسن والحسين (ع) من المدينة كما رأت فاطمة في نومها، فلما خرجوا من

____________________

(١) نفس المصدر: ١٦٧.

١٢٢

حيطان المدينة عرض لهم طريقان فأخذ رسول الله ذات اليمين كما رأت فاطمة (ع) حتى انتهوا إلى موضع فيه نخل وماء فاشترى رسول الله شاة كما رأت فاطمة فأمر بذبحها فذبحت وشويت فلما أرادوا أكلها قامت فاطمة وتنحت ناحية منهم تبكي مخافة أن يموتوا، فطلبها رسول الله حتى وقف عليها وهي تبكي، فقال: ما شأنك يا بنية؟ قالت: يا رسول الله، رأيت البارحة كذا وكذا في نومي وقد فعلت أنت كما رأيته فتنحيت عنكم لئلا أراكم تموتون، فقام رسول الله فصلى ركعتين ثم ناجى ربه فنزل عليه جبرئيل، فقال: يا محمد، هذا شيطان يقال له الرها، وهو الذي أرى فاطمة هذه الرؤيا، ويؤذي المؤمنين في نومهم ما يغتمون به، فأمر جبرئيل فجاءه إلى رسول الله فقال له: أنت الذي أريت فاطمة هذه الرؤيا؟ فقال: نعم يا محمد، فبزق عليه ثلاث بزقات (١) فشجه في ثلاث مواضع، ثم قال جبرئيل لمحمد: يا محمد، إذا رأيت في منامك شيئاً تكرهه، أو رأى أحد من المؤمنين فليقل: أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبياء الله المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت من رؤيا، ويقرء الحمد والمعوذتين وقل هو الله أحد، ويتفل عن يساره ثلاث تفلات، فإنه ما يضره ما رأى، فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ على رسوله: ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ ) (٢) .

وهذا الإلقاء الذي يكون من الشياطين في رؤيا الإنسان ومناماته

____________________

(١) البزاق هو البصاق.

(٢) الحويزي، تفسير نور الثقلين: ٥ / ٢٦١ - ٢٦٢.

١٢٣

لا ينافي مقام العصمة والطهارة الثابت لأهل بيت النبوة (ع)، والذين منهم الزهراء (ع)، لأن الله تعالى يقول في آخر هذه الآية:( وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) ، وهو على غرار ما يثبته تعالى من إلقاءات للشياطين في نفوس الأنبياء (ع) ينسخها الله تعالى ويثبت آياته، كما يرشدنا إلى ذلك قوله عَزَّ شأنه:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (الحج: ٥٢).

ويبين بعض علماء العرفان أسباب الإصابة والخطأ في الرؤيا فيقول: (وللصدق والإصابة أسباب بعضها راجع إلى النفس، وبعضها إلى البدن، وبعضها إليهما جميعاً:

أما الأسباب الراجعة إلى النفس كالتوجه التام إلى الحق سبحانه والاعتقاد بالصدق وميل النفس إلى العالم الروحاني العقلي وطهارتها عن النقائص وإعراضها عن الشواغل البدنية واتصافها بالمحامد، لأن هذه المعاني توجب تنورها وتقويها. وبقدر ما قويت النفس وتنورت، تقدر على خرق العالم الحسي ورفع الظلمة الموجبة لعدم الشهود، وأيضاً تقوى المناسبة بينها وبين الأرواح المجردة لاتصافها بصفاتها. فيفيض عليها المعاني الموجبة للانجذاب إليها من تلك الأرواح، فيحصل الشهود التام، ثم إذا انقطع حكم ذلك الفيض ترجع إلى الشهادة متصفة بالعلم، منتقشة بتلك الصور بسبب انطباعها في الخيال.

١٢٤

والأسباب الراجعة إلى البدن: صحته واعتدال مزاجه الشخصي ومزاجه الدماغي.

والأسباب الراجعة إليهما: الإتيان بالطاعات والعبادات البدنية والخيرات واستعمال القوى وآلاتها بموجب الأوامر الإلهية وحفظ الاعتدال بين طرفي الإفراط والتفريط فيه ودوام والوضوء وترك الاشتغال بغير الحق دائماً بالاشتغال بالذكر وغيره خصوصاً من أول الليل إلى وقت النوم.

وأسباب الخطأ ما يخالف ذلك من سوء مزاج الدماغ واشتغال النفس باللذات الدنيوية واستعمال القوى المتخيلة في التخيلات الفاسدة والانهماك في الشهوات والحرص على المخالفات، فإن كل ذلك مما يوجب الظلمة وازدياد الحجب. فإذا عرضت النفس من الظاهر إلى الباطن بالنوم، يتجسد لها هذه المعاني، فتشغلها عن عالمها الحقيقي، فيقع مناماته أضغاث أحلام لا يوبه بها، أو يرى ما تخيلته المتخيلة بعينه)(١) .

وأما الفخر الرازي الذي نقلنا عنه في ما سبق أسباب خطأ الرؤيا وفساد المنامات، فإنه يبين أسباب صحة الرؤيا بقوله:

(وأما الرؤيا الصادقة. فالكلام في ذكر سببها، يتفرع على مقدمتين:

إحداهما: أن جميع الأمور الكائنة في هذا العالم الأسفل مما كان، ومما سيكون، ومما هو كائن موجود في علم الباري تعالى،

____________________

(١) نقد النصوص في شرح نقش الفصوص: ١٦٠ - ١٦١.

١٢٥

وعلم الملائكة العقلية، والنفوس السماوية.

والثانية: أن النفس الناطقة من شأنها أن تتصل بتلك المبادئ، وتنتقش فيها الصور المنتقشة في تلك المبادئ. وعدم حصول هذا المعنى ليس لأجل البخل من تلك المبادئ، أو لأجل أن النفس الناطقة غير قابلة لتلك الصور، بل لأجل أن استغراق النفس في تدبير البدن، صار مانعاً لها من ذلك الاتصال العام.

إذا عرفت هذا فنقول: النفس إذا حصل لها أدنى فراغ من تدبير البدن، اتصلت بطباعها بتلك المبادئ، فتنطبع فيها بعض تلك الصور الحاضرة عند تلك المبادئ، وهي الصورة التي هي أليق بتلك النفس. ومعلوم أن أليق الأحوال بها، ما يتعلق بأحوال ذلك الإنسان وبأصحابه وأهل بلده وإقليمه. وأما إن كان ذلك الإنسان منجذب الهمة إلى تحصيل علوم المعقولات، لاحت له منها أشياء. ومن كانت همته مصالح الناس رآها، ثم إذا انطبعت تلك الصور في جوهر النفس الناطقة أخذت المتخيلة التي من طباعها محاكاة الأمور، في حكاية تلك الصور المنطبعة في النفس، بصور جزئية تناسبها، ثم إن تلك الصور تنطبع في الحس المشترك فتصير مشاهدة. فهذا هو سبب الرؤيا في المنام)(١) .

والعلامة الطباطبائي في(الميزان في تفسير القرآن) قال في بحث له عن الرؤيا بعد أن قسم العوالم إلى ثلاثة عوالم هي: عالم الطبيعة،

____________________

(١) المطالب العالية من العلم الإلهي: ٨ / ١٣٠ - ١٣١.

١٢٦

وعالم المثال، وعالم العقل: (والنفس الإنسانية لتجردها لها مسانخة مع العالمين عالم المثال وعالم العقل فإذا نام الإنسان وتعطلت الحواس انقطعت النفس طبعاً عن الأمور الطبيعية الخارجية ورجعت إلى عالمها المسانخ لها وشاهدت بعض ما فيها من الحقائق بحسب ما لها من الاستعداد والإمكان، فإن كانت النفس كاملة متمكنة من إدراك المجردات العقلية أدركتها واستحضرت أسباب الكائنات على ما هي عليها من الكلية والنورية، وإلا حكتها حكاية خيالية بما تأنس بها من الصور والأشكال الجزئية الكونية كما نحكي نحن مفهوم السرعة الكلية بتصور جسم سريع الحركة، ونحكي مفهوم العظمة بالجبل، ومفهوم الرفعة والعلو بالسماء وما فيها من الأجرام السماوية، ونحكي الكائد المكار بالثعلب والحسود بالذئب والشجاع بالأسد إلى غير ذلك.

وإن لم تكن متمكنة من إدراك المجردات على ما هي عليها والارتقاء إلى عالمها توقفت في عالم المثال مرتقية من عالم الطبيعة فربما شاهدت الحوادث بمشاهدة عللها وأسبابها من غير أن تتصرف فيها بشيء من التغيير، ويتفق ذلك غالباً في النفوس السليمة المتخلقة بالصدق والصفاء، وهذه هي المنامات الصريحة.

وربما حكت ما شاهدته منها بما عندها من الأمثلة المأنوس بها كتمثيل الأزدواج بالاكتساء والتلبس، والفخار بالتاج والعلم بالنور والجهل بالظلمة وخمود الذكر بالموت. وربما انتقلنا من الضد إلى الضد كانتقال أذهاننا إلى معنى الفقر عند استماع الغني وانتقالنا عن

١٢٧

تصور النار إلى تصور الجمد ومن تصور الحياة إلى تصور الموت وهكذا. ومن أمثلة هذا النوع من المنامات ما نقل أن رجلاً رأى في المنام أن بيده خاتماً يختم به أفواه الناس وفروجهم فسأل ابن سيرين عن تأويل فقال: إنك ستصير مؤذناً في شهر رمضان فيصوم الناس بأذانك(١) .

النقطة الرابعة: حاجة الرؤيا إلى التعبير.

من الأمور المهمة في فهم حقيقة الرؤيا وتمييز صحيحها من باطلها هو العلم بتعبير وتفسير الرؤى والأحلام، وهو من العلوم التي لا يحظى بتمام مراتبها ولا يحيط بجميع جزئياتها إلا المعصوم من الأنبياء والأئمة (ع)، وذلك لأننا قلنا فيما سبق إن الرؤيا الصادقة هي رتبة من مراتب الكشف والاطلاع على الغيب، ومن المقرر بين العرفاء أن الكشف التام لا يكون إلا للمعصوم (ع)، وأما بقية الناس فإنّ مكاشفاتهم سواء كانت في اليقظة أم في المنام لا تخلو في كثير من الأحيان من نقص، ولذا فإن العرفاء يقولون لما سوى كشف المعصوم (ع) بأنه كشف ناقص، ومن هنا اشترط العرفاء في صحة كشف العارف أن لا يكون مخالفاً لكشف المعصوم - كما أشرنا إلى ذلك أكثر من مرة.

ويبين بعض العرفاء حقيقة علم التعبير فيقول: (وهذا العلم لا يحصل إلا بانكشاف رقائق الأسماء الإلهية والمناسبات التي بين الأسماء المتعلقة بالباطن وبين الأسماء التي تحت حيطة الظاهر، لأن

____________________

(١) نقد النصوص في شرح نقش الفصوص: ١٦١ - ١٦٢.

١٢٨

الحق سبحانه إنما يهب المعاني صوراً بحكم المناسبة الواقعة بينها، لا جزافاً - كما يظن المحجوبون أن الخيال يخلق تلك الصور جزافاً، فلا يعتبرون ويسمونها أضغاث أحلام - بل المصور هو الحق من وراء حجابية الخيال، ولا يصدر منه ما يخالف الحكمة. فمن عرف المناسبات التي بين الصور ومعانيها وعرف مراتب النفوس التي يظهر الصور في حضرة خيالاتهم بحسبها يعلم علم التعبير كما ينبغي. ولذلك يختلف أحكام الصورة الواحدة بالنسبة إلى أشخاص مختلفة المراتب. وهذا الانكشاف لا يحصل إلا بالتجلي الإلهي من حضرة الاسم الجامع بين الظاهر والباطن)(١) .

وقال نفسه في مقام آخر: (وأتم الأنوار التي تكشف ويكشف بها في الكاشفية، وأعظمها نفوذاً في الأشياء بالكشف عن حقائقها، هو النور التام العلمي الذي يكشف به ويدرك ما أراد الله بالصور المتخيلة المرئية في النوم، المتغيرة عما كانت عليه في عالم المثال، ويصير مشاهداً في عالم الحس بتصرف القوة المتصرفة، وهو - أي الكشف عما أراد الله بها هو - علم التعبير.

وإنما كان ذلك النور التام العلمي أتم الأنوار وأعظمها نفوذاً لأن الصورة الواحدة المتخيلة المرئية في النوم قد تظهر في خيال أشخاص متعددة بمعانٍ كثيرة مختلفة لتفاوت استعدادات تلك الأشخاص واختلافات أمزجتهم وتباين أمكنتهم وأزمنتهم وغير ذلك. لكن يراد منها،

____________________

(١) نقد النصوص في شرح نقش الفصوص: ١٦١ - ١٦٢.

١٢٩

أي من هذه الصورة، في حق صاحب الصورة، أي صاحب كان، معنى واحد من تلك المعاني الكثيرة. فمن كشفه، أي المعنى المراد، وميزه عن غيره وعبر الصورة المرئية به بذلك النور التام العلمي، فهو صاحب النور الأتم، ونوره أتم الأنوار لأنه يتميز به ما هو في غاية الالتباس ونهاية الاشتباه)(١) .

ويوضح هذا العارف بعد ذلك كيفية ظهور الصورة الواحدة بمعانٍ كثيرة لا يقدر على التمييز بينها جميعها إلا صاحب الكشف التام، فيقول: (وإنما قلنا إن الصورة الواحدة تظهر بمعانٍ كثيرة، فإن الشخص الواحد من جماعة قد يرى في النوم أنه يؤذن، فيحج في عالم الحس. وشخص آخر منهم يرى فيه أنه يؤذن، فيسرق في الحس. أما الحج، فمن قوله تعالى:( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ) . وأما السرقة، فمن قوله تعالى:( ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ) . وصورة الأذان واحدة، لكن التعبير مختلف لاختلاف الرئين. وكذلك شخص آخر يرى فيه أنه يؤذِّن، فيدعو إلى الله على بصيرة. وشخص آخر يرى أنه يؤذن، فيدعو إلى الضلالة، وذلك لاشتراك الأذان مع هاتين الدعوتين في مطلق الدعوة إلى أمر ما، وإنما اختلف المدعو إليه لاختلاف الرأي)(٢) .

إلى أن يقول في ختام كلامه: (ولا يُعرف هذا المقام إلا من

____________________

(١) نفس المصدر: ١٧٩ - ١٨٠.

(٢) نفس المصدر: ١٨٠.

١٣٠

يكاشف جميع المقامات العلوية والسفلية، فيرى الأمر النازل من الحضرة إلى العرش والكرسي والسموات والأرض ويشاهد في كل مقام صورته)(١) .

ومن هنا يتضح لنا أن حاجة الرؤيا إلى التعبير تنطلق من أن ما يراه الإنسان من صور في عالم المثال وما يطلع عليه من حقائق في عالم العقل تكون مجردة من المادة دون الصورة كما هو الشأن في عالم المثال، أو منهما معاً كما هو الأمر في عالم العقل، وحينما ترى النفس تلك الصورة وتطَّلع على تلك الحقائق في عالم النوم بفضل قوتها المتخيلة فإنها لابد وأن ترجعها إلى الحس المشترك الذي يقوم بتصويرها بصور مألوفة ومأنوسة عند الإنسان، فيصور معنى العظمة مثلاً بالجبل، وإذا لم يكن الإنسان مطلعاً تمام الاطلاع على تصرفات القوة المتخيلة وأفاعيلها وكيفية تأثيرها في الحس المشترك الذي يقوم بتجسيد المعاني المتخيلة وتصويرها في صورة حسية، فإنه لا يستطيع أن يعبر من الخيال إلى الحس وأن يدرك المعنى المراد من الصور الحسية التي يشاهدها الإنسان في رؤياه، وإذا لم يكن الإنسان صاحب كشف تام فإنه ربما أخطأ في التعبير وتصور ما ليس مراداً بأنه مراد، وهذه الرواية التي يرويها بعضهم عن الصادق (ع) تدل على أهمية التعبير وأن الانتقال فيه من الصورة الحسية إلى المعنى المراد ربما كان في غاية الغموض والإبهام بحيث لا يتيسر لكل أحد، فقد قال: (كنت عند أبي

____________________

(١) نفس المصدر.

١٣١

عبد الله (ع) فجاءه رجل فقال: رأيتك في النوم كأني أقول لك: كم بقى من أجَلي؟ فقلت لي بيدك: هكذا - وأومأ(١) (أي أشار بيده) إلى خمس - وقد شغل ذلك قلبي. فقال (ع):(إنك سألتني عن شيء لا يعلمه إلا الله عَزَّ وجَلَّ، وهي خمسة تفرد الله بها ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) (لقمان: ٣٤)) (٢) .

وفي قصة يوسف (ع) التي يحكيها القرآن المجيد في سورة كاملة نجد أن يوسف (ع) يعبِّر رؤيا الملك بتعبير لا تجد الأذهان بينه وبين الرؤيا مناسبة، وحينما يعجز المفسِّرون والمعبرون للرؤيا عن إدراك معناها فإنهم يقولون للملك: إنها أضغاث أحلام، في الوقت الذي يعترفون بأنهم لا يعلمون بتأويل الأحلام وتفسير الرؤى، وهذا ما حكاه لنا القرآن الكريم في قوله تعالى: ( وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا

____________________

(١) أي أشار بيده.

(٢) بحار الأنوار: ٦١ / ١٦٠ - ١٦١.

١٣٢

حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ) (يوسف: ٤٣ - ٤٩).

ويبيِّن العلامة الطباطبائي انقسام المنامات الصادقة إلى منامات صريحة لا تحتاج إلى التعبير ومنامات غير صريحة تحتاج إليه ويتوقف فهمها عليه فيقول: (وقد تبين مما قدمناه أن المنامات الحقة تنقسم انقساماً أولياً إلى منامات صريحة لم تتصرف فيها نفس النائم فتنطبق على مالها من التأويل من غير مؤنة، ومنامات غير صريحة تصرفت فيها النفس من جهة الحكاية بالأمثال والانتقال من معنى إلى ما يناسبه أو يضاده، وهذه هي التي تحتاج إلى التعبير بردها إلى الأصل الذي هو المشهود الأولى للنفس كرد التاج إلى الفخار، ورد الموت إلى الحياة والحياة إلى الفرج بعد الشدة ورد الظلمة إلى الجهل والحيرة أو الشقاء.

ثم هذا القسم الثاني ينقسم إلى قسمين أحدهما ما تتصرف فيه النفس بالحكاية فتنتقل من الشيء إلى ما يناسبه أو يضاده ووقفت في المرة والمرتين مثلاً بحيث لا يعسر رده إلى أصله كما مر من الأمثلة. وثانيهما ما تتصرف فيه النفس من غير أن تقف على حد كأن تنتقل من الشيء إلى ضده ومن الضد إلى مثله ومن مثل الضد إلى ضد المثل وهكذا بحيث يتعذر أو يتعسر للمعبر أن يرده إلى الأصل المشهود، وهذا النوع من المنامات هي المسماة بأضغاث الأحلام ولا تعبير لها

١٣٣

لتعسره أو تعذره.

وقد بان بذلك أن هذه المنامات ثلاثة أقسام كلية: وهي المنامات الصريحة ولا تعبير لها لعدم الحاجة إليها، وأضغاث الأحلام ولا تعبير فهيا لتعذره أو تعسره، والمنامات التي تصرفت فيها النفس بالحكاية والتمثيل وهي التي تقبل التعبير)(١) .

النقطة الخامسة: الموقف العملي من الرؤيا

يسرف البعض من المتدينين في الاعتماد على الرؤى والمنامات، وقد تجاوز هذا الإسراف الحد المعقول عند البعض فباتت كل مواقفه العملية وأفكاره النظرية تؤسس على ضوء الرؤى والأحلام وكأنها وحي أنزل عليه من السماء، ووصل الأمر عند بعض الجهلة من الناس أن يسمح لنفسه بإلغاء وتجاوز المقررات الشرعية الثابتة بالدليل والنص اعتماداً على ما يراه من رؤى وأحلام يراها مبررة لتجاوزه هذا على أحكام الشريعة.

وفي الحقيقة والواقع أن مثل هذا التعامل المنحرف واللامشروع مع مسألة الرؤيا لم يعدم وجوده على الدوام في الأوساط الدينية الجاهلة واللاواعية التي كانت تحدِّث نفسها على الدوام بضرورة وجود رابط مباشر بينها وبين العالم الغيبي تستطيع من خلاله التوصل إلى حل مشاكلها وإشكالياتها التي تعجز عن حلها بالطرق الطبيعية المتعارفة بين الناس، ولما كانت تعجز عن العثور على هذا الرابط المباشر في عالم اليقظة فإنها كانت تختلقه في عالم النوم بتأثير الإيحاء المستمر

____________________

(١) الميزان في تفسير القرآن: ١١ / ٢٧٢ - ٢٧٣.

١٣٤

والتحديث الدائم للنفس بهذا الأمر، وقد أشارت العديد من الأخبار والمرويات عن أهل بيت النبوة (ع) أن من أسباب الرؤيا الكاذبة هو حديث النفس الذي يضغط على الإنسان باتجاه خلق الصور الخيالية التي ترتبط بما يحدث الإنسان به نفسه، ومن الملاحظ والمجرب أن الإنسان إذا حدث نفسه بشيء تشتهيه نفسه وتعجز عن تحقيقه في الخارج بالوسائل والإمكانيات المتوفرة لديها فإنها ترى تحقيقه وإنجازه في عالم الرؤيا الذي لا يعجز الإنسان عن تحقيق كل آماله وطموحاته من خلاله.

ونجد في مقولة الإمام الصادق (ع) للمفضل توضيحاً جامعاً للموقع الذي ينبغي أن لا تتجاوزه الناس في تعاملها مع الرؤيا وموقفهم منها، إذ يقول:(فكِّر - يا مفضَّل - في الأحلام كيف دبر الأمر فيها فمزج صادقها بكاذبها، فإنها لو كانت كلها تصدق لكان الناس كلهم أنبياء، ولو كانت كلها تكذب، لم يكن فيها منفعة، بل كانت فضلاً لا معنى له، فصارت تصدق أحياناً فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدى لها، أو مضرة يُتَحذَّر منها، وتكذب كثيراً لئلَّا يُعتمد عليها كل الاعتماد) (١) .

ومن الروايات الكثيرة التي ذكرنا بعضها في ما سبق والتي تعبر عن الرؤيا الصادقة - لا مطلق الرؤيا - بأنها (بشارة) أو (بشرى) من الله نعي أن الرؤيا لا يمكن لها أن تتجاوز هذا الحد لتصير مصدراً ومقياساً

____________________

(١) توحيد المفضل: ٨٤ - ٨٥.

١٣٥

لإثبات أو نفس حقيقة من الحقائق الدينية أو حكم من أحكام الله الشرعية، وهذا ما نعيه في موقف الإمام الصادق (ع) ممن يرى الله في المنام، إذ يقول إبراهيم الكرخي: (قلت للصادق جعفر بن محمد (ع): إن رجلاً رأى ربه عَزَّ وجَلَّ في منامه فما يكون ذلك؟ فقال:ذلك رجل لا دين له، إن الله تبارك وتعالى لا يرى في اليقظة ولا في المنام ولا في الدنيا ولا في الآخرة )(١) .

إذن، نجد في هذا الموقف تثبيتاً لمعتقد ديني يحكم به العقل والنقل ويرقى عن أن يكون مجالاً للإثبات أو النفي من خلال الرؤيا والحلم، ونلحظ هذا النحو من التفكير المتزن والموقف المعقول من الرؤيا في كلام ينقله الكراجكي في(كنز الفوائد) عن شيخه المفيد (رضي الله عنه) إذ يقول: (وقد كان شيخي (رحمه الله) يقول: إذ جاز من بشر أن يدعي في اليقظة أنه إله كفرعون ومن جرى مجراه، مع قلة حيلة البشر وزوال اللبس في اليقظة، فما لا مانع من أن يدعي إبليس عند النائم بوسوسته له أنه نبي، مع تمكن إبليس بما لا يتمكن منه البشر وكثرة اللبس المعترض في المنام. ومما يوضح لك أن من المنامات التي يتخيل للإنسان أنه قد رأى فيها رسول الله والأئمة (صلوات الله عليهم) منها ما هو حق ومنها ما هو باطل أنك ترى الشيعي يقول: رأيت في المنام رسول الله (ص) ومعه

____________________

(١) بحار الأنوار: ٦١ / ١٦٧ - ١٦٨.

١٣٦

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يأمرني بالاقتداء به دون غيره، ويعلمني أنه خليفته من بعده. ثم ترى الناصبي يقول: رأيت رسول الله (ص) في النوم، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، وهو يأمرني بمحبتهم، وينهاني عن بغضهم، ويلعمني أنهم أصحابه في الدنيا والآخرة، وأنهم معه في الجنة، ونحو ذلك. فتعلم - لا محالة - أن أحد المنامين حق والآخر باطل، فأولى الأشياء أن يكون الحق منهما ما ثبت بالدليل في اليقظة على صحة ما تضمنه. والباطل ما أوضحت الحجة عن فساده وبطلانه. وليس يمكن للشيعي أن يقول للناصبي: إنك كذبت في قولك: رأيت رسول الله (ص)، لأنه يقدر أن يقول له مثل هذا بعينه)(١) .

ومن هنا يتضح لنا أنه لا يمكن للرؤية أن تكون وسيلة يعوَّل عليها في إثبات الحقائق الدينية والأحكام الشرعية، وفي ذلك يقول العلامة المجلسي (قده): (قد ورد بأسانيد صحيحة عن الصادق (ع) في حديث الأذان:أن دين الله تبارك وتعالى أعز من أن يرى في النوم )(٢) .

وكلامه هذا إشارة إلى ما يزعمه أهل السنة من أن أصل الأذان رؤيا رآها عبد الله بن زيد وأخبر بها النبي (ص) فأخذ بها وشرَّع الأذان على

____________________

(١) كنز الفوائد: ٢ / ٦٤.

(٢) بحار الأنوار: ٦١ / ٢٣٧.

١٣٧

أساس منها.

وقال في(كتاب الصلاة) من(بحار الأنوار): (ثم اعلم أن الأصحاب اتفقوا على أن الأذان والإقامة إنما شُرِّعا بوحي من الله، وأجمعت العامة على نسبة الأذان إلى رؤيا عبد الله بن زيد في منامه ونقلوا مواقفه عمر له في المنام، وفي رواية الكليني ما يدل على أنهم كانوا يقولون إن أبيَّ بن كعب رآه في النوم، وهو باطل عند الشيعة، قال ابن أبي عقيل: أجمعت الشيعة على أن الصادق (ع) لعن قوماً زعموا أن النبي (ص) أخذ الأذان من عبد الله بن زيد، فقال:ينزل الوحي على نبيكم، فيزعمون أنه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد . انتهى، والأخبار في ذلك كثيرة في كتبنا)(١) .

ورواية الكليني التي يشير إليها المجلسي (رض) في كلامه هذا هي ما رواه في الكافي عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله (ع) قال: (قال:ما تروى هذه الناصبة؟ فقالت: جعلت فداك في ماذا؟ فقال:في أذانهم وركوعهم وسجودهم، فقلت: إنهم يقولون: إن أبيّ بن كعب رآه في النوم، فقال:كذبوا فإن دين الله عَزَّ وجَلَّ أعز من أن يرى في النوم  ... )(٢) .

وعلى هذا الأساس لا يبقى مجال لأحد لأن يتمسك بحديث (من

____________________

(١) نفس المصدر: ٨٤ / ١٢١ - ١٢٣.

(٢) الكافي: ٣ / ٤٨٢.

١٣٨

رآني في نومه فقد رآني، لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي)(١) لإثبات أو نفي قضايا ومسائل ترتبط بدين الله وأحكامه، مع ما يرد على هذا الحديث من إشكالات علمية كثيرة أهمها عدم ثبوته بسند معتبر وكونه ضعيفاً حتى قال فيه السيد المرتضى (قده): (هذا خبر واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد، ولا معوَّل على مثل ذلك)(٢).

أضف إلى ذلك إننا قد أمرنا من قبل أئمتنا (ع) بأخذ الأحكام الشرعية من قبل رواة أحاديثهم حينما يتعذر علينا الوصول إليهم، ولم يشر الأئمة (ع) إلى الاعتماد على الرؤيا في التوصل إلى أحكام دين الله، ولو كانت الرؤيا حجة في مثل هذا لما كان من المعقول أن يسكت الأئمة (ع) عن بيان ذلك، بل كان بيانهم على خلاف ذلك كما تصرح بذلك الرواية المتقدمة التي تقول:(فإن دين الله عَزَّ وجَلَّ أعز من أن يرى في النوم).

ومن الأحاديث التي دلت على لزوم الرجوع في معرفة الأحكام الشرعية إلى رواة أحاديثهم (ع)، ما رواه الحر العاملي في(وسائل الشيعة) عن أبي خديجة قال: (بعثني أبو عبد الله (ع) إلى أصحابنا فقال:قل لهم: إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسَّاق! اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا، فإني قد جعلته عليكم قاضياً. وإياكم

____________________

(١) بحار الأنوار: ٦١ / ٢٣٤.

(٢) الشريف المرتضى، أمالي المرتضى: ٢ / ٣٩٤.

١٣٩

أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر )(١) .

وروي عن الإمام صاحب العصر والزمان (عج) أنه قال:(وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) (٢) .

وحتى في مقام التنازع والمخاصمة قد أمرنا بالرجوع إلى رواة أحاديثهم ومن نظر في حلالهم وحرامهم (ع)، فقد روى عن عمر بن حنظلة أنه قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة(٣) أيحل ذلك؟ قال:من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً وإن كان حقاً ثابتاً له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر الله أن يكفر به، قال تعالى: ( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ) قلت: فكيف يصنعان؟ قال:ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد، والراد علينا كالراد على الله، وهو على حد الشرك بالله )(٤) .

____________________

(١) وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: ١٨ / ١٠٠.

(٢) نفس المصدر: ١٠١.

(٣) المراد من القضاة قضاة العامة.

(٤) المصدر السابق: ٩٩.

١٤٠