التشيع نشأته معالمه

التشيع نشأته معالمه0%

التشيع نشأته معالمه مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 390

  • البداية
  • السابق
  • 390 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18237 / تحميل: 5412
الحجم الحجم الحجم
التشيع نشأته معالمه

التشيع نشأته معالمه

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

التشيُّع

نشأتُهُ.. معالمُهُ

١

٢

التشيُّعُ

نشأتُهُ.. معالمُهُ

هاشم الموسوي

إصدار

مركز الغدير للدراسات الإسلامية

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

٥

٦

الإهداء

إلى مَن بُعث رحمةً للعالَمين

إلى داعيَ الحقّ محمّد (صلّى الله عليه وآله)

نتقدّم بهذا الجُهد المتواضع، راجين القبول والشفاعة يوم الحساب

٧

٨

تصدير

الحمد لله ربِّ العالَمين، والصلاة والسلام على سيّد المرسَلين وخاتم النبيّين محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:

فهذا الكتاب الذي يقدّمه (مركز الغدير للدراسات الإسلامية) للقرّاء فاتحةً لأعماله، لمؤلّفه السيّد هاشم الموسوي يعبّر - فيما نحسب - بدرجةٍ كافيةٍ عن هدف المركز ومنهجه، فيما يتناول مِن بحوثٍ ودراسات.

أمّا الهدف: فهو التعريف بالتشيّع الذي نعني به الإسلام، كما حملته إلينا العترة الطاهرة المطهّرة مِن أهل بيت النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وتصحيح الأَوهام والمفاهيم الخاطئة التي كوّنتها ظروف السياسة، وعمّقتها الأقلام والألسُن المأجورة، والاتّجاهات المتعصّبة، حَول أصله ومحتواه.

وأمّا المنهج: فهو التزام الموضوعية والأمانة العِلمية في البحث، والنظر في ما يطرح مِن أحداثٍ ومواقفَ تاريخية، وقضايا فكرية لها صِلة بدِيننا وعقيدتنا؛ نظرةً نقْديةً بنّاءةً بعيدةً عن التعصّب، غايتها الوصول بالقارئ المسلم إلى الحقّ فيما يخصّ دِينه وعقيدته ورسالته في هذه الحياة، مع تبنّي مبدأ

٩

التقارب والتفاهم بين المسلمين جميعاً، على أُسس الإسلام وأُصوله المشتركة. ذلك هو الكتاب.

وأمّا الكاتب: فهو يستحقّ منّا الشُكر خالصاً ومضاعَفاً على وفائه بالعمل، الذي أُنيط به هدفاً ومنهجاً. وإذا كان لنا مِن كلمةٍ نذكرها عنه، فهي أنَّ كتابه هذا ثمرة جُهدٍ عِلميٍّ، وتجربةٍ في الكتابة، وتفاعلٍ مع أجواءٍ إسلامية مختلفة الاتّجاه والرؤى المذهبيّة، وهو تتويج لبحوثٍ له كثيرةٍ قدّمها لقرّائه بصمْتٍ وتواضعٍ حول نفْس الموضوع، مِن خلال مؤسّسة البلاغ، ومنظّمة الإعلام الإسلامي.

نسأل المولى جلّ شأنه أن يُبارك له عمله هذا، ويأخذ بيده وأيدينا في طريق الدفاع عن الحقّ، وإعلاء كلمة الإسلام، وجمْع كلمة المسلمين. إنّه نِعم المولى ونِعم النصير.

مركز الغدير للدراسات الإسلامية

١٠

المقدَّمةُ

الحمّد لله ربّ العالَمين، والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين محمّد وآله الطاهرين.

القارئ العزيز:

إذا كان الإسلام هو الخطاب الإلهي الموجّه إلى البشريّة في كلّ زمانٍ ومكان، وأنّه الأمل والمنقذ والهادي في متاهات المسير. فإنّ هذا الخطاب الإلهي بما حوى مِن كتابٍ وسُنّة، والعمل به، وقيادة البشَرية على أساسه قد واجَه مشكلتَين رئيستين هما:

مشكلة الفَهْم، ومشكلة الأمانة العِلمية والأداء الموضوعي النزيه. فقد أفرز الفَهْم البشَري المتعامل مع هذا الخطاب أخطاء اجتهادية وآراء شطّ بها المنهج، أو القصور العِلمي أحياناً، وهوى النفْس أحياناً أُخرى عن روح النصّ، ومراد الخطاب.

وإذا كان الفَهْم البشَري قد أفرز تراكمات مِن الخطأ والانحراف، فإنّ غياب الأمانة العِلمية، وتزوير التاريخ والسنّة، وتغييب الشاهد مِن وثائقهما، والعبَث بالحقيقة، قد أورثت مشاكل ساهمت بدَورها في إرباك الفَهْم وتضليل

١١

التفكير، وتعميق الخطر.

وبهذه الأسباب مجتمعة تفرّقت وحدة المسلمين، وتمزّق شملهم، وتعدّدت كلمتهم.

وإنّ لِمُعضلةِ الخلاف الفكري والسياسي التاريخية هذه امتدادها المعاصر، وأثَرها على الأجيال الشاهدة، في وقتٍ يواجه فيه المسلمون ظرفاً سياسياً وحضارياً عصيباً، يواجهون فيه محنة الغزو الفكري والاحتلال الصليبي والخطر الصهيوني.

ومع تراكم حالات المحنة، وعُمق الجراح في قلب الأُمّة وكرامتها، نشاهد بعض الأقلام والألسُن تعمل جاهدةً على توسيع دائرة الخلاف بين المسلمين، وشنّ حملات دعائية وتضليليّة هدّامة، في الوقت الذي يشعر فيه كلّ مسلمٍ غيورٍ على عقيدته وأُمّته بالخطر، الذي يهدّد كيان الأُمّة مِن جهةٍ، وبالأمل الذي بدأت طلائعه تترى في أُفق التحوّل التاريخي في العالَم الإسلامي، باتّجاه المشروع القرآني لبناء المجتمع والدولة والحضارة مِن جهةٍ أُخرى، ممّا يدعو الكتّاب والمفكّرين الإسلاميين وعلماء الإسلام ودعاته إلى حشْد الجهود والطاقات؛ لمواجهة الخطر الفكري والسياسي الذي يهدّد الكيان الإسلامي، وتعميق روح الوعي والأصالة، وهَمّ العودة إلى الذات والهوية، والتعريف بالمشروع الإسلامي العظيم؛ لإنقاذ الإنسـان، وحلّ مشاكله، بدلاً مِن الاشتغال بالصراع والخلاف.

وهذا الإحساس.. الإحساس بوجوب الدعوة إلى وحدة المسلمين، وتصحيح الفهْم، وتوظيف الجهود؛ لإقامة المجتمع الإسلامي الذي يتفيّأ ظلال القرآن والسنّة، ويستلهم صفاءه ووحدته مِن المجتمع النبويّ الكريم.. هذا الإحساس هو الذي دفعني إلى تأليف كتاب (التشيّع: نشأته - معالمه)؛

١٢

لإيضاح حقيقة هذا الكيان الإسلامي الأصيل، ذي التاريخ والفاعلية في حركة الأُمّة وحضارتها. بعد أن عُرِّض لحمْلةٍ عدوانيةٍ تشويهيةٍ ظالمةٍ مِن بعض الكتّاب والألسُن؛ نتيجة الجهل والعصبيّة، وعَرَض هذه الحياة الزائلة.

كتبتُ هذا الكتاب للمساهمة في ترشيد الرأي العامّ الإسلامي، وتعريف المسلمين بعضهم ببعض، وإزالة الحاجز النفسي، والضباب التاريخي عن حقائق يجهلها الكثير مِن المسلمين؛ لذلك ابتدأت بالحديث الموضوعي الأمين عن نشأة التشيّع كأقدم اتّجاه إسلامي وأعرَقه، ثمّ عرَّفت بمنهج البحث والتفكير الذي يبني هذا الكيان صرْحه الفكري على أساسه؛ ليتّضح للقارئ مستوى الأصالة والتماسك البُنيوي في هذا الصرْح الإسلامي الشامخ.

بعد ذلك عرَّفت بأبرز مرتكزات البناء الإيماني والتشريعي والسلوكي، وهي مرتكزات العقيدة، ومصادر الفكر والاستنباط، ومنهج الفَهْم والاجتهاد، نظرية السلوك والفهْم العمَلي للإسلام في هذه المدرسة؛ لتتكامل الرؤية لدى القارئ عن نشأة ومعالِم هذا الكيان الإسلامي.

وقد التزمتُ في كلّ ذلك بالموضوعية والأمانة العِلمية، والأخْذ مِن المصادر المعتمدة والموّثقة عند أصحابها. رائدنا في كلّ ذلك خدمة العقيدة، وتوحيد الأمّة وتصحيح الفهْم.

لا بدّ لي مِن أن أُثبّت أنّ كتاب (التشيّع: نشأته - معالمه) - الذي قام (مركز الغدير للدراسات الإسلامية) بنشْره مشكوراً - جاء تجاوباً مع جهود المركز المخلصة؛ لتوحيد الصفّ الإسلامي، والتعريف بمنهج الإسلام كما فهمته مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، في خضمّ تعدّد الرؤى ومدارس الفهْم الإسلامي، فواصلتُ العمل على تأليف هذا الكتاب، حتّى أتممتُه بعَون

١٣

الله، مسجّلاً كلمة الشكر والتقدير لجهود السادة العلماء المشرفين على توجيه هذا المركز واهتمامهم المخلص، لا سيّما ما أبداه سماحة آية الله السيّد محمود الهاشمي المشرف العامّ على المركز مِن متابعةٍ وتوجيهات ومناقشاتٍ، كان لها الأثَر الطيّب في إنضاج بحوث الكتاب وتعميقها.

سائلين المولى القدير أن يأخذ بأيدينا إلى ما فيه خير الأمّة وصلاحها، إنّه سميع مجيب.

المؤلّف

10 / صفر / 1414 هـ

١٤

المَدخلُ

الوحدة في ظِلّ النبوّة

شاء الله سبحانه أن يبعث في هذه البشَرية رسوله محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بالهدى ودين الحق؛ لهداية البشَرية، وإخراجها مِن ظلمات الجهل والتخلّف والفُرقة والضلال، وتحريرها مِن ظُلم الطواغيت واستعباد الإنسان؛ ليفتح أمامها آفاق العِلم، ويضعها على طريق الهدى، ويُحطّم أغلال العبودية، ويقضي على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.

وتمّت كلمة الله وانتصر الحقّ وتحرّر الإنسان، واتّضح المسار، وحقّق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عملية التغيير والبناء، وأقام المجتمع والدولة، وحمل الدعوة إلى العالَم أجمع، وتحدّدت معالِم الحياة على هدْيِ الكتاب والسنّة النبويّة المطهّـرة.

فكان المسلمون أمّةً واحدةً، تؤمن برسالتها، ولا تختلف في شيءٍ مِن فهْمها

١٥

أو العمل بها، فإنّ فيهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهو مبلّغ الوحي، والمخاطَب بالقرآن، والعالِم بكلّ ما أراد الله أن يبلّغه لعباده، فكان المسلمون يأخذون أحكام دِينهم، ويفهمون ما يتعذّر عليهم فهْمه مِن كتاب الله وشؤون الحياة، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فهو المرجـع، والمُفتي، والمُبَيِّن للشريعة والعقيدة وفهْم الحياة وما استجدّ مِن وقائع ومشاكل حياتية وقضايا عبادية وفكرية.

فلمْ يعرف المسلمون الاختلاف في الأحكام والعقيدة، ولمْ يكن هناك آراء ولا اجتهادات في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، بل هو عصْر التبليغ والبيان النبويّ المعبّر عن الحقّ والواقع، كما اطّلع عليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأخبره ربُّ العزّة.

فعاشت الأُمّة في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في ظِلّ وحدةٍ فكريةٍ وعقيديةٍ وتشريعيةٍ كاملةٍ، وكان القرآن يوجّههم إلى ذلك ويرشدهم، كلّما رأى خلافاً في الرأي، أو حَيرةٍ وبَلبلةٍ.

( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ) (1) .

( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (2) .

وإلى جانب الوحدة الفكريّة والتشريعيّة هذه كانت هناك الوحدة القيادية والسياسية، والاجتماع الموحّد تحت لواء القيادة والولاية النبويّة، فالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) هو المبلّغ والحاكم ووليّ الأمر، وهو أَولى بالمؤمنين مِن أنفسهم، فلم يكن هناك نزاع سياسي، ولا خلاف حَول الولاية والإمامة، ولا انقسام في صفوف الأُمّة، ولا تكتّلات سياسية مناوئة للقيادة النبويّـة، غير تكتّل المنافقين المتستّر.

____________________

(1) سورة النساء: آية 59.

(2) سورة الحشر: آية 7.

١٦

وهكذا كانت الأُمّة تعيش في ظِلّ وحدةٍ فكريةٍ وتشريعيةٍ وقياديةٍ، غير أنّ هذه الوحدة المتمركزة حَول محوَر النبوّة، كانت تحمِل في طيّاتها الاستعداد للانقسام والصراع والخلاف، في الرأي، والتمحْوُر حول اتّجاهات وشخصيات؛ لعدم تحقّق النُضج الكامل والتجانس في فهْم الإسلام، والتفاعل معه لدى الجميع بدرجةٍ متساوية، لا سيّما الذين دخلوا الإسلام متأخّرين، أو خضعوا لقوّة التيّار الإسلامي وانتصار الدعوة.

ويحدّثنا التاريخ عن عنايةٍ نبويّةٍ خاصّةٍ، بإعداد الرسول طليعة مِن أصحابه، وتأهيلها لمواصلة المسيرة الإسلامية الخالدة، كان في مقدّمتها الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) الذي حظيَ بإعدادٍ وتربيةٍ نبويّةٍ متميّزة، منذ نشأته وتربيته الأُولى، فأثّر هذا الإعداد وتلك العناية بتكوين شخصيّته ووَعيه للرسالة؛ لذا كان له دَور متميّز في نصرة الدعوة، ومواقف الجهاد والبطولة يوم بدْرٍ وأُحُدٍ والأحزاب وخيبر وحُنين، فوَرد على لسان الوحي والرسول مِن المديح والثناء على شخصه ما لم يرِد بحقّ شخصٍ آخَر مِن الصحابة.

وينقل لنا المؤرّخون وأرباب السيَر أنّ ظهور هذه الشخصية في مسيرة الدعوة، والعناية النبويّة بها أفرز نمَطاً مِن الحركة والاهتمام وردود الأفعال المتفاوتة تجاهها، فكان البعض ينظر إلى عليّ (عليه السلام) كمُنافسٍ وقوّةٍ قياديةٍ تُعَدُّ لمستقبل الأيّام، وآخَر يراه محوَراً وقُدوةً. فكانت تلك المرحلة هي بداية ظهور الولاء والتشيّع له.

وإلى جانب هذه الرؤى كان هناك التجمّع الأمويّ، الذي كان لعليٍّ الدَور البارز في ضرْبه وتدميره في مواقع الصراع كلّها، يوم بدْرٍ وأُحُدٍ والأحزاب، وتحطيم القيادة الأمويّة المعادية للدعوة الإسلامية ورسولها وطلائعها، بقيادة أبي سفيان آنذاك.

١٧

ظهور المحوَرية السياسية في الصفِّ الإسلامي

وشاء الله سبحانه أن يتوفّى نبيّه، ويلتحق الرسول بالرفيق الأعلى، وتبدأ مرحلة جديدة بعد مرحلة النبوّة، وهي مرحلة الخلافة والقيادة الفكرية والسياسية، مرحلة قيادة الدولة والأُمّة، ومواصلة حمْل الدعوة إلى العالَم مِن قِبَل إمامٍ أو (خليفةٍ)، فكانت السقيفة، وكان الاجتماع التاريخي الذي حدث فيها.

اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، واختارت سعد بن عبادة زعيماً ورئيساً للمسلمين، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) لمّا يزلْ على المغتسَل، والإمام عليٍّ وبنو هاشم مشغولون بتجهيزه، وتناهى خبر الاجتماع ومبايعة سعد، إلى عُمَر بن الخطّاب وأبي بكر وأبي عبيدة بن الجرّاح وعبد الرحمن بن عوف، فأقبلوا مسرعين، وبدأ الجدَل والحوار مع الأنصار المجتمعين في السقيفة، وتحوّل الحوار إلى خلافٍ في الرأي وتهديدٍ بالقتل، فعمَر وأبو بكر وأبو عبيدة يرَون أنّ الخلافة يجب أن تصير في أحدهم، وقد خاطبوا الأنصار بقولهم:

(يا معشر الأنصار منّا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ونحن أحقّ بمقامه) (1) .

وأكّد أبو بكر هذا المفهوم في خطبته في السقيفة بقوله: (وهُم - المهاجرون - أولياؤه وعشيرته، وأحقّ الناس بهذا الأمْر) (2) .

وحين اشتدّ الجدَل والخلاف، بدأ التّراجع في تكتّل الأنصار، فقالوا: (منّا أميرٌ

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2: 123.

(2) تاريخ الطبري 3: 208.

١٨

ومنكم أمير) (1) .

واستمرّ الحوار بين الطرفين، وبدأ اسم عليّ بن أبي طالب يظهر في السقيفة على أَلسُن القادة البارزين في التكتّلين، كمرشّح للخلافة والإمامة، رغْم عدم حضوره، ورغم أنّه لمْ يكن يعلم بما يجري في السقيفة، وأوّل مَن ذكَره عبد الرحمن بن عوف مِن المهاجرين، والمنذر بن أرقم مِن الأنصار.

خاطب عبد الرحمن بن عوف الأنصار بقوله: (يا معشر الأنصار إنّكم وإن كنتم على فضْل، فليس فيكم مثل أبي بكرٍ وعمَر وعليٍّ، وقام المنذر بن الأرقم فقال: ما ندفع فضْل مَن ذكَرت، وإنَّ فيهم رجُلاً لو طلب هذا الأمْر لمْ ينازعه فيه أحد، يعني عليّ بن أبي طالب) (2) .

ونقل الطبري نصّاً آخَر جاء فيه: (فقالت الأنصار، أو بعض الأنصار: لا نبايع إلاّ عليّاً) (3) .

وبعد أن تطوّر الجدَل والحوار وثَبَ بشير بن سعد، فبايع أبا بكر، ثمّ بايعه أُسَيْد بن حضير، هما مِن الأنصار، وهكذا بدأت البيعة، وبايع الحاضرون في السقيفة عدا سعد بن عبادة الذي امتنع عن البيعة، فقال عمَر: (اقتلوا سعداً، قتَل الله سعداً) (4) .

ولمْ ينتهِ الأمْر في داخل السقيفة، بل كان ذلك الاجتماع الخطير بدايةً لمرحلةٍ تاريخيةٍ، وصراعٍ رهيبٍ، وانشقاقٍ وتكتّلات تركت آثارها على مسيرة التاريخ الإسلامي بأسْره، فقد انطلق الصحابي البراء بن عازب إلى بني هاشم، وأخبرهم بما جرى في السقيفة، فقال بعضهم: (ما كان المسلمون يُحْدِثون حَدَثاً نغيب عنه، ونحن أَولى بمحمّد. فقال العبّاس فعَلوها، وربّ الكعبة) (5) .

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2: 123.

(2) تاريخ اليعقوبي 2: 123.

(3) تاريخ الطبري 3: 198.

(4) تاريخ اليعقوبي 2: 124، تاريخ الطبري 3: 210.

(5) تاريخ اليعقوبي 2: 124.

١٩

وهكذا تعكس عبارة العبّاس: (فعَلوها وربّ الكعبة) ما كان مستبطناً في أعماق الموقف، الذي جرى في السقيفة.

وحين تسلّم عليّ (عليه السلام) أنباء تلك الحوادث، حدَّد هو وجمْع مِن الصحابة موقفهم منها، فرفضوا نتائجها.

وظَلّ عليٌّ (عليه السلام) يخاطب المهاجرين والأنصار ومعه فاطمة بنت رسول الله، ويتّصلون بهم؛ لتغيير الموقف، وإعادة النظر، حتّى وفاة فاطمة (عليها السلام)، فكانت تلك الحوادث والمواقف إيذاناً بميلاد التكتّل حول عليّ (عليه السلام)، كما ظهر التكتّل حَول سعد بن عبادة وأبي بكرٍ في السقيفة.

٢٠