التشيع نشأته معالمه

التشيع نشأته معالمه0%

التشيع نشأته معالمه مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 390

  • البداية
  • السابق
  • 390 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18343 / تحميل: 5524
الحجم الحجم الحجم
التشيع نشأته معالمه

التشيع نشأته معالمه

مؤلف:
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الفصل الثامن

الاجتهاد ومصادر الأحكام

في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

٢٦١

٢٦٢

تقديمٌ

مِن الحقائق الثابتة لدى المسلمين جميعاً، أنّ جيل الصحابة كانوا على عهد الرسول (صلّى الله عليه وآله)، يأخذون منه أحكام الشريعة ومفاهيم القرآن، فهو المبلّغ عن الله سبحانه، والمبيّن لِما هو غامض مِن محتوى النصّ القرآني، فلمْ تُعدّ هناك مشكلة تشريعية، ولمْ يُعدّ هناك خلاف في الأحكام بين المسلمين، فهُم يعملون بكتاب الله وسنّة نبيّه بإيضاحٍ نبويٍّ مباشر، أو منقول عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) نقلاً أميناً، قبل أن يعبث به بعض الرواة والناقلين.

غير أنّ المسلمين بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله) انقطع عنهم الوحي والبيان النبويّ، مع كمال الرسالة وشمولها لكلّ ما يحتاجه الإنسان في حياته، على امتداد الزمان والمكان، وتطوّر الحياة المدنية والعِلمية والعقلية.

ومِن الواضح لدينا جميعاً أنّ الحياة المدنيّة والحضارية بدأت بالتطوّر والنموّ، وأنّ وقائع وموضوعات ومشاكل إنسانية جديدة، بدأت تبرز في حياة الفرد والمجتمع والدولة، وفي مختلف شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والقضائية والأُسَرية والعسكرية والتعبّديّة... الخ.

٢٦٣

وبما أنّ الإنسان المسلم مكلّف بتحصيل الحُكم الشرعي، في أيّة مشكلة وقضية يواجهها في الحياة، وهو يؤمن بأنّ الرسالة الإسلامية رسالة شاملة لكلّ شأنٍ مِن شؤون الحياة، وقادرة على حلّ أيّة مشكلة تشريعية أو فكرية، أو أخلاقية يواجهها الإنسـان؛ لذا اتّجه المسلمون إلى علماء الصحابة لفَهْم النصّ - الكتاب والسنّة - وبيان الأحكام المختزنة فيه، لحلّ مشاكل العصر التشريعية والفكرية، وكان أبرز مَن يُرجع إليهم هو الإمام عليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عبّاس، وعبد الله بن مسعود اللّذين تتلمذا على عليٍّ وأخذا عنه.

وكان مٍن الثابت تاريخياً أنّ الصحابة جميعاً كانوا يرون أنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) هو أعْلمهم، ومرجعهم في الأحكام والمعارف الإسلامي وبيان ما لمْ يكن جليّاً مشخّصاً منها، بعد أن شخّص لهم الرسول (صلّى الله عليه وآله) هذه الحقيقة بقوله: (أقضاكم عليّ) (1) ، و(أنا مدينة العِلم وعليٌّ بابها) (2) .

وقد وصفته زوج الرسول (صلّى الله عليه وآله) عائشة بقولها: (أما إنّه أعلم الناس بالسنّة) (3) .

ونقل المفسّرون عن عليٍّ، أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دعا له ربَّه بأن تكون أُذُنه هي الأُذُن الواعية لأحكام الشريعة وأصول الإسلام، عند نزول قوله تعالى: ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) (4) ، فقد قال: قال [لي] النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (سألتُ ربّي أن يجعلها أُذُنك يا عليّ) (5) .

____________________

(1) ابن عبد البرّ / الاستيعاب (المطبوع ضمن كتاب الإصابة) 3: 38. الجراحي / كشف الخفاء 1: 162 / ح 489.

(2) الحاكم / المستدرك 3: 137 / ح 4637. الحموئي / فرائد السمطين 1: 98 / ح 67.

(3) الطبري / ذخائر العقبى: ص 78. الحموئي / فرائد السمطين 1: 368 / ح 297.

(4) سورة الحاقّة: آية 12.

(5) أبي نعيم الأصفهاني / حُلية الأولياء 1: 67. الحموئي / فرائد السمطين 1: 198 / ح 155.

٢٦٤

وحين شهدت حياة المجتمع الإسلامي تطوّراً مدنياً كبيراً، وتقدّماً اجتماعياً واسعاً، وجد المسلمون أنفسهم أمام مسائل وقضايا ووقائع جديدة، تحتاج إلى تنظيم وبيان الموقف الإسلامي منها، وتحديد التكليف الشرعي تجاهها.

وقد شهدت نهاية القرن الأوّل وبداية القرن الثاني، تطوّراً كبيراً في مجال الفكر والتشريع وعلوم التفسير، وما اتّصل بها مِن علوم ومعارف، فقد نشأت حركةً عِلميةً ومدارس فقْهية، وتبلوَرت حركة الاجتهاد بصيغتها المنظّرة.

وتشهد المرحلة التاريخية التي ظهرت فيها الآراء الفقهية والكلامية، بوجود عدّة مِن الفقهاء والمحدّثين وأصحاب الفِرَق الكلامية والآراء العقيدية.

في تلك الفترة ظهر الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام)، كرائدَي مدرسةٍ عِلميةٍ نادت بالالتزام بالكتاب والسنّة، وإعطاء العقل دَوره المناسب في عملية الفَهْم والمعرفة الإسلامية، والوقوف بوجه الدسّ والتحريف في الأحاديث النبوية، ودخلت بالإضافة إلى ذلك في حوارٍ عِلميٍّ موضوعي، مع فقهاء المذاهب، وأصحاب الاجتهاد ونظريات العمل بالرأي والقياس منهم خاصّة.

ويدلّنا تاريخ نشوء الفقْه والاجتهاد والمذاهب الفكرية، على أنَّ تميّز مدرسة أئمّة أهل البيت الفقهية، قد عُرِف بشكله الأكثر وضوحاً على يد هذين الإمامين (عليهما السلام).

وقد شهد علماء المسلمين وفقهاؤهم ورواتُهم ورجاليّوهم، بمقام الإمامَين الباقر والصادق العِلمي، وسبْقهم في التقوى والورع والعمل على نشر الإسلام والدفاع عنه.

وكما نُسبت المذاهب والآراء إلى أصحابها، فقيل: مذهب أبي حنيفة، ومذهب مالك، ومذهب الشافعي، ومذهب أحمد بن حنبل... الخ، نُسبت مدرسة

٢٦٥

أئمّة أهل البيت إلى جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) فيما بعد؛ لكثرة ما ورَد عنه مِن علوم ومعارف ورواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتبيين لغوامض الشريعة ومفاهيم العقيدة، فسُمّيت (بالمذهب الجعفري).

ولمْ يكن الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام) علماء للشيعة فحسب، ولمْ يعرفوا هذا الانحياز في حياتهما العِلمية، بل كانت مدرستهم مدرسة إسلامية عامّة، تتلمذ عليها عدد مِن أئمّة المذاهب، فقد تتلمذ أبو حنيفة ومالك على الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).

وتتلمذ الشافعي على أبي حنيفة، وتتلمذ أحمد بن حنبل على الشافعي، وهكذا تنتهي سلسلة الأُستاذية في فقهاء المذاهب إلى الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام)، غير أنّ هؤلاء الفقهاء اجتهدوا فكوّنوا مذاهب فقهية، يختلف مذهب كلّ فقيه عن مذهب أُستاذه.

ومِن المفيد هنا أن نذكر بعضاً مِن شهادات العلماء وأئمّة الحديث والفقْه، في المذاهب الإسلامية والمدارس الأُخرى، التي توضّح مقام الإمامين الباقر والصادق العِلمي، وبقيّة أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).

وصف ابن سعد الإمام الباقر بقوله: (كان ثقة، كثير العِلم والحديث) (1) . ونقل سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) عن عطاء - أحد أعلام التابعين - وصْفه للإمام الباقر (عليه السلام) بقوله: (ما رأيت العلماء عند أحد أصغر عِلماً منهم عند أبي جعفر..) (2) .

ووصفه ابن العماد الحنبلي بقوله: (أبو جعفر محمّد الباقر، كان مِن فقهاء أهل المدينة، وقيل له الباقر؛ لأنّه بَقَرَ العِلم، أي شقّه، وعَرَف أصله وخفِيَّه، وتوسّع

____________________

(1) ابن سعد / الطبقات الكبرى 5: 324.

(2) سبط ابن الجوزي / تذكرة الخواص: ص 337 / فصل في ذِكر محمّد الباقر (عليه السلام).

٢٦٦

فيه) (1) .

أمّا ولَده جعفر الصادق(عليه السلام) الذي سُمّي مذهب أهل البيت باسمه (المذهب الجعفري)، فقد تحدّث عنه علماء الرجال بما يناسب مقامه مِن العِلم والتقوى، فقد وصفه ابن حبّان في كتابه (الثقات) بقوله: (.. وكان مِن سادات أهل البيت فقْهاً وعِلماً وفضْلاً، روى عنه الثوري ومالك وشعبة والناس) (2) .

ونقل ابن حجر عن الساجي قوله في الإمام جعفر بن محمّد: (كان صَدوقاً مأموناً، إذا حدّث عنه الثقات، فحديثه مستقيم)...

وقال النسائي في الجرح والتعديل: (ثقة، وقال مالك اختلفتُ إليه زماناً، فما كنتُ أراه إلاّ على ثلاث خصال: إمّا مصلٍّ، وإمّا صائم، وإمّا يقرأ القرآن، وما رأيته يُحدِّث إلاّ على طهارة) (3) .

ولقد ألّف الشيخ محمّد أبو زهرة - شيخ الأزهر الراحل - كتاباً خاصّاً، مكوّناً مِن (567) صفحة مِن القطع الكبير، باسم (الإمام الصادق) نقتطف منه الآتي.

(أمّا بعد، فإنّنا قد اعتزمنا بعَون الله وتوفيقه أن نكتب في الإمام جعفر الصادق، وقد كتبنا عن سبعة مِن الأئمّة الكرام، وما أخّرنا الكتابة عنه؛ لأنّه دون أحدهم، بل إنّ له فضْل السابق على أكثرهم، وله على الأكابر منهم فضْلٌ خاصّ؛ فقد كان أبو حنيفة يروي عنه، ويراه أعلم الناس باختلاف الناس، وأوسع الفقهاء إحاطة، وكان الإمام مالك يختلف إليه دارساً راوياً.

ومن كان له فضْل الأستاذية على أبي حنيفة ومالك، فحسبه ذلك فضلاً. ولا يمكن أن يؤخَّر عن نقصٍ، ولا يُقدّم غيره عليه عن فضل. وهو فوق هذا حفيد عليّ زين العابدين الذي كان سيّد أهل المدينة في عصره فضلاً وشرفاً ودِيناً وعِلماً، وقد تتلمذ له ابن شهاب الزهري، وكثيرون مِن التابعين.

وهو ابن

____________________

(1) ابن العماد الحنبلي / شذرات الذهب 1: 149.

(2) ابن حبّان / كتاب الثقات 6: 131 / (باب الجيم).

(3) ابن حجر / تهذيب التهذيب 2: 89 / ت 156 (باب الجيم).

٢٦٧

محمّد الباقر الذي بقَرَ العِلم ووصل إلى لُبابه، فهو ممّن جمَعَ الله تعالى له الشرف الذاتي، والشرف الإضافي بكريم النسَب، والقرابة الهاشمية، والعترة المحمّدية.

ونحن ممّن يرون أنّه إمام في الفقْه متّبع، وندرسه على ذلك الأساس، ندرسه على أنّه إمام صاحب منهاج، قد أخذ عن الذين سبقه مِن الصحابة والتابعين، وخصوصاً أهل بيته الكرام) (1) .

(إنّه بلا رَيب كان الإمام الصادق مِن أبرز فقهاء عصره، إن لمْ يكن أبرزهم، وقد شهد له بالفقْه فقيه العراق الإمام أبو حنيفة، الذي قال فيه الشافعي: الناس في الفقْه عيال على أبي حنيفة رضي الله عنه، وقد سأله أبو حنيفة عن أربعين مسألة في مجلسٍ واحد، فأجاب عنها بما عند العراقيين، وما عند الحجازيين، وما يختاره مِن قولهم، أو يرتئيه ممّا ليس عندهم، وقد قال أبو حنيفة بعد ذِكر ما كان بينه وبينه: (أعلم الناس هو أعلمهم باختلاف الناس).

وكان (رضي الله عنه) مع فقْهه عالِم رواية عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وقد تلقّى عنه المحدّثون مِن علماء السنّة رواياته، وتلقّوها بسندٍ متّصل به، فروى عنه المحدّثون والفقهاء الذين عاصروه، وروى عنه سفيان بن عُيينة، وروى عنه سفيان الثوري، وكان له مريداً يسترشد بقوله، وروى عنه مالك، وأبو حنيفة، ويحيى بن سعيد الأنصاري. وغيرهم كثير.

وروى عنه أصحاب السُنن: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني، وروى عنه مسلم، وكان مِن الثقات عند أهل الحديث. وقد قال فيه ابن حبّان: كان مِن سادات أهل البيت فِقْهاً وعِلماً، يُحتجّ بحديثه. وقال فيه الساجى: كان صدوقاً مأموناً، إذا حدّث عنه الثقات، فحديثه مستقيم) (2) .

____________________

(1) محمّد أبو زهرة / الإمام الصادق: ص 3 - 4 / (المقدّمة).

(2) المصدر السابق: ص 252.

٢٦٨

وإذا كان هذا مقام جعفر بن محمّد الصادق وأبيه الباقر، فإنّ لعليّ بن الحسين - أبي محمّد الباقر - الذي سُمّي بزين العابدين؛ لعبادته وورعه، مِن الشرف والمقام العِلمي والورع والتقوى ما وضعه في موضع الإمامة والريادة.

فقد وصفه الزهري، وهو مِن أعلام التابعين والمحدّثين الفقهاء الذي تتلمذ عليه، وصفه بقوله: (ما رأيت هاشمياً أفضل مِن عليّ بن الحسين) (1) .

كما وصفه مرّةً أُخرى، فقال: (ما رأيت قُرَشياً أفضل مِن عليّ بن الحسين) (2) .

ووصفه الإمام مالك بقوله: (لمْ يَكُن في أهل البيت مِثل عليّ بن الحسين) (3).

وقال فيه الإمام الشافعي: (إنّ عليّ بن الحسين أفْقَه أهل المدينة) (4).

وإذا كان العلماء والفقهاء والمحدّثون يشهدون بما للإمام عليّ بن الحسين مِن عِلمٍ وورَعٍ وفضْلٍ، وبأنّه ما رُئيَ مَن هو أفضل منه عِلماً وعبادةً في عصره، فأبوه السبط الشهيد الإمام الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وأخوه الحسن بن عليّ، وأبوهما إمام المسلمين، عليّ بن أبي طالب. أولئك الأئمّة الأبرار الذين شَهِد القرآن والرسول والمؤمنون لهم، بالعِلم والفضْل والتقوى والإمامة والجهاد.

فتكون سلسلة أئمّة أهل البيت الرواة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، الذين أُخذ عنهم الحديث والفقْه ومعارف الشريعة والعقيدة، ومنهج العمل السياسي والاجتماعي في مدرسة أهل البيت ومذهبهم، هُم:

1 - عليّ بن أبي طالب: وُلِد قبل البعثة النبوية بعَشر سنوات، واستُشهد في الحادي والعشرين مِن شهر رمضان عام (40 هـ).

____________________

(1) أبو الفرج الأصفهاني / الأغاني 15: 315.

(2) الزهري / تهذيب التهذيب 7: 269.

(3) نفس المصدر السابق.

(4) رسائل الجاحظ السياسية: ص 450. وابن أبي الحديد / شرح نهج البلاغة 15: 274.

٢٦٩

2 - الحسن بن عليّ بن أبي طالب: وُلِد في سنة (3 هـ)، واستشهد مسموماً سنة (50 هـ).

3 - الحسين بن عليّ بن أبي طالب: وُلِد سنة (4 هـ)، واستُشهد في كربلاء في العاشر مِن المحرّم سنة (61 هـ).

4 - عليّ بن الحسين بن عليّ (زين العابدين): وُلِد سنة (38 هـ)، وتوفّيَ سنة (94 هـ)، وله مِن العُمُر (57) سنة.

5 - محمّد بن عليّ بن الحسين (الباقر): وُلِد سنة (57 هـ)، وتوفّيَ سنة (117 هـ)، وله مِن العمر (58) سنة.

6 - جعفر بن محمّد بن عليّ (الصادق): وُلِد سنة (80 هـ)، وتوفّي سنة (148 هـ).

7 - موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ (الكاظم): وهو الإمام السابع مِن أئمّة أهل البيت، وُلِد سنة (128 هـ)، واستُشهد في بغداد في سجن هارون الرشيد عام (183 هـ)، وله مِن العمر (55) سنة.

وكان محطّ أنظار العلماء والفقهاء، وسيّد أهل البيت في عصره، فقد وصفه الحافظ الرازي في موسوعته الرجالية بقوله: (موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، روى عن أبيه، روى عنه ابنه عليّ بن موسى، وأخوه عليّ بن جعفر، سمعت أبي يقول ذلك: حدّثنا عبد الرحمن، قال سُئل أبي عنه، فقال: ثقة صدوق، إمام مِن أئمّة المسلمين) (1) .

وعرّفه الذهبي الرجالي المعروف بقوله: (وقد كان موسى مِن أجواد

____________________

(1) الحافظ الرازي / الجرح والتعديل 8: 139 / (باب الجيم).

٢٧٠

الحكماء، ومِن العبّاد الأتقياء، وله مشهد معروف ببغداد) (1) .

وعرّفه مؤمن الشبلنجي بقوله: (كان موسى الكاظم (رضي الله عنه) أعبد أهل زمانه وأعلمهم...) (2) .

8 - عليّ بن موسى الرضا: وُلِد في المدينة المنوّرة سنة (148 هـ) وقيل (153 هـ)، وتوفّي سنة (203 هـ).

وصفه العسقلاني، بقوله: (كان الرضا مِن أهل العِلم والفضْل، مع شرف النسَب (3) . ووصفه ابن حجر الهيتمي بقوله: (وهو - أي الرضا - أنبَهَهُم ذِكراً وأجلّهم قدراً) (4) .

وتولّى ولاية العهد للمأمون العبّاسي سنة (201هـ).

9 - محمّد بن عليّ الجواد: وُلِد سنة (195 هـ) في المدينة المنوّرة، وتوفّي سنة (220 هـ) ببغداد.

وصفه الصفدي بقوله: (محمّد بن عليّ هو الجواد بن الرضا بن الكاظم موسى بن الصادق جعفر (رضي الله عنهم). كان يُلقّب بالجواد وبالقانع وبالمرتضى، كان مِن سروات آل بيت النبوّة...) (5) .

10 - عليّ بن محمّد الهادي: وُلِد سنة (214 هـ)، وتوفّي سنة (254 هـ)، ودُفن في داره بسُرَّ مَن رأى.

____________________

(1) محمّد بن أحمد الذهبي / ميزان الاعتدال 4: 202.

(2) الشبلنجي / نور الأبصار: 151.

(3) العسقلاني / تهذيب التهذيب 7: 340.

(4) ابن حجر الهيتمي / الصواعق المحرقة: 204.

(5) الصفدي / الوافي بالوفيات 4: 105.

٢٧١

قال الذهبي فيه: (عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن زين العابدين، السيّد الشريف أبو الحسن العلَوي الحسينيّ الفقيه، أحد الاثني عشَر، وتلقّبه الإمامية بالهادي) (1) .

ووصفه ابن حجر بقوله: (كان عليّ الهادي وارث أبيه عِلماً وسخاءً) (2) .

وعرّفه العالِم الرجاليّ أبو الفلاح الحنبلي - عبد الحيّ - بقوله: (كان أبو الحسن عليّ بن الجواد محمّد بن الرضا عليّ بن الكاظم موسى بن جعفر الصادق العلَوي الحسيني المعروف بالهادي، كان فقيهاً إماماً متعبّداً...) (3) .

وعرّفه اليافعي الرجالي المعروف بقوله: (كان الإمام عليّ الهادي متعبّداً فقيهاً إماماً) (4) .

11 - الحسن بن عليّ العسكريّ: وُلِد سنة (232 هـ) في المدينة المنوّرة، وتوفّي (260 هـ).

وصفه سبط ابن الجوزي الحنفي بقوله: (وكان عالِماً ثقةً، روى الحديث عن أبيه عن جدّه) (5) .

12 - محمّد بن الحسن المهديّ ، الذي ورَدت فيه الروايات الكثيرة عن الرسول (صلّى الله عليه وآله)، كقوله: (لو لمْ يبقَ مِن الدهر إلاّ يوم، لبعَث الله رجُلاً مِن أهل بيتي، يملؤها عدْلاً، كما مُلئت جَوراً) (6) .

____________________

(1) الذهبي / تاريخ الإسلام: ص 218 (حوادث ووفيات سنة 251 - 260هـ).

(2) ابن حجر / الصواعق المحرقة: ص 207.

(3) ابن العماد الحنبلي / شذرات الذهب 2: 128 - 129 / (المجلّد الأوّل).

(4) اليافعي / مرآة الجنان 2: 160.

(5) سبط ابن الجوزي / تذكرة الخواص: ص 362.

(6) ابن الصباغ المالكي / الفصول المهمّة: ص 289.

٢٧٢

وقال ابن خلَّكان: (أبو القاسم محمّد بن الحسن العسكريّ بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد، ثاني عشَر الأئمّة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، المعروف بالحجّة...) (1) .

وقد تحدّث الاسفرائيني الفقيه الأُصولي المتكلّم الشافعي عن أئمّة أهل البيت، ووجوب موالاتهم، فقال: (قولنا في السلَف الصالح مِن الأُمّة: أجمع أهل السُنّة على إيمان المهاجرين والأنصار مِن الصحابة...

ثمّ قال: وقالوا بموالاة الحسن والحسين، والمشهورين مِن أسباط رسول الله (عليه الصلاة والسلام)، كالحسن بن الحسـن، وعبد الله بن الحسن، وعليّ بن الحسين زين العابدين، ومحمّد بن عليّ بن الحسين المعروف بالباقر، وهو الذي بلّغه جابر بن عبد الله الأنصاري سلام رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، وجعفر بن محمّد، المعروف بالصادق، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى الرضا،... وسائر مَن درج على سُنن آبائه الطاهرين...) (2) .

وهكذا يُعرِّف القرآن الكريم والرسول (صلّى الله عليه وآله) وأئمّة المسلمين وعلماؤهم، أئمّة أهل البيت، ويوضّحون للأمّة مقامهم العِلمي، والتزامهم كلمة التقوى واتّصافهم بالورع ومكارم الأخلاق، فاستحقّوا بذلك الإمامة الفكرية والسياسية، والشهادة على مسيرة الأُمّة وبيان خطّها الفكري وفهْمها للعقيدة والشريعة.

وقد استمرّت مدرسة أهل البيت تواصل العمل بالنصّ والاستفادة منه في عهد الأئمّة، منذ الإمام عليّ (عليه السلام) وحتّى الإمام محمّد بن الحسن المهدي (عجّل الله تعالى فرَجه).

فكان الأئمّة الأطهار منهلاً للعِلم والمعرفة ورواية الحديث عن رسول الله

____________________

(1) ابن خلكان / وفيات الأعيان 4: 176.

(2) عبد القاهر الاسفرائيني / الفَرْق بين الفِرَق: ص 280 - 281.

٢٧٣

(صلّى الله عليه وآله)، فأخذَ عنهم الرواة والمحدّثون والفقهاء والدارسون، حتّى بلغ مَن أخذوا عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق، حوالي أربعة آلاف راوٍ، فقد جمَع الحافظ ابن عقدة الزيدي في كتاب رجاله أربعة آلاف رجُل مِن الثقات، الذين روَوا عن جعفر بن محمّد (1) .

وبعد هذه المرحلة بدأت مرحلة المحدّثين والرواة وفقهاء النصّ، التي تلَتْها مرحلة الاجتهاد المنظّر.

____________________

(1) محسن الأمين / أعيان الشيعة 1: 661.

٢٧٤

مصادر الأحكام في مدرسة أهل البيت

لقد استقرّ الفكر الأُصولي ونظرية الاستنباط والاجتهاد في مدرسة الشيعة الإمامية، على تحديد مصادر التشريع بالآتي:

1 - الكتاب.

2 - السُنّة.

3 - العقل.

4 - الإجماع.

وسيتّضح لنا مِن خلال الحديث عن هذه المصادر، أنّ الكتاب والسُنّة وحدهما كافيان؛ لإغناء الحياة التشريعية، وأنّ ليس هناك مِن مسألة لا يمكن الحصول عليها مِن هذين المصدرَين. مع التسليم العِلمي بحجّية العقل، ومشروعية الاعتماد عليه في الاستنباط، وأخْذ الأحكام عنه.

وأمّا الإجماع فمع حجّيته، فهو ليس دليلاً على الحُكم، وإنّما هو كاشف عن الدليل.

ولبيان تلك الحقائق العِلمية الكبرى، فلنستمع للشهيد الصدر (قدّس سرّه) وهو يتحدّث لنا عن مصادر الفتوى والتشريع، التي اعتمدها في استنباط الفتاوى والأحكام، قال (رحمه الله):

(مصادر الفتوى: ونرى مِن الضروري أن نشير أخيراً بصورةٍ موجزة، إلى المصادر التي اعتمدناها بصورةٍ رئيسية في استنباط هذه الفتاوى الواضحة، وهي كما ذكرنا في مستهلّ الحديث عبارة عن: الكتاب الكريم، والسُنّة الشريفة المنقولة عن

٢٧٥

طريق الثقات المتورّعين في النقل مهما كان مذهبهم. أمّا القياس والاستحسان ونحوهما، فلا نرى مسوّغاً شرعياً للاعتماد عليهـا.

وأمّا ما يسمّى بالدليل العقلي، الذي اختلف المجتهدون والمحدِّثون في أنّه: هل يسوغ العمل به أو لا، فنحن وإن كنّا نؤمن بأنّه يسوغ العمل به، ولكنّا لمْ نجد حُكماً واحداً يتوقّف إثباته على الدليل العقلي بهذا المعنى، بل كلّ ما يثبت بالدليل العقلي، فهو ثابت في نفْس الوقت بكتابٍ أو سُنّة.

وأمّا ما يسمّى بالإجماع، فهو ليس مصدراً إلى جانب الكتاب والسنّة، وإنّما لا يعتمد عليه إلاّ مِن أجْل كونه وسيلةَ إثباتٍ في بعض الحالات.

وهكذا كان المصدران الوحيدان هما الكتاب والسنّة، ونبتهل إلى الله تعالى أن يجعلنا مِن المتمسّكين بهما، ومَن استمسك بهما: ( فَقَد اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (1) ) (2) .

إنّ دراسة مسألة التشريع ومصادر الأحكام في مراحلها التاريخية، توصلنا إلى أنّ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ظلّت تواصل خطّها، الذي اتّصل عن طريق أئمّتها (عليهم السلام) برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، في الدعوة إلى الأخْذ مِن الكتاب والسنّة والردّ إليهما.

وعندما نشأ الاجتهاد المنظّر، وتكوّنت المذاهب والمدارس الفقهية، واعتمد العمل بالرأي والاستحسان... الخ، ولجأ بعض أئمّة المذاهب الفقهية، كأبي حنيفة إلى استنباط العِلل مِن الأحكام والقياس عليها، دخل أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) مِن عهد الإمام محمّد الباقر (3) وولده جعفر الصادق (عليهما السلام) حتّى

____________________

(1) سورة البقرة: آية 256.

(2) السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر / الفتاوى الواضحة: ص 98.

(3) لُقّب بالباقر لتوسّعه في العلوم والمعارف.

٢٧٦

آخرهم في حوارٍ عِلميّ مع أئمّة المذاهب الإسلامية حول المصادر التشريعية، ودعوا إلى التمسّك بالكتاب والسنّة، كمصدرَين كافيَين للتشريع والاستنباط.

وبقراءة ما ورَد عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، نكتشف المبدأ الثابت القائل بأنّ مصدر التشريع في هذه المدرسة، هو الكتاب والسنّة، كما نكتشف الردَّ الضمني والصريح على مدرسة الرأي والقياس الحنفي.

وقد جمع الكليني تحت عنوان: (الردّ إلى الكتاب والسنّة، وأنّه ليس بشيءٍ مِن الحلال الحرام، وجميع ما يحتاج إليه الناس إلاّ وقد جاء فيه كتاب وسنّة)، جمع الكثير مِن الروايات التي وضعها تحت هذا العنوان.

وجدير ذكره أنّ هذا العنوان يعتبر تعبيراً عن رأي المدرسة الإمامية، في مصادر التشريع الإسلامي أيضاً.

روى الكليني أنّ الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) قال: (إنّ الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كلّ شيء، حتّى والله ما ترك الله شيئاً يحتاج إليه العباد، حتّى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا أُنزل في القرآن! إلاّ وقد أنزله الله فيه) (1) .

وروي عن الإمام محمّد الباقر قوله: (إنّ الله تبارك وتعالى لمْ يدَع شيئاً يحتاج إليه الأُمّة، إلاّ أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله (صلّى الله عليه وآله)، وجعل لكلّ شيءٍ حدّاً، وجعل عليه دليلاً يدلّ عليه، وجعل على من تعدّى ذلك الحدّ حدّاً) (2) .

وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: (إذا حدّثتكم بشيءٍ، فاسألوني مِن كتاب الله، ثمّ قال في بعض حديثه: إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نهى عن القيل والقال وفساد المال، وكثرة السؤال، فقيل له: يا ابن رسول الله أين هذا مِن

____________________

(1) الكليني / الأصول مِن الكافي 1: 59 / ح 1.

(2) المصدر السابق / ح 2.

٢٧٧

كتاب الله؟ قال: إنّ الله (عزّ وجلّ) يقول: ( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) (1) ، وقال : ( وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً ) (2) ، وقال: ( لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (3) ) (4) .

وروي عن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) قوله: حين سأله سماعة - أحد أصحابه ـ: (أكلٌّ شيءٍ في كتاب الله وسنّة نبيّه؟ أو تقولون فيه؟ قال: بل كلّ شيءٍ في كتاب الله وسنّة نبيّه) (5) .

وروى الإمام الصادق عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قوله: (إنّ على كلّ حقٍّ حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالَف كتاب الله فدعوه) (6) .

وقال ابن أبي يعفور سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اختلاف الحديث، يرويه مَن نثق به، ومنهم مَن لا نثق به؟

قال: (إذا ورَد عليكم حديث فوجدتُم له شاهداً مِن كتاب الله، أو مِن قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وإلاّ فالذي جاءكم به أَولى به) (7) .

وعن أيوب بن الحر قال: (سمعت أبا عبد الله يقول: كلّ شيءٍ مردود إلى الكتاب والسنّة، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف) (8) .

____________________

(1) سورة النساء: آية 114.

(2) سورة النساء: آية 5.

(3) سورة المائدة: آية 101.

(4) الكليني / الأصول مِن الكافي 1: 60 / ح 5.

(5) المصدر السابق: ص 62 / ح 10.

(6) المصدر السابق: ص 69 / ح 1.

(7) المصدر السابق / ح 2.

(8) المصدر السابق / ح 3.

٢٧٨

وروي عن الإمام أبي جعفر الثاني - محمّد الجواد - في مناظرته ليحيى بن أكثم، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حجّة الوداع: (قد كثرت عَلَيَّ الكذّابة وستكثر بعدي، فمَن كذَب عَلَيَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده مِن النار، فإذا أتاكم الحديث عنّي فاعرضوه على كتاب الله وسُنّتي، فما وافق كتاب الله وسنّتي فَخُذوا به، وما خالف كتاب الله وسنّتي فلا تأخذوا به) (1) .

وروى الصادق (عليه السلام): (إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خطب الناس بمِنى، فقال: أيّها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنّا قلتُه، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلمْ أقُلْه) (2) .

وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: (مَن خالف كتاب الله وسنّة محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فقـد كفـر) (3).

وروي عن الإمام محمّد الباقر (عليه السلام): (كلّ مَن تعدّى السنّة رُدّ إلى السنّة) (4).

(قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة مِن أصحاب أبي جعفر (عليه السلام)، ووجدت أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) متوافرين، فسمعت منهم، وأخذت كتُبهم، فعرضتها مِن بعد على أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فأنكر منها أحاديث كثيرة، أن تكون مِن أحاديث أبي عبد الله (عليه السلام)، وقال لي: إنّ أبا الخطّاب كذب على أبي عبد الله (عليه السلام)، لعن الله أبا الخطّاب، وكذلك أصحاب أبي الخطاب، يدسّون هذه الأحاديث إلى يومنا، في كتُب أصحاب أبي

____________________

(1) الطبرسي / الاحتجاج 2: 246.

(2) الكليني / الأصول مِن الكافي 1: 69 / ح 5.

(3) المصدر السابق: ص 70 / ح 6.

(4) المصدر السابق: ص 71 / ح 11.

٢٧٩

عبد الله (عليه السلام)، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فإنّا إذا تحدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن، وموافقة السنّة، إنّا عن الله وعن ورسوله نحدّث، ولا نقول: قال فلان، وقال فلان، فيتناقض كلامنا.

إنّ كلام أوّلنا مثل كلام آخِرنا، وكلام أوّلنا مصدّقٌ لكلام آخِرنا، وإذا أتاكم مَن يحدّثكم بخلاف ذلك فردّوه عليه، وقولوا أنت أعلم وما جئت به، فإنَّ مع كلّ قولٍ منّا حقيقة، وعليه نوراً، فما لا حقيقة له، وما لا نور عليه، فذلك قول الشيطان) (1) .

وهكذا توضّح هذه الأصول والأُسس الأُصولية، أنّ مصدر التشريع والأحكام في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، هو الكتاب والسنّة.

وبذا؛ فإنّ الاجتهاد في هذه المدرسة: هو بذل الجُهد للاستنباط منهما أو على ضوئهما، فإنّ الكتاب والسنّة شاملان للأدلّة بالمصطلح الأُصولي، كما هما شاملان للأُصول العملية أيضاً، فما مِن أصل عمليّ يُلجَأ إليه في تحديد وظيفة المكلّف الشرعية إلاّ وفيه بيان قرآني، أو رواية مِن السنّة، كأصل البراءة والاستصحاب والتخيير والاحتياط.

وكما حدّثنا التاريخ والكفاح السياسي لأهل البيت (عليهم السلام)، فإنّهم ناضلوا وجاهدوا مِن أجْل الحفاظ على الكتاب والسنّة والتمسّك بهما، جهاداً كلّفهم ثمناً باهضاً؛ ذلك لأنّ مهمّة أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) الكبرى كانت هي الحفاظ على الكتاب والسنّة، والعمل بهما، ومِن أجْل ذلك قُتِل عليّ والحسن والحسين وموسى بن جعفر، وأُوذيَ بقيّة أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).

وبعد هذه المرحلة بدأت مرحلة المحدّثين والرواة وفقهاء النصّ، التي تلَتْها مرحلة الاجتهاد المنَظَّر.

____________________

(1) رجال الكشي 2: 489 / ح 401.

٢٨٠