سبعة من السلف

سبعة من السلف0%

سبعة من السلف مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 392

سبعة من السلف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي
تصنيف: الصفحات: 392
المشاهدات: 74559
تحميل: 3808

توضيحات:

سبعة من السلف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 74559 / تحميل: 3808
الحجم الحجم الحجم
سبعة من السلف

سبعة من السلف

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

____________________

هل هَجر فيما كتبه - والعياذ بالله - ؟ أولم يهجر كما اختلفوا في ذلك، فاختصموا، وأكثروا اللّغو، واللّغط نُصب عينيه ؛ فلم يتسنَّ له يومئذٍ أكثر مِن قوله لهم : ( قوموا )كما سمعت .

ولو أصرَّ فكتب الكتاب للجُّوا في قولهم : هَجر، ولأوغل أشياعهم في إثبات هَجره - والعياذ بالله - فسَّطروا به أساطيرهم، وملأوا طواميرهم رَدَّاً على ذلك الكتاب وعلى مَن يَحتجُّ به.

لهذا اقتضت حكمته البالغة، أن يُضرِب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك الكتاب، سواء عليهم أُكتِب، أم لم يُكتب، وغيرهم لا يعمل به، ولا يعتبره لو كُتِب، فالحكمة - والحال هذه - توجب تركه ؛ إذ لا أثر بعد تلك المُعارضة سِوى الفتنة كما لا يخفى.

المراجعات : ص٢٤٣ - ٢٤٥ المراجعة ٨٦ رزيَّة يوم الخميس. الطبعة العشرون بالقاهرة بتقديم الدكتور حامد حفني داود، والأُستاذ فكري عثمان أبو النصر.

(٣) وقال الأُستاذ أحمد حسين يعقوب المُحامي، تحت عنوان : أسوء وداع لأعظم إمام عَرِفته البشريَّة :لم يَصدف طوال التاريخ البشري أنْ يدعو وليُّ الأمر - سواء كان خليفة أم مَلِكاً - وهو مريض بالقسوة والجَلافة التي عومل بها رسول الله.

ولم يَصدِف أنْ اعتَرَض المسلمون خليفة، إذا أراد أنْ يكتب توجيهاته النهائيَّة، أو يَستخلف مِن بعده، بلْ على العكس.

قال ابن خلدون في مُقدِّمته :إنَّ الخليفة ينظر للناس حال حياته، ويَتبع ذلك أنْ ينظر لهم بعد وفاته، ويُقيم لهم مَن يتولَّى أمورهم .

مقدِّمة ابن خلدون : ص١٧٧، وكتابنا : الخطط السياسيَّة ص٣٨٢.

لقد مَرِض أبو بكر مَرضا شديداً قبل أنْ يموت، وقبل وفاته بقليل دعا عثمان ؛ ليكتب له توجيهاته النهائيَّة، وأصغى المسلمون لأبي بكر ونفَّذوا توجيهاته النهائيَّة بدقَّة، وعاملوه بكلِّ الاحترام، والتوقير، ولم يقُل أحد منهم:

إنَّ أبا بكر قد هَجر، ولا قالوا :

١٠١

____________________

إنَّ المرض قد اشتدَّ به، ولا قالوا : حسبُنا كتاب الله.

(*) -نَصُّ كلامِ عمر : إنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أنْ يذكره ؛ للأمر في مرضه فصددته عنه إلخ. شرح النهج لابن أبي الحديد : ٣/١١٤.

راجع : تاريخ الطبري ٣/٤٢٩، وسيرة عمر لابن الجوزي ص٣٧، وتاريخ ابن خلدون : ٢/٧٥ وكتابنا : النظام السياسي ص١٩٥.

وعندما كتب أبو بكر توجيهاته النهائيَّة، كان عمر يقول :

أيُّها الناس، اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله

راجع : تاريخ الطبري : ١/١٣٨.

مُقارنة بين موقف عمر وحزبه مِن أبي بكر وموقفهم مِن رسول الله !!

فهل لأبي بكر قيمة وقداسة عند عمر وحزبه، أكثر مِن قيمة الرسول وقداسته ؟!!!

أجب كما يَحلو لك، فإنَّه الواقع المُرُّ.

ثمَّ انظر إلى موقف المسلمين، عند طعن عمر، وأراد أنْ يكتب توجيهاته النهائيّة، وقد اشتدَّ به المرض أكثر مِمَّا اشتدَّ برسول الله.

راجع : الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ١/٢١ - ٢٢، والطبقات لابن سعد : ٢/٣٦٤، وكتابنا : الخطط السياسيَّة ص٣٦٧ - ٣٦٨.

ومع هذا، كتب عمر توجيهاته، وعَهِد للستَّة نظريَّاً، وعَهِد لعثمان عمليَّاً، وأمر بضرب عُنق مَن يُخالف تعليماته النهائيَّة.

راجع : الطبقات لابن سعد ٣/٢٤٧، وأنساب الأشراف ٥/١٨، وتاريخ الطبري ٥/٣٣.

وصارت توجيهات أبي بكر وعمر، شرعاً سياسيَّاً نافذاً، لم يَقل أحد : إنَّ عمر قد هَجر !!

ولم يقل أحد : حسبُنا كتاب الله.

إنَّما عومِل عمر بكلِّ التقديس والاحترام، ونُقِلت توجيهاته النهائيَّة حرفيَّاً، كأنّها كتاب مُنزَل مِن عند الله وأكثر.

فهل لأبي بكر وعمر قداسة عند المسلمين أكثر مِن رسول الله، وبأيِّ كتاب قد أُنزِل بأنَّها أولى بالاحترام والطاعة مِن رسول الله ؟!!

أجِب كما يحلو لك ؛ فإنَّك لن تُغيِّر الحقيقة المرّة !!

الوجيز في الإمامة والولاية ص١٧٠ - ١٧١ ( مخطوط ).

(٤) صرَّح الشيخ المصري محمد متولي الشعراوي، بمظلوميَّة فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وذلك في إحدى حَلقات التفسير، في مسجد الشيخ سليمان في الهرم ( محافظة الجيزة )، والتي تُذيعها القناة الفضائيَّة المِصريَّة ظُهر كلِّ جُمُعة :

١٠٢

____________________

فقد كان يتحدَّث في تفسير قوله تعالى :

( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) السجدة : ١٦، قائلاً : بأنَّ المُتهجِّدين لا يَقرُّ لهم قرار وهم في فراشهم ؛ لأنَّ فيهم شوقاً للقاء الله والقيام بين يديه .

أراد الشيخ ( الشعراوي ) أنْ يأتي بمَثل لكيفيَّة توديع الحبيب لحبيبه، فجاء بالكلمة التي ودَّع بها أمير المؤمنين عليه‌السلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والزهراء عليها‌السلام بعد دفنها :

( السلام عليك يا رسول الله، وعلى ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللُّحوق بك، قَلَّ يا رسول الله عن صفيَّتك صَبري، ورقَّ عنها تَجلُّدي، على أنَّ لي بفادح مُصيبتك موضع تعزٍّ فقد وسَّدتك في مَلحودة قبرك، وفاضت بين صدري ونحري نفسك ).

وهذا اعتراف مِن المُفسِّر الشهير : بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى نحبه - بأبي وأُمِّي - في صدر عليعليه‌السلام ، وليس في صدر عائشة، كما أدَّعت هي، وكما يُصرِّح علماء أهل السُّنَّة.

ثمَّ أكمل الشيخ قول الإمامعليه‌السلام .

( وستُخبرك ابنتك عن حال أُمَّتك، وتظافرها على هضمها، هذا والعهد قريب، ولم يخلُ منك الذِّكر ).

وهذا تصريح نادر جِدَّاً.. عند علماء السُّنَّة، لاسيَّما إذا كان الموقف علنيَّاً إلى جماعة مِن المسلمين، ثمَّ سيُبثُّ إلى ملايين المسلمين، في مَشارق الأرض ومَغاربها وفيه : التنبيه على أنَّ الزهراءعليها‌السلام قد هُضِمت، وعلى أنَّ عليَّاًعليه‌السلام لم يستطع منع ذلك، وعلى عدم رضاه، وعلى شكواه إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلُّها اتِّهام لمَن صار إليهم الأمر بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بعد ذلك أتى الشيخ بموضع الشاهد مِن قول الإمامعليه‌السلام :

( أمَّا حُزني فسَرمد، وأمَّا ليلي فمُسهَّد، إلى أنْ يختار الله لي دارك التي أنت بها مُقيم، والسلام عليكما سلام مُودِّع، لا قالٍ، ولا سَئم، فإنْ أنصرف فلا عن مَلالة، وإنْ أقِم فلا عن سوء ظنٍّ بما وعد الله الصابرين ).

مجلَّة أهل البيت، تُصدِرها رابطة أهل البيت الإسلامية العالميَّة بلندن. العدد ٣٣/٣ شوال ١٤١٥ آذار ١٩٩٦م.

٥ - ويقول الأُستاذ عبد الفتَّاح عبد المقصود : إنَّ الله سبحانه وتعالى، قد كَفل للمسلم حَقَّ الوصيَّة في المال، بقوله عَزَّ مَن قائل :

( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقَّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ) .

فهلاَّ يَحقُّ لرسول الإسلام - وقد حضرته الوفاة - أنْ يوصي لأُمَّته مِن بعده بما هو خَير لها في الدنيا والدين ؟!!!

ولماذا إذنْ كان ذلك الموقف الغريب، الذي وقفه ابن الخطاب، وأدَّى إلى حِرمان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حَقَّه في الإيصاء ؟!!!

ثمَّ ما هو التفسير المَقبول لهذا الموقف، ولسكوت أبي بكر عن عمر، ولم يراجعه فيه ..؟!!!

١٠٣

٢ - باب ( إنّ الله ورسوله قد أحلاَّ مُتعة الحَجِّ للأبد وقد حرَّمها عمر )(*) .

المؤلِّف : ولتوضيح ما في هذا الباب، لابُدَّ مِن تقديم مُقدِّمات ثلاث :

____________________

إنَّ كثيرين كانوا يرون، ولا يزالون إلى الآنْ، أنَّ هذا الذي كان إنَّما جاء نتيجة تدبيرٍ سابقٍ أبرمه الصاحبان، قبل وفاة الرسول الكريم

بلْ قد جاء قبل يوم صحيفة الوصيَّة، التي طواها عن أعيُن المسلمين، وعن سمع الزمان، كنَصٍّ مَكتوب ومَقروء، ذلك الصاحب منها المحسوب بين صفوة أصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخيرة رجال الإسلام..

بلْ قد جاء قبل وذاك مِن الأيَّام بوقت لم يتكشَّف لنا مداه، ربَّما يقصر، وربَّما يطول

الشيخان كما يُقال، عقدا اتّفاقاً وضعاه في الخفاء، وغلَّفاه بالإسرار ثمَّ مضيا إلى غايته على طريق رسماه

ورافقهما في هذه الرحلة ( السلطانيَّة ) قَدماً بقدمٍ، وكتفاً إلى كتفٍ، وساعةً بساعةٍ ثالث ثلاثتهم - :أبو عبيدة بن الجرّاح

فهل هو حقٌّ الذي يُقال : ؟..

ما قد نُسب إلى الشيخين : أبي بكر الصدِّيق وعمر بن الخطاب، مِن اتِّفاقٍ في قضيَّة الخلافة يكاد يبديهما، كأنَّما استحوذا على إمرة المؤمنين غصباً بعد تدبير مُحكم دقيق، ومن وراء الظهور والأبواب

وهذا التدبير - في رأي مَن يقولون بحدوثه - يرجع إلى ما قبل موعد اجتماع السقيفة بوقت لا يذكرون مَداه ؛ لأنَّه لا يُعرف على وجه التحقيق والتحديد

لكنَّه يسبق وفاة رسول الله، بطبيعة الحال.

ويَجمع أبا عبيدة بن الجرّاح إلى صاحبيه الكبيرين في رباط واحد، جمع قَرين إلى قَرين

ويرسم الرجال الثلاثة كطلاَّب سيادةٍ، ما أنْ تَسنح لهم الفرصة، التي ترقَّبوها حتَّى يلقفوا الإمرة المُنتظرة، ليتداولوها مِن بعدُ تباعاً، كلُّ واحدٍ بميقات

السقيفة والخلافة : ٢٤٣ - ٢٤٥

(*) فيه ستَّة عشر حديثاً.

١٠٤

(*) المُقدِّمة الأُولى :

إنَّ معنى متعة الحَجِّ، أو حَجُّ التَمتُّع هو : أنَّ مَن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، يُحرِم مِن الميقات للعُمرة، في أشهر الحَجِّ - برغم أهل الجاهليَّة، الذين يرون العُمرة في أشهر الحَجّ مِن أفجر الفجور في الأرض كما ستعرف تفصيله -، فيأتي مَكَّة، ويطوف بالبيت سَبعاً، ويُصلِّي رَكعتين في مقام إبراهيم، أو خَلفه ثمَّ يَسعى بين الصَّفا والمروة سَبعاً، ثمَّ يَحلُّ مِن إحرامه ؛ فيجوز له كلَّما حَرُم عليه بالإحرام، حتَّى التطيّب بالطيب، ومُجامعة النساء في فروجهنَّ كما شاء مَرَّة، أو مِراراً، برغم أنف مِن يكره ذلك، بزعم أنَّه أبَّر وأتقى، مِن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وبهذا سُمِّي هذا القسم مِن الحج بالتمتُّع، وأصله مِن الالتذاذ والاستمتاع، فإذا كان يوم التروية أحرم مِن مَكَّة إحراماً جديداً للحَجِّ، وخرج إلى عَرفات ووقف بها، ثمَّ إلى المِشعر ووقف به، ثمَّ إلى مِنى، وأدَّى مَناسكه مِن الرمي، والذبح، والحَلق، أو التقصير. ثمَّ يأتي مَكَّة، ويطوف بالبيت سَبعاً، ويُصلِّي رَكعتين، ويسعى بين الصفا والمروة سَبعاً ثانيا، ويُصلِّي رَكعتين ؛ فتَحلُّ له النساء أيضاً، فيرجِع إلى مِنى ؛ للمبيت ليلتين أو ثلاثاً، وللرمي يومين أو ثلاثاً، وهذا هو حَجُّ التمتُّع.

(*) المقدمة الثانية :

إنَّ العُمرة في أشهر الحَجِّ، أعني : شهر شوَّال، وشهر ذي القعدة، وشهر ذي الحَجَّة، كان عند أهل الجاهليَّة مِن أفجر الفجور في الأرض، كما أُشير إليه آنفاً، وقد نطق بذلك نصوص كثيرة، ونحن نذكر لك بعضها وفيها الكفاية.

١ - روى البخاري بسنده، عن ابن عباس، أنّه قال :

كانوا يرون العُمرة في أشهر الحَجِّ مِن أفجر الفجور في الأرض(١) ، ويجعلون المُحرَّم صَفراً ( أيْ يسمّون المُحرَّم صَفراً )، ويقولون :

____________________

(١) أيْ مِن أعظم الذنوب.

١٠٥

إذا برأ الدُّبَر، وعفا الأثر، وانسلخ صَفر حلَّت العمرة لمَن اعتمر، فلمَّا قَدِم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه صبيحة رابعة ( أيْ مِن ذي الحَجَّة ) مُهلِّين بالحج، فأمرهم أنْ يجعلوها عُمرَة ؛ فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا : يا رسول الله، أيُّ الحِلِّ.

قال : ( حِلٌّ كلُّه )(١)

٢ - وروى الإمام أحمد بن حنبل بسنده، عن ابن عباس قال :

ما أعمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائشةَ ليلة الحصبة ؛ إلاّ قطعاً لأمر أهل الشرك ؛ فإنَّهم كانوا يقولون :

إذا برأ الدُّبَر، وعفا الأثر، ودخل صَفر، فقد حلَّت العُمرة لمَن اعتمر(٢) .

(*) المقدمة الثالثة :

إنَّ الإحلال بعد عُمرة التمتُّع، ومُجامعة النِّساء في فروجهنَّ مِن قبل أنْ يُحرِم للحَجِّ، ويَخرج إلى مِنى وعرفات، كان عظيماً عند ضعفاء العقول مِن المسلمين، ثقيلاً عليهم، وكانوا يكرهونه جِدَّاً، حتَّى كادوا يعصون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في أمره بالإحلال مُعلِّلين كراهتهم له.

وللترخيص في مُجامعة النّساء بما قالوه : مِن أنَّه يروح أحدنا إلى مِنى، وذَكَرَه يَقطُر مَنيِّاً - يعني مِن مُجامعة النِّساء أو رأسه يقطُر ماءً - يعني مِن غُسل الجنابة، فكأنَّهم يرون أنفسهم أبرَّ، وأتقى لله مِن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقد ورد في هذا المعنى نصوص مُتواترة، بلْ فوق التواتر، كما يَظهر بمراجعة كتب الأخبار، ولكن نحن نذكر بعضها، وفيها الكفاية.

____________________

(١) صحيح البخاري : ٢/١٥٢ كتاب الحَجّ، باب التمتُّع والإقران والإفراد، صحيح مسلم : ٢/٩٠٨ كتاب الحج، باب جواز العُمرة في أشهر الحَجّ، مُسند أحمد بن حنبل ١/٢٥٢، السُّنَن الكبرى للبيهقي : ٤/٣٤٥، مُشكل الآثار للطحَّاوي : ٣/١٥٥، شرح معاني الآثار للطحَّاوي : ٢/١٥٨، تحقيق محمد زهري النجَّار.

(٢) مُسند الإمام أحمد بن حنبل : ١/٢٦١، السُّنن الكبرى للبيهقي : ٤/٣٤٤ - ٣٤٥، وقال : والله، ما أعمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائشة في ذي الحَجَّة ؛ إلاّ ليقطع أمر أهل الشرك إلخ. ورواه الطحَّاوي في مُشكل الآثار : ٣/١٥٥ - ١٥٦، وقال : ما أعمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائشة في ذي الحَجَّة ؛ إلاّ ليقطع بذلك أمر الجاهلية إلخ.

١٠٦

١ - روى البخاري بسنده، عن عطاء، عن جابر : وعن طاووس، وعن ابن عباس أنَّه قال :

قَدِمنا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صبح رابعة مِن ذي الحَجَّة، مُهلِّين بالحَجّ لا يخلطهم شيء، فلمَّا قَدمنا أَمَرَنا فجعلناها عُمرة، وأنْ نَحلَّ إلى نسائنا، ففشت في ذلك القالة.

قال عطاء : فقال جابر : فيروح أحدنا إلى مِنى، وذَكَره يقطُر مَنِّياً.

فقال جابر : فبلغ ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فقام خطيباً فقال : ( بَلغني أنَّ أقواماً يقولون : كذا وكذا.

والله لأنا أبرُّ، وأتقى لله منهم، ولو أنِّي استقبلت مِن أمري ما استدبرت ما أهديت ولو لا أنَّ معي الهدي لأحللت

فقام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال : يا رسول الله، هي لنا، أو للأبد.

فقال: لا، بلْ للأبد ) ( الحديث )(١) .

٢ - روى البخاري بسنده، عن جابر بن عبد الله أنَّه قال :

كنَّا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلبَّينا بالحَجِّ، وقَدِمنا مَكَّة لأربعٍ خلون مِن ذي الحَجَّة، فأمَرَنا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنْ نَطوف بالبيت، وبالصَّفا والمَروة، وأنْ نجعلها عُمرة ونَحلُّ، إلاَّ مَن كان معه هدي.

قال : ولم يكُن مع أحد مِنَّا هدي غير النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطلحة - إلى أنْ قال - : فقالوا : ننطلق إلى مِنى وذَكَرُ أحدِنا يقطُر.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنِّي لو استقبلت مِن أمري ما استدبرت ما أدَّيت، ولولا أنَّ معي الهدي لحللتُ ).

قال : ولقِيَه سراقة، وهو يرمي جمرة العقبة، فقال يا رسول الله : ألنا هذة خاصَّة.

قال : ( لا.

____________________

(١) صحيح البخاري في الشركة في الطعام، باب الاشتراك في الهدي هكذا ذَكَر المؤلِّف، ولم نجد لهذا الباب أثراً في الصحيحين - البخاري ومسلم - ولا في الترمذي وأبي داود، بلْ ورد مضمون هذا الحديث في صحيح مسلم : ٤/٣٧ طبع استانبول عام ١٣٣٤ه-. فراجع.( الرضوي ) .

١٠٧

بلْ للأبد )(١) .

٣ - روى البخاري بسنده، عن عطاء قال :

سمعت جابر بن عبد الله في أُناس معه، قال :

أهللنا أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحَجِّ خالصاً، ليس معه عُمرة.

قال عطاء :

قال جابر : فقَدِم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رابعة مَضت مِن ذي الحَجَّة، فلَّما قَدِمنا أمرنا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ نَحلَّ، وقال : ( أحلِّو، وأصيبوا مِن النّساء ).

قال عطاء : قال جابر : ولم يَعزم عليهم، ولكن أحلَّهن لهم، فبلغه أنَّا نقول :

لمَّا لم يكن بيننا، وبين عَرفة إلاَّ خمس، أمرنا أنْ نَحلَّ إلى نسائنا، فنأتي عَرفة تقطُر مَذاكيرنا المِنيَّ - إلى أنْ قال - فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال :

( قد علمتم أنَّي أتقاكم لله، وأصدقكم، وأبرَّكم، ولولا هديي لحللْتُ كما تُحلّون. فحِلُّوا، فلو استقبلت مِن أمري ما استدبرت ما أهديت ).فحلَلْنا وسمعنا وأطعنا(٢) .

____________________

(١) صحيح البخاري بحاشية السندي : ٤/٢٤٩ كتاب التمنِّي، باب لو استقبلت مِن أمري ما استدبرت، سُنَن أبي داود : ١/٤٠٢ تحقيق سعيد محمد اللّحام، كتاب الحَجّ، إفراد الحَجّ باختلاف يسير، مُسند الإمام أحمد : ٣/٣٠٥، وقال المؤلِّف طاب ثراه : ورواه غير هؤلاء أيضا مِن جمع كثير مِن أئَّمة الحديث، ولا حاجة إلى استقصاء الكلِّ مِمَّن رواه جميعاً.

(٢) صحيح البخاري : ٨/١٦٢١٦١ط الأستانة، صحيح مسلم : ٢/٨٨٤٠ كتاب الحَجّ، باب وجوه الإحرام، وزاد في آخره. قال سراقة بن جعشم :يا رسول الله، ألعامِنا هذا أم لأبدٍ ؟

قال : ( لأبدٍ ).

ورواه ابن ماجة في السُّنن : ٢/٩٩٢، في أبواب المَناسك، باب فسخ الحَج، وقال : فلَّما طِفنا بالبيت وسَعينا بين الصَّفا والمَروة، أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ نَجعلها عُمرة، وأنْ نَحلَّ إلى النّساء - إلى أنْ قال - فقال سراقة بن مالك :أمُتعتنا هذه لعامنا هذا أم لأبدٍ ؟

فقال : ( لا، بلْ لأبدِ الأبد ). ورواه أبو داود في السُّنن تحقيق اللّحام : ١/٤٠٢ كتاب الحَجّ، باب إفراد الحَجّ، رقم الحديث ١٧٨٧. وقال : فطفنا وسَعينا، ثمَّ أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ نَحلَّ.

وقال : ( لو لا هديي لحللت ).

ثمَّ قام سراقة بن مالك، فقال : يا رسول الله،أرأيت مُتعتنا هذه ألعامنا هذا ؟ أم للأبد ؟

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( بلْ هي للأبد ).

ورواه الإمام أحمد بن حنبل في مُسنده : ٣/٣١٧، وفي غير هذه الصفحة أيضاً، بلْ ورواه غير هؤلاء أيضاً مِن جَمعٍ كثيرٍ مِن أئَّمة الحديث وعلماء الخبر ؛ فلا حاجة إلى استقصاء الجميع فرداً فرداً.

١٠٨

٤ - روى مسلم بسنده، عن جابر بن عبد اللهرضي‌الله‌عنه قال :

أهللنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحَجّ، فلمَّا قَدِمنا مَكَّة أمرنا أنْ نَحلَّ، ونجعلها عُمرة ؛ فكبُر ذلك علينا، وضاقت به صدورنا.

فبلغ ذلك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما ندري أشيء بلغه من السماء أم شيء مِن قِبَل الناس !

فقال : ( أيُّها الناس، أحلِّوا. فلو لا الهدي الّذي معي، فَعَلت كما فعلتُم ).

قال : فأحللنا، حتَّى وطئنا النّساء، وفعلنا ما يفعل الحُلاَّل. حتَّى إذا كان يوم التروية، وجعلنا مَكَّة بظَهر أهللنا بالحَجّ(١) .

٥ - روى ابن ماجة بسنده، عن البرَّاء بن عازب قال : خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه، فأحرمنا بالحَجّ، فلمَّا قَدِمنا مَكّة قال : ( اجعلوا حَجَّتكم عُمرة ) ؛ فقال الناس : يا رسول الله، قد أحرمنا بالحَجّ، فكيف نجعلها عُمرة ؟!

قال : ( انظروا ما آمركم به فافعلوا ) ؛ فردُّوا عليه القول فغضب ؛ فانطلق ثمَّ دخل على عائشة غَضبان، فرأت الغضب في وجهه ؛ فقالت :

مَن أغضبك أغضبه الله ؟

قال : ( ومالي لا أغضب، وأنْ آمر أمراً فلا أُتَّبع )(٢) .

٦ - روى الإمام أحمد بن حنبل، بسَنده عن ابن عمر، أنّه قال :

قَدِم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَكَّة وأصحابه مُلبِّين - إلى أنْ قال - :

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن شاء أنْ يجعلها عُمرة، إلاَّ مَن كان معه الهدي ).

قالوا : يا رسول الله، أيروح أحدنا إلى مِنى وذكره يقطُر مَنِّيا ؟!

قال : ( نعم ). وسَطَعت المجامر. ( الحديث )(٣) .

____________________

(١) صحيح مسلم : ٢/٨٨٤ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، كتاب الحج باب بيان وجوه الإحرام.

(٢) سُنن ابن ماجة : ٢/٩٩١ كتاب المناسك، باب التمتُّع بالعُمرة إلى الحَجّ، مُسند أحمد بن حنبل : ٤/٢٨٦.

(٣) مُسند أحمد بن حنبل : ٢/٢٨ وراجع المُسند : ٢/٣٨٨، وقال فيه : سَطَعت المجامر، ووقعت النّساء. إلى غير ذلك مِن النّصوص المُتواترة، كما أشرنا، الواردة في هذا المعنى، بلْ هي فوق التواتر بكثير ؛ فلا حاجة إلى استقصاء الجميع.

١٠٩

المؤلِّف : ثمَّ إنَّك إذا عرفت هذه المُقدِّمات الثلاث، فنقول :

إنَّ مُتعة الحَجّ هي مِمَّا أحلَّها الله ورسوله، وقد حرَّمها عمر، كما تقدَّم في عنوان الباب.

أمَّا تحليل الله تبارك وتعالى لها، ففي كتابه المجيد ؛ حيث قال في سورة البقرة :

( فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) .

وأمَّا تحليل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها ؛ فالروايات في ذلك فوق التواتر، بلْ فوق الإحصاء، كما يظهر ذلك بمراجعة كتب الأخبار.

وقد عرفت جملةً منها في المُقدِّمة الثالثة، وسيأتي جُملة أُخرى منها في ضِمن ما دلَّ على تحريم عمر مُتعة الحَجِّ، فلا حاجة إلى استقصاء الجميع بتمامها.

كما أنَّ الروايات في تصريحهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بأنَّ مُتعة الحَجِّ هي للأبد، بعدما سأله سراقة بن مالك بن جعشم : مِن أنَّ مُتعتنا هذه ألعامنا هذا أم للأبد ؟

بلْ تصريحه بأنَّها لأبدِ الأبد، أو إلى يوم القيامة، أو دخلت العُمرة في الحَجِّ إلى يوم القيامة، هي أيضاً مُتواترة جِدَّاً، وقد تقدَّم بعضها في المُقدِّمة الثالثة، والبقيَّة في كتب الأخبار موجودة فراجع(١) .

وأمَّا تحريم عمر لمُتعة الحَجِّ، مع تحليل الله تعالى ورسوله لها - كما عرفت - بلْ ومع تصريح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنَّها للأبد، بلْ لأبدِ الأبد، أو إلى يوم القيامة.

فالروايات في ذلك أيضا مُتواترة، ونحن نذكر لك جُملةً منها وفيها الكفاية.

____________________

(١) صحيح مسلم : ٢/٩١٤ كتاب الحج، باب التقصير في العُمرة، وفي كتاب النكاح باب نكاح المُتعة : ٣/١٠٢٢. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

١١٠

٧ - وروى البخاري بسنده، عن عمران بن حصين قال :

أُنزلت آية المُتعة(١) ، ففعلناها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم ينزل قرآن يُحرِّمها، ولم يَنهِ عنها حتَّى مات. قال رجُل برأيه ما شاء - يعني بالرَّجُل عمر -.

ورواه أيضاً - باختلاف يسير - في كتاب الحَجِّ، في باب جواز التمتُّع(٢) .

ورواه مسلم في صحيحه، في كتاب الحَجِّ، في باب جواز التمتُّع، رواه بطريقين، بلْ روى في الباب المذكور، عن عمران بن حصين روايات عديدة في هذا المعنى، يَقرُب مِن نحو عشرة أحاديث فراجع(٣) .

٨ - روى مسلم بسنده، عن أبي نضرة قال : كنت عند جابر بن عبد الله، فأتاه آتٍ، فقال:

إنَّ ابن عباس، وابن الزبير اختلفا في المُتعتين - يعني الحَجَّ والنساء - فقال جابر : فعلناهما مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمَّ نهانا عنهما عمر.

ورواه أحمد بن حنبل - أيضاً - في مُسنده : ١/٥٢ باختلاف في اللّفظ، وفيه تصريح مِن عمر : بأنَّ المُتعتين كانتا على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنهانا عنهما عمر(٤) .

____________________

(١) ذكر الراغب الأصبهاني : أنَّ عبد الله بن الزبير، عيَّر ابن عباس بتحليله المُتعة ؛ فقال له ابن عباس : سل أُمَّك : كيف سَطعت المجامر بينها وبين أبيك ؟فسألها، فقالت : والله ما ولدتك إلاَّ بالمُتعة. أنظر المحاضرات ط مصر.( الرضوي ).

(٢) صحيح البخاري : ١/٢٧٤ بحاشية السندي ط مصر.

(٣) سُنَن الترمذي : ٢/٩٩١، كتاب المناسك، باب التمتُّع بالعُمرة إلى الحَجّ، وفي مُسند أحمد : ٤/٤٢٨ - ٤٢٩ رواية أُخرى، عن عمران بن حصين في هذا المعنى، بلْ وفي ص٤٣٨ - ٤٣٩ روايات جديدة عن عمران بن حصين في هذا المعنى، ورواه جمع آخرون أيضاً مِن أئَّمة الحديث بطُرق عديدة، ولا حاجة إلى استقصاء الجميع بتمامها.

(٤) سُنن النسائي : ٥/١٧٨ بشرح السيوطي وبحاشية السندي، تحت عنوان : إباحة فسخ الحَجّ بعُمرة لم يَسبق الهدي.

سُنن ابن ماجة : ٢/٩٩٢، باب فسخ الحَجِّ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، سُنَن أبي داود : ١/٥٥٠ كتاب المناسك، باب إفراد الحَجِّ، مُسند الإمام أحمد بن حنبل : ١/٢٣٦ - ٢٥٣ - ٢٥٩.

إلى غير ذلك مِن مواضع أُخر مِن مُسند أحمد، ومِن كُتب أُخر عديدة غير مُسند أحمد وما قبله، ولا حاجة إلى استقصاء الجميع على الضبط والدقَّة فرداً فرداً. -المؤلِّف -

١١١

ورواه أبو داود الطيالسي أيضاً في مُسنده : ٨/٢٤٠: والبيهقي في سُنَنه: ٥/٢١ ،

وقالا فيه :

قال عمر :

فافصلوا حَجَّكم مِن عُمرتكم، وأبُتُّوا نكاح هذه النّساء، فلا أُوتى برجُل تزوَّج امرأة إلى أجلٍ إلاَّ رجمته!!

ورواه البيهقي في سُنَنه : ٧/٢٠٤، باب نكاح المُتعة بطريقين، قال في الطريق الثاني :

قال عمر :

مُتعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أنهى عنهما، وأُعاقب عليهما :

إحداهما : مُتعة النساء، ولا أقدر على رجُل تزوَّج امرأة إلى أجلٍ، إلاَّ غيَّبته بالحِجارة، والأُخرى مُتعة الحَجّ.

افصلوا حَجَّكم مِن عُمرتكم، فإنَّه أتمُّ لحَجِّكم، وأتمُّ لعُمرتكم.

ورواه الطحَّاوي في شرح معاني الآثار : ٣/٢٦ باب نكاح المُتعة.

وذكره المُتَّقي الهندي في كنز العُمَّال : ٨/٢٩٤ط الهند بطريقين وقال :

أخرجهما ابن جرير.

وقال في الثاني :

فأتوا الحَجَّ والعُمرة كما أمركم الله، وأتمُّوا نكاح هذه النساء، فلا أُوتى برجُلٍ تزوَّج امرأة، إلاّ رجمته بالحجارة.

ورواه جَمع آخرون أيضاً مِن أئَّمة الحديث، ولا حاجة إلى استقصاء الجميع فرداً فرداً.

٩ - روى الترمذي بسنده، عن ابن شهاب، أنَّ سالم بن عبد الله حدَّثه، أنَّه سمع رجُلاً مِن أهل الشام، وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتُّع بالعمرة إلى الحَجِّ.

١١٢

فقال عبد الله بن عمر :هي حلال .

فقال الشامي :إنَّ أباك قد نهى عنها .

فقال عبد الله بن عمر :أرأيت إنْ كان أبي نهى عنها، وصنعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أأمر أبي نَتَّبع ؟! أم أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

فقال الرجل :بلْ أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال: لقد صنعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال الترمذي : وفي الباب عن علي، وعثمان، وجابر، وسعد، وأسماء بنت أبي بكر(١) .

١٠ - روى النّسائي بسنده، عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الله بن الحارث :

أنّه سمع سعد بن أبي وقاص، والضّحاك بن قيس، عام حَجِّ معاوية بن أبي سفيان، وهما يذكران التمتُّع بالعُمرة إلى الحَجّ.

فقال الضّحاك :لا يَصنع ذلك إلاَّ مَن جَهِل أمر الله تعالى .

فقال سعد :بِئْسَما قلت يا بن أخي .

قال الضّحاك :فإنَّ عمر بن الخطاب نهى عن ذلك .

قال سعد :قد صنعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصنعناها معه (٢) .

١١ - روى الدارمي بسنده، عن محمد بن عبد الله بن نوفل، قال :

سمعت عام حَجِّ معاوية، يسأل سعد بن مالك : كيف تقول بالتمتُّع بالعُمرة إلى الحَجِّ ؟

قال :حَسَنة جميلة .

____________________

(١) سُنن الترمذي : ٣/١٨٥ كتاب الحَجِّ، باب ما جاءَ في التَمتُّع. شرح معاني الآثار : ٢/١٤١.

(٢) سُنن النسائي : ٥/١٥٢ - ١٥٣، التمتُّع. سُنن الترمذي : ٣/١٨٤ باب ما جاء في التمتُّع، مُسند الإمام أحمد بن حنبل : ١/١٧٤، الموطِّأ للإمام مالك : ١/٣٤٤ باب ما جاء في التمتُّع، السُّنن الكبرى للبيهقي : ٥/١٧١٦ باب مَن اختار التمتُّع بالعُمرة إلى الحَجِّ، شرح معاني الآثار : ٢/١٤١، كتاب مناسك الحَجِّ. ورواه جمع آخرون أيضاً. ولا حاجة إلى استقصاء الجميع بتمامه. -المؤلف -

١١٣

فقال :قد كان عمر ينهى عنها، فأنت خيرٌ مِن عمر ؟!

قال :عمر خيرٌ مِنِّي، وقد فعل ذلك النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،وهو خير من عمر (١) .

١٢ - روى الإمام أحمد بن حنبل بسنده، عن ابن أبي مليكة، قال :

قال عروة لابن عباس : حتَّى متى تُضلُّ الناس، يا بن عباس ؟

قال :ما ذاك يا عُرية ؟

قال :تأمرنا بالعُمرة في أشهر الحَجِّ، وقد نهى أبو بكر وعمر ؟!

فقال ابن عباس :قد فعلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال عروة :كانا هما أتبع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،وأعلم به منك (٢) .

١٣ - روى الإمام أحمد بن حنبل بسنده، عن سالم قال :

كان عبد الله بن عمر يُفتي بالذي أنزل الله عَزَّ وجَلَّ به مِن الرّخصة بالتمتُّع، وسَنَّ رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ؛ فيقول ناس لابن عمر :

كيف تُخالف أباك، وقد نهى عن ذلك ؟!

فيقول لهم عبد الله : ويلكم ! ألا تتَّقون الله - إلى أنْ قال - :

فلِمَ تُحرِّمون ذلك، وقد أحلَّه الله وعَمِل به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أفرسول الله أحقُّ أنْ تتَّبعوا سُنَّته أم سُنَّة عمر ؟!(٣) .

١٤ - روى الإمام أحمد بن حنبل بسنده، عن أبي إسحاق بن يسار أنَّه قال :

إنَّا لبمَكَّة، إذ خرج علينا عبد الله بن الزبير، فنهى عن التمتُّع بالعُمرة إلى الحَجِّ، وأنكر أنْ يكون الناس صنعوا ذلك مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فبلغ ذلك عبد الله بن عباس ؛ فقال : وما علم

____________________

(١) سُنن الدارمي : ٢/٣٥ - ٣٦.

(٢) مُسند الإمام أحمد بن حنبل : ١/٢٥٢، ورواه في ص٣٣٧ وزاد فيه :أراهم سيهلكون. أقول : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،ويقولون نهى أبو بكر وعمر .

(٣) مُسند الإمام أحمد بن حنبل : ٢/٩٥، ورواه البيهقي في السُنن الكبرى : ٥/٢١ بطريقين، قال في أحدهما :أفكتاب الله عَزَّ وجَلَّ أحقُّ أنْ يُتَّبع أم عمر ؟!

١١٤

ابن الزبير بهذا، فليرجِع إلى أُمِّه أسماء بنت أبي بكر ليسألها، فإنْ لم يكُن الزبير قد رجع إليها حلالاً، وحلَّت، فبَلَغ ذلك أسماء

فقالت : يغفر الله لابن عباس، ولقد أفحش، قد - والله - صدق ابن عباس، لقد حَلُّوا، أحللْنا، وأصابوا النّساء(١) .

١٥ - وروى الإمام أحمد بن حنبل بسنده، عن أبي موسى الأشعري، أنّه قال :

بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أرض قومي، فلمّا حضر الحَجُّ حَجَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحَجَجْت، فقدمت عليه وهو نازل بالأبطح، فقال لي : ( بِمَ أهللت يا عبد الله بن قيس ؟ )

قال : قلت لبيك بحَجٍّ كحَجِّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال : ( أحسنت ).

ثمَّ قال : ( هل سُقت هدياً ؟ ).

فقلت : ما فعلت.

فقال لي : ( اذهب فطُف بالبيت، وبين الصَّفاء والمَروة ثمَّ احلل ).

فانطلقت. ففعلت ما أمرني، وأتيت امرأةً مِن قومي، فغسلتْ رأسي بالخَطمي وفلَتْهُ، ثمَّ أهللْت يوم التروية.

فما زلت أُفتي الناس بالّذي أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتَّى توفِّي، ثمَّ زمن أبي بكر، ثمَّ زمن عمررضي‌الله‌عنه ، فبينا أنا قائم عند الحَجر الأسود، أو المُقام أُفتي الناس بالّذي أمرني به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أتاني رجُلٌ فسارَّني، فقال :

لا تَعجل بفُتياك ؛ فإنَّ عمر قد أحدث في المَناسك، فساق الحديث في مُلاقاته مع عمر، ونهى عمر عَمَّا أمر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

١٦ - وروى الطحَّاوي بسنده، عن ابن عمر أنّه قال :

قال عمر : مُتعتان كانتا على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنا أنهى عنهما، وأُعاقب عليهما : مُتعة

____________________

(١) مُسند أحمد بن حنبل : ٤/٤.

(٢) المصدر نفسه : ٤/٣٩٣، وروى في ص٣٩٥ - ٤١٠ روايتين أُخريين، عن أبي موسى في هذا المعنى.

١١٥

النّساء، ومُتعة الحَجِّ(١) .

ما العِلَّة في تحريم عمر مُتعة الحَجِّ ؟

بقي شيء، وهو أنّه ما العِلّة في تحريم عمر مُتعة الحَجِّ، وقد أحلّها الله، ورسوله للأبد - كما عرفت - فنقول :

إنَّه قد ورد في عِلَّة تحريمه لها جُملة مِن الروايات، فنحن نذكرها أوَّلاً، ثمَّ نستظهر منها أنَّه ما عِلَّة تحريمه لها، ونهيه عنها.

وهذا هو تفصيل تلك الروايات :

١ - روى مسلم بسنده، عن أبي موسى الأشعَرِيْ، أنَّه كان يُفتي بالمُتعة(٢) ، فقال له رجُل : رويدك ببعض فُتياك ؛ فإنَّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النُّسك بعد، حتَّى لقيه فسأله.

فقال عمر : قد علمت أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد فعلها وأصحابه، ولكنْ كرهت أنْ يظلّوا مُعرِّسين بهنَّ في الأراك(٣) ثمَّ يروحون في الحَجِّ تقطُر رؤوسهم(٤) .

٢ - روى البيهقي بسنده، عن ابن عمر، أنَّ عمررضي‌الله‌عنه كان يقول :

أنْ تفصلوا بين الحَجِّ والعُمرة، وتجعلوا العُمرة في غير أشهر الحَج أتمُّ لحَجِّ

____________________

(١) شرح معاني الآثار : ٢/١٤٦، ورواه في ص٣٧٥ باختصار عن سعيد بن المسيّب، وذكره المُتَّقي الهندي في كنز العمَّال : ٨/٢٩٣ط حيدر آباد الهند، وقال : أخرجه أبو صالح كاتب اللّيث

وقال المُتَّقي الهندي في كنز العمَّال ٨/٢٩٣ط الهند : روي عن جابر أنَّه قال :

تمتَّعنا مُتعة الحَجِّ، ومُتعة النساء، على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمَّا كان عمر نهانا.

قال : أخرجه ابن جرير.

(٢) تقدَّم حديث أبي موسى الأشعري، المروي في مُسند أحمد بن حنبل : /٣٩٣ فراجعه.( الرضوي ) .

(٣) قال محمد فؤاد عبد الباقي، في شرح هذا الحديث : ( مُعرِّسين بهنَّ في الأراك ) الضمير في بهنّ يعود إلى النساء ؛ للعلم بهنَّ وإنْ لم يُذكَرنَ. ومعناه : كرهتُ التمتُّع ؛ لأنَّه يقتضي التحلُّل ووطء النساء، إلى حين الخروج إلى عرفات. وأعرس، إذا صار ذا عروس، ودخل بامرأته عند بنائها. والمراد هنا الوطء :

أيْ مقاربين نساءهم. وقوله في الأراك : هو موضع بعَرفة قُرب نمرة.

أُنظر : هامش صحيح مسلم : ٢/٨٩٦.

(٣) صحيح مسلم : ٢/٨٩٦ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

١١٦

أحدكم، وأتمُّ لعُمرته(١) .

وروى البيهقي رواية أُخرى في ص ( ٢٠ ) عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب في هذا المعنى باختلاف في اللفظ.

٣ - روى أبو نعيم بسنده، عن سعيد بن المسيّب : أنَّ عمر بن الخطاب نهى عن المُتعة، في أشهُر الحَجِّ، وقال : فعلتها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنا أنهى عنها ؛ وذلك أنّ أحدكم يأتي مِن أُفق مِن الآفاق شَعِثاً، نَصِباً، مُعتمراً في أشهُر الحَجِّ، وإنَّما يكون شَعثه، ونَصبه، وتلبيته في عُمرته، ثمَّ يَقدِم فيطوف بالبيت، ويَحلُّ ويلبس، ويتطيَّب ويَقع على أهله - إنْ كانوا معه، حتَّى إذا كان يوم التروية أهلَّ بالحَجِّ، وخرج إلى مِنى يُلبِّي بحَجِّه، لا شَعِثاً، ولا نَصباً، ولا تلبية إلاَّ يوماً، والحَجُّ أفضل مِن العُمرة، ولو خلَّينا بينهم وبين هذا لعانقوهم تحت الأَراك ( الحديث )(٢) .

٤ - روى أبو نعيم بسنده، عن سعيد بن المسيّب، أنّه قال : قام عمر في الناس، فنهاهم أنْ يستمتعوا بالعُمرة إلى الحَجِّ.

فقال : إنْ تُفردوها حتَّى تجعلوها في غير أشهر الحَجِّ، أتّم لحَجِّكم، وعُمرتكم، ثمَّ قال :

وإنِّي أنهاكم عنها، وقد فعلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفعلناها معه(٣) .

٥ - روى الطحَّاوي بسنده، عن أبي سعيد الخدري، أنَّه يقول :

قام عمر خطيباً حين استُخلف فقال :

إنَّ الله عَزَّ وجَلَّ كان رخَّص لنبيِّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما شاء الله، ألا وإنَّ نبي الله قد انطلق به فأحصِنوا

____________________

(١) السُنن الكبرى : ٥/٥، شرح معاني الآثار : ٢/١٤٧، كتاب مناسك الحَجِّ، باب ما كان النبي به مُحرماً.

ورواية أُخرى أيضاً في هذا المعنى باختلاف في اللّفظ. -المؤلِّف -

(٢) حِلية الأولياء : ٥/٢٠٥.

(٣) المصدر نفسه : ٥/٢٠٥.

١١٧

فروج هذه النساء، وأتمُّوا الحَجَّ والعُمرة لله، كما أمركم به(١) .

ثمَّ إنَّك إذا عرفت هذه الروايات فنقول :

إنَّه يظهر مِن قول عمر في الرواية الثانية.

إنْ تفصلوا بين الحَجِّ والعُمرة، وتجعلوا العُمرة في غير أشهُر الحَجِّ. إلخ.

أو في الثالثة : إنْ تُفردوها حتَّى تجعلوها في غير أشهُر الحَجِّ. إلخ.

وما في الرواية الرابعة، مِن أنَّ عمر بن الخطاب نهى عن المُتعة في أشهر الحج. إلخ.

إنَّ العِلَّة في نهيه عن مُتعة الحَجِّ، هو إحياء سُنَّة أهل الجاهليَّة والشرك ؛ لِمَا عَرِفت في المُقدِّمة الثانية في صدر الباب :

مِن أنَّ العُمرة في أشهُر الحَجِّ، كانت هي مِن أفجر الفُجور عندهم في الأرض، وكانوا يقولون :

إذا برأ الدُّبَر، وعفا الأثَر، وانسلخ صَفر حلَّت العُمرة لمَن اعتمر.

غايته :

إنَّ عمر قَدْ مَوَّهَ الأمر على الجُهّال مِن الناس، في أمره بالعُمرة في غير أشهُر الحَجِّ، بقوله :

أتمُّ لحَجِّ أحدكم، وأتمُّ لعُمرته، أو أتمُّ لحَجِّكم وعُمرتكم.

يريد بذلك الاستدلال بقوله تعالى :

( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) كما صرَّح به في آخر الرواية الأخيرة، وهو استدلال باطل جِدَّاً ؛ فإنّ معنى قوله تعالى في سورة البقرة :

( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) أيْ أتمُّوهما بمَناسكهما، وحدودهما، وتأدية كلِّ ما فيهما ،

____________________

(١) شرح معاني الآثار : ٢/١٩٥، كتاب مناسك الحَجِّ، باب مَن أحرم بحَجَّة فطاف لها، تحقيق الشيخ محمد زهري النجار.

١١٨

كما عن : ابن عباس، ومجاهد.

وقيل معناه : أقيموهما إلى آخر ما فيهما، كما عن سعيد بن جبير، ومسروق، والسدّي.

ومَرجع المَعنيين إلى شيء واحد، كمالا يَخفى.

ولو كان معنى قوله تعالى :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) هو:

أنْ تَجعلوا العُمرة في غير أشهر الحَجِّ، لَمَا شرَّع الله تبارك وتعالى مُتعة الحَجِّ في نفس تلك الآية، ولَمَا أمر الله بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإتيان بالعُمرة، والحَجِّ - كليهما - في أشهر الحَجِّ بينهما إحلال، واستمتاع بالطيب، والنّساء ونحوهما.

وهذا واضح ظاهر، يَعرفه كلُّ أحد حتَّى النّساء والأطفال.

كما أنَّه يَظهر مِن قول عمر، في الرواية الأُولى :

ولكنْ كَرهت أنْ يَظلُّوا مُعرِّسين بهنَّ في الأراك، ثمَّ يروحون في الحَجِّ تقطُر رؤوسهم.

إنَّ العِلَّة في نَهيه عن مُتعَة الحَجِّ، هو ما تقدَّم في المُقدِّمة الثالثة، في صدر الباب : مِن أنَّ الإحلال، ومُجامعة النساء في فروجهنَّ، مِن قبل أنْ يُحرِم للحَجِّ، ويخرج إلى مِنى وعرفات، كان عظيماً عند ضعفاء العقول مِن المسلمين، تقبلاً عليهم، وكانوا يكرهونه جِدَّاً، حتَّى كادوا يعصون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أمرهم به مِن الإحلال.

فكأنّهم يرون أنفسهم : أبرَّ وأتقى مِن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ حتَّى قام خطيباً فيهم فقال : ( والله لأنا أبرُّ وأتقى لله منهم )

أو : ( إنِّي أتقاكم لله، وأصدقكم، وأبرَّكم )

أو نحو ذلك مِن التعبيرات المُتقدِّمة.

وقد يُشعِر بهذه العِلَّة الثانية قول عمر في الرواية الرابعة :

ولو خلَّينا بينهم وبين هذا لعانقوهم تحت الأراك.

أو في الرواية الأخيرة :

فأحصنوا فروج هذه النساء، وأتمَّوا الحَجَّ والعُمرة لله كما أمركم.

وعلى كلِّ حال : إنَّ نهي عمر عن مُتعة الحَجِّ، مع تحليل الله تبارك وتعالى لها في كتابه المجيد، كما عرفت، وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها، كما تقدَّم في الروايات المُتواترة، سِيَّما مع تصريح

١١٩

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنَّها للأبد، أو لأبدِ الأبد، أو إلى يوم القيامة.

هو حُكم مِن عمر بغير ما أنزل الله، وقول منه في دين الله برأيه، وقد قال الله تعالى :( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) المائدة : ٤٤.

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( مَن قال في ديننا برأيه فاقتلوه )(١)

* * *

____________________

(١) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : ٩/٢٢٩ في ترجمة سويد بن سعيد.

١٢٠