سبعة من السلف

سبعة من السلف0%

سبعة من السلف مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 392

سبعة من السلف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي
تصنيف: الصفحات: 392
المشاهدات: 73908
تحميل: 3768

توضيحات:

سبعة من السلف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73908 / تحميل: 3768
الحجم الحجم الحجم
سبعة من السلف

سبعة من السلف

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المقصد الثالث

في بيان ما ورد في عثمان بن عفّان

(٣)

عثمان بن عفّان

١٨١

١٨٢

١ - باب ( في أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قصَّر الصلاة بمِنى وخالفه عثمان مِن بعده فأتمَّها ) (*) .

المؤلِّف : أمّا ما جاء في أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قصّر الصلاة بمِنى، مِن دون اشتماله على مُخالفة عثمان مِن بعده، فالأخبار الواردة في هذا المعنى كثيرة، وهذا هو بعضها مِمَّا ظفرتُ عليه على العُجالة.

١ - روى البخاري بسنده، عن حارثة بن وهب، قال :

صلَّى بنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آمن ما كان بمِنى برَكعتين (١) .

المؤلِّف : وقول حارثة آمن ما كان، يُشير به إلى أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلَّى قصراً بمِنى ؛ مِن جِهة السفر، لا مِن جِهة الخوف ؛ فإنَّ الخوف هو سبب آخر للقصر غير السفر.

ثمَّ إنَّ الرواية المذكورة، قد رواها البخاري ثانياً في كتاب الحَجِّ، في باب الصلاة بمِنى باختلاف يسير.

____________________

(*) - فيه أربعة عشر حديثاً.

(١) صحيح البخاري : ٢/٣٥، أبواب التقصير باب الصلاة بمِنى البخاري ط استانبول. شرح معاني الآثار : ٤/٤١٦.

١٨٣

قال - بعد ذكر السند - : عن حارثة بن وهب الخزاعي، قال :

صلَّى بنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن أكثر ما كنَّا قَطّ وآمنه بمِنى رَكعتين (١) .

وقد روى النسائي أربعة أحاديث، في أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يُصلِّي بمِنى قصراً(*) .

وأمَّا ما جاء في أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قصَّر الصلاة بمِنى، مع اشتماله على مُخالفة عثمان مِن بعده فأتمَّها، فالأخبار الواردة في هذا المعنى كثيرة جِدَّاً، وهذه جُملة منها، مِمَّا ظفرتُ عليه على العُجالة.

٢ - روى مسلم بسنده، عن عبد الرحمان بن يزيد، يقول :صلَّى بنا عثمان بن عفان بمِنى أربع رَكعات ؛ فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود ؛ فاسترجع، ثمَّ قال :

صلَّيت مع رسول الله بمِنى رَكعتين، وصلَّيت مع أبي بكر بمِنى رَكعتين، وصلَّيت مع عمر بن الخطاب بمِنى رَكعتين، فليت حظِّي مِن أربع ركعات رَكعتان مُتقبَّلتان (٢) .

( الصلاة بمِنى ) .

٣ - روى البخاري بسنده، عن عبد الرحمان بن يزيد، عن عبد الله، قال :

صلَّيت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رَكعتين، ومع أبي بكر رَكعتين، ومع عمر رَكعتين، ثمَّ تفرَّقت بكم الطُّرق، فيا ليتَ حظّي مِن أربع رَكعات رَكعتان مُتقبَّلتان (٣) .

____________________

(١) صحيح البخاري ط استانبول : ٢/١٧٣، كتاب الحَجِّ باب الصلاة جامعة. شرح معاني الآثار للطحاوي : ٤/٤١٦ باب صلاة المُسافر. كنز العمَّال للمُتَّقي ط الهند : ٣/٣١، قال : أخرجه العدني، والطحاوي، والعقيلي. حلية الأولياء : ٤/٣٤٤ - ٧/١٨٨ رواه بطريقين.

(*) -الرضوي : الحديث الذي رواه النسائي، عن عبد العزيز بن رُفيع، قال : سألت أنس بن مالك فقلت : اخبرني بشيء عقلته عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أين صلَّى الظهر يوم التروية ؟قال : بمِنى. ولم يقُل صلَّى قصراً.

سُنن النسائي : ٥/٢٤٩ - ٢٥٠، أين يُصلّى الإمام الظهر يوم التروية.

(٢) صحيح مسلم ط استانبول : ٢/١٤٦ - ١٤٧. صحيح النّسائي ط المطبعة الميمنيّة بمصر : ١/٢١٢ باختصار. مُسند أحمد بن حنبل: ١/٣٧٨ - ٤٢٥. السُّنن الكبرى : ٣/١٤٣. سُنن أبي داود : ١/٤٣٨، كتاب الحَجِّ، باب الصلاة بمِنى تحقيق سعيد محمد اللّحام. شرح معاني الآثار للطحاوي : ١/٤١٦ باب صلاة المُسافر.

(٣) صحيح البخاري ط استانبول : ٢/١٧٣، باب الصلاة بمِنى. سُنن الدارمي : ٢/٥٥. سُنن البيهقي : ٣/١٤٣. سُنن أبي داود : ١/٤٣٨، كتاب الحَجّ رواه باختلاف يسير في اللّفظ.

١٨٤

٤ - روى أبو حنيفة بسنده، عن علقمة، عن عبد الله، أنَّه أتى، فقيل :صلَّى عثمان بمِنى أربعاً.فقال : إنّا لله، وإنّا إليه راجعون ؛ صلَّيت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رَكعتين، ومع أبي بكر رَكعتين، ومع عمر رَكعتين، ثمَّ حضر مع عثمان فصلَّى معه أربع رَكعات.

فقيل :له استرجعت، وقلتَ ما قلتَ، ثمَّ صلَّيت أربعاً ؟!

قال :الخلافة.

ثمَّ قال : وكان أوَّل مَن أتمَّها أربعاً(١) .

٥ - روى المُتَّقي الهندي، عن قتادة :أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبا بكر، وعمر، وعثمان صدراً مِن خِلافته، كانوا يُصلُّون بمَكَّة وبمِنى رَكعتين. ثمَّ إنَّ عثمان صلاَّها أربعاً، فبلغ ذلك ابن مسعود ؛ فاسترجع.

ثمَّ قام فصلّى أربعاً.فقيل له : استرجعتَ، ثمَّ صلَّيت أربعاً ؟!

قال : الخِلاف شَرٌّ.

قال : أخرجه عبد الرزاق في الجامع(٢) .

٦ - روى البيهقي بسنده، عن معاوية بن قرة بواسط، عن أشياخ الحيِّ، قال: صلَّى عثمان الظهر بمِنى أربعاً، فبلغ ذلك عبد الله ؛ فعاب عليه. ( الحديث )(٣) .

٧ - روى أحمد بن حنبل بسنده، عن القاسم بن عوف الشيباني، عن رجل، قال :كنَّا قد حملنا لأبي ذَرْ شيئاً، نُريد أنْ نُعطيه إيَّاه، فأتينا الرَّبَذَة فسألنا عنه، فلم نجده. قيل : استأذن في الحَجِّ فأُذِنَ له، فأتيناه بالبلدة - وهي مِنى - فبينا نحن عنده، إذ قيل له : إنَّ عثمان صلَّى أربعاً ؛ فاشتدَّ ذلك على أبي ذَرْ وقال قولاً شديداً.

وقال :صلَّيت مع رسول الله، فصلَّى رَكعتين، وصلَّيت مع أبي بكر وعمر - إلى أنْ قال أبو ذَرْ - :أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ لا يغلبونا على ثلاث : أنْ نأمر بالمعروف، وننهى عن المُنكر، ونعلّم الناس السُّنَن (٤) .

٨ - روى مسلم بطريقين، عن نافع عن ابن عمر، أنَّه قال :

____________________

(١) مُسند الإمام أبي حنيفة : ص١٦. مطبعة محمدي لاهور - باكستان.

(٢) كنز العمَّال : ٤/٢٤٢. ط حيدر آباد - الهند.

(٣) السُّنن الكبرى : ٣/١٤٤.

(٤) المُسند : ٥/١٦٥.

١٨٥

صلَّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمِنى رَكعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان صدراً مِن خِلافته. ثمَّ إنَّ عثمان صلَّى بعده أربعاً، فكان ابن عمر إذا صلَّى مع الإمام، صلَّى أربعاً، وإذا صلاَّها وحده صلَّى رَكعتين (١) .

٩ - روى مسلم بطريقين، عن حفص بن عاصم، عن ابن عمر، قال :صلَّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمِنى صلاة المُسافر، وأبو بكر، وعمر، وعثمان ثماني سِنين أو ( قال : ) سِتَّ سِنين .

قال حفص : وكان ابن عمر يُصلِّي بمِنى رَكعتين، ثمَّ يأتي فراشه ؛ فقلت له : أيْ عمِّ لو صلَّيت بعدها رَكعتين؟

قال :لو فعلتُ لأتممتُ الصلاة (٢) .

روى البخاري بسنده، عن عبد الله بن عمر، قال :صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمِنى رَكعتين، وأبو بكر، وعمر، وعثمان صدراً مِن خِلافته (٣) .

المؤلِّف : يعني أنَّه أتمَّها بَعداً.

١٠ - روى مسلم بسندين، عن سالم بن عبد الله بن أبيه، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أنَّه صلَّى صلاة المُسافر بمِنى وغيره رَكعتين، وأبو بكر، وعمر، وعثمان ركعتين صدراً مِن خلافته. ثمَّ أتمَّها أربعاً (٤) .

١١ - قال الترمذي : وقد صَحَّ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّه كان يُقصِّر في السفر، وأبو بكر، وعمر، وعثمان صدراً مِن خلافته.

ثمَّ روى بسنده عن أبي نضرة قال :

١٢ - سُئل عمران بن حصين، عن صلاة المُسافر، فقال :حَجَجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

(١) صحيح مسلم : ٢/١٤٦ط استانبول، كتاب الصلاة، باب قصر الصلاة بمِنى. المُسند : ٢/١٦ - ١٥ باختصار.

(٢) المصدر نفسه : ٢/١٤٦، باب قصر الصلاة بمِنى. مُسند أحمد بن حنبل : ٢/٣١ باختصار.

(٣) صحيح البخاري : ٢/١٧٣ط استانبول، باب الصلاة بمِنى. شرح معاني الآثار للطحاوى : ٤/٤١٦، باب صلاة المُسافر تحقيق الشيخ محمد زهرى النجار.

(٤) صحيح مسلم : ٢/١٤٥ - ١٤٦، باب قصر الصلاة بمِنى. مُسند أحمد بن حنبل : ٢/١٤٠. مُسند الطيالسي : ٨/٢٥٠ط حيدر آباد - الهند. سُنن الدارمي : ١/٣٥٤ و٢/٥٥. السُّنن الكبرى للبيهقي : ٣/١٢٦. شرح معاني الآثار للطحاوي : ٤/٤١٧ - ٤١٨، باب صلاة المسافر، تحقيق الشيخ محمد زهري النجار.

١٨٦

فصلّى رَكعتين، وحَججت مع أبي بكر فصلَّى رَكعتين، ومع عمر فصلَّى رَكعتين، ومع عثمان سِتَّ سنين مِن خلافته أو ثمان سِنين فصلَّى رَكعتين(١) .

ورواه أحمد بن حنبل - أيضاً - في مُسنده ٤/٤٤٠ مُختصراً وص٤٣٠ مبسوطاً، وفيه التصريح بأنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما سافر إلاّ وقصَّر، وفي مَكَّة وحُنين والطائف.

وقصّر أبو بكر، وعمر، وعثمان صدراً مِن إمارته.

قال في آخره : ثمَّ إنَّ عثمان صلَّى بعد ذلك أربعاً.

١٣ - روى أحمد بن شعيب النسائي بسنده، عن أنس بن مالك، أنَّه قال :صلَّيت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمِنى، ومع أبي بكر، وعمر ركَعتين، ومع عثمان رَكعتين، صدراً مِن إمارته . يعني : أنَّه صلَّى بعداً تماماً.(٢)

ورواه الطحاوي - أيضاً - في شرح معاني الآثار، في باب صلاة المُسافر.

وقال في آخره : ثمَّ أتمّها بعد ذلك، يعني : عثمان.

١٤ - روى الإمام مالك بسنده، عن هاشم بن عروة، عن أبيه: أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد صلَّى الصلاة بمِنى رَكعتين، وأنَّ أبا بكر صلاّها بمِنى رَكعتين، وأنَّ عمر بن الخطاب صلاَّها بمِنى رَكعتين، وأنَّ عثمان صلاَّها بمِنى رَكعتين شَطر إمارته. ثمَّ أتمَّها بعد (٣) .

المؤلِّف : إنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدما قصَّر الصلاة بمِنى، وفي مُطلق السفر، سِيَّما بعدما تبعه أبو بكر وعمر، بلْ وعثمان أيضاً بنفسه في صدرٍ مِن إمارته ؛ فلا يبقى مجال لعثمان أنْ يُتمَّ الصلاة بعداً بمِنى، أو في مُطلق السفر ؛ فإنَّ التأويل والاجتهاد في مُقابل النَّصِّ الصريح

____________________

(١) سُنن الترمذي : ٢/٤٣٠، تحقيق أحمد محمد شاكر، باب ما جاء في التقصير في السفر. السُّنن الكبرى للبيهقي : ٣/١٣٥ - ١٥٣ رواه مبسوطاً.

(٢) صحيح النسائي : ١/٢١٢، ط مصر عام ١٣١٢ه-. مُسند أحمد بن حنبل : ٣/١٤٤ - ١٤٥ - ١٦٨.

شرح معاني الآثار الطبعة الأُولى للطحاوي : كتاب مناسك الحَجِّ.

كنز العمَّال للمُتَّقي الهندي : ٣/٣١ط حيدر آباد - الهند، قال : أخرجه العدني، والطحاوي، والعقيلي.

(٣) موطِّأ الأمام مالك : ١/٤٠٢، كتاب الحَجِّ، باب الصلاة بمِنى، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. شرح معاني الآثار : ٤/٤١٨، تحقيق الشيخ محمد زهري النجار.

١٨٧

مِمَّا لا معنى له، وإنْ هو إلاّ حُكم منه بغير ما أنزل الله، وقول منه في دين الله برأيه ؛ فإنَّ الذي يُتمُّ الصلاة في السفر، هو مِمَّن يحكم به لا محالة، ويقول به، ويُفتي به قطعاً.

وقد عرفت - في آخر باب تحريم عمر مُتعة الحَجِّ - حُكم مَن حكم بغير ما أنزل الله، وحُكم مَن قال في دين الله برأيه.

ويؤيِّد ذلك كلَّه، بلْ يَدلُّ عليه، ما رواه البيهقي بسنده، عن صفوان بن محرز، قال :سألت ابن عمر عن صلاة السفر.

قال :رَكعتان. مَن خالف السُّنَّة كفر (١) .

وعليه ؛ فصار نتيجة هذا الباب مِن أوَّله إلى آخره، أنَّ حال عثمان كحال عمر عيناً، وإنْ شِئت التفصيل أكثر مِن ذلك، فراجع باب تحريم عمر مُتعة الحَجِّ ؛ ليتَّضح لك الأمر بنحو أكمل.

* * *

____________________

(١) السُّنن الكبرى للبيهقي : ٣/١٤٠.

١٨٨

٢ - باب ( إنَّ الله ورسوله قد أحلاّ مُتعة الحَجِّ للأبد وقد حرَّمها عثمان كما حرَّمها عمر مِن قبل )(*) .

المؤلِّف : إنَّك قد عرفت - في باب تحريم عمر مُتعة الحَجِّ - معنى مُتعة الحَجِّ، وأنَّ الله تبارك وتعالى قد أحلَّها في كتابه ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سنته، وأنَّها للأبد، أو لأبد الأبد، أو إلى يوم القيامة، على اختلاف التعبيرات في الروايات المُتواترة ؛ فلا حاجة هنا إلى إعادة الكلام في هذا كلِّه أبداً، وإنَّما اللازم هنا، هو ذكر الأخبار المُشتملة على نهي عثمان مِن مُتعة الحَجِّ، كما نهى عنها عمر مِن قبلُ، على ما عرفت التفصيل كما هو، فنقول هذه جُملة مِن تلك الأخبار مِمَّا ظفرتُ عليه على العُجالة.

١ - روى البخاري بسنده، عن مروان بن الحكم، قال :شهدتُ عثمان وعليَّاً، وعثمان

____________________

(*) فيه سبعة أحاديث.

١٨٩

ينهى عن المُتعة وأنْ يُجمع(*) بينهما، فلمَّا رأى عليٌّ ذلك ؛ أهلَّ بهما.

[ فقال : ] ( لبّيك بعُمرةٍ وحَجَّة ).

قال : ( ما كنتُ لأدعَ سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقول أحد )(١) .

٢ - روى البخاري بسنده، عن سعيد بن المسيّب، قال :اختلف عليٌّ وعثمان، وهما بعسفان في المُتعة، يعني : في مُتعة الحَجِّ .

فقال عليّ : ( ما تُريد إلاّ أنْ تنهى عن أمرٍ، فعله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، فلمَّا رأى ذلك عليّ أهلّ بهما جميعاً(٢) .

____________________

(*) ومعنى أنَّ عثمان ينهى عن المُتعة وأنْ يُجمع بينهما هو : أنَّه ينهى أنْ يُجمع بين العُمرة والحَجِّ في أشهُر الحَجِّ، فالجمع بين العُمرة والحَجِّ هو عبارة أُخرى عن مُتعة الحَجِّ.

وتوضيحه : إنَّك قد عرفت - في المُقدِّمة الثانية، مِن باب تحريم عمر مُتعة الحَجِّ - أنَّ العمرة في أشهُر الحَجِّ، أعني : في شوال، وذي القعدة، وذي الحَجَّة، كانت عند أهل الجاهليَّة مِن أفجر الفجور، وكانوا يقولون : إذا برأ الدُّبَر وعفا الأثَر وانسلخ صَفر، أو دخل صَفر حلَّت العُمرة لمَن اعتمر.

كما أنَّك قد عرفت أيضاً، في الباب المذكور، تحت عنوان :

ما العِلَّة في تحريم عمر مُتعة الحَجِّ، أنَّ عمر قد أمر بالفصل بين العُمرة والحَجِّ، وأنْ لا يُجمع بينهما، وأنْ تُجعل العُمرة في غير أشهُر الحَجِّ ؛ إحياءً لسُنَّة أهل الشرك والجاهليَّة ؛ مُعلِّلاً ذلك في الظاهر، بأنَّه أتمُّ لحَجِّ أحدكم، وأتمُّ لعُمرته قاصداً بذلك تمويه الأمر على الجُهَّال مِن الناس.

فعثمان الذي ينهى عن الجَمع بين العُمرة والحَجِّ، مقصوده هو النهي عن مُتعة الحَجِّ، أي : عمَّا نهى عنه عمر ؛ اتِّباعاً لسُنَّته ؛ وإحياء لبدعته ؛ وإماتة لسُنَّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنْ كان في ذلك عِصيان الله ورسوله، بلْ كان ذلك كفراً مَحضاً يوجب الارتداد والقتل شرعاً ؛ لأنَّه حُكم بغير ما أنزل الله ؛ وقول في دين الله بالرأي، فراجع : باب تحريم عمر مُتعة الحَجِّ تحصل لك بصيرة في المقام بنحو أكمل. -المؤلّف -

(١) صحيح البخاري : ٢/١٥١ط استانبول، كتاب الحَجِّ باب المُتمتِّع. صحيح النّسائي : ٢/١٤ط المطبعة الميمنيَّة بمصر رواه : بعدّة طُرق.

سُنن الدرامي : ٢/٦٩ - ٧٠. مُسند الطيالسي : ١/٩١ط حيدر آباد - الهند.

السُّنن الكبرى للبيهقي : ٤/٣٥٢ - ٥/٢٢، ورواه الطحاوي في معاني الآثار، في كتاب مناسك الحَجِّ.

كنز العمَّال : ٣/٣١ باب التمتُّع والإقران والإفراد بالحَجِّ ط استانبول. مُسند أحمد بن حنبل : ١/١٣٦ مُنسد الطيالسي: ١/١٦ط حيدر آباد - الهند. السُّنن الكبرى للبيهقي : ٥/٢٢. شرح معاني الآثار، كتاب مناسك الحَجِّ، رواه بطريقين. انظر الطبعة الأُولى منه.

(٢) صحيح البخاري : ٢/١٥٣، باب التمتُّع والإقران والإفراد بالحَجِّ ط استانبول. مُسند أحمد بن حنبل : ١/١٣٦. مُسند الطيالسي : ١/١٦ط حيدر آباد - الهند. السُّنن الكبرى للبيهقي : ٥/٢٢. شرح معاني الآثار، كتاب مناسك الحَجِّ، رواه بطريقين. انظر الطبعة الأُولى منه.

١٩٠

٣ - روى مسلم بسندين، عن عبد الله بن شقيق، قال :كان عثمان ينهى عن المُتعة، وكان عليٌّ يأمر بها .

فقال عثمان لعليّ كلمة، ثمَّ قال عليٌّ : ( لقد علمتَ أنَّا قد تمتَّعنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

فقال :أجل، ولكنَّا كنَّا خائفين (١) .

وذكره المُتَّقي أيضاً، وقال : أخرجه أبو عوانة، والطحاوي، والبيهقي في السُّنن الكبرى(٢) .

المؤلِّف : وتعليل عثمان للتمتُّع مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنَّا كنَّا خائفين، هو في غاية الوهن والفساد ؛ فإنَّ مُقتضى الخوف مِن أهل الجاهليَّة والشرك، هو أنْ لا يتمتَّعوا ولا يأتوا بالعُمرة في أشهُر الحَجِّ ؛ مُجاملةً معهم ؛ لأنَّهم يرونها مِن أفجر الفجور - كما تقدَّم غير مرة - لا أنْ يتمتَّعوا ويأتوا بالعُمرة في الحَجِّ، وفي أشهُر الحَجِّ على رغم أنف أهل الجاهليَّة والشرك.

وإذا كان مُراد عثمان مِن الخوف : إنَّا كنَّا خائفين مِن أهل الشرك، أنْ لا يدعونا للعُمرة بعداً، في غير أشهُر الحَجِّ ؛ فلذلك أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتمتُّع، وبإتيان العُمرة في أشهُر الحَجِّ في تلك السنة، فهذا أفسد مِن الأوَّل بكثير ؛ فإنَّ السبب في تشريع التمتُّع ؛ لو كان هو ذلك لَما صرَّح به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بأنَّ مُتعة الحَجِّ هي للأبد، أو لأبدٍ، أو إلى يوم القيامة.

وقد عرفت في باب تحريم عمر مُتعة الحَجِّ أنَّها هي كذلك أي للأبد.

وأنَّ الروايات بذلك فوق التواتر، فراجع.

هذا كلُّه، مُضافاً إلى ما يحتمل في المقام، لولا الظنُّ به، أو القطع مِن أنَّ تشريع التمتُّع مِن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو كان في حَجَّة الوداع ؛ ومِن الضروري أنَّ عام حَجَّة الوداع، هو أقوى أيَّام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكيف يأمر فيه بالتمتُّع خوفاً مِن

____________________

(١) صحيح مسلم : ٤/٤٦، باب جواز التمتُّع ط استانبول. سُنن البيهقي : ٥/٢٢٥. المُسند رواه بطريقين : ١/٦١ - ٩٧.

(٢) كنز العمَّال : ٣/٣٣ط حيدر آباد - الهند.

١٩١

أهل الشرك والجاهليَّة.

وهذا كلُّه - لَعمري - واضح ظاهر، لا يرتاب فيه أحد، غير إنَّ :

( وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ) النور : ٤٠.

( مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ) الأعراف : ١٨٦.

٤ - روى النسائي بسنده، عن سعيد بن المسيّب، يقول :

حَجَّ عليّ وعثمان، فلمَّا كنّا ببعض الطريق، نهى عثمان عن التمتُّع، فقال عليّ : ( إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا )،فلبّى عليٌّ وأصحابه بالعُمرة، فلم يَنههم عثمان .

فقال عليّ : ( ألم أُخبر إنَّك تنهى عن التمتُّع ؟! ).

قال :بلى .

قال له عليّ : ( ألم تسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تمتَّع ).

قال :( بلى ) (١) .

٥ - روى مالك بن أنس، عن المقداد بن الأسود :أنَّه دخل على عليّ بن أبي طالب بالسُّقيا (*) - إلى أنْ قال - فقال : هذا عثمان بن عفان ينهى أنْ يُقرَن (**) بين الحَج والعُمرة ؛ فخرج عليّ بن أبي طالب، وعلى يديه أثر الدقيق والخبط، فما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه، حتَّى دخل على عثمان بن عفان.

فقال : ( أنت تنهى أنْ يُقرَن بين الحَجِّ والعُمرة ؟! ).

فقال عثمان : ذلك رأيي ؛ فخرج عليّ مُغضباً وهو يقول : ( لبّيك اللَّهمَّ بحَجٍّ وعُمرةٍ مَعاً )(٢) .

____________________

(١) سُنن النسائي : ٥/١٥٢ - التمتُّع. مُستدرك الصحيحين : ١/٤٧٢ رواه، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم. مُسند أحمد بن حنبل : ١/٥٧ - ٦٠. سُنن الدار قطني : ٢/٢٨٧ رقم الحديث ٢٣١ رواه بطريقين.

(*) بالسقيا قرية جامعة بطريق مَكَّة. عن هامش الموطِّأ ٣٣٦.

(**) إنَّ النهي عن القِران بين الحَجِّ والعُمرة، هو عين النهي عن الجمع بينهما، وقد عرفت - في الرواية الأولى في ذيل التعليق على قوله، وعثمان ينهى عن المُتعة، وأنْ يُجمَع بينهما - أنَّ الجمع بين العُمرة والحَجِّ، هو عبارة أُخرى عن مُتعة الحَجِّ فتأمَّل التعليق جيِّداً -المؤلف -.

(٢) موطِّأ الإمام مالك : ١/٣٣٦ كتاب الحَجِّ - باب القِران في الحَجِّ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

١٩٢

٦ - روى الطحاوي بسنده، عن مروان بن الحكم، قال :كنَّا نسير مع عثمان بن عفان، فإذا رجلاً يهتف بالحَجِّ والعُمرة .

فقال عثمان: مَن هذا ؟

قالوا :عليّ (١) .

٧ - روى الطحاوي بسنده، عن عبد الله بن شقيق :أنَّ عثمان خطب فنهى عن المُتعة ؛ فقام عليّ عليه‌السلام ،فلبَّى بهما ؛ فأنكر عثمان ذلك .

فقال له عليّعليه‌السلام : ( إنَّ أفضلنا في هذا الأمر أشدُّنا اتِّباعاً له )، يعني : لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

* * *

____________________

(١) شرح معاني الآثار : ٢/١٥٧، تحقيق الشيخ محمد زهري النجار.

(٢) المصدر نفسه : ٢/١٥٧، كتاب مناسك الحَجِّ.

١٩٣

٣ - باب ( ما جاء في جهل عثمان بالكتاب والسنّة )(*) (١) .

____________________

(*) فيه أربعة أحاديث.

(١) وقال الأُستاذ الكاتب المصري صالح الورداني :

والطريف في الأمر، أنّ عثمان حين استُخلف واستتبَّ له الأمر، خرج على الكتاب والسُّنَّة، وسُنَّة الشيخين، وكفر به القوم، حتَّى الذين رشَّحوه واختاروه والسؤال الّذي يطرح نفسه، هنا هو : هل عمل عمر هذا يُطابق الشورى وروح الإسلام ؟ والجواب بالطبع : لا. فقد كان اختيار عمر لمجموعة الشورى، يقوم على أساس قبلي بحت، ولم يكُن وضع الإمام علي في هذه المجموعة، سِوى مُحاولة للتغطية على الهدف الحقيقي، مِن وراء اختيار هذه المجموعة، الّتي أشار البعض على عمر أنْ يضع ولده عبد الله فيها. فتح الباري : ٧/٦٧. لقد سنَّ عمر للخطِّ الأُموي بهذا العمل، سُنَّة أتاحت له فرصة البروز، والحصول على الشرعيّة مِن خلال عثمان واستثمار هذه السُّنَّة، فيما بعد في ضرب فِكرة الشورى في الإسلام، ودعم نظام الوراثة

وجعلُ الشورى في سِتَّة أفراد مُتناقضين، مُتنافرين - فضلاً عن كونه أمر مغرضٍ - هو يَصطدم بالقرآن الذي يقول :( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) ، أيْ بين المؤمنين جميعاً، وليس بين فِئة مُحدَّدة ويصطدم بسُنَّة الرسول، الذي طبَّق النَّصَّ القرآني، وعمل به بين الصَّحابة، وفتح الباب لحُرِّيَّة الرأي الذي أغلقه أبو بكر وعمر ؛ ليفتح الباب على مصراعيه لدكتاتوريَّة الخطِّ الأُموي وإذا كان عمر، وهو يُنازع في حيرة مِن أمره، يستخلف أو لا يستخلف ؟ مُردَّداً : إنْ لم أستخلف، فلم يستخلف الذي هو خَيرٌ مِنِّي - أي الرسول - وإنْ أستخلف فقد استخلف أبو بكر. البخاري ومسلم. وقد انتهز فُرصة حيرة عمر هذه، رجل لم تَكشف لنا الرّوايات مَن يكون، وقال له : استخلف عبد الله بن عمر فقال عمر : قاتلك الله، والله ما أردت الله بهذا. أستخلف مَن لم يُحسِن أنْ يُطلِّق امرأته

فتح الباري : ٧/٦٧، وانظر تاريخ الخلفاء.

إِلاّ أنَّ عمر مال إلى الاستخلاف، في حدود مجموعة، لنْ تَحيد عن الخطِّ القبلي، الذي وضع أساسه مع أبي بكر، وهي في النّهاية سوف تستقرُّ على واحد مِن أنصار هذا الخطِّ، ولن تتَّجِهْ بحال إلى الحيدة والاتجاه نحو علي وعلى الرغم مِن مَوقف عمر مِن ولده عبد الله، وكونه صاحب شخصيَّة ضعيفة تَجعل منه عديم القُدرة على اتِّخاذ القرار، على الرغم مِن ذلك جَعله في أهل المُشاورة ؛ جَبراً لخاطره. وقال عمر : إذا اجتمع ثلاثة على رأي، وثلاثة على رأي فحكِّموا عبد الله بن عمر، فإنْ لم ترضوا بحُكمه، فقدِّموا مَن معه عبد الرحمان بن عوف، وإنْ ولي عثمان فرجل فيه لينٌ، وإنْ ولي عليٌ فستختلف عليه النّاس، وإنْ ولي سعدٌ، وإِلاّ فليستعن به الوالي. المرجع السابق، والسؤال هنا لماذا لم يُرشِّح عمر أبا ذَر أو عمّار - مثلا - بدلاً مِن ولده ؟! وما يجب ذكره هنا، هو أنّ ابن عمر هذا رفض بيعة علي، بعد عثمان، وبايع معاوية وولده يزيد، وقد أطال الله في عمره، حتَّى لَحِق بالحجَّاج، وكان يُصلِّى خلفه، ومعه أنس بن مالك.

أُنظر : تاريخ ابن عمر في كتب التراجم. وقال الأُستاذ الورداني :

فحين تشاور القوم مال الزبير لعليٍّ، ومال سعد لعثمان، ومال طلحة لعبد الرحمان، ثمَّ انسحب عبد الرحمان، ورفض ترشيح نفسه، ومال لعثمان لتُصبح النتيجة ثلاثة إلى واحد. ثلاثة مع عثمان، وواحد مع علي. فعبد الرحمان عند ما مال لعثمان، مال طلحة معه. وفي رواية أُخرى انتهت النتيجة اثنين، أي : تعادلت الأصوات، وهنا عرض عبد الرحمان على الإمام، أنْ يُبايع على كتاب الله وسُنَّة رسوله، وسُنَّة الشيخين، فأبى إلزامه بسُنَّة الشيخين. فطلب مِن عثمان ذلك، فوافق ؛ فأعلن بيعته.

السيف والسياسة ص٨٤ - ٨٥.

١٩٤

١ - قال الإمام مالك :إنَّ عثمان بن عفان أُتي بامرأةٍ، قد ولدت في سِتَّة أشهر ؛ فأمر بها أنْ تُرجَم ؛ فقال له عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : ( ليس ذلك عليها ؛ إنَّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه :

( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ) الأحقاف : ١٥.

وقال :( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) البقرة : ٢٣٣.

١٩٥

؛ فالحمل يكون ستَّة أشهُر ؛ فلا رجم عليها ).

فبعث عثمان في أثرها، فوجدها قد رُجِمت(١) .

٢ - روى أبو جعفر الطبري بسنده، عن بعجة بن زيد الجهني :أنَّ امرأة منهم دخلت على زوجها، وهو رجل منهم - أيضاً - فولدت له في سِتَّة أشهُر، فذُكِر ذلك لعثمان بن عفان ؛ فأمر بها أنْ تُرجَم، فدخل عليه عليّ بن أبي طالب، فقال : ( إنَّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه :( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ) الأحقاف : ١٥.

وقال :( وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) ).

قال :فو الله، ما عَبَد عثمان أنْ بعث إليها تُرَدُّ .

قال : يونس - يعني : الراوي - قال ابن وهب عَبَد استنكف(٢) .

المؤلِّف : فيكون المعنى هكذا : فو الله، ما استنكف عثمان أنْ بعث إلى المرأة، التي أمر برجمها أنْ تُردُّ.

٣ - السيوطي في ذيل تفسير قوله تعالى :

( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً ) الأحقاف : ١٥ قال :

وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن بعجة بن عبد الله الجهني، قال :

تزوَّج رجل مِنَّا امرأة مِن جهينة، فولدت له تماماً لسِتَّة أشهُر، فانطلق زوجها إلى عثمان بن عفان ؛ فأمر برجمها، فبلغ ذلك عليَّاً فأتاه، فقال : ( ما تصنع ؟ ).

قال :

____________________

(١) موطِّأ الإمام مالك : ٢/٨٢٥، كتاب الحدود، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. السُّنَن الكبرى للبيهقي : ٧/٤٤٢ - ٤٤٣.

(٢) تفسير الطبري : ٢/٦١ط بولاق مصر.

المُعلِّق : راجعنا تفسير الطبري سورة البقرة آية ٣٣، في تفسير :( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ ) إلخ، وراجعنا التفسير المذكور، في آية ١٥ مِن سورة الأحقاف :( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ) ، وراجعنا التفسير في سورة لقمان آية : ١٤ :( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ ) إلخ لم نعثر على رواية بعجة بن زيد الجهنى، التي ذكرها المؤلِّف ( طاب ثراه ) والظاهر أنّها أُسقطت مِن الطبعة التي تلتها.

( الرضوي )

١٩٦

ولدت تماماً لسِتَّة أشهُر، وهل يكون ذلك ؟!

قال عليّ : ( أما سمعت الله يقول :

( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ) .

وقال :( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) ، فكم تجده بقي إلاّ سِتَّة أشهُر ! ).

فقال عثمان :والله ما فطنت لهذا، عَلَيَّ بالمرأة، فوجدوها قد فُرِغَ منها .

وكان من قولها لأُختها : يا أُخيَّة، لا تحزني، فو الله، ما كشف فرجي أحد قطّ غيره .

قال :فشبَّ الغلام بعد، فاعترف الرجل به، وكان أشبه الناس به (١) .

٤ - روى الإمام أحمد بن حنبل بسنده، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، قال :

كان أبي - الحارث - على أمرٍ مِن أمرِ مَكَّة في زمن عثمان، فأقبل عثمان إلى مَكَّة.

- فقال عبد الله بن الحارث - : فاستقبلت عثمان بالنزل بقَديد، فاصطاد أهل الماء حِجَّلاً، فطبخناه بماء وملح، فجعلناه عَراقاً للثريد، فقدّمناه إلى عثمان وأصحابه، فأمسكوا.

فقال عثمان : صيد لم أصطده، ولم نأمر بصيده، اصطاده قوم حِلٌّ، فأطعموناه فما بأس.

فقال عثمان : مَن يقول في هذا ؟

فقالوا : عليّ ؛ فبعث إلى عليّ ؛ فجاء.

- قال عبد الله بن الحارث : - فكأنِّي انظُر إلى عليّ حين جاء وهو يَحتُّ الخبط عن كفَّيه.

فقال له عثمان : صيد لم نصطده، ولم نأمر بصيده، اصطاده قوم حِلٌّ فاطعموناه، فما بأس ؟ - قال : - فغضب عليّ، وقال :

( أَنشد الله رجُلاً، شهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أُتي بقائمة حمار وحش ؛ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّا قوم حُرُمٌ، فأطعموه أهل الحِلِّ ).

- فقال : - فشهد اثنا رجُلاً مِن أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثمَّ قال عليّ : ( أُشهد الله رجُلاً، شهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّا قوم حُرُمٌ، أطعموه أهل الحِلِّ ).

- قال : - فشهد دونهم مِن العِدَّة مِن الاثني عشر.

- قال : -

____________________

(١) الدُّرُّ المنثور في التفسير بالمأثور : ٦/٤٠.

١٩٧

فثنى عثمان وِركه عن الطعام، فدخل رحله، وأكل ذلك الطعام أهل الماء(١) .

المؤلِّف : ورواه بعد هذا بطريقين آخرين مُختصَراً.

* * *

____________________

(١) المُسند : ١/١٠٠. شرح معاني الآثار للطحاوي : ٢/١٦٨، كتاب الحج، رواه مُختصَراً. كنز العمَّال للمُتَّقى الهندي : ٣/٥٣ط حيدر آباد - الهند، قال : أخرجه ابن جرير، وصحَّحه وأخرجه الطحاوي وأبو يعلى. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : ٣/٢٢٩، قال : رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والبزَّار، ثمَّ قال : فيه علي بن زيد، وفيه كلام كثير، وقد وثِّق.

١٩٨

٤ - باب ( في أمْرِ عثمان بحَرق المَصاحف )(*) .

١ - روى البخاري في هذا الباب، رواية طويلة مُفصَّلة، وقال في جُملتها :فأرسل - أيْ عثمان - إلى كلِّ أُفق بمَصحف مِمَّا نسخوا، وأمر بما سواه مِن القرآن في كلِّ صحيفة أو مَصحف أنْ يُحرَق (١) .

٢ - روى البيهقي بسنده، عن أنس بن مالك :أنَّ حذيفة بن اليمان، قَدِم على عثمان بن عفان في ولايته - فسَاَقَ البيهقي الحديث إلى أنْ قال : - ففزع لذلك عثمان، فأرسل إلى حفصة بنت عمر أنْ أرسلي إلينا بالصُّحف التي جُمع فيها القرآن ؛ فأرسلت بها إليه حفصة، فأمر عثمان زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمان بن الحارث بن هشام، أنْ ينسخوها في المَصاحف - إلى أنْ قال - ففعلوا، حتَّى كُتِبت المَصاحف، ثمَّ ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة.

____________________

(*) فيه خمسة أحاديث.

(١) صحيح البخاري : ٦/٩٨ - ٩٩، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن، ط استانبول. صحيح البخاري : ٣/٢٢٥، باب جمع القرآن بحاشية السندي.

١٩٩

وأرسل إلى كلِّ جُنْدٍ مِن أجناد المسلمين بمَصحف، وأمرهم أنْ يُحرقوا كلَّ مَصحف يُخالف المَصحف الذي أرسل به، وذلك زمان أُحرقت المَصاحف(١) .

٣ - روى الطحاوي بسنده، عن سالم وخارجة :إنَّ أبا بكر كان جمع القرآن في قراطيس، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك، فأبى عليه، حتَّى استعان بعمر بن الخطاب ففعل. وكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتَّى توفِّي. ثمَّ كانت عند عمر حتَّى توفِّي، ثمَّ كانت عند حفصة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،فأرسل إليها عثمان، فأبت أنْ تدفعها إليه، حتَّى عاهدها ليردَّنها إليها، فبعثت بها إليه، فنسخها عثمان في هذه المَصاحف، ثمَّ ردّها إليها. فلم تزل عندها حتَّى أرسل مروان بن الحكم، فأخذها فحرَّقها (٢) .

ورواه بعينه - سَنداً ومَتناً - في الجزء الرابع.

٤ - روى المُتَّقي الهندي، عن مصعب بن سعد، قال :أدركت الناس مُتوافرين، حين حرَّق عثمان المصاحف، فأعجبهم ذلك، ولم يُنكر ذلك منهم أحد.

قال : أخرجه ابن أبي داود، وابن الأنباري في المَصاحف(٣) .

المؤلِّف : ثمَّ إنّ ههنا حديثاً، يُناسب ذكره في خاتمة هذا الباب، وهو ما ذكره المُتَّقي الهندي، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال : - ( ٥ ) - ( يجيء يوم القيامة : المَصحف والمَسجد والعِترة.

فيقول المَصحف : يا ربّ، حرَّقوني ومزَّقوني.

ويقول المسجد : يا ربّ، خرّبوني وعطَّلوني وضيَّعوني.

وتقول العِترة : طردونا وقتلونا وشرَّدونا.

وأجثو برُكبتيَّ للخصومة، فيقول الله :

ذلك إليَّ وأنا أولى بذلك ).

قال : أخرجه الديلمي

____________________

(١) السُّنن الكبرى : ٢/٤١، وذكر هذا الحديث المُتَّقى الهندي في كنز العمَّال : ١/٢٨٢ط حيدر آباد - الهند باختلاف يسير في اللفظ، وقال : أخرجه ابن أبي داود، وابن الأنباري معاً في المَصاحف، وابن حبّان.

(٢) مُشكل الآثار : ٣/٤ الطبعة الأُولى.

(٣) كنز العمَّال : ١/٢٨١ط حيدر آباد - الهند.

٢٠٠