سبعة من السلف

سبعة من السلف0%

سبعة من السلف مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 392

سبعة من السلف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي
تصنيف: الصفحات: 392
المشاهدات: 72487
تحميل: 3632

توضيحات:

سبعة من السلف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72487 / تحميل: 3632
الحجم الحجم الحجم
سبعة من السلف

سبعة من السلف

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عن جابر، يعني : عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال : وأحمد بن حنبل، والطبراني، وسعيد بن منصور، وعن أبي أمامة، يعني : عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

المؤلِّف : ومِن العجيب جِدَّاً ما ارتكبه عثمان، مِن الأمر بما سوى مَصحفه، الذي أرسل به إلى الآفاق مِن المَصاحف الكثيرة أنْ تُحرق، كما يظهر كثرتها مِن قوله في الرواية الأُولى : وأمر بما سواه مِن القرآن في كلِّ صَحيفة أو مَصحف أنْ يُحرَق، أو في الرواية الثانية : وذلك زمان أُحرقت المَصاحف، أو في الرواية الأخيرة : حين حرَّق عثمان المَصاحف.

وأعجب مِن ذلك كلِّه، ما سمعته في الرواية الأخيرة، مِن قوله : فأعجبهم ذلك، ولم يُنكر ذلك منهم أحد، أوليس الاحتراق هَتكاً للكتاب المُقدَّس الإلهي ؟! أوليس هذا أمراً واضحاً عرفيَّاً، يعرفه كلُّ مَن له أدنى أدب وإنسانيَّة ؟! فلو كان مقصد عثمان هو إتلاف ما سوى مَصحفه مِن المَصاحف ؛ لئلاّ يحصل الاختلاف بين المسلمين في قرآنهم الكريم، فما الذي دعاه إلى الأمر بالحَرق، بلْ كان يحصل مقصده بمحو ما سواه مِن المصاحف، أو بدفنه، أو بإلقائه في بحر، أو ماء جاري، أو نحو ذلك مِن الإتلافات الغير الموجبة للهَتك، ولا المُنافية للأدب الإنساني، ولكن ما عسى أنْ أقول عن قوم أفضلهم بزعمهم : أبو بكر وعمر، وقد رفعا أصواتهما عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتَّى نزل النهي :( لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ - إلى قوله : -أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ) ، وقد سمعت تفصيل ذلك كلِّه، في مطاعن أبي بكر، في باب مُستقلٍّ.

وقد قال عمر للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مَماته - حين ما قال : ( ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ) -: إنّه يَهجر، أو غلبه الوَجع، حسبُنا كتاب

____________________

(١) كنز العمَّال : ٦/٤٦.

٢٠١

الله.

وقد عرف تفصيل ذلك، في مطاعن عمر، في باب مُستقلٍّ أيضاً.

وقد تجسَّر عمر على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في موارد أُخر شتَّى غير ذلك. حين جذبه عندما أراد الصلاة على عبد الله بن أُبي.

وحين صاح على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما تأخَّر ليلة مِن الليالي، عن الخروج إلى صلاة العشاء.

وحين أخذ عِذق البُسر، وضرب به الأرض، حتَّى تناثر البُسر نحو وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعرفت تفصيل هذه الموارد كلِّها، في أبواب مُستقلَّة أيضاً.

فإذا كان عمر، وهو أفضل مِن عثمان بكثير، لا يرى هذا كلَّه قبيحاً، خارجاً عن حدود الآداب والإنسانيَّة، بلْ بعضه خارج عن حدود الإيمان بلا كلام.

فما ظنُّك بعثمان، الذي هو دون عمر في الفضل بكثير.

بلْ وما ظنُّك بقوم يعتقدون بإمامة عثمان، وأنَّه خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم دون عثمان في الفضل بأكثر مِن ذلك.

* * *

٢٠٢

٥ - باب ( ما جاء في فضل أبي ذر وأنَّ عثمان قد نفاه إلى الرَّبذَة )(*) .

١ - روى الحاكم بسنده، عن عبد الرحمان، قال :

كنت مع أبي الدرداء، فجاء رجل مِن قِبَل المدينة فسأله، فأخبره أنَّ أبا ذر مُسيَّر إلى الرَّبذَة .

فقال أبو الدرداء :إنَّا لله، وإنَّا إليه راجعون، لو أنَّ أبا ذر قطع لي عُضواً أو يداً ما هجَّنته ؛ بعدما سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( ما أظلَّت الخضراء، ولا أقلَّت الغبراء مِن رجُلٍ أصدق لَهْجَةً مِن أبي ذر )رحمه‌الله (١) .

٢ - روى الإمام أحمد بن حنبل بسنده، عن عبد الرحمان بن غنم :أنَّه زار أبا الدرداء بحمص، فمكث عنده ليالي، وأمر بحماره فأوكف، فقال أبو الدرداء :

ما أراني إلاّ مُتّبعك ؛ فأمر بحماره فأُسرج، فسارا جميعاً على حماريهما، فلقيا رجُلاً شهد الجمعة بالأمس عند معاوية بالجابيَّة، فعرفهما الرجُل ولم يعرفاه، فأخبرهما خبر الناس. ثمَّ إنَّ الرجل قال :

____________________

(*) فيه ثلاثة أحاديث.

(١) مُستدرك الصحيحين : ٣/٣٤٤.

٢٠٣

وخبر آخر كرهت أنْ أُخبركما ؛ أراكما تَكرهانه

فقال أبو الدرداء :فلعلّ أبا ذر نُفيَ ؟

قال : نعم والله.فاسترجع أبو الدرداء وصاحبه قريباً مِن عشر مَرَّات .

ثم قال أبو الدرداء :فارتقبهم واصطبر (١) كما قيل لأصحاب الناقة :

اللَّهمَّ إنْ كَذَّبوا أبا ذر، فإنِّي لا أُكذِّبه، اللَّهمَّ وإنْ اتَّهموه، فأنِّي لا أتَّهمه، اللَّهمَّ وإنْ استغشُّوه، فإنِّي لا أستغشُّه؛ فإنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأتمنه حين لا يأتمن أحداً، ويسير إليه حين لا يسير إلى أحد.

أمْا والذي نفس أبي الدرداء بيده، لو أنَّ أبا ذر قطع يميني ما أبغضته ؛ بعد الذي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

( ما أظلَّت الخضراء، ولا أقلَّت الغبراء مِن ذي لَهْجَةٍ أصدق مِن أبي ذر )(٢) .

المؤلِّف : لا إشكال في أنَّ الحديثين الشريفين، قد دلاَّ على فضل أبي ذر فضلاً عظيماً، وأنَّه قد نُفي ( رضوان الله عليه )، وإنْ لم يكن في الثاني تصريح بالرَّبذَة، ولا في الحديثين تصريح بالذي قد نفاه، ولكنَّ القصَّةَ مشهورةٌ واضحةٌ جِدَّاً، مُسجَّلة في التواريخ وغيرها مِن الكُتب، يعرفها المسلمون وغيرهم، وأنَّ النافي له عثمان، وأنَّه قد نفاه إلى الرَّبَذَة لا إلى غيرها.

ثمَّ إنَّ ههنا حديثاً في شأن عبادة بن الصامت الأنصاري، تُشبه قصَّته قصَّة أبي ذر ؛ فمِن المُناسب ذكره في خاتمة هذا الباب، وهو ما رواه الإمام أحمد بن حنبل، وفيه قال عبادة لأبي هريرة :

(٣) يا أبا هريرة، إنَّك لم تكُن معنا، إذ بايعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنَّا بايعناه على السمع والطاعة، في النشاط والكَسَل ،

____________________

(١) سورة القمر : ٢٦، وتمام الآية هكذا :( إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ ) الآية.

(٢) المُسند : ٥/١٩٧.

٢٠٤

وعلى النفقة، في اليسر والعسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، وعلى أنْ نقول في الله تبارك وتعالى، ولا نخاف لومة لائم. [ وفيه : ] وعلى أنْ ننصُر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا قَدِم علينا يثرب، فنمنعه ما نمنع منه أنفسنا، وأزواجنا، وأبنائنا، ولنا الجَنَّة.

فهذه بيعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي بايعنا عليها، فمَن نَكث فإنَّما يَنكث على نفسه، ومَن وفَّى ؛ وفَّى الله تبارك وتعالى بما بايع عليه نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكتب معاوية إلى عثمان بن عفان :

أنَّ عبادة بن الصامت، قد أفسد عليَّ الشام وأهله، فإمَّا يكُن إليك عبادة، وإمَّا أُخلِّي بينه وبين الشام ؛ فكتب إليه أنْ رحِّل عبادة، حتَّى تُرجعه إلى داره مِن المدينة ؛ فبعث بعبادة حتَّى قَدِم المدينة، فدخل على عثمان في الدار، وليس في الدار غير رجُلٍ مِن السابقين، أو مِن التابعين، قد أدرك القوم. فلم يُفجَ عثمان، إلاّ وهو قاعد في جنب الدار، فالتفت إليه.

فقال :يا عبادة بن الصامت ، مالنا ولك ؟

فقام عبادة بين ظهري الناس فقال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أبا القاسم محمداً يقول : ( إنَّه سَيَلي أُموركم بعدي رجال، يعرِّفونكم ما تُنكرون ويُنكرون عليكم ما تَعرفون، فلا طاعة لمَن عصى الله تبارك وتعالى )(١) .

المؤلِّف : إنْ كان مقصود عبادة بن الصامت ( رضوان الله عليه ) مِن قوله : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا القاسم محمداً يقول : ( إنَّه سَيَلي أُموركم بعدي رجال ) إلخ.

أنْ عثمان هو مِمَّن يأمر بالمُنكر، وينهي عن المعروف ؛ فلا تجب إطاعته ؛ لأنَّه مِمَّن عصى الله تعالى.

فهذا مِمَّا يدلُّ على تفسيقه له، وإنْ كان مقصوده :

____________________

(١) مُسند الإمام أحمد : ٥/٣٢٥.

٢٠٥

إنَّ معاوية هو مِمَّن يأمر بالمُنكر، وينهى عن المعروف ؛ فهذا مِمَّا يدلُّ على تفسيقه لمعاوية وعثمان جميعاً ؛ فإنَّ مَن استعمل الفاسق فاسق أيضاً.

وعلى كلَّ حال، يظهر مِن أحاديث هذا الباب، أنَّ أبا ذر، وعبادة ( رضوان الله تعالى عليهما ) يجريان مَجرى واحداً، وكانا هما مِن القوَّالين بالحَقِّ، الآمرين بالمعروف، والناهين عن المُنكر، ولم يأخذهما في الله لومة لائم أبداً ؛ فأوذوا في سبيل الله، وظُلمِوا ظُلماً شديداً.

( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ )

( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَارُ ) .

* * *

٢٠٦

٦ - باب ( في انهزام عثمان يوم أُحُد )(*) .

المؤلِّف : قد سمعت في مطاعن عمر، مِن الفخر الرازي، في تفسيره الكبير، في ذيل قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ) في سورة آل عمران : ١٥٥.

إنَّ مِن المُنهزمين - يعني: يوم أُحُد - عمر، وإنَّ مِن المُنهزمين - أيضاً - عثمان انهزم مع رجلين مِن الأنصار، يُقال لهما : سعد، وعقبة. انهزموا حتَّى بلغوا موضعاً بعيداً، ثمَّ رجعوا بعد ثلاثة أيَّام(١) .

وههنا نذكر لك حديثين آخرين، قد جاءا في انهزام عثمان يوم أُحُد، مِن دون تعرُّض لحال عمر، وقد ذكرهما ابن حَجر العسقلاني، في ترجمة رافع بن المعلَّى الأنصاري الزرقي.

١ - قال : وروى ابن مندة، مِن طريق ابن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ) ،نزلت في

____________________

(*) فيه حديثان.

(١) مفاتيح الغيب للفخر الرازي : ٩/٥٢ ط دار الفكر بيروت.

٢٠٧

عثمان ورافع بن المعلّى، وخارجة بن زيد(١) .

ثانيهما في ترجمة سعيد بن عثمان الأنصاري.

٢ - قال : روى إسحاق بن راهويه في مُسنده، مِن طريق الزبير، قال :

والله، إنِّي لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يَغشاني : لو كان لنا مِن الأمر شيء، ما قُتلنا ههنا، ثمَّ قال : وقوله :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) .

قال :منهم عثمان بن عفان، وسعيد بن عثمان، وعلقمة بن عثمان الأنصاريان. قال : بلغوا جَبلاً بناحية المَدينة ببطن الأعوص، فأقاموا هناك ثلاثاً (٢) .

* * *

____________________

(١) الإصابة في تمييز الصحابة : ١/٤٩٩ الطبعة الأُولى بمصر عام ١٣٢٨ه-.

(٢) الإصابة في تمييز الصحابة : ٣ق ١/١٠١، ط كلكتا - الهند، هكذا أورده المؤلِّف.

٢٠٨

المقصد الرابع

في بيان ما يَشترك بين عائشة وحَفصة

(٤).(٥)

عائشة وحفصة

٢٠٩

٢١٠

١ - باب ( إنَّ عائشة وحفصة هما المرأتان اللتان قال الله تعالى فيهما )(*) :

( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) التحريم : ٤.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

( قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) .

( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ) (١) .

( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ

____________________

(*) فيه سِتَّة عشر حديثاً.

(١)الرضوي : قال الزمخشري : وروي أنَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لها - لحفصة - : ( ألم أقُل لكِ اكتمي عليّ ؟! ).

قالت : والذي بعثك بالحَقِّ ما ملكت نفسي

وقال الزمخشري : قلت : ليس الغرض بيان مَن المُذاع إليه ومَن المُعرّف، وإنَّما هو ذكر جِناية حَفصة في وجود الإنباء به وإفشائه مِن قِبَلها. تفسير الكشَّاف : ٤/١٢٧.

٢١١

وَالمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) .

( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً ) التحريم : ١ - ٥.

١ - روى البخاري بسنده، عن عبد الله بن أبي ثور، عن عبد الله بن عباس، قال :

لم أَزل حريصاً أنْ أسأل عمر رضي‌الله‌عنه عن المرأتين مِن أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللَّتين قال الله لهما :( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ (١) قُلُوبُكُمَا ) ، فحجَجت معه، فعدل وعدلت معه بالإداوة، فتبرَّز حتَّى جاء، فسكبت على يديه مِن الإداوة، فتوضَّاً، فقلت : يا أمير المؤمنين، مَن المرأتان مِن أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللّتان قال لهما :( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ ) ؟

فقال :

واعجباً لك - يا بن عباس - : عائشة، وحفصة. الحديث(٢) (٣) .

____________________

(١) روى الطبري في تفسيره بسنده، عن ابن عباس، قوله :( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) . يقول : زاغت قلوبكما، يقول : قد أثمت قلوبكما.

وعن مُجاهد قال : كنَّا نرى أنَّ قوله :( فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) شيء هَيِّن حتَّى سمعت قراءة ابن مسعود :( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ - زاغت - قُلُوبُكُمَا ) .

وعن عبيد قال : سمعت الضحاك، يقول في قوله :( فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) . أيْ مالت قلوبكما.

وعن سفيان قال :( صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) ، قال : زغت قلوبكما. جامع البيان : ٢٨/١٠٤.

وقال المؤلِّف : والزيغ هو الإثم، كما سمعت مِن ابن عباس. وفي اللُّغة الزيغ : هو المَيل عن الحَقِّ، والمعنيان مُتقاربان، بلْ هما واحد.( منه).

الرّضوي : وقال الطبري : وقوله :( وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ ) ، يقول تعالى : للَّتي أسرَّ إليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديثه، والتي أفشت إليها حديثه وهما : عائشة وحفصة. جامع البيان : ٢٨/١٠٤.

٢ - صحيح البخاري ط استانبول : ٣/١٠٣ - ١٠٤، كتاب المظالم، باب الغرفة والعلَّية المُشُرّفة.

الرضوي : وذكر هذا الحديث السيوطي في تفسيره الدُّرُّ المنثور : ٦/٢٤٢.

٣ - صحيح البخاري ط استانبول : ٦/١٤٧ - ١٤٨، كتاب النكاح، باب موعظة الرجُل ابنته لحال زوجها. صحيح مسلم دار الفكر بيروت : ٤/١٨٨، كتاب الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء :. صحيح الترمذي ٢/٢٣١ط بولاق مصر عام ١٢٩٢ه-، وقال في آخره بعد قوله : واعجباً لك يا بن عباس ( ما لفظه ) قال الزهري : وكَره والله - يعني عمر - ما سأله عنه ولم يَكتمه، فقال : عائشة وحفصة. إلخ. مُسند أحمد بن حنبل : ١/٣٣. السُّنن الكبرى للبيهقي : ٧/٣٧. الطبقات الكبرى لابن سعد : ٨/١٣١ط ليدن. الطبقات: ٨/١٨٢ط بيروت. كنز العمَّال : ١/٢٠٩ط حيدر آباد - الهند، وذكر المُتَّقي الهندي : أنَّ جَمعاً كثيراً مِن أَئَّمة الحديث قد أخرجوه.

٢١٢

٢ - روى البخاري بسنده، عن عبيد بن حنين، أنَّه قال : سمعت ابن عباس يقول :

أردت أنْ أسأل عمر، عن المرأتين اللَّتين تظاهرتا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمكثتُ سنةً، فلم أجد موضعاً حتَّى خرجت معه حاجَّاً. فلمَّا كنَّا بظهران، ذهب عمر لحاجته، فقال: أدركني بالوضوء، فأدركته بالإداوة، فجعلت أسكب عليه، ورأيت موضعاً فقلت :

يا أمير المؤمنين، مَن المرأتان اللَّتان تظاهرتا ؟(١) .

قال ابن عباس :فما أتممت كلامي، حتَّى قال : عائشة، وحفصة (٢) .

٣ - روى البخاري بسنده، عن عبيد بن حنين، أنَّه سمع ابن عباس يُحدِّث أنَّه قال :مَكثتُ سنةً أُريد أنْ أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فما استطيع أنْ أسأله ؛ هَيبةً له حتَّى خرج حاجَّاً، فخرجت معه، فلمَّا رجعت، وكنّا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له .

قال :فوقفت له. حتَّى فرغ. ثمَّ سرتُ معه .

فقلت: يا أمير المؤمنين، مَن اللّتان تظاهرتا على النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مِن أزواجه ؟

فقال :تلك حفصة وعائشة . الحديث(٣) .

____________________

(١) التظاهر على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التعاون عليه بالإيذاء. ( منه )

(٢) صحيح البخاري بحاشية السندي : ٣/٢٠٦، كتاب التفسير سورة التحريم.

الرضوي : وأورد هذا الحديث ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : ٨/٥٣٥.

(٣) صحيح البخاري بحاشية السندي : ٣/٢٠٥، كتاب التفسير سورة التحريم، ورواه البخاري في صحيحه : ٤/٣٢، كتاب اللّباس، باب ما كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتجوَّز مِن اللّباس والبُّسط، وفيه قال عمر :

وكان بيني وبين امرأتي كلام، فأغلظتْ لي

فقلت لها : وإنَّك لهناك ؟

قالت : تقول هذا لي، وابنتك تؤذي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

صحيح مسلم ٤/١٨٨ط دار الفكر بيروت، رواه بطريقين في كتاب الطلاق، بباب في الإيلاء واعتزال النساء. تفسير الطبري جامع البيان : ٢٨/١٠٣ - ١٠٤ - ١٠٥. مُسند أحمد بن حنبل : ١/٣٣ - ٤٨ باختلاف في اللّفظ. الطبقات الكبرى لابن سعد : ٨/١٣١ط ليدن. الطبقات لابن سعد ٨/١٨٢ط بيروت باختصار.

الرَّضوي : وأورد حديث ابن عباس الزمخشري في تفسيره حقائق التنزيل : ٤/١٢٧، وابن حجر العسقلاني

٢١٣

٤- روى مسلم بسنده عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب رواية طويلة قال فيها:

ونزلت هذه الأية- أية التخيير( عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً ) وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على رسول الله - (الحديث).(١)

٥- روي أحمد بن شعيب النسائي، عن ثابت، عن أنس :أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت له أمة يطأها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرّمها على نفسه، فأنزل الله عزّ وجلّ :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .(٢)

٦- روى الطبري بسنده عن ابن عباس: قوله:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) قال: كانت حفصة وعائشة متحابتين، وكانتا زوجتي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذهبت حفصة إلى أبيها فتحدثت عنده،فأرسل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى جاريته، فظلت معه في بيت حفصة وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة، فرجعت حفصة فوجدتها في بيتها، فجعلت تنتظر خروجها وغارت غيرة شديدة، فأخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلم جاريته ودخلت حفصة، فقالت: رأيت من كان عندك، والله لقد سئتني، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

في فتح الباري بشرح صحيح البخاري : ٨/٥٣٣.

وأخرج الدار قطني عن ابن عباس، أنَّه قال :

وجدتْ حفصة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أُمِّ إبراهيم في يوم عائشة، فقالت : لأُخبرنّه، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( هي علىَّ حرام إنْ قربتها)، فأخبرت عائشة بذلك، فأعلم الله عَزَّ وجَلَّ رسوله بذلك. فعرَّف حفصة بعض ما قالت، قالت له : مَن أخبرك ؟! قال : ( نبَّأني العليم الخبير ). فآلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مِن نسائه شهراً، فأنزل الله :( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) الآية. قال ابن عباس : فسألت عمر : مَن اللّتان تَظاهرتا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فقال : حفصة وعائشة. سُنن الدار قطني : ٤/٤٢ - ٤٣.

(١) صحيح مسلم : ٤/١٨٩ط دار الفكر بيروت، كتاب الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء. وذكره المُتَّقي في كنز العمَّال : ١/٢٧٠ط حيدر آباد - الهند، وقال : أخرجه عبد بن حميد في تفسيره، وأبو يعلي، وابن مردويه.

(٢) صحيح النسائي ط المطبعة الميمنيَّة بمصر عام ١٣١٢ه- : ٢/١٤٠، مُستدرك الصحيحين : ٢/٤٩٣، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم، السُنن الكبرى للبيهقي : ٧/٣٥٣.

٢١٤

(والله لأرضينك، فإنِّي مُسرٌّ إليك سِرَّاً فاحفظيه ).

قالت :ما هو ؟

قال : ( إنِّي أُشهدك أنَّ سريَّتي هذه عليَّ حرام ؛ رضاً لك ).

وكانت حفصة وعائشة تَظاهران على نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانطلقت حفصة إلى عائشة، فأسرَّت إليها أنْ أبشري أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد حرَّم فتاته، فلمَّا أخبرت بسرِّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أظهر الله عزَّ وجلَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه، فأنزل الله على رسوله لمَّا تَظاهرتا عليه :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ) إلخ(١) .

٧ - روى البيهقي بسنده، عن الضحاك :أنَّ حفصة أُمَّ المؤمنين زارت أباها ذات يوم، وكان يومها، فلمَّا جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يَرها في المنزل، فأرسل إلى أمته ماريَّة القبطيَّة، فأصاب منها في بيت حفصة، فجاءت حفصة على تلك الحالة .

فقالت: يا رسول الله، أتفعل هذا في بيتي وفي يومي ؟!

قال : ( فإنَّها عليَّ حرام، لا تُخبري بذلك أحداً )، فانطلقت حفصة إلى عائشة، فأخبرتها بذلك : فأنزل الله عزَّ وجلَّ في كتابه :

( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ - إِلَى قَوْلِهِ -وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) .

فأُمر أنْ يُكفِّر عن يمينه، ويُراجِع أمته(٢) .

قال : وبمعناه ذكره الحسن البصري مُرسَلا.

٨ - ثمَّ روى بسنده، عن مسروق، أنّه قال :

إنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت حفصة، فدخلت فرأت فتاته معه ؛ فقالت : في بيتي ويومي ؟!

فقال : ( أسكُتي، فو الله لا أقربها وهي عليَّ حرام )(٣) .

٩ - روى ابن سعد بسنده، عن شعبة قال : سمعت ابن عباس يقول :

____________________

(١) تفسير الطبري : ٢٨/١٠١. السُنن الكبري البيهقي : ٧/٣٥٢. الطبقات الكبرى لابن سعد : ٨/١٣٥ عن عروة بن الزبير، باختلاف في اللفظ، وقال في آخره : ثيّبات وأبكاراً.

(٢) السُّنن الكبرى : ٧/٣٥٣.

(٣) السُنن الكبرى : ٧/٣٥٣.

٢١٥

خرجت حفصة مِن بيتها، وكان يوم عائشة، فدخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجاريته وهي مُخمِّرة وجهها، فقالت حفصة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أما أنِّي قد رأيت ما صنعت.

فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( فاكتُمي عنِّي، وهي عليَّ حرام ).

فانطلقت حفصة إلى عائشة، فأخبرتها وبشَّرتها بتحريم القبطيَّة، فقالت له عائشة : أمَّا يومي فتُعرِّس فيه القبطيَّة، وأمَّا ساير نسائك، فتُسلِّم لهن أيَّامهُنَّ، فأنزل الله.

( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً - لحفصة -فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا - يعني عائشة وحفصة -وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ - يعني حفصة وعائشة -فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ ) الآية، فتركهنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسعاً وعشرين ليلة، ثمَّ نزل :( يَا أَچُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )، رأمر فكفَّر يمينه، وحبس نساءه عليه $ ١ ) "

٢١٦

١٠ - روى ابن سعد بسنده، عن محمد بن جبير بن مطعم، قال :

خرجت حفصة مِن بيتها، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى جاريته، فجاءته في بيت حفصة، فدخلت عليه حفصة، وهي معه في بيتها. فقالت : يا رسول الله في بيتي، وفي يومي، وعلى فراشي ؟!

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اسكُتي، فلك يمين الله لا أقربها أبداً، ولا تذكريه ).

فذهبت حفصة، فأخبرت عائشة فأنزل الله :

( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) ،فكان ذلك التحريم حلالاً . ثمَّ قال :( قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) ،فكفَّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن يمينه حين آلى . ثمَّ قال :( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً - يعني حفصة -فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ - حين أخبرت عائشة -وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ ) - يعني حفصة - لما أخبره الله قالت حفصة :( قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا - يعني حفصة وعائشة -وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ - لعائشة، وحفصة - فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ ) الآية. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما أنا بداخل عليكنَّ شهراً)(١) .

١١ - روى المُتَّقي، عن ابن عباس، قال :قلتُ لعمر بن الخطاب : مَن المرأتان اللتان تَظاهرتا ؟

قال :عائشة وحفصة .وكان بدأ الحديث في شأن ماريَّة أُمِّ إبراهيم القبطيَّة، أصابها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت حفصة، في يومها ؛ فوجدت حفصة ؛ فقالت : يا نبيَّ الله، لقد جئت إليَّ شيئاً، ما جئته إلى أحدٍ مِن أزواجك في يومي، وفي داري، وعلى فراشي ! قال : ( ألا ترضين أنْ أُحرِّمها، فلا أقربها ؟ ).

قالت : بلى. فحرَّمها وقال : ( لا تذكري ذلك لأحدٍ ).

فذكرته لعائشة، فأظهره الله عليه، فأنزل الله :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ) ،الآيات كلَّها، فبلغنا أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفَّر عن يمينه، وأصاب جاريته .

قال : أخرجه ابن جرير، وابن المنذر(٢) .

١٢ - روى المُتَّقي، عن ابن عباس، قال :كنَّا نسير، فلَحِقنا عمر بن الخطاب، ونحن نتحدَّث في شأن حفصة وعائشة فسكتنا حين لحقنا . فقال :ما بالُكم سكتُّم حين رأيتموني ؟ فأي شيء تُحدِّثون ؟

قالوا :لا شيء يا أمير المؤمنين . قال :عزمت عليكم لتُحدِّثوني .

قالوا :تذاكرنا عن شأن عائشة وحفصة، وشأن سودة .

فقال عمر :

____________________

(١) الطبقات الكبرى : ٨/١٣٥١٣٤ط ليدن، وروى ابن سعد في ص١٣٥، عن أُمِّ سلمة مِثل ذلك.

(٢) كنز العمَّال : ١/٢٧١ط حيدر آباد - الهند.

٢١٧

أتاني عبد الله بن عمر، وأنا في بعض حشوش المدينة.

فقال :إنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلَّق نساءه .

قال عمر :فدخلت على حفصة، وهي قائمة تلتدم (١) - إلى أنْ قال - فقلتُ : يا رسول الله،أطلّقت نساءك فغضب وقال لي :

قُمْ عنِّي، فخرجت فمكث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسعاً وعشرين ليلة.

ثمَّ إنَّ الفضل بن العباس نزل بالكَتف وفيها [ نزل ] :

( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) السورة كلَّها.

ونزل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال : أخرجه ابن مردويه(٢) .

١٣ - روى المُتَّقي، عن ابن عباس، قال :أردت أنْ أسأل عمر بن الخطاب، عن قوله عَزَّ وجلَّ :( وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ ) ،فكنت أهابه، حتَّى حَجَجْنا معه، فلمَّا قضينا حَجَّتنا، قال :

مرحبا بابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما حاجتك ؟

قلت :أخْبِرني عن قول الله عزَّ وجلَّ :( وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ ) مَن هما ؟

قال :ما سئل بذلك أحد أعلم بذلك منِّي - وساق الحديث إلى أنْ قال -حتَّى إذا كان يوم حفصة قالت : يا رسول الله، لي حاجة إلى أبي، فأذن لي آتيه ؛ فأذن لها. ثمَّ أرسل إلى ماريَّة جاريته، فأدخلها بيت حفصة، فوقع عليها.

فقالت حفصة : فوجدتُ الباب مُغلَقاً، فجلست عند الباب، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو فزع وجهه يَقطر عرقاً، وحفصة تبكي.

فقال : ( ما يبكيك ؟! ).

فقالت: أما أذنت لي مِن أجل هذا، أدخلت أمتك بيتي، ثمَّ وقعت عليها على فراشي، ما كنت تصنع هذا بامرأة منهنَّ.

أما والله،لا يحلُّ لك هذا يا رسول الله.

فقال : ( والله ما صدقتِ، أليس هي جاريتي؟ وقد أحلّها الله لي ؟

أشهد أنَّها عليَّ حرام ؛ ألتمس

____________________

(١) اللَّدم : ضرب الوجه والصدر.

(٢) كنزل العمَّال : ١/٢٧١ حيدر آباد - الهند.

٢١٨

رضاك، لا تُخبري بهذا امرأة منهنَّ ؛ فهي عندك أمانة ).

فلمَّا خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرعت حفصة بالجدار الذي بينها، وبين عائشة فقالت : ألاْ أُبشِّرك أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد حرَّم عليه أمته، وقد أراحنا الله منها ؛ فأنزل الله :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) .

ثمَّ قال :( وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ ) ،فهي عائشة وحفصة، كانت لا تَكتم احديهما الأُخرى شيئاً . ( الحديث ).

قال :أخرجه الطبراني في الأوسط، وابن مردويه(١) .

١٤ - روى الدار قطني بسنده، عن ابن عباس، عن عمر قال :

دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأُمِّ ولده ماريَّة، في بيت حفصة، فوجدته حفصة معها ؛ فقالت له : تُدخلها بيتي ! ما صنعتَ بي هذا مِن بين نسائك إلاّ مِن هواني عليك.

فقال : ( لا تذكري هذا لعائشة، فهي عليَّ حرام إنْ قربتها ).

قالت حفصة: وكيف تَحرُم عليك وهي جاريتك ؟

فحلف لها : ( لا أقربها ).

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا تذكريه لأحدٍ ).

فذكرته لعائشة ؛ فآلى لا يدخل على نسائه شهراً ؛ فاعتزلهُنَّ تسعاً وعشرين ليلة، فأنزل الله :( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) الآية.

قال : والحديث بطوله طويل.

ثمَّ روى رواية أُخرى، عن ابن عباس، قال :

١٥ -وجدتْ حفصة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أُمِّ إبراهيم في يوم عائشة .

فقالت :لأُخبرنَّها . فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( هي عليَّ حرام إنْ قربتها ).

فأخبرت عائشة بذلك، فأعلم الله عزَّ وجلَّ رسوله ذلك، فعرَّف حفصة بعض ما قالت.

قالت له :مَن أخبرك ؟ قال :( نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ) فآلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مِن نسائه شهراً ؛ فأنزل الله .( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) الآية.

قال ابن عباس :

____________________

(١) كنز العمَّال : ١/ ٢٧٢.

٢١٩

فسألت عمر : مَن اللتان تظاهرتا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

فقال :حفصة وعائشة (١) .

١٦ - الزمخشري في تفسير قوله تعالى :( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ) التحريم : ١٠ - ١٢.

قال الزمخشري :وفي طَيِّ هذين التمثيلين تعريض بأُمَّي المؤمنين - يعني بهما عائشة وحفصة -المذكورتين في أوَّل السورة، وما فُرِّط منهما مِن التظاهر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما كرهه، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشدِّه ؛ لِما في التمثيل مِن ذِكر الكُفر، ونحوه في التغلظ قوله تعالى :( وَمَن كَفَرَ فَإِنّ اللّهَ غَنِيّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) .

ثمَّ قال :وأشار إلى أنَّ مِن حَقِّهما أنْ تكونا، في الإخلاص والكمال فيه، كمَثل هاتين المؤمنتين، وأنْ لا تَتَّكلا على أنَّهما زوجا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛فإنَّ ذلك الفضل لا ينفعهما إلاَّ مع كونهما مُخلصتين .

والتعريض بحفصة أرجح ؛ لأنَّ امرأة لوط أفشت عليه، كما أفشت حفصة على رسول الله(٢) .

وقال الفخر الرازي - أيضاً في تفسيره الكبير - ما لفظه :

وفي ضمن هذين التَّمثيلين تعريض بأُمَّي المؤمنين، وهما حفصة وعائشة ؛ لما فُرِّط منهما، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشدِّه ؛ لِما في التمثيل مِن ذكر الكُفر ( انتهى )(٣)

____________________

(١) سُنن الدار قطني : ٤/٤١ - ٤٢ رقم الحديث ١٢٢ - ١٢٣.

(٢) تفسير الكشَّاف : ٤/١٣١.

(٣) مفاتيح الغيب : ٣٠/٤٩، في تفسير قوله تعالى :( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ ) الآية.

٢٢٠