سبعة من السلف

سبعة من السلف0%

سبعة من السلف مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 392

سبعة من السلف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي
تصنيف: الصفحات: 392
المشاهدات: 72490
تحميل: 3633

توضيحات:

سبعة من السلف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72490 / تحميل: 3633
الحجم الحجم الحجم
سبعة من السلف

سبعة من السلف

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فحملني على ذلك، أَنِّي ركبت إلى مُعاوية، فملأت أُذنيه ثمَّ رجعت(١) .

المؤلِّف : وهذا الحديث هو كالصريح، في أنَّ مُعاوية كان مِمَّن يرتكب الأُمور المُنكرة الباطلة، وأنَّ قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا يَمنعن أحدكم مَخافة الناس، أنْ يقول بالحقِّ ) هو الذي حمل أبا سعيد الخدري، وهو مِن أجلاِّء الصحابة، على أنْ يركب إلى مُعاوية، ويملأ أُذنيه مِن المَواعظ والنصائح الحقَّة. ولكنَّه هيهات أَنْ تؤثِّر فيه المواعظ والنصايح شيئاً !

وكيف تؤثِّر ؟! وهو مِن مصاديق قوله تعالى :( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) لقمان: ٦.

٤ - ما رواه الإمام أحمد بن حنبل بسنده، عن عبد الرحمان بن عبد ربِّ الكعبة، قال : انتهيت إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو جالس في ظلِّ الكعبة، فسمعته يقول :

بينا نحن مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر، إذ نزل مَنزلاً، فمنَّا مَن يَضرب خِباءهُ - إلى أنْ قال - إذ نادى مُناديه : الصلاة جامعة [ قال : ] فاجتمعنا [ قال : ] فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخطبنا، فقال :

( إنَّه لم يكن نبيٌّ قبلي إلاَّ دَلَّ أُمَّته على ما يعلمه خيراً لهم، ويحذِّرهم ما يعلمه شرَّاً لهم، وإنَّ أُمَّتكم هذه جعلت عافيتها في أوَّلها، وإنَّ آخرها سيُصيبهم بلاءٌ شديدٌ، وأُمور تُنكرونها - إلى أنْ قال - فمَن سرَّه منكم أنْ يُزحْزَح عن النار، وأنْ يدخل الجَنَّة فلتُدركه موتته، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يُحبُّ أنْ يؤتى إليه ) - إلى أنْ قال - قال عبد الرحمان : فأدخلت رأسي مِن بين الناس.فقلت : أنشدك بالله، أنت سمعت هذا مِن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،[ قال : ]فأشار بيده إلى أُذنيه، فقال : سمِعتْه أُذناي، ووعاه قلبي .

[ قال : ]فقلت : هذا ابن عمِّك مُعاوية، يأمرنا بأكل أموالنا بيننا بالباطل، وأنْ نقتل أنفسنا، وقد قال الله تعالى :

____________________

(١) المصدر نفسه : ٣/٨٤.

٣٢١

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) .

[ قال : ] فجمع يديه، فوضعهما على جبهته، ثمَّ نكَّس هُنيهة، ثم رفع رأسه فقال:

أطعِه في طاعة الله، واعصِه في معصية الله عزَّ وجلَّ(١) .

المؤلِّف : وروى هذا الحديث البيهقي - أيضاً - في سُننه، باختلاف في اللفظ وتقديم وتأخير(٢) .

٥ - ما رواه البيهقي بسنده، عن نافع :أنَّ مُعاوية بعث إلى ابن عمر مائة أَلف، فلمَّا دعا مُعاوية إِلى بيعة يزيد بن مُعاوية.

قال :أترون هذا أراد ؟ إنَّ دِيْني إِذاً عندي لرخيص.

٦ - ما ذكره ابن عبد البرّ، في ترجمة عبد الرحمان بن خالد بن الوليد، قال :ثمَّ إنَّه لمَّا أراد مُعاوية البيعة ليزيد، خطب أهل الشام، وقال لهم :

يا أهل الشام، إنَّه قد كَبُر سنِّي، وقرب أجلي، وقد أردت أنْ أعقد لرجل يكون نظاماً لكم، وإنَّما أنا رجل منكم، فأروا رأيكم فأصفقوا، واجتمعوا.

وقالوا :رضينا عبد الرحمان بن خالد ؛ فشقَّ ذلك على مُعاوية، وأسرَّها في نفسه.

ثمَّ إنَّ عبد الرحمان مَرض، فأمر مُعاوية طبيباً عنده يهودياً، وكان عنده مَكيناً أنْ يأتيه، فيسقيه سَقية يقتله بها، فأتاه فسقاه ؛ فانحرق بطنه فمات. إلخ(٣) .

* * *

____________________

(١) المُسند : ٢/١٦١.

(٢) السُنن الكبرى : ٨/١٦٩.

(٣) الاستيعاب في معرفة الأصحاب : ٢/٨٢٩ - ٨٣٠، تحقيق على محمد البجاوي.

٣٢٢

٢٠ - باب ( في نهي مُعاوية عن تقسيم الغنائم وأمره باصطفاء الصفراء والبيضاء له )(*) .

١ - روى الحاكم بسنده، عن الحسن، قال :

بعث زياد الحكم بن عمرو الغفاري على خراسان، فأصابوا غنائم كثيرة، فكتب إليه زياد أما بعد : فإنَّ أمير المؤمنين كتب أنْ يُصطفى له البيضاء والصفراء، ولا تُقسِّم بين المسلمين ذهباً ولا فِضَّة ؛ فكتب إليه الحَكم.

أمَّا بعد : فإنَّك كتبت تذكر كتاب أمير المؤمنين، وإنِّي وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين، وإنِّي أُقسم بالله، لو كانت السماوات والأرض رَتقا على عبد، فاتَّقى الله ؛ لجعل له مِن بينهم مَخرجاً والسلام.

وأمر الحَكم مُنادياً ؛ فنادى : أنْ اغدوا على فَيئكم فقسَّمه بينهم، وإنَّ مُعاوية لمَّا فعل الحَكم في قِسمة الفَيء ما فعل، وجَّه إليه مَن قيَّده وحبسه، فمات في قيوده، ودُفن فيها، وقال : إني مُخاصِّم(١) .

____________________

(*) فيه حديثان.

(١) مُستدرك الصحيحين : ٣/٤٤٢ - ٤٤٣. الطبقات الكبرى : ٧ق ١ ص١٨. ورواه ابن عبد البرّ في الاستيعاب بطريقين، بينهما اختلاف يسير في بعض الألفاظ. ورواه ابن الأثير في أُسد الغابة : ٢/١٦٤، باختلاف في السَّند والمَتن، قال : قال ابن حبيب. كتب زياد إلى أبيه إلخ.

٣٢٣

كتب زياد بن أبيه إلى الربيع بن زياد هذا :

١ - إنَّ أمير المؤمنين مُعاوية، كتب يأمرك أنْ تُجهِّز الصفراء والبيضاء، وتُقسِّم ما سِوى ذلك ؛ فكتب إليه : إِنِّي وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين. ونادى في الناس : أنْ اغدوا على غنائمكم، فأخذ الخُمس، وقسَّم الباقي على المسلمين، ودعا الله تعالى أَنْ يُميته.

قال :فما جمع حتى مات (١) .

* * *

____________________

(١) أُسد الغابة في معرفة الصحابة : ٢/١٦٤.

٣٢٤

٢١ - باب ( إنَّ مُعاوية يَشرب الشراب الذي حرَّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(*) .

١ - روى الإمام أحمد بن حنبل بسنده، عن عبد الله بن بريدة، قال :دخلت أنا وأبي على مُعاوية، فأَجلسنا على الفراش، ثمَّ أُتينا بالطعام فأكلنا، ثمَّ أتينا بالشراب فشرب مُعاوية، ثمَّ ناول أبي ؛ فقال : ما شربته مُنذ حرَّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

ويؤيِّد هذا الحديث، المُشتمل على شرب مُعاوية الشراب الذي حرَّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما ذكره ابن حجر العسقلاني.

٢ - قال ابن حجر : وأخرج الحسن بن سفيان في مُسنده، وابن قانع وابن منده مِن طريق ابن إسحاق، عن بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، قال :

غزا عبد الرحمان بن سهل الأنصاري، في زمن عثمان - ومُعاوية أمير على الشام - فمَرَّت به روايا الخمر ؛ فقام إليها برمحه، فنقر كلَّ راوية منها فناوشه الغلمان، حتَّى بلغ شأنه مُعاوية، فقال :

____________________

(*) فيه حديثان.

(١) المُسند : ٥/٣٤٧.

٣٢٥

دعوه ؛ فإنَّه شيخ قد ذهب عقله. فبلغه.

فقال :كلاَّ والله، ما ذهب عقلي، ولكنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهانا أَنْ نُدخل بطوننا وأَسقيتنا خمراً، وأحلف بالله، لَئِن بقيت حتَّى أرى في مُعاوية ما سمعت مِن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لابُدَّ مِن بَطنه أو لأموتنَّ دونه (١) .

المؤلِّف : ومعنى قوله : لابدَّ مِن بَطنه، أو لأموتنَّ دونه، أَيْ : لابدَّ لي مِن شَقِّ بطنه، أو لأموتن دونه.

وكأنَّ عبد الرحمان بن سهل، قد سمع مِن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مُعاوية، أَنَّه سيرتكب أَمراً يستحقُّ به القتل، فهو ينتظر صدور ذلك الأمر منه ؛ ليقتله أو يموت دون القتل ( والله العالم ).

* * *

____________________

(١) الإصابة في تمييز الصحابة : ٤ق ١٦٢. ط كلكتا عام ١٨٥٣م. الاستيعاب في معرفة الأصحاب : ٢/٨٣٦ تحقيق على محمد الجباوي

٣٢٦

٢٢ - باب ( إنَّ مُعاوية هيَّأ رجالاً يشهدون أنَّ عليَّاًعليه‌السلام قتل عثمان )(*) .

١ - ابن الأثير في ترجمة شرحبيل بن السمط، قال :

أدرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان يُكنَّي : أبا يزيد، وكان أميراً على حَمص لمُعاوية، وكان له أثر عظيم في مُخالفة عليٍّ وقتاله.

وسبب ذلك، أنَّ عليَّاً أَرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى مُعاوية، فاحتبسه أشهراً، فقيل لمُعاوية : إنَّ شرحبيل عدوٌّ لجرير ؛ ليُحضره ؛ ليناظر جريراُ ؛ فاستدعى مُعاوية شرحبيل، ووضع على طريقه مَن يشهد أنَّ عليَّا قتل عثمان، منهم :

بسر بن أرطأة، ويزيد بن أسد جَدُّ خالد القسري، وأبو الاعور السُلَّمي، وغيرهم، فلقي جريراً وناظره أنَّ عليَّاً قتل عثمان، ثمَّ خرج في مدائن الشام، يُخبر بذلك ويندب إلى الطلب بثأر عثمان(١) .

٢ - ابن عبد البرّ في ترجمة شرحبيل بن السمط، قال :

____________________

(*) فيه حديثان.

(١) أُسد الغابة في معرفة الصحابة : ٢/٣٩٢.

٣٢٧

كان شرحبيل بن السمط على حَمص، فلمَّا قَدِم جرير على مُعاوية، رسولاً مِن عند عليٍّ، حبسه أشهُراً يتحيَّر ويتردَّد في أمره، فقيل لمُعاوية : إنَّ جريراً قد ردَّ بصائر أهل الشام، في أنَّ عليَّاً ما قتل عثمان، ولابدَّ لك مِن رجل يُناقضة في ذلك، مِمَّن له صُحبة ومنزلة، ولا نعلمه إلاَّ شرحبيل بن السمط ؛ فإنَّه عدو لجرير، فاستقدمه مُعاوية؛ فقَدِم عليه، فهيَّأ له رجالاً يشهدون عنده، أنَّ عليَّاًعليه‌السلام قتل عثمان، منهم :

بسر بن أرطأة، ويزيد بن أسد جَدُّ خالد بن عبد الله القسري، وأبو الأعور السلمي، وحابس بن سعد الطائي، ومخارق بن الحارث الزبيدي، وحمزة بن مالك الهمداني، قد واطأهم مُعاوية على ذلك ؛ فشهدوا عنده أنَّ عليَّاًعليه‌السلام قتل عثمان، فلقي جريراً فناظره، فأبى أَنْ يرجع، وقال : قد صحَّ عندي أنَّ عليَّاًعليه‌السلام قد قتل عثمان، ثمَّ خرج إلى مدائن الشام، يُخبر بذلك، ويندب إلى الطلب بدم عثمان(١) .

المؤلِّف : والعجب مِن هؤلاء الرجال، أعني : مِن بُسر بن أرطأة، ويزيد بن أسد، وأبو الأعور السلمي، وحابس بن سعد، ومخارق بن الحارث، الذين هيّأهم مُعاوية ؛ ليشهدوا عند شرحبيل أنَّ عليَّاًعليه‌السلام قتل عثمان، وأنَّهم كيف باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، وشهدوا زوراً عند شرحبيل، وهم يعلمون أنَّها شهادة زور، كما يظهر مِن قول : ( قد واطأهم مُعاوية ) ؛ حتَّى خرج شرحبيل إلى مدائن الشام وندب الناس إلى قتال عليٍّعليه‌السلام والطلب بدم عثمان، وأُريق مِن دماء المسلمين ما لا يُحصى عددهم على الدِقَّة إلاَّ الله جلَّ وعلا، وهي على عاتقهم.

وقد صدق عمرو بن العاص ؛ حيث قال :

إنَّ أهل الشام أطوع الناس للمخلوق في معصية الخالق.

وروى الهيثمي عن علي بن يزيد، قيل لعمرو بن العاص :صِف لنا أهل الأَمصار، قال :

أهل الحجاز أحرص الناس على فِتنة، وأعجزهم عنها .

____________________

(١) الاستيعاب في معرفة الأصحاب : ٢/٦٩٩ - ٧٠٠ تحقيق على محمد البجاوي.

٣٢٨

وأهل العراق أحرصهم على علمٍ وأبعدهم منه.

وأهل الشام أطوع الناس للمخلوق في معصية الخالق.

وأهل مصر أكيس الناس صغيراً، وأحمقهم كبيراً.

وقال : رواه الطبراني في الأوسط(١) .

* * *

____________________

(١) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : ١٠/٢٦٨ط مصر.

الرضوي : لم نعثر على هذا الحديث في المُجلَّد المذكور.

٣٢٩

٢٣ - باب ( إنَّ الله يغضب لقتل حِجر وهكذا أَهل السماء وقد قتله مُعاوية وندم عند الموت )(*) .

١ - روى المُتَّقي الهندي، عن أَبي الأسود، قال :دخل مُعاوية على عائشة، فقالت : ما حملك على قتل أهل عذراء : حِجر وأصحابه ؟!

فقال :يا أُمَّ المؤمنين، إنِّي رأيت قتلهم صلاحاً للأُمَّة، وبقاءهم فساداً للأُمَّة .

فقالت :سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( سيُقتل بعذراء ناسٌ يغضب الله لهم وأهل السماء ).

قال : أخرجه ابن عساكر(١) .

٢ - روى المُتَّقي، عن سعيد بن أَبي هلال :أَنَّ مُعاوية حَجَّ، فدخل على عائشة.

فقالت :يا مُعاوية، قتلت حجر ابن الأَدبر وأصحابه ! أما والله، لقد بلغني أَنَّه : ( سيُقتل بعذراء سبعةُ نفرٍ يغضب الله لهم وأَهل السماء ).

قال :

____________________

(*) فيه ثلاثة أحاديث.

(١) كنزل العمَّال : ٧/٨٧ ط الهند.

٣٣٠

أَخرجه ابن عساكر(١) .

٣ - ابن حجر، قال : وقال ابن المبارك في الزهد :

أنبأنا أَبو بكر بن عياش، قال :دخل عبد الله بن يزيد بن أسد على مُعاوية، وهو في مرضه الذي مات فيه، فرأى منه جَزْعَا.

فقال :يا أَمير المؤمنين، ما يُجزعك ؟! إِنْ مُتَّ فإِلى الجنّة، وإِنْ عشت فقد عَلمت حاجة الناس إليك .فقال :رحم الله أَباك ؛ إِنَّه كان لنا ناصحاً، نهاني عن قتل ابن الأدبر، يعني : حجر بن عدي.

المؤلِّف : وظاهر كلام مُعاوية - في جواب سؤال عبد الله بن يزيد - : رحم الله أَباك ؛ إِنَّه كان لنا ناصحاً، نهاني عن قتل ابن الأدبر. إلخ، أنَّ جزعه الذي رآه منه عبد الله، هو لقتل حِجر بن عدي، وهو مِن مُعاوية عجيب جداً ؛ فإِنَّه [ هو ] الذي هيَّأ جماعة ليشهدوا زوراً عند شرحبيل أنَّ عليَّاًعليه‌السلام قتل عثمان - كما عَرفت في الباب السابق - فخرج شرحبيل إلى مدائن الشام، وندب الناس إلى قتال عليعليه‌السلام وأُريق مِن دماء المسلمين عدداً لا يُحصيه على الضبط والدِّقَّة إِلاَّ الله.

وقَتل مِن أَصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مِن المُهاجرين والأنصار عدداً كثيراً، وعلى رأسهم عمار بن ياسر، الذي تواترت الروايات في أخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أنَّ عماراً تقتله الفئة الباغية )، وقد قتله مُعاوية وأصحابه - كما عرفت تفصيله في الأبواب السابقة -.

وقَتل مِن التابعين الأخيار عدداً أَكثر مِن ذلك، وعلى رأسهم أُويس القرني، وقد روى الحاكم، وأبو نعيم، وابن سعد(٢) ، وغير هؤلاء مِن أَئمَّة الحديث، بإسنادهم عن عبد الرحمان بن أبي ليلى، قال :

لمَّا كان يوم صِفِّين نادى مُنادٍ مِن أَصحاب مُعاوية، أَصحاب عليٍّعليه‌السلام : أفيكم أُويس القرني ؟

قالوا :نعم .

فضرب دابَّته حتَّى دخل معهم، ثمَّ قال :

____________________

(١) كنز العمِّال : ٧/٨٨ ط. الهند.

(٢) مُستدرك الصحيحين : ٣/٤٠٢. حلية الأولياء : ٢/٨٦. الطبقات : ٦/١١٢ - ١١٣.

٣٣١

سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

( خير التابعين أويس القرني ) ؛ فقتل هؤلاء كلِّهم لم يجزع لأجله مُعاوية عند الموت، إلاَّ لقتل حِجر وأصحابه ؛ فإنَّهم وإن كانوا مِن الأعاظم الأجلاَّء، الذين قلَّ نظيرهم في الإِسلام، ولكنَّ قَتْله وقَتْل أصحابه بالنسبة إِلى قَتْل مَن سواهم، مِن العدد الكبير مِن الأصحاب والتابعين أهون بكثير.

وأَعجب مِن الجميع، أنَّه قد روى أبو نعيم والحاكم(١) روايات عديدة، قد صرَّحت - جميعاً - بأنَّ الحسنعليه‌السلام قد سُمَّ مِراراً، ومات بالآخرة مسموماً.

وصرَّح ابن حَجر في الصواعق كافَّة، بأَنَّه كان السبب لوفات الحسنعليه‌السلام ، وأنَّ زوجته جَعدة بنت الأَشعث بن قيس الكندي، دَسَّ إليها يزيد أنْ تسمَّه ويتزوَّجها، وبذل لها مِئة أَلف درهم، ففعلت ؛ فمرض أربعين يوماً، فلمَّا مات بعثت إلى يزيد، تسأله الوفاء بما وعدها، فقال لها : إنَّا لم نَرضَك للحسنعليه‌السلام ، فنرضاك لأَنفسنا.

ثمَّ قال ابن حجر : وبموته مسموماً شهيداً، جزم غير واحد مِن المُتقدِّمين : كقتادة، وأبي بكر بن حفص، والمُتأخِّرين، كالزين العراقي في مُقدِّمة شرح التقريب. إلخ(٢) .

ومِن الواضح المعلوم، أنَّه لم يكُن للحسن بن عليعليهما‌السلام في ذلك الوقت، عدوٌّ يقتله بالسَمِّ سِوى مُعاوية بن أَبي سفيان ؛ فإنَّه الذي سمَّه ؛ ليتمَّ الأمر مِن بعده لولده يزيد، كما سَمَّ عبد الرحمان بن خالد بن الوليد لهذه الغاية - وقد عرفت تفصيله في آخر باب إِنَّ مُعاوية مِمَّن يُعرِّفون الناس المُنكر -

وأوضح مِن ذلك كلِّه، أنَّه مِن المُتسحيل أنْ يدسَّ يزيد إلى جَعدة بنت الأشعث، أنْ تسمَّ الحسنعليه‌السلام ، ويُرسِل إليها مئة ألف درهم، كلُّ ذلك بدون أمر مُعاوية، بلْ هو بأمره بلا شُبهة، فإِذا كان بأمره ؛ فهو الذي قتل - والله - الحسن بن عليعليهما‌السلام ، فكيف هو لا يجزع عند الموت لهذا الأمر الفظيع الذي ارتكبه، والجناية العظمى التي فعلها، وأَيُّ أمرٍ أَفظع مِن قتل سبط النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيِّد شباب أَهل الجَنَّة، وخامس أهل

____________________

(١) حلية الأولياء : ٢/٣٨. مُستدرك الصحيحين : ٣/١٧٣ - ١٧٦.

(٢) الصواعق المُحرقة ط مصر عام ١٣١٢ه-.

٣٣٢

الكساء، ويجزع لقتل حِجر وأصحابه فقط، وهذا - لَعمري - عجيب جِدَّاً كما ذكرنا.

وعلى كلِّ حال، قد قال الله تبارك وتعالى :

( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (١) .

( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ) (٢) .

* * *

____________________

(١) الشعراء : ٢٢٧.

(٢) إبراهيم : ٤٢.

٣٣٣

٣٣٤

المقصد السابع

في بيان ما ورد في خالد بن الوليد

(٧)

خالد بن الوليد

٣٣٥

٣٣٦

١ - باب ( في قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اللَّهمَّ إنِّي أبرأ إليك مِمَّا صنع خالد ) وفي غضبه عليه )(*) .

١ - روى البخاري بسنده، عن سالم عن أبيه، قال :

بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خالد بن الوليد، إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يُحسنوا أنْ يقولوا : أسلمنا ؛ فجعلوا يقولون : صبأنا صبأنا ؛ فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كلِّ رجُلٍ منَّا أسيره، حتَّى إذا كان يوم آخر، أمر خالد أنْ يقتل كلُّ رجُلٍ مِنَّا أسيره، فقلت :

والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجُلٌ مِن أصحابي أسيره، حتَّى قَدِمنا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذكرناه له ؛ فرفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده، فقال :

( اللَّهمَّ إِنِّي أبرأ إِليك مِمَّا صنع خالد - مرتين - )(١) .

____________________

(*) فيه خمسة أحاديث.

(١) صحيح البخاري حاشية السندي : ٣/٧١، باب بعث النبي خالد بن الوليد : ٤/١٠٤، باب رفع الأيدي في الدعاء. صحيح البخاري ط استانبول : ٥/١٠٧، باب بعث النبي خالد بن الوليد إلى بني جذيمة. مُسند أحمد بن حنبل : ٢/١٥٠، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر. مُشكل الآثار للطحاوي : ٤/٢٥٤ ط حيدر آباد - الهند. ورواه النسائي في صحيحه : ٢، باب الرَّدِّ على الحاكم إذا قضى بغير الحَقِّ ط المطبعة الميمنيَّة بمصر عام ١٣١٢ه-. فتح الباري : ٨/٤٧.

٣٣٧

وقال ابن حجر بعد مَرَّتين ما لفظه : وفي رواية الباقين ثلاث مَرَّات، قال : وزاد الباقرعليه‌السلام في روايته : ( ثمَّ دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليَّاً، فقال : اخرج إلى هؤلاء القوم، واجعل أمر الجاهليَّة تحت قدميك، فخرج حتَّى جاءهم، ومعه مال فلم يبقَ لهم أحداً إلاَّ ودَّاه )(١) .

٢ - ابن سعد قال : قالوا :لمَّا رجع خالد بن الوليد مِن هدم العزّى، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مُقيم بمَكَّة، بعثه إلى بني جذيمة ؛ داعياً إلى الإسلام، ولم يبعثه مُقاتلاً، فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلاً، مِن المُهاجرين والأَنصار وبني سليم، فانتهى إليهم خالد، فقال : ما أنتم ؟

قالوا :مُسلمون، قد صلَّينا وصدَّقنا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذَّنا فيها .

قال :فما بالُ السلاح عليكم ؟

فقالوا :إنَّ بيننا وبين قوم مِن العرب عداوة، فخفنا أنْ تكونوا هم ؛ فأخذنا السلاح.

قال :فضعوا السلاح.

[ قال : ]فوضعوه.

فقال :استأسروا فاستأسر القوم، فأمر بعضهم فكتف بعضاً، وفرَّقهم في أصحابه، فلمَّا كان في السحر نادى خالد : مَن كان معه أسير فليُدافه. والمُدافة الإِجهاز عليه بالسيف .

فأمَّا بنو سليم، فقتلوا مَن كان في أيديهم، وأمَّا المُهاجرون والأنصار، فأرسلوا أُساراهم.

فبلغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما صنع خالد.

فقال : ( اللَّهمَّ إنِّي أبرأ إليك مِمَّا صنع خالد ).

وبعث علي بن أبي طالب، فودَّى لهم قتلاهم وما ذهب منهم، ثمَّ انصرف إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره(٢) .

٣ - روى ابن جرير بسنده، عن محمد بن إسحاق في قصَّة خالد مع بني جذيمة، قال :حدَّثني بعض أهل العلم، عن رجل مِن بني جذيمة، قال : لمَّا أَمرنا خالد بوضع السلاح، قال رجل منَّا، يُقال له جحدم : ويْلَكم يا بني جذيمة، إنَّه خالد، والله ما بعد وضع السلاح إلاَّ

____________________

(١) فتح الباري لابن حجر : ٨/٤٦ - ٤٧ط. عبد الرحمان محمّد بمصر عام ١٣٤٨ ه-.

(٢) الطبقات الكبرى : ٢، القسم ١/١٠٦ - ١٠٧. ط ليدن.

٣٣٨

الإسار، ثمَّ ما بعد الإِسار إلاَّ ضرب الأعناق. والله، لا أَضع سلاحي أَبداً.

قال : فأخذه رجال مِن قومه، فقالوا: يا جحدم، أتُريد أنْ تسفك دماءنا، إنَّ الناس قد أسلموا، ووضعت الحرب، وأمِنَ الناس. فلم يزالوا به حتَّى نزعوا سلاحه، ووضع القوم السلاح لقول خالد.

فلمَّا وضعوه أمر بهم خالد عند ذلك فكُتفوا، ثمَّ عرضهم على السيف، فقُتل مَن قُتل منهم.

فلمَّا انتهى الخبر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع يديه إلى السماء، ثمَّ قال : ( اللَّهمَّ إِنِّي أَبرأ إليك مِمَّا صنع خالد بن الوليد ).

ثمَّ دعا علي بن أبي طالب، فقال : ( يا علي، اخرج إلى هؤلاء القوم، فانظر في أمرهم، واجعل أمر الجاهليَّة تحت قدميك ).

فخرج حتَّى جاءهم، ومعه مال قد بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به، فودَّى لهم الدماء، وما أُصيب مِن الأموال، حتَّى إنَّه ليدي مِيلَغة(١) الكلب، حتَّى إذا لم يبقَ شيء مِن دمٍ، ولا مال إلاَّ ودَّاه، بقيت معه بقيَّة مِن المال.

فقال لهم علي - حين فرغ منهم - : ( هل بقي لكم دمٌ، أو مال لم يؤدَّ إليكم ؟ ).

قالوا : لا.

قال : ( فإنِّي أُعطيكم هذه البقيَّة مِن هذا المال ؛احتياطاً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مِمَّا لا يعلم ولا تعلمون )، ففعل.

ثمَّ رجع إِلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره الخبر.

فقال :( أصبت وأحسنت ).

ثمَّ قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستقبل القبلة قائماً، شاهراً يديه، حتَّى إنَّه ليُرى بياض ما تحت مِنكبيه، وهو يقول : ( اللَّهمَّ إنِّي أَبرأ إليك مِمَّا صنع خالد بن الوليد - ثلاث مَرَّات - )(٢) .

٤ - ابن الأثير في ترجمة خالد بن الوليد، قال :ولمَّا فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَكَّة، بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، مِن بني عامر بن لؤي، فقتل منهم مَن لم يَجز له قتله.

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اللَّهمَّ إِنِّي أبرأ إليك مِمَّا صنع خالد )،فأَرسل مالاً مع علي بن أبي طالب عليه‌السلام ،فودَّى القتلى، وأَعطاهم ثمن ما أُخذ منهم، حتَّى ثمن مِيلَغة الكلب.

وفضل معه فضلة مِن المال، فقسَّمها فيهم، فلمَّا أُخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك استحسنه، ولمَّا رجع خالد بن الوليد مِن بني جذيمة، أَنكر عليه عبد الرحمان بن عوف ذلك، وجرى بينهما كلام ؛ فسبَّ خالد

____________________

(١) الرضوي : مِيلَغة بكسر الميم وفتح اللاّم : الإناء الذي يُسقى فيه الكلب.

(٢) تاريخ الطبري : ٣/١٢٤ ط الحسينيَّة بمصر.

٣٣٩

عبد الرحمان بن عوف، فغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ( الحديث )(١) .

٥ - روى المُتَّقي، عن سلمة بن الأكوع، قال :

لمَّا قَدِم خالد بن الوليد على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بعدما صنع ببني جذيمة ما صنع، عاب عبد الرحمان بن عوف على خالد ما صنع.

قال :يا خالد، أخذت بأمر الجاهليَّة ؟ قتلتهم بعمِّك الفاكه (٢) قاتلك الله .

وأعانه عمر بن الخطاب على خالد.

فقال خالد :أخذتهم بقتل أبيك.

فقال عبد الرحمان :كذبت والله، لقد قتلتُ قاتل أبي بيدي، وأشهدت على قتله عثمان بن عفان.

ثمَّ التفت إلى عثمان فقال :أَنشدك الله، هل علمت أَنِّي قتلت قاتل أبي ؟

فقال عثمان :اللَّهمَّ نعم.

ثم قال عبد الرحمان :ويحك يا خالد، ولو لم اقتل قاتل أبي، كنت تقتل قوماً مِن المسلمين بأبي في الجاهلية ؟!

قال :ومَن أخبرك أنَّهم أَسلموا ؟!

فقال :أهل السريَّة - كلُّهم - يخبرون أنَّك قد وجدتهم قد بنوا المساجد، وأقرّوا بالإِسلام، ثمَّ حملتهم على السيف.

قال :جاءني أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ أغير عليهم، فأغرت عليهم بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال عبد الرحمان :كذبت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وغالظ عبد الرحمان، وأعرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن خالد، وغضب عليه. الحديث.

قال : أخرجه الواقدي وابن عساكر(٣) .

المؤلِّف : وهنا حديث يُناسب ذكره في خاتمة هذا الباب، وهو ما رواه الطحاوي بسنده، عن قيس بن أبي حازم، عن خالد بن الوليد :أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثه إِلى أُناس مِن خَثْعَم

____________________

(١) أُسد الغابة في معرفة الصحابة : ٢/٩٤.

(٢) الفاكه : هو الرجل المازح، ويقال للمُعجَب الأشر البطر أيضاً.

(٣) كنز العمَّال : ٦/٤٢٠ط حيدر آباد - الهند.

٣٤٠