سبعة من السلف

سبعة من السلف0%

سبعة من السلف مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 392

سبعة من السلف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي
تصنيف: الصفحات: 392
المشاهدات: 73671
تحميل: 3745

توضيحات:

سبعة من السلف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73671 / تحميل: 3745
الحجم الحجم الحجم
سبعة من السلف

سبعة من السلف

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فاستعصموا بالسجود، فقتلهم ؛ فودَّاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنصف الديَّة . ( الحديث )(١) .

* * *

____________________

(١) مُشكل الآثار : ٤/٢٥٦. ط حيدر آباد - الهند.

٣٤١

٢ - باب ( إنَّ خالداً قد سبَّ عماراً ومَن سبَّ عماراً سبَّه الله )(*) .

١ - روى الحاكم بسنده، عن الأَشتر، قال :

سمعت خالد بن الوليد يقول : بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سريَّة، ومعي عمار بن ياسر، فأَصبنا ناساً، منهم أَهل بيت قد ذكروا الإِسلام.

فقال عمار :إِنَّ هؤلاء قد وحَّدوا، فلم ألتفت إلى قوله، فأصابهم ما أصاب الناس.

قال : فجعل عمار يتوعَّدني : لو قد رأيت رسول الله فأَخبرته، فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأَخبره، فلمَّا رآه لا ينصره ولَّى وعيناه تدمعان.قال : فدعاني، فقال : ( يا خالد، لا تسبَّ عماراً ؛ فإِنَّ مَن يسبُّ عماراً يسبُّه الله )

قال خالد : استغفر لي يا رسول الله ، فو الله ، ما منعني أنْ أُجيبه إِلا تسفيهي إِيَّاه

قال خالد : وما مِن شيء أخوف عندي مِن تسفيهي عمار بن ياسر يومئذٍ.

قال الحاكم : صحيح الإِسناد.

ثمَّ إنَّه رواه في ص ٣٩٠ مَرَّة باختصار، وأُخرى باختلاف يسير(١) .

____________________

(*) - فيه خمسة أحاديث.

(١) المُستدرك على الصحيحين : ٣/٣٨٩ - ٣٩٠، ورواه الطحاوي في مُشكل الآثار : ٤/٢٥٥ باختلاف يسير، ورواه الطيالسي في مُسنده : ٥/١٨٥ باختصار، وذكره المُتَّقي الهندي في كنز العمَّال : ٧/٧٣ط - الهند. وقال : أخرجه النسائي، والطبراني، والحاكم، وفي ٦/١٨٥ أيضاً بتقديم وتأخير وزيادة : ( ومَن يُحقِّر عماراً يُحقِّره الله ).

٣٤٢

٢ - روى الإمام أحمد بن حنبل بسنده، عن خالد بن الوليد، قال :كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام ؛ فأغلظت له في القول ؛ فانطلق عمار يشكوني إِلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء خالد وهو يشكوه إِلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال :فجعل يُغلِظ له ولا يزيد إِلاَّ غِلظة، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساكت لا يتكلَّم ؛ فبكى عمار، وقال : يا رسول الله، ألا تراه.

فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسه وقال : ( مَن عادى عماراً عاداه الله، ومَن أَبغض عماراً أَبغضه الله ). الحديث.

ورواه في ص - ٩٠ - وزاد فيه : ( مَن يَسبُّه يسبُّه الله عزَّ وجلَّ )(١) .

٣ - روى المُتَّقي الهندي، عن السدي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال :

بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، على سريَّة، ومعه في السريَّة عمار بن ياسر، [ قال : ] فخرجوا حتَّى أتوا قريباً مِن القوم، الذين أرادوا أنْ يُصبِّحوهم، فنزلوا في بعض الليل [قال: ] وجاء القوم النذير ؛ فهربوا حيث بلغوا، فأقام رجل منهم كان قد أسلم هو وأهل بيته فأمر أهله فتحمَّلوا.

وقال :قفوا حتَّى آتيكم.

ثمَّ جاء حتَّى دخل على عمار.

فقال :يا أَبا اليقظان، إنِّي قد أسلمت وأهل بيتي، فهل ذلك نافعي إنْ أنا أقمت ؟ فإنَّ قومي قد هربوا حيث سمعوا بكم.

[ قال : ] فقال له عمار :فأَقم، فأنت آمن ؛ فانصرف الرجل هو وأَهله.

[ قال : ]فصَّبح خالد القوم، فوجدهم قد ذهبوا، فأخذ الرجل هو وأَهله .

فقال له عمار: أَنْ لا سبيل لك على الرجل ؛ قد أسلم .

قال :وما أَنت وذاك ! أتُجير عليَّ وأَنا الأمير ؟!

قال :نعم، أُجير عليك وأنت الأَمير ؛ إنَّ الرجل قد آمن، ولو شاء لذهب كما ذهب أَصحابه

____________________

(١) المُسند : ٤/٨٩. ورواه المُتَّقي الهندي في كنز العمَّال : ٧/٧٣، وقال : أخرجه أبي شيبة، ، وأحمد بن حنبل، والنسائي.

٣٤٣

فأمرته بالمقام لإِسلامه، فتنازعا في ذلك، حتَّى تشاتما، فلمَّا قَدِما المدينة اجتمعا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إلى أنْ قال -فتشاتما عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال خالد :يا رسول الله، أيشتمني هذا العبد عندك ؟! أما والله، لولاك ما شتمني.

فقال نبيُّ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( كف - يا خالد - عن عمار، فإِنَّ مَن يبغض عماراً يبغضه الله عزَّ وجلَّ، ومَن يلعن عماراً يلعنه الله عزَّ وجلَّ ).

ثمَّ قام عمار فولَّى.

قال : أخرجه ابن جرير، وابن عساكر. ثمَّ ذكره أيضاً عن ابن عساكر باختلاف يسير، وقال : سنده حَسَن(١) .

٤ - روى المُتَّقي الهندي، عن خالد بن الوليد، قال :ما عملتُ عملاً أخوف عندي أَنْ يُدخلني النار مِن شأن عمار.

قيل :وما هو ؟

قال :بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ناس مِن أَصحابه، إِلى حيٍّ مِن العرب، فأصبتهم وفيهم أَهل بيت مسلمون ؛ فكلَّمني عمار في أُناس مِن أَصحابه.

فقال :أرسِلهم .

فقلت :لا - إلى أنْ قال -فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن يُحقِّر عماراً يُحقِّره الله، ومَن يسبُّ عماراً يَسبُّه الله، ومَن يُبغض عماراً يُبغضه الله ). ( الحديث ).

قال : أَخرجه أبو يعلى وابن عساكر(٢) .

٥ - وروى المُتَّقي الهندي، عن خالد بن الوليد :أنَّه أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله، لو لا أنت ما سبَّني ابن سميَّة.

فقال : ( مَهلاً - يا خالد - مَن سبَّ عماراً سبَّه الله، ومَن حقَّر عماراً حقَّره الله، ومَن سفَّه عماراً سفَّهه الله).

قال : أخرجه ابن النجار(٣) .

المؤلِّف : ويُستفاد مِن قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الروايات المُتقدِّمة : ( يا خالد، لا تسبَّ عماراً ؛

____________________

(١) كنز العمَّال : ١/٢٤٢. وذكر المُتَّقي هذا الحديث في الكنز : ٦/١٨٥ باختصار، وقال : أخرجه ابن عساكر، عن ابن عباس المُقدَّس، عن خالد بن وليد. راجع كنز العمَّال : ٧/٧٣. ط. حيدر آباد - الهند.

(٢) ذكر المُتَّقي الهندي هذا الحديث، وقال : أخرجه أبو يعلى، وابن قانع، والطبراني، والضياء.

(٣) كنز العمَّال : ٧/٧٣ط الهند.

٣٤٤

فإنَّ مَن يسبُّ عماراً يسبُّه الله، ومَن يُبغض عماراً يُبغضه الله، ومَن يلعن عماراً يلعنه الله ). إلخ، أنَّ خالداً قد سبَّ عماراً وأَبغضه ولعنه، بل وحقَّره وسفَّهه وشتمه ؛ وإلاَّ فلا معنى لأنْ ينهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خالداً عن ذلك كلِّه.

وإِذا ثبت أنَّ خالداً قد سبَّ عماراً، وأبغضه، ولعنه، دخل في قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( مَن يسبُّ عماراً يسبُّه الله، ومَن يُبغض عماراً يُبغضه الله، ومَن يلعن عماراً يلعنه الله ) ؛ فيكون خالداً مِمَّن سبَّه الله وأَبغضه ولعنه.

وبعبارة أُخرى : إنَّ المُستفاد مِن مجموع كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في الروايات المُتقدِّمة هو قضيَّة منطقيَّة، مركبة مِن صُغرى وكُبرى وهي :

إنَّ خالداً قد سبَّ عماراً وأبغضه ولعنه، وهذه هي الصُغرى. ومَن سبَّ عماراً أو أبغضه ولعنه سبَّه الله وأبغضه ولعنه.

وهذه هي الكُبرى.

والنتيجة : أنَّ خالداً سبَّه الله وأبغضه ولعنه.

* * *

٣٤٥

٣ - باب ( إنَّ خالداً قتل مالك بن نويرة وهو مسلم ودخل بزوجته )(*) .

١ - روى ابن جرير بسنده، عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي بكر: أنَّ أبا بكر كان مِن عهده إِلى جيوشه : أَنْ إِذ أغشيتم داراً مِن دور المسلمين، فسمعتم فيه أذاناً للصلاة، فأمسِكوا عنه أَهلها، حتَّى تسألوهم ما الذي نقموا، وإنْ لم تسمعوا أذاناً فشنُّوا الغارة، فاقتلوه وأحرقوا.

وكان مِمَّن شَهِد لمالك بالإِسلام، أبو قتادة الحارث بن ربعي، أخو بني سلمة، وقد كان عاهد الله أنْ لا يشهد مع خالد بن الوليد حرباً، أبداً بعدها، وكان يُحدِّث : أنَّهم لمَّا غشوا القوم راعوهم تحت الليل، فأخذ القوم السلاح.

[ قال : ]فقلنا : إنَّا المسلمون.

فقالوا :ونحن المسلمون.

قلنا :فما بال السلاح معكم ؟

قالوا لنا :فما بال السلاح معكم ؟

قلنا :فإنْ كنتم كما تقولون، فضعوا السلاح.

[ قال : ]فوضعوها، ثمَّ صلَّينا وصلُّوا - إلى أنْ قال -ثمَّ أقدمه، يعني : خالد مالكاً فضرب عُنقه وأعناق أصحابه.

____________________

(*) فيه حديث واحد.

٣٤٦

[ قال : ]فلمَّا بلغ قتلهم عمر بن الخطاب، تكلَّم فيه عند أبي بكر، فأكثر وقال :

عدوُّ الله عدا على امرءٍ مسلم فقتله، ثمَّ نزا على امرأته.

وأَقبل خالد بن الوليد قافلاً، حتَّى دخل المسجد، وعليه قباء له عليه صدأ الحديد مُعتجراً بعمامة له، قد غرز في عمامته أسهُماُ، فلمَّا أَنْ دخل المسجد، قام إِليه عمر، فانتزع الأسهُم مِن رأسه فحطَّمها.

ثمَّ قال :أرئاءً قتلت امرأً مسلماً، ثمَّ نزوت على امرأته ؟! والله، لأرجمنَّك بأحجارك . ( الحديث )(١) .

٢ - روى ابن حجر في ترجمة خالد بن الوليد :وكان سبب عزل عمر خالداً، يعني : مِن الشام واستعماله أَبا عبيدة عليه ما ذكره الزبير بن بكار، قال :

كان خالداً إذا صار إليه المال، قسَّمه في أهل الغنائم، ولم يرفع إلى أبي بكر حساباً، وكان فيه تقدُّم على أبي بكر، يفعل أشياء لا يراها أبو بكر، وعرض الديَّة على متمّم بن نويرة.

وأمر خالدا بطلاق امرأة مالك، ولم يرَ أنْ يعزله. وكان عمر يُنكر هذا وشِبهه على خالد (٢) .

المؤلِّف : إنَّ هنا حديثاً في صنع خالد بن الوليد، وإحراقه بالنار، يُناسب ذكره في خاتمة هذا الباب، وهو ما رواه ابن سعد، قال : أخبرنا أَبو معاوية الضرير، قال : حدَّثنا هشام بن عروة، عن أبيه، قال :

كانت في بني سليم رُدَّة ؛ فبعث أبو بكر خالد بن الوليد، فجمع منهم رجالاً في حضائر، ثمَّ أحرقهم بالنار، فجاء عمر إلى أبي بكر، فقال :

انزع رجلاً عَذَّب بعذاب الله.

فقال أبو بكر: لا والله. ( الحديث )(٣) .

____________________

(١) تاريخ الأُمَم والملوك : ٢/٥٠٢. ط مطبعة الاستقامة بمصر عام ١٣٥٧ه-.

(٢) الإصابة في تمييز الصحابة : ١/ قسم الأوَّل / ٤١٤ - ٤١٥.

(٣) الطبقات الكبرى : ٧/ ق٢/ ١٢٠.

٣٤٧

المؤلِّف : إِنَّ خالداً بعدما أضرَّ المسلمين في أيَّام كُفره وجاهليَّته، في وقعة أُحد - ولعلَّ في غيرها أيضاً والقصَّة مشهورة - وإنْ كان قد أسلم وخدم الدين، وقاتل الكفار والمُشركين، ولكن لم تكُن خدمته عن تقوى وبصيرة في الدين، بلْ كانت على طِبق العادات الجاهليَّة، وأعمال الأغراض الشخصيَّة، والشهوات النفسانيَّة، وقد سمعت - في الباب الأوَّل - ما صنعه ببني جذيمة مِن الأسر والقتل، بعدما قالوا : صبأنا صبأنا، وإنْ لم يُحسنوا أنْ يقولوا : أسلمنا - في رواية البخاري وجُملة مِن أئمَّة الحديث - بلْ بعدما صرَّحوا بأنَّا مسلمون، قد صلَّينا، وصدَّقنا محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبنينا المساجد في ساحاتنا، وأذَّن-ا فيها - في رواية ابن سعد - ولم يَجزْ له قتلهم - كما في رواية ابن الأثير - حتَّى عاب عليه عبد الرحمان بن عوف - في رواية كنز العمَّال - وقال :

يا خالد، أخذت بأمر الجاهليَّة، قتلتهم بعمِّك الفاكه ؟ وأعانه عمر بن الخطاب على خالد، بلْ قال له عبد الرحمان : كَذبت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغالظه، وأعرض عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وغَضِب عليه، أَعني : على خالد، بلْ دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع روايات ذلك الباب، ورفع يده، وقال :

( اللَّهمّ إنِّي أبرأ إليك مِمَّا صنع خالد - مَرَّتين - ).

وفي رواية ابن جرير : فاستقبل القبلة قائماً، شاهراً يديه، حتَّى إِنَّه ليُرى بياض ما تحت مِنكبيه، وقال : ( اللَّهمّ إنِّي أبرأ إليك مِمَّا صنع خالد بن الوليد - ثلاث مَرَّات - ).

وأَرسل عليَّاً ومعه مال، فودَّى قتلاهم، وأعطاهم ثمن كلِّ شيء قد أُخذ منهم، حتَّى ثمن مِيلَغة الكلب.

وسمعت في الباب الثاني : ما صنعه خالد حين بعثه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سريَّة، ومعه عمار بأهل بيت قد ذكروا الإسلام ووحَّدوا، واعترضه عمار، فلم يلتفت إليه وسَّبه، وأبغضه، ولعنه، بلْ وحقّره وأبغضه ولعنه، بل وحقّره وسفَّهه وشتمه.

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يا خالد، لا تسبَّ عماراً ؛ فإِنَّ مَن يَسبُّ عماراً يسبُّه الله، ومَن يُبغض عماراً يُبغضه الله ). إلخ.

٣٤٨

وسمعت - في هذا الباب الأَخير - ما صنعه بمالك بن نويرة، وهو مسلم، كما صرَّح به أبو قتادة، في حديث ابن جرير، بلْ يشهد بإِسلامه ما في هذا الحديث مِن قول : ثمَّ صلَّينا وصلُّوا، فلم يكتف بذلك، وقدَّمه فضرب عُنقه وعُنق أصحابه، بلْ ولم يكتف بذلك أيضاً، حتَّى دخل بزوجته في تلك الليلة، فتكلَّم فيه عمر عند أبي بكر، وقال :

عدوُّ الله عدا على امرءٍ مسلم فقتله، ثمَّ نزا على امرأته، بلْ لم يكتف بذلك عمر، حتَّى قام إِليه - بعد أنْ دخل خالد المسجد - فانتزع الأسهُم مِن رأس خالد فحطَّمها، ثم قال :

أرئاءً قتلت امرأً مسلما، ثمَّ نزوت على امرأته ؟ والله لأرجمنَّك بأحجارك.

وأَما أبو بكر فعرض الديَّة على متمّم بن نويرة، وأمر خالد بطلاق امرأة مالك.

فيظهر لك مِن جميع هذا كلِّه، أنَّ خالداً إمَّا هو رجل جاهل، لا يعرف حدود ما أنزل الله، أو فاسق مُتعمِّد في معصية الله ؛ فإنَّ الدخول بزوجته حرام بالإجماع والضرورة، ولو فُرِض أنَّ زوجها كان كافراً ؛ إذ لا يَحلُّ الدخول بها إلاَّ بعد الاستبراء.

وبالجملة : إنَّ خالداً إمَّا جاهل بالأحكام الشرعية ؛ فيكون مَثله مَثل الأعراب، الذين وصفهم الله تبارك بقوله:

( الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ ) .

وإمَّا مُتعمِّد في قَتْل مَن لم يَجُز له قتله، وفي الدخول بزوجة المقتول ؛ فيكون رجلاً فاسقاً فاجراً، يندرج في الحديث المُتواتر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنَّ الله يؤيِّد هذا الدين بالرجل الفاجر ).

وقد رواه البخاري في صحيحه، وأحمد بن حنبل في مُسنده، والدارمي في سُننه، والبيهقي في سُننه الكبرى، وأبو نُعيم في حليته، والطحاوي، والمنَّاوي. وغيرهم مِن أئمَّة الحديث وأرباب الروايات والأخبار فراجع.

* * *

٣٤٩

٣٥٠

خاتمة

في الأباطيل التي ترويها العامَّة

وتنسبها إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣٥١

٣٥٢

١ - باب ( فيما روته العامَّة مِن أَنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بال قائماً على سِباطة قوم ).

الحديث المروي في هذا المعنى، قد رواه أرباب الصِحاح وغيرهم، ونحن نقتصر على ذكر طريقي البخاري، وأحمد بن حنبل فقط، وفيهما الكفاية، فنقول :

قال البخاري :حدَّثنا آدم، قال : حدَّثنا شعبة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سُباطة قوم، فبال قائماً. ثمَّ دعا بماءٍ فجئته بماء فتوضأ.

ورواه الإمام أحمد بن حنبل وقال : حدَّثنا عفان، حدَّثنا حماد بن سلمة، أخبرنا عاصم بن بهدلة، وحماد عن أبي وائل، عن المغيرة بن شعبة :أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتى على سُباطة بني فلان، فبال قائماً.

قال : قال حمّاد ابن أبي سليمان ففحج رجليه(١) .

المؤلِّف : السُباطة، بضم السين هي المَزبلة، أي : الموضع التي تُطرح فيه الكناسة

____________________

(١) صحيح البخاري بحاشية السندي : ١/٥٢. صحيح البخاري ط استانبول : ١/٦٢، وروى هذا الحديث أيضاً في باب البول عند سُباطة قوم، في نفس الصفحة. المُسند : ٤/٢٦٤.( الرضوي )

٣٥٣

والأوساخ، وأما قوله : ففجَّ(١) رجليه، أي : فتح ما بين رجليه وباعد، وفجَّت الناقة للحلب، أي : فرجت ما بين رجليها.

ولا يخفى أنْ هذا الحديث هو مِن الأباطيل، وهل ترى أنَّ أحداً مِن أواسط الناس - فَضلاً عن أهل الفضل والشرف - يفعل ذلك، فبينما هو يمشي في الطريق، إذ مَرَّ على مِزبلة، ففرج بين رجليه وبال قائما كالحيوانات ؟!

وهل يُعقل أنْ يرتكب ذلك رجل عاديّ - فَضلاً عن أهل المَجد والكرامة - إلاَّ السفلة، الذين لا يُبالون بما فعلوا، أو بما فُعِل بهم ؟!!فكيف يُنسب ذلك إلى النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو سيّد الأوَّلين والآخرين، ويُدرج مِثل هذا الحديث الباطل في الصِّحاح، ويُزعَم أنَّه مِن صِحاح الأخبار ؟!

أوليس ذلك مِن عَمى القلب، قال الله تعالى :

( فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) الحجِّ : ٤٦.

* * *

____________________

(١) جاء في المُسند ( ففحج ) بدل ( ففجَّ ).

٣٥٤

٢ - باب ( فيما روته العامَّة مِن أنَّا نرى ربنا يوم القيامة )(*) .

اعلم أنَّ الروايات الواردة في هذا المعنى كثيرة جِدَّاً، بلْ مُتواترة قد روتها أرباب الصِّحاح السِّتَّة وغيرهم، غير أنَّا نقتصر على ذكر جُملة منها، وبها الكفاية، ويأتي بعضها في باب ضحكه إنْ نشاء الله تعالى.

١ - روى البخاري بسنده، عن أبي هريرة : أنَّ الناس قالوا : يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟قال :(هل تُمارون في الشمس ليس دونها سحاب ؟! ) .

قالوا : لا.

قال :( فإنَّكم ترونه كذلك ) . ( الحديث ) وفيه( فيضحك الله عزَّ وجلَّ [ منه ] ) (١) .

٢ - ورواه في الرقاق أيضاً، في باب الصراط جِسر جهنَّم(٢) ، وقال فيه :( وتبقى هذه الأُمَّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقول :

أنا ربكم ؛ فيقولون : نعوذ بالله مِنك، هذا مكاننا حتَّى يأتينا ربُّنا، فإذا أتانا ربُّنا عرفناه

____________________

(*) فيه عشرة أحاديث.

(١) صحيح البخاري : ١/١٩٥ط استانبول، صحيح البخاري بحاشية السندي : ١/١٤٦.

(٢) صحيح البخاري : ٧/٢٠٥ط استانبول، صحيح البخاري : ٤/١٣٩ - ١٤٠ بحاشية السندي ط مصر.

٣٥٥

فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول : أنا ربُّكم ؛ فيقولون : أنت ربُّنا فيتَّبعونه ) إلخ.

ورواه في كتاب التوحيد أيضاً، باب :( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) .

ورواه أيضاً مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، في باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربِّهم(١) .

٣ - روى البخاري بسنده، عن أبي سعيد الخدري :أنَّ أُناساً في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،قالوا : يا رسول الله، هل نرى ربَّنا يوم القيامة ؟

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( نعم، هل تُضارون في رؤية الشمس بالظهيرة، ضوء ليس فيها سحاب ؟! ) .

قالوا :لا .

قال :( وهل تُضارُّون في رؤية القمر ليلة البدر، ضوء ليس فيها سحاب ؟! ).

قالوا :لا .

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( ما تضارُّون في رؤية الله عزَّ وجلَّ في يوم القيامة، إلاّ كما تُضارُّون في رؤية أحدهما - إلى أنْ قال - حتَّى إذا لم يبقَ إلاَّ مَن كان يَعبد الله، مِن برٍّ أو فاجر، أتاهم ربُّ العالمين في أدنى صورة مِن التي رأوه فيها ) إلخ (٢) .

ورواه في كتاب التوحيد - أيضاً - في باب ما جاء في دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى توحيد الله تبارك وتعالى، وقال فيه :( فيأتيهم الجبَّار، في صورةٍ غير صورته التي رأوه فيها أوَّل مَرَّة، فيقول : أنا ربّكم.

فيقولون :أنت ربنا ؟! فلا يكلمه إلاَّ الأنبياء.

فيقول :هل بينكم وبينه آية تعرفونه ؟

فيقولون :الساق. فيكشف عن ساقه، فيسجد له كلُّ مؤمن ) . ( الحديث ).

ورواه مسلم أيضاً في صحيحه، في كتاب الإِيمان، في باب أثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربِّهم باختلاف يسير(٣) .

٤ - روى البخاري فيه حديثاً طويلاً، عن أنس في الشفاعة، وفيه يقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فأستأذن على ربِّي في داره، فيؤذَن لي عليه، فإِذا رأيته وقعت ساجداً - إلى أنْ قال : -ثمَّ أعود فأستأذن على ربِّي في داره، فيؤذَن لي عليه، فإِذا رأيته وقعت ساجداً - إلى أنْ قال : -

____________________

(١) صحيح مسلم : ١/١١٢ - ١١٣ط استانبول. صحيح مسلم : ١/١٦٤ - ١٦٧، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

(٢) صحيح البخاري : ٣/١١٨ - ٤/٢٨٣ بحاشية السندي. صحيح البخاري : ٥/١٧٩ط استانبول.

(٣) صحيح مسلم : ١/١٦٣، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

٣٥٦

ثمَّ أَعود الثالثة فأستأذن على ربِّي في داره، فيؤذَن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجداً ).

٥ - روى مسلم بسنده، عن صهيب، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( إذا دخل أَهل الجَنَّة [ قال : ] يقول الله تبارك وتعالى : تريدون شيئا أزيدكم ؟

فيقولون :ألم تبيضُّ وجوهنا ؟ أَلم تُدخِلنا الجَنَّة وتُنجِنا مِن النار ؟

[ قال :]فيكشف الحِجاب، فما أُعطوا شيئاً أحبَّ إليهم مِن النظر إلى ربِّهم ) .(١)

ورواه الترمذي أيضاً في صحيحه ٢/٨٩ ط بولاق مصر عام ١٢٩٢ه-.

ورواه ابن ماجة أيضا في باختلاف في اللفظ.

٦ - الترمذي روى بسنده، عن أبي هريرة : أنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال :( يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد، ثمَّ يَطلُع عليهم ربُّ العالمين - إلى أنْ قال : -ويبقى المسلمون، فيَطلُع عليهم ربُّ العالمين، فيقول : أَلا تتْبعون الناس ؟

فيقولون :نعوذ بالله منك، نعوذ بالله منك ربِّنا - إلى أنْ قال : -ثمَّ يتوارى، ثمَّ يطلُع، فيُعرِّفهم نفسه، ثمَّ يقول : أَنا ربكم فاتْبعوني ) (٢) .

٧ - روى الترمذي بسنده، عن ابن عباس، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أَتاني ربِّي في أحسن صورة، فقال : يا محمد.

قلت: لبَّيك ربِّي وسَعْدَيك.

قال :فيْمَ يختصم الملأ الأعلى ؟

قلت :ربِّي لا أَدري.

فوضع يده بين كتفيَّ، فوجدت بَرْدَها بين ثدييَّ، فعلمت ما بين المشرق والمغرب ).

ورواه بطريق آخر، قال فيه :( حتَّى وجدت بَرْد أَنامله بين ثدييَّ، فتجلَّى لي كلُّ شيء وعرفت ) . ( الحديث )(٣)

٨ - روى ابن ماجة بسنده، عن جابر بن عبد الله، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( بينا أهل الجَنَّة

____________________

(١) صحيح مسلم : ١/١١٢ استانبول. صحيح مسلم : ١/١٦٣، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، كتاب الإيمان، باب إثبات المؤمنين في الآخرة ربِّهم.

(٢) صحيح الترمذي : ٢/٩١ ط بولاق مصر.

(٣) صحيح الترمذي : ٢/٢١٥ ط بولاق مصر.

٣٥٧

في نعيمهم، إِذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فإِذا الربُّ قد أشرف عليهم مِن فوقهم.

فقال : السلام عليكم يا أهل الجَنَّة - إلى أنْ قال : -فينظر إليهم وينظرون إليه، ولا يلتفتون إلى شيء مِن النعيم ما داموا ينظرون إليه، حتَّى يحتجب عنهم ) . ( الحديث )(١) .

٩ - روى الإمام أحمد بن حنبل بسندين، عن ابن عباس خُطبة طويلة في الشفاعة، خَطبها في البصرة، ذكر فيها قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فآخذُ بحلقة الباب - يعني باب الجَنَّة -فأقرع الباب.

فيقال: مَن أنت ؟

فأقول :أَنا محمد ؛ فيُفتَح لي، فآتي ربِّي عزَّ وجلَّ على كرسيِّه أو سريره، فأخرُّ له ساجداً ) . (الحديث)(٢) .

١٠ - روى الخطيب البغدادي بسنده، عن ابن عباس، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( رأيت ربِّي في صورة شابٍّ أَمرد، عليه حُلَّة حمراء ) ، وروى عن أنس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( ليلة أُسري بيَّ إِلى السماء وانتهيت، فرأيت ربِّي عزَّ وجلَّ، بيني وبينه حِجاب بارز، فرأيت كلَّ شيء منه، حتَّى رأيت تاجاً مُخوَّصاً مِن لؤلؤ ) (٣) .

قال الله تبارك وتعالى :( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (٤) .

فكلُّ حديث أثبت الرؤية، وأنَّه تُدركه الأبصار، وأنَّ العيون مِمَّا تنظر إليه سبحانه وتعالى، كما تنظر إلى الشمس، والقمر، ونحوهما مِن الأجسام، فذلك الحديث زُخْرُف باطل، يُضرب به على الجدار ؛ لمُخالفته للكتاب العزيز.

نعم : قد يُتوهَّم أنَّ قوله تعالى :( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) (٥) مِمَّا يُثبت النظر إليه

____________________

(١) سُنن ابن ماجة : ١/٦٥ - ٦٦، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

(٢) المُسند : ١/٢٨١ - ٢٨٢.

(٣) تاريخ بغداد : ١١/٢١٤. وفي : ١٠/١٣٥ ضمن ترجمة عبد الله بن محمد الأنطاكي.

(٤) الأنعام : ١٠٣.

(٥) القيامة : ٢٢.

٣٥٨

ولكنَّ الجواب عنه - كما عن جماعة مِن علماء التفسير مِن الصحابة والتابعين وغيرهم - أنَّ المُراد هكذا :

أيْ : إلى ثواب ربِّها ناظرة، بمعنى أنَّها ناظرة إلى نعيم الجَنَّة حالاً بعد حال، فيزداد بذلك سرورها، هذا مُضافاً إلى استحالة النظر إلى الله تعالى عقلاً ؛ فإن الله تعالى إذا جاز النظر إليه، كما جاز النظر إلى الشمس، والقمر، وغيرهما مِن الأجسام، وكان له صورة، بلْ صورٌ عديدة بمُقتضى ما تقدَّم مِن قول :( فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقول :

أَنا ربُّكم - إلى أنْ قال : -فيأتيهم الله في الصورة التي رأوه فيها ) .

أَو :( فيأتيهم الجبَّار في صورة، غير صورته التي رأوه فيها أوَّل مَرَّة ) .

أو :( أَتاني ربِّي في أحسن صورة ) .

أو :( في صورة شابٍّ أمرد، عليه حُلَّة حمراء ) .

أو :( فرأيت كلَّ شيء منه، حتَّى رأيت تاجاً مُخوصَّاً مِن لؤلؤ ) .

وكان له مكان ؛ بمُقتضى ما تقدَّم مِن قول :( فأَستأذن على ربِّي في داره فيؤذن لي ) .

أو :( فآتي ربِّي عزَّ وجلَّ على كرسيِّه فأخرُّ له ساجداً ) .

( وكان له حِجاب ؛ بمُقتضى ما تقدَّم مِن قول :( فيَكشف الحِجاب، فما أُعطوا شيئاً أحبَّ إليهم مِن النظر إلى ربِّهم ) إلخ ؛ كان إذاً هو كأحدنا، يسكن الدار، ويجلس على الكرسي، ويلبس الحُلَّة الحمراء، ويضع على رأسه التاج المُخوَّص مِن لؤلؤ، غير أَنَّه شابٌّ أمرد، لم تنبت اللحية في وجهه بعد.

وكأنَّ الله - على هذا كلِّه - جسماً له الطول، والعرض، والحجم ؛ فيحتاج إلى مَن حدَّد له هذه الحدود الثلاثة، وهو كُفر مَحض بلا كلام ؛ فإِن الله تبارك وتعالى غنيٌّ بالذات، لا يحتاج إلى أحدٍ بوجهٍ مِن الوجوه أَصلاً.

وبالجُملة، إنَّ أخبار هذا الباب، وكلَّ خبر آخر، قد أثبت الرؤية وجواز النظر إليه بالعين، فهو كما ذكرنا زُخْرُفٌ باطلٌ، يُضرب به على الجدار، لا يؤخَذ به أَبداً، بلْ بما أنَّه يستلزم القول : بأَنَّه تعالى جسم، له طول، وعرض، وحجم، وهو مِمَّا يحتاج إِلى مَن يحدِّد له

٣٥٩

هذه الحدود الثلاثة ؛ يكون هو كفر مَحض، ومَحضُ كُفرٍ ؛ ويكون حال القائل بهذا القول، كحال المُشركين، مِمَّن يعبدون الأوثان والأصنام بلا شُبهة.

* * *

٣٦٠