سبعة من السلف

سبعة من السلف0%

سبعة من السلف مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 392

سبعة من السلف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي
تصنيف: الصفحات: 392
المشاهدات: 72474
تحميل: 3629

توضيحات:

سبعة من السلف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 72474 / تحميل: 3629
الحجم الحجم الحجم
سبعة من السلف

سبعة من السلف

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٣ - باب ( فيما روته العامَّة في نزوله تعالى إلى السماء الدنيا )(*) .

١ - روى البخاري بسنده، عن أَبي هريرة : أَنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال :( ينزل ربُّنا تبارك وتعالى كلَّ ليلة، إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثُلُث الليل الآخر، يقول :

مَن يدعوني فأستجب له ؟ مَن يسألني فأُعطيه ؟ مَن يستغفر فأغفر له ؟ ).

ورواه في كتاب الدعوات أَيضاً، باب الدعاء نصف الليل.

ورواه في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى :( إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) ، وباب قول الله تعالى :

( يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ ) (١) .

ورواه في الأدب المُفرد أيضاً، باب الدعاء إذا ذهب ثُلُث الليل(٢) .

ورواه مسلم أيضاً في صحيحه، في كتاب صلاة المُسافرين، باب الترغيب في الدعاء

____________________

(*) فيه أربعة أحاديث.

(١) صحيح البخاري : ٤/١٠١، بحاشية السندي، ط القاهرة. صحيح البخاري : ٧/١٤٩ط استانبول، باب الدعاء نصف الليل.

(٢) ط مدينة آگره - الهند عام ١٣٠٦ه-.

٣٦١

بطرق عديدة(١)

ورواه الترمذي أيضاً في صحيحه : ١/٩٠، وفي ج٢/٢٦٣ ط بولاق مصر عام ١٣٩٢ه-.

ورواه أبو داود في سُننه(٢)

ورواه مالك بن أنس أيضاً في موطِّأه : ١/٢١٤، كتاب القرآن، باب ما جاء في الدعاء.

٢ - روى الترمذي بسنده، عن عائشة، قالت : فقدت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة، فخرجت فإذا هو بالبقيع، فقال : ( أكنتِ تخافين أَنْ يَحيف الله عليكِ ورسولُه ؟ ).

قلت: يا رسول الله، إِنِّي ظننت أَنَّك أَتيت بعض نسائك.

فقال :( إنَّ الله عزَّ وجلَّ ينزل ليلة النِّصف مِن شعبان، إلى السماء الدنيا، فيَغفِر لأكثر مِن عدد شَعر غنمِ كلبٍ ) .

ورواه ابن ماجة أيضاً بطريقين في صحيحه، في كتاب الصلاة، باب ما جاء في أيِّ ساعات الليل أفضل(٣) .

٣ - روى الإمام أحمد بن حنبل بسندين، عن عليعليه‌السلام ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( لولا أنْ أَشقَّ على أُمَّتي، لأمرتهم بالسواك عند كلِّ صلاة، ولأخَّرت عشاء الآخرة إلى ثُلُث الليل الأوَّل ؛ فإنَّه إذا مضى ثُلُث الليل الأوَّل، هبط الله تعالى إلى السماء الدنيا، فلم يزل هناك حتَّى يطلع الفجر ) . (الحديث)(٤) .

٤ - روى الإمام أَحمد بن حنبل بسنده، عن عبد الله، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( إنَّ الله عزَّ وجلَّ، يفتح أبواب السماء ثُلُث الليل الباقي، ثمَّ يَهبط إلى السماء الدنيا، ثمَّ يبسط يده، ثمَّ يقول : إلا عبد يسألني فأٌعطيه، حتَّى يسطع الفجر ) (٥) .

المؤلِّف : إنَّ إسناد النزول إلى الله جلَّ وعلا في كلِّ ليلة، أو في ليلة النِّصف مِن شعبان

____________________

(١) صحيح مسلم : ٢/١٧٥ط استانبول.

(٢) سُنن أبي داود : ١/٢٩٦، تحقيق سعيد محمد اللّحام.

(٣) صحيح الترمذي : ١/١٤٣ط بولاق مصر.

(٤) المُسند : ١/١٢٠.

(٥) المُسند : ١/٤٤٦.

٣٦٢

إلى السماء الدنيا باطلٌ جِدَّاً ؛ فإنَّ الانتقال مِن مكان إلى مكان هو مِن شأن الجسم، وقد عرفت - في الباب السابق - بطلان كونه تعالى جسماً، له الطول، والعَرْض، والحَجم.

مضافاً إِلى أنَّه تبارك وتعالى ليس بأصمّ ؛ كي ينزل إلى السماء الدنيا، فيسمع دعاء مَن يدعوه فيستجيب له، واستغفار مَن يستغفره فيغفر له ؛ قال الله تعالى :( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (١) .

وأبطل مِن الجميع، دعوى أنَّه تعالى يهبط في كلِّ ليلة إلى السماء الدنيا، فلم يزل هناك حتَّى يطلع الفجر ؛ فإنَّ مُقتضى ذلك أنْ يكون هو دائماً في السماء الدنيا، فإنَّ الفجر إذا طلع علينا، في مكاننا هذا، فلم يطلع على قومٍ آخرين، في مكانٍ ثانٍ في جِهة الغرب.

وإذا طلع عليهم بعد ساعة، فلم يطلع في مكانٍ ثالثٍ، في تلك الجِهة، وهكذا إلى أنْ يصل إلى مَكاننا هذا ؛ إذ في كلِّ آنٍ مِن الآنات هو قبل طلوع الفجر، لقومٍ مخصوصين، في مكانٍ مخصوص.

وعليه ؛ فيجب أنْ يكون هو دائماً في السماء الدنيا، لا في خصوص ثُلُثي الأخير مِن الليل.

وبالجُملة، إنَّ أحاديث هذا الباب، وكلَّ حديثٍ آخر، قد نسب النزول والهبوط، أَو الصعود والعروج إلى الله تعالى، وكان المقصود منهما، هو التحوُّل مِن مكانٍ إلى مكانٍ، هو باطل جِدَّاً ليس، إلاَّ مِن أكاذيب الراوي قطعاً، سواء كان قد نسبه إِلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم إلى عليٍّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في الرواية الأُولى لأحمد.

* * *

____________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٨٦.

٣٦٣

٤ - باب ( فيما روته العامَّة في ضحكه تعالى وفي وضع قَدَمه على جهنَّم )(*) .

الأخبار التي روتها العامَّة، في ضحكه تعالى كثيرة جِدَّاً، وقد تقدَّم بعضها في باب رؤيته تعالى، وهكذا الأخبار المُشتملة على وضع قَدَمه على جهنَّم كثيرة أَيضاً، ونحن نقتصر هنا على ذكر جُملة مِن الطائفتين، وفيها الكفاية، فنقول :

١ - روى مسلم فيه روايةٍ طويلةٍ، قال فيها : فضحك ابن مسعود.

فقال: ألا تسألوني مِمَّ أضحك ؟

قالوا:مِمَّ تضحك ؟

قال :هكذا ضَحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،فقالوا : مِمَّا تَضحك يا رسول الله ؟

قال :( مِن ضِحك ربِّ العالمين ) .

٢ - وروى مسلم، عن جابر بن عبد الله، قال فيها :ثمَّ يأتينا ربُّنا بعد ذلك، فيقول : مَن تنتظرون ؟

فيقولون :ننتظر ربَّنا.

فيقول :أنا ربُّكم.

فيقولون :حتَّى ننظر إليك، فيتجلَّى لهم يضحك (١) .

____________________

(*) فيه سبعة أحاديث.

(١) صحيح مسلم : ١/١١٩ - ١٢٠ط استانبول. مُسند أحمد بن حنبل : ٤/٤٠٧، عن أبي موسى الأشعري باختلاف في اللفظ.

٣٦٤

٣ - روى ابن ماجة بسنده، عن أبي رزين، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( ضَحك ربُّنا مِن قنوط بعض عباده، وقرب غيره.

قلت :يا رسول الله، أوَ يَضحك الربُّ ؟!

قال :نعم .

قلت :لنْ نَعدمَ مِن ربٍّ يضحك خيراً (١) .

٤ - روى البخاري فيه حديثاً، عن أنس، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( يُلقي في النار وتقول : هل مِن مَزيد ؟ حتَّى يضع قَدَمه ؛ فتقول قَطْ قَطْ ).

ثمَّ روى حديثاً عن أبي هريرة، قال فيه :يُقال لجهنم : هلْ امتلأت ؟ وتقول : هلْ مِن مزيد ؛ فيضع الربُّ تبارك وتعالى قَدمه عليها ؛ فتقول قَطْ قَطْ.

ثمَّ روى عن أبي هريرة أيضاً حديثاً، قال فيه: فأمَّا النار، فلا تمتلئ حتَّى يضع رِجْلَه - يعني : الله جلَّ وعلا ؛ فتقول : قَطْ قَطْ، فهنالك تمتلئ، ويزوي بعضها إلى بعض (٢) .

وقد روى الحديث الأخير، مسلم - أيضاً - في صحيحه، في كتاب الجَنَّة، باب النار يدخلها الجبَّارون بطُرق عديدة(٣) .

وروى الحديث الأوَّل الترمذي - أيضاً - في صحيحه : ج٢ : ص٢٢٢، باختلاف في اللفظ، ط بولاق مصر.

٥ - روى الخطيب الحديث المُتقدِّم في تاريخه، وقال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا تزل جَهنَّم يُلقى فيها، فتقول هلْ مِن مزيد ؟ حتَّى يضع الجبَّار قَدَمه فيها ؛ فينزوي بعضها في بعض ؛ فتقول : قَطْ قَطْ قَطْ ) (الحديث )(٤) .

٦ - روى البخاري بسنده، عن أنس بن مالك، قال :

____________________

(١) سُنن ابن ماجة : ١/٦٤، باب فيما أنكرت الجهميَّة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. مُسند أحمد بن حنبل : ٤/١١ بطُرق.

(٢) صحيح البخاري : ٦/٤٧ط استانبول. صحيح البخاري بحاشية السندي : ٣/١٩٢.

(٣) صحيح مسلم : ٨/١٥١ط استانبول. صحيح مسلم : ٤/٢١٨٦، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

(٤) تاريخ بغداد : ٥/١٢٧.

٣٦٥

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا تزال جهنَّم تقول : هلْ مِن مزيد ؟ حتَّى يضع ربُّ العِزَّة فيها قَدَمه ؛ فتقول : قَطْ قَطْ وعِزَّتك، ويزوي بعضها إلى بعض ) (١) .

وروى في كتاب التوحيد، في باب قول الله تعالى :( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) ، في سورة الذاريات حديثاً قال فيها :( حتَّى يضع فيها ربُّ العالمين قَدَمه، فينزوي بعضها إلى بعض، ثمَّ تقول : قدْ قدْ ) (٢) .

وفي باب قول الله تعالى :

( إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) حديثين آخرين في هذا المعنى(٣) .

٧ - روى الترمذي حديثاً طويلاً، عن أبي هريرة، قال فيه :

ويبقى أهل النار، فيُطرح منهم فيه فوج، ثمَّ يُقال : هلْ امتلأتِ ؟ تقول : هلْ مِن مزيد.

ثمَّ يُطرح فيها فوج، فيُقال : هلْ امتلأت، فتقول :هلْ مِن مزيد، حتَّى إذا أوعبوا فيها، وضع الرحمان قَدَمه فيها، وأَزوى بعضها إلى بعض، ثمَّ قال : قَطْ ؟ قالت : قَطْ قَطْ (٤) .

المؤلِّف : وأَحاديث هذا الباب مِن الأَباطيل جِدَّاً ؛ فإنَّ الله أعزُّ وأجلُّ مِن أنْ يَضحك ؛ فإنَّ الضحك منشأه العَجَب، والعَجَب لازمه جَهل المُتعجِّب، مِن قبل أنْ يطَّلع على الأمر العجيب.

مُضافاً إلى أنَّ الضحك هو انبساط الوجه، وانفتاح الفمْ على نحو يظهر أَسنان الضاحك، وترتفع قَهقهته غالباً، وكلُّ ذلك يستلزم أنْ يكون تعالى جسماً، كما أنَّ وضع قَدَمه على جَهنَّم ؛ فتقول : قَطْ قَطْ. أو : قَطْ قَطْ قَطْ، يستلزم - أيضاً - أنْ يكون جسماً ؛ وقد عَرفتَ بطلان القول : بكونه تعالى جسماً، في باب إنَّا نرى ربَّنا يوم القيامة، فلا نُعيد.

____________________

(١) قال البخاري : رواه شعبة عن قتادة.

(٢) صحيح البخاري : ٤/٢٧٥ بحاشية السندي. صحيح البخاري : ٨/١٦٥ ط استانبول، باب : أنا الرّزاق ذو القوَّة المتين.

(٣) صحيح البخاري : ٤/٢٨٩ بحاشية السندي : ٨/٢٨٦ - ٢٨٧ ط استانبول.

(٤) راجعنا سُنن الترمذي بتعليق إبراهيم عوض، كتاب صِفة جهنَّم إلخ، ولم نعثر على الحديث المذكور.

والمؤلِّف طاب ثراه، أورده مِن صحيح الترمذي طبعة بولاق مصر عام ١٢٩٢ه-.( الرضوي )

٣٦٦

٥ - باب ( فيما روته العامَّة مِن أنَّ الله يقبض يديه لآدم ويكشف عن ساقه يوم القيامة ويدخل جَنَّة عَدْن كلَّ سَحَر )(*) .

١ - روى الترمذي، عن أَبي هريرة، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لمَّا خلق الله آدم، ونفخ فيه الروح، عطس فقال : الحمد لله. فحمد الله بإِذنه.

فقال له ربُّه :رحمك الله يا آدم - إلى أنْ قال : -

فقال الله له - ويداه مقبوضتان - :اخِتَر أيُّهما شِئت.

قال :اخِتَرتُ يمين ربِّي، وكلتا يدَيْ ربِّي يمين مُباركة، ثمَّ بسطها فإذا فيها آدم وذريَّته.

فقال :أيْ ربِّ، ما هؤلاء ؟

فقال:هؤلاء ذُريّتك ) ( الحديث )(١) .

٢ - روى البخاري بسنده، عن أَبي سعيد الخدري، قال : سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( يكشف ربُّنا عن ساقه، فيسجد له كلُّ مؤمن ومؤمنة، ويبقى مَن كان يسجد في الدنيا رِئاءً وسُمعةً

____________________

(*) فيه ثلاثة أحاديث.

(١) صحيح الترمذي : ٢/٢٤١ ط بولاق عام ١٢٩٢ه-. مُستدرك الحاكم : ١/٦٤، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم. تلخيص المُستدرك : ١/٦٤.

٣٦٧

فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقاً واحداً ).

المؤلِّف : وقد تقدَّم - في باب إنَّا نرى ربنا يوم القيامة، عن البخاري، في كتاب التوحيد(١) ، في باب وكان عرشه على الماء - حديث عن أبي سعيد الخدري. قال فيه :( فيأتيهم الجبَّار، في صورة غير صورته التي رأوه فيها أوَّل مَرَّة، فيقول : أَنا ربُّكم.

فيقولون :أَنت ربُّنا ؟ فلا يُكلِّمه إِلاَّ الأنبياء.

فيقول :هلْ بينكم وبينه آية تعرفونه ؟

فيقولون :الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كلُّ مؤمن ) .

ورواه مسلم - أيضاً - في صحيحه، في كتاب الإيمان باختلاف في اللفظ وتقديم [ فيه ] وتأخير(٢) .

٣ - روى الخطيب بسنده، عن أبي سعيد، قال :إنَّ الله تعالى خَلق جَنَّة عَدْنٍ، مِن ياقوتة حمراء.

ثمَّ قال لها :تزيَّني ؛ فتزيَّنت.

ثمَّ قال لها :تكلَّمي ؛ فقالت : طوبى لمَن رَضيتَ عنه، فأَطبقها وعلَّقها بالعرش، فلم يَدْخلها بعدُ إلاَّ الله لا آله غيره، يدخلها كلَّ سحر، فذاك برد السَّحَر (٣) .

المؤلِّف : ومِن الأباطيل أحاديث هذا الباب أيضاً.

أَمَّا بُطلان الحديث الأوَّل فواضح ؛ فإنَّ إثبات اليد له تعالى، مِمَّا يستلزم القول : بكونه تعالى جسماً، وقد عرف بُطلان ذلك، في باب إِنَّا نرى رَبَّنا يوم القيامة، فلا نُعيد.

نعم : إِنَّ في سورة الفتح :( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) ، والمُراد مِن اليد ههنا - كما قيل : - هو القوَّة، أيْ : قوَّة الله في نُصرة نبيِّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوق نصرتهم إِيَّاه.

وفي سورة المائدة :( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ) ، والمُراد مِن بَسط يده فيه هو الإِنفاق كيف يشاء.

ولكنْ ما المُراد مِن قوله في المقام :( ويداه مقبوضتان - إلى أنْ قال : -ثمَّ بسطها، فإِذا فيها آدم وذُريَّته) مُضافا إلى أنَّ مؤدَّى هذا الحديث :إِنَّ الله تعالى يَقبض يديه لآدم، ويقول

____________________

(١) صحيح البخاري : ٨/١٧٥ط استانبول. صحيح البخاري بحاشية السندي : ٤/٢٨٠ط مصر. صحيح مسلم : ١/١٦٣، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

(٢) صحيح مسلم : ١/١١٢، باب إِثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربّهم. ط استانبول.

(٣) تاريخ بغداد : ١١/٢١٣. ترجمة عمر محمد الشطوي.

٣٦٨

له : اخِتَر أيُّهما شِئت ).

وحينئذٍ، فما معنى : ( ثمَّ بسطها، فإذا فيها آدم وذُريَّته )، فإنَّ مُقتضى ذلك أَنْ يكون هناك آدمان : آدم يقبض الله تعالى يديه له، ويقول له : اخِتَر أيُّهما شِئت، وآدم آخر كان مستوراً في يده تعالى، هو وذُريَّته، قد ظهروا بعدما بَسطها لآدم الأوَّل !!

وأَمَّا بطلان الحديث الثاني، فلعلَّه أوضح مِن الأَوَّل، فإنَّ الله تعالى إذا كان له ساق، ويكشف عنه يوم القيامة، فلابدَّ وأنْ يكون له فوق الساق رُكْبَة، وفوق الرُّكْبة فَخِذ، وفوق الفَخِذ فَرْج وسُرَّة.

فيا ليت كان يكشف عن الجميع، ويراه الناس جميعاً ؛ فيرون رُكْبته، وفَخِذه، وفَرْجه، وسُرَّته، مِثل ما يرون ساقه.

ولَعمري : مِن العَجْب جِدَّاً دَرْجُ مِثل هذه الأحاديث الباطلة، في كتب الأَخبار، ونِسبتُها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودعوى أنَّ المجموع مِن صِحاح الأخبار ؛ فإِنَّ الله تعالى كما تقدَّم لك غير مَرَّة ليس بجسمٍ ؛ كي يكون له ساق ونحوه.

وأمَّا الآية الشريفة :( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ) ، فالمُراد منها : يومٌ فيه الأهوال والشدائد، أو يبدو عنه الأمر الشديد الفظيع، كما عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، وسعيد بن جبير، وحُكي عن عكرمة أنَّه سأل ابن عباس، عن قوله :( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ) ، فقال : إذا خَفي عليكم شيء في القرآن، فابتغوه في الشِّعر، فإنَّه ديوان العرب، أما سمعتم قول الشاعر : وقامت الحرب بنا على ساقٍ.

هو يوم كَرْبٍ وشدَّة.

وعن القتيبي : أصل هذا، إِنَّ الرجل إذا وقع في أمر عظيم، يحتاج إلى الجَدِّ فيه، يُشمِّر عن ساقه ؛ فاستُعير الكشف عن الساق في موضع الشدَّة.

وأَمَّا بُطلان الحديث الثالث ؛ فلأنَّه مِمَّا يستلزم التحوُّل مِن مكانٍ إلى مكانٍ، نظير النزول والهبوط إلى السماء الدنيا في كلِّ ليلة، أو في ليلة النصف مِن شعبان، وقد عرفت بُطلان ذلك فيما تقدَّم فلا نُعيد.

* * *

٣٦٩

٦ - باب ( فيما رواه البخاري مِن انكشاف عَورة موسىعليه‌السلام لبني إسرائيل وأَنَّه لَطَم عِزرائيل ففقأ عينه )(*) .

١ - روى البخاري بسنده، عن أبي هريرة، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( كانت بنو إِسرائيل يغتسلون عُراة، ينظر بعضهم إِلى بعض، وكان موسى عليه‌السلام يغتسل وحده.

فقالوا :والله ما يمنع موسى عليه‌السلام أنْ يغتسل معنا إلاَّ أنَّه آدر (١) ،فذهب مَرَّة يغتسل، فوضع ثوبه على حَجر، ففرَّ الحَجر بثوبه، فجمع (٢) موسى عليه‌السلام في أثره يقول : ثوبي يا حَجر، ثوبي يا حَجر، حتَّى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى عليه‌السلام .

فقالوا :والله، ما بموسى عليه‌السلام مِن بأس، وأخذ ثوبه، فطفق بالحَجر ضَرْباً (٣) .

____________________

(*) فيه حديثان.

(١) الأدرة نفخة في الخصية هكذا عن الجوهري.

(٢) فجمع أي جرى مسرعاً.

(٣) صحيح البخاري : ١/٧٣ط استانبول. صحيح البخاري بحاشية السندي : ١/٦٠ط مصر كتاب الغسل، باب مَن اغتسل عُرياناً.

٣٧٠

٢ - روى البخاري بسنده، عن أبي هريرة، قال :أُرسل مَلَكُ الموت إلى موسى عليه‌السلام ،فلمَّا جاءه صَكَّه، فرجع إلى ربِّه.

فقال :أرسلتني إلى عبدٍ لا يُريد الموت، فردَّ الله عليه عينه، وقال : ارجع، فقل له : يضع يده على مَتن ثورٍ فله بكلِّ ما غطَّت به يده بكلِّ شَعرة سنة .

قال :أيْ ربِّ، ثمَّ ماذا ؟

قال :ثمَّ الموت.قال : فالآن. ( الحديث ).

المؤلِّف : ومِن الأكاذيب الباطلة، هذان الحديثان المجعولان، إذ مِن المعلوم أَنَّ الحَجر، مِمَّا لا يفرُّ بثوب موسى، إلاَّ بأمرٍ مِن الله جلَّ وعلا، وهل يُعقل أنَّه تعالى يأمر الحَجر بذلك، لينكشف به عورة نبيِّه أمام الناس ؟!

أوليس ذلك مِن القبيح جِدَّاً ؟!

وما الغاية المُترتِّبة على هذا القبيح، سِوى أنْ يعلم بنو إسرائيل أنَّ موسى ليس بآدر أي ليس بخصيته نفخة ؟!

أفهذه غاية شريفة مُهمَّة، يُرتكب لأجلها مِثل هذا القبيح ؟! كلاَّ.

وأكذب مِن ذلك كلِّه، الحديث الثاني ؛ فإنَّ موسىعليه‌السلام ، وإنْ كان نبيَّاً مُرسَلاً، ولكنَّه بشر كأحدنا، وهل يقدر البشر أَنْ يلطم المَلَك المُقرَّب العظيم، الذي له سُلطة على قبض أرواح العالمين بأجمعهم، لطماً يخرج به عين عزرائيل عن الحدقة، حتَّى يردَّها الله إليه ثانياً.

ولو سُلِّم أنَّ موسى يقدر على ذلك، أوليس ذلك جِناية وجريمة ؟!! وهو نبيُّ الله المُرسَل ؛ فإنَّ عِزرائيل وإنْ جاء لقبض روحه، ولكنَّه لم يكُن ذلك مِن قِبَل نفسه، بلْ بأمر الله تعالى، فكيف يجوز لموسى أنْ يرتكب معه هذا الظلم الفاحش ؟!! ويصدر منه هذا التعدِّي العظيم !! فإنَّ النبيَّ المُرسَل، إذا كان هذا حاله ؛ فلا يُبالي أنْ يظلم غيره بغير حَقٍّ، فكيف بأُمَّته الذين هو مُرشدهم وهاديهم ؟!!

أوليس هذا كلُّه باطلاً يضحك به الثَّكلى ؟!

أوليس ينبغي أنْ تُتْلى مِثل هذه الأحاديث الكاذبة، في أيَّام الفرح والسرور، في المَهرجانات ونحوها، ليضحك الناس به ؛ ويتمَّ لهم الفرح والسرور ؟!

ومِن المؤسِف جِدَّاً دَسُّ مِثل هذه الروايات الكاذبة، في كتب الأخبار والأَحاديث النبويَّة، وتسمية المجموع بالصحيح.

وهل ترى مُصيبة أعظم مِن ذلك ؟!!

إنَّا لله، وإِنَّا إليه راجعون.

٣٧١

٧ - باب ( فيما روته العامَّة مِن أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عنده نساء مِن قريش بلا حِجاب فلمَّا دخل عمر هِبْنَه وابتدرن الحِجاب )(*) .

١ - روى البخاري بسنده، عن محمد بن سعد، عن أبيه، قال :

استأذن عمر بن الخطاب على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعنده نسوة مِن قريش، يسألنه ويستكثرنه عاليةٌ أصواتهن، فلمَّا استأذن عمر تبادرنَ الحِجاب، فأذِن له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدخل والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضحك.

فقال :أضحك الله سِنَّك - يا رسول الله - بأبي أَنت وأُمِّي.

فقال :( عجبت مِن هؤلاء اللاتي كُنَّ عندي، لمَّا سمعنَ صوتك تبادرنَ الحِجاب ) .

فقال :أنت أحقَّ أنْ يَهبن يا رسول الله . ( الحديث )(١) .

رواه في كتاب بدأ الخَلق أيضاً، في باب مناقب عمر بن الخطاب، وقال فيه :

____________________

(*) فيه حديث واحد.

(١) صحيح البخاري : ٤/٦٣ بحاشية السندي. صحيح البخاري : ٧/٩٢ ط استانبول.

٣٧٢

عاليةٌ أصواتهنْ على صوته(١) .

وذكره المُحبُّ الطبري - أيضاً - وقال فيه :(٢)

قال عمر للنسوة :يا عدوَّات أنفسهنْ، تَهبْنَني ولا تَهبْنَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !

فقلن :نعم، أنت أفظُّ وأغلظ . ( الحديث ).

قال : أخرجه النسائي، وأَبو حاتم، وأَبو القاسم في الموافقات، وأَحمد(٣) .

المؤلِّف : إنَّ المُستفاد مِن قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمر :( لمَّا سمعنَ صوتك تبادرنَ الحِجاب ) ، أنَّ النسوة اللآتي كُنَّ عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مِن قَبِل أنْ يَسمعنَ صوت عمر كُنَّ بلا حِجاب، ويظهر مِن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( عجبت مِن هؤلاء اللاتي كُنَّ عندي، لمَّا سمعنَ صوتك تبادرنَ الحِجاب ) أنَّ النساء اللاتي كُنَّ عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكُنَّ مِن مَحارمه، بلْ كُنَّ أجنبيَّات ؛ إذ لو كُنَّ مِن محارمه، فابتدارهُنَّ الحِجاب، لمَّا سمعِنَ صوت عمر، كان أمراً على القاعدة، ولم يوجب أنْ يتعجَّب منه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وبالجُملة، إنَّ المُستفاد مِن الحديث المذكور - مِن أوَّله إلى آخره - أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عنده نساء مِن قريش أجنبيَّات، وكُنَّ بلا حِجاب ؛ لأنَّهنَّ لا يَهبِنَ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمَّا سمعِنَ صوت عمر هِبْنَه، وابتدرن الحِجاب ؛ فتعجَّب مِن ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فضَحك لأجله.

وسأله عمر عن سبب الضحك، فبيَّن له.

فقال عمر : أنت أحقُّ أنْ يَهبنَ، يا رسول الله.

أو قال للنسوة : يا عدوَّات أنفسهنْ، تَهبْنَني ولا تَهبن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهذا - لَعمري - حديث باطلٌ

____________________

(١) صحيح البخاري : ٢/٢٩٤ بحاشية السندي ط مصر. صحيح مسلم : ٤/١٨٦٤، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، رواه عن محمد بن سعد، وعن أبي هريرة باختلاف يسير. مُسند أحمد : ١/١٧٠.

(٢) الرضوي : لم يكُن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه فظاظة ولا غِلظة، وقد نفى الله سبحانه عنه الفظاظة والغِلظة ؛ فقال عَزَّ مَن قائل :( وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران : ١٥٩، بلْ أورعَ فيه العظمة، والخُلُق الرفيع العالي، وقد عبّر الله تعالى عنه بقوله :( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم : ٤.

(٣) الرّياض النضرة : ٢/٢٩٩.

٣٧٣

جداً، وهل يُعقل أنْ يدع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النساء الأجنبيَّات عنده بلا حِجاب، حتَّى يسمعنَ صوت عمر فيَهِبْنه، ويبتدرنَ الحِجاب ؟!!

وكأنَّ الراوي المُفتري لهذا الحديث الباطل، قد غَفل عن لوازم ما افتراه، وإنَّه وإنْ كان مَنقبةً لعمر مِن حيث الهيبة، ولكنَّه افتراء على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورمي له بالمعصية ؛ مِن حيث تركه النساءِ الأجنبيَّات عنده بلا حِجاب، وهذا واضح.

* * *

٣٧٤

٨ - باب ( فيما روته العامَّة مِن أنَّ جاريةً كانت تضرب بالدَّفِّ بين يدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتُغنِّي ثمَّ دخل عمر فألقت الدَّفِّ )(*) .

١ - روى الترمذي بسنده، عن عبد الله بن بريدة، يقول :خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض مغازيه، فلمَّا انصرف جاءت جارية سوداء، فقالت : يا رسول الله، إنِّي كنتُ نذرت إنْ ردَّك الله صالحاً، أنْ أضرب بين يديك بالدَّفِّ وأتغنَّى.

فقال لها رسول الله :( إنْ كنتِ نذرتِ فاضربي، وإلاَّ فلا ) .

فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب الطَّبل، ثمَّ دخل عليٌّ وهي تضرب الطَّبل، ثمَّ دخل عثمان وهي تضرب، ثمَّ دخل عمر فألقت الدَّفَّ تحت إسْتِها، ثمَّ قعدت عليه.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنَّ الشيطان ليخاف منك يا عمر ؛ إنِّي كنت جالساً وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثمَّ دخل عليٌّ وهي

____________________

(*) فيه أربعة أحاديث.

٣٧٥

تضرب، ثمَّ دخل عثمان وهي تضرب، فلمَّا دخلت أنت يا عمر ألقت الدَّفَّ ) (١) .

قال الترمذي : وفي الباب عن عمر وسعد بن أبي وقاص وعائشة انتهى.

ورواه ابو داود، فيما يؤمر به مِن الوفاء مِن النذر(٢) ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَدِّه، باختلاف في اللفظ وباختصار.

ورواه أحمد بن حنبل، عن ابن أبي أوفى، باختلاف واختصار ويسير(٣) .

٢ - روى المُحبُّ الطبري، عن عائشة، قالت : دخلتْ امرأة مِن الأنصار عليَّ، فقالت :إِنِّي أَعطيت الله عهداً، إذا رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمنٍ، لأنقُرنَّ على رأسه بالدَّفِّ [ قالت عائشة : ] فأخبرت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك .

فقال :( قولي لها : فلتفِ بما حلفت ) .

فقامت بالدَّفِّ على رأس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنقرت نقرتين أو ثلاثاً، فاستفتح عمر ؛ فسقط الدَّفُّ مِن يدها، وأسرعت إلى خِدر عائشة.

فقالت :لها عائشة ما لك ؟!

قالت :سمعت صوت عمر فهِبْتُه .

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنَّ الشيطان ليفرُّ مِن حِسِّ عمر ) .

قال : أخرجه ابن السمان في الموافقة(٤) .

ثمَّ إنَّ ههنا حديثين آخرين، يُناسب ذكرهما في خاتمة هذا الكتاب :

٣ -أحدهما : ما رواه أبو نُعيم بسنده، عن الأسود بن سريع، قال :أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،فقلت: قد حمدت ربِّي بمحامِدَ ومدحٍ وإيَّاك .

فقال :( إنَّ ربَّك عَزَّ وجَلَّ يُحبُّ الحمد )، فجعلت أُنشده، فاستأذن رجل طويل أصلع.

فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أسكُت ).

فدخل، فتكلَّم ساعة.

____________________-

(١) سُنن الترمذي : ٥/٦٢١، تحقيق وتعليق إبراهيم عطوة.

(٢) سُنن أبي داود: ٣/١٠٣ - ١٠٤ تحقيق سعيد محمد اللّحام.

(٣) المُسند : ٤/٣٥٣، وفي : /٥/٣٥٣، في حديث بريدة الأسلمي، كما تقدَّم عن الترمذي، باختلاف يسير. كنز العمَّال : ٦/٣٣٨، وقال المُتَّقى - بعد ذكره الحديث - : أخرجه أحمد، وأبو يعلى، وابن عساكر. راجع : الكنز ط. حيدر آباد - الهند.

(٤) الرياض النضرة للمُحبِّ الطبري : ٢/٣٠٠ - ٣٠١.

٣٧٦

ثمَّ خرج فأنشدته، ثمَّ جاء فسكَّتني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتكلَّم، ثمَّ خرج ففعل ذلك مَرَّتين أَو ثلاثاً.

فقلت :يا رسول الله، مَن هذا الذي أَسكتَّني له.

فقال :( هذا عمر رجُل لا يُحبُّ الباطل ).

ثمَّ رواه بطريق آخر عن الأسود التميمي، قال :

قَدِمت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعلت أُنشده، فدخل رجُل طوال أقنى.

فقال لي :( أمسك ).

فلمَّا خرج، قال : ( هات )، فجعلت أُنشده، فلم ألبث أنْ عاد.

فقال لي :( أمسك ) .

فلمَّا خرج، قال : ( هات )، فجعلت أُنشده، فلم ألبث أنْ عاد.

فقال لي :( أمسك ).

فلمَّا خرج، قال : ( هات ).

فقلت :مَن هذا - يا نبيَّ الله - الذي إذا دخل قلت : أمسِك، وإذا خرج قلت : هات ؟

قال :( هذا عمر بن الخطاب، وليس مِن الباطل في شيء ) (١) .

٤ -ثانيهما : ما رواه الإِمام أحمد بن حنبل بسنده، عن السائب بن يزيد :أنَّ امرأة جاءت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال :( يا عائشة، أتعرفين هذه ؟ ) . قالت :( لا، يا نبيَّ الله ).

فقال :( هذه قينة بني فُلان، تُحبيِّن أنْ تُغنيِّك ؟ ). قالت :نعم .

[ قال : ]فأعطاها طبقاً، فغنَّتها . فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قد نفخ الشيطان في مِنخريها ) (٢) .

المؤلِّف : إنَّ الضرب بالدَّفِّ هكذا والتغنَّي، إنْ كان حراماً شرعاً، فكيف يَحلُّ بالنذر، ويُرخِّص فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!! وهل يُعقل أنْ يَحلَّ الحرام الشرعي كالزنا، وشرب الخمر، واللعب بالقمار، ونحو ذلك بالنذر ؟! كلا

وإنْ كان حلالاً ذاتاً، أو فرضنا أنَّ الحرام يَحلُّ بالنذر - كما هو ظاهر ما نسبه الراوي إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مِن قول :( إنْ كنتِ نذرتِ فاضربي، وإلاَّ فلا ) - فلا وجه لإلقاء الجارية الدَّفَّ تحت إسْتِها وقعودها عليه، بمُجرَّد أنْ دخل عمر ؟ فكأنَّ عمر أعلم بالحلال والحرام مِن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!! أوَ كان أتقى منه لله وأبعد مِن الإِثم ؟!! ثمَّ لا وجه لأنْ يقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد كون الضرب بالدَّفِّ حلالاً ذاتاً، أو فرض أنَّه

____________________

(١) حلية الأولياء : ١/٤٦. رياض النّضرة : ٢/٣٠٢، وقال : أخرجه أحمد. عن الأسود بن سريع.

(٢) مُسند الإمام أحمد : ٣/٤٤٩.

٣٧٧

يصير حلالاً بالنذر :( إِنَّ الشيطان ليخاف منك يا عمر ) ، فعبَّر عن الجارية التي تضرب بالدَّفِّ وتُغنِّي بالشيطان!

ثمَّ هل يُعقل أنْ يخاف الشيطان مِن عمر ويَفرُّ منه، ولا يخاف مِن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يفرُّ منه، بلْ يضرب بين يديه بالدَّفِّ ويُغنِّي ؟!!

أوَ ليس كلُّ ذلك باطلاً في باطلٍ.

ونظير ذلك في البطلان الرواية الثالثة ؛ فإنَّ ما أنشده الأسود للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنْ كان مِن الشعر الباطل - كما يظهر مِن قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هذا عمر رجل لا يُحبُّ الباطل ) - فكيف يُحبُّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يمنع عنه ؟!!

وهل يُعقل أنَّ عمر لا يُحبُّ الباطل ؛ ولذا أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسوداً بالسكوت بمُجرَّد أنْ دخل عمر، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُحبُّه ؟!!

وأمَّا إذا لم يكُن هو مِن الشعر الباطل - كما هو ظاهر قول الأسود : قد حمدت ربِّي بمحامدَ ومدح وإِيَّاك، فلا معنى لأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسوداً بالسكوت، كلَّما دخل عمر ؛ مُعلِّلاً بأنَّه رجل لا يُحبُّ الباطل، أو أنَّه ليس مِن الباطل في شيء.

وأبطل مِن الجميع الرواية الرابعة، المُشتملة على قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعائشة :

( هذه قينة بني فلان، تُحبِّين أنْ تُغنِّيك ؟ )

قالت : نعم، فأعطاها طبقاً، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بعدما غنَّت - :( قد نفخ الشيطان في مِنخريها ) .

فإنَّها قد فعلت أمراً حلالاً جايزاً، في حضور النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبأمره وبإذنه، وإنْ كان حراماً، فكيف يأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحرام، لأجل عائشة، بمُجرَّد أنْ تُحبَّ ذلك وتستأنس به ؟!

أوَ ليس

٣٧٨

ذلك بأبطل مِن الجميع، وأفسد مِن الكلِّ.

فأنصفوا في المقام - أَيُّها المُنصفون - واحكموا فيه بالحقِّ إِذا حكمتم أيُّها المؤمنون.

هذا آخر ما أراد الله لنا إيراده في هذا الكتاب، والحمد لله أوَّلاً

وآخراً وظاهراً وباطناً، وقد وقع الفراغ في الخامس والعشرين مِن

شهر ربيع الثاني، سنة ١٣٨٦، بقلم المؤلِّف وبتحرير يده.

مُرتضى الحسيني

٣٧٩

٣٨٠