سبعة من السلف

سبعة من السلف0%

سبعة من السلف مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 392

سبعة من السلف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي
تصنيف: الصفحات: 392
المشاهدات: 73911
تحميل: 3768

توضيحات:

سبعة من السلف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 392 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73911 / تحميل: 3768
الحجم الحجم الحجم
سبعة من السلف

سبعة من السلف

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

نضرب أكبادها إلى بَرك الغُماد لفعلنا - إلى أنْ قال - فندب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس، فانطلقوا حتَّى نزلوا بدراً، ووردت عليهم رَوايا قريش ( الحديث )(١) .

٣ - وروى الإمام أحمد بن حنبل، بسنده عن ربعي، عن عليعليه‌السلام ، قال : ( جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُناس مِن قريش، فقالوا : يا محمّد، إنَّا جيرانك، وحُلفاؤك، وإنَّ ناساً مِن عبيدنا، قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين، ولا رغبة في الفقه، إنَّما فرُّوا مِن ضِياعنا وأموالنا ؛ فارددهم إلينا، فقال لأبي بكر ما تقول ؟

قال : صدقوا، إنَّهم جيرانك وحلفاؤك.

قال : فتغيَّر وجه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمَّ قال لعمر ما تقول ؟

قال : صدقوا، إنَّهم جيرانك وحُلفاؤك ؛ فتغيّر وجه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

المؤلِّف : وروى هذا الحديث النسائي(٢) ، وزاد في آخره، فقال :

ثمَّ قال : - يعني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - :

( يا معشر قريش، والله ليَبعثنَّ الله عليكم رجُلاً منكم، امتحن الله قلبه للإيمان، فيضربكم على الدين أو يضرب بعضكم.

قال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله ؟

قال : لا.

قال عمر : أنا هو يا رسول الله ؟

قال : لا، ولكنْ ذلك الذي يخصف النعل ).

وقد كان أعطى عليَّاً نعلاً يخصفها.

* * *

____________________

(١) نفس المصدر : ٣/٢٥٧.

(٢) خصائص الإمام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ص١١.

٨١

١٢ - باب ( إنَّ أبا بكر لسانه قد أورده الموارد )(*) .

١ - روى الإمام مالك، بسنده عن عمر بن الخطاب :

أنَّه دخل على أبي بكر، وهو يُحبِّذ(١) لسانه.فقال له عمر : مَهْ، غفر الله لك.

فقال أبو بكر : إنَّ هذا أوردني الموارد(٢) .

٢ - روى ابن سعد، بسنده عن زيد بن أسلم، عن أبيه : أنَّه رأى أبا بكر آخذاً بطرف لسانه، وهو يقول : إنَّ هذا أوردني الموارد(٣) .

٣ - روى أبو نعيم، بسنده عن أسامة بن زيد، عن أبيه عن جَدِّه - يعني - أسلم : أنَّ عمر اطَّلع على أبي بكر، وهو آخذ بطرف لسانه فيُعضعضه، وهو يقول : إنَّ هذا أوردني الموارد(٤) .

____________________

(*) فيه خمسة أحاديث.

(١) يُحبِّذ لسانه : أيْ يَجذبه ويمدَّه.

(٢) الموطأ : كتاب الجامع ( ما جاء فيما يَخاف مِن اللّسان ). لم نَجد في الموطأ الذي حقَّقه محمد فؤاد عبد الباقي، في كتاب الجامع أيَّ ذكر لهذا الحديث.

(٣) الطبقات الكبرى : ٥/٥ ط ليدن، كنز العمَّال، ٢/١٧٣ط الهند، وقال : رواه مالك، وابن المُبارك، وسعيد بن منصور، وابن أَبي شيبة، وأحمد بن حنبل، وهناد، والخرائطبي.

(٤) حلية الأولياء : ٩/١٧.

٨٢

٤ - قال السيوطي : وأخرج أحمد، والنسائي، والبيهقي، عن زيد بن أسلم، عن أبيه : أنَّ عمر بن الخطاب اطَّلع على أبي بكر، وهو يَمدُّ لسانه.

قال : ما تصنع يا خليفة رسول الله ؟!.

قال : إنَّ هذا الذي أوردني الموارد ( الحديث )(١) .

٥ - روى ابن حجر الهيثمي، عن أسلم : أنَّ عمر اطَّلع على أبي بكر، وهو يَمدُّ لسانه.

فقال : ما تصنع يا خليفة رسول الله ؟!

فقال : إنَّ هذا أوردني الموارد. إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال : ليس شيء مِن الجسد، إلاَّ يشكو ذَرِب(٢) اللّسان.

وقال : رواه أبو يعلى(٣) .

* * *

____________________

(١) الدُّرُّ المنثور في التفسير بالمأثور : ٢/٢٢١.

(٢) ذَرب اللسان : أي بَذائته.

(٣) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : ١٠/٣٠٢، كنز العمَّال : ٢/١٧٣ط حيدر آباد - الهند.

وقال : رواه أبو يعلى في شِعب الإيمان.

قال : وقال ابن كثير : جَيِّد - يعني : سَند الحديث -.

٨٣

١٣ - باب ( إنَّ أبا بكر لا يَنفلت مِن الدنيا )(*) .

١ - روى الحاكم بسنده، عن زيد بن أرقم، قال : كنَّا مع أبي بكر، فدعا بشراب، فأتي بماء وعسل، فلمَّا أدناه مِن فيه بكى وبكى، حتَّى أبكى أصحابه، فسكتوا وما سكت، ثمَّ عاد فبكى حتَّى ظنّوا أنَّهم لم يقدروا على مسألته.

قال : ثمَّ مسح عينيه.

فقالوا : يا خليفة رسول الله، ما أبكاك ؟!

قال : كنت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرأيته يدفع عن نفسه شيئاً، ولم أرَ معه أحداً.

فقلت : يا رسول الله، ما الّذي تدفع عن نفسك ؟

قال : ( هذه الدُّنيا مُثِّلت ليْ، فقلت لها : إليكِ عنّي ؛ فتنَّحت، ثمَّ رجعت، فقالت : إِنَّك إِنْ أفلتَّ مِنِّي، فَلن يُنفلِت مِنِّي مَن بعدك ).

قال : هذا حديث صحيح الإسناد(١) .

* * *

____________________

(*) فيه حديث واحد.

(١) مُستدرك الصحيحين : ٤/٣٠٩، تاريخ بغداد : ١٠/٢٦٨، ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء : ١/٣٠، وزاد في آخره : فخشيت أنْ تكون قد لحقتني ؛ فذاك الذي أبكاني.

وفي ٢/١٦٤ مِن حلية الأولياء، قال في آخره :

فظننت أنَّها أدركتني، وحالت بيني وبين رسول الله ( صلّى الله عليه [ آله ] وسلّم ) ؛ فهو الّذي هيَّجني على ما هيَّجني عليه.

وذكره : المُتَّقي أيضاً في كنز العمَّال : ٤/٣٧ط حيدر آباد الهند، وزاد في آخره : فخشيت أنْ تكون لحقتني فذاك بكائي.

قال : أخرجه البيهقي في شِعب الإيمان.

٨٤

١٤ - باب ( إنَّ أبا بكر وعمر لا يعرِفان معنى قوله تعالى( وَفَاكِهَةً وَأَبَّاً ) )(*) .

١ - روى المُتَّقي الهندي، عن إبراهيم التيمي، قال :

سُئل أبو بكر عن الأبِّ، ما هو - يعني في قوله تعالى - :( وَفَاكِهَةً وَأَبَّاً ) في سورة عَبَسَ، فقال:

أيُّ سَماء تُظلُّني ؟! وأيُّ أرض تُقلُّني ؟! إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم.

قال : أخرجه أبو عبيدة، وابن أبي شيبة، وعبد بن عيد(١) .

٢ - روى ابن سعد، بسنده عن أنس بن مالك، قال : كنَّا عند عمر بن الخطاب، وعليه قميص في ظهره أربع رِقاع، فقرأ :( وَفَاكِهَةً وَأَبَّاً ) ، فقال ما الأبّ ؟

ثمَّ قال : إنَّ هذا لهو التكلَّف، فما عليك أنْ لا تدري ما الأبّ ؟!(٢) .

المؤلِّف : إنَّ الأبّ، بتشديد الباء، هو ما رعته الأغنام، وهو للأغنام كالفاكهة للإنسان.

والعَجب مِن أبي بكر وعمر، فإنَّهما مِن أهل اللسان، وكانت تربيتهما في أُناس هم مِن أفصح العرب، وأعرفهم، وأبصرهم بلُغاتهم، وهم أهل مَكَّة، ومع ذلك لم يَعرِفا معنى الأبّ، ولم يدريا ما يقولان في تفسيره، واعتذر الأوَّل، بأنَّه : أيُّ سماء تُظلُّني، وأيُّ أرض تُقلُّني، إذا قلتُ في كتاب الله ما لا أعلم !

وتخلَّص بهذه الوسيلة والسبب، عن مذلَّة العجز عن الجواب !

واعتذر الثاني : بأنَّه تكلُّف ( وأعجب مِن ذلك كلِّه ) أنْ اتَّخذهما المسلمون خليفة، و

____________________

(*) فيه حديثان.

(١) كنز العمَّال : ١/٢٧٤ط - الهند.

(٢) الطبقات الكبرى : ٣ القسم الأوَّل /٢٧٧ط ليدن.

٨٥

هما بهذه الصفة مِن قِلَّة العلم، وبهذه المنزلة مِن الجهل بكتاب الله تعالى، وتركوا عليَّاًعليه‌السلام ، وهو يقول : ( علَّمني(١) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألف باب مِن العلم، واستنبطت مِن كلِّ باب ألف باب !!

أو سَلوني قبل أنْ تفقدوني ؛ فأنا لا أُسئل عن شيء دون العرش، إلاّ أخبرتُ عنه(٢) !!

أو سَلوني ؛ فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة، إلاَّ حدَّثتكم(٣) ، سَلوني عن كتاب الله ؛ فو الله ما مِن آية، إلاَّ أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل ( أو والله ما نزلت ) آية إلاَّ وقد علمت فيمَ أنزلت، وأين أُنزلت(٤) ( أو لا يسألني أحد ) عن آية مِن كتاب الله، إلاَّ أخبرته(٥) ، أو سلوني قبل أنْ تَفقدوني ؛ فلأنْا أعلم بطُرق السماء مِنِّي بطُرق الأرض )(٦) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أنا مدينة العلم وعليٌّعليه‌السلام بابها )(٧) : ( وأنا دار الحِكمة وعليٌّعليه‌السلام بابها )(٨) .

وقال الحسن بن عليعليه‌السلام - بعد ما قتل أمير المؤمنين - :

____________________

(١) الفخر الرازي، في تفسير قوله تعالى :( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحاً ) ، الآية في أوائل آل عمران، وكنز العمَّال ٦/٣٩٢ط. الهند، والثعلبي في قَصص الأنبياء، في تفسير قوله تعالى :( إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ) ، فراجع.

(٢) كنز العمَّال : ٦/٤٠٥ط. حيدر آباد - الهند.

(٣) كنز العمَّال : ١/٢٢٨، ورواه ابن سعد في طبقاته : ٢ القسم الثاني /١٠١، ابن حجر في تهذيب التهذيب : ٧/٣٣٧ط حيدر آباد، دكن. وفي إصابته ٤/٢٧٠، وابن عبد البَرّ في الاستيعاب : ٢/٤٦٣. ط. حيدر آباد - الهند.

(٤) حلية الأولياء ١/٦٧، ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى : ٢ القسم الثاني /١٠١، وكنز العمَّال : ٦/٣٩٦ط حيدر آباد - الهند.

(٥) تفسير ابن جرير : ٢٦/١١٦.

(٦) نهج البلاغة.

(٧) رواه في مُستدرك الصحيحين، وتاريخ بغداد، وأُسد الغابة، وفيض القدير، وكنز العمَّال، وتهذيب التهذيب، ومجمع الفوائد، والمُحبُّ الطبري، وكنوز الحقائق وغيرهم، وكلٌّ بطُرق عديدة.

(٨) رواه في صحيح الترمذي، وحلية الأولياء، وفيض القدير، وتاريخ بغداد وغيرهم وغيرهم.

٨٦

( قد فارقكم رجُل بالأمس، لم يسبقه الأوَّلون(١) بعلم، ولا يُدركه الآخرون بعلم ).

وقال ابن عباس : لقد أُعطي عليَّ بن أبي طالبعليه‌السلام تسعة أعشار العلم، وأيْمَ الله، لقد شارككم في العُشر العاشر(٢) .

وقال معاوية - لمَّا بلغه قَتْل علي بن أبي طالبعليه‌السلام - : ذهب الفقه والعلم، بموت ابن أبي طالب(٣) .

وقال ابن مسعود : إنَّ القرآن أُنزِل على سبعة أحرف(٤) ، ما منها حرف إلاَّ وله ظَهر وبَطن.

وإنَّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام عنده علم الظاهر والباطن(٥) .

وقال الغزالي : قد عَلِم الأوَّلون والآخرون أنَّ فَهْم كتاب الله مُنحصِر إلى علم عليِّعليه‌السلام .

قال : ومَن جَهل ذلك، فقد ضَلَّ عن الباب، الذي مِن ورائه يَرفع الله عن القلوب الحجاب، حتَّى يتحقَّق اليقين الذي لا يتغيَّر بكشف الغطاء(٦) .

* * *

____________________

(١) رواه أحمد بن حنبل، وأبو نعيم، وكنز العمَّال، وغيرهم وغيرهم.

(٢) رواه في أُسد الغابة : ٤/٢٢، وفي الاستيعاب : ٢/٤٦٢.

(٣) رواه في الاستيعاب : ٢/٤٦٣ط الهند.

(٤) حلية الأولياء لأبي نعيم : ١/٦٥.

(٥) حلية الأولياء لأبي نعيم : ١/٦٥.

(٦) المنَّاوي في فيض القدير : ٣/٤٦، ذكره في الشرح عن الغزالي فراجع. الرضوي : راجعنا فيض القدير، الجزء الثالث الطبعة الثانية، طبعة دار الفكر بيروت عام ١٩٧٢م، وقد حَذف منها قول الغزالي مِن ص٥٤ - ٥٥، ونقل المؤلِّف مِن الطبعة الأولى منه.

٨٧

٨٨

المقصد الثاني

في بيان ما ورد عن عمر بن الخطاب

(٢)

عمر بن الخطَّاب

٨٩

٩٠

١ - باب ( في منع عمر مِن أنْ يكتب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مماته كتاباً وقال : إنَّه يَهجر )(*) .

١ - روى البخاري بسنده، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، أنَّه قال :

لمَّا اشتدَّ بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعه، قال : ( ائتوني بكتاب ؛ أكتب لكم كتاباً لا تضلُّوا بعده ).

قال عمر : إنَّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غلبه الوَجع، وعندنا كتاب الله حسبُنا ؛ فاختلفوا وكَثر اللَّغط.

قال : ( قوموا عنِّي، ولا ينبغي عندي التنازع ).

فخرج ابن عباس يقول : إنَّ الرزيَّة كلَّ الرزيَّة، ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين كتابه(١) .

٢ - روى البخاري بطريقين، عن معمَّر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، أنَّه قال :

لمَّا حَضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي البيت رجال، فيهم عمر بن الخطاب، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( هلُمَّ أكتب لكم كتاباً، لا تضلُّوا بعده ).

فقال عمر :

____________________

(*) - فيه سبعة أحاديث.

(١) صحيح البخاري بحاشية السندي : ١/٣٢ - ٣٣ كتاب العلم، باب كتابة العلم.

٩١

إنَّ النَّبي قد غلب عليه الوَجع، وعندكم القرآن، حسبُنا كتاب الله ؛ فاختلف أهل البيت فاختصموا : منهم مَن يقول :

قرَّبوا يكتب لكم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كتاباً لن تضلّوا بعده، ومنهم مَن يقول : ما قال عمر ؛ فلمَّا أكثروا اللَّغو والاختلاف عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قوموا ).

قال عبيد ال له: فكان ابن عباس يقول : إنَّ الرزيَّة كلَّ الرزيَّة، ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين أنْ يُكتب لكم ذلك الكتاب ؛ من اختلافهم ولغَطهم(١) .

٣ - وروى البخاري بسنده، عن سليمان الأحول، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنَّه قال : يوم الخميس، وما يوم الخميس ! ثمَّ بكى حتَّى خضَّب دمعه الحَصباء، فقال :

اشتدَّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وَجَعه يوم الخميس، فقال :

( ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً، فتنازعوا - ولا ينبغي عند نبيٍّ تنازع -، فقالوا : هَجَر رسول الله.

قال : دعوني، فالذي أنا فيه خير مِمَّا تدعوني إليه ) ( الحديث )(*) .

المؤلِّف : ورواه بطريق آخر أيضاً، عن سليمان باختلاف يسير، في الجِزية والموادعة مع أهل الحرب، في باب إخراج اليهود مِن جزيرة العرب(٢) .

____________________

(١) صحيح البخاري بحاشية السندي : ٤/٧ كتاب المرضى، باب قول المريض قوموا عنِّي.

وفي المصدر نفسه : ٤/٢٧١، كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة باب كراهية الخلاف.

صحيح مسلم : ٣/١٢٥٩ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، كتاب الوصيّة باب ترك الوصيّة.

مُسند أحمد بن حنبل : ١/٢٤ - ٣٢٥٣، طبقات ابن سعد : ٢ق ٢/٣٧ط ليدن.

(*) - صحيح البخاري بحاشية السندي : ٢/١٧٨، كتاب الجهاد والسير باب هل يُستشفَع إلى أهل الذمَّة.

(٢) لم نَعثر على الحديث الّذي أشار إليه المؤلِّف في باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب. راجع : صحيح البخاري : ٤/٦٢ط الآستانة باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب، راجع : صحيح مسلم : ٣/١٢٥٧ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي في كتاب الوصية باب ترك الوصيَّة، مُسند الإمام أحمد بن حنبل : ١/٢٢٢، وقال في آخره : فقالوا : ما شأنه أهجر؟.

الرضوي :

قال سفيان : يعني هذى استفهموه، فذهبوا يُعيدون عليه، فقال : ( دعوني، فالذي أنا فيه خير مِمَّا تدعوني إليه ). الحديث، ورواه ابن سعد في طبقاته : ٢/ القسم الثاني ص٣٦ط ليدن، ولفظه قريب مِن لفظ أحمد.

٩٢

٤ - روى مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنَّه قال :

يوم الخميس، وما يوم الخميس، ثمَّ جعل تسيل دموعه، حتَّى رأيت على خدَّيه كأنَّها نظام اللّؤلؤ، قال :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( ائتوني بالكِتف، والدَّواة - [ أو ] اللّوح والدواة - أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً ).

فقالوا : إنَّ رسول الله يَهجر(١) .

٥ - روى ابن سعد بن جبير، عن ابن عباس، أنّه قال :

اشتكى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الخميس، فجعل - يعني ابن عباس - يبكي، ويقول :

يوم الخميس، وما يوم الخميس اشتدَّ بالنّبي وَجعه، فقال :

( ائتوني بدواة وصحيفة ؛ أكتب لكم كتاباً لا تضلُّوا بعده أبداً.

قال : فقال بعض مَن كان عنده :

إنّ نبيّ الله ليهجر(٢) .

قال : فقيل له : ألا نأتيك بما طلبت.

قال : أوَ بعد ماذا ).

قال : فلم يدعُ به(٣) .

٦ - روى الإمام أحمد بن حنبل، بسنده عن جابر أنَّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا عند موته بصحيفة ؛ ليكتب فيها كتاباً لا يضلُّون بعده، قال : فخالف عليها عمر بن الخطاب، حتَّى رفضها(٤) .

٧ - روى ابن سعد، بسنده عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب، أنّه قال :

____________________-

(١) صحيح مسلم : ٣/١٢٥٩ كتاب الوصية باب ترك الوصية، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مُسند أحمد بن حنبل : ١/٣٥٥، طبقات ابن سعد : ٢ق ٢/٣٧ط ليدن.

(٢) القائل :إنَّ نبي الله يَهجر هو عمر بن الخطّاب ، كما تقدَّم في الحديث رقم (٢).

(٣) مُسند الإمام أحمد بن حنبل : ٣/٣٤٦، الطبقات : ٢ق ٢/٣٦ - ٣٧.

(٤) الطبقات الكبرى : ٢ق ٢/٢٦ط ليدن.

٩٣

كنُّا عند النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبيننا وبين النّساء حِجاب، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( اغسلوني بسبع قِرب، وأتوني بصحيفةٍ ودواةٍ ؛ أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده أبداً.

فقال النسوة :ائتو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحاجته قال عمر :

فقلت :اُسكتن فإنكنّ صواحبه إذا مرض عصرتن أعينكن، وإذا صحّ أخذتن بعنقه.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( هنّ خير منكم ).(١)

المؤلّف : وذكر هذا الحديث الهيثمي(٢) باختلاف في اللّفظ قال:

وعن عمر بن الخطاب أنّه قال:

لمّا مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: (ادعوا لي بصحيفةٍ ودواةٍ أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعدي أبدا)(٣) فكرهنا ذلك أشدّ الكراهة ثم قال:

(ادعوا لي بصحيفةٍ أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً).

فقال النّسوة مِن وراء الستر: ألا تسمعون ما يقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: إنَّكنّ صواحبات(٤) يوسف، إذا مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عصرتن أعينكنّ، وإذا صحّ ركبتّن رقبته.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعوهن فإنّهن خير منكم.

قال: رواه الطبراني في الأوسط.(٥)

المؤلِّف : إنّ في جُملةٍ مِن الروايات المتقدِّمة، قد وقع التصريح باسم عمر، فقال : قال عمر :

إنَّ النبي غلبه الوَجع، وفي بعضها قال : فبعض مَن كان عنده : إنّ نبّي الله ليَهجر، وفي بعضها قال : فقالوا : هَجر رسول الله، أو يَهجر، أو ليَهجر، ولكنْ يعرف مِن المجموع أنَّ

____________________

(١) الطبقات الكبرى : ٢ق ٢/٣٧ط ليدن.

(٢) انظر : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : ٩/٣٤.

(٣) المصدر السابق : ٩/٣٤.

(٤) في نسخة : ( صواحب ) كما جاء في هامش ٩/٣٤ مِن مجمع الزوائد.

(٥) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : ٩/٣٤. كنز العمَّال : ٣/١٣٨ط. حيدر آباد - الهند.

وقال : رواه الطبراني في الأوسط.

٩٤

القائل في الجميع هو شخص واحد، وهو عمر فهو الذي تجرَّأ، وتجسَّر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالكلام الخشن المذكور ؛ فإنَّه كلام خارج عن حدود الآداب.

بلْ صَحَّ أنْ يُقال : إنَّه خارج عن حدود الإيمان. فإنَّه سواء قال : غلبه الوَجع، أمْ قال : يَهجر معناه : أنَّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مِن شِدَّة المرض يَخلط في الكلام ويهذي، وقد سمعت مِن سفيان إنَّ هجر يعني هذى، وهو كذلك في اللغة، وحاشا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنْ يهذو، وقد جاء في القرآن المجيد إنَّه :

( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) النجم : ٤.

وحاشا ربِّنا أنْ يُرسِل إلى العباد رسولاً يهذو ويهجر ؛ فإنّ الرسول الذي هو بهذه الصفة، لا يُعتمَد على كلامه، فقد يؤدّي خلاف ما أرسله الله به، وهذا أنقض للغرض بلا شُبهة، ونقض الغرض قبيح ؛ فيمتنع مِن الله جلَّ وعلا عقلاً، ولا يقع ذلك في الخارج أبداً.

وأمَّا قول عمر كتاب الله حسبُنا، أو حسبُنا كتاب الله، فهو ساقط إلى النهاية، مُخالف للوجدان والضرورة، فإنَّ القرآن المجيد إنَّما يكفي للناس، إذا أمكنهم استنباط جميع ما يحتاجونه منه، ولا يمكنهم ذلك قطعاً ؛ وإلاَّ لمَا اختلف الفقهاء في الأحكام الشرعيَّة ؛ ولمَا احتاجوا إلى ضبط الأحاديث النبويَّة، ولا إلى استعمال القياس، والاستحسان ونحو ذلك.

هذا مُضافاً إلى ما جاء مِن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مِمّا يَدلُّ دلالة واضحة، على بطلان قول عمر، فهذا كنز العمَّال يذكر حديثاً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا لفظه :

( ألاْ إنِّي قد أوتيت الكتاب ومِثله معه، ألاْ يوشِك رجلٌ شبعان على أريكته، يقول :

عليكم بهذا القرآن، فما وجدُّتم فيه مِن حلال فأحلُّوه، وما وجدُّتم فيه مِن حرام فحرِّموه ) ( الحديث )(١) .

____________________

(١) كنز العمَّال : ١/٤٤ حيدر آباد الهند، وقال الهندي : أخرجه أحمد في مُسنده، وأبو داود في صحيحه ط الهند، عن المقدام بن معدي كرب، وذكره علي بن سلطان في مرقاة المفاتيح : ١/١٩٥ وقال : رواه أبو داود، والدارمي، وابن ماجة في سُنَنهم.

٩٥

وهذا الإمام الشافعي، قد ذكر في مُسنده في كتاب الرسالة ص١٣٦ حديثاً، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وما هذا لفظه : إنَّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لألفينَّ أحدكم مُتَّكأً على أريكته يأتيه الأمر مِن أمري، ما أمرتُ به، أو نَهيت عنه ؛ فيقول :

لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ).

وقد ذكره : علي بن سلطان أيضاً(١) ، عن أبي رافع، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقال : رواه أحمد في مُسنده، وأبو داود في صحيحه، والترمذي في صحيحه، وابن ماجة في صحيحه والبيهقي في دلائله، وهذا علي بن سلطان يذكر حديثاً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرقاة المفاتيح : ١/١٩٧، وما هذا لفظه وعن الرياض بن سارية، قال :

قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : ( أيحسبُ أحدكم مُتَّكأً على أريكته، يظنُّ أنَّ الله يُحرِّم شيئاً ما في هذا القرآن.

ألاْ وإنِّي والله قد أمرت، ووعظت، ونَهيت عن أشياء إنِّها لمثل القرآن أو أكثر ). ( الحديث)(٢) .

المؤلِّف : ما الذي دعا عمر بن الخطاب إلى منع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مِن أنْ يكتب لهم كتاباً لن يضلِّوا من بعده أبداً، حتَّى آل الأمر إلى الاختلاف، واللَّغط عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد نهاهم الله تعالى - قبل ذلك - عن رفع أصواتهم فوق صوته ؛ فكيف باللَّغط، والاختلاف في مجلسه وحضوره ؛ فتأذَّىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال :

____________________

(١) انظر : مرقاة المفاتيح : ١/١٩٤. ط المطبعة الميمنيَّة بمصر.

(٢) المصدر نفسه : ١/١٩٤.

٩٦

( قوموا عنِّي )، ولم يكتب الكتاب، حتَّى ضلَّ أكثرهم مِن بعد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ بسبب ترك ذلك الكتاب.

ولعلَّه إليه يُشير ابن عباس، بقوله المُتقدِّم :

إنَّ الرزيَّة كلَّ الرزيَّة ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين كتابه.

وعلى كلِّ حال، إنَّ الضَّلال هو في عاتق عمر بن الخطاب ؛ فهو الذي أوجب ضَلال أكثر الناس، وقد جرى في ذلك مجرى الشيطان، حيث يقول جلَّ وعلا :

( وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلَّاً كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ) يس : ٦٢.

والذي أعتقدهُ أنا، أنَّ عمر قد أحسَّ أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يُريد الاستخلاف والتَّنصيص على شخصٍ مُعيَّنٍ، يَرجع الناس إليه مِن بعده، كما هو شأن كلِّ نبِّي، أو وصيٍّ نبيٍّ، مِن آدم إلى خاتم النبوَّة، بلْ جرت عليه سيرة العُقلاء عامَّة، مِن غير اختصاص بالأنبياء، والأوصياء فقط، فكلُّ مَلِكٍ أو زعيمٍ، إذا حضره الموت، أو قبل أنْ يحضره الموت، لابُدَّ وأنْ ينصَّ على شخصٍ مُعيَّنٍ مِن بعده، ولا يترك الأمر فوضى بين الناس ؛ كي ينجرَّ إلى النزاع والقتال، ونحو ذلك ؛ ومِن هنا قال ابن عمر لأبيه - بعد ما طُعِن لمَّا بلغه أنَّه غير مُستخلِف - :إنِّي سمعت الناس (١) يقولون مقالة، فآليتُ أنْ أقولها لك :

زعموا أنَّك غير مُستخلِف، وقد علمت أنَّه لو كان لك راعي إبلٍ، أو راعي غَنمٍ، ثمَّ جاءك وتركها رأيت أنْ قد ضيَّع، فرعاية الناس أشدُّ ( الحديث ).

وفي رواية أُخرى، أنَّ ابن عمر قال لعمر بن الخطاب(٢) :

لو استخلفتَ.

قال : مَن ؟

قال : تجتهد، فإنَّك لستَ لهم بربٍّ، تجتهد أرأيتَ لو أنَّك بعثت إلى راعي غنمك، ألم تكن تُحبُّ أنْ يستخلف رجُلاً حتَّى يرجع ؟ الحديث.

____________________

(١) صحيح مسلم : ٣/١٤٥٤ باب الاستخلاف وتركه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، السُّنَن الكبرى للبيهقي ٨/١٤٨ باب الاستخلاف، وقال : أخرجه مسلم والبخاري، حلية الأولياء لأبي نعيم : ١/٤٤.

(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد : ٣/٢٤٨ط ليدن.

٩٧

بل الذي أَعتقدهُ أنا وأقطع به : أنَّ عمر، قد أحسَّ أنَّ النّبي يُريد التنصيص على شخص عليٍّعليه‌السلام ؛ تأكيداً ( للنَّصِّ الذي قد صدر منه ) قبل وفاته بشهرين - تقريباً - يوم غدير خُمٍّ(١) ؛ فقال : ( كأنِّي دُعيت فأُجبت، [ أو ] إنِّي يُوشك أنْ أُدعى فأُجيب ).

وقال : ( ألستُ أولى بالمؤمنين مِن أنفسهم ؟

قالوا : بلى.

قال : فمَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه )، واعترف بذلك عمر، بلْ وأبو بكر أيضاً ؛ فقالا لعليٍّعليه‌السلام :أصبحتَ وأمسيتَ مولى كلِّ مؤمن ومؤمنة .

بلْ النَّصُّ الذي قد صدر منه أوائل نبوَّته، عند نزول قوله تعالى :

( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ) ، فقال : ( هذا أخي، ووصيِّي، وخليفتي ؛ فاسمعوا له وأطيعوا).

فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أنْ تَسمع لابنك وتُطيع.

بلْ وهكذا للنَّصِّ الذي صدر منه في أواسط أيَّامه ؛ لقضيَّة وقعت هناك : ( ما تُريدون مِن عليٍّ، إنَّ عليَّاً مِنِّي وأنا منه، وهو وليُّ كلِّ مؤمن بعدي ).

وقد أُشير - قبلاً - إلى هذه النصوص جميعا، وإلى مداركها في الهامش بنحو الاختصار، في ما ورد عن أبي بكر، في باب إنَّ أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أحدثوا ما أحدثوا، وارتدُّوا على أعقابهم فراجع.

وبالجملة : إنَّ عمر قد أحسَّ أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يُريد التنصيص على عليٍّعليه‌السلام (*) .

فمنَعه مِن أنْ يكتب لهم الكتاب، بلْ ونسب إليه الهُجر، والهذيان، وهي كلمة خارجة عن حدود الأداب كما تقدَّم، بل عن حدود الإيمان [ بلْ إنّها ](**) مُخالفة للعقل والنقل جميعاً ؛ فلا العقل يجوِّز هذيان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا الكتاب يجوِّزه، بلْ يمنعه الكتاب، كما

____________________

(١) تقدَّم في المقصد الأوَّل مُفصَّلاً، ما ورد عن أبي بكر فراجع.

الرضوي

(*) سيأتي في هامش الصفحة الآتية : نَصُّ كلام عمر نقلناه مِن شرح النهج لابن أبي الحديد.

الرضوي

(**) ما بين المعقوفين لم يكن في الأصل.

٩٨

عرفت(١) .

ولو أحسَّ عمر، أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُريد التنصيص باسمه، أو باسم صاحبه، لما منع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مِن الكتاب، كما لم يمنع أبا بكر حينما نَصَّ عليه - أيْ على عمر - في كتاب له عند مماته، قد كتبه له عثمان، وهذا كلُّه واضح لا يرتاب فيه مِن له أدنى إنصاف، ومُروَّة، وترك التعصُّب وطريقة الآباء، والسلف الصالح،( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) . الشعراء : ٢٢٧(٢) (٣) (٤) .

____________________

(١) قال ابن أبي الحديد : وقال النقيب :ومِمَّا جرَّأ عمر على بيعة أبي بكر، والعدول عن عليٍّ، ما كان يسمعه مِن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمره، إنَّه أنكر مِراراً على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أموراً... مِن الأمور التي كان يرى فيها المصلحة، مِمَّا هي خِلاف النَّصِّ، وذلك نحو : إنكاره في الصلاة على عبد الله بن أُبي المُنافق، وإنكاره وفد أُسارى بدر، وإنكاره عليه تبرُّج نسائه للناس، وإنكاره قضيَّة الحديبيَّة، وإنكاره أمان العباس لأبي سفيان بن حرب، وإنكاره واقعة أبي حذيفة بن عتبة، وإنكاره أمره بالنداء : مَن قال : لا اله إلا الله دخل الجَنَّة، وإنكاره أمره بذبح النواضح. وإنكاره على النساء بحضرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هيبتهنَّ له دون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .إلى غير ذلك مِن أُمور كثيرة تشتمل عليها كتب الحديث، ولو لم يكن إلاَّ إنكاره قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه :

( ائتوني بدواة وكتف، أكتب لكم ما لا تضلّون بعدي ).وقوله ما قال، وسكوت رسول الله عنه .

وأعجب الأشياء، أنَّه قال ذلك اليوم : حسبُنا كتاب الله ؛ فافترق الحاضرون مِن المسلمين في الدار ؛ فبعضهم يقول : القول ما قال رسول الل هصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،وبعضهم يقول : القول ما قال عمر .

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -وقد كثُر اللغط وعلت الأصوات - : ( قوموا عنِّي ؛ فما ينبغي لنبيٍّ أنْ يكون عنده هذا التنازع )، فهل بقي للنبوّة مَزيَّة، أو فضل ؟! .

فمَن بلغت قوَّته وهمَّته، إلى هذا، كيف يُنكر منه أنْ يُبايع أبا بكر لمصلحة رآها، ويعدل عن النَّصِّ، ومَن الذي كان يُنكر عليه ذلك. وهو في القول الذي قاله للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وجهه، غير خائف مِن الأنصار ولا يُنكر عليه أحد ...، وهو أشدُّ مِن مُخالفته النَّصِّ في الخلافة، وأفضع وأشنع.

شرح نهج البلاغة : ٣/١١٧ - ١١٨ الطبعة الأُولى.

(٢) وقال الإمام شرف الدين العاملي ( طاب ثراه ) :ومَن ألمَّ بما حول هذه الرزّية مِن الصّحاح، يعلم إنَّ أوَّل مَن قال يومئذ : هَجر رسول الله إنَّما هو عمر، ثمَّ نسج على منواله مِن الحاضرين مَن كانوا على رأيه .

وقد سمعت قول ابن عباس، فاختلف أهل البيت واختصموا : منهم مَن يقول : قرِّبُوا يكتب لكم النَّبي كتاباً لن تضلّوا بعده. ومنهم مَن يقول : ما قال عمر - أيْ يقول : هَجر رسول الله.

٩٩

____________________

وفي رواية أخرجها الطبراني في الأوسط، عن عمر قال : لمَّا مَرِض النبي قال : ( ائتوني بصحيفة ودواة، أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ).

فقالت النّسوة مِن وراء السِّتر: ألاْ تسمعون ما يقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال عمر : إنَّكن صواحبات يوسف، إذا مرض رسول الله عصرتنَّ أعيُنكنَّ، وإذا صَحَّ ركبتُنَّ عُنقه، قال :

فقال رسول الله : ( هُنَّ خيرٌ منكم ). أ ه-.

وأنت ترى أنَّهم ( لم يتعبَّدوا ) هنا بنصِّه، الذي لو تعَّبدوا به لأمنوا مِن الضَّلال، وليتهم اكتفوا بعدم الامتثال، ولم يردُّوا قوله، إذ قالوا : حسبُنا كتاب الله، حتَّى كأنَّه لا يعلم بمكان كتاب الله منهم، أو أنَّهم أعلم منه بخواصِّ الكتاب وفوائده.

وليتهم اكتفوا بهذا كلِّه، ولم يفاجئوه بكلمتهم تلك : ( هَجر رسول الله ) وهو مُحتضِر بينهم، وأيُّ كلمةٍ كانت وداعاً منهم لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكأنَّهم - حيث لم يأخذوا بهذا النَّصِّ اكتفاءً منهم بكتاب الله على ما زعموا - لم يسمعوا هِتاف الكتاب آناء الليل، وأطراف النّهار في أنديتهم :

( وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) الحشر : ٧.

وكأنَّهم حيث قالوا : هَجر، لم يقرءوا قوله تعالى :( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (*) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (*) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (*) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ) التكوير : ١٩ - ٢٢.

وقوله عَزَّ مَن قائل :( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (*) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَليلاً مَا تُؤْمِنُونَ (*) وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَليلاً مَا تَذَكَّرُونَ (*) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الحاقَّة : ٤٠ - ٤٣.

وقوله جَلَّ وعلا :( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (*) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (*) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (*) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) النجم : ٢.

إلى كثيرٍ مِن أمثال هذه الآيات البيِّنات، المنصوص فيها على عصمة قوله مِن الهُجر.

على أنَّ العقل بمجرَّده مُستقلٌّ بذلك، لكنَّهم علموا أنَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنَّما أراد توثيق العهد بالخِلافة، وتأكيد النَّصِّ بها على عليٍّ خاصَّة، وعلى الأئمَّة مِن عِترته ؛ فصدُّوه عن ذلك(*) .

كما اعترف به الخليفة الثاني، في كلام دار بينه وبين ابن عباس.

وأنت إذا تأمَّلت في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلُّوا بعده ).

وقوله في حديث الثقلين : ( إنِّي تارك فيكم ما إنْ تمسَّكتم به لن تضلُّوا، كتاب الله وعِترتي أهل بيتي )،تعلم أنَّ المرمى في الحديثين واحد، وأنَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد في مرضه تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين، وإنَّما عدل عن ذلك ؛ لأنَّ كلمتهم التي فاجئوه بها اضطرَّته إلى العدول ؛ إذ لم يبقَ بعدها أثر لكتابة الكتاب، سِوى الفتنة، والاختلاف مِن بعده، في أنَّه :

١٠٠