التحول المذهبي‏

التحول المذهبي‏0%

التحول المذهبي‏ مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 374

التحول المذهبي‏

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: علاء الحسون
تصنيف: الصفحات: 374
المشاهدات: 122163
تحميل: 4980

توضيحات:

التحول المذهبي‏
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 374 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 122163 / تحميل: 4980
الحجم الحجم الحجم
التحول المذهبي‏

التحول المذهبي‏

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشخصيّات لا وجود لها في الحقيقة، ما رأيك فيما ورد في الكتاب من الأدلّة، نحن كلامنا ليس حول الشخصيّات وما يهمّنا محتوى الكتاب إذا كنت تملك ردّاً عليه فتفضّل( هَاتوُا بُرهَانَكُم إنْ كُنتُم صَادقينَ ) وإلّا فالزم الصمت... فصمت صاحبنا.

والحال إنّنا نثق بأن هذه المناظرة والحوار بين السيّد عبد الحسين والشيخ سليم حدثت حقيقة، والشخصيّتان علمان بارزان في سماء الأوساط الدينيّة عند الشيعة والسنّة )(١) .

ويذكر أسعد وحيد القاسم حول تقييمه لهذا الكتاب، وفيما يخصّ انطباعه حول هذا الأثر الخالد:

( وكتاب المراجعات هذا، وبالرغم أن كاتبه شيعي إلّا أنّه ولدهشتي الكبيرة فإنّه يحتجّ بما يعتقده الشيعة من خلال كتب الحديث التي عند أهل السنّة لا سيّما الصّحيحَين منها...

ولا أخفي بأنّ ما قرأته في ذلك الكتاب كان مفاجأة كبيرة لي، ولا أُبالغ بالقول أنّه كان صدمة العمر، فلم أكن اتوقّع أبداً بأنّ الخلافات بين أهل السنّة والشيعة هو بتلك الصورة التي رأيتها فعلاً من خلال ذلك الكتاب، واكتشفتُ بأنّني كنت جاهلا بالتاريخ والحديث )(٢) .

ويقول معتصم سيّد أحمد حول الدور الأساسي الذي كان لهذا الكتاب في استبصاره:

( وبعد قراءتي لكتاب المراجعات ومعالم المدرستين وبعض الكتب الأخرى، اتّضح لي الحقّ وانكشف الباطل، لما في هذين السفرين من أدلّة واضحة وبراهين ساطعة بأحقّية مذهب أهل البيت، وازدادت قوّتي في النقاش والبحث، حتى كشف اللَّه نور الحقّ في قلبي، وأعلنت تشيّعي)(٣) .

____________________

(١) عبد المنعم حسن/ بنور فاطمة اهتديت: ١١٩

(٢) أسعد وحيد القاسم/ حقيقة الشيعة الإثني عشريّة: ١٢-١٣.

(٣) معتصم سيد أحمد/ الحقيقة الضائعة: ٢٣.

١٤١

ويقول سعيد السّامرائي حول كتاب المراجعات:

( لم أعجب بقلم كإعجابي بقلم السيّد عبد الحسين شرف الدّين الموسوي العاملي رحمه اللَّه.

وعلى الرغم من أنّ كتبه كانت من أوائل الكتب التي قرأت في طريق التعّرف على مذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام ؛ لم تترك بعدها أيّة بحوث أخرى فيَّ ذلك التأثير الذي تركته بحوث السيد شرف الدين.

ولئن كان قلمه السّاحر يمثّل جزءاً كبيراً من ذلك التأثير الأكبر، كان لمنهجه في البحث الذي يأخذ بالألباب ويشدّها أكثر فأكثر كلّما تدرجت في القراءة التي لابد وأن تكون متّصلة بلا توقّف مهما كانت المشاغل! )(١) .

كتاب ثمّ اهتديت:

طُبع هذا الكتاب القيّم أكثر من عشرين مرّة، وقد ترجم إلى سبعة عشر لغة في العالم، وقد اهتدى به إلى الحقّ الآلاف من المسلمين في كلّ بقاع العالم.

ويقول مؤلّف هذا الكتاب التيجاني السماوي حول أسباب نجاح هذا الكتاب:

( إنّ أهل البيت سلام اللَّه عليهم هم السِرّ وراء نجاح الكتاب بلا شكّ، فما لقيت إنساناً إلّا وأبدى إعجابه للكتاب )(٢) .

ويقول التيجاني السماوي حول ردود الأفعال التي لاقاها هذا الكتاب في وسط أهل السنّة:

( بعض المتعصّبين كان يروّج في أوساطه بأنّ كتاب (ثمّ اهتديت) يشبه كتاب سلمان رشدي، ليصدّ الناس عن قراءته بل ويحثّهم على لعن كاتبه.

____________________

(١) سعيد السامرّائي/ حجج النهج: ٥.

(٢) محمد التيجاني السماوي/ كل الحلول عند آل الرسول: ٣٣٠.

١٤٢

إنّه الدسّ والتزوير والبهتان العظيم الذي سوف يحاسبه عليه ربّ العالمين، وإلّا كيف يُقارن كتاب (ثمّ اهتديت) الذي يدعو إلى القول بعصمة الرّسول‏صلى‌الله‌عليه‌وآله وتنزيهه والاقتداء بأئمة أهل البيت الّذين أذهبَ اللَّهُ عنهم الرّجسَ وطهَّرَهُم تَطهيراً بكتاب (الآيات الشيطانيّة) الذي يشتُمُ فيه صاحبه الملعون الإسلام ونبيَ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله ويعتبر أنّ الدّين الإسلامي هو نفثة الشياطين؟ )(١) .

وأيضاً من ردود الأفعال التي لاقاها هذا الكتاب أنّه شاع في بعض أوساط أهل السنّة بأنّ مؤلّف هذا الكتاب شخصيّة وهميّة.

ويذكر هشام آل قطيط أنّ أحد مشايخ أهل السنّة سألني قبل أن أتعرّف على كتاب (ثمّ اهتديت):( هل قرأت كتاب: (ثمّ اهتديت) للضال التونسي؟ إذا قرأته أو موجود عندك فاحرقه!!

قلت له: لأوّل مرّة أسمع باسم هذا الكتاب.

فقال لي: مؤلّفه خيالي غير وجود، اسمه التيجاني السماوي، كتبوه الشيعة باسمه على أنّه سنّي وتشيّع وبدأ يدعو لمذهبهم، ونحن اتّصلنا في تونس، فقالوا لنا أنّ هذا الاسم غير موجود)(٢) .

ويشير الهاشمي بن علي إلى هذا الأمر أيضاً في كتابه (حوار مع صديقي الشيعي) قائلا:

( ومن الأشياء العجيبة التي اطلعت عليها قول من يقول أنّ التيجاني التونسي شخصيّة وهميّة وكذلك غيره من المتشيّعين.

وعلى افتراض أنّ ذلك صحيح - وهو غير صحيح قطعاً - فانظروا إلى ما قيل ولا

____________________

(١) محمد التيجاني السماوي/ فسألوا أهل الذكر: ١٧٤.

(٢) هشام آل قطيط/ ومن الحوار اكتشفت الحقيقة: ٢٧.

١٤٣

تنظروا إلى من قال.

فهل ماجاء في تلكم الكتب صحيح أم باطل؟

وإذا كان باطلاً فبأيّ دليل؟! أمّا التشكيك والجدل فلن يجدي شيئاً )(١) .

ومن الطرائف التي يذكرها التيجاني السماوي حول كتابه (ثمّ اهتديت) أنّه حينما كان في بيروت: دار بينه وبين سائق ركب معه - ليوصله بالقرب من بئر العبد - حديث عام، فلمّا عرف السائق أن من معه من تونس قال له:

يمكن أسألك عن شخص تونسي؟

يقول التيجاني السماوي: قلت: من هو؟

( قال: الدكتور محمد التيجاني السماوي.

وخفق قلبي وأنا أستمع لرجل يسأل عنّي وأنا إلى جانبه وهو لا يعرفني وظننت أنّه من شيعة لبنان الذين يعرفونني من خلال كتبي.

فقلت بدون تردّد: أنا هو الدكتور التيجاني.

فقال: لا مش معقول!

قلت: لماذا مش معقول؟

قال: قيل لنا أنّه شخص وهمي لا وجود له.

قلت: كيف عرفته وتسأل عنه إذاً؟

قال: أنا عرفته في كتاب (ثمّ اهتديت)، وهو كتاب رائع وكلّه حقائق، ولكن شيخنا قال بأن هذا الشخص لا وجود له.

اطمأنّ قلبي لكلامه وقلت له: سبحان اللَّه، ربّ صدفة خير من ألف ميعاد، يا أخي أنت تكلم الدكتور التيجاني وهو أمامك بلحمه ودمه وعظمه.

قال: كيف أصدّق وأنت لازلت شابّاً وبهذا اللباس!؟

____________________

(١) الهاشمي بن علي/ حوار مع صديقي الشيعي: ١٦١.

١٤٤

أخرجت له جواز السفر وقلت: هاك الدليل.

فتح الجواز وقرأ هويّتي ونظر صورتي وهو يقول: الآن تشيّعت، وصافحني بحرارة وأخذ يقبّلني ويعتذر إلي )(١) .

كتب أخرى تأثّر بها المستبصرون:

من الكتب الأخرى التي كان لها الأثر البالغ في اعتناق المستبصرين لمذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام يمكننا ذكر الكتب التالية التي أشار إليها التيجاني السماوي في كتابه ثمّ اهتديت:

( وقرأت كتاب الغدير للشيخ الأميني وأعدته ثلاث مرّات لما فيه من حقائق دامغة واضحة جليّة، وقرأت كتاب فدك في التاريخ للسيد محمد باقر الصّدر، وكتاب السّقيفة للشيخ محمد رضا المظفّر، وفهمت منها أسراراً غامضة اتّضحت، كما قرأت كتاب النص والاجتهاد فازددت يقيناً، ثم قرأت كتاب أبي هريرة لشرف الدين وشيخ المضيرة للشيخ محمود أبو ريّة المصري...

ثمّ قرأت كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر وعرفت الفرق بين العلم الموهوب والعلم المكسوب، عرفت الفرق بين حكمة اللَّه التي يؤتيها من يشاء وبين التطفّل على العلم والاجتهاد بالرأي الذي أبعد الأمّةَ عن روح الإسلام.

وقرأت كتباً أخرى عديدة للسيّد جعفر مرتضى‏ العاملي، والسيّد مرتضى‏ العسكري، والسيّد الخوئي والسيد الطباطبائي والشيخ محمد أمين زين الدّين وللفيروز آبادي )(٢) .

ومن الكتب الأخرى التي تأثّر بها المستبصرون كتاب (لماذا اخترت مذهب الشيعة مذهب

____________________

(١) محمد التيجاني السماوي/ فسيروا في الأرض فانظروا: ٩٨.

(٢) محمد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: ١٣٠-١٣١.

١٤٥

أهل البيت) تأليف محمد مرعي الانطاكي، حيث يقول عنه أحمد راسم النفيس بعد عثوره عليه في إحدى المكتبات:

( أخذت الكتاب وقرأته، تعجّبت، ثم تعجّبت كيف يمكن لعالم أزهري هو الشيخ الانطاكي مؤلّف الكتاب أن يتحوّل إلى مذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام ، أرقتني هذه الفكرة آونةً، وقلت في نفسي: هذا الرجل له وجهة نظر ينبغي احترمها )(١) .

وللسيّد إدريس الحسيني مقولة تُشير إلى أن الباحث عن الحقيقة ليس بحاجة إلى قراءة كتب الشيعة من أجل الاقتناع بأحقّية مذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام ، بل ان كتب أهل السنّة المعتبرة هي خير دليل على ذلك.

ويقول إدريس الحسيني في هذا المجال:

( قال لي أحد المقرّبين: من الذي شيّعك وأيّ الكتب اعتمدتها؟

قلت له: أما بالنسبة لمن شيّعني فإنّه جدّي الحسين‏عليه‌السلام ومأساته الأليمة، أمّا عن الكتب فقد شيّعني صحيحُ البخاري والصّحاحُ الأخرى!!

قال: كيف ذلك؟

قلت له: إقرأها، ولا تدع تناقضاً إلّا أحصيه، ولا (رطانة) إلّا وقِف عندها مليّاً، إذ ذاك ستجد بغيتَك )(٢) .

ويؤكّد إدريس الحسيني على هذا الأمر، قائلاً:

( ويعلم اللَّه، أنّني رسّخت قناعتي الشيعيّة من خلال مستندات أهل السنّة والجماعة أنفسهم. ومن خلال ما رزحت به من متناقضات. وكان الكتاب أحياناً يتعرّض بالشتم والسباب للشيعة، وإذا بي أزدادُ بصيرة، كما لا أخفي واقع روحي التي تمزّقت، وهي تلهث خلف المخرج من هذه التناقضات ببراءتهم.!

____________________

(١) احمد راسم النفيس/ الطريق إلى مذهب أهل البيت: ١٧-١٨.

(٢) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ٦٣.

١٤٦

ويشهد الخالق وهو حسبي، أنّني كنت أسهر الليالي وأنا أقرأ وأدعو اللَّه أن يجد لي مخرجاً، وكان دعائي الذي يلازمني اللهمّ أرني الحقَّ حقّاً وارزقني اتّباعه، وأرني الباطلَ باطلاً وارزقني اجتنابه )(١) .

وكان السبب الذي دعا إدريس الحسيني لإتباع هذا المنهج والبحث عن الحقيقة من بطون كتب أهل السنّة هو قلّة المصادر الشيعيّة في متناول يديه.

ولهذا يقول: ( لم تكن عندي يومها المراجع الكافية لاستقصاء المذهب الشيعي )(٢) .

وهذه المشكلة ليست مشكلة إدريس الحسيني فحسب، بل هي مشكلة يعاني منها الكثير من متعطّشي التعرّف على أفكار ورؤى مدرسة أهل البيت‏عليهم‌السلام .

ولهذا يقول محمد علي المتوكّل:

( كانت المشكلة الأساسيّة التي تعترض طريقنا هي عدم وجود المصادر الشيعيّة التي اعتقدنا أنّها وحدها التي تعرض الخلافات التاريخيّة وتذكر فضائل أهل البيت وما وقع عليهم من ظلم.

وكان بين أيدينا مجموعة من الكتيّبات الصغيرة ذات الطابع الثقافي تزودنا بها مؤسّسة البلاغ الإيرانيّة عن طريق المراسلة، ولكنّها لم تكن تفي بالغرض إذ لا تتعرّض كثيراً للمسائل الخلافيّة.

وكان أحد أفراد مجموعتنا، وهو أوّل من طرق هذا الباب، قد اطّلع على جزء من موسوعة شيعيّة اسمها (الغدير) وذلك في المكتبة الملحقة بمسجد جامعة الخرطوم، وعندما أردنا الرجوع إليه بعد ذلك لم يكن في مكانه،! وهكذا فقدنا مصدراً أساسيّاً ونادراً كنّا في أمسّ الحاجة إليه.

____________________

(١) احمد راسم النفيس/ الطريق إلى مذهب أهل البيت: ١٧-١٨.

(٢) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ٦٣.

١٤٧

مرّت أشهر ونحن لا نزال نراوح في أماكننا، ولا زالت رياح الشك تعصف بنا)(١) .

ولكن رغم ذلك تبقى هذه الميّزة للشيعة بأنّها قادرة على إثبات أحقّية أصول معتقداتها من كتب أهل السنّة.

ويشير معتصم سيّد أحمد إلى هذه الحقيقة التي توصّل اليها عن طريق حواره مع ابن عمّه المستبصر عبد المنعم، فيذكر في كتابه (الحقيقة الضائعة):

قال لي ابن عمّي:

( لماذا لا تبحث أنت بتأمّل وصبر؟ وخاصّة أنّ لكم مكتبة في الجامعة تفيدك في هذا الأمر كثيراً.

قلت (متعجّباً): مكتبتنا سنّية، فكيف أبحث فيها عن الشيعة؟!

قال: من دلائل صدق التشيّع أنّه يستدل على صحّته من كتب و روايات علماء السنّة فإنّ فيها ما يظهر حقّهم بأجلى الصور.

قلت: إذن مصادر الشيعة هي نفس مصادر أهل السنّة؟!

قال: لا، فإنّ للشيعة مصادر خاصّة تفوق أضعافاً مضاعفة مصادر السنّة، كلّها مرويّة عن أهل البيت‏عليهم‌السلام عن رسول اللَّه‏صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّهم لا يحتجّون على أهل السنّة بروايات مصادرهم، لأنّها غير ملزمة لهم فلابدّ أن يحتجّوا عليهم بما يثقون به، أيّ ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم.

سرّني كلامه وزاد تفاعلي للبحث، قلت له: إذن كيف أبدأ؟

قال: هل يوجد في مكتبتكم صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند أحمد والترمذي والنسائي؟

قلت: نعم، عندنا قسم ضخم لمصادر الحديث.

قال: من هذه ابدأ، ثمّ تأتي بعد ذلك التفاسير وكتب التاريخ، فان في هذه الكتب

____________________

(١) محمد علي المتوكّل/ ودخلنا التشيّع سجّداً: ٣٥.

١٤٨

أحاديث دالّة على وجوب اتباع مدرسة أهل البيت.

وبدأ يسرد لي أمثلة منها، مع ذكر المصدر ورقم المجلّد والصفحة..

توقّفت حائراً أستمع إلى هذه الأحاديث التي لم أسمع بها من قبل مما جعلني أشك في أنّها موجودة في كتب السنة.. ولكن سرعان ما قطع عنّي هذا الشك، بقوله: سجّل هذه الأحاديث عندك، ثمّ ابحثها في المكتبة ونلتقي يوم الخميس القادم بإذن اللَّه )(١)

ويضيف معتصم سيّد أحمد:

( بعد مراجعة تلك الأحاديث في البخاري ومسلم والترمذي.. في مكتبة جامعتنا، تأكّد لي صدق مقالته، وفوجئت بأحاديث أخرى أكثر منها دلالة على وجوب اتّباع أهل البيت، مما جعلني أعيش في حالة من الصدمة..

لمَ لم نسمع بهذه الأحاديث من قبل؟!

فعرضتها على بعض زملائي في الكلّية حتى يشاركونني في هذه الأزمة، فتفاعل البعض ولم يكترث لها البعض الآخر، ولكنّني صمّمت على مواصلة البحث ولو كلّفني ذلك كل عمري.. وعندما جاء يوم الخميس، انطلقت لعبد المنعم... فاستقبلني بكلّ ترحاب وهدوء وقال: يجب عليك ألّا تتعجّل، وأن تواصل البحث بكلّ وعي )(٢)

ثمّ يذكر معتصم سيّد أحمد: وبهذه الصورة وبمزيد من البحث انكشفت أمامي كثير من الحقائق لم أكن اتوقّعها.

دوافع عامّة محفّزة على الاستبصار:

إنّ من أهم التساؤلات التي تدفع الباحث السنّي إلى دراسة مذهب التشيّع ومن ثمّ الالتحاق به، هي الاستفسار حول أسباب، إهمال النبي‏صلى‌الله‌عليه‌وآله لمسؤوليّة الخلافة من بعده

____________________

(١) معتصم سيّد أحمد / الحقيقة الضائعة: ١٩.

(٢) المصدر السابق: ٢٠.

١٤٩

كما يذهب إليه المذهب السنّي، فينتهي به البحث إلى عدم، إهمال الرسول‏صلى‌الله‌عليه‌وآله لهذا الأمر على ضوء مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام .

ويشير محمّد عبد الحفيظ إلى هذا الأمر بعد ذكره اهتمام أبي بكر وعمر بأمر قيادة الأمّة بعدهما:

( إنّ الخلافة قيادة تتعلّق بها مصالح الإسلام والمسلمين، ولا يصلح أن يسكت عنها... لأنّ عامّة الناس لا يعرفون المؤهّلات المعتبرة عندهم، وإنّما يعرفها مَن سبقت له نفس المسؤوليّة.

فإذا كان الخليفتان يهتمّان بهذه الدرجة بمصلحة الإسلام والمسلمين، أيصح أن يهمل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه المسؤوليّة؟ وهو الذي إذا خرج من المدينة - عاصمته - أمّر عليها أميراً، وإذا أرسل جيشاً جعل عليه قائداً )(١) .

هذا من جهة، ومن جهة أخرى يشير صالح الورداني بصورة مفصّلة إلى مجموعة دوافع دفعته إلى الاستبصار، ويمكننا أن نقول بأن هذه الدوافع عامّة لها مدخليّة في تخلّي الكثير من أهل السنّة عن مذهبهم وانجذابهم نحو مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام .

وهذه الدوافع كما يذكرها صالح الورداني هي:

( هناك عدّة عوامل جذبتني لخط آل البيت وللاطروحة الشيعيّة.

وهذه العوامل منها ما يتعلّق بالأطروحة السنّية..

ومنها ما يتعلّق بالواقع الإسلامي..

ومنها ما يتعلّق بشخصي..

ومنها ما يتعلّق بالأطروحة الشيعيّة..

أمّا ما يتعلّق بالأطروحة السنّية فهو ما قد بيّناه من أن هذه الأطروحة إنّما هي وليدة السياسة وتقديم فقه الرّجال على فقه النّصوص، وهذا الخلل الحقيقي فيها والذي

____________________

(١) محمّد عبد الحفيظ/ لماذا أنا جعفري: ٥٨.

١٥٠

يتجنّب القوم علاجه.

وأمّا ما يتعلّق بالواقع الإسلامي فهو يتمثّل في تلك التجربة الطويلة التي عشتها مع التيّارات الإسلاميّة ولمست فيها عن قرب مدى المأزق الفكري والحركي الذي تعيشه هذه التيّارات بسبب هذه الأطروحة، وبالنسبة لشخصي فقد عشتُ فترتي السنّية رافعاً شعار العقل فلم أجد لي مكاناً بين القوم ولاحقتني الإشاعات والاتّهامات، وأدركت فيما بعد أنّ استخدام العقل عند القوم يعني الزندقة والضلال، ولقد كنت أدرك جيّداً أنّ التنازل عن العقل يعني الذوبان في الماضي، وبالتّالي يصبح المرء بلا شخصيّة يواجه بها الواقع... )(١) .

ويضيف صالح الورداني:

( إنّ التسلّح بالعقل سوف يمنح المرء القدرة على الاختيار، ومن ثمّ فقد كان تسلّحي بالعقل العامل الأساس في دفعي نحو خطّ آل البيت واختياره. ولم يكن هذا ليُتمّ لولا تسلّحي بالعقل الذي أعانني على تحطيم الأغلال التي كان يكبلني بها الخطُّ السنّي...

أمّا ما جذبني لخط آل البيت ودفعني نحو التشيّع فيما يتعلّق بالأطروحة الشيعيّة فهو ما يلي:

١ - القرآن والعقل:

إنّ تحكيم القرآن والعقل في دائرة الأطروحة الشيعيّة قد منحها القدرة على تجديد محتوياتها ومواكبة الواقع والمتغيّرات. بينما بقيت الأطروحة السنّية جامدة منغلقة لرفضها الخضوع لحكم القرآن والعقل مما ولّد قداسة غير مباشرة لجميع محتوياتها وفي مقدّمتها كتب الأحاديث خاصّة كتابا البخاري ومسلم اللذان حظيا بقداسة خاصّة من دون الكتب الأخرى...

____________________

(١) صالح الورداني/ الخدعة: ١٤٥.

١٥١

٢. الإمام علي:

لفت نظري أثناء قراءتي لكتب التراث السنّي قول ابن حنبل: أنّ عليّاً كثير الأعداء ففتّش أعداءه له عيباً فلم يجدوا، فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطّروه كيداً منهم لعلي.فهذا القول يلخّص حركة التاريخ الخاص بالصّراع بين آل البيت والقوى المتربّصة بهم )(١) .

ويضيف صالح الورداني:

( إنّ القوم قد تآمروا على الإمام من بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ هذا التآمر قد اضطرّهم إلى تحريف النّصوص الواردة فيه وفي آل البيت وطمس معالمها بل واختراع نصوص تناقضها..

إلّا أنّ القوم على الرّغم من موقفهم هذا نطق لسانهم بما يفيد الشبهة فيهم.

فقد لاحظت أنّهم يطلقون لفظة (إمام) على عليّ وحده من دون بقيّة الصحابة، ثمّ أنّهم يدّعون أن الإمام عليّاً قام بتحريق أناس قالوا بإلوهية.

وكنت كلّما مررت على هذين الأمرين تساءلت:

لماذا يطلق القوم هذه اللفظة على الإمام خاصّة.

ولماذا قال هؤلاء بإلوهية الإمام دون غيره؟..

إنّ الإجابة على هذين السؤالين قد كلّفتني الكثير من الوقت في البحث والتأمل حتى اهتديت أن هناك من النصوص ما يعطي للإمام عليّ خاصّية ترفعه فوق الجميع.

وإنّ هذه الخاصّية كان يتنزل بها القرآن ويبشّر بها الرّسول.

وهذه الخاصّية هي الطهارة من الرّجس لتسلّم مهمّة الإمامة من بعد الرّسول.

وهذا هو ما توارثه القوم عن عليّ وحجبته السياسيّة، وما بقي منه سوى وصفه له بالإمام.

وهذا هو ما دفع بالبعض للقول بإلوهيته لما يرون من تحقّق المعجزات على يديه

____________________

(١) المصدر السابق: ١٤٦-١٤٨.

١٥٢

إنْ سلّمنا بصحّة هذه الرواية..

إنّ القوم لم يخبرونا لماذا أُلّه علي؟

فهم على الرّغم من تبنّيهم هذه الرواية لا يقصدون من ورائها سوى الطعن في شيعة الإمام ونبذ أيّ تصوّر يطرأ على ذهن المُسلم حول خصوصيّته، وكانّهم يريدون أن يثبتوا من وراء هذه الرواية أنّ الإمام كان يبارك الخطّ السائد، وأنّ من حاول الانشقاق عن هذا الخط ومنحه خصوصيّة تمّيزه عن القوم فقد أحرقه بيده.

فدعوى إلوهية الإمام قضى عليها في مهدها على يده، ولم تظهر بعدها أيّة دعاوي أخرى لتمييز الإمام، أما الشيعة هؤلاء ففرقة مختلقة لا أصل لها ويقف من ورائها أعداء الإسلام..

ثمّ أنّ القوم بعد هذا لا يذكرون الإمام إلّا ويقولون كرّم اللَّه وجهه.

وعند ما سألت عن معنى هذه الكلمة قالوا:

إنّه لم يسجد لصنم بينما جميع الصحابة قد وقعوا في هذا.

فقلت في نفسي إنّ هذه الخاصيّة التي جاءت على لسان القوم إنّما تؤكّد مكانة الإمام وموقعه الشرعي كما أكّدته رواية ادّعاء إلوهيته ونَعتهم له بالإمام..

لقد استفزّتني كثيراً تلك المكانة المتواضعة جدّاً التي يضع أهل السنّة فيها الإمام علياً.

واستفزّني تقديم عثمان عليه، على الرغم من أفاعيله ومنكراته..

واستفزّني مساواته بمعاوية الطليق الذي لا وزن له..

واستفزّني ما يلصقون به من صغائر وموبقات..

وكان هذا كلّه مبرّرا للنفور من فقه القوم وأطروحتهم والبحث عن الحقيقة في دائرة الأطروحات الأخرى حتى اهتديت للأطروحة الشيعيّة ووجدت فيها ما أراح عقلي وطمأن نفسي بخصوص الإمام علي‏عليه‌السلام ..

وجدت فيها مكانته وخصوصيّته..

ووجدت فيها علمه الذي دثره القوم..

١٥٣

وجدت عليّاً الإمام المعصوم وهي الصّفة التي تعكس خصوصيّته وتمييزه والتي فُسّرت على ضوئها جميع الأمور التي استشكلت عليَّ في فقه القوم حول الموقف من الإمام..

فسّرت لماذا يقولون عنه إمام..؟

ولماذا يقولون كرّم اللَّه وجهه..؟

ولماذا حاول تأليهه البعض..؟

إنّ مكانة الإمام كانت ساطعة سطوع الشّمس، بحيث لم يتمكّن القوم من حَجبها عن أعين المسلمين بتأويلاتهم وتبريراتهم.

وقد كنت واحداً من هؤلاء الّذين سطعت عليهم شمس الحقيقة، فأضاءت لي الطريق نحو الصراط المستقيم خط آل البيت، محطّماً من طريقي جميع القواعد والأغلال التي صنعها القوم لتكبيل العقل وحجب الحقائق.

٣ - الاجتهاد:

وما لفت نظري في الطرح الشيعي أيضاً قضيّة فتح باب الاجتهاد الذي ضلّ مغلقاً منذ قرون طويلة لدى الطرف الآخر ولا يزال..

وتميّزت المؤسّسة الدينيّة المعاصرة عند الشيعة بوجود عدد من المجتهدين البارزين الذين اجتهدوا في كثير من القضايا الملحّة والعاجلة، والتي لازال يتخبّط فيها الطّرف السنّي

ومن الطريف أنّ هذا التقليد إنّما هو مرتبط بحياة المجتهد، فإذا مات فعلى المقلّد أن ينتقل لتقليد الأعلم من بين المجتهدين الأحياء.

وهذا يعني ارتباط المقلّد بقضاياه المعاشة والمعاصرة، ويجعل نظرته على الدوام نحو اليوم والغد.

فتقليد الميّت يعني التحجّر على خط ثابت ويورث الانغلاق والتعصّب، وهو مانراه واقعاً عند الطرف السنّي الذي لازال يعيش على استفتاء أهل القبور.

١٥٤

ومن أهمّ نتائج فتح باب الاجتهاد عند الشّيعة المرونة في مواجهة الواقع والارتباط به، فلم أجد عند الشيعة تلك القضايا الهامشيّة والسطحيّة التي ينشغل بها الواقع السنّي...

٤ - المؤسّسة الدينيّة:

وما يميّز المؤسّسة الدينيّة عند الشيعة هو استقلالها عن الحكّام وبُعدها عن سيطرتهم مماأكسبها مواقف سياسيّة شجاعة أسهمت في إحداث تغييرات فعّالة في مجتمعاتها.

وهذه الاستقلاليّة إنّما يعود سببها إلى ارتباط المؤسّسة الدينيّة بالشارع والجماهير التي تدين لها بالطاعة والولاء وتسلّمها أموالها وتذعن لأحكامها.

إنّ رجال الدّين عند الشيعة إنّما يتقاضون أجورهم من الجماهير لأمن الدّولة.

فمن ثمّ فإن المؤسّسة الدينيّة إنّما تعتمد على الجماهير وتعبّر عنهم ولا تخشى الحاكم لكونه لا سلطان له عليها...

وحال المؤسّسة الدينيّة عند السنّة على العكس من ذلك.

وهي مؤسّسة مرتبطة بالحكّام وواقعة في دائرة نفوذهم ويتقاضى منهم الفقهاء أجورهم.

فمن ثمّ فإنّ ولاءهم يتّجه على الدوام نحو الحاكم وليس نحو الجماهير، وفتاواهم إنّما تصدر لحساب الحاكم لا لحساب الجماهير.. وهذا ما دفع بالجماعات الإسلاميّة وتيّارات الحركة الإسلاميّة المختلفة إلى نبذ المؤسّسة الدينيّة باعتبارها مؤسّسة حكوميّة في خدمة الحاكم لا في خدمة الإسلام..

ومن هنا فإنّ المؤسّسة الدينيّة السنّية تعيش مأزقاً خطيراً يهدّد وجودها ومستقبلها، فهي قد فقدت ثقة الجماهير المسلمة والتيّارات الإسلاميّة بها من جهة. ومن جهة أخرى فقدت القدرة على المبادرة وهي أسيرة الحكم وأسيرة فقه الماضي..)(١) .

____________________

(١) المصدر السابق: ١٤٨-١٥٣.

١٥٥

١٥٦

الفصل الثالث

موانع الاستبصار

١٥٧

إن العملية العقلية التي يمكنها الوصول إلى معرفة لحق هي العقليّة السليمة التي تستطيع بسهولة أنْ تقوم بعمليّة النظر والتأمّل وفق المنهج الفكري السليم، وتستطيع أن تحكم خلال تقييمها للأمور والقضايا حكماً قوامه الصدق والعدل.

ومن أكبر الموانع التي تردع الإنسان عن الوصول إلى الحقّ هي اضطراب الميزان الذي يَزن به القضايا ويقيّم به الأمور، لأنّ هذا المانع يدفع الإنسان إلى إدراك الحقيقة بصورة ناقصة ومن دون استيعاب كل عناصرها وأجزائها وصفاتها، ومن هنا تلتبس الأمور على الإنسان.

كما أنّ الاضطراب في ميزان تقييم الأمور والقضايا يدفع الباحث إلى الانسياق مع التعميم الفاسد الذي يؤدّي إلى تشويه صورة الحقيقة عند الباحث واختلاط الحقّ بالباطل في قرارة نفسه.

ومن أضرار التعميم الفاسد أن يحكم المرء على الكلّ بسبب الحكم على البعض، ومثال ذلك أّنه يرى بعض ما عليه مذهبه حقّاً، فيقبل المذهب كلّه، ويرى - حسب وجهة نظره - بعض ما عليه المذهب المخالف باطلاً، فيرفض ذلك المذهب كلّه دون فحص ولا تمييز.

ولكنّ الباحث الواعي والطالب للحقّ ينبغي أن يجزّئ دائماً عناصر المذهب الذي يودّ البحث حوله، وعليه أن يفحص كل جزء فيه فحصاً مستقلّاً، ليصل بالأدلّة إلى الحكم الصحيح المرتبط بذلك الجزء، ثمّ يقوم بفحص الجزء الآخر حتى يصل

١٥٨

إلى الصورة الكاملة في تقييمه لذلك المذهب، وإلّا فلا يصحّ أن يعطي الباحث حكماً عامّاً بصحّة المذهب الذي هو عليه مجرّد أنّه تحقّق من صحّة بعض مسائل أو قضايا أو مقولات ذلك المذهب، كما لا يصح عكس ذلك أيضاً، لأنّ هذا الأمر يدفع الباحث إلى التعصّب والجهل وعدم البصيرة.

والأمر الجدير بالذكر هنا هو أنّ البحث في معتقدات مذهب معيّن لا يشبه البحث في القوانين الطبيعيّة، فلهذا لا يحقّ للباحث عبر الاستقراء الناقص والملاحظة المتكرّرة أن يعمّم ما توصّل إليه من صفات على نوعه وفصيلته، ليصل إلى نظريّة ظنيّة مقبولة وصالحة للعمل.

لأنّ كل مذهب متشكّل من عقائد مختلفة، وكل واحد من هذه العقائد تستمد وجودها من أدلّة مغايرة للأدلّة التي تستمد المفردة العقائديّة الأخرى وجودها منه.

فلهذا ينبغي للباحث الذي يبتغي تقييم مذهب معيّن، أن يقوم بتجزّئة عقائد ذلك المذهب، وأنْ يقوم بعدها بالبحث في كل مفردة عقائديّة من مفردات ذلك المذهب، ليصل بعد ذلك إلى الحكم الذي يستمد وجوده من الأدلّة والبراهين، كما عليه أن يبادر إلى فحص باقي عقائد ذلك المذهب ليقوم بتقييمها والتثبّت من صحّتها أو سقمها حتى يستوفي كل عقائد ذلك المذهب.

والجدير بالانتباه أنّ الباحث ينبغي أنْ لا يغترّ بكثرة عناصر الصواب الموجودة في مذهبه، لأنّ مذهبه قد يحتوي على عقيدة أساسيّة باطلة وفاسدة تكون بمثابة السمّ القاتل في الطعام. ولا يخفى على أحد أن السمّ القاتل على رغم قلّته يكفي لإفساد كميّة كبيرة من الغذاء الطيّب والنافع.

وهذا ما يحّتم على كلّ باحث يستهدف معرفة الحقّ أن يقوم بغربلة معتقداته المذهبيّة، ليصل إلى القناعات التي لا تتضمّن الأفكار السامّة والرؤى الفاسدة.

١٥٩

أسباب الحرمان من إدراك الحقيقة:

إنّ الحرمان من الإحاطة بالحقيقة:

١ - إمّا أن يكون نتيجة أسباب داخليّة مرتبطة بذات الإنسان من قبيل ضعف أداة الإدراك أو التلبّس بالوهم الناشئ‏ من عدم الاتّزان الفكري أو التأثّر بسوابق الأفكار أو الانقياد للمؤثّرات النفسيّة الوراثيّة التي تتّبعها ردود أفعال فكريّة غير مدروسة أو الابتلاء بالرذائل النفسيّة التي تحجب بصيرة الإنسان عن إدراك الحقيقة، وهي أسباب ينبغي للمرء أن يقوم بإزالتها عن نفسه.

٢ - وإمّا أن يكون نتيجة أسباب خارجيّة يقوم بها الآخرون، فتكون النتيجة حرمان غيرهم من إدراك الحقيقة من قبيل التحريف والتعتيم والشبهات التي يلقيها البعض ليصرفوا وجوه الناس عن التوجّه إلى الحق.

وهذا هو الجانب الذي نودّ الإشارة إليه في البحوث القادمة.

السبب الأوّل:

التحريف‏

إنّ الطامّة الكبرى التي شهدها الإسلام بعد أن التحق رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرفيق الأعلى وإلى يومنا هذا أنّه ابتلي بأيدٍ قامت من أجل الوصول إلى مآربها الشخصيّة بطمس بعض معالمه و تغيير جملة من شرائعه والتلاعب ببعض مفاهيمه.

وقد حاولت هذه الأيادي الأثيمة بشتى الطرق أن تكتم الحقَّ أو تخفيه أو تلبسه

١٦٠