التحول المذهبي‏

التحول المذهبي‏10%

التحول المذهبي‏ مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 374

التحول المذهبي‏
  • البداية
  • السابق
  • 374 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135382 / تحميل: 6809
الحجم الحجم الحجم
التحول المذهبي‏

التحول المذهبي‏

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

بالباطل بحيث لا يتميّز أحدهما عن الآخر.

كما أنّها حاولت أن تُحرّف الكَلِم عن مواضعه وأن تتلاعب بالنصوص عن طريق التحريف في بنية الكلمة أو الزيادة في النصّ أو النقص منه أو بتره أو التلفيق أو التصرّف فيه بالتقديم والتأخير لا على سياق قائِلِه لتصل عبر إخراج النصّ عن معناه الحقيقي إلى المقصود المنسجم مع مآربها الشخصيّة.

وفي هذا الخضم كم من حقائق أخفيت، وكم من سيرٍ نقيّة شوّهت، وكم من سيرٍ مدنسة ألبست لباساً يضفى عليها هالة من العظمة والقداسة.

ولهذا ذهب الكثير ضحيّة الإعلام المغرض الذي حاول أنْ يصوّر الإسلام بالصورة الملائمة مع أغراضه وميوله ومصالحه الشخصيّة.

وهذا ما يبيّن مدى الصعوبة التي واجهها المستبصر في محاولة تصدّيه للبحث عن الحقيقة الموضوعيّة ضمن هذا الكم الهائل من التحريف والتزوير الذي أحدث خلال مسيرة التاريخ الإسلامي.

ويشير ياسين البدراني إلى هذه الحقيقة في كتابه (يا ليت قومي يعلمون)، قائلاً:

( إنّ الكثير من الأحاديث وُضعت لكي ترفع مكانة شخصيّات خسيسة منحطّة، ولكي تطمس معالم شخصيّات أخرى خصّها اللَّه بالفضل والهدى والعلم والحلم والفصاحة والتقى فكانوا للعباد مناراً وهدى.

لكنّ الحكّام المتسلّطين من بني أميّة وبني العبّاس جاؤوا بما لا يرضى اللَّه وافتعلوا الأكاذيب والأباطيل.

ونحن لا نريد من الأخ القارئ إلّا أن لا يُخدع بباطلهم، وأن لا يبقى معصوب العينين ضيّق النظر، منقاداً لمنطق العاطفة، بل نريد له أن يكون حرّ الإرادة في مطالعاته وفهمه وأن يحكم بالانصاف على ما يقرأ )(١) .

____________________

(١) ياسين المعيوف البدراني/ ياليت قومي يعلمون: ٦٤.

١٦١

إذن فالمطلوب من الباحث الذي يودّ قراءة كتب السّلف أن يعي ما فعلته هذه السلطات الحاكمة، لئلّا يكون ضحيّة الروايات المحرّفة التي دسّتها هذه الأيدي الأثيمة بغية الوصول إلى مآربها الدنيويّة.

وهذا ما قام به المستبصرون، فإنّهم حين بحثهم عن الحقّ حاولوا أن يزيلوا الغشاوة التي وضعتها يدُ التحريف ورجال الكذب والدجل على بصائرهم، واجتهدوا أن يبدّدوا الضباب أو الغبار الذي أثاره البعض لتشويه صورة الحقيقة، وحاولوا أن يتجنّبوا التأثّر بالخرافات التي تسبح في المتاهات والظنون، والتي تأخذ بيد العقل ليسبح معها في عالم الأوهام.

وكانت النتيجة أن وصل هؤلاء إلى ما يبتغوه، لأنّ المغرضين على رغم محاولاتهم الحثيثة لتزييف الحقائق وتغيير وجه الحقيقة عن طريق شعاراتهم الفارغة والفاظهم المُنمّقة وسلوكهم الطرق الملتوية، فإنّ دين اللَّه تعالى يعلو ولا يُعلى عليه.

فلهذا باءت محاولاتهم بالفشل، ويشهد الجميع في عالمنا المعاصر ازدهار شأن اهل البيت ‏عليهم‌السلام يوماً بعد آخر وانتشاره في جميع ربوع العالم.

التحريف في عالمنا المعاصر:

إنّ التحريف الذي قام به بعض القدماء قد وجد - للأسف - في عالمنا المعاصر بعض الأجواء المناسبة التي تمدّه بما يكفل له البقاء.

ومن أهمّ أسباب بقاء التحريف هو أنّ جملة من أبناء مجتمعاتنا الإسلاميّة المعاصرة ألفوا التزييف الذي سنّته الحكومات الجائرة السابقة عن طريق وعّاظ السلاطين والأقلام المرتزقة، ولم يحاولوا التثبّت من صحّة ما ذهب إليه من قبلهم، بل تلقّوا آراء السابقين كثوابت لا يصح غربلتها أو التشكيك في صحّتها.

ومن هذا المنطلق بقي التحريف مترسّخاً في أوساط المجتمع لايستطيع أحد أن يزيله سوى العلماء، ولكنّ الكثير من العلماء أيضا - للاسف - كما يذكر عنهم ياسين

١٦٢

المعيوف البدراني في كتابه (ياليت قومي يعلمون)، قائلاً:

( تعوّدت بعض الأقلام المأجورة واستمرّت أن تعيش في النفاق وعلى النفاق مقدّمة نتاجها الفكري للمجتمع الذي تعيش فيه مزيفاً ومغلوطاً، وذلك بدافع من مصلحة دنيويّة تافهة )(١) .

ويقول التيجاني السماوي أيضاً في هذا المجال: ( واكتشفت أيضاً أن العديد من العلماء، عندما تواجههم الحقيقة المرّة المؤلمة، يبحثون عن بعض التأويلات والمخارج التي هي في الحقيقة، مبكية ومضحكة في الوقت نفسه )(٢) .

ويقول إدريس الحسيني:

( ...أليس هذا هو التجهيل؟ اءنّهم يكتبون للامّيين والمغّفلين! لذلك تراهم لا يتورّعون عن التلفيق! )(٣) .

ويشير صالح الورداني إلى هذه الحقيقة أيضاً قائلاً:

( إنّ منهج التأويل والتبرير هو الأساس الذي بني عليه منهاج القوم وعقائدهم ولم يكن مجرّد طرح عابر في مذهبهم وإنّما كان سلاحهم الذي يشهرونه في وجه خصومهم وفي وجه المسلمين الذين ينتابهم الريب في رواياتهم ومواقفهم وأحداث التاريخ بوجه عام.. وعقيدة تقوم على التبرير والتأويل عقيدة واهية مهزوزة لابدّ للعقل من أن يلفظها يوماً )(٤) .

ومن جهة أخرى أيضاً فإنّ الكثير من الأعلام والمشايخ لم يتحلّوا بالأمانة العلميّة في نقلهم المعارف الدينيّة إلى الآخرين، ولم يلتزموا بالورع خلال نظرهم في الاستدلال والمعاني، لأن أمثال هؤلاء - في الواقع - لم يطلبوا العلم من أجل التحلّي

____________________

(١) المصدر السابق: ٦٩.

(٢) محمد التيجاني السماوي/ اعرف الحق: ١٤.

(٣) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ٢٦.

(٤) صالح الورداني/ الخدعة: ٦٩.

١٦٣

بالفضيلة، أو من أجل إفادة الناس بما عرفوا من الحكمة، بل طلبوه ليكون لهم جسراً يصلوا من خلاله إلى مطامعهم الدنيويّة.

ولهذا انعدمت الأمانة في نفوس هؤلاء، وغدوا لايتحرّجون من رواية مالم يسمعوا أو ذكر ما لم يعلموا.

وهذا ما دعى العلماء إلى تشييد علم الرجال وإجراء الجرح والتعديل، ليكون الباحث على بصيرة من أمره، ولئلّا تخفى عليه منزلة من يروي له الحقائق.

وأضف إلى مسألة عدم تحلّي بعض العلماء بالأمانة العلميّة، أنّ الكثير من الباحثين يواجهون في زماننا استنكاف بعض العلماء من الاعتراف بعدم العلم إذا سُئِلوا عن شي‏ء لا يعلموه.

وذلك لأنّ هؤلاء يرون أن الإذعان بعدم المعرفة يذهب بشي من احترام المقابل لهم، فيدفعهم هذا الأمر إلى الإجابة وفق ما تملي عليهم أهواؤهم واستنباط الإجابة من عالم الأوهام، ليفهموا السائل بأنّه ممن لا يخفى عليهم شي‏ء!

في حين أنّ الواقع يحتّم على العالم الورع والمتّقي إذا سُئل عما لا يعلم أنْ لايجد في صدره حرجاً أن يقول (لا أعلم)، وعليه أن لا يستنكف ولا يبالي بما يكون لموقفه الصحيح من أثر في نفوس سائليه.

بل لو يتأمّل الإنسان الواعي في هذا الموقف يرى أنّ العالم إذا سُئل عما لا يعلم، فاعترف بعدم علمه، فإنّه وان لم يمنح السائل جواب ما سأل، لكنّه يعطيه درساً أخلاقيّاً مفاده أنّ المرء ينبغي أن لا يتحدّث إلّا عن بصيرة.

من جهة أخرى يشير صباح علي البياتي في هذا المجال إلى إحدى الوسائل التي يجعلها من في قلوبهم مرض وسيلة لتشويه سمعة التشيّع، قائلاً:

( أودّ أنّ أنوّه إلى أمر مهم جدّاً ألا وهو: أن الشيعة لا يعتقدون بوجود كتاب صحيح تماماً غير كتاب اللَّه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وما عداه من كتب، فإنّها تحوي الصحيح وغيره مهما كانت منزلة هذه الكتب أو مصنّفيها.

١٦٤

وعلى هذا الأساس فإنّ وجود رواية في أيّ من كتبهم لا تعني بالضرورة أنّهم يقولون بصحّتها، وأمثال هذه الروايات موجودة فعلاً في كثير من كتب الشيعة رغم عدم اعتقادهم بصحّتها، وذلك على العكس من الإخوة من أهل السنّة الذين يضفون على بعض كتبهم - وبخاصّة التي يسمونها (الصحاح) وعلى رأسها كتابَي البخاري ومسلم - رداء القدسيّة، حتى قالوا عن صحيحي البخاري ومسلم:... أنّه لو حلف رجل بطلاق امرأته على أن كل ما في الصحيحين هو من أقوال وأفعال وتقرير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يحنث، وأن من روى له البخاري فقد جاز القنطرة(١) )(٢) .

السبب الثاني:

التعتيم‏

من الأسباب الأخرى التي توجب حرمان الباحث من معرفته للحقّ هي التعتيم الذي يحاول البعض عن طريقه أنْ يُرخي سحابه من الدخان حول بصيرة الباحثين، ليمنعوهم من الوصول إلى علوم ومعارف أهل البيت ‏عليهم‌السلام .

ويقول محمد الكثيري في هذا المجال:

( إنّ الكتاب الشيعي مُحارَب في كلّ مكان وممنوع دخوله في أغلب الدول، وقد أحاط السلفيّون والغرب الاستعماري دولة التشيّع بأسلاك شائكة من الدعايات المغرضة وتزييف الحقائق الدينيّة والسياسيّة )(٣) .

ويقول هذا المستبصر في مكان آخر من كتابه (السلفية):

( إنّ السلفيّة يحاربون الكتاب الشيعي في كل مكان، ويمنعون دخوله إلى بلدهم ويُحرّمون قراءته.

____________________

(١) مقدّمة فتح الباري: ٣٨١.

(٢) صباح علي البياتي/ لا تخونوا اللَّه والرسول: ٦٩.

(٣) محمّد الكثيري/ السلفيّة: ٧١٢.

١٦٥

وفي الجزائر يتعرّض أيّ شاب ملتزم للإهانة بل ربّما للضرب والمحاكمة إذا ما وُجد بحوزته كتاباً أو مجلّة شيعيّة؟

لماذا هذا الخوف من الكتاب الشيعي يا دعاة السلفيّة؟! )(١) .

ويضيف هذا المستبصر:

( ونحن نقول لدعاة السلفيّة: إذا كان ما تكتبونه عن الشيعة صحيح ويمثّل الحقيقة، فلماذا لاتفسحون المجال للكتاب الشيعي أن ينتشر؟! لأنّ ذلك سيؤكّد ما تدّعون عليهم من آراء ومعتقدات، وسيجعل أبناء الصحوة الإسلاميّة يتّخذون الموقف السليم من التشيّع...

لكنّني على يقين من أنّهم لن يفعلوا، لأنّهم يخافون من التشيّع، ومن حقائق التشيّع، لأنّ الشمس عندما تطلع وتحتل مكانها في كبد السماء، تنطفئ كل الشموع، وينعدم ضوؤها، وهذا هو حال التشيّع مع العقيدة السلفيّة.

إنّهم يتستّرون ويختفون وراء جدران صنعوها من الكذب والتلفيق، لذلك ما إن يعرف أحد أبناء الصحوة الإسلاميّة بعض الحقائق حتى ينقلب عدوّاً لدوداً للسلفيّة ولدعاة مذهب السلف، لأنّه سيكتشف إنّ غذاءه السلفي كان محشواً بالكذب وتحريف الحقائق )(٢) .

وقال التيجاني السماوي مشيراً إلى معاناته في البحث:

( ولماذا يحاول بعض العلماء حتى اليوم في عصر العلم والنور جهده تغطية الحقائق بما يختلقونه من تأويلات متكلّفة لا تسمن ولا تغني من جوع؟ )(٣) .

وأشار التيجاني السماوي أيضاً إلى هذه الحقيقة قائلاً:

( إذا استثنينا بعض العلماء المعاصرين الذين أنصفوا في كتاباتهم عن الشيعة بما تفرضه عليهم الأخلاق الإسلاميّة ، فإنّ الأغلبيّة الساحقة منهم قديماً وحديثاً لازالوا

____________________

(١) المصدر السابق: ٦٧٩.

(٢) المصدر السابق: ٦٨١.

(٣) محمد التيجاني السماوي/ فسألوا أهل الذكر: ٣١٧

١٦٦

يكتبون عن الشيعة بعقليّة الأمويين الحاقدين، فتراهم في كل وادٍ يهيمون ويقولون ما لا يفقهون، ويسبّون ويشتمون ويتقوّلون افتراء وبهتاناً على شيعة آل البيت ما هم منه براء، ويكفّرونهم وينبذونهم بالألقاب اقتداءً بسلفهم الصالح معاوية وأضرابه، الذين استولوا على الخلافة الإسلاميّة بالقوّة والقهر والمكر والدهاء والخيانة والنفاق.

فمرّة يكتبون بأنّ الشيعة هي فرقة من تأسيس عبد اللَّه بن سبأ اليهودي، ومرّة يكتبون بأنّهم من أصل المجوس، وانّهم روافض قبّحهم اللَّه، وأنّهم أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى.

ومرة يكتبون بأنّهم منافقون لأنّهم يعملون بالتّقيّة، وأنّهم إباحيّون يبيحون نكاح المحارم ويحلّلون المتعة وهي زنا، والبعض يكتب بأنّ لهم قرآناً غير قرآننا، وأنّهم يعبدون عليّاً والأئمّة من بنيه ويبغضون محمّداً وجبريل وأنّهم وأنّهم...

ولا يمرّ عاماً إلّا ويطلع علينا كتاب أو مجموعة كتب من أولئك العلماء الّذين يتزعّمون (أهل السنة والجماعة) بزعمهم وكلّه تكفير واستهانة بالشيعة.

وليس لهم في ذلك مبرّر ولا دافع إلّا ارضاء أسيادهم الّذين لهم مصلحة في تمزيق الأمّة وتفريقها والعمل على ابادتنا.

كما ليس لهم فيما يكتبون من حجّة ولا دليل سوى التعصّب الأعمى والحقد الدفين والجهل المقيت، وتقليد السلف بدون تمحيص ولا بحث ولابيّنة، فهم كالببّغاء يعيدون ما يسمعون ويستنسخون ما كتبه النواصب من أذناب الأمويين، والذين لايزالون يعيشون على مدح وتمجيد يزيد بن معاوية.

وبما أنّهم أتباع السنّة الأمويّة والقريشيّة فهم يتكلّمون ويكتبون بالعقليّة الجاهليّة والأفكار القبليّة والنعرات العنصريّة، فالشي‏ء من مأتاه لا يستغرب، وكلّ إناء بالذي فيه ينضحُ )(١) .

____________________

(١) محمد التيجاني السماوي/ الشيعة هم أهلُ السنّة: ٦٣-٦٤.

١٦٧

وقال حسين على آل رجاء:

( إنّ الشعب العامي المسلم مظلوم حيث يحال بينه وبين العلوم الحقيقيّة المتمثّلة بعلوم آل البيت عليهم الصّلاة والسلام )(١) .

وأشار الهاشمي بن علي إلى هذه الحقيقة قائلاً:

( طبعاً مازلت أقول أنّ هناك الملايين من المسلمين وغيرهم ممّن لهم طينة صالحة ولكن لم يصل إليهم هذا المذهب. ( فإنّ النّاس لو عرفوا محاسِن كلامنا لاتّبعونا )) كما ورد عن الإمام المعصومعليه‌السلام )(٢) .

وقال أسعد وحيد القاسم حول معاناته في هذا المجال:

( وكلّما كنت أقرأ كتباً إضافيّة حول هذا الموضوع، فإنّ الحقيقة كانت تبدو لي أكثر وضوحاً حتى ظهرت لي في النهاية بأجلى صورها وبما لا يقبل أيّ شك.

إلّا ان السؤال الذي أخذ يراودني دائماً يدور حول سبب إخفاء كثير من الحوادث التّاريخيّة وأحاديث الرسول‏صلى‌الله‌عليه‌وآله عنّا بالرغم من توثيقها في المصادر المعتبرة عند أهل السنّة، والتي من شأنها توضيح الكثير من الغموض الذي رافق مسألة الخلاف بين السنّة والشيعة على مرّ القرون الماضية.

فهل إخفاء الحقائق أو التعتيم والتشويش عليها يُقبل مبرّراً لمنع الفتنة كما يزعمون؟

أليست الفتنة كلّها بإخفاء الحقائق وتزييفها؟ )(٣) .

وذكر محمد كوزل الحسن الآمدي في هذا المجال:

( وقفت على نصوص كثيرة واردة في الكتاب والسنّة معلنة بخلافة أمير المؤمنين والأئمة المعصومين من ذريّته ‏عليهم‌السلام آمرة بالاقتداء بهم والسير على نهجهم، وناهية عن مخالفتهم ومعاداتهم، وتواترت بذلك الأخبار من كتب السنّة والشيعة. وإنْ كانت

____________________

(١) مجلّة المنبر/ العدد: صفر (التجريبي)

(٢) جريدة المبلّغ الرسالي: ٢٧ صفر ١٤١٩ه.

(٣) أسعد وحيد القاسم/ حقيقة الشيعة الاثنى‏ عشريّة: ١٥.

١٦٨

سلطات الجور سعت وصرفت قصارى جهدها لاخفاء تلك النصوص وكتمانها، وعذّبت وسجنت مَن أفشاها ونشرها، وبذلت أموالاً كثيرة وجوائز نفيسة لمن وضع مخالفها ومناقضها على لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ورغم كلّ ذلك فقد أنعم اللَّه على هذه الأمّة أن حفظ لهم مقداراً كثيراً من تلك النصوص كي يكون كافياً( لِمَن كانَ لَهُ قَلبٌ أو أَلقى‏ السَّمعَ وهوَ شهيدٌ ) ، ويكون حجّة على من ألقى العذر وهو عنيد )(١) .

السبب الثالث:

الشبهات‏

الشكوك البنّاءة:

يشعر الإنسان بعد بلوغه مرحلة النضج أنّه بحاجة إلى البحث والتحقيق من أجل الحصول على المعرفة النقيّة التي يمكن أن يطمئنّ بها.

ومن هنا تتبلور في ذهن الإنسان شكوك وشبهات حول صحّة المعتقدات التي ينتمي إليها.

وهذه الشكوك والشبهات والتساؤلات العقائديّة التي تمور في دواخل الفرد تعتبر شكوكاً بنّاءة، وهي أمر طبيعي، لأنّها تنتج من عدم المعرفة، وتثير في نفس الإنسان جملة من المشاعر التي تبعث فيه النشاط والحيويّة من أجل طلب العلم والتثبّت في أموره العقائديّة.

وعلى الباحث في هذه الحالة أن يتريّث عن لا يسارع إلى تكذيب القضايا التي تثار حولها الشكوك في ذهنه، وعليه أن يقوم بالبحث والتحقيق بكامل الحيطة والحذر لينتهي إلى النتيجة اليقينيّة.

____________________

(١) محمد كوزل الحسن الآمدي/ الهجرة إلى الثقلين: ٢٠٤.

١٦٩

الشكوك الهدّامة:

الشكوك والشبهات الهدّامة والمخرّبة تختلف عن الشبهات التي تثار في ذهن الباحث بشكل طبيعي، بل هي أفكار يتعمّد المغرضون انشاءها وإثارتها عن طريق تزيين الباطل وتزييف الحق أو خلط الحق بالباطل أو غير ذلك من الأساليب الملتوية من أجل حرمان الآخرين من معرفة الحق.

وأكثر من يثير هذه الشبهات هم الّذين يضرّهم اتّجاه الآخرين نحو الحق، فيتوسّلون بكلّ ما في أيديهم من تمويه وخداع ليبقوا الناس في الدوائر التي تخدم مصالحهم ومطامعهم الشخصيّة.

ويحاول هؤلاء أن تعيش الأمّة في تيه وحيرة وظَلام وعدم يقين واضح في أمر العقيدة، لتتاح لهم في وسط هذا العماء الطاغي وهذا التيه المضل فرصة الاستغلال والوصول إلى مآربهم الشخصيّة والاصطياد بالماء العكر.

ويشير سعيد أيّوب إلى هذه الحقيقة قائلاً:

( وعلى امتداد المسيرة البشريّة لم تكف أجهزة الصدّ عن سبيل اللَّه عن وضع العوائق أمام طائفة الحقّ )(٢٢٣) .

ويقول هشام آل قطيط:

( كثير من الحقائق والمسلّمات تستحيل إلى خرافة و وَهمٍ حين يستفرغ المرء وسعه، ويسلخ بعض الوقت في التنقيب عن جذور تلك الحقائق ومصدرها.

فكثيراً ما تكون العواطف والأهواء والنزعات، هي العامل الأقوى وراء شيوع قضيّة ما واستحكامها وفرض نفسها، لتشغل لها مكاناً بين الثوابت والمسلّمات.

كلّ ذلك بسبب وجود من يحرص على أنْ تأخذ قضيّة معيّنة حجماً أكبر من ذاتها ومكانة أعظم مما تستحق.

____________________

(٢٢٣) سعيد أيّوب/ الرّساليّون: ٤٨.

١٧٠

أضف إلى ذلك فقدان المقياس الحقيقي المستند إلى العقل، وتقييم الواقع في تحديد حجم المسائل وأعطائها الموقع المناسب )(١) .

ويستخدم هؤلاء المغرضون في سبيل بلورة شبهاتهم الكثير من السبل الملتوية، منها: استعمال الألفاظ في غير مواضعها من أجل إضاعة المعنى الحقيقي الذي يعنيه اللفظ، أو الإغارة على النصوص الدينيّة من أجل نحر معانيها الأصليّة وجعل معاني أخرى مكانها و..

ولايكون ضحيّة هذه الشكوك والشبهات إلّا أصحاب العقول التي لم يقم أصحابها بتنويرها وارتقاء مستوياتها.

ويشير التيجاني السماوي إلى هذه الحقيقة قائلاً:

( فقد يَلبس الباطلُ لباسَ الحقّ للتمويه والتضليل، وقد ينجح في أغلب الأحيان لبساطة عقول الناس أو لحسن ظنّهم به، وقد ينتصر الباطلُ أحياناً لوجود أنصار مؤيّدين له، فما على الحقّ إلّا الصبر وانتظار وعد اللَّه بأنّ يزهق الباطل، إنّ الباطل كان زهوقاً )(٢) .

ويشير ياسين المعيوف البدراني إلى هذا الأمر قائلاً:

( سيقع في الكثير من الشبهات - التي تغيّر المفاهيم الحقيقيّة لتحل محلّها مفاهيم مغلوطة تنمو في عقول البسطاء - الذين ينعقون عن جهل خلفَ كلّ ناعق ويميلون مع كلّ ريح )(٣) .

ولهذا ينبغي لكلّ انسان يودّ صيانة نفسه من التأثّر بالشكوك الهدّامة أن يوسّع دائرة معارفه بالأمور العقائديّة، ليتمكّن من الدفاع عن معتقداته، وليسعه التحصّن إزاء الوسائل التي يستخدمها المغرضون في زرع الشبهات في نفوس الآخرين، وليتمكّن

____________________

(١) هشام آل قطيط/ وقفة مع الدكتور البوطي في مسائلة: ٢٨.

(٢) محمد التيجاني السماوي/ الشيعة هم أهل السنّة: ١٢.

(٣) ياسين المعيوف البدراني/ ياليت قومي يعلمون: ٤٢.

١٧١

من إزالة الالتباس الذي قد يقع فيه على حين غفلة.

كما على الباحث فيما لو أراد ان يرتقي في مجال درء الشبهات وبيان بطلانها أن يقف على المصادر التي يستقي منها أصحاب الشبهات باطلهم وصناعتهم الجدليّة، ليتمكّن من دحض حجّتها وبيان تهافتها بأفضل صورة ممكنة.

مظلوميّة مذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام :

لايخفى على أحد انّ الشيعة شهدت من جميع النواحي التاريخيّة والفكريّة والاعتقاديّة الحملات المسعورة والهجمات القاسية من قبل السلطات الحاكمة ومَن تبعهم من وعّاظ السلاطين ومن لفّ حولهم.

وقد واجه التشيّع منذ نشأته المؤامرات الواسعة من أجل القضاء عليه، وقد سعت بعض السلطات الحاكمة - وعلى رأسها السلطات الأمويّة والعبّاسيّة - بكلّ ما أوتيت من قوّة إلى تحريف وتخريب أهم حصونه المنيعة وبنائه العقائدي.

ويشير التيجاني السماوي إلى هذا الأمر قائلاً:

( ومن العقائد التي يشنّع بها أهل السنّة على الشيعة ما هو من محض التّعب المقيت الذي أولده الأمويّون والعبّاسيّون في صدر الإسلام، بما كانوا يحقدون على الإمام علي ويبغضونه حتى لعنوه على المنابر أربعين عاماً )(١) .

ويشير عبد المنعم حسن أيضاً إلى هذه الحقيقة قائلاً:

( إنّ الشيعة ومنذ وفاة الرّسول‏صلى‌الله‌عليه‌وآله عاشوا في اضطهاد وتشريد وتقتيل من قبل السلطات الجائرة التي تعاقبت، وبعد واقعة كربلاء أصبح الشيعة وحدهم المناوئين للحكّام والمتصدّين لهموم الأمّة باعتبار أنّ أئمّتهم هم الحافظون للشريعة، لذلك

____________________

(٢) محمد التيجاني السماوي/ لأكون مع الصادقين: ٥٩.

١٧٢

كرّست الحكومات كل جهودها لضربهم )(١) .

ويذكر إدريس الحسيني هذا الأمر أيضاً بقوله:

( لقد نشأ التشيّع وترعرع في بيت النبوّة، وفي أهل بيت هم أهل بيتِ نبيّ الإسلام. وعاشوا معاً - الشيعة وأهل البيت - أعنف حالة، ظلّوا محاصرين ومصادَرين لا لشي‏ء إلّا لتصدّيهم المبكّر لكلّ تحريفيّة تسلّلت إلى الإسلام، وإلى كلّ سلطة حاربت دين اللَّه في الأرض )(٢) .

و يضيف هذا المستبصر:

( الشيعة قوم عاشوا المظلوميّة في مختلف أطوار التاريخ. لم يفرض عليهم العنف إلّا العنف الذي مارسه في حقّهم أعداء الأديان وأعداء الإنسانيّة )(٣) .

ويشير صباح علي البياتي إلى مظلوميّة أهل البيت ‏عليهم‌السلام وشيعتهم قائلاً:

( قال الإمام الباقرعليه‌السلام لبعض أصحابه: ( يا فلان، ما لقينا من ظلم قريش إيّانا وتظاهرهم علينا، ومالقي شيعتُنا ومحبّونا من النّاس!

إنّ رسول الله عليه وآله قبض وقد أخبر انّا أولى الناس بالناس؛ فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه، واحتجّت على الأنصار بحقّنا وحجّتنا، ثمّ تداولتها قريش، واحداً بعد واحد، حتى رجعت إلينا، فنكثت بيعتَنا ونصبت الحربَ لنا

ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتى‏ قُتل، فبويع الحسنُ ابنه وعوهد ثمّ غُدر به وأسلم وثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه ونهبت عسكره,وعولجت خلاخيل أمّهات أولاده، فوادع معاوية وحقن دمه ودماء أهل بيته وهم قليل حقّ قليل

ثمّ بايع الحسين ‏عليه‌السلام من أهل العراق عشرون ألفاً، ثمّ غدروا به وخرجوا عليه

____________________

(١) عبد المنعم حسن/ بنور فاطمة اهتديت: ٢١٦.

(٢) إدريس الحسيني/ هكذا عرفت الشيعة: ١٣.

(٣) المصدر السابق.

١٧٣

وبيعته في أعناقهم وقتلوه، ثم لم نزل - أهل البيت - نُستذل ونستضام ونقصى ونمتهن ونحرم ونقتل ونُخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا

ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقرّبون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمّال السوء في كل بلدة، فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، و رَوَوا عنّا ما لم نَقله وما لم نَفعَله ليبغّضونا إلى النّاس، وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن‏عليه‌السلام ، فقُتِلَت شيعتُنا بكلّ بلدة وقُطِعت الأيدي والأرجل على الظنّة، وكان من يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن أو نُهب مالُه أو هُدمت دارُه

ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان عبيد اللَّه بن زياد قاتل الحسين ‏عليه‌السلام ، ثمّ جاء الحجّاج فقتلهم كل قتلة، وأخذهم بكل ظنّة وتهمة، حتى أنّ الرجل ليقال له: زنديق أو كافر أحَبُّ إليه من أن يُقال شيعة عليّ، وحتى صار الرجل الذي يُذكر بالخير - ولعلّه يكون ورعاً صدوقاً - يحدّث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة، ولم يخلق اللَّه تعالى شيئاً منها ولا وقعت وهو يحسب أنّها حقّ لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ولا بقلّة ورع ))(١) .

هكذا كان حال الشيعة في زمن بني أميّة - كما وصفه الإمام الباقرعليه‌السلام - ثمّ جاء دور العبّاسيين الّذين كانوا أشدّ وطأة على أهل البيت وشيعتهم من أسلافهم الأمويّين، وكتب التاريخ ممتلئة بتلك الحوادث المفجعة، ومن أراد التفصيل فعليه بكتاب مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الإصفهاني.

ثمّ جاء العثمانيّون ليكمّلوا المسيرة الظالمة، إذ كان السلطان سليم - كما يحدّثنا السيّد أسد حيدر - شديد التعصّب على أهل الشيعة، ولا سيّما أنّه كان في تلك الأيّام قد انتشرت بين رعاياه تعاليم شيعيّة تنافي مذهب أهل السنّة، وكان قد تمسّك بها

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ١١/ ٤٣-٤٤.

١٧٤

جماعة من الأهالي، فأمر السلطان سليم بقتل كل من يدخل في هذه الشيعة، فقتلوا نحو أربعينَ ألف رجل، وأخرج فتوى شيخ الإسلام بأنّه يؤجَر على قتل الشيعة وإشهار الحرب ضدّهم(١) .

كما ذكر الشيخ المظفّر رحمه اللَّه بعض فضائع العثمانيّين تجاه الشيعة، ومنها ما حدث في مدينة حلب، حيث أفتى الشيخ نوح الحنفي في كفر الشيعة واستباحة دمائهم وأموالهم، تابوا أو لم يتوبوا !! فزحفوا على شيعة حلب وأبادو منهم أربعين ألفاً أو يزيدون، وانتهبت أموالُهم وأخرج الباقون منهم من ديارهم...(٢) .

أمّا المذابح التي ارتكبت بحقّ الشيعة، وما أريق من دمائهم وما انتهب من أموالهم، وما تعرّض له مشاهدهم المقدّسة من تخريب على أيدي الوهّابيّين بفتوى شيخهم محمّد بن عبد الوهّاب، فحدّث ولا حرج، استكمالاً للمخطّط الذي بدأه معاوية في تصفية آثار النبوّة والقضاء على سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من خلال تصفية أتباعه المتمسّكين بسنّته )(١) .

ويضيف هذا المستبصر:

( الشيعة قوم عاشوا المظلوميّة في مختلف أطوار التاريخ، لم يفرض عليهم العنف إلّا العنف الذي مارسه في حقّهم وأعداء الأديان وأعداء الإنسانيّة )(٢) .

وهذه السلطات رغم استخدامها كافّة وسائل إعلامها وممارستها الإرهاب ومبادرتها إلى قتل وتشريد أتباع مذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام ، ورغم ما بذلته من ثروة لشراء بعض الضمائر واستئجار الأقلام من أجل إخفاء معالم هذا المذهب، وإن استطاعت أن تبعد الكثير من أبناء الأمّة عن قادتهم الحقيقيّين من أهل البيت ‏عليهم‌السلام بحيث ذهب الكثير ضحيّة الأقلام التي حاولت أن توسّع الفجوة بين أبناء الأمّة وبين معرفة أئمّتهم

____________________

(١) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: ١/٢٤٤، عن مصباح الساري ونزهة القاري: ١٢٣-١٢٤.

(٢) تاريخ الشيعة: ١٤٧، التقيّة في فقه أهل البيت: ١/٥١.

(٣) صباح علي البياتي / لاتخونو اللَّه والرسول: ١٥٤

(٤) المصدر السابق.

١٧٥

من أهل البيت ‏عليهم‌السلام ، ولكنّها لم تستطع أن تغيّر مسار كلّ الأمّة عن دربها الأصيل الذي ابتدأه رسول البيت ‏عليهم الله عليه وآله وأكمله الأئمّة من اهل البيت ‏عليهم‌السلام .

ولهذا يقول التيجاني السماوي:

( وبالرغم من كلّ ذلك سيبقى صوت الحقّ مدوياً وسط الضوضاء المزعجة، ويبقى بصيص النور مضيئاً وسط الظلام الدّامس، لأن وعد اللَّه حق ولابد لوعده من نفاذ، قال تعالى:( يُريدُونَ ليُطفِئُوا نُورَ اللَّهِ بأفواهِهِم واللَّهُ مُتِمُّ نورِهِ ولَو كَرهَ الكَافِرونَ ) (١) )(٢) .

ويشير محمد علي المتوكّل إلى صمود التشيّع بوجه الحملات التي شُنّت عليه:

( إنّ التشيّع - بما هو جوهر الدّين - قد صمد عبر التاريخ في وجه أعنف حملات الطمس والتشويه، واستعصى على كل المؤامرات التي استهدفته منذ وفاة النبي وإلى الآن.

وهو المذهب الوحيد الذي ظلّ أمره في ازدياد، لما يستبطن من حق، ولتمسّك أهله، ولقدرته على مواكبة العصر والوفاء بمتطلّبات الزمن، بينما اندثر غيره من المذاهب أو كاد، حتى المذاهب الأربعة لم يعد التمسّك بها إلّا تقليديّاً وشكليّاً ولم تعد قادرة على الوقوف أمام دعاوي التجديد الفقهي وفتح أبواب الاجتهاد التي تنطلق من هنا وهناك )(٣) .

ويذكر ياسين المعيوف البدراني:

( إنّنا ننظر إلى حالة الشيعة فنعجب ونذهل لما لاقوه من الاضطهاد في العهدين الأسودين ولقرون عدّة.

وتصيبنا الحيرة في أنّهم - أيّ الشيعة - كيف تمكّنوا برغم كل ذلك الاضطهاد أن يحافظوا على علمهم ومناهجهم وسيرتهم ورسالتهم واستمروا يحملون لواء الجهاد

____________________

(١) الصفّ: ٨.

(٢) محمد التيجاني السماوي/ فاسألوا أهل الذّكر: ٦.

(٣) محمّد علي المتوكّل/ ودخلنا التشيّع سجّداً: ٦٠.

١٧٦

ضدّ كل الحكّام المنحرفين والظالمين لشعوبهم متبعين العقيدة الصحيحة التي استقوها من منهلها الأول منهل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل البيت ‏عليهم‌السلام متمسّكين بها بكلّ القوّة والإيمان والثبات.

ذلك لأنّها امتزجت عندهم مع الدم واللحم امتزاج الإيمان مع النفس المؤمنة.

كما وأنّهم (أهل البيت) لم يقفوا عند حدود التقليد والقول باللسان على عواهنه، بل كان دأبهم في الليل والنهار أن ينشروا علومهم وأن يبثوا الروح الثوريّة روح رسالة الإسلام في نفوس المستضعفين، وما تزال آثار هذه الدعوة تستعر بلهيب الحق حتى يومنا هذا )(١) .

إثارة الشبهات ضدّ مذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام :

في ظلّ هكذا أجواء إرهابيّة ضد مذهب التشيّع من قبل السلطات الحاكمة، نشأت فئات متلبسة بالعلم لا تريد للتشيّع إلّا الوقيعة والشرّ، ولا تريد للشيعة إلّا الوهن والضعف، فغمست أقلامها في دواة الأوهام والآثام، ثمّ بادرت في كتاباتها إلى حملة تشويهيّة ضد مذهب التشيّع من أجل النيل من عقائده والتشكيك بصحّته وعرضه بصورة مزيّفة والصاق التهم والافتراءات به وطمس محاسنه والتشهير به وتصويره كأنّه المعول الهادم لكيان الإسلام!

ولم يستحي هؤلاء من باطلهم، فكذّبوا باسم البحث المحايد، واختلقوا ولفّقوا من أجل أغراضهم الدنيئة، وحاولوا عبر تخطيطهم المدروس والمُبَرمج أن يخرجوا التشيّع من حظيرة الإسلام وأن يعطوه صفة لا تلتقي مع الإسلام.

ويقول مروان خليفات حول إحدى الطرق التي استخدمها هؤلاء للإطاحة بالكيان الشيعي:

____________________

(١) ياسين المعيوف البدراني/ ياليت قومي يعلمون: ١٦٨.

١٧٧

( من العوامل التي ساعدت على تكوين هذه الصورة المشوّهة عن الشيعة، هو خلط كثير من المؤرّخين والكتّاب بين الجعفريّة وغيرها من الفرق...

[و] يقول علي عبد الواحد وافي - من علماء أهل السنّة - [في كتابه بين الشيعة وأهل السنّة:١١]: ( انّ كثيراً من مؤلّفينا، بل من كبارهم، أنفسهم قد خلط بين الشيعة الجعفريّة وغيرها من فِرق الشيعة، فنسب إلى الجعفريّة عقائد وآراء ليست من عقائدهم ولا من آرائهم في شي‏ء، وإنّما ذهبت اليها فرق أخرى من فرق الشيعة ) )(١) .

ويقول أسعد وحيد القاسم في هذا الخصوص:

( ما اندرج تحت اسم الشيعة من طوائف تقول بألوهيّة عليّ أو نبوّته أو غير ذلك من الطوائف. فإنّ الشيعة منها براء.

فلماذا يصرّ البعض على اعتبار هذه الطوائف من الشيعة؟

ولماذا يقومون بإشاعة هذه الترهات وغيرها مضلّلين بها عوام المسلمين وجهّالهم؟

ولماذا هذا التزوير الشائن في تاريخ المسلمين ودينهم الحنيف؟ )(٢) .

وكان أثر هذا التحريف القديم على الأجيال التي جاءت بعدها أنّها ورثت هذه الأفكار الخاطئة والمشوّهة حول عقائد وحقيقة الشيعة والتشيّع من أسلافها مع حسن الظن بهم، وقبلتها من غير تحقيق ولا تمحيص ولاتبصّر.

وساعدت الأجواء السياسيّة والتعصّبات الدينيّة على بقاء هذه المفاهيم، فتغلغلت هذه المفاهيم المغلوطة التي تكوّنت في عصور التخلّف الفكري والصراع الطائفي في نفوس الكثير من أبناء المجتمع.

ولهذا يقول عبد المحسن السراوي:

( إنّ كثيراً من كتّاب عصرنا لا يزالون يعيشون بعقليّة عصور الظلمة، تلك التي

____________________

(١) مروان خليفات/ وركبت السفينّة: ٦١٥.

(٢) أسعد وحيد القاسم/ حقيقة الشيعة الاثني عشريّة: ١٧.

١٧٨

استغلّ ظروفها المُندَسّون في صفوف المسلمين لنشر المفتريات وخلق الأكاذيب )(١) .

ويقول هذا المستبصر حول بعض الكتّاب المعاصرين الذين كتبوا حول الشيعة والتشيّع:

( اولئك الكتّاب قد جمدوا على عبارات سلف عاشوا في عصور الظلمة عصور التطاحن والتشاجر، فقلّدوهم بدون تفكير أو تمييز حتى أصبحت القضيّة خارجة عن نطاق الأبحاث العلميّة، وهي إلى المهاترات أقرب من المناقشات المنطقيّة )(٢) .

ثمّ وقعت هذه الشبهات والافتراءات والهجمات الفكريّة ضدّ مذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام بيد فئات تُحرّكهم العواطف الآنيّة وتستفزّهم الانفعالات النفسيّة وتهيّجهم الشعارات المزيّفة وتتحكّم بهم الغوغائيّة، فاعترتهم حالة ردود أفعال عشوائيّة، فنفخوا في هذه الشبهات والافتراءات، و زادوا فيها ما شاء لهم هواهم أن يزيدوا، وحمّلوها أكثر ممّا تحمل، وأضافوا عليها من الأكاذيب ما يندى لها الجبين، بحيث يقول أسعد وحيد القاسم في هذا المجال:

( استنكرتُ هذه الحملة نظراً للطريقة البعيدة عن الأدب والموضوعيّة التي يصفون بها حقيقة الشيعة، والتي كنت ألاحظ أنّها تتّسم بالمبالغة والتهويل في أغلب الأحيان )(٣) .

ويصف عبد المنعم حسن مشاعره وموقفه قبل الاستبصار بعد استماعه إلى مجموعة من هذه الشبهات حول الشيعة من قبل أحد المشايخ الذين التقى بهم:

( أحسستُ بغثيان بسبب كذب هؤلاء القوم.

لقد قرأت بعض كتب الشيعة التي ألّفها كبار علمائهم ورأيت بعض الأخوة الشيعة، لم أقرأ أو أسمع ما قاله هذا الوهابي، ولا أدري كيف يدّعون نصرة الحقّ وهم يكذبون

____________________

(١) عبد المحسن السراوي/ القطوف الدانية في المسائل الثمانية: ١٦.

(٢) المصدر السابق.

(٣) أسعد وحيد القاسم/ حقيقة الشيعة الاثني عشريّة: ٨.

١٧٩

بل يبالغون فيه إلى حدّ يؤسف له.

صرخت في وجهه بلا وعي منّي: ألا يمكنك أن تنصر الحق الذي تدّعيه بدون أن تكذب وتفتري على القوم.

فارتبك متلعثماً: كيف تقول لي مثل هذا الكلام؟!

قلت: أنت الذي أجبرتني على ذلك، أنا قرأت للشيعة وجلست معهم، وأعرف جيّداً ما يقولون وما ذكرته لي بعيد عنهم كلّ البعد )(١) .

ثم قال عبد المنعم حسن له:

( إنّ مثل هذه التهم صارت قديمة لا يصدّقها أحد، والنّاس أكبر وعياً من أن تنطلي عليهم هذه الأكاذيب.

قال: يبدو أنّك منهم!

قلت: لست شيعيّاً ولو كنت فلا شي‏ء يمنعني من التّصريح بذلك، لكنّني الآن فقط عرفتكم، أنتم لا تستطيعون الدفاع عن باطلكم إلّا عن طريق الكذب )(٢) .

ويذكر هشام آل قطيط حول بعض هذه التهم الرخيصة قائلاً:

( إنّ أحد علمائنا في المنطقة كان يقول لي دائماً إيّاك ومجالسة الشيعي، وإيّاك ومحاورة الشيعي ( لا تحاور الشيعي ولو كان الجدال عن حقّ).

هؤلاء الشيعة قتلوا إمامنا الحسين ‏رضى الله عنه، ولحدّ الآن يبكون ويلطمون ويندبون هم ونساؤهم وأطفالهم نَدَماً وخوفاً عسى اللَّه أن يغفر لهم.

هؤلاء الشيعة يعتقدون بأنّ الرّسالة نزلت على علي (كرّم اللَّه وجهه) وتاه الوحي جبرائيل ونزل على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وغير ذلك.

يسجدون للحجر، ويسبّون الصحابة، ويعملون بالتقيّة بينهم سرّاً لايظهرونها لأحد

____________________

(١) عبد المنعم حسن/ بنور فاطمة اهتديت: ١٩٠-١٩١.

(٢) المصدر السابق: ١٩١.

١٨٠

وذبيحتهم محرّمة لا يجوز لنا أن نأكل منها )(١) .

ويقول هذا المستبصر أيضاً حول هذه الإشاعات:

( من الإشاعات التي كانت تؤثّر في نفسي وتقع حاجزاً بيني وبين قراءة كتب الشيعة هو أنّ الشيعة يقولون في آخر الصلاة تاه الوحي جبرائيل ثلاث مرّات، وحتى سألت أكثر من عالم عندنا، فقال لي: إحذر هؤلاء الشيعة، فإنّهم يقولون في آخر الصلاة هذه العبارة المذكورة وأنّ الرسالة نزلت على عليّعليه‌السلام وتاه الوحي ونزل بها على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فعند البحث والتحقيق وجدت أنّ الشيعة بريئون من هذه الإشاعات والدعايات بحقّهم فوجدت أنّ الشيعة يقولون في آخر الصلاة ثلاث مرّات: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر )(٢) .

ويقول معتصم سيّد أحمد حول نشاط بعض المؤلّفين والكتّاب أنّهم:

( بذلوا قصارى جهدهم لتزييف الحقائق وتشويه مذهب أهل البيت، بشتى أساليب الدعاية ونشر الأكاذيب.

وقد نجح هؤلاء الكتّاب نجاحاً كبيراً في تعميق الجهل في نفوس أهل مذهبهم وتوسيع الفجوة بينهم وبين معرفة الحقيقة.

فصوّروا التشيّع بأبشع وأقبح ما يكون من الصور، من جراء ما نسجوه من خرافات وأوهام.

ولا أقول هذا مجرد افتراض، إنّما عايشت هذا الجهل مدّة من الزمن، وأحسست به أكثر عندما تفتّحت بصيرتي وأنار اللَّه قلبي بنور أهل البيت، فوجدت مجتمعي يركد في ركام من الجهل والافتراءات على الشيعة، فكلّما أسأل عن الشيعة سواء كان المسؤول عالماً او مثقّفاً كان يجيبني بسلسلة من الأكاذيب على الشيعة فيقول مثلا:إنّ الشيعة تدّعي أنّ الإمام عليعليه‌السلام هو الرّسول ولكن جبرائيل أخطأ وأنزل الرسالة على محمّد، أو أنّهم

____________________

(١) هشام آل قطيط/ ومن الحوار اكتشفت الحقيقة: ٢٢-٢٣.

(٢) المصدر السابق: ٢٥٥.

١٨١

يعبدون الإمام عليّاً... وغيرها من الأكاذيب التي لا تمت إلى الواقع بصلة )(١) .

ويضيف معتصم سيّد أحمد:

( إنّ هذا الجهل بالتشيّع، الذي تعيشه مجموعة كبيرة من الأمّة الإسلاميّة ، كان نتاجاً طبيعيّاً لمجهود هؤلاء الكتّاب، لفرض الجهل المطبق على أبناء هذه الأمة لكي لا يتعرّفوا على مذهب التشيّع.

وهذا هو المخطّط الذي بدأ قديماً ليتمّ مسيرته إلى اليوم، فتجد مئات من الكتب المسمومة ضدّ الشيعة في متناول يد الجميع، هذا إذا لم تكن توّزع مجّاناً من قبل الوهّابيّة، ويفترض في هذا الجو المشحون ضدّ الشيعة أن يسمح للكتاب الشيعي بالانتشار، حتى تكون المعادلة متكافئة، وهذا ما لم يحصل، فهذه هي المكتبات الإسلاميّة يكاد يندر فيها الكتاب الشيعي بخلاف المكتبات الشيعيّة سواء كانت تجاريّة أو في المعاهد العلميّة فهي لا تخلوا من كتب ومصادر السنّة بجميع خطوطها و اتّجاهاتها.

وقد لاحظت اختلاف المنهجيّة بين النوعين من الكتب، فتجد كتب الشيعة تهدف إلى تأصيل وإثبات صحّة مذهبها بالأدلّة والبراهين اعتماداً على مصادر ومراجع أهل السنّة، من غير أن تتهجّم على المذاهب الأخرى.

أمّا الكتب التي تحاول الردّ على الشيعة فإنّها تهدف من الأساس ضرب المذهب الشيعي بأي طريقة كانت حتى ولو كانت بالتهم والافتراءات )(٢) .

ويقول إدريس الحسيني حول تجربته في هذا المجال:

( وكنّا دائماً نعتقد أنّ المسلمين، مهما اختلفت طرائقهم، لا يكذبون، وربّما حملنا جهالاتهم على الاشتباه، وربّما حملناها على سبعين محمل وإن كانوا يحملون أفكاراً

____________________

(١) معتصم سيّد أحمد/ الحقيقة الضائعة: ١٩٩.

(٢) المصدر السابق: ٢٠٠-٢٠١.

١٨٢

إلّا على محمل واحد.. فإنّنا بذلك سنحافظ على آدابنا الإسلاميّة وموضوعيّة النقد. وليكن ما يكون عليه هذا الطرف أو ذاك فكلّ إناء ينضح بما فيه.

غير أنّ الواقع الذي انتيهت إليه، يعاكسني ذلك الاعتقاد، فكثير منهم كان تحامله فيه تساهل مع الأكاذيب التي تحاك ضد الإماميّة، حتى وإنّهم ليعلمون أنّها محض أراجيف، منسوبة إلى تلك الطائفة ظلماً وعدواناً.

لقد كتب كثير منهم في الاتّجاه نفسه، والمعطيات نفسها، وتكاثرت كتبهم التي هي إحياء مكرور لتراث النصب والتحامل على طائفة طالما استضعفوها ولفّقوا حولها أجود الأكاذيب.

ويستنتج من حركتهم هذه، أنّهم على جانب كبير من الجهل بالتاريخ الإسلامي وبمذهب الإماميّة، ذلك الجهل الناتج عن سرعتهم في إصدار الأحكام، وفي نواياهم القبيحة في قراءة التراث الإمامي، قراءة تهدف إلى تجميع عناصر لخلق صورةً ملفقة من أجل التعريض بهم لااستيعاب أفكارهم.

وهذا المنهج يختلف اختلافاً جذريّاً، عمّن تواضع للحقيقة، واتّقى اللَّه في البحث عنها.

ومن دون أن نزكّي أنفسنا على أحد يجدر بنا القول:

أنّنا نحن الذين اطّلعنا على هذه المدرسة، اطلاعاً كبيراً، وتربّعنا أمام علمائها لنستمع اليهم، جنباً إلى جنب مع أبناء الطائفة ونهلنا من علومهم، لم نشعر بتلك الخلفيّات التي ذكرها رواد اتّجاه التفريق.

لقد اطّلعنا على تراث الجماعة والتزمنا مبادئه فترة ليست بالقصيرة، واستنشقنا الكيمياء السنّي، استنشاقاً حسناً، وبتنا نعلم خفايا المذهبين )(١) .

ويقول إدريس الحسيني حول إحدى الافتراءات التي الصقت بالشيعة:

( خلال فترة طويلة، ارتبط التشيّع بالعنف والإرهاب، وما شابه ذلك من النعوت

____________________

(١) إدريس الحسيني/ هكذا عرفت الشيعة: ٨.

١٨٣

التي تحجب الوجه الآخر المشرق له وهو وجه السلام والحوار والتعايش.

لقد ارتبط عنوان التشيّع بالعنف في الحقب التاريخيّة السابقة، وفي إطار زمني معيّن، فلقد سلك الكثير من الخلفاء في حقّ هذه الطائفة نهجاً ظالماً، مع أنّ الوجه الحضاري المشرق للإسلام، لايكاد يذكر دون ان يرتبط بوجوه شيعيّة على شتى المستويات، في الفكر والأدب والعلوم )(١) .

ويضيف هذا المستبصر:

( ولو تأمّلنا التاريخ على نحو أعمق من المألوف، لرأينا حقّاً أنّ الشيعة أكثر الفرق الإسلاميّة حبّاً للحوار والسلام والتعايش، إذ من المفترض من المظلوم إذا تمكّن من أسباب القوّة أن يعيث فساداً في الأرض، وأن يقيم مجازر ضد العدوّ والصديق لايفرّق في ذلك بين ناقة وجمل، فشأن المظلوم إذا تمكّن من أسباب الانتقام أن لايرحم.

وهذا مالم يفعله الشيعة في مختلف الأطوار التاريخيّة، حيث تمكّنوا من إقامة دول و وجدوا فرصاً وإغراءات جمّة، لكنّهم ثبتوا على المبدأ )(٢) .

ثمّ يقول إدريس الحسيني:

( وقد أصبح شعاراً مقروءاً ومحفوظاً لدى كلّ الشيعة، بأنّ الإنسان إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، وهو من كلام الإمام عليعليه‌السلام لليهودي الذي صاحبه في طريقه إلى الكوفة.

إنّ سيرة الأئمّة وتعاليمهم لشيعتهم، تعتبر تراثاً أخلاقيّاً نادراً في تاريخ البشر، و وسيلة للتعايش والحوار مع كلّ الملل والأديان )(٣) .

ثم يؤكّد هذا المستبصر قائلاً:

( لم يكن التشيّع يوماً نهجاً في الإرهاب، ولا مأوى للتآمر، ولا فكراً مغذّياً

____________________

(١) المصدر السابق: ٢٠٩.

(٢) المصدر السابق: ٢١١.

(٣) المصدر السابق: ٢١٦.

١٨٤

للمراهقة السياسيّة وعنف المجرمين وعبث العابثين )(١) .

ويقول ياسين المعيوف البدراني حول هذا الأمر:

( نحن في مواجهة مشكلة كبرى يقف التاريخ أمامها ملجماً وتختفي فيها الحقيقة خلف ركام من الأتربة والأحجار وسيل من الادّعاءات الكاذبة والأقوال الفارغة فتلتوي الطرق الموصولة اليها ولا تعالج قضيّتها بدراسة علميّة ليبدو جوهر المسألة واضحاً ولتظهر الحقيقة كما هي للعيان.

واحدةٌ من كبريّات المشاكل التي عملت على هدم وحدة المسلمين، وهي أنّ الكثير من المؤرّخين أولعوا بذمّ الشيعة ونسبوا اليهم الكثير من الأشياء الباطلة دون تثبّت وتمحيص ودون أيّ وازع ديني أو رادع وجداني )(٢) .

ويقول التيجاني السماوي حول الأثر الذي يتركه الأسلوب غير الموضوعي في مواجهة التشيّع:

( ولكنّ الباحث المنصف عندما يقف على شي‏ء من هذا التحريف والتزييف يزداد عنهم بعداً ويعرف بلا شك أنّهم لا حجّة لديهم غير التضليل والدسّ وتقليب الحقائق بأي ثمن.

ولقد استأجروا كتّاباً كثيرين وأغدقوا عليهم الأموال كما أغدقوا عليهم الألقاب والشهادات الجامعيّة المزيّفة ليكتبوا لهم ما يريدون من الكتب والمقالات التي تشتم الشيعة وتكفّرهم... )(٣) .

وعموماً فمن هنا تبلورت حول معتقدات الإماميّة صور كالحة ليس لها أساس من الصحّة حتى فقد الكثير وضوحَ الرؤية إلى مذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام ، والتبست عليهم السبل، واضطربت عندهم الموازين، وأصبح أمر تمييز الحقّ عن الباطل يتطلّب الكثير

____________________

(١) المصدر السابق: ٢١٧.

(٢) ياسين المعيوف البدراني/ ياليت قومي يعلمونَ: ٧٦.

(٣) محمد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: ١٤٩.

١٨٥

من الجهد والعناء.

وفي هكذا أجواء، وفي ظلّ هكذا افتراءات أصبح التشيّع نبزاً و وصمة عار لمن ينتمي إليه في معتقده ومسلكه، وأصبح ديدن عامّة الناس أنّها لا تمرّ على ذكر التشيّع إلّا وتلصق به أوصاف الذم والألقاب المستكرهة.

وبلغ الأمر إلى درجة بحيث غدى الكثير من أهل السنّة لا يرغبون في سماع كلام الشيعة نتيجة تأثّرهم بدعاة السوء.

ولهذا يقول التيجاني السماوي حول حواره مع الأستاذ منعم - أحد الأساتذة العراقيّين - عندما التقى به قبل استبصاره في الباخرة المصريّة التي كانت تذهب من الإسكندريّة إلى بيروت:

( وإذا بالأستاذ العراقي يبتسم ويقول لي: أنّه هو الآخر شيعي. فاضطربت لهذا النبأ وقلت غير مبال: لو كنت أعلم أنّك شيعي لما تكلّمت معك.

قال: ولماذا؟

قلت: لأنّكم غير مسلمين، فأنتم تعبدون علي بن أبي طالب والمعتدلون منكم يعبدون اللَّه، ولكنّهم لا يؤمنون برسالة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويشتمون جبرائيل ويقولون بأنّه خان الأمانة، فبدلاً من أداء الرسالة إلى علي أدّاها إلى محمّد.

واسترسلت في مثل هذه الأحاديث بينما كان مرافقي يبتسم حيناً ويُحوقل أحياناً.

ولمّا أنهيت كلامي سألني من جديد:

أنت أستاذ تدرّس الطلّاب؟

قلت: نعم.

قال: إذا كان تفكير الأستاذ بهذا الشكل فلا لوم على عامّة الناس الذين لا ثقافة لهم )(١) .

وأشار إدريس الحسيني إلى هذه الحقيقة قائلاً:

____________________

(١) محمد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: ٢٩.

١٨٦

( إنّ الرّافضة ظلّت ولا زالت هي عنوان كل معتصم بولاية الأئمّة الطاهرين من أهل البيت، وكان التشيّع ولا يزال تهمة مسقطة للسمعة.

ففي الماضي المتخلّف كانت تهمة التشيّع تعني الجريمة التي لا حدّ فيها غير الإعدام في دولة خلفاء بني أميّة والعبّاس )(١) .

ويقول هذا المستبصر أيضاً:

( فأنا السنّي المنشأ، لم أكن أجد في بيئتنا ما يعرف بالشيعة، تعريفاً حقيقا، وكل مذهب من مذاهب الدنيا، نستطيع الإحاطة به في بيئتنا سوى (الشيعة) فإنّ حصار الوهّابيّة عليهم أقوى من (جدار برلين).

نعم، قد كنّا نعلم أنّ الشيعة أصحاب طريقة غريبة عن كلّ البشر، وأنّ إشكالهم ربما لها - أيضاً - بعض الخصوصيّات، وأن يكون تصوّر الناس للشيعة على أنّهم أصحاب أذناب البقر - كما أشار آل كاشف الغطاء - ليس مبالغة منه، وحال الأمّة كذلك، لقد تعجب الشامي، وهو يسمع أنّ عليّاًعليه‌السلام قُتل بالمحراب، فقال: ( أَوَ عليٌ يُصلّي)؟!

وقد ذكر صاحب العقد الفريد في باب كتاب الياقوتة في العلم والأدب: قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ:

أخبرني رجل من رؤساء التجّار قال: كان معنا في السفينة شيخ شرس الأخلاق، طويل الإطراق، وكان إذا ذكر له الشيعة غضب وأربد وجهه وروى من حاجبيه.

فقلت له يوماً: يرحمك اللَّه، ماالذي تكرهه من الشيعة، فإنّي رأيتك إذا ذكروا غضبت وقبضت؟

قال: ما أكره منهم إلّا هذه الشين في أوّل اسمهم، فإنّي لم اجدها قط إلّا في كلّ شرّ وشؤم وشيطان وشغب وشقاء وشنار وشرر وشَين وشوك وشكوى وشهوة وشتم وشحّ.

قال أبو عثمان: فما ثبت لشيعي بعدها قائمة.

____________________

(١) إدريس الحسيني/ الخلافة المغتصبة: ١٢.

١٨٧

هكذا كان يفهم اعداء الشيعةِ الشيعةَ. وذلك لأنّهم يجهلون حقيقتهم. و قديماً قال الإمام عليعليه‌السلام (( الإنسان عدو ما جهل ))!

وإذا كرّسنا واقع التجهيل والتغييب، فلربّما - لاسامح اللَّه - ورد من يرى في (السين) السنّية: سوء وسم وسؤر وسحاق وسقم وسخط وسبّ وسقط وسخب وسرقة و... و...

وهذا التجهيل امتدّ اليوم ليأخذ أشكالاً مختلفة، كلّها تنظر إلى المسألة الشيعيّة بمنظار أسود!)(١) .

ويصف أحمد حسين يعقوب مشاعر صديقه صاحب العقليّة المنفتحة بالنسبة إلى التشيّع:

( قال صديقي: إنّك تعلم إنّني رجل من أهل السنّة، وقد ورثت هذا التصنيف وراثة.

وتعلم أيضاً أنّني رجل منفتح الذهن والعقل، وقد اطّلعت على الخطوط العريضة للفكرين: الرأسمالي التحريري والاشتراكي الشيوعي، وأحطت بنظرية الحكم في الإسلام حسب رأي أهل السنّة.

وتعلم كذلك انّني متسامح وديمقراطي أؤمن بالرأي والرأي المعارض، ويتّسع صدري لتعدّد الآراء، وتعدّد الرّسالات، فيمكنني التعايش مع المسلمين واليهود والنّصارى والمجوس وأتباع الأحزاب الدينيّة والقوميّة وحتى الشيوعيّة، ولا أشعر بالغرابة لهذا التعدّد الهائل في المجتمع نفسه، ولا ينتابني أيّ إحساس بالتعصّب.

وبالرّغم من سعة صدري وديمقراطيّتي وتسامحي إلّا أنّ مجرّد ذكر كلمة (شيعة) كافٍ لإثارة استغرابي وحنقي ونفوري، حتى لكأنّني مسكون في (لا شعوري) بكراهيّة الشيعة والتشيّع! )(٢) .

ويقول إدريس الحسيني حول مشاعره بالنسبة للشيعة عندما كان سنّيّاً:

____________________

(١) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ٢٣-٢٤.

(٢) أحمد حسين يعقوب/ مساحة للحوار من أجل الوفاق ومعرفة الحقيقة: ٧.

١٨٨

( ما كنت أتصوّر انّ الشيعة مسلمون! فكانت تختلط عندي المسألة الشيعيّة بالمسألة البوذيّة أوالسيخيّة.

والوضع (السنّي) لا يجد حرجاً في أن يملي علينا ذلك، ولا يستحي من اللَّه ولا من التاريخ ليغذّي نزعة التجهيل والتمويه.

انّه كان يكرّس هذه النظرة لدى الأفراد ولا يصحح مغالطاتهم )(١) .

ويقول التيجاني السماوي حول هذا الأمر:

( فلا غرابة أن يشتموا كل من تشيّع له ويرموه بكل عار وشنار حتى وصل الأمر بهم أن يقال لأحد يهودي أحبّ إليه من أن يقال له شيعي.

ودأب أتباعهم على ذلك في كل عصر ومصر وأصبح الشيعي مسبّة عند أهل السنّة والجماعة لأنّه يخالفهم في معتقداتهم وخارج عن الجماعة، فهم يقذفونه بما شاؤوا ويرمونه بكلّ التهم وينبزونه بشتى الألقاب، ويخالفونه في كلّ أقواله وأفعاله )(٢) .

ويقول التيجاني السماوي حول الأسباب الأساسيّة لإنكار أهل السنّة للشيعة:

( فإذا أنكر هؤلاء السنّة على معتقدات الشيعة وأقوالهم فهو لسببين:

أوّلاً: العداء الذي أجّج ناره حكّام بني أميّة بالأكاذيب والدعايات واختلاق‏الروايات المزوّرة.

وثانياً: لأنّ معتقدات الشيعة تتنافى وما ذهبوا إليه من تأييد الخلفاءوتصحيح أخطائهم واجتهاداتهم مقابل النصوص خصوصاً حكّام بني اميّة وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان.

ومن هنا يجد الباحث المتتبّع أنّ الخلاف بين الشيعة وأهل السنّة نشأ يوم السّقيفة، وتفاقم، وكل خلاف جاء بعده فهو عيالٌ عليه، وأكبر دليل على ذلك أنّ العقائد التي يشنّع أهل السنّة على إخوانهم من الشيعة، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بموضوع الخلافة

____________________

(١) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ٥٨.

(٢) محمّد التيجاني السماوي/ مع الصادقين: ١٥٩.

١٨٩

وتتفرّع منه، كعدد الأئمّة والنّص على الإمام، والعصمة، وعلم الأئمة، والبداء والتقيّة والمهدي المنتظر وغير ذلك.

ونحن إذا بحثنا في أقوال الطرفين مجرّدين عن العاطفة، فسوف لانجد بُعداً شاسعاً بين معتقداتهم، ولا نجد مبرّراً لهذا التهويل وهذا التشنيع، لأنّك عندما تقرأ كتب السنّة الذين يشتمون الشيعة يخيّل اليك بأنّ الشيعة ناقضوا الإسلام وخالفوه في مبادئه وتشريعه، وابتدعوا ديناً آخر.

بينما يجد الباحث المنصف في كلّ عقائد الشيعة أصلاً ثابتاً في القرآن والسنّة وحتى في كتب من يخالفهم في تلك العقائد ويشنّع بها عليهم )(١) .

ولهذا يقول ياسين المعيوف البدراني:

( انّ مهمّة من يكتب عن الشيعة وحقيقتها الشرعيّة هي أشد صعوبةً من مهمة الذي يكتب عن أيّ طائفة أخرى من طوائف المسلمين، وذلك لوجود عوامل وعقبات تحتاج إلى دقّة في المعرفة ثمّ إلى إحاطة بالظروف التي أفرزتها تلك العوامل..

إنّ موقف الشيعة وأتباع أهل البيت موقفاً دينيّاً صحيحاً صلباً أمام السلطان ومؤازريه منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، وهو الدافع الوحيد إلى إلصاق التهم المختلفة بهم، فقالوا فيهم عيوباً أو شبهات هم منها براء )(٢) .

ويضيف هذا المستبصر قائلاً:

( وقد سمعنا من العلماء الكبار عند إخواننا السنّة أنّ الشيعة أهل خرافات وخلافات وبدع وتعصّب؛ وهذا ما غرسوه باطلاً في عقول الأجيال المسلمة متّخذين من الشيعة موقفاً معادياً بغير الحقّ، وانّ إيضاح هذه القضيّة يحتاج إلى نظرة شاملة مرنة تتحرّك مع الضمير الوجداني وتتحرى الحقيقة )(٣) .

____________________

(١) المصدر السابق: ١٦٢-١٦٣.

(٢) ياسين المعيوف البدراني/ ياليت قومي يعلمون: ٩٥.

(٣) المصدر السابق.

١٩٠

موقف علماء الشيعة إزاء هذه الشبهات:

إنّ علماء ومفكّري الشيعة أدركوا على مرّ العصور عظمة المسؤوليّة الملقاة على عاتقهم وضخامة الجهد الذي ينبغي بذله من أجل إعادة الصورة الحقيقيّة للتشيّع في أذهان النّاس.

فلهذا بذل الكثير منهم قصارى جهدهم في هذا المجال، وكان لجملة منهم مواقف جبّارة إزاء الحملات المسعورة التي شنّها المخالفون على التشيّع، بحيث أنّهم جعلوا أنفسهم درعاً حصيناً لحماية تعاليم عترة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من أجل صيانتها من كلّ ما يشينها.

وقد قام هؤلاء العلماء خلال بحوثهم العلميّة الرّصينة وكتاباتهم المنطقيّة الشاملة بدرء الشبهات ودحض الافتراءات وتفنيد الادّعاءات وتصحيح الأوهام وإماطة اللثام عن المفاهيم الخاطئة التي كوّنتها الظروف السياسيّة وعمّقتها الأقلام والألسن المأجورة والاتّجاهات المتعصّبة

وقد حاول علماء الشيعة أن يبيّنوا عقائدهم للجميع والإذاعة بها، فألّفوا الكتب وحاولوا نشرها إلى جميع ربوع العالم كي لا ينسب إليهم ما لا يقولون ولا يعتقدون به.

واجتهد هؤلاء العلماء والمفكّرين أن يشبعوا ذلك استدلالاً وبرهاناً من الكتاب والسنّة بنصوص لا تقبل الشك والتأويل، ليستند اليها طلّاب الحقيقة الذين يرغبون في التعرّف على معتقدات الشيعة.

وإلّا فليس من الإنصاف أن يحكم الإنسان على مذهب بما يتلقّاه من أفواه خصومه أو ما يقرأه في كتب مخالفيه، ولا سيّما إذا كان ذلك المحكوم مذهباً حاضراً في الساحة ومجاهراً بمبادئه وأفكاره ومعتقداته ومبينّاً لها في بطون كتبه المنتشرة في أكثر أنحاء العالم، ولهذا يقول مروان خليفات:

( من أراد أن يقوّم جماعة من خلال أقوال خصومهم، فإنّه حتماً سيخفق في

١٩١

نتائجه، وهذا هو الحال لأكثر مَن درسوا التشيّع )(١) .

ومن هنا تكون النتيجة التي يصل إليها الباحث حول التشيّع إذا تلقّى معلوماته من خصومهم مختلفةً عمّا إذا تعرّف على التشيّع من الشيعة أنفسهم.

وهذا ما حدث مع التيجاني السماوي حيث أنّه كان يكره الشيعة نتيجة تعرّفه عليهم من قبل مخالفيهم، ولكنّه بمجرّد الالتقاء بهم في العراق ونبذه للتعصّب، عرف أنّ الواقع على خلاف ما صوّره له البعض.

ويقول التيجاني السماوي حول ما خطر بباله في تلك الفترة حول الإشاعات التي كان متأثّراً بها:

( ولكن كيف أصدّق هذه الإشاعات وقد رأيت بعيني ما رأيت وسمعت بأذني ما سمعت وها قد مضى على وجودي بينهم أكثر من أسبوع ولم أرَ منهم ولم أسمع إلّا الكلام المنطقي الذي يدخل العقول بدون استئذان، بل قد استهوتني عباداتهم وصلاتهم ودعاؤهم وأخلاقهم واحترامهم لعلمائهم حتى تمنّيت أن أكون مثلهم )(٢) .

ومن هذا المنطلق ينبغي لكافّة الباحثين الذين يودّون التعرّف على مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام أن يقوموا بمعرفة التشيّع من كتبهم لا من كتب خصومهم.

ولا عذر لأحد في عالمنا المعاصر بأن يقول بأنّه غير قادر على معرفة التشيّع، لأنّ القدماء الذين عاشوا في ظلّ السلطات التي سلّت سيفها على الشيعة لهم أن يعتذروا بجهلهم في هذا المجال، ولكنّ أبناء اليوم لا يحقّ لهم هذا الاعتذار، لأنّ العصر الذي نحن فيه هو عصر قد أزيلت فيه الكثير من الحجب عن أوجه الحقائق بفضل ارتقاء التقنيّة في إيصال المعلومات.

____________________

(١) مروان خليفات/ وركبت السفينة: ٦١٤.

(٢) محمّد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: ٤١.

١٩٢

موانع الاستبصار:

إنّ العقيدة التي تتبلور في نفس الإنسان في مرحلة المراهقة تبقى عقيدة غير ناضجة ومحتاجة للوعي الذي يستمد وجوده من البحث والتحليل والاستقراء.

وتبقى هكذا عقيدة متزلزلة وغير محكمة تتلاعب بها الانفعالات النفسيّة وتؤثّر عليها الأجواء المحيطة بكلّ سهولة حتى يترعرع الفرد، ويصل إلى مرحلة النضج العقلي، فينمو وعيه وتتبلور في ذهنه أسئلة تبحث عن إجابات شافية وتعتريه شكوك في المعتقد الذي قد ورثه من البيئة التي عاش في كنفها، ومن هنا يتوجّه الفرد إلى البحث عن الحقيقة.

وهذا ما قام به المستبصرون حيث أنّهم توجّهوا من منطلق الوصول إلى العقيدة الواعية إلى البحث، وحاولوا من خلال التحليل الشمولي أن يتعرّفوا على معتقدات باقي المذاهب، ليتمكّنوا من إثراء رصيدهم المعرفي عن هذا الطريق.

ولكنّ المشكلة تكمن في أنّ الكثير من أهل السنّة - كما يشير المستبصرون إلى ذلك - يصلون خلال بحوثهم إلى أحقّية أتباع مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام و وجوب التمسّك بالثقلين كتاب اللَّه تعالى وعترة الرّسول‏صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكنّهم لا يجدون في ذلك الكفاية في تغيير انتمائهم المذهبي، لأنّهم يواجهون في هذه الحالة الكثير من العقبات التي تمنعهم من التحوّل المذهبي، ويشعرون أنّهم لا يستطيعون اجتياز مرحلة اعتناق الحقيقة من دون تخطّي هذه العقبات، والتي منها:

١٩٣

المانع الأوّل:

التقليد الأعمى‏

يستصعب الكثير من الناس مخالفة المفاهيم التي ورثوها من آبائهم وأسلافهم ولو تبيّن لهم الحق واضحاً كالشمس في رابعة النّهار.

وليس ذلك إلّا نتيجة الوقوع في أسر التقليد الأعمى في الانتماء المذهبي، لأنّ التقليد في العقائد يدفع الإنسان إلى تقديس الموروث، ويخلق العديد من الحواجز النفسيّة التي تمنع الباحث من النظر في أدلة انتمائه.

ولكنّ الواقع يفرض أن يتحدّى الباحث لجج الموروث، وأن يكسّر أغلاله، وأن يتمرّد على سننه في ضوء البراهين الساطعة والحجج القاطعة.

وعلى الباحث أن يعي بأنّ الآباء لو جانبوا الصواب أو اجتهدوا فأخطؤوا، وتبيّن لنا خطؤهم بالدليل والبرهان، فلا داعي لإتباع نهجهم والسير على خطاهم، بل علينا أن نتّبع الحق ولو كان ذلك مخالفاً لأفكارنا ومعتقداتنا الموروثة.

لأن الإنسان المقيّد بالعادات البالية والمتمسّك - من دون بصيرة - بما جاء به الآباء يكون صاحب فكر خامل ومستعبد لا يتمكّن من إعادة مجراه الطبيعي إلّا إذا أطلق نفسه من سلاسل الاستعباد وتحرّر من المحاكاة العمياء وتوجّه بنفسه إلى البحث والاستطلاع والدراسة وطلب العلم والمعرفة متّبعاً أفضل أساليب المنهج العلمي في تلقّي المعرفة.

كما أنّ الذين يعيشون في أسر التقليد الأعمى في أمر العقيدة، والذين يتلقّون العقيدة من موروث الآباء والأجداد بلا تدقيق ولا تمحيص، فإنّهم يحرمون عقولهم من الفهم، لأنّهم يفقدون بالتدريج القدرة على البحث والتساؤل والتمحيص، ويتعوّدون على الاقتباس من الغير دون عناء وفحص أو تدقيق، فلهذا تتضاءل قدرتهم في هذا المجال حتى تغدوا أنفسهم مهيأة ومستعدّة للميل مع كلّ ريح واتّباع كل ناعق في بيداء الضلالة.

١٩٤

ولهذا شنّ القرآن الكريم هجوماً عنيفاً على الذين يتشبّثون بالقيم والآراء والعقائد الموروثة رغم مخالفتها للعقل ومناقضتها للفطرة.

فقال تعالى:

( وإذا قيلَ لهُم اتّبعوُا ما أنزلَ اللَّهُ قالوُا بل نتَّبعُ ما ألفَينَا عليه آباءَنَا أَوَ لَو كان آباؤُهُم لا يَعقِلوُنَ شيئاً ولا يهتدونَ ) (١) .

( وإذا قيلَ لهُم تعَالوا إلى ما أَنزَلَ اللَّهُ وإلى الرَّسول قالوا حسبُنَا ما وَجَدنَا عليه آباءَنَا أَوَ لَو كان آباءُهُم لا يَعلَمونَ شيئاً ولا يَهتَدونَ ) (٢) .

( بَل قالُوا إنّا وجَدنَا آباءَنَا على أمّةٍ وإنّا على آثارِهِم مُهتَدوُنَ * وكذلك ما أَرسَلنَا من قَبلِك في قَريَةٍ من نَذيرٍ إلّا قالَ مُترَفوهَا إنّا وجَدنَا آباءَنَا على أمّة وإنا على آثارِهِم مُقتَدونَ ) (٣) .

وبيّن القرآن في مواضع عديدة بأنّ التقليد الأعمى للآباء كان من أهمّ أسباب إعراض الأمم السابقة عن اتّباع الحق، وأنّه كان من أكبر العوائق التي منعت الأمم من الاستجابة لوحي اللَّه تعالى، وقد ذكر الباري عزّ وجل أنّ أغلبيّة الذين لم يذعنوا للأنبياء كانت ذريعتهم في ذلك التمسّك بموروث الآباء.

وقد ورد في القرآن عن لسان هؤلاء أنّهم قالوا للأنبياء:

( قالوا حسبُنَا ما وَجَدنَا عليه آباءَنَا ) (٤) .

( قالوا أجِئتَنَا لتَلفِتَنَا عمَّا وجَدنَا عليه آباءَنا ) (٢٧٣) .

____________________

(١) البقرة: ١٧٠.

(٢) المائدة: ١٠٤.

(٣) الزحرف: ٢٢-٢٣.

(٣) المائدة: ١٠٤.

(٤) يونس: ٧٨.

١٩٥

( مَا هذا إلّا رجلٌ يريدُ أن يصدّكُم عمّا كان يعبُدُ آباؤُكُم ) (١) .

( أتنهانَا أنْ نعبُدَ ما يعبُدُ آباؤُنَا ) (٢) .

( إنّا وجدنَا آباءَنَا على أمّة وإنّا على آثارهِم مُقتَدُون ) (٣) .

وغير ذلك من الآيات المشيرة إلى هذا المعنى.

ولهذا كان الأنبياءعليهم‌السلام يعاتبون الذين يحملون هذا النمط من التفكير، وقد ورد في قول أحد الأنبياء لقومه انّه قال لهم:

( أوَ لَو جِئتُكُم بأَهدى‏ مِمّا وَجَدتم عليه آباءَكُم ) (٤) .

وقال تعالى:

( أوَ لَو كان آباؤُهُم لا يَعقِلونَ شيئاً ولا يَهتَدوُنَ ) (٥) .

فلهذا ينبغي أن يعي الباحث عن الحقيقة بأنّ أسلافه وإن كانوا شخصيّات معروفة ومرموقة، فانّ شهرتهم لا تصلح أن تكون دليلاً على سلامة رأيهم ما لم تتظافر الأدلّة الشافية على صحّته.

ويشير معتصم سيّد أحمد إلى هذه الحقيقة قائلاً:

( إنّ النظرة القدسيّة للعلماء السابقين والعظماء تدعو الإنسان إلى تقليدهم مطلقاً والاتّكال على أفكارهم، فالاستسلام لهذا التقليد مدعاة للانحراف عن الحق، فلم يجعل اللَّه عقولهم حجّة علينا، وإنّما عقل كل إنسان حجّة عليه، فلا يمنعنا احترامنا لهم من مناقشة أفكارهم والتدقيق فيها حتى لا ندخل في قوله تعالى:( وقالُوا ربّنا إنّا أطَعنَا

____________________

(١) سبأ: ٤٣.

(٢) هود: ٦٢.

(٣) الزخرف: ٢٢.

(٤) الزخرف: ٢٤.

(٥) البقرة: ١٧٠.

١٩٦

سادتَنا وكبراءَنا فأضلّونَا السّبيلا ) (١) )(٢) .

إذن، من حقّ الأبناء أن يطلبوا من آبائهم الدليل فيما يذهبون إليه، لأنّ التقليد لمجرّد حسن الظنّ بالآخرين بلا بيّنة ولا دليل ولا حجّة، يدفع الإنسان إلى الورود في موارد الهلكة، و الوقوع في مهاوي الردى، ويقود صاحبه إلى مسالك الغواية والضلال، ويصدّه عن اتّباع النور والهدى، فتكون نتيجته التخبّط في الدنيا والخسران والهلاك في الآخرة.

والجدير بالذكر أنّ الدعوة إلى تمحيص الموروث لا يعني ضرب خط البطلان على عقائد الآباء بصورة مطلقة، بل المراد هو أن يبادر الإنسان إلى حركة تصحيحيّة من أجل الوصول إلى قناعة عقليّة تجاه أصول دينه ومعتقداته المذهبيّة، وليكون الإنسان على بصيرة من أمر دينه، ولئلا يقع في الأخطاء التي وقع فيها من سبقه.

لأنّ التابع الذي يقلّد في العقائد من دون بصيرة سيقع تلقائيّاً في كل الأخطاء التي وقع فيها من قبله، ولا معذرة له عند اللَّه عزّ وجل، لأنّ العقائد هي من الشؤون التي لا يصح التقليد فيها.

ويشير ياسين المعيوف البدراني إلى هذه الحقيقة قائلاً:

( الإسلام لا يرى التقليد والتعبّد كافياً في ممارسة الأصول العقائديّة... بل إنّه يوجب على كل فرد البحث على صحّة هذه العقائد وبصورة مستقلّة بعيدة عن العاطفة والتقليد الأعمى‏ )(٣) .

ولهذا أخبر الباري عزّ وجل عن حسرة المقلّدين في الأمور العقائديّة يوم القيامة قائلاً:

( يَوْمَ تُقَلّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللّهَ وَأَطَعْنَا الرّسُولاَ* وَقَالُوا

____________________

(١) معتصم سيّد أحمد/ الحقيقة الضائعة: ٣٢.

(٢) الأحزاب: ٧.

(٣) ياسين المعيوف البدراني/ ياليت قومي يعلمون: ٤٨.

١٩٧

رَبّنَا إِنّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلّونَا السّبيلاَ* رَبّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيِنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ) (١) .

وقال تعالى أيضاً واصفاً حال هؤلاء يوم القيامة:

( وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلَى‏ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتّخَذْتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيلاً* يَا وَيْلَتَى‏ لَيْتَنِي لَمْ أَتّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلّنِي عَنِ الذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولا ) (٢) .

وقال تعالى:

( إذ تبرّأ الّذين اتُّبِعوا من الذين اتَّبعوا وَرأَوا العذابَ وتقطَّعت بِهِم الأسباب ) (٣)

وقال تعالى:

( وَقَالَ الّذِينَ اتّبَعُوا لَوْ أَنّ لَنَا كَرّةً فَنَتَبَرّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرّءُوا مِنّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النّارِ ) (٤) .

ويقول طارق زين العابدين حول عاقبة من سكنت نفوسهم للموروث من العقائد:

( وما يجدر الإشارة إليه أنّ الذين يُفجعون بالمصير السيئ والنهاية المشؤومة في تلك الحياة الأخرى هم الذين سكنت نفوسهم للموروث من العقائد، ظنّاً منهم أنّه الحقّ، وتلذّذت أنفسهم بنشوة الغفلة وهدأت النفس لها، ولِما أصابوه من هذه الحياة.

وهؤلاء إمّا أنّهم قد أطلقوا للنفس زمامها وحبلها على غاربها بالتهاون والتساهل في أمر الدين ونسيان الحياة الآخرة وعدم مراعاة أمرها بتصحيح اعتقاد أو أداء تكليف، أو أنّهم ركنوا إلى الأوهام في اعتقادهم وغاصوا في بحار التوهّم بحثاً عن اللؤلؤ، دون ان يتفطّنوا إلى أنّ اعتقاداً كهذا لا وجود له حتى يأتي باللؤلؤ النفيس،

____________________

(١) الأحزاب: ٦٦-٦٨.

(٢) الفرقان: ٢٧-٢٩.

(٣) البقرة: ١٦٦.

(٤) البقرة: ١٦٧.

١٩٨

فليس الوهم إلّا عدمٌ محض لا يوجد إلّا في الخيال.

أو أنّ هؤلاء قد استلقَوا في أحضان الظن في أمر العقيدة، وذاقوا بهذا يسيراً من مذاق الحقيقة بعد اختلاطها بقدر جمّ من الباطل، وهم في غمرة هذا المذاق الحلو الذي يتلمّظونه بين كمّ من المرارة ركنوا المذاق الباطل الذي خلطوه به ظنّاً منهم أن للحق مذاقاً كهذا، إذ أنّهم خلطوا عملاً صالحاً بآخر سيّئاً( إن يتّبعون إلّا الظنَّ وإنّ الظنَّ لا يُغني من الحقّ شيئاً ) (١) .

والذين يمحصّون اعتقادهم الدّيني ليبلغ حدّ اليقين أو قدراً من اليقين تضعُف نسبة الشك والظنّ فيه بصورة تجعل مقدار الشك لا يؤدّي وجوده إلى زوال الطمأنينة في الاعتقاد، فهؤلاء أقرب من غيرهم إلى النهج الذي رسمه النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله لكي يسير عليه الناس بل هؤلاء لا يعجزون عن التماس الأدلّة والحجج القويّة على اعتقادهم هذا من حيث موافقته لآيات القرآن وأحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومسلّمات العقل وفطريّاته، فهم في حقيقة الأمر يأنسون في اعتقادهم الممحّص هذا إلى التفسير السليم لنقاط الخلاف بينهم وبين الفرق الأخرى، تفسيراً يخلو من التكلّف الذي لا يُرتضى أبداً في مثل هذه المواقف، بل يقفون على أعتاب التفسير الحكيم لهذه النقاط الخلافيّة دون أن تتلجج النفوس الحرّة في قبوله ودون أن يخالفه القرآن أو الحديث أو مقتضيات العقل المتوازنة.

فهكذا يجب أن يكون الاعتقاد في المسائل الدينيّة الأصليّة، ولا يتأتّى ذلك ببذل الهِمَم في البحث والتحقيق... والتنائي عن العصبيّة والجاهليّة والتقليد الأعمى )(٢) .

وخلاصة المطلب هو أن الباحث الذي يودّ أن تأخذ الأدلّة العلميّة بيده فتنتشله من فهمه الخاطئ‏ ومبادئه الغير صحيحة، عليه أن يحرّر عقله من التقليد ليكون واقعيّاً في

____________________

(١) النجم: ٢٨.

(٢) طارق زين العابدين/ دعوة إلى سبيل المؤمنين: ١٧-١٨.

١٩٩

البحث عن الحقّ.

كما ينبغي لهكذا باحث أن يدرس الأمور بعقليّة نيّرة وبعيدة عن أيّة سلطة تمنعه من الاستقلال في النظر، ليصل إلى حقائق ناصعة ومعارف فاضلة وقناعات ناتجة من بحوث ودراسات واعية.

ولهذا يقول إدريس الحسيني:

( كان لديّ أخ أصغر منّي، يسألني باستمرار عن التشيّع، وكنت أقول له: أنت تعرف تقرأ، فعليك بالبحث الشخصي، وإذا أوقفك شي‏ءٌ، ساعدتك.. فأنا أضجر من أن أورّث للآخرين أفكاراً جاهزة. ولعلّه اليوم وصل! )(١) .

ويقول هشام آل قطيط في هذا المجال:

( والذي يريد أن يصل إلى الحق لابدّ من الوصول وإن طال الطريق.. لكن المشكلة.. أين تكمن؟.. تكمن في فرار الشخص الباحث عن الحقيقة من عبادة السادة والكبراء وتقديس الشخصيّات على حساب الدين.. وعن تقليد الأجداد والآباء.. ويتجرّد من كل موروث فكري، فإن تجرّد من كل ما ذكرت وتمسك بأدلّة القرآن والسنّة النبويّة والآثار الصحيحة المرويّة عن رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لابدّ أن يدرك الحق وينال مبتغاه الذي هو فيه منى كل طالب ورغبة كل راغب )(٢) .

____________________

(١) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين:عليه‌السلام ٣.

(٢) هشام آل قطيط/ ومن الحوار اكتشفت الحقيقة: ٣٢٢.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374