التحول المذهبي‏

التحول المذهبي‏15%

التحول المذهبي‏ مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 374

التحول المذهبي‏
  • البداية
  • السابق
  • 374 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135327 / تحميل: 6805
الحجم الحجم الحجم
التحول المذهبي‏

التحول المذهبي‏

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

( إيهاب ـ مصر ـ ١٥ سنة ـ طالب )

القائلون بحرمتها من أهل السنّة :

س : أنا لاعب شطرنج ، أصلّي وأصوم ، وأحبّ زملائي في اللعبة ، هل لعب أحدكم الشطرنج ليعرف مدى رقي تلك اللعبة؟ وأنّها لا يمكن أن تكون الرجز من الأوثان.

ج : إنّ الأحكام الشرعية لا يمكن إدراك العلل الواقعية لها ، وإنّ أغلبها تأتي غير معلّلة ، فلذلك لا يستطيع أحد أن يعترض على تلك الأحكام ، بل عليه التسليم لها.

والذي يمكن البحث فيه والنقاش هو : متابعة دليل الفقيه في استنباط الحكم الشرعي ، فإذا كان دليله فقط الآية القرآنية نوقش فيها ، وإن كان هناك دليل آخر من السنّة ، نوقش فيه أيضاً ، فلابدّ إذاً من فهم الأدلّة التي أدّت بالفقهاء للقول بحرمة الشطرنج.

وكما ذكرنا سابقاً ، فإنّ الذي شرح مراد الآية القرآنية هي الروايات الواردة عن المعصومينعليهم‌السلام ، فالإمام المعصوم هو الذي يقول : أنّ من الميسر كُلّ ما يتقامر به ، ومنه الشطرنج ، وهذا القول قد قبله بعض علماء أهل السنّة وعمل به.

هذا وأنّ هناك روايات كثيرة تكفي لوحدها أن تكون دليلاً على حرمة الشطرنج ، حتّى لو لم نفهم المراد من الآية القرآنية ، ومن تلك الروايات ما ورد عن أبي بصير عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية ، وكبيرة وموبقة »(١) .

____________

١ ـ السرائر ٣ / ٥٧٧.

٤١

ولسنا الوحيدين القائلين بحرمة الشطرنج ، فقد ورد في فقه السنّة : « فمن حرّمه : أبو حنيفة ومالك وأحمد ، وقال الشافعي وبعض التابعين : يكره ولا يحرم »(١) .

وأمّا قولك : أنّ اللعبة فيها رقي ، فنحن لا ننكر أنّ في اللعبة منافع ، بل إنّ هذا هو لسان القرآن ، إذ قال :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ) (٢) .

فإذا قال لك أحد : إنّ في الخمر منافعاً ، وأنّه شراب لذيذ مثلاً ، وإنّي أشرب منه مقدار لا يضرّ بعقلي ، فهل يحقّ له أن يعترض على حرمة الخمر؟ فإذا لم تقبل منه اعتراضه ، فكذلك الحال في الشطرنج ، فوجود المنافع فيها لا يزيل عنها الحرمة.

____________

٢ ـ أُنظر : فقه السنّة ٣ / ٥١٣.

١ ـ البقرة : ٢١٩.

٤٢

الشفاعة :

( أُمّ زهراء ـ السعودية ـ )

لا يستحقّها الظالم لأهل البيت :

س : ما حكم من يعتقد بأنّ شفاعة المعصومين عليهم‌السلام ربّما قد تشمل ظالميهم ، ومن أغتصب حقّهم ، وظلم شيعتهم ، أو أنّ رحمة الله فوق كُلّ هذا ، أم يستحيل أصلاً ورود الرحمة والشفاعة في مثل هذا المورد بالخصوص؟ مثل قتل الإمام الحسين عليه‌السلام ، وكسر ضلع الزهراء عليها‌السلام ، وغصب الخلافة؟

ج : وردت نصوص تفيد بأنّ الظالمين لآل محمّدعليهم‌السلام آيسون من رحمة الله تعالى ، ومن هذا يظهر عدم شمول الشفاعة لمن ظلمهم.

وأمّا من ظلم شيعتهم ، فتارة ظلم شيعتهم لأنّهم شيعة لأهل البيتعليهم‌السلام ، فهذا بحكم الناصبي ، والناصبي لا شفاعة له ولا نجاة.

وتارة أُخرى ظلم شيعتهم بعنوان شخصي ، فهذا يدخل ضمن مظالم العباد ، ومظالم العباد فيما بينهم ـ حسب ما في الروايات ـ معلّق على أداء الحقّ إلى أصحابه ، فإذا أدّى هذا الإنسان الظالم الحقّ إلى أصحابه ، أو ابرأ ذمّتهم ، فحينئذ يمكن أن تعمّه الشفاعة.

وأمّا إذا لم يعد الحقّ إلى صاحبه ولم يستبرئ ذمّته ، فمقتضى الروايات الواردة : أنّ الشفاعة موقوفة على رضا صاحب الحقّ ، ولكن قد يستفاد من بعض الروايات بأنّه من الممكن أنّ الله تعالى لبعض الأعمال الصالحة لهذا

٤٣

الإنسان الظالم يرضي عنه خصومه يوم القيامة ، ثمّ ينجّيه ، ويظهر من هذا توقّف النجاة على الرضا ، فهنا يمكن أن تتناول الشفاعة هذا القسم.

فالخلاصة : من ظلمهمعليهم‌السلام لا تشمله الشفاعة ، وأمّا من ظلم شيعتهم لتشيّعهم فهو ناصبي فلا تشمله أيضاً ، وإن لم يكن لتشيّعهم فيدخل في مظالم العباد ، فإن أدّى الحقّ أو ابرأ الذمّة فتشمله الشفاعة ، وإلاّ فلا تشمله الشفاعة إلاّ أن يرضي الله خصومه.

أمّا كيف يرضي الله خصومه؟ فيمكن أن يكون بسبب الأعمال الصالحة ـ من قبيل الاستغفار والصدقة على الطرف المعتدى عليه ـ وهذه مسألة متروكة إلى الله تعالى.

ثمّ إنّ المتبادر من ظالميهم من ظلم مقامهم وولايتهم ، وأنكر مودّتهم أو ما شاكل ذلك ، فمن اعتقد أنّ الشفاعة تشمل هكذا ظالم ، فهو منحرف الاعتقاد.

وأمّا لو أنّ شخصاً يحبّ الإمام الحسينعليه‌السلام مثلاً ، ويعتقد بإمامته ، ولكن دخل معه في معاملة فظلمه بدينار مثلاً ، فهنا يمكن للإمامعليه‌السلام أن يعفو عنه ويصفح عنه ، لأنّها مظلمة شخصية مادّية ، فتناله الشفاعة ، لأنّ ظلمه هذا لم يكن ناتج عن بغض لهمعليهم‌السلام وإنكار لمقامهم.

( نضال ـ قطر ـ )

رواياتها في كتب العامّة :

س : ما هي حقيقة الشفاعة؟ وما هي البراهين عليها من كتب السنّة؟

ج : إنّ الشفاعة التي وقع الخلاف فيها هي نوع من الوساطة إلى الله تعالى ، من وليّ مقرّب عنده ، ليغفر لمذنب ويسامحه ، وقد أثبتها المسلمون قاطبة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ من شذّ منهم.

٤٤

والأدلّة على ثبوتها كثيرة جدّاً ، ومتضافرة على حصول الشفاعة في يوم القيامة ، من قبل الصالحين والأولياء إلى المذنبين والعاصين ، واستجابة لطلبك سوف نقتصر على بعض الروايات المثبتة للشفاعة عند أهل السنّة :

١ ـ عن ابن عمر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قضى لأخيه حاجة ، كنت واقفاً عند ميزانه ، فإن رجح ، وإلاّ شفعت له »(١) .

٢ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من صلّى على محمّد وقال : اللهم أنزله المقعد المقرّب عندك يوم القيامة ، وجبت له شفاعتي »(٢) .

٣ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قال حين يسمع النداء : اللهم ربَّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة ، آت محمّداً الوسيلة والفضيلة ، وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حلّت له شفاعتي يوم القيامة »(٣) .

٤ ـ عن أبي أُمامة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « صنفان من أمّتي لن تنالهما شفاعتي ، ولن أشفع لهما ، ولن يدخلا شفاعتي : سلطان ظلوم غشوم عسوف ، وغال مارق عن الدين »(٤) .

وهذا الحديث يدلّ بالمفهوم على ثبوت الشفاعة ، وإمكانها لطوائف آخرين في أمّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٥ ـ عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أعطيت خمساً لم يعطهّن أحد قبلي وأعطيت الشفاعة ، ولم يعط نبيٌّ قبلي »(٥) .

____________

١ ـ الدرّ المنثور ٣ / ٧١.

٢ ـ مسند أحمد ٤ / ١٠٨ ، كتاب السنّة : ٣٨١ ، المعجم الأوسط ٣ / ٣٢١ ، المعجم الكبير ٥ / ٢٦.

٣ ـ صحيح البخاري ١ / ١٥٢ و ٥ / ٢٢٨ ، سنن النسائي ٢ / ٢٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤١٠ ، المعجم الصغير ١ / ٢٤٠ ، مسند الشاميين ٤ / ١٤٩.

٤ ـ المعجم الكبير ٨ / ٢٨١ و ٢٠ / ٢١٤ ، كنز العمال ٦ / ٢١ و ٣٠ ، مجمع الزوائد ٥ / ٢٣٥ ، كتاب السنّة : ١٨٤.

٥ ـ صحيح البخاري ١ / ١١٣ ، صحيح مسلم ٢ / ٦٣ ، سنن النسائي ١ / ٢١١.

٤٥

ولنقتصر على هذا القدر من الروايات.

( شهيناز ـ البحرين ـ سنّية ـ ٢٠ سنة ـ طالبة جامعة )

في الكتاب والسنّة :

س : ما الدليل من الكتاب والسنّة على الشفاعة؟

ج : إنّ القول بالشفاعة لم يختصّ بالشيعة وحدهم ، بل اشترك في ذلك جميع المسلمين ، ودليلهم القرآن الكريم والسنّة الشريفة :

أمّا من القرآن الكريم ، فقوله تعالى :( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) (١) ، إلى غيرها من الآيات الكريمة التي تؤكّد شفاعة المقرّبين عند الله تعالى ، ومن يرتضيهم من شفعاء.

أمّا السنّة الشريفة : فعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تلا قول الله عزّ وجلّ :( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي »(٢) .

وعن قتادة قال : وذكر لنا أنّ نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إنّ في أمّتي رجلاً ليدخلن الله الجنّة بشفاعته أكثر من بني تميم »(٣) .

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا أوّل شفيعٍ يوم القيامة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، إنّ من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة ما معه مصدّق غير واحد »(٤) .

وعن جابر بن عبد الله قال : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا قائد المرسلين ولا فخر ، وأنا خاتم النبيين ولا فخر ، وأنا أوّل شافع ومشفع ولا فخر »(٥) .

____________

١ ـ الأنبياء : ٢٨.

٢ ـ المستدرك ٢ / ٣٨٢.

٣ ـ المصدر السابق ٦ / ٢٨٥.

٤ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٤ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٣٩٨.

٥ ـ المعجم الأوسط ١ / ٦١ ، الجامع الصغير ١ / ٤١٣ ، كنز العمّال ١١ / ٤٣٦ ، التاريخ الكبير ٤ / ٢٨٦.

٤٦

فهذه الآيات والروايات تؤكّد أصل وجود الشفاعة ، وهي خاصّة بمن ارتضاهم الله وفضّلهم وأكرمهم.

( محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية )

لا تنال شفاعتنا من استخف بصلاته :

س : أسأل الله العلي القدير أن يمنّ عليكم بنعمة نشر المعارف الحقّة المستقاة من منبع الطهر والعصمة محمّد وآله الطاهرين.

السؤال حول الحديث المروي عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يقول : « ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي يوم القيامة »(١) ، وهناك رواية تنقل عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام تقول : « إنّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة »(٢) .

والسؤال هو : إذا كان الاستخفاف بالصلاة من الكبائر ، والتي وعد صاحبها بعدم نيل الشفاعة ، فهل ينال صاحبها شفاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وكيف؟ وهل هناك بين الروايتين تناقض؟ إذ لا ينال الشفاعة من استخفّ بالصلاة لأنّه عمل كبيرة ، وينال الشفاعة من جهة أُخرى لأنّ شفاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل الكبائر قد ادخرت؟ فعلى كلا الوجهين سينال الشفاعة ممّن سيشفع لمن يستحقّ الشفاعة ، إذ إنّهم عليهم‌السلام لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى ، وهم من خشيته مشفقون ، أم إنّ الذي يأتي بما تقدّم لا ينال الرضى ليستحقّ الشفاعة؟ أم ماذا؟ أفيدونا مأجورين.

ج : يمكن أن نتصوّر عدّة أجوبة للجمع بين الحديثين :

١ ـ إنّ قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عام يشمل جميع أهل الكبائر ، وأمّا قول الإمام الصادقعليه‌السلام فهو خاص ينحصر بالمستخف بالصلاة ـ أي المتهاون بها ـ ، فيحمل العام على الخاصّ ، كما هو متعارف عليه عند الأُصوليين في مثل هذه الحالة ، وتسمى بالتعارض غير المستقرّ ، وتجمع جمعاً عرفياً ، ذُكر بشكل مفصّل في بحوث أُصول الفقه ، مبحث التعارض والتراجيح.

____________

١ ـ التبيان ١ / ٢١٣ ، المعجم الأوسط ٦ / ١٠٦ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٥٤.

٢ ـ الكافي ٣ / ٢٧٠ و ٦ / ٤٠١ ، تهذيب الأحكام ٩ / ١٠٧.

٤٧

٢ ـ إنّ شفاعة أهل البيتعليهم‌السلام لها منازل متعدّدة ، فيمكن حمل قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على منزل منها ، كأن يكون آخر المراحل في يوم القيامة ، ويحمل قول الإمام الصادقعليه‌السلام على عدم نيل الشفاعة في منزل آخر ، كأن يكون في البرزخ مثلاً أو غيره.

وهنالك ما يؤيّد ما ذكرناه ، وهو قول النبيّ : « ادخرت » ، إٍذ إنّ الادخار يفيد معنى عدم الإعطاء في أوّل أزمنة الحاجة ، والحفاظ عليها إلى الأزمنة المهمّة جدّاً.

٣ ـ يمكن أن يكون الفرق هو : إنّ الإمام الصادقعليه‌السلام ينفي الشفاعة عن المستخفّ بالصلاة على النحو الفعلي وواقعاً ، وهذا لا تعارض له مع قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ إنّ النبيّ لم يقل إنّي اشفع فعلاً لأهل الكبائر ، بل قال : إنّي أدّخر شفاعتي لهم ، ومعنى الادخار هو الحفاظ عليها إلى وقت الشدّة ، والحفاظ لا يعني إعطاؤه بشكل قطعي ، فربما يعطي الشفاعة وربما لا يعطيها.

وهذا كما نجده في قوله تعالى :( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) (١) ، فليس معنى السعة لكُلّ شيء هو حصول الرحمة ووقوعها للجميع فعلاً ، وإلاّ لتعارض مع عقاب أيّ مخلوق ـ الكفرة وغيرهم ـ بل المقصود أنّ الرحمة من الله تعالى لها قابلية الشمول للجميع ، لكن البعض ليست له القابلية على نيلها ، وكما يقال : العجز في القابل لا في الفاعل.

وهنالك أوجه أُخرى يمكن تصوّرها لا داعي لذكرها.

( منير ـ السعودية ـ )

تكون للأنبياء والأئمّة والشهداء و... :

س : من هم الذين يسمح الله لهم بالشفاعة يوم القيامة؟ هل هم الأنبياء فقط؟ أم هناك غيرهم أيضاً؟ وهل هناك أدلّة تؤيّد ذلك؟

____________

١ ـ الأعراف : ١٥٦.

٤٨

ج : الظاهر من روايات كثيرة واردة في كتب الفريقين : إنّ الشفاعة يوم القيامة تكون للأنبياء وللأئمّة والعلماء والشهداء وغيرهم ، ومن تلك الروايات :

١ ـ عن ابن عباس قال : أوّل من يشفع يوم القيامة في أمّته رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوّل من يشفع في أهل بيته وولده أمير المؤمنين ، وأوّل من يشفع في الروم المسلمين صهيب ، وأوّل من يشفع في مؤمني الحبشة بلال(١) .

٢ ـ عن عثمان بن عفّان عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ الشهداء ، ثمّ المؤذّنون »(٢) .

٣ ـ عن عثمان بن عفّان قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ العلماء ، ثمّ الشهداء »(٣) .

( جعفر سلمان ـ البحرين ـ )

شفاعة المعصوم تحقق إرادة الله :

س : هل شفاعة المعصوم عليه‌السلام متأخّرة رتبة على إرادة الله؟ وليس دورها إلاّ مطابقتها لهذه الإرادة ، ويكون هدفها فقط بيان مقام هؤلاء المعصومين؟ أو أنّ الأمر أبعد من ذلك ، حيث تكون شفاعة المعصوم من مقتضيات تحقّق إرادة الله تعالى ، وبالتالي تكون جزء علّة لفعل الله ، أو أنّ هناك شيء آخر؟

ج : لا يخفى أنّ كُلّ شيء وجودي في الكون مسبوق بعلم الله تعالى أزلاً ، ومقيّد بتعلّق إرادة الله الفعلية به في الوجود تكويناً.

هذا ، وإنّ مقام الشفاعة بتفاصيلها يدخل ضمن المخطّط الإلهي في الوجود ، فلا يخرج عن علمه تعالى أوّلاً ، وعن إرادته سبحانه في الوجود ثانياً.

____________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٤.

٢ ـ مجمع الزوائد ١٠ / ٣٨١.

٣ ـ الجامع الصغير ١ / ٤٣٤ ، كنز العمّال ١٠ / ١٥١ ، تاريخ بغداد ١١ / ١٧٨ ، تهذيب الكمال ٢٢ / ٥٥١.

٤٩

على ضوء ما ذكرنا ، يظهر أنّ مقام الشفاعة قد أعطي للمعصومعليه‌السلام من قبل الله تعالى ، ثمّ إنّ المعصومعليه‌السلام واستناداً إلى هذه المرتبة الممنوحة له يشفع في العباد.

فالنتيجة : إنّ مقام الشفاعة وإن أعطيت أصالةً من قبل الله تعالى ، ولكن تنفيذه وتطبيقه بيد المعصومعليه‌السلام ، فلا يكون دوره شكلياً بل حقيقياً ، وإن كنّا نعلم ـ بمقتضى صفة العصمة ـ أنّهعليه‌السلام لا يخرج في شفاعته عن رضوان الله تعالى.

ومجمل الكلام : إنّنا إن نظرنا إلى المسألة من زاوية الإرادة الإلهية التكوينية ، فالشفاعة وثمراتها سوف تكون مسبوقة بإرادة الله تعالى ، ومتأخّرة من حيث الشأن والرتبة والوجود ، وإن نظرنا إليها من ناحية الإرادة الإلهية التشريعية ، فسوف تعتبر الشفاعة حينئذٍ أصيلة وغير منوطة بأيّ شيء ، ويكون المعصومعليه‌السلام فيها مختاراً مستقلاً ، وبالنتيجة يكونعليه‌السلام من أجزاء تحقّق إرادة الله تعالى.

( الحائر ـ السعودية ـ )

تشمل أهل المعاصي لا النواصب :

س : إلى الإخوان العاملين في مركز الأبحاث ، تحية طيّبة ، أشكركم على الإجابة السابقة ، وإن تأخّرت بعض الشيء.

سؤالي لكم كالتالي : هل الشفاعة تشمل أهل المعاصي الذين ماتوا عليها غير تائبين؟ وهل تشمل كُلّ موحّد وإن كان من الذين نصبوا العداء لأهل البيتعليهم‌السلام ؟

ج : إنّ بحث الشفاعة بحث علمي ودقيق ، وللوقوف على أصلها وحدودها نحتاج إلى تفصيل وإطناب في الكلام ، فلا يسعنا تصوير البحث بنحو تامّ ، ولكن نجيب على سؤالك بالإجمال.

٥٠

أوّلاً : الظهور الأوّلي المتبادر من مفهوم الشفاعة ، هو شمولها لأهل المعاصي غير التائبين ، إذ إنّ التائب حقيقةً لا ذنب له ، فلا يحتاج إلى شفاعة في ذلك المورد.

مضافاً إلى أنّ بعض الروايات الواردة في المقام تصرّح بهذا المعنى ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي »(١) .

ثانياً : إنّ شمول الشفاعة للعاصين يختلف باختلاف المعاصي والعصاة في كيفية صدور المعصية عنهم وكمّيتها ؛ فمنهم من تناله الشفاعة في بادئ الأمر ، ومنهم من لا يليق لهذه المكرمة إلاّ بعد مسّه النار وتطهيره ، ومنهم بين ذلك.

ثالثاً : بحسب الأدلّة النقلية فإنّ الشفاعة بمراتبها المختلفة مشروطة بوجود مؤهّلات ومواصفات في المشفوع لهم ، منها : التوحيد وعدم الشرك.

ومنها : الإسلام والإيمان.

ومنها : محبّة أهل البيتعليهم‌السلام وعدم العداء لهم.

ومنها : عدم الاستخفاف بالصلاة.

ويدلّ على ذلك كُلّه الأخبار الواردة في المقام ، نذكر بعضها :

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « إنّ المؤمن ليشفع لحميمه ، إلاّ أن يكون ناصباً ، ولو أنّ ناصباً شفع له كُلّ نبي مرسل وملك مقرّب ما شفعوا »(٢) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام أيضاً : «لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة »(٣) .

____________

١ ـ المستدرك ٢ / ٣٨٢.

٢ ـ المحاسن ١ / ١٨٦.

٣ ـ الكافي ٣ / ٢٧٠ و ٦ / ٤٠١ ، تهذيب الأحكام ٩ / ١٠٧.

٥١
٥٢

الشهادة الثالثة في الأذان :

( السيّد علي رضا ـ ـ )

الأدلّة على جوازها :

س : ما هي حقيقة الشهادة الثالثة؟ وهل وصّى بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أم أنّها أضيفت بعد فترة؟

ج : قد اتفق علماء الشيعة على جواز الشهادة الثالثة في الأذان ، ثمّ ذهب بعضهم إلى أنّها جزء مستحبّ من أجزاء الأذان ، كما هو الحال في القنوت بالنسبة إلى الصلاة.

وذهب أكثر علمائنا إلى أنّها مستحبّة لا بقصد الجزئية ـ أي ليست جزءً ، ولا فصلاً من فصول الأذان ـ مستفيدين الاستحباب من بعض العمومات والإطلاقات في الروايات المؤكّدة على المقارنة بين اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واسم الإمام عليعليه‌السلام ، كما هو الحال في الصلاة على محمّد وآل محمّد بعد الشهادة الثانية.

من تلك العمومات والإطلاقات :

١ ـ عن القاسم بن معاوية ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «فإذا قال أحدكم : لا اله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، فليقل : علي أمير المؤمنين »(١) ، والحديث لم يتقيّد بزمان ولا مكان ، ولا في فعل خاصّ ، فهو عام يشمل الأذان وغيره.

____________

١ ـ الاحتجاج ١ / ٢٣١.

٥٣

٢ ـ عن أبي الحمراء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لمّا أسري بي إلى السماء نظرت إلى العرش ، فإذا عليه مكتوب : لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله أيّدته بعلي ونصرته به »(١) .

٣ ـ عن عبد الله بن مسعود عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « يا عبد الله أتاني ملك فقال : يا محمّد ، سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ قال : قلت : على ما بعثوا؟ قال : على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب »(٢) .

٤ ـ عن حذيفة بن اليمان عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي أميراً وآدم بين الروح والجسد ، قال الله تعالى :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) (٣) قالت الملائكة : بلى ، فقال تبارك وتعالى : أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعلي أميركم »(٤) .

ففي كُلّ مورد يذكر رسول الله يذكر علي معه ، والأذان من جملة الموارد ، ومن شواهدها من كتب أهل السنّة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : «ما سألت ربّي شيئاً في صلاتي إلاّ أعطاني ، وما سألت لنفسي شيئاً إلاّ سألت لك »(٥) .

____________

١ ـ مناقب أمير المؤمنين ١ / ٢٤٤ ، شرح الأخبار ١ / ٢١٠ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٢٠٠ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٩٨ ، جواهر المطالب ١ / ٩٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٦٩ و ٢ / ١٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٦ ، تهذيب الكمال ٣٣ / ٢٦٠ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ١٧٤.

٢ ـ شواهد التنزيل ٢ / ٢٢٣ ، كشف الغمّة ١ / ٣١٨.

٣ ـ الأعراف : ١٧٢.

٤ ـ فردوس الأخبار ٢ / ١٩٧.

٥ ـ السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٥١ ، خصائص أمير المؤمنين : ١٢٥ ، ذخائر العقبى : ٦١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٠ ، كتاب السنّة : ٥٨٢ ، أمالي المحاملي : ٢٠٣ و ٣٦٧ ، المعجم الأوسط ٨ / ٤٧ ، نظم درر السمطين : ١١٩ ، كنز العمّال ١١ / ٦٢٥ و ١٣ / ١٥١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣١٠ ، المناقب : ١١٠ ، جواهر المطالب ١ / ٢٣٩ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٨ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٤٩.

٥٤

والخلاصة : إنّ الشهادة لعليعليه‌السلام بالولاية في الأذان ـ عند أكثر علمائنا ـ مكمّلة للشهادة الثانية بالرسالة ، ومستحبّة في نفسها ، وإن لم تكن جزءً من الأذان.

ونلفت انتباهكم إلى أنّ ما قد يفهم من ظاهر كلمات بعض الأعلام من منعها في الأذان ، فهو وقوعها على نحو الجزئية ، لا على نحو أنّها مستحبّة في نفسها.

جعلنا الله وإيّاكم من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام .

( طلال ـ الكويت ـ سنّي )

أذان الشيعة من مصادر أهل السنّة :

س : لله الحمد أنّنا مسلمون ، ومنّ الله علينا بالإسلام.

سؤالي : أُريد دليلاً على أنّ الأذان الحالي عندكم هو ما كان عليه في صدر الإسلام ، وعهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ج : إنّ الأذان الموجود عند الشيعة ـ بحسب الأحاديث التي وصلتهم ـ هو ما كان في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مضافاً إلى تأييد هذه الصورة من الأذان في كتب أهل السنّة ، فنذكر لك فيما يلي مواضع الاختلاف بين فصول أذان الشيعة وأذان السنّة ، وما يدلّ عليها من مصادركم :

١ ـ التكبير في أوّل الأذان بنظر الشيعة أربع مرّات ، ويوافقنا في ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري(١) .

مضافاً إلى ورود رواية من طرق السنّة تصرّح بهذا الحكم ، فعن محمّد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جدّه قال : قلت : يا رسول الله علّمني سنّة

____________

١ ـ أُنظر : المجموع ٣ / ٩٠ ، فتح العزيز ٣ / ١٦٠ ، مختصر المزني : ١٢ ، مغني المحتاج ١ / ١٣٥ ، المغني لابن قدامة ١ / ٤١٥ ، بداية المجتهد ١ / ٨٨.

٥٥

الأذان ، فمسح مقدّم رأسه ، وقال : « تقول : الله أكبر »(١) فذكر التكبير أربع مرّات.

وأيضاً أنّ الحديث الذي هو المستند في تثنية التكبير لا دلالة له أصلاً ، بل هو إخبار عن المنام ، فهو كما ترى!!(٢) .

٢ ـ أطبقت الشيعة الإمامية على تثنية التهليل في آخر الأذان ، ويدلّ عليه من كتب أهل السنّة ، ما ورد من أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلالاً أن يشفّع الأذان(٣) .

٣ ـ التثويب بدعة عند الشيعة في الصبح وغيره ، ويوافقنا في ذلك الشافعي في أحد قوليه(٤) .

ويؤيّد هذا الرأي بما روي في الصحيح عن أذان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خالٍ عن التثويب(٥) .

وروى ابن أبي شيبة : أنّ الأسود بن يزيد كان يعترض لزيادة هذه الفقرة في الأذان(٦) .

وروى الترمذي : إنكار ابن عمر على من زادها في الأذان ، باعتبارها بدعة(٧) .

وعن الإمام عليعليه‌السلام أنّه قال حين سمعها : « لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه »(٨) .

____________

١ ـ سنن أبي داود ١ / ١٢١ ، تحفة الأحوذي ١ / ٤٨٦ ، صحيح ابن حبّان ٤ / ٥٧٨ ، المعجم الكبير ٧ / ١٧٤ ، تهذيب الكمال ٢٦ / ٢٣ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٣٩٤.

٢ ـ أُنظر : الجامع الكبير ١ / ١٢٢ ، صحيح ابن خزيمة ١ / ١٨٩ ، أُسد الغابة ٣ / ١٦٦.

٣ ـ صحيح البخاري ١ / ١٥٠ ، صحيح مسلم ٢ / ٢ ، سنن ابن ماجة ١ / ٢٤١ ، الجامع الكبير ١ / ١٢٤ ، سنن الدارمي ١ / ٢٧٠ ، سنن أبي داود ١ / ١٢٥ ، سنن النسائي ٢ / ٣.

٤ ـ الأُم ١ / ١٠٤ ، المجموع ٣ / ٩٢ ، فتح العزيز ٣ / ١٦٩ ، مختصر المزني : ١٢ ، بدائع الصنائع ١ / ١٤٨.

٥ ـ صحيح مسلم ٢ / ٣.

٦ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٢٣٧.

٧ ـ الجامع الكبير ١ / ١٢٨ ، السيرة الحلبية ٢ / ١٣٥.

٨ ـ نيل الأوطار ٢ / ١٨.

٥٦

٤ ـ أجمعت الشيعة على ذكر فقرة « حيّ على خير العمل » في الأذان ، وممّا يدلّ عليها : أنّ عمر نهى عنها ـ وهو على المنبر ـ إذ قال : أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول الله ، أنا أنهى عنهنّ ، وأُحرمهنّ وأُعاقب عليهنّ وهي : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل(١) ، وهذا الكلام منه دليل ورود هذه الفقرة « حيّ على خير العمل » في أذان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وورد أيضاً أنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام وابن عمر كانا يقولان في الأذان بعد حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل(٢) .

وأيضاً جاء عن بلال أنّه كان يؤذّن بالصبح فيقول : حيّ على خير العمل(٣) .

٥ ـ المستحبّات الواردة قبل البدء في الأذان وبين فقراتها كثيرة ، كقول بعض المؤذّنين في الابتداء : «وقل الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً » ، أو الصلاة بعد ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ إنّ من المستحبّات الشهادة لأمير المؤمنينعليه‌السلام بالولاية بعد الشهادتين.

فالشيعة لا ترى هذه الفقرة جزءً أو فصلاً من الأذان ، بل هي ذكر مستحبّ ، لورود أحاديث كثيرة في مصادر أهل السنّة ، قرنت بين اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين اسم عليعليه‌السلام (٤) .

أضف إلى ذلك ، فقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هو وليّ كُلّ مؤمن من بعدي »(٥) .

____________

١ ـ شرح تجريد العقائد : ٣٧٤.

٢ ـ السيرة الحلبية ٢ / ١٣٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٤ ، المصنّف للصنعاني ١ / ٤٦٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٢٤٤ ، مسند زيد بن علي : ٩٣.

٣ ـ السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٥ ، المعجم الكبير ١ / ٣٥٢ ، كنز العمّال ٨ / ٣٤٢.

٤ ـ مناقب أمير المؤمنين ١ / ٢٤٤ ، شرح الأخبار ١ / ٢١٠ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٢٠٠ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٩٨ ، جواهر المطالب ١ / ٩٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٦٩ و ٢ / ١٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٦ ، تهذيب الكمال ٣٣ / ٢٦٠ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ١٧٤.

٥ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، المستدرك ٣ / ١٣٤ ، مسند أبي داود : ١١١ و ٣٦٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٤ ، الآحاد والمثاني ٤ / ٢٧٩ ، كتاب السنّة : ٥٥٠ ، السنن الكبرى للنسائي

٥٧

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً : « أنا وهذا حجّة على أمّتي يوم القيامة »(١) .

وأخيراً :( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢) .

( ـ لبنان ـ )

تعقيب على الجواب السابق :

أودّ إضافة شيء على الجواب الجيّد ، وهو أنّه لنا التمسّك بعموم الخبر الصحيح الوارد في الاحتجاج لإثبات أرجحية ذكر الشهادة بالولاية عقب الشهادة بالرسالة ، انقل مضمونه : من قال لا اله إلاّ الله محمّد رسول الله ، فليقل : علي أمير المؤمنين

____________

٥ / ٤٥ و ١٢٦ و ١٣٢ ، خصائص أمير المؤمنين : ٦٤ و ٩٧ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٣٧٤ ، المعجم الكبير ١٢ / ٧٨ و ١٨ / ١٢٩ ، نظم درر السمطين : ٧٩ و ٩٨ ، موارد الظمآن : ٥٤٣ ، كنز العمّال ١١ / ٥٩٩ و ٦٠٧ و ١٣ / ١٤٢ ، فيض القدير ٤ / ٤٧١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٠٠ و ١٩٨ ، أُسد الغابة ٤ / ٢٧ ، سير أعلام النبلاء ٨ / ١٩٩ ، الإصابة ٤ / ٤٦٧ ، الجوهرة : ٦٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨١ ، المناقب : ١٢٧ و ١٥٣ ، جواهر المطالب ١ / ٢١٢ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩١ ، ينابيع المودّة ١ / ١١٢ و ٢ / ٧٨ و ٨٦ و ١٥٩ و ٢٣٦ و ٣٩٨ و ٤٩٠ و ٣ / ٣٦٤.

١ ـ كنز العمّال ١١ / ٦٢٠ ، تاريخ بغداد ٢ / ٨٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٠٩ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٢.

٢ ـ يونس : ٣٥.

٥٨

الشورى :

( علي ـ البحرين ـ )

معنى( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) :

س : ما معنى قوله تعالى : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ؟

ج : جاء في تفسير مجمع البيان : « وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ(١) أي : استخرج آراءهم ، واعلم ما عندهم.

واختلفوا في فائدة مشاورتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاهم ـ مع استغنائه بالوحي عن تعرّف صواب الرأي من العباد ـ على أقوال :

أحدها : إنّ ذلك على وجه التطييب لنفوسهم ، والتآلف لهم ، والرفع من أقدارهم ، ليبيّن أنّهم ممّن يوثق بأقوالهم ، ويرجع إلى آرائهم ، عن قتادة والربيع وابن إسحاق.

وثانيها : إنّ ذلك لتقتدي به أمّته في المشاورة ، ولم يروها نقيصة ، كما مدحوا بأنّ أمرهم شورى بينهم ، عن سفيان بن عيينة.

وثالثها : إنّ ذلك ليمتحنهم بالمشاورة ، ليتميّز الناصح من الغاش.

ورابعها : إنّ ذلك في أُمور الدنيا ، ومكائد الحرب ، ولقاء العدو ، وفي مثل ذلك يجوز أن يستعين بآرائهم ، عن أبي علي الجبائي »(٢) .

____________

١ ـ آل عمران : ١٥٩.

٢ ـ مجمع البيان ٢ / ٤٢٨.

٥٩

وعن ابن عباس بسند حسن : لمّا نزلت :( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( أما أنّ الله ورسوله لغنيان عنها ، ولكن جعلها الله رحمة لأمّتي ، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ، ومن تركها لم يعدم غيّاً ) (١) .

إنّ هذه الرواية تفيد : أنّ استشارتهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه لا قيمة لها على صعيد اتخاذ القرار ، لأنّ الله ورسوله غنيان عنها ، لأنّهما يعرفان صواب الآراء من خطئها ، فلا تزيدهما الاستشارة علماً ، ولا ترفع جهلاً ، وإنّما هي أمر تعليمي أخلاقي للأُمّة ، وإذا كانت الاستشارة أمراً تعليمياً أخلاقياً ، فلا محذور على الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها(٢) .

( أحمد ـ السعودية ـ )

ليست مشروعة في تعيين الخليفة :

س : هل يمكن أن تكون الشورى بديلاً عن النصوص الواردة في تحديد الخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ج : لاشكّ أنّ الشورى لا تصلح أن تكون بديلاً عن النصوص القاطعة في خصوص إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك لأنّ ترك النصوص واللجوء إلى الشورى يعدّ رأياً واجتهاداً في مقابل النصّ ، وهو بلاشكّ غير صحيح لقوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا ) (٣) .

فالموقف النهائي والقول الفصل يعود إلى الله تعالى ورسوله لا إلى من سواهما ، وليس لأحد الامتناع أو المخالفة في ذلك ، إلاّ أن يخرج عن دائرة

____________

١ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٩٠ ، فيض القدير ٥ / ٥٦٥ ، فتح القدير ١ / ٣٩٥.

٢ ـ الصحيح من سيرة النبيّ ٦ / ٩٠.

٣ ـ الأحزاب : ٣٦.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

المانع الثاني:

معرفة الحق بالرجال‏

من الموانع الأخرى التي تشكّل بالنسبة إلى الباحث السنّي عائقاً مهمّاً في تخطّي الانتماء المذهبي السابق بعد الوصول إلى القناعة التامّة بأحقّية مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام هو عدم الجرأة في ردّ أقوال الشخصيّات التي أضفى عليها المجتمع هالة من العظمة والقداسة بحيث غدت أصناماً لا يجرأ أحد النيل من مكانتها.

ويقول صالح الورداني حول الوقوع في أسر قداسة الرجال ومعرفة الحق بالرجال لا معرفة الحق بالحق:

( وهذه هي متاهة الأحبار والرهبان التي أضاعت اليهود والنّصارى من قبل، وقد وقع فيها المسلمون اليوم بتبنّيهم أقوال الرجال بدلاً من تبنّيهم النصوص )(١) .

ويقول صالح الورداني حول هذا الأمر أيضاً:

( والبحث عن الحق يوجب تتبّع النص، لا تتبّع أقوال الرجال..

تتبّع النص سوف يقود إلى الحقّ..

وتتبّع الرجال سوف يجعل هناك وسائط بين الباحث والنصّ. وسوف يجعل الباحث رهين الرجال لا رهين النصّ..

إنّ النصّ هو المعيار وهو مناط التكليف.. والمسؤوليّة إنّما تقع على كاهل المسلم بالنصّ.. وحسابه يقوم على النصّ.. ونجاته من النار كذلك..

والنص هنا يقصد به النصّ القرآني أو النبوي الصحيح الموافق للقرآن والعقل فيما يتعلّق بمجال الغيبيّات والاتباع والسياسة والأخلاق وأصول الدين والولاء والبراءة، وخلاف ذلك غير النصوص المتعلّقة بالأحكام فهذه محل اجتهاد وتتباين أمامها

____________________

(١) صالح الورداني/ الخدعة: ٤٤.

٢٠١

الأفهام ولها أهلها ممن تتوافر فيهم القدرات العلميّة وشروط الاجتهاد.. )(١) .

ويضيف صالح الورداني في هذا المجال قائلاً:

( ولو تبنّى المسلمون قضيّة الفصل بين النصوص وأقوال الرجال معتبرين أنّ النصوص هي الأصل وأنّ الاجتهاد حادث عليها مع جميع أطروحات التراث لأمكن جلاء الحقيقة وإظهار الدين في صورته النقيّة الصافية، إلّا أن هذه القاعدة لا يمكن تطبيقها والرجال فقهاء وساسة متربصون بالنصوص وبكل محاولة لتحريرها من قيودهم )(٢) .

ويؤكّد صالح الورداني على هذا الأمر في كتاب آخر له، قائلاً:

( وعلى المسلمين أن يتحرّروا من عبادة الرجال.

وعليهم أن يتحرّروا من وهم قداسة الماضي.

عليهم أن يجعلوا النصوص فوق الرجال، وأن يتخذوها مقياساً ونبراساً لهم على طريق تصحيح الفكر الإسلامي وقراءة أحداث التاريخ )(٣) .

ويبيّن هذا المستبصر هذه الحقيقة بصورة مفصّلة قائلاً:

( وأعترف أنّ البحث... يتطلب شرطاً أساسيّاً... وهو التجرّد من قدسية الأشخاص، أي وجود الشخصيّة الفكريّة المستقلّة المتحرّرة من عبادة الرجال.

فقد كنت أغوص في التراث وأنا أحمل بين جنبي رهبة وقدسيّة لرموز السلف بداية من الصحابة ونهاية بالفقهاء.

لكنّني عندما تحرّرت من وهم القداسة - بفضل اللَّه وعونه - وجدت الطريق مفتوحاً أمامي للوصول إلى حقيقة الإسلام.

وأكتشفت أن هذا الدّين قد تحققت فيه سنّة الأوّلين التي تتمثل في طغيان الرجال

____________________

(١) صالح الورداني/ الخدعة: ٤٥.

(٢) صالح الورداني/ الخدعة: ٤٤.

(٣) صالح الورداني/ السيف والسياسة: ٢٠٣.

٢٠٢

على النصوص من بعد الرّسول بحيث تصبح الأمّة تتلقى دينها من الرجال لا من النصوص التي ورثها الرسول، ممّا يؤدّي في النهاية إلى ضياع حقيقة الإسلام كما ضاعت من قبل حقيقة دين موسى وعيسى‏عليهما‌السلام على يد أحبار ورهبان بني إسرائيل الذين قال اللَّه تعالى فيهم:( اتّخذوُا أحبَارَهُم ورُهبَانَهم أربَاباً من دونِ اللَّهِ ) (١) .

عندما بدأت أتتبّع النصوص وأحداث التاريخ بمعزل عن الرجال، أو بمعنى أدق عندما وضعت النصوص فوق الرجال عرفت الحقّ )(٢) .

ويضيف صالح الورداني:

( وإن كان الفقهاء قد اجمعوا أنّ الرجال يُعرفون بالحق، إلّا أنّ هذه القاعدة في الحقيقة لا وجود لها من واقعهم وتراثهم.

فهم قد رفعوها شعاراً لهم في الظاهر وفي الحقيقة طبّقوا عكسها.

ولقد كان أمر التفريق بين النصّ والرجال ومحاولة فهم النصّ بمعزل عنهم هو الذي أوصلني لحقيقة الإسلام. وما كان لي أنْ أصل لهذه الحقيقة لو التزمت باعتماد أقوالهم وتفسيراتهم للنصوص. هذه الأقوال والتفسيرات التي تفوح منها رائحة السياسة في الغالب.

لقد اكتشفت الحقيقة وخرجت من دائرة الوهم إلى دائرة الحقيقة عندما تتبّعت مسيرة الإسلام من بعد الرسول‏صلى‌الله‌عليه‌وآله وأعدت قراءته من جديد.

واستراحت نفسي من بعد سنوات طويلة من التيه والحيرة عندما وقع بصري على الطرف المغيب من تأريخ الإسلام و واقع المسلمين واستقرت قدماي على الطريق.

وتبدّدت الغشاوة فور أن سطع أمامي نور آل البيت وظهرت لي معالم الصراط المستقيم وتيقنت أنّني على طريق الإسلام الصحيح )(٣) .

____________________

(١) التوبة: ٣١.

(٢) صالح الورداني/ الخدعة: ٤-٥.

(٣) المصدر السابق.

٢٠٣

ويقول إدريس الحسيني في هذا المجال:

( أنّني أدركت منذ البداية - أيضاً - أن الحقيقة أغلى وأنفس من الرجال دون استثناء، وأنّه لابدّ لي أن أوطّن نفسي وأهيّئها للطوارئ‏ في معترك التنقيب عن الحقائق الضائعة والفضائح الغابرة.

كنت واضعاً نصب عيني احتمال الفراق، مع مجموعة شخصيّات كانوا يجرون منّي مجرى الدم، وكنت واعياً منذ البداية، ومُدركاً لأهداف الرسالة الإسلاميّة التي جاءت لتعلّم الناس قيَم السماء، لا قيَم الأرض..

فماذا تكون قيمة أبي هريرة - مثلاً - في ميزان الدّين، حتى نعطّل البحث - بسبب التقديس - عن الحقيقة التاريخيّة، وفي سبيل التغطية على فضائحها نلجأ لتزوير الحقائق كلّها، وهل (أبو هريرة) أصل من أصول العقيدة حتى يحرم عليّ‏محاسبته تأريخيّاً والاعتراف بأفعاله القباح! أو ليس من الإفك أن نسكت عن فضائحه، فتختلط بحقائق الدين، ليكون الإسلام ضحيّة كل تلك المفاسد.. )(١) .

ويقول هشام آل قطيط في هذا الصدد:

( أدعوا جميع المسلمين إلى أن يتحرّروا من القيود المذهبيّة والخروج على سلطان الماضي الذي كبّل العقليّة الإسلاميّة و وضعها على رفوف الإهمال وكأن حياتنا خلقت لتقليد كل ما هو مقدّس عند الأقدمين وإن كان خارجاً على الإسلام )(٢) .

ويقول سعيد السامرائي في هذا المجال:

( إنّ هناك - عزيزي القارئ الكريم - طريقان لمعرفة الحق، أوّلهما يوصل إليه والآخر قد يوهم بذلك.

أما الأول فهو معرفته بعد إعمال الفكر وتدقيق النظر.

____________________

(١) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ١٩-٢٠.

(٢) هشام آل قطيط/ حوار ومناقشة كتاب عائشة أمّ المؤمنين للدكتور البوطي: ٣٣٩.

٢٠٤

وأما الثاني فهو بتقليد من تعتقد بعدالتهم.

وهذا الثاني قد يوصلك إلى الحق إن كان من تتبّع آراءهم وأحوالهم وأفعالهم على الحق، وقد يضلّك إن كانوا غير ذلك، إنّك ستظل على اعتقادك بأنّك على الحق وهو التوهم، ويكون وصفك إذ ذاك على ما جاء به التنزيل:( يَحسَبوُن أنّهُم يُحسِبُونَ صُنعَاً ) (١) ( إلّا أنّهم هُم المُفسِدوُنَ ولكنْ لا يَشعرُونَ ) (٢) .

أمّا الأول فهو الذي وصفه عليٌ أمير المؤمنين عندما أجاب السائل عن الطائفة المحقّة يوم الجمل، فلم يقل الإمام (أنا على الحق)، ولو قالها لكان صادقاً، بل قال:

(( اعرف الحقَّ تعرِفُ أهلَه ))(٣)

سبل التحرّر من التقليد وتقديس الرجال:

من أهم العوامل التي يتمكّن بها الفرد أن يتحرّر من التبعيّة العمياء لهذا وذاك هي إعمال العقل.

ويقول محمد علي المتوكّل حول العقل أنّه:

( ذلك النور الإلهي الذي يدل صاحبه على الحقّ ما لم تحجبه الأهواء والشهوات، وهو حجّة اللَّه على الإنسان، به عرف اللَّه وبه يصدّق الأنبياء، وبه يميز الحق عن الباطل، ولا دين لمن لا عقل له.

لقد سعت المناهج السلفيّة إلى سلب الإنسان جوهرته التي بها يبصر، ونوره الذي به يرى، لتجعله بعد ذلك أسير التقليد والتقديس لرجال السلف، لا كلّهم ولكن أولئك الذين ثبتت عداوتهم لأهل البيت، وخلص ولاؤهم لكل من ناصب العترة الطاهرة العداء )(٤) .

____________________

(١) الكهف :١٠٤.

(٢) البقرة: ١١.

(٣) سعيد السامرّائي/ حجج النهج: ٦.

(٤) محمد علي المتوكّل/ ودخلنا التشيّع سجّداً: ٩.

٢٠٥

ويقول معتصم سيّد احمد في هذا المجال:

( فقد أعطى اللَّه سبحانه الإنسان نور العقل والعلم، وجعل أمر الاستفادة منه بيد الإنسان، فمن أهمل ذلك النور ولم يشعله لكشف الواقع، سيظل يعيش في ركام من الجهل والخرافات والضلال، بخلاف الذي يستثمر عقله وينمّيه.

والفرق بين الاثنين يرجع إلى سبب واحد، وهو الثقة وعدمها، فالذي يشعر بالضعف والانهزام لا يستفيد من عقله، أما الذي يثق باللَّه تعالى وبما أعطاه من نور وعقل يصل إلى قمّة المعرفة والتحضر.

فلذلك إنّ كثيراً ممن اعترض طريقي في البحث كان يستخدم هذا الأسلوب لضعضعة ثقتي، فيقول:

من أين لك القدرة في بحث هذه الأمور؟! وإنّ كبار علمائنا لم يتوصّلوا إلى ما توصّلت إليه فما هي قيمتك أمام جهابذة العلماء؟!.. وغير ذلك من أساليب تحطيم القدرات.

ولم يكونوا يريدون منّي أكثر من أنْ أخوض فيما يخوضون، وأنعق كما ينعقون، قال تعالى:( قَالوُا حَسبُنَا مَا وَجَدنَا عليه آباءَنَا ) (١) )(٢) .

ويقول صالح الورداني حول تجربته التي أوصلته إلى معرفة الحق:

( كنت أعطي للعقل مكانه وأتيح له القيام بدوره، فمن ثمّ كنت أتميّز بالمرونة والتجاوب مع المتغيرات والارتباط بالواقع.. )(٣) .

ويقول إدريس الحسيني حول أهمية العقل:

( وعندما نفهم الإسلام بعيداً عن التوجّه الإيديولوجي السلفي نفهم أنّ الهدف منه هو إثارة عقل الإنسان لكي يمارس حياته بوعي، وليقوم بدوره الديني على يقين )(٤) .

____________________

(١) المائدة: ١٠٤.

(٢) معتصم سيّد احمد/ الحقيقة الضائعة: ٣٠.

(٣) صالح الورداني/ الخدعة: ١٤.

(٤) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ٣٤٩.

٢٠٦

ويقول صالح الورداني حول تجربة بحثه بعد أن أعمل عقله في البحوث الدينيّة المرتبطة بقضايا الدين:

( النصوص المتعلقة بقضايا الدعوة ومستقبل الدين وأصوله والولاء والبراء وتحديد مصدر التلقي والقدوة والسلوك الإنساني والنجاة من النار لا يجوز التقليد فيها، ومن حقّ المسلمين أن يعملوا فيها عقولهم من أجل الوصول إلى الحقّ..

وما ضلت الأمة إلّا بتعطيل العقل وتسليم زمامها لفقهاء الماضي وفقهاء الحكومات من المعاصرين لتتلقى منهم دينها دون أن تميّز بين ما يجب فيه التقليد وما لا يجب فيه التقليد..

ولو أتيحت الفرصة للمسلمين ليفهموا النصوص المتعلّقة بالجهاد والسياسة والحكام ومستقبل الدعوة والقدوة الحقّة بمعزل عن الفقهاء لكان من الممكن أن تتكوّن في أذهانهم صورة الإسلام الحقّة التي سوف يجعلونها مقياس الحكم على هؤلاء الفقهاء وأمثالهم.

لكنّهم جعلوا هؤلاء الفقهاء وسيلتهم لفهم هذه النصوص، وبالتالي جعلوا أنفسهم رهينة لخط محدّد هو الخط الذي رسمه الحكّام بمعونة هؤلاء الفقهاء.

من هنا فإن التحرّر من هذا الخط هو الخطوة الأولى للوصول إلى الحقّ، ولن يتحقّق هذا التحرّر إلّا عن طريق النصوص.

فهذه النصوص هي التي سوف تحدّد لنا القدوة الحسنة - التي يجب أن نتّبعها ونتلقّى منها ديننا - من القدوة السيّئة التي من الممكن أن نسقط في حبائلها فيما لو نحّينا النصوص جانباً وعطّلنا العقل..

وعندما تحدّد النصوص من هم القدوة ومصدر التلقي تحسم القضيّة وينتهي الخلاف ويتوجّب الالتزام. فهذه القدوة سوف تكون مناط الحقّ والمعبرة عنه والناطقة بلسانه..

ومن خلال بحثي وتأمّلاتي تبيّن لي أنّ هناك قدوة سيّئة سادت الأمّة من بعد

٢٠٧

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنها برزت جميع الأطروحات التي موّهت على حقيقة الإسلام وزيّفت النصوص وحجبت بأقوالها وتفسيراتها حقيقتها عن الأمّة، وبالتالي أسهمت في تمكين الباطل وإضعاف الحقّ واختراع سبل متفرّقة أضلّت الأمة عن سبيل اللَّه...

وعندما يتمّ الكشف عن القدوة الحقّة سوف تتضح أمامنا القدوة الباطلة والحكم في ذلك إنّما يكون للنصوص وليس للرجال..

وتبرز لنا أهميّة القدوة وكونها قضيّة مصيريّة حين يتبيّن لنا أن الرسول‏صلى‌الله‌عليه‌وآله هو خاتم الرسل وأن هذا الختم يفرض وجود قدوة حسنة تحفظ الدين من بعده وتسدّ الفراغ الذي أحدثه غيابُه في واقع الأمّة.

وهذه القدوة يجب أن تتوافر بها مؤهّلات خاصّة لتأدية هذه المهمّة تميزها عن الآخرين حتى لا يقع النزاع وتستقطب الأمة قدوات أخرى تقودها نحو الباطل..

وقد شغلتني هذه المسألة كثيراً أو شكّلت حيرة كبيرة بالنسبة لي.

في وسط هذه الحيرة كانت هناك تساؤلات كثيرة لا أجد لها إجابة في الأطروحة أو في التراث الذي بين أيدينا، أوّل هذه التساؤلات كان في تحديد ماهيّة الحق بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

هل هو ينحصر في القرآن؟

وإذا كان ينحصر بالقرآن فأين التفسير الحق لهذا القرآن؟

ولقد تتبّعت تأريخ القرآن فلم أجد جواباً بل زدت شكّاً وحيرة بسبب الطريقة التي تمّ بها جمع القرآن، والخلافات التي وقعت بين الصحابة حول جمعه وتفسيره..

وزاد الطين بلّة تلك الروايات الكثيرة التي تتعلّق بآيات من القرآن لم تدوّن فيه أو تمّ رفعها وبقى حكمها أو بقى نصّها ورفع حكمها..

إنّ مثل هذا الخلاف حول القرآن قد ولّد لديّ قناعة بأنّه لابدّ وأن تكون هناك جهة ما تحسم هذا الخلاف، وأنّ هذه الجهة لابدّ وأن تكون هي القدوة الحسنة.. ولكن من هي هذه القدوة؟

٢٠٨

ولماذا لم تبرز لتؤدّي دورها في حفظ الدين؟

إنّ أمّة العرب كأي أمّة سابقة لها لابد وأن ينطبق عليها حال هذه الأمم.

ومن المعروف أن الأمم السابقة كانت تمرّ بحالة تراجع عن الدين (ردّة) بعد رحيل الرسول الذي كُلّف ‏بالدعوة فيها ممّا كان يقتضي إرسال رسول جديد.

فما الذي سوف يقوّم هذا الانحراف؟..

لابدّ وأن هناك قدوة حسنة تحل محل الرسول من بعده ترجع إليها الأمّة.

وإذا كان موسى‏عليه‌السلام عندما غاب عن قومه ليأتي بالألواح وضع أخاه هارون مكانه ليخلفه في قومه حتى يعود إليهم، أليس من الأولى بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يفعل نفس الشي‏ء في قومه خاصّة وأنّه يعلم أنّه لا نبيّ بعده؟

قد يطرأ على الذهن أنّ الرسول قد ترك القرآن الذي تكفّل اللَّه بحفظه إلى قيام الساعة، وهذا وحده كاف لسدّ الفراغ الذي أحدثه غيابُه والقرآن هو أفضل قدوة..

وأمام هذا الاستنتاج تطرح تساؤلات أخرى:

أنّ الرسل قد تركوا كتباً بين أقوامهم قبل رحيلهم، ومع ذلك انحرفت هذه الأقوام.

وبنو إسرائيل على وجه المثال حرّفوا الكَلِم عن مواضعه، أيّ أنّ انحرافهم تجاوز حدود السلوك الشخصي إلى تحريف الكتاب الذي ورثوه عن الرسول.

وهذا يدلّ على أنّ الكتاب وحده لا يكفي لضبط حركة الأمّة من بعد الرسول، فلابد أن تكون إلى جواره قوّة تنفيذيّة مميّزة ترجع إليها الأمّة حال الخلاف والانحراف...

هذه القوة هي الفئة المصطفاة من الأمّة التي ترث الكتاب من بعد الرسول كما هو حال الأمم السابقة... وهي ما يتّضح من خلال قوله تعالى:

( ثمّ أورَثنَا الكتَابَ الّذينَ اصطَفَينَا من عِبَادِنا ) (١) .

____________________

(١) فاطر: ٣٢.

٢٠٩

فلو كان الكتاب وحده يكفي ما أورثه سبحانه للفئة المصطفاة التي هي القدوة من بعد الرسول

والقرآن لم يحسم الخلاف والردّة التي وقعت بعد وفاة الرسل مباشرة، إنّما حسم هذا الأمر بواسطة السيف.

فالقرآن حاله كحال الكتب السابقة له لابدّ وان تنحرف عنه الأمّة. وهو لم يحكم في الخلافات التي وقعت حول مسألة الخلافة، كما لم يحكم في مواجهة القبائل التي اعتبرت مرتدّة وقوتلت على هذا الأساس، ولم يحكم في قضايا أخرى كثيرة..

وبالإضافة إلى الخلاف الذي وقع حول جمعه بين الصحابة، يمكن طرح السؤال التالي: إنّ القرآن الذي تركه الرسول لم يحل دون وقوع الردّة والخلاف، فهل هذه الردّة وقعت بسبب الانحراف عن القرآن أم الانحراف عن القدوة؟..

إنّ التاريخ يجيب مؤكّداً أنّ السبب المباشر لهذه الردّة كان بسبب الانحراف عن القدوة وليس بسبب القرآن..

فالذين منعوا الزكاة كانوا مسلمين..

والرافضون بيعة أبي بكر كانوا مسلمين..

فهم كانوا مسلمين ملتزمين بالقرآن ومؤمنين به إلّا أنّ هذا الإيمان وهذا الإلتزام لم يحل دون انحرافهم..

من هنا بدأت رحلة البحث عن هذه القدوة المتميّزة.

وهذه الرحلة كان اعتمادي وزادي فيها هو النصوص، فهي الحكم الوحيد بين أيدينا للخلاص من متاهات الرجال والوصول إلى الحق... إنّ الحق إنّما يعرف بالنص لا بالرجال، والرجال إنّما يعرفون بالحقّ لا العكس. وما دمت معتقداً انّ النصّ فوق الرجال فقد تكشفت أمامي معالم الطريق )(١) .

____________________

(١) صالح الورداني/ الخدعة: ٤٥-٤٩.

٢١٠

المانع الثالث:

التعصّب‏

إنّ التعصّب يعدّ من الموانع الأخرى التي تحول بين المرء و بين إذعانه وإتباعه للحقّ، لأنّ التعصّب يدفع صاحبه إلى الجمود على فكرة معيّنة وعدم السماح لنفسه بتغيير معتقداته مهما بلغت الأدلّة والبراهين المثبتة لبطلان ما هو عليه.

والتعصّب يدفع صاحبه إلى التشبث بآراء طائفة معيّنة مصرّاً على أنّها دون غيرها هي الحق الذي يجب إتباعه.

ومن آثار هذا الداء العضال أنّه يصدّ صاحبه عن الإصغاء إلى دليل المخالف أو الاهتمام بما يذكر من أدلّه، لأنّه يكون دائماً مسيء‏ الظن بكلّ من يخالفه في الرأي، فيؤدّي به ذلك إلى أن يعيش حالة الحرمان من الرؤية المترويّة والمتّزنة لأفكار من يخالفه في الرأي، ومن ثمّ يندفع هكذا شخص إلى عدم قبول الحق حين ثبوته موافقاً لما يذهب إليه الآخر.

ولهذا يكون المتعصّب محروماً من معرفة الحق و إن جُعلت الحقيقة أمام بصيرته كالشمس في رابعة النهار.

و يشير محمد مرعي الأنطاكي إلى هذه الحقيقة في كتابه (لماذا اخترت مذهب الشيعة) قائلاً:

( انظر بدقّة وإمعان، إلى ما أوردناه لك من الحجج والبراهين في هذا الكتاب، كيف تجلّى الحقّ، واّتضح السبيل لسالكيه الذين أخلصوا النيّة، وتجرّدوا عن العصبيّة المذهبيّة والنعرات الطائفيّة العمياء المهلكة، أما من بقي مصرّاً على عناده، فلا تفيد الروايات وإن كثرت وكثرت، ولو قدّمناه له ألف دليل ودليل )(١) .

ولهذا ينبغي للباحث الذي يودّ أن يمتلك جرأة التخلّي عن معتقداته عند ثبوت

____________________

(١) محمد مرعي الانطاكي/ لماذا اخترت مذهب الشيعة: ٤٩٠.

٢١١

خطئها أن يروّض نفسه للأخذ بالحق، وأن يتجرّد عن الرؤية الطائفيّة، وأن لا يدع للتعصّب مجالاً للتوغّل في سريرته، وإن كان مبتلياً به، فعليه أن يخلع رداء التعصّب عن ذاته وأن يميت كلّ عصبيّة مستقرّة في سويداء قلبه، ليتعامل مع آراء المذاهب الأخرى بمرونة وليمتلك قدرة النظر إلى من يخالفه في الرأي بعين الحياد.

ولكن من المؤسف - كما يذكر المستبصرون - أنّ الكثير من الجهات المتوليّة لإدارة شؤون الناس الدينيّة تحاول نتيجة عدم امتلاكها الأدلّة الكافية لإثبات أحقّيتها أن تحمي عقيدة الناس بغرس التعصّب في نفوسهم.

لأنّ المتعصّب يدفعه التعصّب إلى عدم الإصغاء لأقوال المخالفين، لأنّ من المقرّر سلفاً أنّ ما عندهم باطل، فلا داعي لتضييع الوقت في الإصغاء إلى الباطل.

ويشير التيجاني السماوي إلى معاناته من الذين قيّدوا عقله ردحاً من الزمن، قائلاً:

( قومي الذين جمّدوا فكري ردحاً من الزمن وحجّروا عليّ أن أفقه الحديث أو أحلل الأحداث التاريخيّة بميزان العقل والمقاييس الشرعيّة التي علّمنا إيّاها القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة.

ولذلك سوف أتمرّد على نفسي وأنفض عنّي غبار التعصّب الذي غلّفوني به وأتحرّر من القيود والأغلال التي كبّلوني بها أكثر من عشرين عاماً ولسان حالي يقول لهم:

يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربّي وجعلني من المكرمين.

يا ليت قومي اكتشفوا العالم الذي يجهلونه ويعادونه دون أن يعرفونه )(١) .

ويرى ياسين المعيوف البدراني أن محاولة غرس التعصّب أعم من أن تكون حالة عفويّة من قبل بعض الجهات، بل هي تسير وفق خطط مدروسة تدعمها جهات تعي ما تفعل.

ولهذا يقول في هذا المجال:

____________________

(١) محمد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: ١٢٢.

٢١٢

( يبدوا أن هناك إشكالاً عميقاً يكمن في منهاج الدراسة في الجامعات والمعاهد الدينيّة حيث تقتصر كل مؤسّسة على تدريس اتّجاه معيّن ونمط واحد من العقائد والفقه والعلوم الدينيّة متجاهلةً سائر الاتّجاهات والمذاهب الأخرى.

وإنّ الأنكى والأخطر من ذلك هو تعبئة الطلاب فكريّاً ونفسيّاً ضدّ كل ما يخالف تلك المؤسّسة ومنهجها، فيتخرّج طلاب هذه العلوم بفكر منغلق وعقليّة ضيّقة محدودة جاهلين الرأي الآخر ومنحازين بتعصّب أعمى ضد كل مالا يوافق فكرهم )(١) .

وقد أشار الكثير من المستبصرين إلى هذا المانع الذي يقف بوجه كل باحث سنّي يقصد تغيير انتمائه المذهبي بعد وصوله إلى القناعة التامّة بأحقّية مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام .

ويقول التيجاني السماوي حول هذا المانع الذي اعترى طريقه ليصدّه عن ترك موروثاته العقائديّة، أنّه بعد ما جرى بينه وبين صديقه الشيعي الأستاذ منعم في بغداد حواراً أدي إلى توسيع آفاق رؤاه، طرأت على باله خواطر، منها أنّه قال في قرارة نفسه:

( يا إلهي، لماذا أُكابر وأُعاند وقد أعطاني حجّة ملموسة من أصحّ الكتب عندنا؟... أأسلّم لهم بهذه الحقيقة؟...، ولكن أخاف من هذه الحقيقة فلعلّها تتبعها حقائق أخرى لا أحبّ الاعتراف بها، وقد انهزمتُ أمام صديقي مرّتين... ولكنّي لا أريد هزيمة أخرى، وأنا الذي كنت منذ أيّام قلائل عالماً في مصر أفخر بنفسي ويمجّدني علماء الأزهر الشريف، أجد نفسي اليوم مهزوماً مغلوباٌ ومع من؟ مع الذين كنت ولا أزال أعتقد أنّهم على خطأ، فقد تعوّدت على أنّ كلمة (الشيعة) هي مُسبّة.

إنّه الكبرياء وحبّ الذات، إنّها الأنانيّة واللجاج والعصبيّة، إلهي ألهمني رشدي، وأعنّي على تقبّل الحقيقة ولو كانت مُرّة.

اللهمّ افتح بصري وبصيرتي واهدني إلى صراطك المستقيم، واجعلني من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.

____________________

(١) ياسين المعيوف البدراني/ ياليت قومي يعلمون: ٥٠.

٢١٣

اللهمّ أرنا الحقَّ حقّاً وارزقنا اتّباعه وأرنا الباطلَ باطلاً وارزقنا اجتنابه.

رجع بي صديقي إلى البيت وأنا أردّد هذه الدعوات فقال مبتسماً:

هدانا اللَّه وإيّاكم وجميع المسلمين، وقد قال في محكم كتابه:( والّذينَ جاهَدُوا فينَا لنَهديَنَّهُم سُبُلَنا وإنّ اللَّهَ لَمَعَ المُحسنينَ ) والجهاد في هذه الآية يحمل معنى البحث العلمي للوصول إلى الحقيقة، واللَّه سبحانه يهدي إلى الحق كلّ من بحث عن الحق )(١) .

ويشير التيجاني السماوي في كتابه (ثمّ اهتديت) إلى دور التعصّب في إبعاد الإنسان عن اتّباع الحق بعد ذكره جملة من معتقدات أهل البيت‏عليهم‌السلام :

( ولَعمري إنّه الحق الذي لا مفرّ منه لو يتحرّر الإنسان عن تعصّبه الأعمى وكبريائه وينصاع للدليل الواضح )(٢) .

ولهذا يؤكّد التيجاني السماوي في العديد من كتبه على وجوب نبذ التعصّب لكلّ باحث يبتغي التعرّف على الفرقة الناجية من بين الفرق الإسلاميّة ، وقد قال في كتابه (الشيعة هم أهل السنّة):

( هذا وقد ولّى عصر التعصّب والعداوة الورثيّة، وأقبل عهد النور والحريّة الفكريّة، فعلى الشاب المثقّف أن يفتح عينيه، وعليه أن يقرأ كتب الشيعة ويتّصل بهم ويتكلّم مع علمائهم كي يعرف الحقّ من بابه، فكم خُدعنَا بالكلام المعسول وبالأراجيف التي لا تثبتُ أمام الحجّة والدليل.

والعالم اليوم في متناول الجميع، والشيعة موجودون في كل بقاع الدنيا من هذه الأرض، وليس من الحقّ أن يسأل الباحث عن الشيعة أعداء الشيعة وخصومهم الذين يخالفونهم في العقيدة، وماذا ينتظر السائل من هؤلاء أن يقولوا في خصومهم منذ

____________________

(١) محمد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: ٤٤.

(٢) المصدر السابق: ٩٧.

٢١٤

بداية التاريخ؟

فليست الشيعة فرقة سرّيّة لا تُطلع على عقائدها إلّا من ينتمي إليها، بل كتبها وعقائدها منشورة في العالم، ومدارسها وحوزاتها الإسلاميّة مفتوحة لكلّ طلاّب العلم، وعلماؤهم يقيمون الندوات والمحاضرات والمناظرات والمؤتمرات، وينادون إلى كلمة سواء وإلى توحيد الأمّة الإسلاميّة.

وأنا على يقين بأنّ المنصفين من الأمّة الإسلاميّة إذا ما بحثوا في الموضوع بجدّ سوف يستبصرون إلى الحقّ الذي ليس بعده إلّا الضّلال، لأنّ مانعهم من الوصول هو فقط وسائل الدعاية المغرضة والإشاعة الكاذبة من أعداء الشيعة أو تصرّف خاطئ من بعض عوام الشيعة.

ويكفي في أغلب الأحيان أن تزاح شبهة واحدة أو تنمحي خرافة باطلة حتى ترى من كان عدوّاً للشيعة يصبح منهم )(١) .

ويقول التيجاني السماوي أيضاً في هذا المجال في كتاب آخر له:

( وها نحن اليوم، في عهد الحرّيات، في عهد النور كما يسمّونه في عهد العلم وتسابق الدول لغزو الفضاء والسيطرة على الأرض، إذا ما قام عالمٌ وتحرّر من قيود التعصّب والتقليد، وكتب أيّ شي‏ء يُشمّ منه رائحة التشيّع لأهل البيت، فتثور ثائرتُهم وتُعبَّأُ طاقاتهم لسبّه وتكفيره والتشنيع عليه لا لشي‏ء سوى أنّه خالف المألوف عندهم )(٢) .

ويشير صائب عبد الحميد إلى تجربته ومعاناته من الكبرياء الذي حاول أن يمنعه من الاستبصار قائلاً:

(وإنّي أعترف على نفسي أن لو لم تتداركني رحمة ربّي وتوفيقاته لصرعتني تلك النفس (المعاندة) ولقد كادت ونجحت مرّةً، ولكنّ اللَّه أعانني عليها...

٢١٥

فبعد أن أمضيت الشهور في الدرس والتنقيب والمناظرة والبحث، وبلغت كامل اليقين واستجمعت قواي في ليلةٍ ختمتُ فيها مجلساً في بحث متشعّب عميق في هذه المواضيع، فخرجتُ منه وأنا أشدّ يقيناً وأثبتُ حجّةً عازماً أن أبدأ الفجر الجديد بالصلاة وفق مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام ...

وبينما كنت أعيش نشوة الانتصار وحلاوة اليقين، إذ صادف أن اجتمعت مع ثلّة من أبناء الشيعة، فتناولنا أطراف الحديث، فلمّا رأيتهم يتحدّثون وملؤهم الفخر بمذهبهم ثارت فيّ تلك النفس - المعاندة - من جديد، وأبت أن توافقهم!

فخضت الحديث معهم أُغالط نفسي على علمٍ وإصرار، ومضيت هكذا حتى سئمت نفسي واضطربت في داخلي، ولكنّي لست مستعدّاً للانقياد لهم!

فعدت متحيّراً من نفسي وما فيها، ونمتُ مصروعاً ثقيلاً.. وعدت أقضي شهوراً أخرى مضطرباً بين يقينٍ عرفته وأعتقده وبين عناد وكبرياء لهما جذور قديمة!

وبقيت هكذا أصطنع العلل والأعذار وأجعلها شرعيّةً طبعاً، ولكنّها كانت كبيوتات الصغار، يشيدونها على الرمال فتنقشع وتزول آثارها بعد ساعة حتى أجليتُ ما في صدري بدموع الليل وزفرات الخلوة، أبكي حبّاً وشوقاً إلى سادة الخلق وأنوار الهدى، وأبكي على نفسي وغَلَبتها.

حتى أحسست و أنا في هدأة الليل كأنّ قطرة من تلك الدموع قد أتت على آخر عِرق من عروق تلك الكبرياء، فاقتلعتها من محلّها، وسقت مكانها بذرة، بذرة الطّاعة الولاء، فانتفضتُ مُكبّلاً أُطلق لتَوّه، خفيف الحمل كطائرٍ صغير، مستبشراً كضائع أشرفَ فجأةً على أحبّته وذويه.. وأفقتُ مطمئنّاً في أوسط سفينة النجاة، أنهل من منهلها العذب الصافي )(١) .

ولهذا يقول صائب عبد الحميد لإخوانه من أهل السنّة مشيراً إلى خطورة التعصّب

____________________

(١) صائب عبد الحميد/ منهج في الانتماء المذهبي: ٣١١-٣١٢.

٢١٦

و دوره في صدّ الإنسان عن الإذعان للحقّ:

( إنّي - يا صديقي - قد ورثت مثلكم تلك القناعات، ولم أكن آلِف سواها، بل إنّي ممّا يخالفها لحذر نَفور.

ولست أنسى كم نحاول الغوص في أعماقها، حتى إذا تغلغلنا يسيراً، اصطدمنا بذلك الحاجز الموهوم، لنرتدّ على أدبارنا القهقرى!

فكم مرّةً بلغنا - والحرقة تقوي قلوبنا، والدمعة لها بريق في أعيننا - أن نقول: إنّ الإمام عليّاً كان مظلوماً.

لقد قلناها كلّنا غير مرّة، ولكنّنا لم نتمكّن - لما في أنفسنا من حواجز - أن نستغرق النظر، لنعرف مسؤوليّتنا تجاه ذلك الظلم وتلك الظُلامة!

لقد أنستنا تلك الحواجز أنّنا مؤمنون، علينا أن نتحرّى الحق فنتّبعه، ونلتزم الموقف السليم الذي ينجو بنا يوم الموقف العسير!

ورجائي أن لا أكون مؤاخذاً عندك إن قلتها، فهي حقيقة حاكمة مهما حاولنا التنكّر لها، إنّها العصبيّة والكبرياء، هي التي تحجبنا عن تبنّي الموقف الشرعيّ أينما وجدناه.

ولسنا أوّل منهزمين أمامها، فلقد قهرت من هم أشدّ منّا قوّةً، وأكثر جمعاً! ولعلّ من بينهم أبو حامد الغزالي ، الذي قال مرّة - معتقداً بصحّة ما يقول -: ولكن أسفرت الحجّة وجهها، وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبتهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم غدير خمّ، باتفاق الجميع، وهو يقول: ( مَن كُنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه )).

فقال عمر: بَخٍ بَخٍ لك يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنة.

فهذا تسليم ورضى وتحكيم ثمّ بعد هذا غلب الهوى بحبّ الرئاسة وحمل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهواء في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيل، وفتح الأمصار سقاهم كأس الهواء، فعادوا إلى الخلاف الأوّل، فنبذوا الحقّ وراء

٢١٧

ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً، فبئس ما يشترون(١) .

ولعلّ منهم في عصرنا هذا: شيخ الأزهر الأسبق الشيخ سليم البشري، وقد صرّح هو بذلك في جوابه للسيّد شرف الدين الموسوي، بعد مناقشات ومراسلات طويلة بينهما عرض عليه السيد الموسوي من خلالها أدلّةً وبراهين قاطعة بأحقّية مذهب أهل البيت، وأنّهم -عليهم‌السلام - أولى بالإتباع من سواهم، فأجابه الشيخ قائلاً:

وحين أغرقت في البحث في حجّتك، وأمعنت في التنقيب عن أدلّتك، رأيتني في أمر مَريج:

أنظر في حججك فأراها مُلزمة، وفي بيّناتك فأراها مسلّمة، وأنظر في أئمّة العترة الطاهرة فإذا هم بمكانة من اللَّه ورسوله يُخفض لها جناح الذلّ هيبةً وإجلالاً..

ثمّ أنظر إلى جمهور أهل القبلة، والسواد الأعظم من ممثّلي هذه الملّة فأراهم مع أهل البيت على خلاف لما توجبه ظواهر الأدلّة!

فأنا أؤامر منّي نفسين:

نفس تنزع إلى متابعة الأدلّة..

وأخرى تفزع إلى الأكثريّة من أهل القبلة! قد بذلت لك الأولى قيادها، فلا تنبو في يديك، ونَبت عنك الأخرى بعنادها، فاستعصت عليك..!!(٢) )(٣) .

ويشير صائب عبد الحميد أيضاً في كتابه (منهج في الانتماء المذهبي) إلى مبحث مفصّل حول أسباب نشوء التعصّب والموقف الانحيازي وأثره في الوجود الاجتماعي لهذه الأمة وكيف ينبغي أن نواجهه؟ ويبدأ حديثه حول هذا المبحث بطرح هذا السؤال قائلاً:

____________________

(١) كتاب سرّ العاملين - للغزالي - المقالة الرابعة/ ٢٠-٢٤؛ ورواه سبط عنه ابن الجوزي في تذكرة الخواص: ٦٢.

(٢) المراجعات/ المراجعة: ١١.

(٣) صائب عبد الحميد/ منهج في الانتماء المذهبي: ٣٠٩.

٢١٨

( لماذا هذا التجافي بين أبناء المذاهب الإسلاميّة؟

هل انتخب كلّ منّا مذهبه عن وعي وإدراك وبعد الدرس والتحقيق؟ أم كيف حصل هذا الانتماء؟

بين هذين السؤالين تدور أشياء كثيرة، منها ما هو بديهي، ومنها ما يتطلّب بعض العمليّات العقليّة، وما لم نمتلك الروح الموضوعيّة في مواجهة القضايا، فسوف تغيب عنّا حتى تلك الأمور البديهيّة.

ولابدّ أن نعترف مقدّماً بأنّ هذه الموضوعيّة ستكون أمراً صعباً للغاية عندما نواجه قضايا تتعلّق بالعقائد والتقاليد والموروثات التي تشبّعت بها العروق، وألفتها النفوس.

وسوف تكون أشدّ وأصعب عندما يدور الحديث بين تلك العقائد والموروثات من جهة، وبين ما يقابلها لدى الآخرين من جهة أخرى، فالانحياز الفوري نحو المألوف هو النتيجة المتوقّعة دائماً، بينما يبقى الموقف الموضوعي أمراً نادر الحصول.

كيف نشأ هذا الموقف الانحيازيّ؟

وما هو نصيبه من الصحّة؟

وما هو أثره في الوجود الاجتماعي لهذه الأمّة؟

وكيف ينبغي أن نواجهه؟

ينبغي أن يثيرنا سؤال واحد يجب أن نضعه أمام أنفسنا لأجل البحث عن سرّ اختلافنا، وهذا التجافي الحاصل بيننا. ولعلّنا سوف نمسك بطرف من أطراف الاتّفاق، ونقترب خطوةً نحو الموضوعيّة لو ابتدأنا من هذه الملاحظة البسيطة:

فلو أنّك سألت شابّاً ولد في مدينة (النجف) فقلت له: هل ستكون شيعيّاً لو حصل أنّك ولدتَ في (حَلَب) من أبوين سنّيين؟

وهكذا لو سألت الحلبي، هل ترى أنّك ستكون سنّياً بهذه الطريقة، لو أنّك ولدت في (النجف) في أسرة شيعيّة؟

هنا سوف لا يختلف منّا اثنان حول الجواب الذي سنسمعه، بل يمكننا أن نضع

٢١٩

الجواب مقدّماً، متّفقين على أنّه من المسلّمات التي لا خلاف فيها.

وهذه الملاحظة وحدها تكفي لأن تضعنا أمام الحقيقة كلّها، وتكفي لأن تبعث فينا الاستغراب لهذا التجافي والتنافر الحاصل بيننا، كما تسمح لنا هذه الملاحظة أيضاً أن نطرح مزيداً من الأسئلة اللازمة، لنقترب أكثر نحو الموضوعيّة كلّما استطعنا أن نزيح شيئاً من دواعي الانحياز الوهميّة المتراكمة فينا.

ولنبدأ بالسؤال حول الانحياز نفسه، والعصبيّة ذاتها:

فهل سيرضى أحدُنا لو وجد آخر يتعصّب ضدّه من غير دواعٍ حقيقيّة، وبدون أن يتعرّف على حقيقة مواقفه وآرائه؟

فإذا كان الجواب بالنفي بديهيّاً لدى هذا الشخص، فلماذا نتوقّع أن يكون موقف أشخاص محايدين، نفترض أنّهم يراقبون هذا المشهد؟ قطعاً انّهم سيؤاخذون المتعصّب على تعصّبه.

إذن، فعند الجميع كان التعصّب لذاته شيئاً ممقوتاً.

أفلا يكون من التناقض إذن أن نحمل بين جوانحنا أشياء نمقتُها لدى الآخرين، ونمقتُها بالأصل؟!

فلماذا لا نكون إذن على مستوى تقبّل الطرح العلميّ والموضوعي الذي يتناول شيئاً من مواقفنا تجاه الأشياء والقضايا المبدئيّة، وتجاه بعضنا؟

وماذا في الأمر؟ فما دام الطرح موضوعيّاً وعلميّاً، فإنّه سيثبّتنا على ما نحن عليه، إن وافقنا الأصل والصواب، أو أنّه سيرشدنا إلى ما هو أحقّ وأهدى، إن لم نكن قد وافقناه.

ألسنا جميعاً من دعاة الحقّ، وطلابه؟

ولكنّ السرّ كلّه يكمن ها هنا، فثمّة حقيقة نستطيع أن نطلق عليها:

(الخوف من الهزيمة) أمام الطرف المقابل، تراودنا جميعاً، وهذه حقيقة لا يمكن لنا أن نوافق الصواب إن تنكّرنا لها، وقد تتجلّى هذه الظاهرة في الملاحظات التالية:

- أفلا ترون أنّنا لو صدمتنا الحقيقة بشي‏ء يخالف ما ألفناه واعتقدناه، لظهرت ردود

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374