التحول المذهبي‏

التحول المذهبي‏15%

التحول المذهبي‏ مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 374

التحول المذهبي‏
  • البداية
  • السابق
  • 374 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135385 / تحميل: 6810
الحجم الحجم الحجم
التحول المذهبي‏

التحول المذهبي‏

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الأعرابي: كان من حفّاظ الحديث والفقه، ظاهريّ المذهب. مات في ربيع الآخر سنة ٢٨٧ »(١) .

(٤٠)

رواية زكريا بن يحيى السجزي

قال النسائي: « أخبرني زكريا بن يحيى قال: حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا عبدالله بن داود عن عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه أن سعداً قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه »(٢) .

ترجمته

١ - الذهبي: « س - زكريا بن يحيى السجزي الحافظ، أبو عبد الرحمن خيّاط السنّة، عن شيبان وقتيبة، وعنه رفيقه س والطبراني، ثقة. ولد ١٩٥، ومات ٢٨٩ »(٣) .

٢ - ابن حجر: « قال النسائي: ثقة. وقال عبد الغني بن سعيد: حافظ ثقة »(٤) .

____________________

(١). طبقات الحفاظ ٢٨٠.

(٢). الخصائص: ٩٥.

(٣). الكاشف ١ / ٣٢٤.

(٤). تهذيب التهذيب ٣ / ٣٣٤.

٨١

(٤١)

رواية عبدالله بن أحمد

قال عبدالله: « حدثنا العباس بن الفضل الأسقاطي، ثنا الحسين بن علي، ثنا عمران بن أبان، حدثني مالك بن الحسين بن مالك بن الحويرث، حدثني أبي عن جدي قال: رقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنبر فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه »(١) .

وقال المتقي: « عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: شهدت عليّاً في الرحبة ينشدالناس: أنشد الله من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه. لمـّا قام. فشهد اثنا عشر بدريّا فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟ فقلنا بلى. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه وعاد من عاداه. عم ع وابن جرير خط ص »(٢) .

وقال ابن كثير: « وقال أبو يعلى وعبدالله بن أحمد في مسند أبيه: ثنا القواريري، ثنا يونس بن أرقم، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: شهدت »(٣) .

وقال عبدالله بن أحمد في فضائل علي لأبيه: « حدثنا حجاج، قال: حدثنا حمّاد، عن علي بن زيد، عن عدي بن ثابت، عن البراء - وهو ابن عازب - قال: أقبلنا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع، حتى كنا بغدير خم فنودي

____________________

(١). زوائد مسند أحمد بن حنبل ( هذا الحديث من زوائد عبدالله غير الموجودة في المسند ).

(٢). كنز العمال ١٣ / ١٧١.

(٣). تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٤٧.

٨٢

فينا الصلاة جامعة، وكسح لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين شجرتين، وأخذ بيد علي فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هذا مولى من أنا مولاه، أللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمر فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ».

وعنه أيضاً: « حدثنا علي بن الحسن قال حدثنا ابراهيم بن اسماعيل عن أبيه، عن سلمة بن كهيل، عن أبي ليلى الكندي أنه حدّثه قال: سمعت زيد بن أرقم يقول ونحن ننتظر جنازة، فسأله رجل من القوم فقال: يا أبا عامر أسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم يقول لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ قال: نعم. قال أبو ليلى: فقلت لزيد بن أرقم: قالها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قال: نعم قالها أربع مرات ».

و عنه أيضاً: « حدثنا عبدالله بن الصقر سنة تسع وتسعين [ سبعين ] ومائتين قال: حدّثنا يعقوب بن حمدان بن كاسب قال: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن أبيه وربيعة الجرشي أنه ذكر علياً [ علي ] عند رجل وعنده سعد بن أبي وقاص فقال له سعد: أتذكر علياً!! إن له مناقب أربعاً، لئن تكون لي واحدة منهن أحبّ إلي من كذا وكذا وذكر حمر النعم، قوله: لأعطينّ الرّاية. وقوله أنت منّي بمنزلة هارون من موسى. وقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه. ونسي سفيان واحدة»(١) .

ترجمته

١ - عبد الغني المقدسي: « قال أبوبكر الخطيب: كان ثقة ثبتاً فهماً وقال أبو الحسين بن المنادي ما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرّجال. وعلل الحديث والأسماء والكنى، والمواظبة على طلب الحديث في العراق وغيرها، ويذكرون عن أسلافهم الإقرار له بذلك، حتى أنّ بعضهم يسرف في تقريظه إيّاه

____________________

(١). فضائل علي - مخطوط.

٨٣

بالمعرفة وزيادة السّماع للحديث على أبيه »(١) .

٢ - ابن حجر: « وقال ابن عدي: نبل بأبيه، وله في نفسه محل في العلم، ولم يكتب عن أحد إلّا من أمره أبوه أن يكتب عنه وقال النسائي ثقة. وقال السلمي: سألت الدار قطني عن عبدالله بن أحمد وحنبل بن إسحاق، فقال: ثقتان نبيلان. وقال أبوبكر الخلال: كان عبدالله رجلاً صالحاً صادق اللهجة كثير الحياء »(٢) .

٣ - الذهبي: « وفيها توفي الحافظ: أبو عبد الرحمن عبدالله بن أحمد وكان إماماً خبيراً بالحديث وعلله، مقدّماً فيه، وكان من أروى الناس عن أبيه، وقد سمع من صغار شيوخ أبيه، وهو الذي رتّب مسند والده »(٣) .

(٤٢)

رواية علي بن محمد المصيصي

قال النسائي: « أخبرنا علي بن محمد [ بن علي ] قاضي المصيصة، قال:

حدثنا خلف قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق قال: حدثني سعيد بن وهب أنه قام مما يليه ستة. وقال زيد بن يثيع: وقام مما يليني ستة، فشهدوا أنهم سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه »(٤) .

____________________

(١). الكمال في معرفة الرجال - مخطوط. باختصار.

(٢). تهذيب التهذيب ٥ / ١٤٣.

(٣). العبر في خبر من غبر - حوادث ٢٩٠.

(٤). الخصائص ٩٦. مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ. وفيه بدل « اسرائيل » « شعبة ».

٨٤

ترجمته

قالابن حجر: « س - علي بن محمد بن علي بن أبي المضا المصيصي، قاضيها قال النسائي: ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. قلت: ذكره مسلمة ابن قاسم وقال: ثقة، وقال النسائي في مشيخته: نعم الشيخ كان »(١) .

(٤٣)

رواية إبراهيم بن يونس

الملقب بـ « حرمي »

قال النسائي: « أخبرنا حرمي بن يونس بن محمد الطرسوسي، قال: أخبرنا أبو غسّان قال: أخبرنا عبد السّلام، عن موسى الصغير، عن عبد الرحمن بن سابط عن سعد قال: كنت جالساً فتنقّصوا علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه فقلت: لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إن له خصالاً ثلاثاً، لئن يكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم، سمعته يقول: إنه منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي. وسمعته يقول: لأعطين الرّاية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. وسمعته يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه »(٢) .

ترجمته

١ - الذهبي: « س - إبراهيم بن يونس بن محمد المؤدب، عن. أبيه وعثمان

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٧ / ٣٨٠ ووثقه ابن حجر في تقريب التهذيب ٢ / ٤٤.

(٢). الخصائص ٤٩ - ٥٠ مع اختلاف بسيط.

٨٥

ابن عمر. وعنه: س وجماعة، ثقة »(١) .

٢ - ابن حجر: « صدوق، من الحادية عشرة »(٢) .

(٤٤)

رواية أبي بكر البزّار

« حدثنا يوسف بن موسى القطّان ومحمد بن عثمان بن كرامة - واللفظ ليوسف - قالا: نا عبيدالله بن موسى قال: نا فطر عن أبي الطفيل قال: سمعت علياً - وهو ينشد الناس في الرحبة -: أنشد لله كلّ امرئ مسلم سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم ما قال إلاّ قام، فقام ناس من الناس، فشهدوا أنا رأينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيد علي وهو يقول: ألست أولى بالمسلمين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

و هذا الحديث قد روي عن علي من غير وجه. ورواه عن أبي الطفيل عن علي فطر. ورواه معروف بن خرّبوذ » ٢ / ١٣٣.

« حدثنا يوسف بن موسى قال: نا مالك بن إسماعيل قال: حدّثني جعفر الأحمر عن يزيد بن أبي زياد. وعن مسلم بن سالم قالا: نا عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت علياً ينشد الناس يقول: أُنشد امرءاً مسلماً سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم إلّا قام، فقام اثنا عشر رجلاً فقالوا: أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي ثم قال: أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم

____________________

(١). الكاشف ١ / ٩٧.

(٢). تقريب التهذيب ١ / ٤٧.

٨٦

وال من والاه وعاد من عاداه » ٢ / ٢٣٥.

« حدثنا يوسف بن موسى قال: نا عبيدالله بن موسى عن فطر بن خليفة عن أبي إسحاق عن عمرو ذي مر، وعن سعيد بن وهب وعن زيد بن يثيع قالوا: سمعنا علياً يقول: نشدت الله رجلاً سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم لما قام، فقام إليه ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أن رسول الله قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله فأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره واخذل من خذله » ٣ / ٣٥.

قال المتقي الهندي: « عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي مر وسعيد بن وهب وزيد بن يثيع قالوا: سمعنا عليّاً يقول: نشدت الله رجلاً سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم ما قال لمـّا قام. فقام ثلاثة عشر رجلا، فشهدوا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال فأخذ بيد علي قال: من كنت مولاه فعلي مولاه أللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره واخذل من خذله. البزار وابن جرير والخلعي في الخلعيات. قال الهيثمي: رجال إسناده ثقاة. قال ابن حجر: ولكنّهم شيعة»(١) .

ترجمته

قال السيوطي: « البزار - الحافظ العلامة الشهير: أبوبكر أحمد بن عمرو ابن عبد الخالق البصري، صاحب المسند الكبير المعلل، رحل في آخر عمره إلى أصفهان والشام ينشر علمه. مات بالرملة سنة ٢٩٢ »(٢) .

____________________

(١). كنز العمال ١٣ / ١٥٨.

(٢). طبقات الحفاظ ٢٨٥، وله ترجمة في: تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٥٣ والعبر ٢ / ٩٢ وتاريخ بغداد ٤ / ٣٣٤ وشذرات الذهب ٢ / ٢٠٩ والنجوم الزاهرة ٣ / ١٥٧.

٨٧

(٤٥)

رواية النسائي

علم روايته من موارد متعددة من الكتاب، حيث رواه بطرق مختلفة.

ورواه عنه جماعة من الحفاظ في كتبهم، كابن كثير في ( تاريخه ) والسيوطي في ( الجامع الصغير) كما تقدم، وفي ( الدر المنثور ) بتفسير قوله تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) .

ترجمته

الذهبي: « وفيها توفي الإِمام، أحد الأعلام، صاحب التّصانيف، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي وكان رئيساً نبيلاً، حسن البزّة، كبير القدر قال ابن المظفر الحافظ: سمعتهم بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار، وقال الدار قطني: خرج حاجّاً فامتحن بدمشق وأدرك الشّهادة، فقال: احملوني إلى مكة فحمل، وتوفي بها في شعبان قال: وكان أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعلمهم بالحديث »(١) .

وسيأتي تفصيل ترجمته فيما بعد إن شاء الله.

____________________

(١). العبر - حوادث سنة ٣٠٣.

٨٨

(٤٦)

رواية أبي العباس حسن بن سفيان

قال الحافظ ابن كثير: « وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي والحسن بن سفيان: ثنا هدبة، ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد وأبي هارون، عن عدي بن ثابت عن البراء قال: كنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع، فلما أتينا على غدير خم كسح لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرتين، ونودي في الناس الصلاة جامعة، ودعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وأخذ بيده فأقامه عن يمينه فقال: ألست أولى بكلّ امرئ من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: فإنّ هذا مولى من أنا مولاه. أللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمر بن الخطاب فقال: هنيئاً لك أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة »(١) .

ترجمته

١ - السمعاني: « كان محدّث خراسان في عصره، وكان مقدّماً في الفقه والعلم والأدب، وله الرحلة إلى العراق والشام ومصر، تفقّه على أبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وكان يفتي على مذهبه وكان إليه الرحلة بخراسان من أقطار الأرض

ومات في سنة ٣٠٣، وقبره بقرية بالوز مشهور يزار، زرته »(٢) .

٢ - الذهبي: « وفيها الحافظ الكبير أبو العباس الحسن بن سفيان

____________________

(١). تاريخ ابن كثير ٥ / ٢٠٩.

(٢). الأنساب - البالوزي. وانظر: النسوي.

٨٩

وكان ثقة حجة، واسع الرحلة قال الحاكم: كان محدّث خراسان في عصره مقدماً في التثّبت والكثرة والفهم والأدب والفقه، توفي في رمضان »(١) .

٣ - السيوطي: « الحسن بن سفيان بن عامر، الحافظ الإِمام شيخ خراسان »(٢) .

(٤٧)

رواية أبي يعلى الموصلي

علم روايته من عبارة الحافظ ابن كثير السابقة، وهو المراد من « ع » في ( كنز العمال ) في ما تقدم.

وإليك نص روايته في ( المسند ):

« حدثنا القواريري، حدثنا يونس بن أرقم، حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال: شهدت علياً في الرحبة يناشد الناس: أنشد الله عن سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه. لما قام فشهد. قال عبد الرحمن: فقام اثنا عشر بدرّيا - كأنّي أنظر إلى أحدهم عليه سراويل - فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهّاتهم؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ». ١ / ٤٢٨.

« حدثنا أبوبكر، حدثنا شريك، عن أبي يزيد الأودي، عن أبيه، قال:

____________________

(١). العبر حوادث سنة ٣٠٣.

(٢). طبقات الحفاظ: ٣٠٥.

٩٠

دخل أبو هريرة المسجد فاجتمع إليه الناس، فقام إليه شاب فقال: أنشدك بالله أسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال فقال: أشهد أني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » ١١ / ٣٠٧.

ترجمته

قالالذهبي: « وفيها: أبو يعلى الموصلي، أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى التميمي الحافظ، صاحب المسند، روى عن علي بن الجعد، وغسّان بن الربيع، والكبار، وصنف التصانيف، وكان ثقة صالحاً متقناً، يحفظ حديثه، توفي وله سبع وتسعون سنة »(١) .

(٤٨)

رواية محمد بن جرير الطبري

علم روايته من عبارة المتقي في ( كنز العمال ) المتقدمة، ومن روايات أخرى مذكورة فيه، وقد عرفت سابقاً من كلمات جماعة من أعلام القوم، كياقوت الحموي، وابن كثير الدمشقي، تصنيفه مجلّداً في طرق حديث الغدير.

ترجمته

وستأتي مصادر ترجمته، وكلمات الثناء عليه فيما بعد، إنْ شاء الله، ونذكر

____________________

(١). العبر - حوادث ٣٠٧ وترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ ٢ / ٧٠٧ والسيوطي في طبقات الحفاظ: ٣٠٦ ووصفه بالحافظ الثقة محدث الجزيرة.

٩١

هنا كلمةاليافعي في حوادث سنة ٣١٠: « فيها - توفي ببغداد: الحبر النحرير الإِمام، أحد العلماء الأعلام، صاحب التفسير الكبير، والتاريخ الشهير، والمصنّفات العديدة، والأوصاف الحميدة، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، كان مجتهداً لا يقلّد أحداً.

قال إمام الأئمّة المعروف بابن خزيمة: ما أعلم على الأرض أعلم من محمد ابن جرير. ولقد ظلمته الحنابلة. وقال الفقيه الإِمام مفتي الأنام أبو حامد الإِسفرايني: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصّل تفسير محمد بن جرير لم يكن كبيراً.

قلت: وناهيك بهذا الثناء العظيم، والمدح الكريم، من هذين الإِمامين النبيلين، ومولده بطبرستان سنة ٢٢٤. وكان ذا زهد وقناعة. توفي في أواخر شوال من السنة المذكورة. وكان إماماً في فنون كثيرة وكان ثقة »(١) .

(٤٩)

رواية أبي القاسم البغوي

قال الحافظ محبّ الدين الطبري: « عن رياح بن الحارث قال: جاء رهط الى علي بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم وأنتم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه. قال رياح: فلمـّا مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار منهم [ فيهم ] أبو أيوب. خرّجه أحمد.

و عنه قال: بينما علي جالس، إذ جاء رجل فدخل وعليه أثر السّفر، فقال

____________________

(١). مرآة الجنان حوادث سنة ٣١٠.

٩٢

السّلام عليك يا مولاي قال: من هذا؟ فقال: أبو أيوب الأنصاري. قال علي: أفرجوا له. ففرجوا. فقال أبو أيوب: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. خرّجه البغوي في معجمه »(١) .

ترجمته

قالالذهبي: « وفيها البغوي: أبو القاسم عبدالله بن محمد وكان محدثاً، حافظاً مجدّداً مصنفاً، إنتهى إليه علوّ الإِسناد في الدنيا »(٢) .

(٥٠)

رواية الحكيم الترمذي

قال العلامة ميرزا محمد بن معتمد خان البدخشاني: « أخرج الحكيم في نوادر الأصول، والطبراني بسند صحيح في الكبير، عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنهما: أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب بغدير خم، تحت شجرة، فقال: يا أيها الناس إني قد نبّأني اللّطيف الخبير أنه لم يعمّر نبي إلّا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني قد يوشك أن أدعى فأجيب، وإنّي مسئول وإنكم مسئولون، فما ذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وجهدت ونصحت، فجزاك الله خيراً، فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأن جنّته حق وناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن السّاعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد

____________________

(١). الرياض النضرة ٢ / ٢٢٢ - ٢٢٣.

(٢). العبر حوادث ٣١٧ وتوجد ترجمته في: تاريخ بغداد ١٠ / ١١١ وتذكرة الحفاظ ٢ / ٧٣٧ وشذرات الذهب ٢ / ٢٧٥ وطبقات الحفاظ: ٣١٢.

٩٣

بذلك. قال: أللهم اشهد. ثم قال: يا أيها الناس إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

ثم قال: يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل، سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به، لا تضلوا ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، وإنه قد نبّأني اللّطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا علي الحوض »(١) .

ترجمته

المنّاوي: « الحكيم محمد بن علي الترمذي، المؤذّن الصوفي الشّافعي، صاحب التصانيف، سمع الكثير من الحديث بالعراق ونحوه، وحدّث عن قتيبة بن سعيد وغيره، وهو من القرن الثالث من طبقة البخاري، قال السلمي: نفوه من ترمذ وشهدوا عليه بالكفر بسبب تفضيله الولاية على النّبوة، وإنما مراده ولاية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

« وقال ابن عطاء الله: كان العارفان الشاذلي والمرسي يعظّمانه جدّاً جدّاً، ولكلامه عندهما الحظوة التامة، ويقولان: هو أحد الأوتاد الأربعة. وقول ابن أبي جمرة في كتاب المختارة وابن القيم في كتاب اللمحة في الردّ على ابن طلحة: إنه لم يكن من أهل الحديث وروايته كيف وقد قال الحافظ ابن النجار في تاريخه: كان إماماً من أئمة المسلمين، له المصنّفات الكبار في أصول الدين ومعاني الحديث، لقي الأئمة الكبار وأخذ عنهم، وفي شيوخه كثرة. ثم أطال في بيانه.

____________________

(١). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط وهو في ( نوادر الأصول: ٦٨ - ٦٩ ): « حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا زيد بن الحسن قال: حدثنا معروف بن خرّبوذ المكي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن حذيفة بن أسيد الغفاري

٩٤

وقال السلمي في الطبقات: له اللّسان العالي والكتب المشهورة، وقال القشيري في الرسالة: هو من كبار الشيوخ، وأطال في الثناء عليه. وقال الحافظ أبو نعيم في الحلية: له التّصانيف الكثيرة في الحديث، وهو مستقيم الطريقة تابع للأثر وقال الكلابادي في التعرّف: هو من أئمّة الصوفية. الى غير ذلك من الكلام في شأن هذا الامام، وإنما أطلت فيه دفعاً لذلك الإِفتراء، فلا تكن من أهل المراء »(١) .

(٥١)

رواية الطحاوي

قال الطّحاوي: « باب بيان مشكل ما روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، من قوله يوم غدير خم لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه.

حدثنا ابراهيم بن مرزوق، ثنا أبو عامر العقدي، ثنا يزيد بن كثير، عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه عن علي: إنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حضر الشجرة بخم، فخرج آخذاً بيد علي فقال: يا أيّها الناس ألستم تشهدون أن الله ربكم؟ قالوا: بلى. قال: ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم، وأنّ الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم لن تضلّوا بعدي، كتاب الله بأيديكم وأهل بيتي.

حدثنا أبو أمية، ثنا سهيل بن عامر البجلي، ثنا عيسى بن عبد الرحمن، أخبرني أبو إسحاق السبيعي ( بياض في النسخة ): سمعت عليّاً ينشد الناس في الرحبة: من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خم إلّا قام، فقام بضعة عشر رجلا فشهدوا أنّهم سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم يقول: أللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه

____________________

(١). فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ / ١١٦.

٩٥

وعاد من عاداه، وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه، وأعن ما أعانه وانصر من نصره، واخذل من خذله.

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت عليّاً ينشد يقول: أشهد الله كل امرئ سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خم إلّا قام. فقام اثنا عشر بدريّاً. فقالوا: أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي فرفعها، فقال: يا أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أللهم من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وذكر الحديث.

قال أبو جعفر: فدفع دافع هذا الحديث، وزعم أنه مستحيل، وذكر أن عليّاً لم يكن مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في خروجه إلى الحج من المدينة، الذي مرّ في طريقه بغدير خم، لأنّ غدير خم إنّما هو بالجحفة، وذكر في ذلك ما قد حدثنا أحمد بإسناده، قال: ثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال دخلنا على جابر بن عبدالله، فذكر حديثه في حجّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: فقدم علي من اليمن ببدن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم ذكر بقية الحديث.

قال أبو جعفر: فهذا الحديث صحيح الإِسناد، لا طعن لأحد في رواته، فيه أن ذلك القول كان من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي بغدير خم في رجوعه من حجّه إلى المدينة لا في خروجه لحجّه من المدينة »(١) .

ترجمته

١ - اليافعي: « وفيها أبو جعفر أحمد بن محمد الأزدي الطّحاوي، الفقيه الحنفي المصري، برع في الفقه والحديث، وصنّف التصانيف المفيدة، قال الشيخ أبو إسحاق: انتهت إليه رئاسة الحنفية بمصر »(٢) .

٢ - السيوطي: « الطحاوي - الإِمام العلّامة الحافظ، صاحب التصانيف البديعة، أبو جعفر وكان ثقة ثبتاً فقيهاً، لم يخلّف مثله، إنتهت إليه رياسة

____________________

(١). مشكل الآثار ٢ / ٣٠٨ - ٣٠٩.

(٢). مرآة الجنان حوادث ٣٢١.

٩٦

أصحاب أبي حنيفة. ولد سنة ٢٣٧، وله معاني الآثار »(١) .

(٥٢)

رواية ابن عبد ربّه

قال أبوعمر أحمد بن محمد بن عبد ربه: « أسلم علي وهو ابن عشر سنين، وهو أوّل من شهد أن لا إله إلّا الله وأن محمّداً رسول الله، وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأنصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار. وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي »(٢) .

وروى ابن عبد ربه احتجاج المأمون على الفقهاء، المشتمل على حديث الغدير، ضمن جملةٍ من فضائل عليعليه‌السلام ، وهو خبر طويل(٣) .

ترجمته

قالابن خلكان: « أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه كان من العلماء المكثرين من المحفوظات، والاطلاع على اخبار الناس، وصنّف كتابه ( العقد )، وهو من الكتب الممتعة، وتوفي يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة »(٤) .

____________________

(١). طبقات الحفاظ: ٣٣٧. وله ترجمة في: تذكرة الحفاظ ٣ / ٧٠٨، وفيات الأعيان ١ / ١٩، تاريخ ابن كثير ١١ / ١٧٤ الجواهر المضية في طبقات الحنفية ١ / ١٠٢ طبقات المفسرين للداودي ١ / ٧٣.

(٢). العقد الفريد ٤ / ٣١١.

(٣). المصدر نفسه ٥ / ٩٢ - ١٠٢.

(٤). وفيات الأعيان ١ / ٩٢.

٩٧

(٥٣)

رواية المحاملي

أخرج الحديث في كتاب ( الأمالي ) حيث قال:

« حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا الطفيل يحدّث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم - شعبة الشاك - قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. قال سعيد بن جبير: وأنا سمعت مثل هذا عن ابن عباس » ٨٥.

« ثنا الحسين، حدثنا عبد الأعلى بن واصل قال: ثنا مالك بن إسماعيل عن جعفر بن زياد الأحمر، عن يزيد بن أبي زياد ومسلم بن سالم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت علياًعليه‌السلام ينشد الناس يقول: أنشد الله أمرأً مسلماً سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم ما يقول إلّا خبّر. فقام أثنا عشر بدريّاً فقالوا: أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي فرفعها وقال: أيّها الناس ألست - وانقطع على القاضي الحديث - وفي آخره قال: وال من والاه وعاد من عاداه » ١٦٢.

قال الحافظ السيوطي: « علي بن أبي طالب مولى من كنت مولاه. المحاملي في أماليه عن ابن عباس »(١) .

وقال المتقي: « علي بن أبي طالب مولى من كنت مولاه، المحاملي في أماليه عن ابن عباس»(٢) .

____________________

(١). الجامع الصغير ٢ / ٦٦.

(٢). كنز العمال ١١ / ٦٠٣.

٩٨

وقال القاري: « وفي الجامع: رواه أحمد وابن ماجة عن البراء، وأحمد عن بريدة، والترمذي والنسائي والضّياء عن زيد بن أرقم، ففي إسناد المصنّف الحديث عن زيد بن أرقم إلى أحمد والترمذي مسامحة لا تخفى، و في رواية لأحمد والنسائي والحاكم عن بريدة بلفظ: من كنت ولّيه فعليّ وليّه، و روى المحاملي في أماليه عن ابن عباس، ولفظه: علي بن أبي طالب مولى من كنت مولاه »(١) .

ترجمته

١ - السمعاني: « أبو عبدالله الحسين بن إسماعيل بن سعيد بن أبان الضبّي المحاملي، كان فاضلاً صادقاً ديّناً ثقة صدوقاً وكان يحضر مجلس إملائه عشرة آلاف رجل، وكان ولادته في خمس أو ست وثلاثين ومائتين، ومات في شهر ربيع الآخر سنة ٣٣٠ »(٢) .

٢ - اليافعي: « وفيها: الإِمام الكبير القاضي أبو عبدالله المحاملي الشهير »(٣) .

٣ - السيوطي: « المحاملي القاضي الإِمام العلّامة الحافظ، شيخ بغداد ومحدّثها، أبو عبدالله الحسين بن إسماعيل صنّف وجمع، روى عنه: دعلج والدارقطني، وكان فاضلاً ديّناً صدوقاً، و ولّي قضاء الكوفة سنتين ثم استعفى، وكان يحضر بمجلسه عشرة آلاف رجل، مات في ربيع الآخر سنة ٣٣٠ »(٤) .

(٥٤)

رواية أبي العباس ابن عقدة

لقد علم سابقاً أن لأبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي المعروف بابن عقدة، كتاباً مفرداً في طرق حديث الغدير، وقد صرّح بذلك كلّ من ابن تيمية، وابن حجر العسقلاني، والشيخاني القادري، ونور الدين السمهودي،

____________________

(١). مرقاة المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح ٥ / ٥٦٨.

(٢). الأنساب - المحاملي.

(٣). مرآة الجنان حوادث ٣٣٠.

(٤). طبقات الحفاظ: ٣٤٣. وفيه بدل « سنتين »: ستين سنة ».

٩٩

والمناوي، ومحمد البدخشاني.

ولنذكر أحد ألفاظ روايته:

قال السمهودي: « عن أبي الطفيل: إنّ عليّاًرضي‌الله‌عنه قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أنشد الله من شهد يوم غدير خم إلّا قام، ولا يقوم رجل يقول إني نبئت أو بلغني، إلّا رجل سمعت أذناه ووعاه قلبه، فقام سبعة عشر رجلاً منهم: خزيمة بن ثابت، وسهل بن سعد، وعدي بن حاتم، وعقبة بن عامر، وابو أيوب الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وأبو شريح الخزاعي، وأبو قدامة الأنصاري، وأبو ليلى، وابو الهيثم بن التّيهان، ورجال من قريش، فقال عليرضي‌الله‌عنه وعنهم: هاتوا ما سمعتم، فقالوا: نشهد أنّا أقبلنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع، حتى إذا كان الظهر خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمر بشجرات فشذبن، وألقي عليهنّ ثوب، ثم نادى بالصلاة، فخرجنا فصلّينا، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيّها الناس ما أنتم قائلون؟ قالوا: قد بلّغت قال: أللهم اشهد، ثلاث مرات، قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسئول وأنتم مسئولون، ثم قال: ألا إنّ دمائكم وأموالكم حرام، كحرمة يومكم هذا وحرمة شهركم هذا. أوصيكم بالنساء، أوصيكم بالجار، أوصيكم بالمماليك أوصيكم بالعدل والإحسان. ثم قال: أيّها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، نبّأني بذلك العليم الخبير. وذكر الحديث في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه.

فقال علي: صدقتم، وأنا علي ذلك من الشاهدين.

أخرجه ابن عقدة من طريق محمد بن كثير عن فطر وأبي الجارود، كلاهما عن أبي الطفيل »(١) .

ترجمته

تقدمت ترجمته سابقاً فلا حاجة إلى الاعادة.

____________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

الفعل فينا - فوراً - على هيئة غضب وثورة، ثمّ أحكام تُلقى جزافاً، وربما أعقبتها سخريّة، ثمّ يستدل الستار على الموضوع، حتى لو عاد يواجهنا ثانيةً لما أحدث فينا أثراً يُذكر، ولأصبح كأيّة مسألة لا تستحق العناية، أو الالتفات!

وبهذه الطريقة يدفعنا اللاشعور للتسلّح بالمناعة الكافية ضدّ أيّ مفهوم يخالف المألوف، ولو كان أكثر منه ثباتاً، وأقوى حجّةً.

وهذه ظاهرة عامّة في بني الإنسان، إلّا من تحرّر منها بالوعي والمعرفة، وتلك شجاعة ما أعزّها!

- وترانا أيضاً حين نواجه الأمر معكوساً نقف منه الموقف المناسب! فلو عرض علينا مذهبنا مفهوماً أو اعتقاداً لا يستقيم مع الفطرة السليمة والعقل المستقيم والبيان الشرعيّ، فإنّ ردّ الفعل هذه المرّة سيأتي على هيئة تنازل تلقائي عمّا نرتضيه حقيقةً، لنخضع - بأي مستوى من مستويات الخضوع - لمعانٍ تأباها عقولنا، وتنفر منها فطرتنا ولكنّنا ورثناها!

ولو خشينا من أنّ هذه المعاني الجديدة قد تستولي علينا، فإنّنا نلجأ - من حيث ندري، أو لا ندري - إلى غضّ النظر عنها، مؤثرين السكوت، والوقوف عند أيّ مستوى يمكننا أن نخضع له، مستبعدين إمكان المناقشة والحوار!

فما الذي يدفعنا إلى كلّ هذا؟ إنّه (الخوف من الهزيمة)!

ذلك الشبح الذي يراود كل من يواجه مثل هذا الموضوع، حيث يرغب، بل يندفع من الداخل لأن يكون متفوّقاً، ويهرب من أيّ نوع من أنواع التراجع، حتى لو كان تراجعاً أمام الحقّ وأمام الحكم الشرعي!

وهو لأجل إرضاء هذه الرغبة يطرح في المقابل آراء وحججاً ليقتنع بها ويجعلها في النهاية سدّاً منيعاً دون الدخول في أيّة محاولة للمناقشة الجادّة، والحوار والمتابعة.وعندما تكون تلك الهواجس متفوقة لديه جدّاً، فإنّه سيكتسب قناعات شديدة بكلّ ما من شأنه قطع السبيل إلى ميادين التفكير الحرّ، ويجعل أيّ شي‏ء من هذا القبيل بمثابة الأمر المحرّم الذي يجب إنكاره كلّياً.

٢٢١

ثمّ كيف نفسّر وجود هذه العُقد النفسيّة المتراكمة فينا تراكماً جعل أحدنا يرى أن مجرّد اقترابه من الآخر يُعدّ مستوى من مستويات الهزيمة، أو الضعف العقائدي، أو أنّه مجاملة على حساب المبادئ!

ومن منّا ينكر ظاهرة الانكماش النفسي المفاجئ ، والنفور غير الإراديّ التي فرضت نفسها حتى على الكثير ممّن جاء ليعالج هذا الداء العُضال، ويرسم حدود هذه المشكلة المُستعصية في الأمّة؟

فحتى الكثير من هؤلاء ينزلق من حيث لا يشعر، فيمارس مرّة أخرى تجسيد تلك الروحيّة، وتعميق تلك الحواجز النفسيّة التي سيكون لها هنا آثار أكثر سلبيّة حتى من تلك البحوث التي تُكرّس أصلاً لتعميق الخلاف وإحياء الروح الطائفيّة، وذلك لأنّها ستوحي للقارئ بأنّ هذه الظاهرة هي بمستوى الحقيقة التي تأصّلت في النفوس، واصبحت جزءاً لا يتجزّأ من عقائدنا وعواطفنا، وعند هذا يصبح مجرّد مناقشاتها أمراً مخالفاً للطبع، وليس له موضع بيننا على الإطلاق.

ومن أبرز الأمثلة على هذا النمط، ما نجده عند بعض من كتب في الدفاع عن الوحدة الإسلاميّة، متحمّساً ضدّ الطائفيّة ومروّجيها، ثمّ إذا أراد أن يستشهد بمثال، أو يأتي بمصاديق على دعواه، مال على الجانب الآخر، مسجّلاً نماذج من حملات بعض رجالهم ضدّ المذهب الذي ينتمي إليه هو، فكأنّه يريد أن يقول: إنّ أولئك هم أساس هذه النزاعات، وهم الذين يؤجّجون نار الفتنة بين المسلمين، ولم يكن أصحابه هو إلّا مدافعين عن مذهبهم المُستهدَف!

وهكذا يمارس دوره من جديد في إثارة النزاع بما يثيره من ردود فعل سلبيّة لدى الأطراف الأخرى، فيضيف حلقةً أخرى إلى مسلسل النزاعات!

بينما كان الأجدر به - حين يلجأ إلى مثل هذا الاستشهاد - أن ينتخب نموذجاً من حملات أصحابه هو ضدّ المذاهب الأخرى، فيردّها، ويبعدها عن ساحة القبول، وبهذا يكون قد أعطى نموذجاً صادقاً ورائعاً في هذا المضمار، وقدّم مثالاً لروحيّة عالية

٢٢٢

تترفّع على الأهواء والعصبيّات، وتميل بصدق لتحقيق التآلف بين أبناء هذه الأمّة الواحدة.

ذلك بحقّ إنسان في القمّة، وما أحوجنا إليه في كلّ مكان وزمان.

إنّ تلك الروحيّة العالية وحدها هي التي تحقّق أثراً إيجابيّاً يرجى أن يؤتي ثماره على طريق التقارب والتفاهم والحوار العقلاني الواعي الذي سيزيدنا قوّةً ويوفّر بيننا مستوى من الانسجام والاتّحاد لا يقلّ عن درجة الإحساس الصادق بالارتباط المصيريّ والاتّحاد العقيدي.

وسيعيننا هذا الفهم، بل سيدفعنا إلى التعرّف على بعضنا من جديد، بروح أخويّة نزيهة، ويزوّدنا برغبة صادقة في البحث عن الحقائق الناصعة المبرّأة من كلّ ما تراكم من غبار زمن طويل، ملي‏ء بالنزاعات والتخاصم، وتبادل التهم والشتائم و...

وبمثل هذه الصيغة يمكننا أن نتوصّل إلى جذور تلك الحواجز النفسيّة وخلفيّات هذا التشنّج وتلك العصبيّات المقيتة.

فلقد بلغت بنا تلك العصبيّات حدّاً بالغ الخطورة، حتى صار تعصّبنا لأيّ شي‏ء ألفناه هو أشدّ ألف مرّة من استعدادنا للتمسّك بالحكم الشرعي الثابت.

وهذا يقابله تعصّب مماثل ضدّ ما نراه لدى الأطراف الأخرى.

ومن المهم أن أؤكّد هنا أنّي لا أعني مفهوماً بالذات، أو طائفة من المسلمين دون غيرها، ولا فرداً دون آخر، بل أريد تلك الظاهرة التي أضحت (مرضاً) نفسيّاً أرسى جذوره في أعماقنا - أفراداً وجماعات - حتى أصبحت معظم التقاليد التي نُسبت إلى المذهب وألصقت به وهي ليست منه، حاكمةً حتى على النصّ الشرعي الثابت لدينا.

فرحنا نلجأ إلى تحوير كل نصّ لا ينسجم مع هذا التقليد، أو ذلك الرأي وصياغته بحسب قوالب صنعناها نحن بأيدينا، وإن كانت لا تمّت إلى الدين بصلة، ولكنّها ارتقت في أذهاننا إلى مستوى الشعائر المقدّسة، فأصبح مجرّد الإشارة إليها أمراً يثير المشاعر ويؤجّج فينا نار الغضب.

ولهذا نجد أنّ علماء المذهب نفسه لا يجرؤون على استنكارها، أو وعظ أصحابهم

٢٢٣

بتخفيف شدّة تمسّكهم بها، ولو تجرّأ أحدهم على شي‏ء من ذلك لنبذه أتباعه في الحال، ولأصبح بينهم عرضةً لألوان الشتائم والمطاعن، وربما بلغ الأمر إلى رميه بالزندقة والنفاق، ولو كان أتقى الأتقياء!

ولنتذكّر مرّةً أخرى أنّ من الخطورة بدرجة أن يميل كلّ منّا للاستفادة من هذه الإشارات في توجيه التهم إلى الآخرين، على أنّها من مزاياهم وحدهم، فإنّ هذا الأسلوب هو تجسيد كامل للعصبيّة، كما أنّه سوف يُبقي على كل معايبنا وأخطائنا، ثمّ يعود بنا إلى عمق مصيبتنا.

إنّما المطلوب منّا أن نفتّش عن تلك الظواهر في أنفسنا نحن لننتزعها، من قلوبنا وعواطفنا، ونتخلّص من آثارها.

فلوا امتلكنا مثل هذه الروحيّة، لاقتلعنا كلَّ جذور الخلاف، واكتسحنا كلَّ الآثار السلبيّة المترتّبة عليه.

والآن، لعلّي أصبحت قادراً على أن أطرح على نفسي السؤال الآتي:

ما الذي يحملني على الاعتقاد - إلى حدّ التسليم - بأنّ مذهبي الذي ورثته عن آبائي ومجتمعي الصغير هو الحقّ الأوحد والأمثل، وأنّه الصورة الأكثر كمالاً للدين الإسلامي الحنيف، بحيث لا يشاركه مذهب آخر في حظّه هذا من الكمال؟

ما الذي حملني على هذا الاعتقاد، أهو القرآن الكريم أم السنّة المطهّرة أم العقل السليم؟

أم هي العصبيّة التي لا تستند إلى شي‏ء؟!

ولماذا لا يمكنني أن أعتقد بأن المذاهب الأخرى هي مثل مذهبي على الأقلّ؟ ومن يدري! فلعلّها تكون جميعاً أكثر سلامةً وكمالاً ممّا تعلّمته أنا!

وما العجب من هذا الافتراض، أليس هكذا يعتقد أبناء المذاهب الأخرى؟

إذن ما الذي يمنعني من أن أكون أبعد نظراً، لأتقبّل فكرة، أنّ المذاهب الأخرى هي أيضاً تحتمل الصحّة، على الأقل؟ ثمّ ألستُ مسؤولاً غداً عن سبب اعتقادي وتبعيّتي الدينيّة؟

٢٢٤

وهذا هو السؤال الخطير الذي يجب أن أقف عنده موقف الجدّ.. سيبرز هنا سؤال آخر، وهو: ألا تقودني هذه الفكرة إلى الطائفيّة مرّة أخرى؟

أعني أنّني عندما أدخل طريق الدرس والمتابعة، فإنّ دراستي ستقودني حتماً إلى قناعة ما، وعلى أساس هذه القناعة سوف أنتخب المذهب عن وعي وإدراك هذه المرّة، كما تقتضي المسؤوليّة الشرعيّة، وأصول الدراسة العلميّة، أفلا يُفهم من هذا أنّني سوف أطعن بالمذاهب الأخرى، وسوف أصرّح بالفعل إن لم أصرّح بالقول، بأنّ المذهب الذي انتخبته هو الأكثر كمالاً ودقّة وعمقاً؟

نعم، قد تكون هذه الطريقة مصدراً للإثارة، ولكن إلى أيّ شي‏ء تعود تلك الإثارة، وعلى أيّة أرضيّة تقوم؟

هل انبثقت من موقف علمي ورؤية موضوعيّة، أم أنّها نشأت عن غير ذلك؟

وبتعبير آخر، هل هي رؤية تصمد أمام قوله تعالى:( قُل هاتُوا بُرهانَكُم إنْ كُنتُم صَادقينَ ) (١) . أم هي واقعة تحت ظلال قوله تعالى:( إنْ يَتّبِعُونَ إلّا الظَنَّ ومَا تَهوى‏ الأنفُسُ ) (٢) .

فهذا هو ميزان السماء لكلّ دعوى.

إنّ شيئاً من ردود الفعل هذه، ما هو إلّا جزء من إفرازات تلك العُقَد النفسيّة المتجذّرة فينا، وإلّا فمن أين جاء زعمنا: أنّ الفرد المسلم الذي انطلق من وعيه بمسؤوليّته الشرعيّة، ملتزماً قواعد البحث العلمي والدراسة الموضوعيّة المجرّدة، متسلّحاً بالشجاعة الكافية في اتّباع الحقّ الذي يستقرّ عليه، ثمّ انتهى إلى اختيار آخر، خالف فيه أصحابه، أنّه سيكون بالضرورة قد ناصبهم العداء، أو حكم عليهم بالضلال والجحيم؟

أليس العكس هو الصحيح، ما دمنا نقرّ جميعاً بأنّ هذا المنهج هو مسؤوليّة شرعيّة

____________________

(١) النمل: ٦٤.

(٢) النجم: ٢٣.

٢٢٥

في أعناق الجميع دون استثناء؟

نعم، لنا أن نقول: إنّ مثل هذا الفرد لكي يكون متوازناً في مواقفه، ملتزماً علميّته، عليه:

أوّلاً: ألّا يكون منفعلاً بتأثير نشوة الاكتشاف الجديد، فيندفع متحمّساً تجاه المذاهب الأخرى، ليشنّ عليها حملاته، بمناسبة أو بلا مناسبة، وكأنّه يتحدّث مع فرقة ضالّة قد مرقت من الدين.

وثانياً: ألّا يذوب كلّياً في المجتمع الجديد بكلّ ما فيه، حتى التقاليد الموروثة التي لم يكن مصدرها الإسلام، وحتى العُقد النفسيّة المتراكمة فيهم تجاه كلّ من يخالفهم بشي‏ء.

إنّ منهجاً كهذا لو التزمه الواعون منّا، لوصلنا إلى أفضل ممّا نحن عليه الآن بكثير.

وحتى لو لم نصل جميعاً إلى نتيجة واحدة، وحتى لو عاد كلّ واحد منّا فانتخب مذهبه الذي نشأ عليه من جديد، فلن يؤدّي ذلك إلى خلاف جديد بيننا بالمرّة، بل بالعكس تماماً سيؤدّي إلى احترام كلّ منّا للآخر؛ لأنّه سيعرف عنه الكثير مما كان مخفياً عليه، أو كان مشوّهاً في ذهنه، نتيجة ماورثه في ذلك الواقع الممزّق المخيف )(١) .

الفرق بين العصبيّة والوفاء للذكريات:

يذهب صائب عبد الحميد إلى وجود فرق بين العصبيّة والوفاء للذكريات فيقول:

( لست من الذين يرون أنّ هزيمة اليقين أمام العاطفة هو من أثر العصبيّة وحدها، فربّما يكون ذلك، ولكن ربّما تكون هذه العاطفة وفاءً للذكريات الجميلة التي لا يشك صاحبها في صفائها، وربّما يجتمع الأمران معاً.

والوفاء لذاته ممدوح، بعكس العصبيّة..

فكثيراً ما يقف المرءُ على حقيقة كان يعتقد بخلافها، ولكن لعقيدته هذه في قلبه قدسيّة أحياناً، فينبعث عن هذه القدسيّة سؤال يقول: أحقّاً أنّ هذا المفهوم الذي عشت

____________________

(١) صائب عبد الحميد/ منهج في الانتماء المذهبي: ١٥-٢٤.

٢٢٦

أُقدّسه لا أصل له، وأنّ الصواب في المفهوم الآخر الذي يأباه قلبي وتنفر منه نفسي؟!

هذه هي العصبيّة، وكم صدّت فحولاً عن مواصلة الطريق نحو الحقيقة الثابتة..

إنّ العصبيّة تمنح كثيراً من المفاهيم هالة قدسيّة، لكنّها سراب لا حقيقة لها.. وأصعب شي‏ء على من يقدّس أمراً أن يقال له: إنّ الذي تُقدّسه سراب!!

وثمّة نوع آخر من العاطفة يشدّ المرء الى الوراء..إنّه الوفاء للذكريات.. فَلِم لا وقد أمضى أيّام شبابه وهو في ذروة الحماس الديني، مع ثلّة من إخوانه المؤمنين، تزدان مجالسهم بالذكر والبحث الصادق النقيّ الذي لا تشوبه شائبة من رياء أو مكابرة؟

إنّه ليعشق تلك الذكريات عشقاً لا تتخلّله سهام الطعن، فإذا ما واجهته الحقيقة بغير ما كان يرى ثار شوقه إلى تلك الذكريات وتأجّج عشقه لها، فينبعث من بين الشوق والعشق سؤال يُمِضُّ الفؤاد: أحقّاً كانت مجالسنا تلك قد تخلّلها شي‏ء من الأوهام؟!

إنّه لا يريد أن يشك في ذلك الماضي الجميل!!

وهذا هو الوفاء للذكريات...

ولقد كنت للعصبيّة عدوّاً حيثما واجهتني، غلبتها أو غلبتني، أمّا الذكريات فقد آخيتها وأحسنتُ صحبتها حتى النهاية، وقد جعلتها في فقرات من هذا الكتاب بمثابة صديق لي أحاوره فيستجيب لي ولو همساً.

وقد أعانني على ذلك كونها ذكريات واضحة لم تختلط في ذهني.. وكونها زاخرة بعلامات استفهام كانت تثيرها العقول في ساعات انطلاقاتها، فتخترق بحرّيتها أسوار القداسة، ثمّ تترك السؤال حائراً، وقلّما وجدت له جواباً مقنعاً وشافياً..

ورأيت أثناء رحلتي أن الوفاء للذكريات لا ينبغي أن يكون عاطفيّاً، فربّما ينعكس أثره فلا يكون عندئذٍ وفاءً.. وإنما المطلوب من الوفاء أن يكون وفاءً علميّاً إنْ صحّ التعبير )(١) .

____________________

(١) المصدر السابق: ١٢.

٢٢٧

المانع الرابع‏

الهوى‏

من الموانع الأخرى التي تردع الباحث عن الإذعان للحقّ، وتعيقه عن تغيير انتمائه المذهبي بعد القناعة ببطلان ما كان عليه من أفكار ومعتقدات هو الهوى، لأنّ الهوى يأخذ بزمام النفس لتنساق مع مغريات وشهوات وملاذ الحياة. ولهذا يمنع الهوى صاحبه عن قبول أيّة فكرة فيها منع لمشتهياته الدنيويّة، ولا يسمح لصاحبه أن يبادر إلى ما يخالف ميوله ورغباته.

ويتمرّد الهوى عن الحقيقة ويحاربها كلّما يجدها مناقضة لمصالحه الشخصيّة، ويحاول - تلبيةً للنزعات الأنانيّة الكامنة في النفس - أن يوظّف قدرات صاحبه من أجل خلق الأعذار لعدم التخلّي عمّا يخالف هواه.

وبعبارة أخرى فإن من له مصلحة أو منفعة أو هوى في فكرة معيّنة، فإنّه لو ترك زمام أموره بيد هواه لقاده الهوى إلى رفض كل فكرة لا تخدم مصالحه ومنافعه ولا تتماشى مع رغباته النفسية، وسيدير ظهره لتلك الفكرة ويكفّ بصرَه عن رؤيتها. ويكون الإنسان بعد وقوعه في أسر الهوى، على الرغم من اكتشاف فساد ما هو عليه، معرضاً عن قبول الفكرة الجديدة المخالفة لهواه.

ولهذا لا يستطيع هكذا إنسان من اتباع الحق ما لم يكن لديه إرادة قويّة وعزيمة صادقة في طلب الحقّ، بحيث يدفعه ذلك نحو اعتناق الحقيقة ولو أدّى به ذلك إلى التضحية بممتلكاته وسحق شهواته ومخالفة أهوائه.

وأضف إلى ذلك أنّ الهوى يفرز في وجود الإنسان فهماً بشرياً خاصاً تنشأ منه اجتهادات خاطئة تزيّف الحقّ وتحرّف الواقع وتبعث بالحقيقة، بحيث يؤدّي ذلك إلى إرباك فهم الإنسان وفقدانه حالة الاتّزان.

ومن هذا المنطلق نجد الكثير من أهل الأهواء الذين يتّضح لهم الحقّ بالأدلّة والبراهين، يصعب عليهم التخلّي عن أفكارهم ومعتقداتهم السابقة وتغيير انتمائهم

٢٢٨

المذهبي وقبول الحقّ، لأنّهم تبعاً لما تملي عليهم أهواؤُهم لا يودّونَ ترك ما ألِفوه، ولا يرضون إتّهام آبائهم بالضلال.

بل البعض من هؤلاء يصعب عليهم أنّ يروا الحقّ في غير ما يخدم مصالحهم، فيكبر عليهم الأمر حينما يجدون الحقّ في خلاف ما تهواه أنفسهم، فتأخذهم العزّة بالإثم ويصرّون على البقاء على ما هم عليه ولو ظهر لهم الحقُّ كالشمس في رابعة النهار.

ويشير التيجاني السماوي إلى هذا الأمر قائلاً:

( كم من إنسان يُعادي الحقّ ويُعانده ردحاً من عمره، حتى يكتشف في يوم من الأيّام أنّه على خطأ فيُسارع بالتوبة والاستغفار وهذا هو واجب كل إنسان، فقد قيل: (الرجوع إلى الحقّ فضيلة).

وإنّما المصيبة في الذين يرون الحقَّ عياناً ويلمسونه بأيديهم ثمّ يقفون ضدّه ويحاربونه من أجل أغراض خسيسة ودنيا دنيئة وأحقاد دفينة )(١) .

ولهذا ينبغي للباحث الذي يودّ أن يخضع دائماً للحقّ أن لا يبيح لنفسه اتّباع الهوى، وأن يرفض السير وفق ما تملي عليه أهواؤه النفسيّة، لتكون نفسه مستعدّة للتضحية حين بحثها عن الحقّ.

وسبيل ذلك هو الاتّباع الصادق والاستسلام والخضوع لأوامر اللَّه تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله والإذعان بالحقّ ولو كان ذلك مخالفاً للميول والأهواء. وقد قال تعالى:

( إنّما كان قولَ المؤمنينَ إذا دُعوُا إلى اللَّه ورَسُولِه ليَحكُمَ بينَهُم أنْ يقُولُوا سَمِعنا وأطَعنَا وأولئك همُ المُفلحونَ ) (٢) .

( فَلا وربّك لا يؤمنونَ حتّى يُحكّموكَ فِيما شَجَر بينَهُم ثُمّ لا يَجِدُوا في أنفُسِهِم حَرَجاً ممّا قَضَيتَ وَيُسَلِّموا تَسلِيماً ) (٣) .

____________________

(١) محمد التيجاني السماوي/ الشيعة هم أهل السنّة: ٢١.

(٢) النور: ٥١.

(٣) النساء: ٦٥.

٢٢٩

( فإن لَم يَستَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَم أنّما يتّبعون أهواءَهُم ومَن أضَلُّ مِمّن اتّبع هواهُ بِغَيرِ هُدىً مِن اللَّه إنّ اللَّه لا يَهدي القومَ الظالمينَ ) (١) .

وينبغي أيضاً للباحث عن الحقيقة أن يعي بأنّه إن لم يتمكّن من التغلّب على هواه، فإنّ جميع جهوده في البحث عن الحقّ تذهب سُدى، لأن متّبع الهوى إذا عرف الحق سيكون غير قادر على اتّباعه، لأنّ الهوى سيدفعه إلى الإعراض عمّا توصّل إليه.

ولهذا ينبغي للباحث قبل البحث أن يوطّن نفسه لاعتناق الحقيقة مهما كلّف الأمر، وأن لا تكون نواياه حين البحث بأن يبحث عن الحقيقة التي تحقّق مصالحه الشخصيّة، لأن هذا يدفع الباحث في كثير من الأحيان إلى رفض الحقيقة فيما لو رآها لا تتماشى مع ميوله ومصالحه، فيدفعه ذلك على الرغم من اليقين بأحقّيتها إلى رفضها وعدم تقبّلها.

ولهذا يدعو التيجاني السماوي إلى الحذر من هذا المانع الذي يصدّ الإنسان عن اتّباع الحقّ قائلاً:

( لا تدع وساوس الشيطان، ولا الغرور بالنفس، ولا التعصّب المقيت يستولي عليك، ويصدّك عن الوصول إلى الهدف المنشود والحقّ المفقود وجنّة الخلود )(٢) .

وله أيضاً في كتابه (ثمّ اهتديت):

( ولماذا نهرب من الحقيقة ونحاول طمسها عندما لا تتماشى مع أهوائنا )(٣) .

____________________

(١) القصص: ٥٠.

(٢) محمد التيجاني السماوي/ الشيعة هم أهل السنّة: ٤٥.

(٣) محمد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: ٨٦.

٢٣٠

المانع الخامس‏

التهيُّب‏

من العقبات الأخرى التي يواجهها الباحث الذي يتوجّه إلى تغيير انتمائه المذهبي بعد اقتناعه بأحقّية الانتماء الآخر هو التهيّب والشعور بالخوف من التخلّي عن معتقداته السابقة.

ويشير معتصم سيّد أحمد إلى هذه العقبة التي واجهها حين دنى خلال بحثه من الاستبصار، فيقول:

( بعد فراغي من بحثي الأول الذي كلّفني مجهوداً فكريّاً ونفسيّاً، وجعلني أعيش صراعات مع ضميري وأخرى مع زملائي وأساتذتي في الجامعة، وصلت فيه إلى قناعة كافية أشك في الشمس ولا أشك فيها، وكانت النتيجة من ذلك كما وضّحت وجوب اتّباع مذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام وأخذ الدين عنهم.

وكانت هذه قناعاتي الأولى لفترة من الزمن، لم أتمكّن بعد من تحديد الموقف واختيار مذهبي رغم وجداني الذي كان يلُحّ عليّ باتّباع مذهب التشيّع، ورغم أنّ أصدقائي وأهلي وزملائي كانوا يصنفونني شيعيّاً، وكثير منهم يناديني بالشيعي وبعضهم بالخميني!، وأنا بعد لم أحدّد موقفي، لا أشك فيما توصّلت إليه، ولكن نفسي الأمّارة بالسوء هي التي تنهاني وتوسوس لي:

كيف تترك ديناً وجدتَ عليه آباءك؟!

وماذا تصنع مع هذا المجتمع الذي هو بعيدٌ عن اعتقادك؟!

وانت مَن حتى تصل إلى هذا؟! أغفل عنه أعاظم العلماء!! بل جلّ المسلمين؟!.. والآلاف من الأسئلة والتشكيكات التي غالباً ما كانت تتغلّب علي وتسكّتني!

وأحياناً ينتفضُ عقلي وضميري.. هكذا.. دفع وجذب ومدّ وجزر وتوتّر عصبي وانفصام في نفسي، لا مفرّ ولا أنيس ولا صديق ولا حبيب..

فطفقتُ أسأل وأبحث عن الكتب التي ردّت على الشيعة، لعلّها تُنقذني مما أنا فيه

٢٣١

وتوضّح لي حقائق لعلّها غائبة عنّي، ولقد كفاني الوهّابيّة عن جمعها فقد كان إمام الجماعة في مسجد قريتنا يحضر لي كل ما أطلبه..

وبعد البحث فيها تعقّدت مشكلتي وازداد توتّري ولم أجد فيها بغيتي، لأنّها خالية من الموضوعيّة والنقاش المنطقي، وكل ما فيها سبٌّ ولعنٌ وشتم وافتراءات وكذب، شكّلت لي حجاباً في أوّل الأمر، ولكن بعد تجريدها من هذه التأثيرات الإعلاميّة تبيّنت أمامي أوهن من بيت العنكبوت.

فعزمت بعد ذلك على مواصلة البحث، رغم اقتناعي بما توصّلت إليه في البحث الأول مقاوماً تسويلات نفسي ومتطلّعاً لرؤية الحقيقة أكثر ظهوراً وضياءً، فوقع اختياري على بحث أدلّة ولاية الإمام علي‏عليه‌السلام والناصّة على إمامته وكان في ذهني مجموعة من الأدلّة التي تؤدّي هذا الغرض رغم أنّها كافية لمن كان له عقل صاف وقلب سليم، ولكن أردت أن يكون هو البحث الفاصل بين أن أكون سُنيّاً أعتقدُ بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان وبين أن أكون شيعيّاً، أقول بإمامة علي ‏عليه‌السلام .

وبعد البحث كانت المفاجأة! حيث لم أستطع وإلى الآن أن أجمع وأحصي وأتتبّع كل الأدلّة سواء أكانت نقليّة أو عقليّة، التي تصرّح وبكل وضوح بإمامة أمير المؤمنين‏عليه‌السلام ، بعضها ظاهر في الدلالة وبعضها يحتاج إلى مقدّمات مطوّلة )(١) .

ويشير محمّد علي المتوكّل إلى هذه العقبة التي كان يعاني منها صديقه، قائلاً:

( وبينما كنت أشحذ إرادتي متحرّراً من آخر أغلال الخوف والتبعيّة للإعلان عن عقيدتي الجديدة واختياري الواعي، كان صديقي يتشرنقُ بأوهامه وينسلخ عمّا أوتيَ من آيات ودلائل ويقول:

لو كان هذا حقّاً لاتّبعه من هو أعلم منّا من الأوّلين والآخرين، فكان بذلك كمن استوقد ناراً فلمّا أضاءت ما حوله أبى أن يمشي فيها فجعل علمه جهلاً ويقينه شكّاً.

____________________

(١) معتصم سيّد احمد/ الحقيقة الضائعة: ١٠٩.

٢٣٢

كان كلّما اجتمعنا يجادلنا بلجاجة ومكابرة، مقلِّلاً من شأنه وشأننا، وكأنّما الحقّ لا ينكشف إلّا لكبار السنّ وذوي الألقاب العلميّة الجوفاء.

كان يقول:

مَن نحن حتى نكون أوّل من يتشيّع في السودان، هذا البلد الحافل بالعلماء والعرفاء في مختلف العصور؟

من نحن حتى نخالف مالكاً وأبا حنيفة وأحمد بن حنبل والشافعي وابن تيمية وغيرهم من علماء السلف؟

من نحن حتى ندّعي معرفة مالا يعرفه علماء السودان ومشايخه؟ )(١) .

ويشير التيجاني السماوي إلى هذا التهيّب في جواب مَن اعترض على عنوان كتابه (ثمّ اهتديت) بأنّه ينطوي على غموض قد يبعث على التأمّل والتساؤل حول ما إذا كان الآخرون على ضلاله، فيقول:

( وعلى فرض أنّ العنوان يتضمّن معنى الضلالة التي تقابل الهداية فيما نقصده على المستوى الفكري من إصابة المنهج الإسلامي الصحيح الذي يضعنا على الصراط المستقيم، كما عقّب بعض القرّاء بذلك، فليكن كذلك: وهو الواقع الذي يتهيّب مواجهته البعض بروحٍ رياضيّة بنّاءة، ونَفَسٍ موضوعي خلّاق..ينسجم في الفهم مع قول الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :

(( تركت فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي ‏أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً )).

فالحديث واضح وصريح في الإشارة إلى ضلال من لم يتمسَّك بهما معاً (الكتاب والعترة).

وعلى كل حال فأنا مقتنعٌ بانّني اهتديت بفضل اللَّه سبحانه وتعالى إلى التمسّك

____________________

(١) محمد علي المتوكّل/ ودخلنا التشيّع سجّداً: ٥٦.

٢٣٣

بكتاب اللَّه وعترة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فالحمد للَّه الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللَّه، لقد جاءت رسُلُ ربّنا بالحقّ )(١) .

فعبارة التيجاني (فليكن كذلك) تدلّ على جرأته وشجاعته في تخطّي هذه العقبة التي يصفها بعد ذلك قائلاً:

( وهو الواقع الذي يتهيّب مواجهته البعض بروحٍ رياضيّة بنّاءة، ونَفَسٍ موضوعي خلّاق.. ).

ويقول التيجاني السماوي أيضاً حول تجربته في تخطّي مانع التهيّب بعد غربلته لموضوع الصحابة و وصوله إلى النتائج التي هزّت كيانه:

( وعلى هذا خشيت على نفسي، واستغفرت ربّي مرّات عديدة أردت فيها الانقطاع عن البحث في مثل هذه الأمور التي تشكّكني في صحابة رسول اللَّه وبالتالي تشكّكني في ديني، ولكنّي وجدت من خلال الحديث مع بعض العلماء طيلة تلك المدّة تناقضات لا يقبلها العقل، وبدؤوا يحذّرونَني انّني إن واصلت البحث في أحوال الصحابة فسوف يسلب اللَّه نعمته عليّ ويهلكني، ومن كثرة معاندتهم وتكذيبهم كل ما أقول دفعني فضولي العلمي وحرصي على بلوغ الحقيقة إلى أن أقحم نفسي من جديد في البحث و وجدت قوّة داخليّة تدفعني دفعاً ).(٢) .

التوهّم بأنّ الكثرة تعني الحقَّ:

من أهم الأمور التي تبعث التهيّب في نفوس المستبصرين حين قصدهم ترك مذهبهم السابق والتوجّه إلى مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام رغم وجود الأدلّة الهائلة التي تأخذ بأيديهم إلى اعتناق التشيّع هي عدم القدرة على تقبّل خطأ ما عليه هذا الكمّ

____________________

(١) محمد التيجاني السماوي/ لأكون مع الصّادقين: ٧.

(٢) محمّد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: ١٢٤.

٢٣٤

الهائل من أتباع مذهب أهل السنّة والجماعة.

ويقول التيجاني السماوي حول تجربته في هذا المجال:

( و في بعض الأوقات أتساءل كما يتساءل كثير من الباحثين، كيف لم يكتشف هذا الطريق إلّا التيجاني.... علماء الإسلام الذين يُعدّون بالآلاف، بل بالملايين، وعلى مَرّ القرون واكتشفتها أنت اليوم.

وهذا في حدّ ذاته اعتراض وجيه، وأنا شخصيّاً تساءلت حول ذلك في عديد من المرّات، ولكنّي بتجربتي الشخصيّة التي بلغت من العمر ربع قرن، وبمجادلاتي مع بعض علمائنا، اكتشفت - ويا للأسف الشديد - أنّنا نردّد كالببغاء ما قيل قبلنا بدون بحث ولا تمحيص. أنا لا أردّد ما قاله الآباء فقط، وكأنّه قرآن كريم.

ونحن في بعض الأوقات نمجّد ونشكر ونفتخر بأشياء وهمية، علماً أنّها لا تقوم على الدليل والبحث العلميّ، بل قد تعاكس الخبرة البشريّة، وقد نشكر بعض الأحاديث التي تشتم - صراحة - رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن نقبلها بكلّ فخر واعتزاز على أنّها من السنّة النبويّة )(١) .

ويشير إدريس الحسيني إلى مواجهته لهذه العقبة، قائلاً:

( كنت كلّما طرحت سؤالاً على نفسي، رأيت شيطاناً يعتريني ويقول لي: (دع عنك هذا السؤال، فهل أنت أعظم من ملايين المسلمين الذين وُجدوا قبلك، وهل أنت أعلم من هؤلاء الموجودين حتى تحسم في هذه المسألة ).

كنت أعلم أنّ هؤلاء الملايين لم يطرحوا هذا السؤال على أنفسهم بهذه القوّة والإلحاح، وكنت أعتقد رغم ذلك أنّ المسألة لا تحتاج إلى شهادة أزهريّة حتى نحسم فيها.

وعلى كل حال، فلم تكن هذه الاعتراضات الوسواسيّة بالتي تردني عن اندفاعي إلى كشف الحجاب عن الحقيقة المخبوءة.

____________________

(١) محمد التيجاني السماوي/ اعرف الحقّ: ١٣-١٤.

٢٣٥

لكنّ شيئاً حزّ نفسي وهو هذه الكثرة الغالبة، لقد كبرت في عيني، وصعب عليّ مخالفتها، لولا أن هداني اللَّه، بيد أنّ شيئاً واحداً جعلني انتصر عليها ولا أبالي، وهي عندما وجدتها جاهلة. واستحضرت (جدّيتي) التي ورثتها من فكر (الهجرة والتكفير) فهذا الأخير على علّاته، علّمني كيف أخالف المجتمع الجاهلي، فهذا احتياطٌ جليل مكّنني من الصمود أمام الأمواج البشريّة المتدفّقة، والتي ليس لها منطق في عالم الحقائق سوى كثرتها )(١) .

ولهذا واجه القرآن هذه الحالة التي تجعل الكثير من الناس منهزمين نفسيّاً أمام كثرة الباطل، أو يخيّل لهم أنّ الحقّ في جانب الكثرة.

فقال تعالى:( قُل لا يَستَوي الخَبيث والطيّب ولَو أعجَبك كَثرةُ الخبيث فاتّقوا اللَّهَ يا أوُلي الألبَاب لعلّكُم تُفلحونَ ) (٢) .

وقد ذكر الباري عزّ وجل آيات كثيرة من أجل تصحيح فهم الذين يظنّون بأنّ الكثرة تعني الحقّ، وأنّ أحقيّة أيّ عقيدة وأصالتها ترتبط بكثرة عدد أتباعها وانتشارها أو ذيوع صيتها أو ما تحقّقه من انتصارات سياسيّة.

وقد جاءت في القرآن آيات كثيرة تصف الأكثريّةَ بأنّهم( لا يعلمون ) (٣) ، و( لا يؤمنون ) (٤) ، و( لا يشكرون ) (٥) .

وبهذا أراد الباري عزّ وجل أن ينتزع من نفوس المؤمنين الشعور بالضعف والانهزام والرهبة فيما هم عليه إزاء كثرة الباطل وقوّته، ليعرفوا أنّ التمييز بين الحقّ والباطل يتطلّب عدم لحاظ الكثرة والقلّة، لأنّ قضية الحقّ والباطل لا تخضع لحساب

____________________

(١) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ٦١.

(٢) المائدة: ١٠٠.

(٣) الأعراف: ١٨٧.

(٤) هود: ١٧.

(٥) البقرة: ٢٤٣.

٢٣٦

الأرقام، وانّ الكثرة العدديّة لا تُعطي للمذهب صِفتي الأصالة والواقعيّة، وأن قلّة عدد مذهب معيّن لا يعني أنّ ذلك المذهب فرقة منشقّة وشاذّة ولا تمت إلى الحقيقة بصلة.

ويشير هشام آل قطيط إلى هذه الحقيقة في كتابه (ومن الحوار اكتشفت الحقيقة) تحت عنوان: فعل الأكثرين لا يكون دليلاً على الصواب:

( فمن ذلك قوله تعالى:

( وَ إنْ تُطِع أكثَر مَنْ في الأرضِ يضلّوكَ عَن سبيلِ اللَّه ) (١) .

وقال تعالى:( وَمَا وجَدنا لأكثَرِهِم من عَهدٍ وإنْ وَجَدنا أكثَرَهم لَفاسِقين ) (٢) .

وقال تعالى:( فأبى‏ أكثَرُ النّاسِ إلّا كفُوراً ) (٣) .

وقال تعالى:( إنّ اللَّه لَذو فَضلٍ على النّاس ولكنّ أكثَر النّاسِ لا يَشكرُونَ ) (٤) .

وقال تعالى:( يَعرِفُونَ نِعمَة اللَّه ثمّ يُنكِرونَها وأكثَرُهُم الكافِرونَ ) (٥) .

وقال تعالى:( بَل أكثَرُهم لا يَعلَمونَ الحقَّ فهُم مُعرِضون ) (٦) .

وكل هذه الآيات تدلّ على أن الحقّ لا يكون دائماً بجانب الكثرة، وإنّما يكون غالباً بجانب القلّة.

ولو أنّك تدبّرت يا أخي لوجدت على مَرّ التاريخ أن الأغلبيّة عصاة، والمخلص المطيع منهم قليل والأكثر منهم جهّال، والعلماء منهم قليلون وأهل المروءة والشجاعة فيهم أقلّ وأهل الفضائل والمناقب أفراد وأن المدار في معرفة الحقّ والوقوف عليه

____________________

(١) الانعام: ١١٦

(٢) الأعراف: ١٠٢.

(٣) الفرقان: ٥٠.

(٤) يونس: ٦٢.

(٥) النحل: ٨٣.

(٦) الأنبياء: ٢٤.

٢٣٧

يعتمد على الدليل والبرهان )(١) .

وقد جرى بين عبد المنعم حسن قبل استبصاره وابن عمّه المستبصر حواراً يبيّن بصورة مُجملة العقبات التي تخلق التهيّب في نفسيّة الباحث عند تغيير انتمائه المذهبي.

وينقل لنا عبد المنعم حسن هذا الحوار في كتابه (بنور فاطمة اهتديت)، قائلاً:

( كنت قلقاً جدّاً وأنا أحاول تجنّب أيّ حوار مع ابن عمّي حول هذا المذهب الجديد الذي تجسّد في سلوكه أدباً وأخلاقاً ومنطقاً ممّا جعلني أفكّر في أنّه لا غضاضة في النقاش معه حول أصل الفكرة رغم قناعتي بأنّ ما يؤمن به لا يتجاوز أُطُر الخرافة، أو ربما نزوة عابرة جعلته يتبني هذه الأفكار الغريبة.

قلقي كان نابعاً من تخوّفي لأن أتأثّر بفكرته أو ربّما أجد أنّها تجبرني على الاعتراف بها، وبالتالي أخالف ما عليه الناس وما وجدت عليه آبائي، وسأكون شاذّاً في المجتمع وربّما اتهمت بأني مارق من الدين كما أتّهم.

ولكنّي تجاوزت كل ذلك وقرّرت أن أخوض معه حواراً لعلّني أجدُ مَنفذاً أزعزع من خلاله ثقة هذا الرجل بما يعتنقه، خصوصاً وأنّني قرأت كتباً لا بأس بها ضدّ الشيعة والتشيّع ومنها كان المخزون الذي من خلاله أنطلق لجداله فبدأت معه الحوار.

قلتُ له: الآن أنت تركت ما كان عليه الناس وأصبحت شيعيّاً، فما هي الضمانات التي تمنعك من أن تغيّر مذهبك غداً؟

قال: الآية الكريمة تقول:( قُل هاتُوا بُرهانَكُم إنْ كُنتُم صَادقِينَ ) وأنا من أنصار الدليل أينما مالَ أميل وقد أفرغت وُسعي وتوصلت إلى أنّ الطريق المستقيم هو مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام ، والدليل على صحّته أن الأدلّة التي يسوقها أصحابه ممّا اتّفق عليه جميع المسلمين.

قلت: لكن لماذا لم يكتشف غيرك هذه الحقيقة؟

____________________

(١) هشام آل قطيط: ومن الحوار اكتشفت الحقيقة: ٧٢-٧٣.

٢٣٨

قال: أوّلاً: من قال لك أنّه لا يوجد غيري! وثانياً: وصول غيرك للحقيقة أو عدمه ليس دليلاً على صحّة أو خطأ ما توصلت إليه، إنّ المسألة تكمن في نفس وجدان الحقيقة والحقّ ومن ثمّ اتباعه، ولا شأن لي بغيري، لأن اللَّه يقول: ( يَا أيّها الّذينَ آمَنُوا عَلَيكُم أَنفُسَكُم لا يضرُّكُم مَنْ ضلَّ إذا اهتَدَيتُم )(١) .

قلت له: لو افترضنا صحّة مذهب الشيعة، ذلك يعني أن ٩٠% من المسلمين على خطأ، لأنّ كل المسلمين يؤمنون بمذهب أهل السنّة والجماعة، فأين هذا التشيّع من عامّة الناس؟

قال: الشيعة ليست بهذه القلّة التي تتصوّرها، فهم يمثّلون غالبية في كثير من الدول، ثمّ أنّ الكثرة والقلّة ليست معياراً للحقّ بل القرآن كثيراً ما يذمّ الكثرة، يقول تعالى:( ولكنّ أكثَركُم للحقِّ كارِهُونَ ) (٢) ، ويقول:( ولا تجدُ أكثَرَهم شاكرينَ ) (٣) ، و( قليلٌ من عباديَ الشّكوُر ) (٤) ، وبذلك لا تكون الكثرة دليلاً على أنّهم على حقّ.

أمّا التشيّع كمنهج سماوي فهو بدليل أنّني شيعي، وإذا وُجّه الإشكال إلى عدم انتشار التشيّع، فهذا يتوجّه أيضاً لرسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أوّل دعوته وحتى وفاته إذ أنّ الإسلام لم يكن منتشراً ومع ذلك فهو الحق المنزل من قِبَل اللَّه تعالى.

فقلت متعجّباً: وهل تريدني أن أسلّم بأنّ آباءَنا وأجدادنا الذين عرفناهم متديّنين طريقهم غير الذي أمر به اللَّه.

ابتسم قائلاً: أنا لستُ في مقام بيان وتقييم أحوال الماضين، فاللَّه أعلمُ بهم، ولكن أذكّرك بأنّ القرآن يرفض أن يكون الأساس في الاعتقاد تقليد الآباء والأجداد، يقول تعالى:( وإذا قيلَ لَهُمُ اتّبِعوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالوا بَل نتّبِعُ ما أَلفَينَا عليه آباءَنَا أوَ لَو كان

____________________

(١) المائدة: ١٠٥

(٢) الزخرف: ٧٨.

(٣) الأعراف: ١٧.

(٤) سبأ: ١٣.

٢٣٩

آباؤُهُم لا يَعقِلونَ شَيئاً ولا يَهتَدُون ) (١) )(٢) .

ويقول عبد المنعم حسن حول هذا الحوار الذي استمرّ فيه الحديث إلى جوانب أخرى:

( انتهينا من جلسة الحوار هذه وأنا متعجّب من هذه الثقة التي يملكها، وفكّرت في البحث ولكن ليس لكي أقتنع وإنّما لأملك أدلّة أقوى أدحض بها حججه، وبعد فترة قرّرت ألّا أدخل معه في نقاش حتى أكون بعيداً عن المشاكل وحتى لا أتأثّر بهذه الأفكار الغريبة والتي أرى شخصاً عن قربٍ يتبنّاها )(٣) .

وعموماً على الرغم من كلّ الموانع التي يواجهها المستبصر في طريقه إلى اعتناق مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام ، والتي فرضت عليه بهدف الإعاقة أو غير ذلك، فإنّ المستبصر يوطّن نفسه لإزالة كافّة العقبات التي تمنعه من اعتناق المذهب الذي أسفر بحثه الحرّ والموضوعي والمبتني على الأسس العلميّة عن أحقّيته.

ومن هذا المنطلق يهجر المستبصر عقيدته الموروثة بعد التثبّت من ابتعادها عن الصواب، ويتوجّه إلى المعتقدات التي أملتها عليه البراهين والأدلّة الساطعة.

____________________

(١) البقرة: ١٧٠.

(٢) عبد المنعم حسن/ بنور فاطمة اهتديتُ: ٥٥-٥٦.

(٣) المصدر السابق.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374