التحول المذهبي‏

التحول المذهبي‏15%

التحول المذهبي‏ مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 374

التحول المذهبي‏
  • البداية
  • السابق
  • 374 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135409 / تحميل: 6810
الحجم الحجم الحجم
التحول المذهبي‏

التحول المذهبي‏

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

كمحاولة للوصول إلى الخلل الذي أوجد التناحر والتكاثر بين هذه التيّارات.. لم أجد هذا الخلل من الحاضر، بل وجدته من الماضي )(١) .

ويقول هشام آل قطيط حول إحدى العوامل التي حفّزته للبحث:

( إنّ قصّة الانتقال في العصر الحاضر من السنّة إلى الشيعة، زادتني حيرة وتأمّلاً وتفكّراً في هذا المجال العقائدي، فصرت أتساءل مع نفسي ما هذا الانتقال الضخم والتحوّل الهائل من التسنن إلى التشيّع؛ من علماء أهل السنّة ومثقّفيهم ولم أجد العكس...؟!!

لماذا...؟!!

فقلت لو لم تكن الأدلة مقنعة لما انتقل هؤلاء بهذه الكثرة وتركوا التسنن وأصبحوا شيعة )(٢) .

شروط البحث في المجال العقائدي:

إنّ البحث ومحاولة توسيع دائرة المعرفة والقيام بجولة فكريّة في رحاب المذاهب الإسلاميّة من أجل الوصول إلى الحقيقة لا تأتي ثمارها إلّا إذا تمّ خلالها مراعاة جملة من الشروط التي تؤدّي إلى سلامة المنهج وتضمن صحّة نتائجه وثماره.

ويمكننا عدّ الأمور التالية من جملة الشروط التي ينبغي للباحث الذي يطمح للوصول إلى النتائج الصحيحة أن يقوم بمراعاتها خلال البحث:

١ - التحلّي بالرؤية الشموليّة:

وهي أن يتوجّه الباحث في دراسته للقضايا العقائديّة توجّهاً شاملاً بحيث يتناولها

____________________

(١) صالح الورداني/ الخدعة: ٤.

(٢) هشام آل قطيط / ومن الحوار اكتشفت الحقيقة: ٢١٧.

٢١

من جميع جوانبها، ويلحظ جميع ما يرتبط بها، لأن تقصي المعطيات والإحاطة بكل ما له صلة بموضوع البحث من شأنه ان يتيح للباحث القدرة على أداء عمليات التحليل والنقد والتفسير في نطاق واسع وشامل، وبهذا يتمكّن الباحث من كشف الحقيقة بصورة كاملة.

أما النظرة الجزئيّة أو الضيّقة التي يقتصر فيها نظر الباحث إلى الموضوع من زاوية محدّدة، فإنّها تفضي في الغالب إلى النتائج الخاطئة، وتكون النتائج عموماً قاصرة نتيجة قلّة المعلومات التي يمتلكها الباحث حول الموضوع المطروح على طاولة البحث.

ومن أهم السبل للحصول على الشموليّة في الرؤية العقائديّة هي الوقوف على مختلف الاتّجاهات المذهبيّة، والانفتاح على الأفكار والرؤى المختلفة، وتحليلها ومعرفة أدلّتها وتبيين إيجابيّاتها وسلبياتها، لأن ذلك يتيح للباحث أن يوسّع دائرة معارفه من خلال تعرّفه على الرأي الآخر.

وهذا ما توجّه إليه إدريس الحسيني خلال رحلته المضنية في البحث عن الحقيقة، حيث أنّه يقول:

( وأنّه لجدير أن أكشف عن مدى الفجاجة التي لمستها في كل المذاهب التي انفتحت عليها، لقد قادني التفكير إلى مراجعة كل معتقداتي.

وامتدّت محاولاتي في البحث والتنقيب في كل المذاهب بل والديانات بما فيها الديانات الاسطوريّة. إنّني حاكمت نفسي يوماً في خلوتها، واشترطت عليها التجرّد الكامل في البحث عن الحقيقة العُليا. عن (اللَّه) الحقيقي، وعن وحيه الأخير! لقد انفتحت على الإنجيل باحثاً فيه عمّا ما يشفي غليلي، فرجعت أجرّ أذيال البؤس ويدي بيضاء من ذلّ السؤال. وكذلك سارت بي الراحلة، من مذهب إلى آخر، من دين إلى آخر، أنقلب، أبحث فراوحت إلى

٢٢

حضيرة الثقلين، منبت الهداية، وموطن الحق... )(١) .

كما أنّه يقول: ( تعلّمت أنّ من شروط البحث عن الحقيقة، عدم الاستماع إلى القول الواحد، وإلى الفرقة الواحدة، ولكن( الّذينَ يَسْتَمِعوُنَ القَوْلَ فيتَّبِعُون أحسَنه ) (٢) )(٣) . فعلى هذا، لا سبيل لمعرفة الحقّ إلّا عن طريق البحث الشمولي الذي يفتح أمام بصيرة الإنسان آفاقاً رحبة تُعينه على غربلة معتقداته وتمييز الصحيح منها عن السقيم. أمّا الّذين اقتصرت رؤيتهم على ما توارثوه من معتقدات، فهم على غير بيّنة من أمر دينهم، وعليهم أن يلمّوا بما لدى الآخرين من المذاهب الإسلاميّة، ليكون انتماؤهم المذهبي عن وعي و قناعة و حجّة وبرهان. وهذا ما قام به أغلبيّة المستبصرين حيث أنّهم أحاطوا بصورة إجماليّة على آراء المذاهب الإسلاميّة، ثمّ اتّخذوا قرارهم النهائي عن وعي فيما يخصّ انتمائهم المذهبي. وفي هذا الصعيد ينبغي لكلّ باحث يستهدف التعرّف على عقائد وأفكار باقي المدارس الفكريّة والمذاهب الإسلاميّة، أن يعي بان أفضل السبل لمعرفة آراء الغير ومعتقداته هي أقواله وتصريحاته، وعليه أن يبحثها بنفسه ويطّلع عليها من مصادرها المعتبرة والمعتمدة والموثوقة عندهم، لا من كتب ومصادر غيرهم أو ما كتبه عنهم خصومهم. لأنّ الخصم قد يكون جاهلا متطفّلاً، فيحرف الواقع عن غير قصد، أو قد يكون حاقداً متحاملا يفتري بقصد التنكيل و التشهير، أو قد يكون متطرّفاً يلجأ إلى المغالطات في تقييمه دون علم ودراية، أو قد يكون خائناً مستأجراً من قبل الأيادي

____________________

(١) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ٤٠٧.

(٢) الزمر: ١٨.

(٣) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ٣٥.

٢٣

الأثيمة، فيكذب ويدسّ بقصد التفرقة وإيقاظ الفتنة.

وهذا ما يتحتّم مراعاته عند دراسة مذهب التشيّع، لأن هذا المذهب قد تعرّض للهجمات الشرسة من قبل السلطات الحاكمة على مرّ العصور، وقد استغلّ الحاقدون ذلك من أجل الكيد بهذا المذهب والوقيعة به على غير دليل وبرهان، وقد نُسب إلى هذا المذهب الكثير من الأفكار والرؤى التي هو بري‏ء منها.

فلهذا ليس من الحقّ والإنصاف أن يُدان مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام بما ينسبه إليه غيره، أو بما يقوله الشواذ الّذين لا وزن لكلمتهم، بل الصحيح أن يقوم الباحث بمطالعة كتب الشيعة المعتبرة بنفسه، ليتعرّف بصورة مباشرة على ما هو متّفق عليه عند علمائهم، أو ما هو متسالم عليه عندهم.

وإلّا فمن المؤسف أن نجد باحثين ومحقّقين يقومون بإدانة مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام ، وهم ممن قد خفي عليهم أصول ومبادئ‏ وفكر هذا المذهب، وقد اكتفوا بما قيل عن هذا المذهب، ولم يبادروا للتعرّف عليه من كتبه المعتبرة.

ولهذا دعا الهاشمي بن علي بعد استبصاره أن يتعرّف الباحثون على التراث الشيعي من كتبهم أنفسهم، فقال:

( وصيّتي لكلّ قارئ‏ حرّ عنده عقل يميّز به الحق من الباطل، أن يقرأ عن الشيعة والتشيّع من كتب أهل الشيعة أنفسهم.. )(١) .

و اكّد هذا المستبصر على هذا الأمر في موضع آخر من كتابه قائلاً:

( عرفت الحديث القائل: (( النّاسُ أعْداءُ مَا جَهلوا ))(٢) .

وأنا من موقعي هذا أدعو كل إنسان حرّ أن يطّلع على كتب الشيعة وعلى آرائهم دون واسطة)(٣) .

____________________

(١) الهاشمي بن علي/ الصحابة في حجمهم الحقيقي: ٨٣.

(٢) نهج البلاغة: ١٧٢، الكلمات القصار.

(٣) الهاشمي بن علي / الصحابة في حجمهم الحقيقي:١٢.

٢٤

٢ - الموضوعيّة:

من أهمّ شروط الدراسة في المجال العقائدي أن يكون البحث موضوعيّاً، بحيث يتناسى الباحث انتماءه المذهبي ويصعد إلى أعلى درجات التجرّد، ومن ثم يقوم بالمقارنة القائمة على توثيق الحقائق، ليستطيع أن يصل إلى فكر موضوعي لا تحكمه عاطفة متحيّزة أو نزعة متعصبة أو رؤية موروثة أو تصوّرات سابقة.

ومن أهم سمات البحث الموضوعي في هذا المجال، هو التحلّل من القيود والمجاملات وانتحاء منحى الصراحة والتوجّه إلى البحث العلميّ المجرّد من التحيّز، والترفّع عن التعصّب البغيض والتمسّك بالحقائق مهما كانت مزعجة ومؤلمة، واستعمال العقل والتفكير العلمي المجرّد عن ضباب الانحراف النفسي والتعتيم الدعائي المخرّب، ودراسة المذاهب الأخرى دراسة واعية متأمّلة من منابعها الأصليّة.

وفي ظل هكذا أجواء يتمكّن الباحث بسهولة ومن دون أي توجّهات سلبيّة أن يعيد النظر في مصادر هدايته، وأن يقرأ من جديد وبروح بنّاءة قراءة المتدبر المستهدي المستفيد.

وهذا ما اتّبعه محمد عبد العال خلال بحوثه العقائديّة، حيث أنّه يقول:

( قرّرت بعد أن وقعت في هذه الحيرة العقائديّة أن أقف وأكف عن البحث، ثمّ أضع معياراً يصلح أن يكون قاعدة للآتي ممّا سأتبنى، وكان المعيار هو التجرّد، فالتجرّد عين ذات الحكمة؛ ((وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أوْتيَ خَيراً كَثيراً ))، ولم يكن التجرّد مجرد كلمة، بل كان تجرّداً عميقاً، لصيقاً في أعماقي، حرصت على أن أطمئن له )(١)

وهذا أيضاً ما قام به التيجاني السماوي خلال بحثه عن الحقيقة، حيث أنّه يقول:

( اقتحمت نفسي في البحث، بغية الوصول للحقيقة...، وتجرّدت من كلّ الأفكار

____________________

(١) مجلّة المنبر/ العدد:٢٦.

٢٥

المسبقة بكل إخلاص )(١) .

ويرى التيجاني السماوي أن من مصاديق الموضوعيّة أن يشكّك الفرد في انتمائه الموروث، ليحفّزه ذلك على البحث بدقّة عن صحّة ما ينتمي إليه.

فيقول في هذا المجال:

( وعلى الباحث المحقّق أن لا يأخذ الأشياء على ما هي عليه بأنّها من المسلّمات، بل عليه أن يعكسها ويشكّك فيها في أغلب الأحيان، ليصل إلى الحقيقة المطموسة التي لعبت فيها السياسة كلّ أدوارها.

وعليه أن لا يغتر بالمظاهر ولا بكثرة العدد، فقد قال تعالى في كتابة العزيز:( وَإنْ تُطِع أكثَر مَنْ في الأرضِ يُضلّوكَ عن سَبيلِ اللَّهِ إن يَتَّبِعُونَ إلّا الظنّ وإن هُم إلّا يَخرُصوُنَ ) (٢) )(٣) .

ويقول التيجاني السماوي حول المنهج الذي اتّبعه في بحثه العقائدي:

( عاهدت ربّي - إن هداني - أن أتجرّد من العاطفة لأكون حيادياً، موضوعياً، ولأسمع القول من الطرفين فأتّبع أحسنه، ومرجعي في ذلك:

١ - القاعدة المنطقيّة السليمة: وهي أن لا اعتمد إلّا ما اتّفقوا عليه جميعاً في خصوص التفسير لكتاب اللَّه والصحيح من السنّة النبويّة الشريفة.

٢ - العقل: فهو أكبر نعمة من نعم اللَّه عزّ وجل على الإنسان، إذ به كرّمه وفضّله على سائر مخلوقاته، ألا ترى أن اللَّه سبحانه عندما يحتجّ على عباده يدعوهم للتعقّل بقوله:( أفَلا يَعقِلُون ) ،( أفَلا يَفْقَهُون ) ،( أفَلا يَتَدَبَّرُون ) ،( أفَلا يُبصِرُونَ... الخ ) (٤) .

وله أيضاً في موضع آخر:

____________________

(١) محمد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: ٨٠.

(٢) الأنعام: ١١٦.

(٣) محمّد التيجاني السماوي/ الشيعة هم أهل السنّة: ١١.

(٤) محمد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: ٨٠.

٢٦

( وقد عاهدت ربّي أن أكون منصفاً، فلا أتعصب لمذهبي ولا أقيم وزناً لغير الحق، والحقُّ هنا مُرّ كما يُقال، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (( قل الحقّ وَلَو على نَفسِك، وقل الحقّ ولو كان مرّاً )) )(١) .

ويقول التيجاني في موضع آخر:

( وأخذت على نفسي عهداً وأنا أدخل هذا البحث الطويل العسير، أن أعتمد الأحاديث الصحيحة التي اتّفق عليها السنّة والشيعة، وأن أطرح الأحاديث التي انفرد بها فريق دون آخر.

بهذه الطريقة المعتدلة، أكون قد ابتعدت عن المؤثّرات العاطفيّة، والتعصّبات المذهبيّة، والنّزعات القوميّة أو الوطنيّة، وفي نفس الوقت أقطع طريق الشكّ لأصل إلى جبل اليقين وهو صراط اللَّه المستقيم )(٢) .

ويرى طارق زين العابدين أنّ من جملة مصاديق الموضوعيّة هو الاحتزاز عن التعصّب والتقليد، فيقول:

( إنّ من حَزَم الأمر على التحقيق والبحث في اعتقاده فهو لا يستطيع إحراز شي‏ء من تحقيقه إن كان مفعماً بالتعصّب وتقليد الذين لا يتيحان الفرصة للتحقيق الحرّ، فلابد له لكي يكون حرّ الحركة والتفكير، أن يفرّغ نفسه من كلّ ما يمكن أن يتسبب في إفساد التحقيق عليه والحيلولة بينه وبين ما يصبو إليه من بحثه، وأن يهيئ نفسه جيّداً لتقبّل الحقيقة التي يصل اليها، بعد إنجاز التحقيق والاطمئنان إلى سلامته من حيث المنهج السليم والأدلّة المقنعة بلا شكّ. لأنّ الخوف من خوض التحقيق أو الخوف من تقبّل النتيجة عدوّ المحقّق النزيه، فالنتيجة تحتّم عليه رحابة الصدر لتقبّلها باعتبار أنّها الحقّ، بل تحتّم عليه الدفاع عنها

____________________

(١) المصدر السابق: ٨٨.

(٢) المصدر السابق: ٧٦.

٢٧

وعرضها على الآخرين.

ومن لا يهدف إلى هذا من تحقيقه وبحثه فعليه ألّا يشرع في شي‏ء من التحقيق، لأنّه يكون عندئذٍ مضيعة لوقته، بل يكون عبثاً ولعباً، ولماذا يتحمّل المشاق ويقطع الحجّة على نفسه، ثمّ لا يقبل نتيجة بحثه وتحقيقه ولا يدافع عنها؟! )(١) .

ويقول صالح الورداني حول أهمّية اتّباع الموضوعيّة في البحث:

( لا تستطيع أن تجرّد الحقيقة في دائرة الفكر السني وأن تستخلصها من هذه التراكمات الطويلة العميقة المعقدة إلّا بصفة التجرّد.

والذين يقرؤون التراث السنّي بدون تجرّد لن يصلوا إلى شي‏ء، لأنه الخطوة الضروريّة لاستخلاص الحقيقة وسط هذه التراكمات )(٢) .

ويقول عبد المحسن السراوي في هذا المجال:

( ومن أراد أن يبحث ويقارن بين المذاهب، فعليه أن يلقي جلباب التعصّب المذهبي، ويكون هدفه مرضات اللَّه تعالى، ولم شمل هذه الأمة التي لا تزال تتخبّط في العصبيّة المذهبيّة.

ولا يستفيد من هذا التخبّط إلّا أعداء الدّين الذين يريدون أن تبقى الخلافات ليبقوا هم القدوة ولو على حساب التفرقة بين أبناء هذه الأمة )(٣) .

ويقول مصطفى خميس حول المنهج الذي ينبغي أن يتبعه من يبتغي الوصول إلى الحقيقة:

( إنّنا نبحث عن الحقيقة ونأخذ بها أينما وجدت، ونتوخّى في ذلك الدليل والنقل الصحيح، مسترشدين بقول مولانا الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام :

( نحن أبناء الدّليل، نميل حيث يميل )، بعيدا عن نهج أولئك الذين تلقّوا الّدينَ

____________________

(١) طارق زين العابدين/ دعوة إلى سبيل المؤمنين: ١٩.

(٢) مجلّة المنبر/ العدد: ٢٢.

(٣) عبد المحسن السراوي/ القطوف الدانية في المسائل الثمانية: ١٦.

٢٨

من الرّجال لا من النّصوص التي ورثوها عن النبي‏صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولابدّ من رسم قاعدة أساسيّة تكون منهجاً في البحث؛ وهي:

معرفة الرجال بالحق وليس معرفة الحقّ بالرجال؛ أيّ أن الرجال يُعرّفون بالحق، وليس العكس صحيحاً )(١) .

٣ - إتباع المنهج العلمي الرصين:

إنّ الجهد الذي يبذله الباحث خلال تحرّي الحقيقة لا يؤدي ثماره إلّا إذا سار الباحث في حركته طلبا للحقيقة وفق دراسة منهجيّة واضحة تخضع لخطّة مدروسة ومحدّدة، يلتزم فيها الباحث حين النظر إلى ما يطرحه من أحداث و مواقف تاريخيّة وقضايا فكريّة لها صلة بالعقيدة منهجا غايته الوصول إلى الحق فيما يخص دينه ومعتقده.

ومن فوائد إتباع هكذا منهج أنّه يصون الباحث من التأثّر بالعواطف الهائجة والشعارات المغرية التي تدغدغ العواطف والأحاسيس والهتافات الخادعة التي تزيّن الأمور دون سماح بالنظر إلى الجوهر والحقيقة.

لأن الذي لا يمتلك المنهج المحدّد والخطّة المرسومة في بحثه عن الحقيقة، فانّه من السهولة أن ينساق وراء الزخرف، أو يكون مصيره حين التقائه بشخصيّة ضالّة، تعي ما تفعل، أن يكون لعبة بيدها؛ لأن الشخصيّة الضالّة تكون قادرة على أن تحوّل جهد هكذا شخص لصالحها وتقوّي بذلك جبهتها وتدخله في لوائها وتحت بيرقها.

فلهذا ينبغي لكلّ باحث أن لا يسير خلال بحثه بصورة عفويّة أو ارتجاليّة طائشة، بل عليه أن يتّبع منهجيّة تدفعه لينهل من المنابع العلميّة الأصليّة التي لم تكدرها الأهواء ولم تعبث بها الشبهات، ليصون بذلك عقله من الاضطراب والتخبّط

____________________

(١) مصطفى خميس/ لا تضيّعوا السنّة: ١٠.

٢٩

وتضارب التصوّرات والاجتهادات، وليحترس خلال حركة بحثه من الأجواء التي تموج فيها الأهواء وتضطرب فيها المصالح والشهوات، والتي يتصدّى فيها بعض الشخصيّات لتسويغ باطلهم عن طريق تحريف الكلم عن مواضعه وتأويل الحديث في غير محلّه وتفسير الآيات الكريمة بما تهوى أنفسهم.

وبصورة عامة، فإنّ من أهم الأمور التي ينبغي أن يتّسم بها الباحث خلال دراسته العقائديّة، ليتمكّن من نيل المطلوب من بحثه هو:

١ - الدراسة بإمعان وبعقلٍ واع وفكر ثاقب وعقليّة منفتحة وبصيرة نافذة، والتوجّه إلى البحث بصورة متأنّية ومعمّقة ومستفيضة من أجل معرفة الحقيقة وتلمّس خطاها والاندفاع نحوها.

ولهذا يقول صائب عبد الحميد خلال وقفه له مع بحث عقائدي:

( ثم ليس من حقّنا أن ننتظر أيّ فائدة ترجى من وراء هذه الوقفة مالم يصحبها شرطان متلازمان على طول الطريق وحتى النهاية، وهما:

أ - الجدّ في التأمّل والنظر والمتابعة.

ب - الحياد التّام في التعامل مع المفاهيم والأحداث )(١) .

٢ - التوجّه بشوق ولهفة بحيث يشعر الفرد بمقدار ازدياد مستواه المعرفي خلال البحث أنّه يهفو إلى المزيد ويرغب في الاستزادة من العلم.

٣ - تلقي العلم من المصادر الموثوقة وغير المغرضة من أجل الاستيعاب والإلمام بالحقائق الدينيّة وعدم أخذ الأشياء بعفويّة، والحرص على توثيق المراجع ونسبة الآراء إلى أصحابها.

٤ - ابتغاء الشموليّة عن طريق الالتقاء بالعديد من العلماء والقراءات المستفيضة لعدد كبير من الكتب العقائديّة، وإجراء الموازنة والمقارنة بين الآراء المختلفة

____________________

(١) صائب عبد الحميد/ حوار في العمق من أجل التقريب الحقيقي: ٢٠.

٣٠

وغربلتها من أجل تمييز الأفكار والرؤى السقيمة عن الصحيحة، والتمكّن من خلال هذه المقارنة من معرفة وجه الحقيقة العلميّة وفق ما يمليه العقل السليم والمنطق السديد، أيّ وفق ما يشير إليه الدليل العقلي والبرهان المنطقي.

٥ - التمتّع بعلوّ الهمّة والاستعداد للتضحية في سبيل الوصول إلى الحقيقة من قبيل التغرّب لطلب العلم وتحمّل العناء من أجل رفع المستوى المعرفي.

٦ - بذل الوسع واستنفاد الطاقة والعمل بجد واجتهاد وكدّ وكدح ومتابعة ومواصلة بغية الوصول إلى عالم المعرفة وتجلية الحقيقة والوصول إلى الوعي الكامل والقناعة التامّة، وبناء منظومة فكريّة مشيّدة على الأسس العلميّة الرصينة.

٧ - إعادة قراءة التراث الإسلامي، قراءة سليمة وفق منهجيّة معرفيّة تصون صاحبها من الرفض المطلق له أو القبول المطلق له أو المبادرة إلى التلفيق والانتقاء العشوائي منه.

٨ - نبذ الاكتفاء بالظواهر في فهم النصوص والاجتناب عن التمسّك بحرفيّة النصوص، بل المبادرة إلى فهم محتوى النصوص ومعرفة مقاصدها.

٩ - تفعيل الفكر وشحنه بالحيويّة وجعله متوثّباً لا يركن إلى الجمود، وذلك من خلال الابتعاد عن الأجواء التي تحاول تحديد فكر الإنسان بأطر لا يمكن تجاوزها أو الحيد عنها، لأن البقاء في هكذا أجواء يؤدّي إلى إقفال العقل، ويمنع المرء من التقدّم العلمي في مجال البحث، وهذا ما يؤدي بصاحبه إلى الإفلاس العقائدي والمعيشة في ظل الآفاق المعرفيّة الضيّقة

موانع البحث في المجال العقائدي:

قد يظنّ البعض أن البحث من أجل تصحيح العقيدة أو التثبّت من صحّتها طريق مفروش بالزهور، وأنّ الأمور كلّها تسير فيه على ما يرام، ولكن الواقع يشير إلى خلاف ذلك، لأن هذا الطريق شائك و مضني، وأن الباحث يواجه فيه الكثير من الموانع

٣١

والعراقيل التي تحاول أن تسلب اهتمامه بالبحث أو تصرّفه عن مواصلة بحثه.

ومن هذه الموانع يمكننا ذكر الموارد التالية:

١ - تحذير الآخرين من التعرّف على رأي المخالفين

ويذكر الكثير من المستبصرين أنّهم واجهوا العديد من العراقيل التي خلّفها من كان يعيش حولهم، ليصدّوهم عن مواصلة البحث والتعرّف على فكر مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام .

وليس خشية الكثير من أهل السنّة من الكتاب والفكر الشيعي إلّا وليد هذا التحذير المنتشر في أوساطهم من قبل علمائهم ومَن تبعهم.

ويشير الهاشمي بن علي إلى هذه الحقيقة قائلاً:

( والواقع أن هناك مسألة مهمّة نلفت إليها النظر، وهي خوف بعض اخواننا السنّة من مطالعة كتبنا حتى أنّ البعض منهم يشتريها ويحرقها كما سمعت!!

من يخاف من قراءة كتاب فلن يبلغ الغاية لا في الدين ولا في الدنيا.

اقرؤوا كتبنا، فإن كنّا ضالّين فهاتوا بُرهانَكم وأرشدونا لتكسبوا الثواب، وإن كنّا على الحقّ فتعالوا إليه وإن كان مرّاً )(١) .

ومن هذا المنطلق يدعو محمد الكثيري أبناء الصحوة إلى توسيع آفاق معارفهم بقراءة تراث سائر المذاهب، فيقول:

( على أبناء الصحوة ألا يخافوا من البحث والقراءة واستخدام العقل في التمحيص والمقارنة، لأن هذا هو السبيل الوحيد، الذي يحفظهم من السقوط في أحابيل المصالح السياسيّة المختلفة والمتناقضة، والتي لا يعلمون عنها شيئاً )(٢) .

ويصف معتصم سيّد أحمد حركة التحذير من الانفتاح على باقي المذاهب بأنّها

____________________

(١) جريدة المبلّغ الرسالي/ ٢٧ صفر ١٤١٩ ه ق.

(٢) محمد الكثيري/ السلفيّة: ٦٦٩.

٣٢

حركة نابعة من عقول منغلقة تحاول بإغلاق المنافذ المطلة على الواقع الخارجي أن تبقى في دائرة ما هي عليها.

فيقول حول هذه الدعوة:

( فكل دعوى تأمر بالانغلاق وعدم البحث وتحصيل المعرفة، فإنّها دعوى تقصد تكريس الجهل وإبعاد النّاس عن الحق.

إن ما يقوم به الوهابيّة من تحصّن بعد الإطّلاع على الكتب الشيعيّة وعدم مجالسة أفراد الشيعة والنقاش معهم، هو الأسلوب العاجز وهو منطق غير سليم، وقد عارض القرآن الكريم هذه الفكرة بقوله:

( قُلْ هَاتُوا بُرهنَكُم إنْ كُنتُم صَادقينَ ) (١) )(٢) .

ويقول عالم سنّي من الفيليبين:

( نشأت من صغري على الحسّاسيّة من الشيعة وكرههم والحذر الشديد من كتبهم، لأنها كتب ضلال، حرام قراءتها وبيعها وشراؤها.

وفي لحظة فكرت في نفسي وقلت: أليس من المنطقي أن يطّلع الإنسان على وجهة النظر الأخرى ويفهمها، ثم يناقشها ويردّها؟

أليس موقفنا شبيهاً بموقف الذين يقول اللَّه تعالى عنهم:( جَعَلُوا أصَابِعَهم في آذانِهِم ) ؟ ومن ذلك اليوم قررت أن أقرأ كتب الشيعة، وليقل الناس عنّي ما يقولون! )(٣) .

٢ - تفشّي روح اللامبالات بالبحوث الدينيّة ومنها العقائديّة، وهو اتّجاه مطروح في عصرنا الحاضر، وهو يدعو إلى ترك البحث والتفكير فيما يخص الأمور العقائديّة، ويرى أن هذا الأمر لا جدوى فيه، لأنّه لم ولن يؤدّ يوماً ما إلى قرار حاسم أو فكرة

____________________

(١) البقرة: ١١١.

(٢) معتصم سيّد أحمد/ الحقيقة الضائعة: ٣٠ - ٣١.

(٣) الإمامة والقيادة/ أحمد عِزّ الدّين - مقدّمة الناشر.

٣٣

يتّفق عليها أصحاب المدارس الفكريّة المتجادلة في هذا المجال.

ويدعو هذا الاتّجاه أن يصرف الإنسان تفكيره إلى ما هو أجدى في حياته من الرفاهيّة وإلى ما يعود عليه بالفائدة الملموسة بمختلف جوانبها.

وهذا الاتجاه - في الحقيقة - قد نشأ نتيجة الجهل بأهمية العقيدة والغفلة عن أمر الآخرة والانغماس في الملذات الدنيويّة.

و أفكار هذا الاتجاه لم تترعرع إلّا في نفوس الذين حجبت التقنيّة الحديثة بصائرهم وأحاطتهم أوهام الدنيا من كلّ جانب وأسرتهم بين مخالبها وأحكمت سيطرتها - بقوّة - على نفوسهم، فجعلتهم لاهثين وراء الجانب المادّي وملذات الحياة الدنيا تاركين وراء ظهورهم كل القيم والعقائد والجوانب الروحيّة، بل حتى الجوانب الخُلقيّة، محبذين إمضاء أوقاتهم في إشباع أنفسهم بالملذات وتلبية ميولهم ورغباتهم المشروعة وغير المشروعة بدل التوجه إلى الجد والاجتهاد في المطالعة والبحث في الأمور الدينيّة.

ويمكننا إلقاء بعض التقصير في هذا المجال على عاتق بعض رجال الدّين، حيث أنهم نتيجة بعض مواقفهم غير المسؤولة وعدم محاولة فهمهم لعقليّة الجيل المعاصر، خلقوا بين الجيل الجديد وبين العقيدة الدينيّة فجوة دفعت بعض الشباب إلى إدارة ظهورهم للعقيدة الدينيّة وابتعادهم عن البحث في هذا المجال.

ويشير هشام آل قطيط إلى ما عاناه في هذا المجال قائلاً:

( عندما كنت في القرية وأنا طالب في الجامعة أتردد على بعض المساجد في المنطقة فأجد الخطاب عند العلماء متشابها تماماً، بحيث لا يختلف عالم عن آخر بطريقة الخطاب، من حيث المقدمة والموضوع والخاتمة والدعاء.

أشعر بأنّ علماءَنا يتّبعون بطريقة روتينيّة في إلقاء الكلام، بحيث إذا غاب إمامُ المسجد لمرض أو لظرف معيّن، يكلّف أحد الاخوة المصلّين بإلقاء الخطبة، يصعد على المنبر ويقرأ علينا بطريقة الدرج والسرعة، فأنظر من حولي أجد قسم من الناس

٣٤

نيام، والقسم الآخر كأنّه مسافر في حافلة، هذا من جهة الخطاب.

وأمّا من جهة الحوار الموضوعي والانفتاح الفكري، فهو مفقود تماماً. لماذا؟

لأنّنا ترعرعنا على طريقة التفكير التقليدي الموروث الغير قابل للتطور، رغم أن الإسلام دين التطور ودين المرونة ودين الانفتاح ودين المعاملة ودين النصيحة ودين الأخلاق ودين الإنسانية دين السّماحة والعزة والكبرياء والأنفة، هذه هي مبادئ ديننا الحنيف الذي نزل به الوحي على نبيّنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث إذا أردت السؤال من أحد العلماء فإجابته على شقّين:

الشقّ الأول: إما يجاوبني وإما يقول لي: ما هذا السؤال الذي تطرح، فيسفّه سؤالي!

والشقّ الثاني: إذا كان سؤالي عن مذهب معيّن ولم يكن الجواب حاضراً في ذهن الشيخ، فيقمّعني، ما يجوز تسأل هكذا سؤال، هذا سؤالك غلط، لا يجوز أن تجادل، الجدلُ فيه إثم، صوم وصلّي وبس، لماذا تقلق نفسك بهكذا أفكار، فالشيخ عندنا في البلد ديكتاتور.

فصرت أتساءل في نفسي يا إلهي إذا أريد أنْ أستفسر عن ديني وعن بعض الأفكار الصعبة التي تدور في ذهني أواجه بالقمع.. والإرهاب، وأهل البلد مع الشيخ وليسوا معي ولا مع أفكاري، فعشت في حيرة )(١) .

وقد تكون مسألة اللامبالات للبحث ناشئة من الكسل وحب الراحة كما يشير إلى ذلك التيجاني السماوي قائلا:

( وقد اكتشفت أيضاً أن الكثير من العلماء يمتلكون الكثير من الكتب مما يزينون به غرفهم وبيوتهم، ولكن قد تفتح الكتاب فتجده مغلقاً من الداخل، ولم تفصل أوراقه بعد.

وقد تسأل أحدهم عن حديث فيستنكره ويُقسم باللَّه أن لا وجود له، ولكن عندما

____________________

(١) هشام آل قطيط/ ومن الحوار اكتشفت الحقيقة: ١٩-٢٠.

٣٥

تطلعه على ذلك الحديث في كتابه الذي يحمله أو يقتنيه في بيته، يستغرب، ثمّ يَستنكر، ثمّ يُنكر، ثمّ يتكبّر )(١) .

ويشير معتصم سيّد أحمد أيضا إلى هذا المانع قائلاً:

(ومن عوامل الخطأ أيضاً، التسرّع، وهو نتاج حبّ الراحة، فمن غير أن يتعّب الإنسان نفسه في البحث والتنقيب يريد أن يصدر حكمه من أول ملاحظة، ومن هنا قلّ المفكّرون في العالم لصعوبة التفكير والبحث، فمن يريد الحق فلابدّ أن يجهد نفسه في البحث.

وغير ذلك من الملاحظات العلميّة التي لابدّ من أن يضعها الباحث نصب عينيه قبل الشروع في البحث، وهذا مع التجرّد التام والتسليم المطلق إذا ظهر الحق، وبالإضافة إلى طلب العون والتضرّع إلى اللَّه تعالى لكي ينير قلبك بنور الحقّ:

(( اللهمّ أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابَه)) حديث شريف )(٢) .

وقد يكون سبب عدم التوجّه إلى البحوث العقائديّة وعدم المبادرة إلى معرفة أصول ومباني سائر المذاهب نتيجة أسباب أخرى يشير إليها محمد الكثيري قائلا:

( لن أكون مجانباً للصواب إذا قلت بأنّ مسألة التمذهب والمذهبيّة أو الاختيارات الفقهيّة والأصوليّة، كانت قضايا مُبهمة لدينا ولدى غالبيّة الملتزمين الشباب من جيلنا.

أوّلا: لندرة الكتب التي تعالج هذه القضيّة الشائكة.

ثانيا: لعدم معرفتنا بتفاصيلها و خلفياتها التاريخيّة ونحن في بداية التحصيل العلمي الديني.

زد على ذلك خلو الساحة من أيّ تعدد مذهبي فقهي أو أصولي...

____________________

(١) محمد التيجاني السماوي/ اعرف الحق: ١٤.

(٢) معتصم سيّد أحمد/ الحقيقة الضائعة: ٣٢

٣٦

لذلك كانت معرفتنا بباقي المذاهب الفقهيّة والأصوليّة الأخرى هزيلة، بل نَكاد لا نعرف شيئاً عن المذاهب الإسلاميّة خارج إطار أهل السنّة والجماعة )(١) .

وقد يكون سبب إهمال البحث في الأمور العقائدية وعدم الالتفات إلى الاختلافات المذهبية غير ما ذكر، لأن كل إنسان قد يكون له دليل خاص به في هذا المجال.

ويقول أسعد وحيد القاسم حول أسباب عدم توجّهه نحو البحوث العقائدية والخلافات المذهبيّة قبل الاستبصار:

( ولم أكن حتى أفرق بين السني والشيعي، لأنني كنت قد غضضت نظري عن تلك الفروق التي بينهما، والتي لا تجعل بأي حال من الأحوال احدهما مسلماً والآخر كافراً، والتي لم أكن أعلم تفاصيلها، ولم أكن مستعدا حتى للتفكير فيها أو حتى البحث عنها لشعوري بعدم الحاجة إلى مثل هذه البحوث التي تطلب التنبيش في التاريخ، والدخول في متاهات قد لا تصل إلى نتيجة، وكنت مقتنعاً في ذلك الحين [قبل الاستبصار] أنّ التقصي لمعرفة مثل هذه الفروق والاختلافات هو من نوع الفتنة التي ينبغي الابتعاد عنها أو الحديث فيها )(٢) .

وقد يكون سبب عدم التوجّه إلى البحوث العقائديّة هو الجهود المكثّفة التي تبذلها بعض السلطات الحاكمة لتجهيل أبناء مجتمعاتها بأمور دينهم وإحداث حالة من الضياع الفكري والإفلاس العقائدي والانحسار الثقافي فيهم، من أجل غرس روح التبعيّة وتهيئة أرضية السيادة عليهم وتسييرهم بكل سهولة!

٣ - إنّ البعض قد يواجه عراقيل كثيرة في حياته نتيجة الأجواء التي تحيطه، أو الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي يمرّ بها، فيمنعه ذلك من تنمية وعيه وارتقاء مستواه

____________________

(١) محمد الكثيري/ السلفيّة: ١١-١٢.

(٢) أسعد وحيد القاسم/ حقيقة الشيعة الاثنى عشريّة: ١٠.

٣٧

الفكري وإثراء رصيده المعرفي وتوسيع نطاق ثقافته، فلا تتهيّأ لديه الأرضية المناسبة للبحث العلمي والتعمّق في ظواهره وخوافيه.

وعلاج ذلك هو أن يسعى هكذا إنسان بكلّ وسعه أن يهاجر إلى البلدان التي تتوفّر فيها الأجواء المناسبة لتنمية وعيه ولهذا قال تعالى:

( إنّ الّذينَ تَوفَاهُم الملائِكةُ ظالِمِي أنفُسِهِم قالُوا فيمَ كنتُم قالُوا كُنَّا مُستَضعَفينَ في الأرضِ قالُوا ألَم تَكُن أرضُ اللَّهِ واسِعةً فتُهاجِروا فِيهَا فأولئِكَ مَأواهُم جَهنّمُ وسَآءَتْ مَصيرا * إلّا المُستَضعَفينَ مِنَ الرّجالِ والنِّسَاء والوِلْدانِ لا يَسْتَطيعُونَ حِيلةً ولا يَهتَدُونَ سَبيلاً * فأولئك عَسَى‏ اللَّهُ أنْ يَعفُوا عَنهُم وَكانَ اللَّهُ عفُوّاً غَفوراً ) (١) .

٤ - التلبّس بالعقليّة المنغلقة التي لا تحب البحث، لأنّها تخشى أن يسلب البحث منها المعتقدات التي ألفتها مدّة طويلة من الزمن.

فهؤلاء يحبذون الجمود والعكوف على الأفكار البالية، ويرجّحون البقاء على الكسل الذهني، لئلا يحلّقوا في الأجواء التي لم يألفوها من قبل.

ويمكننا أن نقول بأن الشخص الذي يوفّق للاستبصار هو الذي يتخطّى جميع هذه العقبات ويصمد إزاء كافّة التيّارات المضادّة بقوّة وعزم، ويقتحم كافّة الموانع التي يجدها أمامه ويخوض معترك البحث، بغية أن يصل إلى العقيدة التي تأخذ بيده إلى أعلى مراتب الكمال.

ولكن مع ذلك لا يمكننا إنكار المصاعب التي يواجهها هكذا شخص خلال رحلته المضنية في مجال الوصول إلى العقيدة الصحيحة التي يمكن الاطمئنان إليها والوثوق في صحّتها وصدقها، لأن الحقيقة عزيزة المنال وطريق البحث إليها شائك واجتيازه مجهد، والموقف محرج والحق مُرّ ثقيل، وتحوّل الإنسان من فكرة منتمي إليها ومؤمن بصحّتها إلى غيرها يحتاج إلى تحمّل الكثير من الجهد والعناء.

____________________

(١) النّساء: ٩٧ - ٩٩.

٣٨

ولهذا يقول التيجاني السماوي للذين يودّون توسيع دائرة معارفهم:

( وعلى الذين يريدون التوسع أن يتكبّدوا عناء البحث والتنقيب والمقارنة كما فعلت، لتكون هدايتهم بعرق الجبين وعصارة الفكر كما يطلبه اللَّه من كل واحد وما يتطلّبه الوجدان لقناعة راسخة لا تزحزحها الرّياح والعواصف.

ومن المعلوم بالضرورة أن الهداية التي تكون عن قناعة نفسيّة أفضل بكثير من التي تكون بمؤثرات خارجيّة)(١) .

ويصف إدريس الحسيني التجربة التي خاضها خلال البحث قائلاً:

( لقد قمت بكلّ ما يمكن أن يفعله باحث عن الحقيقة، ومصر على المضي في دربها الوعر.

لكن، المهمّ، أنّني وصلت إلى البداية حتى لا أقول النّهاية )(٢) .

ثم يصف ما لاقاه من معاناة خلال البحث قائلاً:

( لقد قضيت فترة في البحث قاسية يا اللَّه كم كان الأمر صعبا إنّني كنت أشعر بالانسلاخ إنّه أشبه ما يكون بالمخاض!! )(٣) .

وفي الحقيقة تكمن صعوبة البحث على الحق في المجال العقائدي، في أنّ الحقيقة لا تتم معرفتها بمجرّد معرفة نصوصها الجزئيّة، أو من خلال العثور على النصوص المتفرّقة والمتناثرة والمفصولة بعضها عن بعض، بل ينبغي إرجاع الفروع إلى الأصول والجزئيّات إلى الكلّيات والمتشابهات إلى المحكمات والظنّيات إلى القطعيّات، ليمكن الوصول إليها جميعاً على نسيج واحد يشكّل هيكليّة مترابطة تكشف الواقع والحق.

كما أنّ الكثير من الحقائق مثقلة بركام من الخلط والخبط، وليس من السهولة

____________________

(١) محمد التيجاني السماوي/ ثم اهتديت: ٩٩.

(٢) مجلّة المنبر/ العدد: ٣.

(٣) المصدر السابق.

٣٩

الحصول عليها من بين هذا الركام.

ولهذا يقول التيجاني السماوي:

( فعلى الباحث أن يرجع إلى المصادر الموثوقة، وأن يتجرّد للحقيقة فيمحّص الروايات والأحداث التاريخيّة ليكشف من خلالها الحقائق المكسوّة بثياب الباطل فيجرّدها وينظر إليها في ثوبها الأصلي )(١) .

ويقول صالح الورداني أيضاً حول تجربته في البحث:

(كان البحث عن حقيقة الإسلام وسط ركام من الأقوال والفتاوى والأحاديث وأحداث التاريخ أمراً شاقّا وعسيرا.

فمنذ أن توفّى رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحتى اليوم علقت بالإسلام الكثير والكثير من الشوائب التي غطّت على معالمه وموّهت على حقيقته وقضت على ملامحه حتى أنّه تحوّل إلى إسلام آخر غير ذلك الإسلام الذي ورّثه الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله للأمّة.

وبدأ وكأنّ الأمر يحتاج إلى رسول جديد لبعث الإسلام مرّة أخرى.

هذا ما توصّلت إليه من خلال بحثي وقراءاتي وتجاربي الطويلة في دائرة الواقع الإسلامي بمصر والتي استمرّت أكثر من عشرين عاماً )(٢) .

وتكمن أيضاً صعوبة البحث في أنّه يتطلّب من الباحث أن يكون في موقف الحيطة والحذر من كلّ ما ألفه واعتاده في المجال العقائدي، لئلا ينجرف خلال البحث وراء خلفيته الموروثة، ليحترز من تأثير هذه الخلفيّة على تفكيره وبحثه، فهو على الدوام خلال البحث في صراع مع عواطفه وتصوّراته السابقة وموروثاته التي ألفها من قبل.

____________________

(١) محمد التيجاني السماوي/ فاسئلوا أهل الذِكر: ٢٥٧.

(٢) صالح الورداني/ الخدعة: ٤.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

( أبو جعفر ـ ـ )

الإمام معصوم منذ الولادة :

س : هل المعصوم يكون معصوماً من أوّل ولادته ، أم يكون معصوماً عندما يستلم إمامة المسلمين؟ وشكراً.

ج : إنّ الأئمّةعليهم‌السلام معصومون منذ الولادة ، ولا يكون إماماً إلاّ إذا كان معصوماً ، فالعصمة إذاً تحقّق موضوع الإمامة.

ثمّ إنّ معنى العصمة هو الانكشاف التامّ واليقين القطعي بملاكات الأحكام ، وبالمصالح والمفاسد وراء الأحكام الشرعية ، فإذا علم الإنسان علماً قطعياً بالضرر الكبير المترتّب على الفعل المعيّن فلا يمكن أن يقدم عليه ، وهذا هو معنى العصمة.

إذاً ، فأهل البيتعليهم‌السلام لمّا كانوا يعلمون حقائق الأُمور ، وملاكات الأحكام من قبل تسلّم الإمامة ومن بعدها ، فهم معصومون منذ الولادة.

هذا مضافاً إلى آية التطهير :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) الدالّة على العصمة ، مع عدم اشتراط سنّ معيّن ، أو حالة معيّنة كالإمامة مثلاً ، فهي عامّة شاملة لجميع الأعمار ، وسواء حصلت الإمامة أم لم تحصل ، كما في فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وكما في أمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام ، حيث كانوا معصومين بنصّ آية التطهير قبل تسلّم الإمامة.

( أبو العياط نور الدين ـ الجزائر ـ )

النبيّ والأئمّة خلّص عباد الله فعصمهم :

س : هل عصمة النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام بأمر من الله؟ أي أنّ الله خلقهم من غير أن يخطأوا ، أم أن تكوينهم الذاتي والنفسي وارتباطهم الدائم بالله جعلهم رساليين ، فعصمتهم من عمق رسالتهم؟ والسلام على محمّد وآل محمّد.

____________

١ ـ الأحزاب : ٣٣.

٣٢١

ج : العصمة تارة تكون من الذنب ، فهي من مجاهدتهمعليهم‌السلام ، إذ بإرادتهم لم يذنبوا مع مقدرتهم على الذنب ، ويكون حال الذنب وابتعادهم عنه ، كحال ابتعاد أحدنا عن أكل العذرة مع قدرته على الأكل.

وتارة تكون العصمة عن السهو والنسيان والخطأ ، فهي عصمة إلهية بأمر من الله تعالى ، أي : أنّ الله خلقهم كذلك ، وذلك لسبق علم الله بأنّ هؤلاء خلّص عباده فعصمهم ، فمقدّمات العصمة في هذا القسم كسبية ، وكانت النتيجة إلهية وهبها لعباده المخلصين.

( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : معنى كلامكم : أنّ الله تعالى اختارهم أئمّة لعلمه المسبق بأنّهم لا يعصونه بإرادتهم ، وهنا أطرح سؤالين :

الأوّل : كيف نفسّر بأنّ أهل البيتعليهم‌السلام قد وجدوا أنواراً حول العرش قبل خلق آدم؟

الثاني : كيف نفسّر قول الإمام عليعليه‌السلام للمسلمين : « ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد »؟(١) .

هل يمكنكم إعطاء توضيح أكثر في التوفيق بين العصمة وبين الاختيار؟

ج : قلنا أنّ العصمة عن الذنب هي عن مجاهدةٍ منهم ، وأنّهم يستطيعون أن يذنبوا ، ولكن لا يذنبون بإرادة منهم ، وأمّا العصمة عن السهو والنسيان والخطأ ، فإنّ الله خلقهم كذلك ، وذلك لسبق علم الله ، ومقصودنا من سبق علم الله قبل أن يوجدهم أنواراً حول العرش ، إذ لم يقل أحد بقدم هذه الأنوار.

وأمّا عن السؤال الثاني فنقول : ما هو مقصود أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله : « لا تقدرون على ذلك » ؟ فإذا كان قصده لا تقدرون على ما يقدر عليه أهل

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢٠٥.

٣٢٢

البيتعليهم‌السلام المعصومون بالعصمة الإلهية ، والعصمة التي هي بإرادتهم ، فإنّه لا يرد عليه أيّ إشكال.

( أنيس مهدي ـ الجزائر ـ )

الجبر والاختيار فيها :

س : هل الأئمّة المعصومون عليهم‌السلام مجبرين في عصمتهم؟ أم وارد احتمال الخطأ منهم ، وهم يمتنعون لسموّ أرواحهم الطاهرة؟

ج : العصمة تارة تكون من الذنب فهي باختيار المعصوم ، يتجنّبها المعصوم بإرادته ، ويكون الذنب أمام المعصوم واجتنابه عنه ، كما ينظر أحدنا للعذرة ويتجنّب عن أكلها ، مع قدرته على أكلها.

وتارة تكون عن السهو والنسيان فإنّها جبرية ، متعلّقة بعلم الله بأنّ هؤلاء سيكونون من أفضل البشر ، فاصطفاهم وطهّرهم تطهيراً.

( ابتسام ـ البحرين ـ )

آية ابتلاء إبراهيم :

س : السادة الأفاضل الرجاء التكرّم بالإجابة على سؤالي : من الأدلّة العقلية الدالّة على عصمة الإمام : آية ابتلاء إبراهيمعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) .

١ ـ إنّ الإمامة في الآية غير النبوّة ، لماذا؟

٢ ـ ما المراد من الظالمين؟

٣ ـ هناك شبهة تقول : إنّ الآية تشمل من كان مقيماً على الظلم ، وأمّا التائب فلا يتعلّق به الحكم ، لأنّ الحكم إذا كان معلّقاً على صفة وزالت الصفة زال الحكم ، فكيف نردّ على هذه الشبهة؟

____________

١ ـ البقرة : ١٢٤.

٣٢٣

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل فنقول :

الإمامة أعلى شأناً من النبوّة ، إذ النبوّة هي مقام تلقّي الوحي فقط ، ولكن الإمامة رتبة التصدّي لقيادة الأُمّة على ضوء تعاليم الوحي ، فالإمام هو خليفة الله على الأرض لعظم المسؤولية التي تقع على عاتقه.

ومن هنا نعلم أنّ المناسب للرتبة التي منحت لإبراهيمعليه‌السلام بعد ابتلائه هو الإمامة ، مضافاً إلى أنّ ظهور كلمة :( إِمَامًا ) في الآية تدلّ بالصراحة على منصب الإمامة لا النبوّة ، فصرفها إلى النبوّة تكلّف بلا حجّة ولا دليل.

على أنّ المعنى واضح من خلال الآية ، فإبراهيمعليه‌السلام في أوان نبوّته كان لا يعلم بحصول ذرّية له في المستقبل ، بل وفي قصّة تبشير الملائكة بإسماعيل وإسحاق ما يلوح منه آثار اليأس والقنوط من الحصول على الأولاد ، فكيف والحال هذه يستدعي إبراهيمعليه‌السلام من الله تبارك وتعالى إعطاء رتبة الإمامة لذرّيته؟

فيظهر لنا أنّ هذا الدعاء كان بعد ولادة بعض ذرّيته على الأقل ، أي بعد حصوله على رتبة النبوّة.

ثمّ إنّ هنا أيضاً نقطة هامّة لابأس بالإشارة إليها ، وهي أنّ( جَاعِلُكَ ) اسم فاعل ، ولا يعمل إلاّ في الحال أو الاستقبال ، أي قوله تعالى :( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) يدلّ على إعطاء الإمامة فيما بعد ، مع أنّ هذا القول هو وحي ، فلا يمكن وصوله إلاّ مع نبوّة ، فثبت أنّهعليه‌السلام كان نبيّاً قبل تقلّده الإمامة.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني فنقول :

المقصود من الظالمين ، مطلق من صدر منه ظلم ، ولو في مقطع من الزمن ، وحتّى ولو تاب فيما بعد ، والآية بهذه الصراحة تريد أن تركّز على صفة العصمة في الإمام ، فمن لم تكن فيه هذه الميزة ـ ولو في برهة من عمره ـ لا يليق بهذا المقام.

وبالنسبة إلى السؤال الثالث فنقول :

٣٢٤

بداهة العقل تردّ هذه الشبهة ، فهل يعقل أنّ إبراهيمعليه‌السلام الذي عرف منزلة الإمامة وشأنها ـ بعد الابتلاءات العصيبة التي مرّ بها ـ يسأل هذه الرتبة للمقيم على الظلم؟! ألا يعلم هوعليه‌السلام أنّ هذه المكانة السامية لا تجتمع مع الشرك أو المعاصي؟! فمنه يظهر أنّ استدعائهعليه‌السلام الإمامة كان لمن لم يعص أبداً من ذرّيته أو عصى ثمّ تاب ، ونفى الله تعالى إعطائها لغير المعصوم من نسله ، فبقي المعصوم هو الذي يكون مشمولاً للآية.

ثمّ حتّى على فرض الأخذ بظهور الآية ، فإن كلمة :( الظَّالِمِينَ ) مطلقة ، وتشمل جميع من صدر منهم الظلم ـ سواء تابوا بعد أم لا ـ ولا دليل لتخصيصها بقسم دون آخر.

( محمّد أنور اللواتي ـ أمريكا ـ )

التوفيق بين ترك الأُولى لآدم وتوبته :

س : يقول علماؤنا الإجلاّء : إنّ النبيّ آدم عليه‌السلام ترك الأولى ولم يقترف ذنباً ، لعدم إمكانية ذلك في المعصوم ، ولكن القرآن الكريم يبيّن أنّ آدم عليه‌السلام تاب ، والتوبة لا تكون إلاّ من المذنب ، كيف نتمكّن من التوفيق بين الأمرين؟

ج : نلفت انتباهكم إلى الأُمور التالية :

١ ـ إنّ الأدلّة القائمة على العصمة أدلّة عقلية ونقلية قطعية ومسلّمة ، وقد ثبت في محلّه أنّ هذه الأدلّة هي مستقلّة عن الأمثلة ، أي أنّها لا يعتمد في إثباتها على الأمثلة ، وعليه فلا تقاس صحّة هذه الأدلّة بالأمثلة النقضية ، إذ أنّ النقوض تأتي فقط على الأدلّة التي تثبت عن طريق الاستقراء والتمثيل ، وبما أنّ المقام ليس كذلك ، فلا يرد عليه أيّ نقض تمثيلي ، بل يجب أن يفسّر كُلّ مورد ومثال على ضوء تلك القاعدة العامّة.

٢ ـ التوبة في اللغة هي في الأصل الرجوع عن الشيء والإقلاع عنه ، ولم يؤخذ في معنى الكلمة الرجوع عن المعصية بالذات ، ويؤيّد ما قلنا استعمال مادّة التوبة

٣٢٥

لله تعالى في القرآن الكريم ، نعم ، كثرة استعمالها في الرجوع عن المعاصي في العباد صرفت الكلمة إلى هذا المعنى.

ثمّ بناءً على ما ذكرناه آنفاً ، يتحتّم علينا أن نفسّر توبة آدمعليه‌السلام بما لا ينافي قاعدة العصمة ، فإنّ توبته كانت إقلاعاً ورجوعاً عن علمه السابق ، وإظهار الندم عليه ، ولكن لا دليل على أنّ ذلك العمل كان معصيةً ، بل نلتزم بأنّه كان تركاً للأولى ، حفظاً لقاعدة العصمة ، مع عدم منافاته لظهور الكلمة.

( حفيظ بلخيرية ـ تونس ـ )

مسألة خروج آدم من الجنّة :

س : إنّني من المعتقدين بعصمة الأنبياءعليهم‌السلام ، ولكن المرء يجد في القرآن الكريم عدّة آيات لا يجد لها تفسيراً واضحاً للردّ على الشبهات ، ومن بينها مسألة خروج آدمعليه‌السلام من الجنّة ، فإن كان غير مكلّف في الجنّة ـ كما جاء في تفسيركم ـ فالحال يشمل إبليس عليه اللعنة ، إذ أنّه خالف الله في مسألة السجود لآدم فلعنه الله.

أمّا فيما يخصّ اصطفاء آدم ، فما هو تفسير الآية :( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) (١) .

ج : إنّ موضوع عصمة الأنبياءعليهم‌السلام يعتمد على أدلّة عقلية ونقلية ثابتة ومسلّمة ـ كما ذكر في محلّه ـ ومع النظر إلى هذه الأدلّة نعرف أنّها لا تعتمد في إثباتها على أمثلة وشواهد ، أي أنّها مستقلّة عنها ، وبعبارة أُخرى : لا يستفاد في إثبات أدلّة العصمة من القياس التمثيلي.

وعليه ، فلا ترد عليها ـ أي العصمة ـ نقوض من باب الموارد والأمثلة ، بل وبحسب القواعد العلمية يجب تفسير تلك الموارد غير الواضحة على ضوء أدلّة

____________

١ ـ فاطر : ٣٢.

٣٢٦

العصمة ، فإنّه من تفسير وتوضيح المشكوك بالقطعي ، وهذا ممّا يدلّ عليه الوجدان بالضرورة.

وممّا ذكرنا يظهر وجه الدلالة على عصمة آدمعليه‌السلام ، فيجب علينا أن نفسّر الأحداث والقضايا التي مرّت بهعليه‌السلام بعد الفراغ والتسليم لعصمته ، فلا معنى لورود النقض عليها ، هذا أوّلاً.

وثانياً : عدم تكليف آدمعليه‌السلام في الجنّة هو أحد الآراء في المسألة ، وهناك أقوال أُخرى ، وعلى سبيل المثال يرى بعضهم : أنّ النهي المتوجّه لآدمعليه‌السلام من قبل الله تعالى كان نهياً إرشادياً لا مولوياً ، ومعناه عدم صدور معصية منهعليه‌السلام في صورة ارتكابه للمنهي ، بل مجرد تعرّضه لبعض المتاعب والمصاعب تكويناً ، وهذا ما قد حدث ، فإنّهعليه‌السلام قد هبط إلى الأرض ومارس هو وولده الحياة الصعبة على وجهها إلى يوم القيامة ، بعدما كان قد تنعّم في الجنّة بدون تعب ومشقّة.

وأمّا إبليس ، فإنّه كان مكلّفاً بالأوامر والنواهي التكليفية ، كما يظهر من الأمر بالسجود المتوجّه إليه ، ومؤاخذته من قبل الله تعالى على عدم انصياعه لذلك الأمر.

فبالنتيجة : كان إبليس في عالم التكليف ، بخلاف آدمعليه‌السلام الذي لم يتوجّه إليه التكليف ـ عموماً أو في خصوص التناول من الشجرة المعينة ـ أو كان الأمر المتوجّه إليه إرشادياً ، أو أنّهعليه‌السلام كان قد ترك الأولى والأفضل.

وبالجملة : فصدور المعصية من إبليس أمر مسلّم ، لمخالفته الصريحة في مسألة السجود ، لكن الذي صدر من آدمعليه‌السلام لم تكن مخالفة مولوية ، بقرينة عدم مؤاخذته من قبل الله تعالى.

وأمّا بالنسبة لتفسير آية :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) (١) فملخّص القول فيه :

____________

١ ـ فاطر : ٣٢.

٣٢٧

أوّلاً : إنّ الكتاب المذكور هو القرآن ، بدليل أنّ الآية السابقة تصرّح بهذا المطلب :( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ) (١) ، فبدلالة السياق نعرف أنّ المقصود هو القرآن ، فاللام في( الْكِتَابِ ) للعهد دون الجنس.

ثانياً : اصطفاء آدمعليه‌السلام ثابت بحسب النصّ القرآني :( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا ) (٢) .

ثالثاً : هذا الاصطفاء كان بعد هبوط آدمعليه‌السلام وتوبته ، وجعله خليفة الله في الأرض ، لا عند إسكانه في تلك الجنّة المعيّنة ، أو عند أكله للشجرة الممنوعة.

رابعاً : الضمير في( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ ) فيه احتمالان :

الأوّل : أن يرجع إلى( عِبَادِنَا ) باعتبار قاعدة رجوع الضمير إلى الأقرب ، وعليه فالمعنى يكون واضحاً بلا شكّ وريب ، إذ لا يكون الظالم ـ حينئذٍ ـ مشمولاً للاصطفاء.

الثاني : أن يرجع إلى( الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا ) ، ولا مانع منه وتصحّ هذه النسبة ـ نسبة الوراثة ـ إلى الكلّ مع قيام البعض بها حقيقةً ، كما جاء في القرآن( وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ) (٣) ، والحال نعلم أنّ المؤدّين لحقّ الكتاب والقائمين بأمره آنذاك بعض بني إسرائيل لا جميعهم.

خامساً : كما ذكرنا في مقدّمة الجواب ، فإنّ ظلم آدمعليه‌السلام لنفسه لم يكن ظلماً تشريعياً ، أي لم يخالف الله تعالى في أمر تكليفي مولوي يستحقّ العقاب والمؤاخذة ، بل ظلم نفسه بإلقائها في المتاعب والمشاكل الدنيوية ، وإن استدركه بالتوبة والاستغفار والإنابة.

سادساً : الظاهر من الآية المذكورة :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) أنّها بصدد تعريف المصطفين بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بدلالة سبقها بآية( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ

____________

١ ـ فاطر : ٣١.

٢ ـ آل عمران : ٣٣.

٣ ـ غافر : ٥٣.

٣٢٨

الْكِتَابِ ) ، وبقرينة الروايات الواردة عن المعصومينعليهم‌السلام ، فلا تشمل المصطفين من الأُمم السابقة ، وإن سلّمنا باصطفائهم بأدلّة عقلية ونقلية أُخرى.

( أبو أحمد البحراني ـ البحرين ـ ٣١ سنة ـ طالب علم )

الفرق بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي :

س : أرجو منكم توضيح الفارق : بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي ، وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي؟

وببيان آخر : إنّ المعصوم في ذاته يمكن أن يصدر منه الخطأ ، فعدم ارتكابه للمعصية هو عن اختيار ، وذلك يرجع لانكشاف الواقع له كما هو ، أمّا بالإمكان الوقوعي فهو لا يمكن أن يعصي ، وذلك للزوم المحال في صدور المعصية منه خارجاً.

أرجو من سماحتكم بيان وجه المحالية بالشرح والتوضيح مع ضرب الأمثلة ، وهل يلزم من القول بمحالية وقوع المعصية منه خارجاً على نحو الإمكان الوقوعي كون الإمام مجبوراً وغير قادر على فعل المعصية خارجاً؟

هذا هو سؤالي ، أرجو التوضيح التامّ للمسألة يخرج منه اللبس والإيهام ، ودمتم مسدّدين.

ج : العصمة هي مناعة وصيانة عن الوقوع في الخطأ والمعصية ، ولكن ليست هذه الحصانة تنفي قدرة واختيار المعصومعليه‌السلام ، بل صدور الخطأ ممكن منهعليه‌السلام من حيث الفرض ، ولكن لا يقع عملاً ، وهذا ما يسمّى بالإمكان الوقوعي ، أي أنّ الزلل ممكن منهعليه‌السلام وقوعاً ـ وليس ممتنع ذاتاً ـ ولكن لا يرتكب المعصية ، وذلك وفقاً لأدلّة العصمة.

والمقصود من الاستحالة في المقام هي الاستحالة الوقوعية لا الذاتية ، وهذه الاستحالة الوقوعية هي نتيجة الاعتماد على أدلّة العصمة.

٣٢٩

فالترتيب المنطقي للموضوع هكذا : إنّ صدور السلبيات من المعصومعليه‌السلام ممكن نظرياً بالإمكان الوقوعي ، ولكن نظراً إلى أدلّة العصمة نلتزم باستحالة ذلك بالاستحالة الوقوعية.

فترى أنّ هذه الاستحالة لا تفرض حالة جبرية على المعصومعليه‌السلام ، بل هي نتيجة الأخذ بأدلّة العصمة.

وإن شئت عبّرت عن الموضوع : بأنّ المعصومعليه‌السلام لا يصدر منه الخطأ والمعصية في الخارج ، وإن كان صدورها منهعليه‌السلام ممكن الوقوع عقلاً.

( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

آية التطهير تدلّ على عصمة أهل البيت :

س : يشكّك البعض في آية التطهير ، قائلين بأن لو كان بالفعل تدلّ على العصمة ، فلم حكم شريح القاضي على أمير المؤمنين لصالح ذاك اليهودي؟ ولم يفعل مثل ذو الشهادتين؟ فإن كان الإمام عليه‌السلام معصوماً وجب على شريح تصديقه.

ج : إنّ القواعد العلمية في كُلّ مجال تقتضي أن يفسّر المردّد أو المشكوك على ضوء المقطوع والمتيقّن ؛ وفي المقام : فإنّ دلالة آية التطهير لا يشوبها شكّ ولا ريب في إفادتها العصمة لأهل البيتعليهم‌السلام ، وأمّا ما توهّم كنقض في هذا المجال فجوابه من وجوه :

١ ـ إنّ الأدلّة القائمة على لزوم العصمة في الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام ليست منحصرة في آية التطهير فحسب ، بل وإنّ لها دلائل كثيرة عقلية ونقلية من الكتاب والسنّة ـ كما هو مقرّر في علم الكلام ـ.

٢ ـ إنّ في مسألة خزيمة ، كان طرف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أعرابياً مسلماً ، وبحسب الظاهر كان يجب على هذا الأعرابي الإيمان بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعصمته وأقواله ، فلا يحقّ له أن يعارض قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو أن يحاججه ، وشهادة خزيمة كانت من

٣٣٠

باب حفظ الظواهر والموازين ، وإلاّ لم تكن هناك حاجة إلى شهادة شاهد أساساً.

وأمّا في موضوع حكم شريح ، كانت الدعوى بين أمير المؤمنينعليه‌السلام ويهودي ، فحينئذ لا مجال لفرض قبول عصمة أمير المؤمنينعليه‌السلام في أقواله وأفعاله من جانب ذلك اليهودي ، وعليه فلابدّ وأن تكون الحكومة والقضاء بينهما بالطريقة المألوفة من الأيمان والبيّنات ، فنفذّ شريح الأسلوب القضائي المتعارف بين الناس ، مع غضّ النظر عن مقام الإمامة ، حتّى لا يتوجّه إشكال مبنائي بينهعليه‌السلام وبين اليهودي.

٣ ـ ليس لنا علم ويقين بأنّ أشخاصاً ـ كشريح ـ كانت لهم تلك المعرفة الحقيقية بمقام الإمامعليه‌السلام وعصمته ، حتّى تكون تصرّفاتهم على ضوء تلك العقيدة الصحيحة ؛ بل وإنّ البعض منهم كانوا يرون الإمامعليه‌السلام كخليفة ليس إلاّ ، وعليه فيمكن أن يكون أسلوب شريح في هذا الموضوع على ضوء هذا الاحتمال.

بقي أن نعلم بأنّ الإمامعليه‌السلام خوفاً من إثارة الفتن ، وحفظاً لمصالح عليا ، رجّح إبقاء أمثال شريح ـ مع ما كانوا عليه ـ في منصبه القضائي ، ريثما تتهيّأ الأرضية المناسبة لتبديله أو إقصائه.

( عبد الكريم ـ المغرب ـ ٤٥ سنة ـ دكتوراه في الطبّ )

غير واجبة في حقّ العلماء :

س : لدّي إشكال في قضية انتفاء عصمة المرجعية عند الشيعة في عصرنا ؛ إذ أنّ تقليد غير المعصوم يفضي إلى إمكانية الخطأ ؛ والله تعالى يقول : ( وَلاَ

٣٣١

تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (١) ، وقوله : ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ) (٢) .

ج : إنّ عقيدة الإمامية هي عصمة الإمامعليه‌السلام لا غيره ـ كما هو واضح ومبرهن بالأدلّة العقلية والنقلية ـ لأنّ العصمة في كُلّ شخص على خلاف الأصل ، إذ القاعدة الأوّلية في كُلّ إنسان السهو والغفلة والخطأ والنسيان ، إلاّ ما أخرجه دليل العصمة من شمول هذه القاعدة.

ومن جانب آخر نعلم بأنّ دليل العصمة لا يتولّى إثبات عصمة ما عدا المعصومين المعنيينعليهم‌السلام .

بقيت هنا نقطة فيها من الإبهام وهي : أنّه قد يتساءل البعض كيف نفرّق بين مقام الإمامعليه‌السلام والمجتهد؟ ونلتزم بالعصمة في الأوّل دون الثاني ، إذ أنّهما كليهما يتولّيان زعامة الدين والطائفة ، فلماذا هذا التمييز؟

والجواب يكمن في نحوية الزعامة والمسؤولية ، فالإمام المعصومعليه‌السلام يلقى على عاتقه بيان الأحكام الواقعية المتلقّاة من مصادر الوحي والنبوّة ، وعليه فالعصمة شرط لازم في نطاق وظيفته ؛ وإلاّ فلا يمكن الاعتماد على أيّ حكم صادر منهمعليهم‌السلام بأنّه حكم إلهي.

وأمّا المجتهد فحوزة مسؤوليّته تقع في مجال السعي لحصول تلك الأحكام الواقعية ، فربّما يظفر على الحكم الواقعي ، وأحياناً يطبّق الحكم الظاهري ، وعلى أيّ حال فهو معرّض للخطأ في اجتهاده.

ثمّ إنّ الحكمة في هذا الاختلاف هي أنّ طروّ الخطأ والسهو في مجال وظيفة المجتهد ، لا يؤثّر في أركان العقيدة ، والمباني الأساسية للدين والمذهب ، إذ أنّ نطاق الاجتهاد هو بنفسه مضيّق ومحدود ، فمثلاً لا يجتهد المجتهد في أُصول الدين والمذهب ، والضروريات والموضوعات ، فلا تمسّ أخطاؤه المبدأ والعقيدة ،

____________

١ ـ الأنعام : ١٦٤.

٢ ـ البقرة : ١٦٦.

٣٣٢

بخلاف احتمال خطأ الإمامعليه‌السلام ، فإنّه يضعضع أوامر السماء من الأساس ، فيتحتّم على المولى الحكيم أن يعصمه من الخطأ والزلل حذراً من تضييع الدين ؛ وهذا هو الفارق بين المقامين.

وأمّا مسألة اختلاف الأنظار والفتاوى ، فإنّه ممّا لابدّ منه بعد قبول أصل الاجتهاد ، ولكن هذا لا يصطدم مع أصل الدين والمذهب ، فإنّ الدين يبقى في كماله ، ولو أنّ فهم المجتهدين قد يختلف في تلقّيهم داخل ذلك النطاق المعترف به.

( السعودية ـ سنّي ـ ٢٥ سنة ـ طالب )

صلح الحسن وقتال الحسين لا ينفي عصمتهما :

س : يزعم الرافضة أنّ الأئمّة معصومون ، فكيف تنازل الإمام الحسن المعصوم لمعاوية؟ هل يعني هذا أنّ خلافة معاوية شرعية؟ أم أنّ الحسن أخطأ؟ وإذا كان مخطئاً كيف يتوافق هذا مع عقيدة العصمة؟ ثمّ كيف تنازل عن الخلافة وقد نالها بنصّ إلهي كما تزعمون؟

ولماذا خرج الحسين لمقاتلة الأُمويين؟ وهو مخالف لما فعله الحسن من قبل ، فأيّهما كان مصيباً ، وأيّهما كان مخطئاً؟

ج : إنّ الشيعة لا تعتقد شيئاً إلاّ على أساس الأدلّة والبراهين العقلية أو النقلية ، وتلتزم بأيّ مطلب يستدلّ عليه بالأدلّة الواضحة والجلية ، ولا تخشى أيّ مانع في هذا المجال ؛ ولكن في نفس الوقت تتوقّع من الضمائر الحيّة والحرّة أن تنصف فيما تقول ، ثمّ لها الخيار في الحكم في المقام.

وأمّا ما طرحته من مسألة العصمة ، فإنّها مورد اتفاق الشيعة ، بما أنّها مستخرجة من الأدلّة القطعية من الكتاب والسنّة والعقل والإجماع ، وبعبارة أُخرى : إنّ دليل العصمة لم يكن دليلاً استقرائياً أو تمثيلياً ، بل هو دليل منتج من العقل والنقل.

٣٣٣

وعليه فلا يتوهّم ورود النقض عليه ، إذ النقض لا يمكن وروده على الدليل القطعي ، فنستنتج أنّ النقوض المتوهّمة ليست على ما هي ، بل إنّها توهّمات خالية من الدلالة ، ثمّ بعد الفحص عنها نرى ماهية هذه التوهّمات كما يلي :

١ ـ إنّ صلح الإمام الحسنعليه‌السلام لم يكن تنازلاً منه عن الإمامة الإلهية ، بل كان عملاً مرحلياً لكشف زيف معاوية في المجتمع الإسلامي ، فهو شبه مهادنة ، أو مصالحة مؤقّتة ، لأجل مصالح عامّة ـ قد ذكرت في مظانّها ـ ومعاوية لا يستحقّ الإمارة ، فكيف يستحقّ الخلافة؟

ثمّ لا غرابة لهذا الموقف في سيرة المعصومينعليهم‌السلام ، فمثلاً بأيّ تفسير يجب أن نقتنع بصلح الحدبيية؟ أليس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان معصوماً في أفعاله وتصرّفاته؟ وهل أنّ الصلح المذكور يقلّل ـ والعياذ بالله ـ من مرتبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أو أنّه يعتبر تنازلاً؟! فالصحيح أنّ أمثال هذه الموارد بأسرها هي من شؤون الإمام المعصومعليه‌السلام ، وليس فيها أيّ إشعار أو إشارة بتنازل أو عدول عن الخطّ المستقيم.

٢ ـ إنّ موقف الحسينعليه‌السلام يختلف مع موقف أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام في الظروف التي واجهها ، وذلك باختلاف معاوية عن يزيد في تصرّفاته ، فإنّ معاوية كان يتظاهر بالشعائر والالتزمات الدينية بحدّ وسعه ، لتغطية أفعاله الشرّيرة ، وهذا كان يسبّب ـ إلى حدّ كبير ـ التمويه على المسلمين ، فهم كانوا لا يعرفونه حقّ المعرفة ، إلى أن عرّفه الإمام الحسنعليه‌السلام بتخليه الساحة له مؤقّتاً ، حتّى يراه المسلمون كما هو ، ويتّضح لهم ما كان وما يريد.

وعلى العكس فإنّ يزيد لم يكن يرى أيّ إحراج في إعلانه الفسوق والعصيان ، وإظهاره شعائر الكفر والشرك علانية ، فلا يبقى فرض مدّة أو طريقة لتعريفه لدى المسلمين ، بل أنّ الواجب كان يلزم على الإمام الحسينعليه‌السلام أن يقوم في وجهه حفظاً لدين جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله من التلاعب بيد الطغمة الظالمة ، المتمثّلة في كيان الخلافة آنذاك.

٣٣٤

وبعد ذلك ألسنا نرى التمايز في ظروف زمانهما الذي ولّد اختلاف موقف أحدهما عن الآخرعليهما‌السلام .

( علي ـ المغرب ـ سنّي ـ ٢٨ سنة ـ طالب جامعة )

ردّ توهّمات أهل السنّة في عصمة النبيّ :

س : تعتقد الشيعة على خلاف أهل السنّة العصمة التامّة والكاملة للرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى في الشؤون المتعلّقة بالحياة المعيشية ، فما قولكم في المسألة؟

خاصّة وأنّ الكثير من النصوص القرآنية والشواهد التاريخية تثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشكّ ـ ما يذهب إليه أهل السنّة ، فما قولكم في واقعة أسرى بدر؟ وترخيصه لبعض من تخلّف من المقاتلين في عدم المشاركة في الجهاد ، أو النزول عند الموقع المحدّد في واقعة بدر الكبرى ، وكذلك تأبير النخل في الحديث المشهور عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنتم أعلم بشؤون دنياكم » حين بدا له عدم صواب رأيه؟

المرجو إيفادنا بالشرح المستفيض والدقيق ، معزّزاً بالأدلّة الشرعية من مصادر أهل السنّة ، وكذلك الشيعة ما أمكن ، لكُلّ حادثة من الحوادث المذكورة أعلاه ، ولكم جزيل الشكر والامتنان.

ج : إنّ الأدلّة القائمة على العصمة التامّة ـ للأنبياءعليهم‌السلام عموماً ، ولنبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله خصوصاً ـ أدلّة عقلية ونقلية لا يعتريها الشكّ والريب ـ كما قرّر في محلّه ـ وعليه فلابدّ من تأويل ما جاء خلافه ـ إن صحّ سنده ـ فإنّ ما يوهم خلاف تلك القاعدة مردود ، إذ أنّ القاعدة المذكورة لم تبتن على الأمثلة حتّى يرد عليها النقض ، بل يجب أن يفسّر كُلّ حادث على ضوء تلك القاعدة.

ثمّ إنّ ما ذكرتموه في المقام ، لا يصلح لأن يكون مورداً للنقض لما يلي :

أوّلاً : إنّ ما ذكر في بعض كتب السير والتاريخ ـ من أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد نزل أدنى ماء ببدر أوّلاً ، وثمّ بعد ما أشار عليه الحباب بن المنذر بأن ينزل أدنى ماء

٣٣٥

من القوم ، ويصنع أحواضاً ويمنع المشركين من الماء ، صوّب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله رأيه وأمر بتنفيذه ـ لم يصحّ لوجوه :

منها : إنّ المشركين هم الذين سبقوا بالنزول في بدر ، ولا يعقل أن ينزلوا في مكان لا ماء فيه ، ويتركوا الماء لغيرهم من المسلمين.

ومنها : إنّ العدوة القصوى التي نزلها المشركون كان فيها الماء ، وكانت أرضاً لابأس بها ، على العكس ممّا نزلها المسلمون ، وهي العدوة الدنيا ، إذ كانت غبار تسوخ فيها الأرجل ، ولم يوجد فيها الماء(١) .

ومنها : إنّ ابن الأثير ـ من أصحاب السير ـ ينصّ على أنّ المشركين وردوا الحوض ، فأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يعترضوهم(٢) .

ومنها : إنّ المنع من الماء لا ينسجم مع أخلاقيات ومبادئ الإسلام ونبيّه الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فإذاً ، الصحيح هو الرواية التي تقول بأنّ المسلمين لم يكونوا على الماء ، فأرسل الله السماء عليهم ليلاً حتّى سال الوادي ، فاتخذوا الحياض كما جاء في الذكر الحكيم :( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ) (٣) ، وهذا هو سرّ بناء الأحواض لا ما ذكروه.

ثانياً : إنّ البعض قد ذكروا : أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد وعثمان في عدم المشاركة في بدر ، ثمّ ضرب لهم سهامهم من الغنائم.

____________

١ ـ فتح القدير ٢ / ٣١١ ، شرح نهج البلاغة ١٤ / ١١٨ ، جامع البيان ١٠ / ١٤ ، زاد المسير ٣ / ٢٤٦ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ / ٢١ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٣٢٦ ، الدرّ المنثور ٣ / ١٦٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٢٧.

٢ ـ الكامل في التاريخ ٢ / ١٢٣.

٣ ـ الأنفال : ١١.

٣٣٦

وهذا أيضاً من الموضوعات ، إذ جاء في بعض الكتب : أنّ العلّة للتخلّف في الأوّليين ـ طلحة وسعيد ـ هو التجسّس لخبر العير بأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وجاء في بعضها الآخر : أنّهما كانا في تجارة إلى الشام(٢) ؛ فإذا كانت العلّة هذه ، هل يعقل أن يضرب لهما سهامهما من الغنائم؟! خصوصاً أنّ السيوطي وغيره ينكران هذه الفضيلة لغير عثمان(٣) .

وأمّا في مورد عثمان ، فإنّ الرواية التي تذكر علّة تخلّفه ـ أنّها لتمريض زوجته رقية بأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ متعارضة مع الرواية التي تصرّح بأنّ العلّة هي إصابة عثمان نفسه بالجدري(٤) .

وأيضاً كان بعض المسلمين يعيّرون عثمان بعدم حضوره في بدر ، وهذا لا ينسجم مع رخصته فيه ، إذ كيف خفي هذا العذر على مثل عبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود(٥) .

وأخيراً : لقد جاء في حديث مناشدة عليعليه‌السلام لأصحاب الشورى ـ وفيهم طلحة وعثمان ـ قوله : « أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر وسهم في الغائب »؟ قالوا : لا(٦) ، وهذا يفنّد كلام القوم من الأساس!!

ثالثاً : إنّ ما يذكر من خطأ اجتهاد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ والعياذ بالله ـ في موضوع أُسرى بدر لا أساس له من الصحّة ، فالآية التي يشير إليها البعض في المقام( مَا

____________

١ ـ السيرة الحلبية ٢ / ٢٠٣ ، أُسد الغابة ٢ / ٣٠٧ ، تاريخ المدينة ١ / ٢١٩ ، سبل الهدى والرشاد ٤ / ١٩.

٢ ـ التنبيه والإشراف : ٢٠٥ ، المستدرك ٣ / ٣٦٨ ، الاستيعاب لابن عبد البر ٢ / ٧٦٥ ، المعجم الكبير ١ / ١١٠.

٣ ـ السيرة الحلبية ٢ / ٢٥٤.

٤ ـ المصدر السابق ٢ / ٢٥٣.

٥ ـ مسند أحمد ١ / ٦٨ و ٧٥ ، مجمع الزوائد ٧ / ٢٢٦ ، الدرّ المنثور ٢ / ٨٩ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٢٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٩ / ٢٥٨ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٣١.

٦ ـ كنز العمّال ٥ / ٧٢٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٣٥.

٣٣٧

كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ له أَسْرَى ) (١) في وزان إيّاك أعني واسمعي يا جارة ، فالمقصود من الآية المسلمون لا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ أنّ الالتزام به يكون بمعنى مخالفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأوامر الوحي ، وهذا محالّ.

ولكنّ المعنى أنّ الصحيح في المقام هو الحكم الأوّلي في شأن الأسرى ببدرٍ كان القتل ، وهو حكم خاصّ بهم ، لا أنّ الفداء لا يحلّ أبداً في الأسرى ، إذ قد عمل به ـ الفداء ـ في واقعة عبد الله بن جحش قبل بدر بأزيد من عام ، ولم ينكره الله تعالى(٢) ، وبعدما أصرّ المسلمون على مخالفة ذلك الحكم الأوّلي ، عاتبهم الله تعالى فاستحقّوا العذاب ثمّ عفا عنهم.

ويدلّ عليه أنّه جاء في بعض النصوص : أنّ جبرائيلعليه‌السلام أخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بكراهة ما صنعه قومه من أخذ الفداء ، وأخبره بأنّ الله أمره أن يخيّرهم بين قتل الأسرى وأخذ الفداء ، على أن يقتل منهم في المستقبل بعددهم ، فرضوا بالفداء والشهادة(٣) ، وعلى الأخصّ فقد نصّ البعض على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مال إلى القتل(٤) .

رابعاً : إنّ حديث تأبير النخل ـ بالشكل الذي نقلوه ـ لا يوافق العقل والنقل ، لوجوه :

منها : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعيش في منطقة تغصّ بالنخل ، فهل يعقل أنّه لم يكن يعرف تأثير تأبير النخل وفائدته؟ وأنّ النخل لا ينتج بدونه؟! والحال نرى أنّ الرواية المزعومة تقول : بأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نفى لزوم التأبير فتركوه.

ومنها : كيف نصدّق بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يرضى بإدخال ذلك الضرر الجسيم عليهم ـ عدم نتاج نخلهم ـ بتصرّفه فيما ليس من اختصاصه؟!

____________

١ ـ الأنفال : ٦٧.

٢ ـ السيرة الحلبية ٢ / ٢٦٣.

٣ ـ المصنّف للصنعاني ٥ / ٢٠٩ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٢٢ ، عيون الأثر ١ / ٣٧٣ ، الدرّ المنثور ٣ / ٢٠٢.

٤ ـ الكامل في التاريخ ٢ / ١٣٦.

٣٣٨

ومنها : إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كيف يقول لهم ـ حسب الرواية المذكورة ـ أنّ العملية كانت من ظنونه ـ والعياذ بالله ـ وليس لهم أن يؤاخذوه بالظنّ ، في الوقت الذي كان يحثّ الناس على كتابة ورواية ما يصدر عنه(١) .

وصفوة القول : أنّ العصمة لها أدلّتها القيّمة من العقل والنقل ، فلا تنثلم بما نقل بخلافها مع وهن السند والدلالة.

( أحمد الأسدي ـ اندونيسيا ـ ٢٦ سنة ـ خرّيج ثانوية )

النبيّ لم يكن مخاطباً في قوله :( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ) :

س : قال تعالى :( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ ) (٢) .

كيف يخاطب القرآن النبيّ هكذا؟ ونحن نعرف عصمة النبيّ عن الخطأ ، هل النبيّ نسي أن يقول أن شاء الله؟ أجيبوا جزاكم الله.

ج : الآية الكريمة لا تنافي العصمة عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ الخطاب موجّه للمكلّفين ، والقرآن نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة ، وليس هو خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ على قول من قال أنّه خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليس فيه ما يسيء إلى عصمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ ذلك من الله تعالى تذكير لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأنّ كُلّ أمر موقوف على إرادته واشائته ، فإن شاء كان ، وإن لم يشأ لم يكن ، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله غيرُ غافلٍ عن ذلك ، وقد شهد الله تعالى له بذلك ، فقال :( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٣) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أدّبني ربّي فأحسن تأديبي »(٤) .

____________

١ ـ مجمع الزوائد ١ / ١٣٩ ، ١٥١ ، الجامع الصغير ١ / ٤٠٤ ، كنز العمّال ١٠ / ٢٢٤ و ٢٢٩.

٢ ـ الكهف : ٢٣ ـ ٢٤.

٣ ـ القلم : ٤.

٤ ـ شرح نهج البلاغة ١١ / ٢٣٣ ، الجامع الصغير ١ / ٥١ ، كشف الخفاء ١ / ٧٠.

٣٣٩

وقد كانت سنّة الأنبياء تعليق كُلّ شيء على إرادته تعالى ، فقال تعالى حكاية عن موسى :( قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) (١) ، وقال حكاية عن شعيب :( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٢) ، وقال حكاية عن إسماعيل :( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) (٣) .

وهكذا هي سنّة الأنبياء في مخاطباتهم ، بل تعليق الفعل على إرادته سيرة الصالحين ، فكيف بخيرة الصالحين وخاتم الأنبياء والمرسلين يصدر منه خلاف إرادته تعالى ، ومن ثمّ يعاتب عليه؟ فثبت أنّ ذلك خطاب للمكلّفين دونهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

( حبيب ـ الدانمارك ـ سنّي حنفي ـ ٢٠ سنة )

معالجة الآيات الواردة خلافها :

س : قال العلاّمة الحلّي : « إنّه لو جاز عليه ـ أي الإمام ـ السهو والخطأ ، لجاز ذلك في جميع أفعاله ، ولم يبق وثوق بإخباراته عن الله تعالى ، ولا بالشرائع والأديان ، جواز أن يزيد فيها وينقص سهواً ، فتنتفي فائدة البعثة.

ومن المعلوم بالضرورة : أنّ وصف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعصمة ، أكمل وأحسن من وصفه بضدّها ، فيجب المصير إليه ، لما فيه من الاحتراز عن الضرر المظنون ؛ بل المعلوم »(٤) .

كُلّ ما سبق من كلامه يردّه كتاب الله ، الذي أشار إلى وقوع بعض الأنبياء في المعاصي والتوبة ، منها : قوله تعالى عن موسىعليه‌السلام : ( لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ) (٥) ، لماذا يعتذر موسى عليه‌السلام كُلّما سأل

____________

١ ـ الكهف : ٦٩.

٢ ـ القصص : ٢٧.

٣ ـ الصافات : ١٠٢.

٤ ـ الرسالة السعدية : ٧٥.

٥ ـ الكهف : ٧٣.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374