التحول المذهبي‏

التحول المذهبي‏10%

التحول المذهبي‏ مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 374

التحول المذهبي‏
  • البداية
  • السابق
  • 374 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135398 / تحميل: 6810
الحجم الحجم الحجم
التحول المذهبي‏

التحول المذهبي‏

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

والبراهين.

ويقول محمّد عبد العال حول إحدى الأمور التي حفّزته على الاستقامة والصمود إزاء التيّارات المعاكسة:

( رغم أنّ مستلزمات الوحشة كانت كثيرة جدّاً وصاخبة جدّاً، إلّا أنّني لا ولم ولن أشعر بها، لأنّني حفظت عن ظهر قلب قول الإمام علي‏عليه‌السلام : (( أيّها النّاس لا تستوحشوا طريق الهُدى لقلّة أهله ))(١) .

وبهذه الرؤية، فإنّ المستبصر لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، لأنّه يعلم بأنّه قد أرضى اللَّه سبحانه وتعالى في عمله الذي قام به.

ولهذا يقول التيجاني السماوي:

( ومادام هدفنا سليماً، فما قيمة اعتراض المعترضين والمتعصّبين الذين لا يعرفون إلّا السباب والشتائم )(٢) .

ويقول التيجاني السماوي أيضاً في هذا المجال:

( فاللَّه يقول:( يَا أيُّها الّذينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامينَ بالقِسْطِ شُهَدَاءَ للَّه وَلَو على أنْفُسِكُم ) (٣) .

ومن أجل هذه الآية الكريمة فأنا لا أبالي إلّا برضاء اللَّه سبحانه وتعالى ولا أخشى فيه لومة لائم مادمتُ أدافع عن الإسلام الصحيح وأنزّه نبيّه الكريم عن كلّ خطأ ولو كان ذلك على حساب نقد بعض الصّحابة المقرّبين ولو كانوا من (الخلفاء الراشدين) لأن رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم هو أولى بالتنزيه من كلّ البشر.

والقارئ‏ الحرّ اللّبيب يفهم من كلّ مؤلّفاتي ماهو الهدف المنشود، فليست القضيّة هي انتقاص الصّحابة والنيل منهم بقدر ما هو دفاع عن رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم وعصمته ودفع

____________________

(١) مجلّة المنبر/ العدد: ٢٦.

(٢) محمد التيجاني السماوي/ فاسألوا أهل الذكر: ١٧٦.

(٣) النساء: ١٣٥.

٢٨١

الشبهات التي ألصقها الأمويّون والعبّاسيّون بالإسلام وبنبيِّ الإسلام خلال القرون الأولى التي تحكّموا فيها على رقاب المسلمين بالقهر والقوّة وغيّروا دين اللَّه بما أملته عليهم أغراضهم الدنيئة وسياستهم العقيمة وأهواؤهم الخسيسة.

وقد أثّرتْ مؤامرتُهم الكبرى على كتلة كبيرة من المسلمين الذين اتّبعوهم عن حسن نيّة فيهم وتقبّلوا كلّ ما رَوَوه من تحريف وأكاذيب على أنّها حقائق وأنّها من الإسلام ويجب على المسلمين أن يتعبّدوا بها ولا يُناقشوها.

ولو عرف المسلمون حقيقة الأمر لما أقاموا لهم ولا لمَرويّاتهم وَزناً )(١) .

ويقول التيجاني السماوي أيضاً:

( فلا أبالي بلوم الأكثريّة ولا أباهي بمدح الأقليّة مادمت أبتغي رضا اللَّه ورسوله ورضا الأئمّة من أهل البيت ‏عليهم‌السلام ؛ وأما رضا الناس فهو غاية لا تدرك، لأنّ الناس لا يرضون إلّا عمّا يعجبهم ولا يميلون إلّا مع أهوائهم، وأهواؤهم شتى( وَلَو اتّبَعَ الحَقُّ أهْوَاءَهُم لَفَسَدت السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ وَمَن فِيهِنّ... ) (٢) .

وإذا كان أغلب الناس معرضين عن الحقّ حتى وصل بهم الأمر إلى قتل رُسُل اللَّه معاندةً للحقّ الذي لا يتماشى مع أهوائهم، قال تعالى:( أَفَكُلّمَا جَاءَكُم رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى‏ أنْفُسُكُم اسْتَكبَرتُم فَفريقاً كَذَّبْتُم وَفَريقاً تَقْتُلُونَ ) (٣) .

فلا غضاضة عليَّ إن أُهنت أو لُعنت على لسان البعض منهم الذين لم يتحمّلوا الحقّ الذي صدعتُ به في كتبي السّابقة وقد أعيتهم الحلية في الردّ عليَّ بالحجّة والدّليل العلمي فلجأوا للسبّ والشتم كما هي عادة الجاهلين.

فلا ولن أخضع للمساومات ولا للترهيب والترغيب، وسأكون المدافع بلساني وقلمي عن رسول اللَّه وأهل بيته صلوات اللَّه عليهم أجمعين، عسى أن أحظى لديهم

____________________

(١) محمّد التيجاني السماوي/ فسألوا أهل الذكر: ١٧٤-١٧٥.

(٢) المؤمنون: ٧١.

(٣) البقرة: ٨٧.

٢٨٢

بالقبول فأكون من الفائزين، وما توفيقي إلّا باللَّه عليه توكّلت وإليه أُنيب )(١) .

ويقول أحد أصدقاء أحمد حسين يعقوب بعد وقوفه على حقيقة التشيّع من أوثق المصادر:

( لا أشعر بأي حرجٍ الآن لو أعلنت وعلى رؤوس الأشهاد، وبكلّ وسائل الإعلان انّني مع بني هاشم ومع أهل بيت النبوّة، وانّني من حزبهم أو من شيعتهم، لأنّ طريقهم هي الطريق الأصوب، ومنهاجهم هو منهاج النبوّة.

ثم لماذا عليَّ أن أشعر بهذا الحرج التقليدي؟ فلقد عرف التاريخ القديم الكثير من الناس الذين تشيّعوا وتحزّبوا لمن هم أقلّ مرتبة، وأدنى مقاماً من أهل بيت النبوّة وبني هاشم‏عليهم‌السلام ، فلقد تشيّعت الأكثريّة الساحقة من المسلمين وتحزّبت لبني أميّة وبني مخزوم وبني عديّ وبني تيم ولرجالات هذه البطون ولم نشعر بالحرج، ولم يَلُمها أحد بل أعتبرت الأكثريّة ذلك من فضائلها ومناقبها )(٢) .

ويقول محمّد مرعي الانطاكي حول صموده في سبيل الحقّ:

( وعلى كلّ حال نحن ثابتون كالجبل الأشمّ لا تحرّكه العواصف، والبحر الخضمّ لا يأبه بحَرّ الهجير، مشمّرين عن سواعدنا، آخذين بأذيال الحقّ، ندعو إلى سبيل اللَّه بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالمجادلة التي هي أحسن( وَمَن أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إلى اللَّه وعَمَل صَالِحاً وَقَالَ إنّني مِن المُسْلِمينَ ) (٣) وقد أخذ اللَّه بأيدينا ببركة أهل البيت ‏عليهم‌السلام في الأحوال كلّها، ننتصر عيلهم، وهم فاشلون خائبون خاسرون، وبصنع أعمالهم يوم القيامة مَجزِيّون )(٤) .

ويقول إدريس الحسيني في هذا المجال:

____________________

(١) محمّد التيجاني السماوي/ الشيعة هم أهل السنّة: ١٦.

(٢) أحمد حسين يعقوب/ مساحة للحوار من أجل الوفاق ومعرفة الحقيقة: ٢٨٢-٢٨٣.

(٣) فصّلت: ٣٣.

(٤) محمد مرعي الانطاكي/ لماذا اخترت مذهب الشيعة: ٦١.

٢٨٣

( أن أكون من شيعة الإمام علي‏عليه‌السلام وأختار لنفسي طريق النبوّة في مسلك آل البيت ‏عليهم‌السلام ليس عيباً! إنّما العيب كلّ العيب في ألّا أكون كذلك بعد أن حصل لي العلم بوجوب هذا)(١) .

وقد يصل المستبصر إلى مستوى رفيع من الوعي بحيث إذا استهزأ به البعض وعابوا عليه، يبستم ويسترحم في قلبه على حالهم، ويدعوا اللَّه أن يرزقهم فهماً وعلماً ليدركوا بها الحقائق.

وعموماً، فإنّ أفضل موقف يختاره المستبصر في هذا المجال هو أن يقابل سوء تصرّفات قومه بالأفعال الحسنة وأن يقترب إلى إخوانه من أهل السنّة أكثر من قبل ليبيّن لهم الحق الذي خفي عليهم.

وهذا ما أوصى به السيّد محمّد باقر الصّدر (رحمة اللَّه عليه) للتيجاني السماوي حينما التقى به في العراق:

فيقول التيجاني حول هذا الأمر:

( وكم كانت فرحتي عظيمة عندما قابلت السيّد محمّد باقر الصّدر في النجف الأشرف... وشكوت إليه ما نلاقيه من مقاومة ومن بثّ الإشاعات ضدّنا والعزلة التي نواجهها.

وقال السيّد في معرض كلامه: (لابدّ) من تحمّل المشاق، لأنّ طريق أهل البيت ‏عليهم‌السلام صعب ووعر... وماذا قدّمنا نحن في سبيل دعوة الحقّ التي دفع ثمنها أبو عبد اللَّه الحسين‏عليه‌السلام بنفسه وأهله وذريّته وأصحابه، كما دفع ثمنها الشيعة على مرّ التاريخ وما زالوا حتى اليوم يدفعون ثمن ولائهم لأهل البيت ‏عليهم‌السلام . فلابدّ يا أخي من تحمّل بعض الأتعاب والتضحيّة في سبيل الحقّ، فلئن يهدي اللَّه بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها.

____________________

(١) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ١٦.

٢٨٤

كما نصحني السيد الصدر بعدم الانزواء، وأمرني بأن أتقرّب أكثر من إخواني أهل السنّة كلّما حاولوا الابتعاد عنّي، وأمرني أن أصلّي خلفهم حتى لا تكون القطعية، واعتبارهم أبرياء، فهم ضحايا الأعلام والتاريخ المزيّف، والناس أعداء ما جهلوا.

وعملاً بنصائح الأئمّة من أهل البيت ‏عليهم‌السلام وكذلك بنصائح علماء النجف الأشرف عمدنا للتقرّب من إخواننا من المذاهب الأخرى ولا زمنا الجماعة، فكنّا نصلّي معاً، وخفّت بذلك حدّة التوتّر، وتمكنّا من إقناع بعض الشباب من خلال تساؤلاتهم عن كيفيّة صلاتنا و وضوئنا وعقائدنا)(١) .

ومن هذا المنطلق يواجه المستبصر سوء تصرّفات قومه بروح هادئة تتحرّك بوعي وثبات وفي ضوء منهجيّة تنطلق من موقع القاعدة الإيمانيّة الصلبة.

وبهذا يعيش المستبصر - عند مواجهته لهذه التحدّيات - بعيداً عن مشاعر الخوف والقلق والضياع والاهتزاز، وبعيداً عن كافّة مشاعر الضعف التي تملأ النفس رعباً وتحطّم فيها كلّ استعداد للمقاومة، بل يستبدل المستبصر هذه المشاعر نتيجة المامه بمعارف أهل البيت ‏عليهم‌السلام بمشاعر الثقة والسرور والثبات والوضوح في الموقف.

تصدّي المستبصرين لمهمّة الدعوة للتشيّع:

إنّ أوّل أمنية يتمنّاها المستبصر بعد اعتناقه لمذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام هي أن يبيّن للآخرين الحقائق التي توصّل اليها، وأن يعرّف أبناء مجتمعه الطريق الذي أخذ بيده إلى الهدى والرشاد، لأنّه يودّ أن يجد الآخرون حلاوة الاستبصار التي شعر بها حين اعتناقه لمذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام ، ويعزّ عليه أن لا يقوم بإخراج أبناء مجتمعه من الظلمات إلى النور.

وتتوفّر هذه الفرصة للمستبصر بصورة طبيعيّة، لأنّ الناس إنطلاقاً من حبّ

____________________

(١) محمّد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: ١٧٤-١٧٥.

٢٨٥

الاستطلاع تتوجّه إلى المستبصر وتنهال عليه لتستفسر منه أسباب تغييره للانتماء المذهبي.

وفي الحالات التي قد يكتفي الناس باستهزاء صاحبهم بعد الاستبصار، يكون السبب هو أنّهم يحسبون اعتناق صاحبهم للتشيّع نزعة عارضيّة سرعان ما تزول، ولكن بعد مضيّ فترة، عندما يجد الناس أنّ التشيّع عقيدة نالت اهتمام صاحبهم بشكل مكثّف، تتحوّل أسئلتهم من أسئلة سخريّة إلى أسئلة جادّة حول مبادئ وتعاليم مذهب التشيّع.

وهنا تتوفّر للمستبصر الفرصة المناسبة لنشر مذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام ، فيقوم بإيضاح جوانب كثيرة من التاريخ الإسلامي، وتبيين ما ثار في نفسه من تساؤلات وشكوك أزالت الغشاوة عن عينيه، ويوضّح لهم الملابسات التاريخيّة ويشرح لهم الحقائق التي حاول الكثير إخفاءها من أجل نيل مصالحهم الشخصّية.

ومن هذا المنطلق يتقدّم المستبصر إلى المجتمع بكلّ قوّة وشجاعة وبإصرار وحماس متلبّساً بالروح الجهاديّة حاملاً راية العمل التوجيهي من أجل استنقاذ أبناء مجتمعه من مهاوي الضلالة والانحراف، ومن أجل المساهمة في نشر الفكر الديني الرصين وتزويد الناس بعناصر اليقظة والنهوض الفكري وتوجيههم إلى المادئ القيّمة والتراث الإسلامي الأصيل.

ويكرّس المستبصر في هذا المجال جهده للدفاع عن التشيّع والردّ على منتقديه، ويأخذ على عاتقه مهام الدعوة والتبليغ لنشر مذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام ويشمّر عن ساعديه لخدمة هذا المذهب، ويجنّد قواه ويوظّف كل طاقاته وقدراته لتوسيع آفاق رؤية أبناء مجتمعه وتصحيح أفكارهم المشوّهة حول هذا المذهب.

ويوطّن المستبصر في هذا المجال نفسه لإعلاء كلمة الحقّ، وينذر حياته للتبليغ وخدمة الدين لتكون حياته حافلة بالعطاء الصادق لخدمة مذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام .

ويحاول المستبصر خلال عمله التوجيهي أن يكون أداة مؤثّرة في تصحيح

٢٨٦

معتقدات من حوله وتقويم اعوجاجهم وإصلاح أحوالهم وتصحيح مسيرتهم، ويحاول أن تكون كلماته صادقة و واعية تحمل تفهماً وإدراكاً واضحاً لحقيقة التشيّع، لتكون سبباً في استضاءة بصائر الناس وتنوير عقولهم بمعارف أهل البيت ‏عليهم‌السلام .

وفي هذا الصعيد يكون الشباب المتعطّش إلى فهم الإسلام الأصيل وتطبيق تعاليمه المتعالية الأرضيّة المناسبة والخصبة لتقبّل الحقائق.

ولهذا يقول محمّد علي المتوكّل:

( كان الشباب والطلّاب هم محور اهتمامنا ومجال دعوتنا، فكان أكثر المستبصرين فيما بعد شباباً.

لقد اتّخذنا من الجامعة منطلقاً لدعوتنا فقمنا بإصدار الصحف الحائطيّة وإقامة الأسابيع الثقافيّة بما فيها من ندوات ومحاضرات وحوارات ومعارض كتاب، لم يكن خطابنا مستغرباً في الوسط الطلّابي! إذ نخاطب العقول ونقدّم الحجج والبراهين بين يدي رؤانا ومعتقداتنا، والطلاب بعيدون عن التعصّب والتبيعيّة خاصة إزاء الطرح الموضوعي والحجج القويّة، باستثناء الوهّابيين، فهم الفئة الوحيدة التي ناصبتنا العداء وسعت إلى عزلنا عن الطلاب عن طريق الوصم بالكفر والزندقة والانحراف الفقهي.

ويضيف محمّد علي المتوكّل:

( لقد اتّسمت دعوتنا بالموضوعيّة والهدوء واحترام الآخر، والبعد عن التفاصيل المستفزّة للآخرين، وليس ذلك تكتيكاً بل استراتيجية نستمدّها من قيم التشيّع ومبادئه التي تدعو إلى الجماعة ونبذ الفُرقة...

أما مجتمعنا التقليدي فلم نزدد بالتشيّع إلّا قرباً منه وتفاعلاً معه، ولقد لاقت وتلاقي دعوتنا إلى أهل البيت قبولاً وتجاوباً يتناسب مع ثقافة الشعب السوداني وموروثاته الروحيّة والأخلاقيّة )(١) .

____________________

(١) محمّد علي المتوكّل/ ودخلنا التشيّع سجّداً: ٦٩-٧٠.

٢٨٧

ولهذا يقول التيجاني السماوي:

( فعلى المستبصرين من الشيعة في كلّ مكان أن ينفقوا من أوقاتهم ومن أموالهم في سبيل التعريف بالحقّ لكلّ أبناء الأمّة الإسلاميّة، فلم يكن أئمّة أهل البيت حكرة على الشيعة وحدهم، إنّما هم أئمّة الهدى ومصابيح الدجى لكلّ المسلمين )(١) .

أساليب الدعوة عند المستبصرين:

يختلف المستبصرون فيما بينهم في مجال أساليب الدعوة لنشر مذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام ، ويحاول كلٌ منهم أن يستخدم الأسلوب الذي يجد فيه أكبر قدر ممكن من النتائج المثمرة في الصعيد الاجتماعي الذي هو فيه.

فالبعض - من قبيل حسن شحاتة - يفضّل استخدام اللهجة الشديدة والأسلوب الاستفزازي، لأنّه يرى أنّ هذا الأسلوب يحرّك النفوس الأبيّة وتكون ثماره مذهلة.

ويقول هذا المستبصر حول سبب حدّة لهجته في هذا المجال:

(انّ أعداء أهل البيت ‏عليهم‌السلام يستحقّون أكثر من ذلك، فقد شاء اللَّه أن كل أمّة عادت نبيّها وكالت له وآذته، ولكن ما أوذيَ نبيٌّ مثل ما أوذيَ نبيُّنا في نفسه وآل بيته، فقد دُبّرت له صلوات اللَّه عليه وآله أربعون مؤامرة لقتله، ونجّاه اللَّه، ثمّ ظلموه في أخيه أمير المؤمنين‏عليه‌السلام في حياته تكراراً واتّهموه بأنّه سدّ أبوابهم وترك باب أخيه وأخرجهم من المسجد وترك أخاه، وفي كل مرّة يدفع اللَّه أعلام آل البيت وينبّه بمقامهم...

هذا في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أما بعد وفاته فإنّهم قد انقضوا عليه في آل بيته، فأوّل ما قاموا به أن اغتصبوا مقام أخيه أمير المؤمنين الذي أقامه اللَّه فيه، وأخذوا الخلافة بمسرحيّة قذرة أقاموها في زريبة بني ساعدة! ثمّ انقضوا على الزهراء قرّة عين

____________________

(١) محمّد التيجاني السماوي/ الشيعة هم أهل السنّة: ٢٧.

٢٨٨

المصطفى وفلذة كبده، فاغتصبوا حقّها وميراثها وآذوها وشتموها في ملئهم وأحرقوا دارها وكسروا الباب على ضلعها وأسقطوا جنينها وجرى ما جرى عليها!! وغضبت الزهراء وعند غضبها يغضب اللَّه، ومن يغضب اللَّه عليه يستحقّ اللعن الدائم، فلعن اللَّه من آذى النبيَّ فيها، بأبي هي وأمّي كانت شهيدة...(بكى الشيخ ولم يكمل ) )(١) .

ويرى التيجاني السماوي أنّه لا مانع من توخّي الأسلوب الليّن فيقول:

( وإن كنت أعتقد بأنّ الأسلوب الاستفزازي الذي يحرّك النفوس الأبيّة والذي اعتمدته في الكتب السابقة قد أتى بنتائج مثمرة ومذهلة، إلّا أنّه لا مانع من توخّي الأسلوب الليّن المسالم الذي قد يُقنع الكثير من الناس فتكون ثماره ألذُّ وأشهى )(٢) .

ويرى إدريس الحسيني في هذا المجال:

( إنّ شعوبنا أصبحت - بفضل اللَّه - على درجة من الوعي قادرة أن يجعلها في مستوى استيعاب الفكرة ولا داعي لأن نكثر من شرح المعتقد )(٣) .

ويرى صالح الورداني أنّ ذلك يتّبع الطرف المقابل، فانّ الذي يواجه جبهات تعلن الحرب ما بين الحين والآخر على الشيعة والتشيّع دون هوادة، بمناسبة وبدون مناسبة، وتطعن في عقائد الشيعة من منطلق حقد دفين لا يدلّ على تقوى أو ورع أو حرص على الإسلام والمسلمين، أو تواجه التشيّع على أسس غير علميّة وغير موضوعيّة، فمن الطبيعي أن يكون الردّ على مستوى المواجهة(٤) .

ويقول صالح الورداني حول سبب استخدامه اللهجة الشديدة في بعض الأحيان:

( ليس من يجلس على الشاطئ‏ كمن يصطرع مع الأمواج )(٥) .

____________________

(١) مجلّة المنبر/ العدد: ١١.

(٢) محمّد التيجاني السماوي/ كل الحلول عند آل الرسول‏عليهم‌السلام : ١١.

(٣) إدريس الحسيني/ الخلافة المغتصبة: ٢٤٠.

(٤) انظر: مجلّة المنبر/ العدد ٢٢، لقاء مع صالح الورداني.

(٥) المصدر السابق.

٢٨٩

ثمّ يقول:

( إنّ كتاباتنا إنّما تعكس حالة الرأي العام الإسلامي في مصر الذي يتقبّل هذه اللغة ويحتاجها وهو ما لمسناه من ردود الأفعال الايجابيّة تجاه كتبنا ليس على مستوى الداخل فقط، بل على مستوى الخارج أيضاً، وإنّني في كتاباتي لا أعتبر أنّني أدافع عن التشيّع، وإنّما أدافع عن الإسلام الحقيقي الذي جاءنا عبر آل البيت عليهم الصلاة والسلام )(١) .

ثمّ يضيف:

( إنّ المجتمع السنّي يحتاج إلى هزّة كبيرة حيث أنّ المعتقدات السنيّة قد عيّشت هذا المجتمع في وهمٍ كبير، وهم النجاة من النار واحتكار الحقّ في دائرته، وذلك الوهم الناتج من كم الروايات التي تقوم على أساسها هذه المعتقدات.

ونظراً لتجربتي الطويلة في المجتمع السنّي جماعات وأفراد وأطروحات أيقنت بهذا، من هنا برزت مؤلّفاتي تحمل طابع التحدّي والمواجهة من أجل تحقيق هذه الهزّة، وسواء كان الأمر إثارة الإشكالات العقائديّة أو التعرّض للصحابة ونفي القداسة عنهم أو التشكيك في روايات أهل السنّة، فكل ذلك مطلوب ومن شأنه أن يحدث هذه الهزّة المطلوبة )(٢) .

ويقول إدريس الحسيني حول أسلوبه الحاد في مخاطبة أهل السنّة:

( إنّنا لنعتقد - بكلّ أسف - ما شحنت به كتاباتنا السابقة، تلك التي جاءت حامية، ناريّة.. وما تركته من صدمات في بعض النفوس، وما أثاره من إرباك في نفوس أخرى.. وأيّاً كان موقفي العقدي، فلست ممن تأخذه العزّة بالجهل والجفاء.. لعلّ الأمر كما سبق وأن قلت عدّة مرّات، أمر انتقال جرى على ذاتي، وأفقدني هدوئي. ونظراً لما

____________________

(١) المصدر السابق.

(٢) المصدر السابق.

٢٩٠

رأيته من فتاوى وتشنيعات، ما كان لي أن أعطيها ذلك الاعتبار.. فإنّي أعلم حقّاً أنّ من إخواننا أهل السنّة مَن لهم قابليّة الحوار.

ولقد فوجئت بما أثاره مؤلّفي الأوّل وكذا الثاني، من اهتمام شريحة واسعة من القرّاء.. منهم المُعجب ومنهم المعترض.

وأقول بهذا الخصوص، إن كان مبعث اعتراض البعض، موجّه إلى الأسلوب القاسي، ولاختراق تلك التابوهات المحرمة الممنوعة، فانّ لهم عليَّ أن يؤاخذوني، لأنّ أسلوباً كهذا لا يمكن أن يؤدّي إلّا إلى ردّة فعل الطرف الآخر، سواء أكان معادياً أو غير متفهّم. ولكن الحقائق التي بحثناها، لا زالت تشكل أزمة حقيقيّة وتحدّياً لتراثنا المعرفي بشكل عام )(١) .

عقبات في طريق نشر المستبصرين للتشيّع:

إنّ المستبصر يواجه بعض العقبات في عمله التوجيهي من قبل الذين يرفضون دائماً البحث عن إمكانيّة صحّة معتقداتهم أو خطئها، لكنّه يدأب بالدفاع عن مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام بكلّ قوّة وشجاعة، ولا يفترّ في عمله ولا يتوانى في مواصلة تبليغه مهما بلغ التيار المعاكس من قوّة.

لأنّه يشعر أن ما يقوم به جزء من واجبه الديني الملقاة على عاتقه، وأنّ ما يفعله رسالة مقدّسة هدفها محاربة الجهل والزيف والخطأ، ورائدها التوعية ونشر الحقيقة مهما اعترض سبيلها من عقبات وموانع.

ولهذا يقول إدريس الحسيني:

( إنّ الجهل المطبق، والأميّة المنتشرة تجعل من الضروري أن تنهض الأصوات المسؤولة بالدعوة إلى ما يلم شعث الإسلام الحقّ ويرأب صدعه ويعيد حبك نسيجه

____________________

(١) إدريس الحسيني/ هكذا عرفت الشيعة: ٢٠٥.

٢٩١

المنفوش )(١) .

ويقول التيجاني السماوي:

( وما دام اللَّه سبحانه وتعالى هو الذي يقذف بالحقّ على الباطل، فلا ولن أتردّد أبداً في إظهار ما أؤمن بأنّه الحقّ حتى يحكم اللَّه بيني وبين أولئك المتعصّبين الذين لا يعجبهم من الحقّ إلّا ما ألفوه ولو كان باطلاً.

ولا ينكرون من الباطل إلّا ما جهلوه ولو كان حقّاً، ومع ذلك أدعو اللَّه لهم بالهداية والتوفيق فإنّه هو الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم )(٢) .

كما أنّ المستبصر يعي أنّ التشيّع يتطلّب المزيد من الجهد والحرص والاهتمام لتبليغه والدعوة إليه، لأنّه مذهب لاقى على مرّ العصور أشدّ الاضطهاد من قبل السلطات الجائرة.

ويستلهم المستبصر في حركته الجهاديّة من أئمّة أهل البيت‏عليهم‌السلام روح المقاومة وتحمّل كافّة المصاعب في سبيل إعلاء كلمة الحقّ، ويجعل سيرة الأئمة الهداة النموذج الرائع لنفسه في نشر الحقائق، لأنّ سيرتهم كانت العمل بمثابرة من أجل هداية الناس إلى الرشد والصواب، والأخذ بأيديهم إلى الصلاح في الأزمنة التي كانت مليئة بالنكبات والمحن والفتن والضلالات، وكان أهل البيت‏عليهم‌السلام يجتهدون لحمل مشعل الهداية لإضاءة درب الحقّ للآخرين.

وأهمّ ما عند المستبصر خلال دعوته هو أنّ يعرّف الآخرين بالإسلام الصحيح الذي يجب اتّباعه، ولا يقوم المستبصر بمهمّة نشر مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام إلّا ليتمّ الحجّة البالغة على أبناء مجتمعه فيحيا من يحيى منهم على بيّنة من أمره ويهتدي إلى الحقّ والصراط المستقيم أو يضلّ عن سواء السبيل.

وقد لا يجد المستبصر آذاناً صاغية لكلامه، فيأسف على ذلك، كما يقول إدريس

____________________

(١) إدريس الحسيني/ الخلافة المغتصبة: ١١.

(٢) محمّد التيجاني السماوي/ كل الحلول عند آل الرسول: ١٠.

٢٩٢

الحسيني:

( ويؤسفني جدّاً أن تستمر الحقيقة في الغياب عن هذه الأمّة النائمة، والتي زادها نوماً كسلها في التماس عقيدتها الصحيحة، مكتفية بما حمّلته أقلام التحريف على أديم التاريخ )(١) .

ولكن المستبصر مع ذلك يواصل نشاطه التبليغي، ويدعو الناس إلى الحق، لأنّه كما يقول التيجاني السماوي:

( بما أنّنا من المؤمنين الذين يحبّون الخير لكلّ المسلمين ويعملون على إرشادهم إلى الهداية التي نعتقد بأنّها سفينة النجاة، فلا نيأس منهم وسنبقى إلى مدى الحياة ندعوهم إلى الخير والسّعادة التي ليس بعدها إلّا جنّة النعيم )(٢) .

فلهذا يستمرّ المستبصر في دعوة الناس إلى الحقّ، إلّا اللهمّ الذين يقولون عنهم محمّد أحمد خير:

( ومن العبث مخاطبة الرؤوس التي تقف وراء هذه النعرات الطائفيّة المفرّقة، لأنّها لا تتحرّك من وحي عقيدة وإيمان، بل من وحي مصلحة التربّع على كراسي الحكم ومن مصلحة الاستمرار في نهب ثروات المسلمين )(٣) .

ويقول ياسين المعيوف البدراني في هذا المجال:

( لقد أجهدنا أنفسنا لأكثر من عشرين عاماً كي نتلاحم مع أبناء بلدنا في حوار دؤوب، إلّا أنّنا وجدنا الأعذار والإجابات التي كانت بالأمس هي نفسها أعذار اليوم لا تختلف في جوهرها ولا في مضامينها الخاوية من الحقيقة، ويتعلّل ويحتج البعض بطول الطريق، لكن اللَّه سبحانه وتعالى يقول:

( لَوْ كَانَ عَرَضاً قَريباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتّبَعُوكَ ولكنْ بَعدَتْ عَلَيهِم الشقّةُ

____________________

(١) إدريس الحسيني/ الخلافة المغتصبة: ١٣.

(٢) محمّد التيجاني السماوي/ كلّ الحلول عند آل الرسول: ١٨.

(٣) محمّد أحمد خير/ براءة الشيعة: ٩.

٢٩٣

وَسَيَحلِفُونَ باللَّه لَو اسْتَطَعنَا لَخرَجْنا مَعَكُم يُهلِكُونَ أنْفُسَهُم واللَّه يَعْلَمُ إنّهُم لَكاذِبُون ) (١) .

يا إخوتي الحق والحقّ أقول: إنّ الطريق شائكة وطويلة واجتيازها مجهد عبر مجتمع لم يعقد ولم يعرف البحث عن الحقيقة، الأمر الذي لا يتيح للداعية أن يوضح ما يريد، أو أن يمدّ بصره حتى نهاية الطريق، ذلك لأنّ الأمّة انحدرت وانحرفت في اتّجاه مظلم خطّه لها المستعمرون والطامعون الغاشمون الذين يقفون لأمّتنا الإسلاميّة بالمرصاد ويضعون في سبيل الدعاية من الحواجز والعراقيل ما يصعب عليه تجاوزها والتغلّب عليها.

إنّ المسلم الحقّ لا يستهدف من وراء دعوته مكسباً مادّياً أو هدفاً دنيويّاً إلّا الثواب وأداء الواجب، وإنّ الهدف من هذا العمل الشاقّ هو بناء الأمّة من جديد وإعادتها إلى مركزها القرآني الذي انحرفت عنه متجاهلة طريق النجاة )(٢) .

مبادرة المستبصرين إلى التأليف حول تحوّلهم المذهبي:

إنّ النخبة من المستبصرين الذين يمتلكون القدرة على التعبير بالقلم رأو أنّ الكتابة تُعتبر من أهمّ الطرق التي يمكنهم أن يوصلوا بها حصيلة تجربة استبصارهم إلى الآخرين، فبادروا بعد اعتناقهم لمذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام إلى التأليف ليبيّنوا للآخرين عن طريق بحث علمي مقارن وتحقيق موضوعي رصين الأدلّة التي دفعتهم إلى تغيير انتمائهم المذهبي، وليساهموا بأقلامهم في توعية أبناء المجتمع وتعريف المسلمين بعضهم على بعض، وليزيلوا ما علق بأذهانهم من غموض وتشويش وتمويه إزاء مدرسة أهل البيت‏عليهم‌السلام ، وليزيحوا الضباب التاريخي عن الكثير من

____________________

(١) التوبة: ٤٢.

(٢) ياسين المعيوف البدراني/ ياليت قومي يعلمون: ٦.

٢٩٤

الحقائق التي يجهلها المسلمون، لتبدوا الصورة واضحة أمام الجميع وليتعرّف الجميع على الأدلّة والبراهين التي دفعتهم إلى التخلّي عن انتمائهم الموروث وفرضت عليهم الالتزام بمذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام .

دوافع مبادرة المستبصرين إلى التأليف:

إنّ الدوافع التي تحفّز المستبصرين على التأليف حول رحلتهم من المذهب السنّي إلى مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام كثيرة، ومن جملة هذه الدوافع يمكننا الإشارة إلى ما ذكره أصحاب المؤلّفات من المستبصرين حول أسباب مبادرتهم إلى التأليف، منهم:

محمّد مرعي الانطاكي، مؤلّف كتاب: (لماذا اخترت مذهب الشيعة):

( فلمّا اعتنقنا هذا المذهب الشريف وأعلنّا ذلك قامت الطامّة الكبرى... فهناك جماعات كثيرة من مختلف البلاد، طلبوا منّا أن نذكر الأسباب التي دعتنا إلى الأخذ بمذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام ، مع التطرّق إلى ذكر نبذة من ترجمة حياتنا، فلبّينا طلباتهم، وامتثلنا أوامرهم، وشرعنا بكتابة هذا الإملاء )(١) .

على محمّد الحنفي، مؤلّف كتاب (فلك النجاة):

( وسُئل عنّا من سبب تبديل المذهب من (أهل الجماعة) إلى مذهب (العترة،) وكنّا ندافع مرّة، بعد مرّة فلمّا أصرّوا علينا أردنا أن نكتب ما فيه كفاية لمن له دراية، ولسنا عليهم بمسيطرين،( وَمَا عَلَيْنَا إلّا البَلاغُ المُبين ) )(٢) .

محمّد التيجاني السماوي مؤلّف كتاب (ثمّ اهتديت):

( بيان ما رأيته الحقّ، راغباً في مساعدة من يريد البحث عنه، آملاً أن يساهم ذلك في قيام الوحدة الإسلاميّة على أساس فكري متين )(٣) .

____________________

(١) محمّد مرعي الانطاكي/ لماذا اخترت مذهب الشيعة، مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام : ٣١-٣٢

(٢) على محمّد الحنفي/ فلك النجاة: ١٣.

(٣) محمّد التيجاني السماوي/ لأكون مع الصّادقين: ٧.

٢٩٥

وله أيضاً:

( ليسهّل على الباحث المنصف الوصول إلى الحقيقة من أقرب سبلها كما وصلت إليها من خلال البحث والمقارنة )(١) .

صائب عبد الحميد مؤلّف كتاب (منهج في الانتماء المذهبي):

( وجدت لزاماً عليَّ أن أسجّل تجربتي بكلّ أمانة، لتكون بين الأيدي تجربة جاهزة تختزل الكثير من عناء هذا الطريق الطويل، وتقدّم حلولاً للكثير من تلك الأسئلة الحائرة..

فوضعت هذا الكتاب..

وقد حاولت أن أحفظ فيه أشواط رحلتي مرتّبة كما كانت في الواقع، بعيداً عن التكلّف..

إثارات أوّليّة، ثمّ عودة إلى نقاط البدء، فحوار بين حقيقة تهدي إليها الإثارة و موقف مسبق إزاء هذه الحقيقة.. وقد اتّخذ هذا الحوار ثلاثة أشكال:

- حوار مع قطب من الأقطاب الذين تبنّوا ذلك الموقف ودافعوا عنه، وقد قدّمت لهذا دائماً بذكر اسم الرجل وكتابه..

- حوار مع الذكريات...

- حوار مع حدث ثابت من الأحداث، أو مفهوم من المفاهيم )(٢) .

صالح الوراني مؤلّف كتاب (الخدعة؛ رحلتي من السنّة إلى الشيعة):

( وليس من المعقول أن أكلّف نفسي كل هذا العناء في الوسط السنّي، ثمّ أعيش تجربة الانتقال الطويلة من السنّة إلى الشيعة، ثمّ بعد ذلك أقف في طابور المنتظرين لأتبنّى دور المتفرّج..

____________________

(١) المصدر السابق: ٦.

(٢) صائب عبد الحميد/ منهج في الانتماء المذهبي: ١٣.

٢٩٦

من هنا بدأت في سلوك سبيل التأليف والنشر والدعاية وسبيل الحركة أيضاً من أجل خدمة دعوة آل البيت‏عليهم‌السلام ودعمها وتذليل العوائق من طريقها وبعث الهمّة في نفوس المؤمنين بهذه الدعوة ليقوموا بدورهم تجاهها.. )(١) .

عبد المنعم حسن، مؤلّف كتاب (بنور فاطمة اهتديت):

( أسجّل هذه التجربة شهادة للتاريخ دون بحث عن منفعة شخصيّة أنالها سوى رضا اللَّه تعالى، وحتى أُساهم بمجهودي المتواضع هذا في إحقاق الحقّ، وحتى يسجّل كحلقة جديدة من حلقات انتصار مذهب الحق (مذهب أهل البيت ‏عليهم‌السلام ) ومن سلك منهجهم وتمسّك بهداهم وهم (الشيعة).

وليس المقصود من هذا البحث النيل من شخص معيّن أو إثارة الفتنة، أو البحث عن التفرقة بين المسلمين كما يحلو لبعض الجهلة أن يسمّونها، إنّما هو نقاش عقائدي، القصد منه الكشف عن الحقائق ولفت الإنتباه إلى الواقع المأساوي الذي تعيشه الأمّة من مرارة الذل والهوان بعد انحرافها عن الصراط المستقيم ونبذها كتاب اللَّه تعالى وسنّة رسوله... كما أنّها خطوة لتوحيد الأمّة تحت راية الحقّ والالتفاف حول محور الدين الحقيقي الأصيل المتمثّل في نهج أهل البيتعليهم‌السلام )(٢) .

وله أيضاً:

( لقد مَنَّ اللَّه عليَّ بالهداية بفضله وأدخلني برحمته إلى حيث نور الحقّ، وشكراً لهذه النعمة يجب عليَّ أن أبلغ للناس ما توصّلت إليه )(٣) .

أسعد وحيد القاسم، مؤلّف كتاب (حقيقة الشيعة الاثني عشرية):

( وأمام هذا الجهل والتعصّب من جهة، ومظلوميّة الشيعة من جهة أخرى، فقد ارتأيت أن أكتب خلاصة بحثي وأقدّمه لكلّ باحث عن الحقيقة، وليطّلع الملأ عليها.

____________________

(١) صالح الورداني/ الخدعة: ١٨٦.

(٢) عبد المنعم حسن/ بنور فاطمة اهتديت: ٧.

(٣) المصدر السابق: ٢٣.

٢٩٧

فما دام هناك من يفتري على الشيعة كذباً وتضليلاً، وقد جوّز لهم البعض ذلك، فإنّ الحقّ أحقُّ بأن يكتب وينشر )(١) .

إدريس الحسيني، مؤلّف الكتاب: (لقد شيّعني الحسين):

( من صميم الإخلاص والحرص على هذه الأمّة المترامية الأطراف، أوجّه رسالتي هذه إلى كل مسلم ورع يحترم عقله.. ملتمساً منهم العودة إلى الصواب.. أو، لا أقلّ إلى مطاولة المفاوضات العقائديّة.. من دون حدّة ولا تعصّب.. ليؤمن من يؤمن وهو على بيّنة وليضل من يضل عن إرادة واختيار )(٢) .

وله أيضاً:

( أودّ أن أشير - في بادئ‏ ذي بدء - إلى حقيقة، أريد الّا تغيب عن القارئ‏، وهو يذهب لقراءة هذا الكتاب. هي أنّني لست مذهبيّاً في المسلك، وإن قناعاتي مهما كانت، فإنّها لا تجازف بي بعيداً.

أنا مسلم، وأنطلق من صميم الحبّ للدين، وليس من صميم الحقد والتآمر.

إنّني لم ولن أشأ أن أجعله برميل بارود لتفجير المعرفة التاريخيّة من جديد. كما لا أريد به تعميق الفجوة المذهبيّة بين المذاهب، ولكن ما أردته فقط الدفاع عن الحقيقة المرّة والضائعة: بسبب التراخي في كشف الحقّ والمزايدة عليه..

إنّني لم أطلب الانتقام من سنوات التجهيل الذي مارسه في حقّنا علماؤنا من العامّة؛ إنني أودّ فقط أن أمدّ يد المساعدة لمن أراد أن يتحرّر من سلطة الفكر الجاهز، من الأَسر الموروث، أريد أن أسجّل تجربتي حتى لا يبقى بعدي مغفّل. ليكن ما يكن، ولكن لا يبقى مغفّل! إنّني أسمى نفساً من أن أنتقم من أشخاص معيّنين، ولكنّني لا أجد حرجاً في التعرّض لأفكارهم )(٣) .

____________________

(١) أسعد وحيد القاسم/ حقيقة الشيعة الاثني عشرية: ١٦.

(٢) إدريس الحسيني/ هكذا عرفت الشيعة: ٧.

(٣) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ١٣.

٢٩٨

وله أيضاً:

( والكتاب سيكون جولة سريعة في تجربة تلامس كل محطّات الأمّة الرئيسيّة، والغاية منه يمكن حصرها في جملة من النقاط:

١ - إنّ المسؤوليّة تقتضي نصرة الحقّ مهما كلّف الثمن، وأنّ الساكت عن الحقّ شيطانٌ أخرس.

٢ - لابدّ من مبادرة شجاعة لكسر حاجب الانغلاق، لأنّ هذا الأخير غير مرغوب فيه دينيّاً، وأنّ الإسلام جاء ليفتح لنا آفاق السماوات والأرض، لا ليركسنا في زاوية الانغلاق.

٣ - لكي لا يتوهّم إخواننا من العامّة، إنّهم هم وحدهم الموجودون، ومن أجل معرفة الآخر، معرفةً، تنسخ ما علق به من شبهات دعائيّة، ومن ثمّ الاعتراف به كواقع، له جذوره الراسخة في عمق التاريخ الإسلامي.

٤ - إنّنا ونحن ننشد الوحدة، يجب أن نكشف الغطاء عن بعضنا البعض، حتى نتكافأ في معرفة بعضنا البعض، وحتى نتكافأ في السلب والإيجاب، وهذا يمنحنا دفعاً عمليّاً للتوحّد سياسيّاً وحضاريّاً، وهو المانع الوحيد ضدّ التآكل المذهبي.

وأخيراً وليس آخراً، لأنّني عرفت كيف كنت وأيّ مسير اخترت، وأدركت مدى قيمة الحقيقة في حسبان الباحثين عنها، وادركت مدى الجهد الذي بذلته، لخلع جبّة التقليد عنّي، واختراق جدار سميك، سميك.. من الضلالات )(١) .

ويقول إدريس الحسيني حول ردود أفعال انتشار كتابه (لقد شيّعني الحسين):

( بالنسبة لكتاب (لقد شيّعني الحسين).. عبّرت بما فيه الكفاية، بأنّه كتاب لم أكن أظنّ أنّه سيثير كل هذه الزوبعة.. لقد أزعج الكثير.. وبلغني ما لحق البعض من محاكمات، وصلت إلى حدّ الحجز والجلد.. وفي أماكن أخرى لحرق كمّيات كبيرة

____________________

(١) المصدر السابق: ١٧.

٢٩٩

منه.. كل ما أقوله للإخوة الذين تعرّضوا لذلك: أنا آسف.. وأجركم على اللَّه.. لكن مثل هذه الإجراءات لا تمنع دخول الكتاب وانتشاره.. لقد بلغ كل المناطق العربيّة والآسيويّة والأوروبيّة وحتى الولايات المتّحدة الأمريكيّة.. إنّها بركة الإمام الحسين ‏عليه‌السلام ذلك الرجل العظيم، الذي صنع كربلاء في المكان والزمان وفي نفوسنا.. ربّما أظهرت بعضاً من القسوة في تناول الموضوع.. ولكنّني مع كل ذلك رغم الحالة الانفعاليّة الشديدة، لم أكفّر أحدا من العامّة.

لقد كان أسرع كتاب يقدمه مؤلّف لقراّئه.. في بضعة أسابيع، فجّرت ما كان يخالجني من تساؤلات.. إنّني لست قدريّاً بالمعنى الجبري، ولكنّني أقول في هذا الموضوع أنّني كتبت (لقد شيّعني الحسين) جبراً. لقد شيّعني الحسين ‏عليه‌السلام حقيقة، لأنّه وضعني على عتبة التشيّع، وأتمنّى أن يشيّعني مرّة ثانية لينطلق بي إلى الفضاءات الأوسع في عالم التشيّع )(١) .

____________________

(١) مجلّة المنبر/ العدد ٣.

٣٠٠

٣٠١

الفصل السادس

الاختلاف المذهبي‏

أسبابه - علاجه‏

٣٠٢

٣٠٣

إنّ اختلاف الناس في القدرات العقليّة واختلافهم في الخلق والممتلكات سنّة من سنن الوجود ومظهر من مظاهر الكون وآية من آيات اللَّه تعالى، وقد قال عزّ وجل:

( وَمِن آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ واختِلافُ ألْسِنَتِكُم وَألوَانِكُم إنّ في‏ ذلك لآيَاتٌ للعَالِمين ) (١) .

ويكون هذا الاختلاف في الأمور التي أجاز الباري فيها الاختلاف عاملاً من عوامل النموّ والتطوّر في حياة الإنسان، لأنّ تعدّد الآراء وتعدّد الاختصاص يذكّي الحركة العلميّة ويدفعها إلى الأمام ويعبّد لها طريق التكامل ويرفع مستوى المعرفة ويؤدّي إلى النضج الفكري وتكوين العقليّة الواعية نتيجة التقاء خيرة العقول وانتفاع كلٌ من أطراف الاختلاف من خبرات الآخر، فيؤدّي ذلك إلى بناء حضارة توفّر للإنسان الأرضية المناسبة لازدهار طاقاته الكامنة وارتقائه في جميع الأصعدة.

وبذلك يندفع أبناء المجتمع إلى الخروج من السبات والخمول والعزلة إلى ميادين التنافس من أجل رفع مستوى تماسك المجتمع وتحصين وجوده.

ولكن يشترط في هذا الاختلاف أن لا يغيب العنصر الأخلاقي عن قاموس العلاقة بين أبناء المجتمع، ليكون هذا الاختلاف إضافة إلى معطياته الإيجابيّة عاملاً من عوامل التوحيد والتقريب بين الناس.

____________________

(١) الروم: ٢٢.

٣٠٤

الاختلاف في الصعيد الديني:

إنّ الاختلاف الديني الذي يكون في الصعيد العقائدي بين أبناء المجتمع اختلاف مبغوض عند اللَّه تعالى، ولم يفسح الباري عزّ وجل لعباده الاختلاف في هذا المجال، لأنّه تعالى بعث النبيّين ليحكموا بين الناس فيما اختلفوا فيه، وليرشدهم إلى العقائد الحقّة، وأمر عباده أن يتّبعوا الأنبياء وأن لا يختلفوا في الأمور الدينيّة التي لا يحق لهم إبداء الرأي فيها.

وقد قال تعالى:

( كَانَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبيِّينَ مُبَشّرينَ ومُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُم الكِتَابَ بالحَقّ لِيَحكُمَ بَينَ النّاسِ فِيمَا اختَلَفُوا فِيهِ وَمَا اختَلَفَ فِيهِ إلّا الّذينَ أوتوهُ مِنْ بَعدِ ما جَاءَتهُم البَيّناتُ بَغياً بَينَهُم فَهَدى‏ اللَّهُ الّذينَ آمَنُوا لِمَا اختَلَفُوا فِيهِ مِن الحِقّ بإذْنِهِ واللَّهُ يَهْدي مَن يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُستَقيم ) (١) .

وقد ذمّ الباري عزّ وجل الاختلاف في الأمور الدينيّة وحذّر من عواقبه قائلاً:

( وَلا تَكُونُوا كالَّذينَ تَفَرّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعدِ مَا جَاءَهُم البَيِّنَاتُ وَ أُولئِكَ لَهُم عَذَابٌ عَظيمٌ ) (٢) .

وقال جلّ وعلا:

( شَرَعَ لَكُم مِن الّدين مَا وَصّى‏ بِهِ نُوحاً والذي أَوْحَينَا إلَيكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهيمَ وَمُوسى‏ وعِيسى‏ أنْ أِقِيْمُوا الدّينَ وَلا تَتَفَرّقُوا فِيه ) (٣) .

وقال سبحانه:

( إنّ الّذينَ فَرّقُوا دينَهُم وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُم فِي شَي‏ءٍ إنّما أَمرُهُم إلى اللَّهِ ثُمّ

____________________

(١) البقرة: ٢١٣.

(٢) آل عمران: ١٠٥.

(٣) الشورى‏: ١٣.

٣٠٥

يُنَبّئهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) (١) .

وقال تعالى:

( واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرّقُوا ) (٢) .

وقال جلّ شأنُه:

( وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشرِكِينَ * مِنَ الّذينَ فَرّقُوا دينَهُم وَكَانُوا شِيَعاً كلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِم فَرِحُون ) (٣) .

سلبيّات الاختلاف الديني:

إنّ الاختلاف في العقائد يؤدّي إلى سلبيّات عديد منها:

(١) الوقوع في الضلال:

بما أنّ الحقّ واحد لا يتعدّد ولا يختلف وهو هدى اللَّه الذي لا هدى غيره ولا حقّ سواه، فما خالفه لا يكون إلّا باطلاً، وقد قال تعالى:( فَمَاذا بَعْدَ الحَقِّ إلّا الضَّلاَل ) (٤) .

فعلى هذا تكون نتيجة الفرد الذي لا يتّبع الدين الذي جاء به خاتم الأنبياء رسول اللَّه‏صلى‌الله‌عليه‌وآله الوقوع في أودية الكفر والضلالة.

ويدلّ عليه قوله تعالى:

( وَلكِن اختَلَفُوا فَمِنْهُم مَنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَنْ كَفَرَ ) (٥) .

( وَلاَ تَتّبِعُوا السُّبُلُ فَتَفَرّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ) (٦) .

____________________

(١) الأنعام: ١٥٩.

(٢) آل عمران: ١٠٣.

(٣) الروم: ٣١-٣٢.

(٤) يونس: ٣٢.

(٥) البقرة: ٢٥٣.

(٦) الأنعام: ١٥٣.

٣٠٦

وقوله عزّ من قائل:

( وِأنّ هذا صِرَاطي‏ مُسْتَقيماً فاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُبُلَ فَتَفَرّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ ذلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ) (١) .

( فَذلِكُم اللَّهُ رَبّكُم الحَقّ فَمَاذا بَعد الحقّ إلّا الضَّلال فأنّى‏ تصْرفُون ) (٢) .

( وَلَنْ تَرضَى‏ عَنْكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى‏ حتّى‏ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم قُل إنّ هُدَى‏ اللَّهِ هُوَ الهُدَى‏ وَلَئِن اتّبَعْتَ أَهوَاءَهُم بَعدَ الذي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مِالَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) (٣) .

( قُل إنّ الهُدى‏ هُدَى‏ اللَّه ) (٤) .

( إنّ الّدينَ عِندَ اللَّهِ الإسلام ) (٥)

( وَمَن يَبْتَغِ غَيرَ الإسلام ديناً فَلَنْ يُقْبَل مِنْه وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِين ) (٦) .

( اهْدِنَا الصّرَاطَ المُسْتَقيمَ * صِرَاطَ الّذينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِم غَيرِ المَغْضُوبِ عَلَيهِم وِلا الضّآلّين ) (٧) .

(٢) ضعف شوكة الأمّة:

إنّ الاختلاف الديني يمهّد الأرضيّة الاجتماعية لانتشار الفتن و وقوع المحن وبلورة الشقاق، لأنّه يفتح باب العداوة بين أبناء المجتمع، ويؤدّي إلى تعدّد الجبهات وتنوعها وإثارة الصراعات، ويجعل الأمّة شيعاً يذيق بعضهم بأس بعض، فيؤدّي هذا

____________________

(١) الأنعام: ١٥٣.

(٢) يونس: ٣٢.

(٣) البقرة: ١٢٠.

(٤) آل عمران: ٧٣.

(٥) آل عمران: ١٩.

(٦) آل عمران: ٨٥.

(٧) الفاتحة: ٦-٧.

٣٠٧

الأمر إلى سلب قوّة الأمّة وضعف شوكتها.

ولهذا قال تعالى:

( وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشلُوا وَتَذْهَب رِيحُكُم وَاصْبِرُوا إنّ اللَّه مَعَ الصّابِرِين ) (١) .

( وَلَقَد صَدَقَكُم اللَّهُ وَعْدَهُ إذْ تْحُسُّونَهُم بإذْنِهِ حتّى‏ إذا فَشِلْتُم وَتَنَازَعْتُم فِي الأمْرِ وَعَصيتُم مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَا تُحِبّونَ مِنْكُم مَنْ يُرِيدُ الدُّنيَا وَمِنْكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمّ صَرَفَكُم عَنْهُم لَيَبْتَلِيَكُم وَلَقَد عَفَا عَنْكُم وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ على المُؤمِنِينَ ) (٢) .

أسباب نشوء الاختلاف الديني:

إنّ الاختلاف بين الناس في القضايا الدينيّة له أسباب متعدّدة وبواعث متنوّعة أهمّها:

١- الافتقار إلى العلم.

٢- الرذائل النفسيّة.

(١) الافتقار إلى العلم:

أحد أسباب الاختلاف بين الناس هو عدم وضوح الرؤية للموضوع من كلّ جوانبه، و وقوع نظر كلٌ من طرفي الخلاف على مالا يقع عليه نظر الآخر.

وتوضيح ذلك هو أن ينظر أحدهم إلى الموضوع المختَلف فيه من زاوية معيّنة وينظر الآخر إليه من زاوية أخرى، فيختلفان بعدها في تقييم ذلك الموضوع.

كما أن من جملة أسباب اختلاف الناس هو غلبة الجهل وتفشّيه بينهم، حيث

____________________

(١) الأنفال: ٤٦.

(٢) آل عمران: ١٥٢.

٣٠٨

يؤدّي هذا الأمر إلى استحكام الخرافات في النفوس وقوّة أمر التحزّب للباطل وللفرق المنحرفة.

وقد أشار الباري عزّ وجل في كتابه الكريم عند ذكره قصّة موسى‏عليه‌السلام وقومه، أنّ الجهل من الأسباب الأساسيّة لابتعاد الناس عن دين اللَّه تعالى وتفرّقهم فيه فقال اللَّه تعالى حول ما جرى بين موسى وقومه:

( قَالُوا يَا مُوسَى‏ اجْعَل لَنَا إلهاً كَمَا لَهُم آلِهَةٌ قَالَ إنّكُم قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) (١) .

كما أنّ الجهل يدفع صاحبه إلى الوقوع في مصائد أصحاب الأهواء الذين يحاولون استغلال جهل الناس من أجل تحقّق مآربهم الشخصيّة، فيؤدّي به ذلك إلى إيثار الضلالة على الهدى والغي على الرشاد نتيجة تقليده ومحاكاته للغير من دون دليل أو برهان، فيدفعه ذلك إلى سلوك طريق الغواية وتنكّب طريق الهداية.

وبالجهل يفقد الإنسان الحصانة في تقبّل الأفكار التي ترد عليه، ولهذا تتغلغل في عقليّة هكذا أشخاص الأفكار الضالّة والمنحرفة، لأنّ هذه الأفكار تجد عقولاً مفلسة وقلوباً غافلة وأرضيّة مناسبة لاستحكامها في نفوس هؤلاء، فتجعل من عقول هؤلاء موطناً لنفسها.

معالجة الاختلاف الديني الناتج من الجهل:

إنّ هذا اللون من الاختلاف يزول ويضمحل بعد تعرّف أطراف الاختلاف على الحقيقة بصورة كاملة وبعد معرفتهم الشموليّة بالموضوع المختلف فيه.

فلهذا ينبغي لكلّ واحد من أطراف الاختلاف في هذه الحالة أن يكلّف نفسه مشقّة البحث، وأن يبادر إلى طلب العلم من مصادره النقيّة وأن يبذل جهده التام - بعد التحلّي بالموضوعيّة والتجرّد عن القناعات السابقة - لاكتشاف الطريق الصحيح بعقليّة

____________________

(١) الأعراف: ١٣٨.

٣٠٩

منفتحة ترشده إلى سواء السبيل، ليتمكّن بعد إزالة قصوره في الإدراك وإعادة نظره في مرتكزاته الفكريّة ومعلوماته التاريخيّة والدينيّة أن يحلّ الاختلاف القائم بينه وبين الآخرين بالعلم والوعي ودقّة النظر و وضع الأمور في مواضعها.

ويكون الحوار في هذه الحالة أفضل وسيلة لحلّ الاختلاف واكتساب الشموليّة في الرؤية، وبه يتمكّن كلٌ من طرفي الحوار أن يصلح عقليّة الطرف المقابل وأن يرفع مستواه الفكري والثقافي، وسيأتي في البحوث القادمة ذكر أهميّة الحوار العلمي والمناقشة البنّاءة في حلّ الاختلاف.

(٢) الرذائل النفسيّة:

ذكرنا فيما سبق أن الاختلاف إمّا أن يكون نتيجة الافتقار إلى العلم وقد مرّ ذكره، وإما أن يكون نتيجة بعض الرذائل النفسيّة التي تدفع صاحبها إلى مخالفة الحقّ والالتزام ببعض آراء المخالفة للواقع.

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا القسم الثاني، وذكر بأنّ معظم الناس ليس خلافهم مع الحقّ نتيجة عدم معرفتهم به، وإنّما سببه مجموعة رذائل نفسيّة تمنعهم من الإيمان بالحقّ، ولهذا قال تعالى:

( الّذينَ آتَيْنَاهُم الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُم وإنّ فَريقاً مِنْهُم لَيَكْتمُونَ الحَقَّ وَهُم يَعلَمُون ) (١) .

وقد ذكر القرآن أيضاً بأنّ الكثير من الأمم كانت تعرف صدق أقوال الرسل فيما يبلّغونهم عن اللَّه عزّ وجل، إلّا أن الرذائل النفسيّة من قبيل العصبيّة والأحقاد والغرور والعناد صدّهم وحال بينهم وبين اتّباعهم للرسل، بل حملهم ذلك على مخالفتهم بغياً وظلماً.

____________________

(١) البقرة: ١٤٦.

٣١٠

ومن الآيات الكريمة التي تبيّن هذه الحقيقة قوله تعالى:

( كَانَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبيِّينَ مُبَشّرينَ ومُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُم الكِتَابَ بالحَقّ لِيَحكُمَ بَينَ النّاسِ فِيمَا اختَلَفُوا فِيهِ وَمَا اختَلَفَ فِيهِ إلّا الّذينَ أوتوهُ مِنْ بَعدِ ما جَاءَتهُم البَيّناتُ بَغياً بَينَهُم.. ) (١) .

وقوله سبحانه حول بني إسرائيل:

( وَآتَيْنَاهُم بَيّنَات مِنَ الأَمْرِ فَمَا اختَلَفُوا إلّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُم العِلمُ بَغياً بَيْنَهُم.. ) (٢) .

وقوله عزّمن قال:

( إنّ الّدينَ عِندَ اللَّهَ الإسلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الّذينَ أُوتُوا الكِتَابَ إلّا مِنْ بَعدِ مَا جِاءهُم العِلمُ بَغياً بَيْنِهُمْ.. ) (٣) .

فهذه الآيات الكريمة تصرّح بأنّ اختلاف معظم الأمم مع أهل الحقّ لم يكن سببه الجهل أو عدم معرفة الحق، وإنّما سببه البغي والظلم والعدوان، لأنّ العلم بالحقّ لا يكفي في الإيمان به والدفاع عنه، وسبب ذلك هو أنّ العلم نور، ولا يستفيد من هذا النور إلّا من يزيل عن بصيرته الحجب التي تمنعه من الرؤية، ولا يقدر على ذلك إلّا أصحاب النفوس الطيّبة والقلوب الطاهرة.

ولهذا حذّر الباري عزّ وجل أبناء الأمّة من التفرقة مع وجود العلم والبينات. فقال تعالى:

( وَلا تَكُونُوا كالّذينَ تَفَرّقُوا واخْتَلَفُوا مِنْ بَعدِ مَا جَاءَهُم البَيّنَات وَأُولئِكَ لَهُم عَذَابٌ عَظيم ) (٤) .

____________________

(١) البقرة: ٢١٣.

(٢) الجاثية: ١٧.

(٣) آل عمران: ١٩.

(٤) آل عمران: ١٠٥.

٣١١

وقال تعالى:

( وَمَا تَفَرّقَ الّذينَ أُوتوا الكِتَابَ إلّا مِن بَعدِ مَا جَائَتْهُمُ البَيّنَة ) (١) .

أهمّ الرذائل المؤدّية إلى الاختلاف:

من أهم الرذائل التي تودي إلى وقوع الاختلاف بين الناس هو الهوى، لأنّ الهوى بعد الهيمنة على النفس الإنسانيّة يستولي على مقياس الحُسن والقُبح ويصوّر للإنسان الأشياء الحسنة قبيحة والأشياء القبيحة حسنة على ضوء ما يرتئيه.

وقد أخبر الباري عزّ وجل بأنّ الانقياد للهوى هو الذي حال بين الأمم والأنبياء، وأملى على الناس الاستكبار لئلّا يؤمنوا برسالة الأنبياء فقال تعالى:

( أَفَكُلّما جَاءَكُم رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى‏ أَنْفُسُكُم اسْتَكبَرتُم ) (٢) .

كما أخبر اللَّه تعالى بأنّ الهوى له من القوّة بأن يحل في النفوس محل الإله، فقال تعالى:

( أفَرَأيتَ مَن اتَّخَذَ إلهَهُ هَوَاهُ وأُضَلّهُ اللَّهُ على عِلم ) (٣) .

ومن هذا المنطلق يؤدّي هذا الداء العضال في النفوس المريضة والقلوب الغافلة إلى النفور التام والاستكبار الممقوت عن قبول الحقّ وبغي بعض أبناء الأمّة على بعض وظهور العداوة والبغضاء وغير ذلك من المفاسد التي تؤّدي إلى تفرقة الكلمة.

ويتفرّع عن الهوى رذائل نفسيّة أخرى تؤدي إلى الاختلاف والتفرقة منها الحسد للغير على ما آتاه اللَّه من فضله، حبّ الشهرة، والتفاخر، الأنانيّة والحرص على نيل المنافع الخاصّة والاستجابة لتطلّعات النفس الأمّارة بالسوء.

____________________

(١) البيّنة: ٤.

(٢) البقرة: ٨٧.

(٣) الجاثية: ٢٣.

٣١٢

دور السّلطات الظالمة في تأجيج الاختلاف:

إنّ السلطات الجائرة تغرس بذرة الاختلافات المذهبيّة واختلاق الفساد في قواعد الدين الأساسيّة، ثمّ تكلّف وعّاظ السلاطين ليتعاهدوا هذه البذور المغروسة بالسقي من مياه الشبهة والتزوير والافتراء والغلو لتثمر الأحزاب المذهبيّة التي تكفّر بعضها البعض، والتي توفّر لهذه السلطات أرضيّة تحكّمها بسهولة على رقاب الناس.

وتحاول هذه السلطات بكل ما أوتيت من قوّة وما تملك من وسائل عن طريق تكريس التفرقة بين صفوف الأمّة والعمل على تمزيق المجتمع وتفتيت أوصاله وتخريب تماسكه ودعم الحركات الهدّامة المهتمّة بتمزيق الكلمة وتمزيق الوحدة وإضعاف دعائم الأمّة أن تصل إلى مآربها الشخصيّة.

ولا تأبى هذه السلطات أن تستخدم من أجل الوصول إلى غاياتها الدنيئة أيَّ وسيلة منافية للقيم الأخلاقيّة، لأنّها ترى أنّ مصالحها لا تتحقّق مع وحدة الأمّة وتكاتفها، فتعمد عن طريق استئجار النفوس الضعيفة وشراء ذوي القلوب المريضة وإغرائهم بزخارف الدنيا أن توظّفهم لغرس الحقد والكراهيّة والعداوة والبغضاء في النفوس وخلق مستنقع خصب لانتشار ما يؤدّي إلى تفرقة كلمة أبناء المجتمع.

وقد نجحت هذه السلطات بمكرها وخبثها أن تزرع في نفوس الأمّة ما يدفعها إلى التفرقة، وقد أفلحت في مسعاها ونجحت في مبتغاها ولعبت دورها في شدّ أزر الفتن والشقاق.

ومن هذا المنطلق تلاعبت هذه السلطات بالعقائد والمفاهيم لتعطّل الملكات الإراديّة في نفوس أبناء الأمّة، ولتمهّد بذلك لنفسها سبيل الهيمنة عليهم نتيجة ضعف إرادتهم الشخصيّة، وهذا ما فعله فرعون مع قومه حيث قال تعالى عنه:

( فَاسْتَخَفَّ قَومَهُ فَأطَاعُوهُ إنّهُم كَانُوا قَوْمَاً فَاسِقِينَ ) (١) .

____________________

(١) الزخرف: ٥٤.

٣١٣

معالجة الاختلاف الديني الناتج من الرذائل:

إنّ البحث وطلب العلم والحوار وغير ذلك من الأمور التي ذكرناها في معالجة الاختلافات الدينيّة الناتجة من الجهل لا تجدي ولا تنفع لمعالجة الاختلاف الديني الناتج من الرذائل النفسيّة.

لأنّ المتلبّس بالرذائل لا يؤمن بالحقّ ولو تجلّى له ذلك كالشمس في رابعة النهار، لأنّه مبتلٍ بحجب وأمراض نفسيّة تمنعه من الخضوع إلى الحقّ والانقياد إلى الصراط المستقيم.

ولا يوجد علاج لحل هذا الاختلاف إلّا المبادرة إلى التربية الأخلاقيّة ودعوة الآخرين إلى التحلّي بالتقوى وتطهير القلب من الشوائب وتنقية النفس من الأوساخ المتلوثة بها.

ولهذا تكون الخطوة الأولى والأساسيّة التي ينبغي أن يقوم بها الإنسان الواعي والسائر على درب الحقّ عندما يواجه من يختلف معه في الرأي والعقائد، أن يبحث قبل كلّ شي‏ء عن الأسباب التي دعت الطرف المقابل لمخالفة الحقّ، ليتمكّن بعد ذلك من دراسة هذه الأسباب والعثور على العلاج المناسب لحلّ الاختلاف القائم بينه وبين الآخر.

لأنّ الحوار العلمي وتقديم الأدلّة والبراهين لا ينفع مع الشخصيّات المتلبّسة بالرذائل النفسيّة، و وظيفة الفرد إزاء هذا النمط من الأشخاص الذي يخالفونه في الرأي والمعتقد أن يقوم بتطهير قلوبهم من الشوائب العالقة بها، ليمهّد بذلك الطريق لغرس المبادئ‏ الحقّة في قلوبهم.

فتنة علماء السوء:

يبيّن الاستقراء أنّ معظم اختلاف رؤساء أهل الباطل وعلماء الفرق الضالّة مع أصحاب الدعوة الحقّة هو نتيجة تلبّس هؤلاء بالرذائل النفسيّة، لأنّهم لم يضلّوا

٣١٤

لجهلهم بالحقّ، وإنّما ضلّوا لهروبهم من وجه الحقّ إرضاءاً لأهوائهم ورذائلهم النفسيّة واتّباعهم السلطات الحاكمة لنيل مطامعهم الشخصيّة.

في حين أنّ معظم الذين يتّبعون أرباب الفرق هم ممن قادهم الجهل والتقليد الأعمى إلى الوقوع ضحايا في لعبة أرباب المذاهب.

ولهذا تكون فتنة هؤلاء العلماء من أعظم الفتن، لأنّهم أضلّوا الناس وحرموهم من اتّباع الهدى، وقد ظنّ أتباع هذه الفرق أنّ علماءهم يقودونهم إلى الحقّ، فسلّموا لهم زمام الأمور، فانتهز هؤلاء العلماء الفرصة فحرّموا ما شاؤوا وحلّلوا ما شاؤوا وأفتوا بما تهوى أنفسهم، وأظهروا من الدين ما ينسجم مع مصالحهم وأخفوا منه ما لا يتّفق مع أهوائهم، ثمّ حاولوا أن يجعلوا أتباعهم وراء ستار كثيف من الجهل لئلّا ينكشف غيّهم.

ويشير التيجاني السماوي إلى هؤلاء العلماء قائلاً:

( ودأب أغلب العلماء على الجري وراء الحكّام واستمالتهم بالفتاوى والتملّق طمعاً في ما عندهم من مال وجاه، وعمل هؤلاء دائماً على سياسة (فَرّق تَسُد)، فلم يسمحوا لأحد بالاجتهاد وفتح ذلك الباب الذي أغلقه الحكّام في بداية القرن الثاني، معتمدين على ما يثار هنا وهناك من فتن وحروب بين السنّة وهي الأغلبيّة الساحقة والتي تمثّل الأنظمة الحاكمة. والشيعة وهي الأقليّة والتي تمثّل في نظرهم المعارضة الخطيرة التي يجب القضاء عليها، وبقي علماء السنّة مشغولون بتلك اللّعبة السياسيّة الماكرة في نقد وتكفير الشيعة والردّ على أدلّتهم بكلّ فنون النقاش والمجادلة حتى كُتبت في ذلك آلاف الكتب وقُتلت آلاف النفوس البريئة وليس لها ذنبٌ غير ولائها لعترة النبي‏صلى‌الله‌عليه‌وآله ورفضها للحكّام الذين ركبوا أعناق الأمّة بالقوّة والقهر)(١) .

ومن طرق علماء السوء من أجل الوصول إلى مآربهم تلبيسهم الحقّ بالباطل من أجل حرمان أبناء الأمّة من معرفة الحقّ بسهولة، لأنّهم في ظلّ هكذا أجواء يستطيعون

____________________

(١) محمّد التيجاني السماوي/ فاسألوا أهل الذكر: ٣٤٠.

٣١٥

أن يخرجوا ضلالهم إلى الناس في قوالب الحقّ، ليغترّ بهم العامّة فيتبعوهم معتقدين أنّهم على الحقّ.

ويشير معتصم سيّد أحمد إلى هذه الحقيقة قائلاً:

( عندما ينظر الإنسان لواقع الأمّة الإسلاميّة تأخذه الحيرة من جراء الاختلافات والتمذهب الذي أصبح الطابع المميّز في الوسط المسلم، ترى ماذا يصنع الإنسان؟ وأيّ الطرق يسلك؟ في حين تدّعي كل الطرق أنّها الحق المطلق، مع أنّ الثابت بالضرورة أن الحقَّ لا يمكن أن يتعدّد، بخلاف الباطل الذي يمكن أن يتشكّل في وجوه مختلفة )(١) .

اختلاف المسلمين بعد رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

لقد بيّن النبي‏صلى‌الله‌عليه‌وآله الطريق الصحيح الذي فيه الخير والصلاح، وقد جعل لأمّته الثقلين كتاب اللَّه وعترته أهل بيته الملجأ للاعتصام من الضلال من بعده، وأمر الناس أن يلتجئوا إلى سفينة أهل البيت‏عليهم‌السلام ليحموا أنفسهم من الغرق في بحار الفتن والضلال.

كما أن النبي‏صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أشار إلى افتراق الأمّة من بعده، لتتنبّه الأذهان ولتعتصم الأمّة بالحقّ وتتجنّب الشطط والفتن في الأمور التي تقع من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولكن الأمّة لم تلتفت إلى ذلك، فكان أوّل اختلاف أدّى إلى تفرقة المسلمين بعد أن رُزئت الأمّة بفقد الرسول‏صلى‌الله‌عليه‌وآله هو مبادرة بعض الصحابة إلى الهيمنة على زمام الحُكم من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد حاول هؤلاء الصحابة بشتى السبل عن طريق تحريك مشاعر الجاهليّة وإبراز كوامن النفوس وخفايا بعض القلوب ضدّ الإمام علي‏عليه‌السلام أن يغضّوا الطرف عن

____________________

(١) معتصم سيّد أحمد/ حوارات: ١١.

٣١٦

النصوص الواردة من النبي‏صلى‌الله‌عليه‌وآله على ولاية أهل البيت‏عليهم‌السلام وخلافتهم من بعده، وأن يغيّروا المنهج المرسوم من قِبل اللَّه ورسوله للخلافة وأن يستولوا على زمام الحكم من بعد رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ومن هذا المنطلق نشأت الفرق في أوساط المسلمين، ولهذا يقول التيجاني السماوي:

( الخلافة، وما أدراك ما الخلافة! فهي التي جعلها اللَّه فتنة الأمّة، وهي التي قسمتها وأطمعت فيها الطّامعين، وهي التي أهرقت في سبيلها الدماء البريئة، وهي التي كفر من أجلها مسلمون فأغرتهم وأبعدتهم عن الصراط المستقيم وأدخلتهم نار الجحيم )(١) .

ويقول التيجاني السماوي أيضاً:

( كلّ خلاف وقع بين المسلمين سواء في الفقه أو في التفسير للقرآن أو في فهم السنّة النبويّة الشريفة منشوءة وسببه الخلافة )(٢) .

ويقول إدريس الحسيني:

( إنّ الإمامة وما يتّصل بها من موضوعات هي مفتاح كل الصراعات التي شهدها التاريخ الإسلامي )(٣) .

ويشير أحمد حسين يعقوب أيضاً إلى هذه الحقيقة قائلاً:

( يكمن سبب المصائب التي حلّت بهذه الأمّة ومزّقت وحدتها، وبعثرت صفوفها، وجعلتها شيعاً وأحزاباً وطرائق قدداً، يكمن في الفصل بين المنظومة الإلهيّة وبين المرجعيّة والقيادة السياسيّة التي عيّنها اللَّه تبارك وتعالى، والتمسّك بالمرجعيّة والقيادة السياسيّة التي فرضتها القوّة والغلبة واستكان لها الناس بحكم طاعة الغالب، ثمّ بحكم التكرار والتقليد الأعمى.

____________________

(١) محمّد التيجاني السماوي/ فاسألوا أهل الذكر: ٢٣٩.

(٢) محمّد التيجاني السماوي/ لأكون مع الصادقين: ٤٠-٤١.

(٣) إدريس الحسيني/ الخلافة المغتصبة: ١٣.

٣١٧

فما سالت الدماء إلّا من أجل رئاسة الدولة، وما اختلف المسلمون إلّا بسبب هذه الرئاسة، وما حدثت الحروب بينهم إلّا طمعاً بها، فهل يُعقل أن يُبيّن الشرع الحنيف للناس كيف يتبوّلون ويغفل ويترك بيان مَن يتولّى رئاسة الدولة بعد النبي‏صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكيفيّة التنصيب، وكيفيّة انتقال الرئاسة؟)(١) .

وبمرور الزمان ازدادت الفرق والمذاهب، وأصبحت كلُّ فرقة تدّعي أنّها هي الفرقة الناجية التي أشار اليها رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ويقول هشام آل قطيط في هذا المجال:

( فجميع الطوائف الإسلاميّة بعد وفاة النبي‏صلى‌الله‌عليه‌وآله تفرّقت إلى ملل ونحل ومذاهب وصارت كل فرقة تدّعي أنّها هي الفرقة الناجية، وأن أتباعها هم الناجون، بحيث كل فرقة لديها الفن في صنعة الحديث.. فصارت تقول أحاديث تنتصر بها على الفرقة الأخرى، فعظمت المحنةُ وانتشر الباطل)(٢) .

ويقول أسعد وحيد القاسم حول جذور الاختلاف بين المسلمين والمسألة التي منها انطلق الخلاف بين المسلمين:

( ولا أجد مسألة اختلف عليها بين أهل السنّة والشيعة من الممكن أن تنطبق عليها مثل هذه المواصفات كمسألة خلافة النبي‏صلى‌الله‌عليه‌وآله أو إمامة المسلمين بعده، ويقول الشهرستاني صاحب موسوعة الملل والنحل في هذا الصدد: (وأعظم خلاف بين الأمّة خلاف الإمامة، إذ ما سُلّ سيفٌ في الإسلام على قاعدة دينيّة مثل ما سُلّ‏على الإمامة في كلّ مكان ).

وأما الفروع، فهي الآثار التي ترتّبت على حصول أزمة الخلافة والإمامة أو مخلّفاتها ذات الخطورة على الإسلام والمسلمين. وتشعبات هذه الفروع هي ذلك الكم الهائل

____________________

(١) أحمد حسين يعقوب/ الخطط السياسيّة لتوحيد الأمّة الإسلاميّة: ٣٥-٣٦.

(٢) هشام آل قطيط/ ومن الحوار اكتشفت الحقيقة: ٣٢٢.

٣١٨

من المفاهيم والأحكام الفقهيّة المختلف عليها بين الفريقين من جهة، وبين كل فريق من جهة أخرى )(١) .

ويقول معتصم سيّد أحمد حول هذا الأمر:

( وقد نقل التاريخ تعصّب كل جماعة لمدرستهم الفقهيّة وما حصل بينهم من مشادات ونزاعات إلى درجة أن يكفّر بعضهم البعض، وما كشف لنا أيضاً دور السلطات الحاكمة وكيف كانت تتلاعب بدين المسلمين، فالعالم الذي يوافق هواها يكون إماماً للمسلمين وتلزم الناس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بتقليده والاقتداء به )(٢) .

ومن جراء الاختلاف حول الإمامة والخلافة بين أهل السنّة والشيعة، ذهب أهل السنّة إلى أن الخلافة زعامة مدنيّة يرجع فيها الاختيار والتعيين إلى الناس أنفسهم، وذهب أتباع مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام إلى أن الخلافة أو بالأحرى الإمامة ليست مجرّد زعامة مدنيّة وحكم إداري، بل هي امتداد للنبوّة بجميع معطياتها إلّا ما يخصّ مقام النبوّة، وذهبوا إلى أن خلافة الرسول منصب إلهي يعيّنه النبي‏صلى‌الله‌عليه‌وآله عن طريق الوحي ولا مجال فيه لاختيار الأمّة.

ومن هذا المنطلق قال الشيعة استناداً إلى النصوص القرآنيّة والروايات الصريحة أن الإمام علي‏عليه‌السلام هو خليفة رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالحقّ، وأنّ الباري عزّ وجل قد اصطفى آل محمّدعليهم‌السلام كما اصطفى آل إبراهيم، ذريّة بعضُها من بعض لمنصب الإمامة والخلافة من بعد الرسول‏صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد احتجّ الشيعةُ على مخالفيهم بأدلّة كثيرة وأقاموا براهينهم.

ولكن أتباع المذهب السنّي أنكروا النصّ على الإمامة، وشكّكوا في الأدلّة التي احتجّ بها الشيعة، وحاولوا صياغة فكرة الخلافة بصورة تضفي المشروعيّة على خلافة

____________________

(١) أسعد وحيد القاسم/ أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة: ٢٥.

(٢) معتصم سيّد أحمد/ الحقيقة الضائعة: ٢٣٩.

٣١٩

كلّ من استلم دفّة الحكم بعد التحاق الرسول‏صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرفيق الأعلى.

ومن المؤسف أن تحوّل هذا الاختلاف في بعض الأزمنة نتيجة ضعف الإيمان وغياب العنصر الأخلاقي إلى صراعات حادّة يتخفّى وراءها مظهر بشع من الكراهيّة والحقد المكشوف، وأصبحت كل فرقة ترصد نقاط ضعف الفرقة الأخرى لتدينها بها.

ومن هنا اتّسعت دائرة الجدل والنقاش بين الأطراف المتنازعة، ثمّ تحوّل إلى التراشق بالاتّهامات واستخدام الكلمات البذيئة، فأدّى ذلك إلى ضياع جهود كثيرة و فوت خيراً واسعاً ضاع في المهاترات والشقاق.

ثمّ استغلّ المغرضون والانتهازيّون هذه الفرصة فأجّجوا نيران الاختلاف ومزّقوا أوصال الأمّة وفتّتوا وحدتها من أجل توسيع الهوة بين أبناء المجتمع والاصطياد بعدها بالماء العكر.

وقد بلغ الاختلاف بين المسلمين حدّاً بحيث سمح بعض المسلمين لأنفسهم أن يمدّوا جسور العلاقة الودّيّة مع الأطراف المضادّة للإسلام، وفي الوقت نفسه أبَوا أن يمدّوا جسور العلاقة مع إخوانهم المسلمين الذين اختلفوا معهم في بعض الأمور العقائديّة والفكريّة، بل بلغ حقد وكراهيّة بعضهم ضدّ الآخر، الحدّ الذي دفعهم إلى تشويه أحدهم صورة الآخر بأساليب بعيدة كل البُعد عن القيم الأخلاقيّة.

وفي ظلّ هكذا أجواء اندفع كل طرف من الأطراف الإسلاميّة إلى الحذر والتوجّس من الطرف الإسلامي الآخر، وأصبح أمرُ الأمّة أن لا تمضي عليها فترة قصيرة إلّا وتثار فيها مسألة خلافيّة تفرّق قواها وتقوّي بأسَ بعضها على بعض.

الوحدة الإسلاميّة:

تعني الوحدة الإسلاميّة أن يكن كل مسلم المحبّة في قلبه لباقي إخوانه من المسلمين وإن كانوا على ضلال، لأنّ كل إنسان بذاته طاهر وهو مخلوقٌ اصطفاه اللَّه سبحانه وتعالى على سائر المخلوقات وكرّمه على العالمين.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374