التحول المذهبي‏

التحول المذهبي‏15%

التحول المذهبي‏ مؤلف:
تصنيف: كتب متنوعة
الصفحات: 374

التحول المذهبي‏
  • البداية
  • السابق
  • 374 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135412 / تحميل: 6810
الحجم الحجم الحجم
التحول المذهبي‏

التحول المذهبي‏

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ويصف إدريس الحسيني هذا الإطار الذي يلقّنه علماء أهل السنّة لإتباعهم:

( لقد تلقّينا دروساً - ديماغوجيّة - خاصّة، لفهم التّاريخ الإسلامي وأن (نترضى) بعد ذكر كلّ اسم ينتمي إلى جوقة القديم.

وإذا رأينا الدم والفسق والكفر، ليس لنا الحق سوى أن نغمض الأعين، ونكف الألسن خوفا من الغيبة التاريخيّة، ثم نقول:( تِلك أمّة قَد خَلتْ لَها ما كَسبَتْ ولَكُم ما كَسبْتُم ولَا تُسألونَ عمّا كانُوا يَعْمَلُون ) (١) .

عملية لجم مُبرمجة، وقيود توضع على عقل الإنسان، قبل أن يدخل إلى محراب التأريخ المقدّس.

لقد علّمونا أن نرفض عقولنا، لنكون كائنات (روبوت) توجّهنا كمبيوترات مجهولة )(٢) .

ويضيف هذا المستبصر في هذا المجال:

( من الدّروس - الديماغوجيّة - التي حقنوا بها وعينا، هو أن ما كان في التاريخ الإسلامي هو الصواب المطلق.

ولم يكن في الإمكان أبدع مما كان.. وان الإيمان كل الإيمان، هو التصديق بما وقع، والخلافة الرشيدة حبكة جملية جداً، بل وأنّها تكاد تطفح إبداعا، وما زلتُ أضحك على نفسي لتقبلها بسذاجة الأمويين.

لقد تلقّيت منهم واقع الخلافة الراشدة دون مناقشة، وإذا راودتني نفسي بتساؤلات، قمعتها، لتستقيم عل التزام التجاهل.

واذكر أنّ الشك بهذه الحبكة طرأ عليّ وأنا ابن خمسة عشر عاماً غير انني طويت الصفحة عن ذلك الشك وتعمدت نسيانه! )(٣) .

____________________

(١) البقرة: ١٤١.

(٢) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ٤١.

(٣) المصدر السابق: ٤٣.

٦١

ويقول هذا المستبصر حول المعاناة التي عاناها في هذا المجال:

( إنّني ورثت مجموعة تقديسات متناقضة، تجرّعتُها على حين غفلة من نضجي ووعيي التاريخي... ولكن التاريخ علّمني ألّا أكون مناقضاً للحقيقة، وإلّا كيف يتّسع القلب لحب الشي‏ء ونقيضه؟ )(١) .

ويذكر هذا المستبصر حول المعاناة التي عاناها في بداية قراءته لبعض فقرات التاريخ الإسلامي:

( كنت أقرأ صفحة ثم أتوقّف متعوّذاً باللَّه، وكأنّني أنا المسؤول عن كل ماوقع، أقرأ التاريخ خلسة وخفية، وكأنني أمارس الفحشاء والمنكر، وما زلت اتذكر الأصحاب وقد بدأوا يوجهون لي النقد، لأنني بدأت أخرج عن الإيمان، وأهتمّ بالفتن، إنّني كنت أدرك أنّهم لا يقولون إلّا ما لُقّنوه)(٢) .

ويقول مصطفى خميس حول تقييمه لهذه الفكرة التي يتبناها البعض حول النظرة القدسيّة إلى التاريخ:

( لم يكن الذين كتبوا التاريخ عدولاً بأجمعهم، كلا، ولا مسدّدين بأمر اللَّه عزّ وجل، لكنهم كانوا أناساً عاديين، تأثروا بعواطفهم وبميولهم وسياسات حكامهم، وقد جمعوا روايات التاريخ وأحداثه من أفواه الرواة، وكتابات القصّاصين أحيانا من غير تحقيق ولا تدقيق، وهذا ما حدث عند الكثيرين منهم، بل أكثرهم.

فهذه النظرة القدسيّة إلى التاريخ بكل ما جاء فيه - بعجره وبجره - قادت الكثيرين منهم إلى التجنّي على الحقيقة، كما قادتهم إلى نصرة الباطل على الحق، وذلك بإظهار كثير من الأكاذيب والدسائس والافتراءات على أنّها أحداث تاريخيّة، وألبسوها ثوب الحقيقة المزيّف )(٣) .

____________________

(١) المصدر السابق: ٩٦.

(٢) المصدر السابق: ٩٤.

(٣) مصطفى خميس/ شبهات وحقائق: ١٥٤-١٥٥.

٦٢

التحذير من قراءة التاريخ:

من جملة العقبات الأخرى التي يواجهها المستبصرون حين توجّههم إلى البحث في كتب التاريخ هي التحذير الذي يتلقونه من علمائهم وممن حولهم فيما يخص دراسة التاريخ.

ويشير إدريس الحسيني إلى هذا الأمر قائلاً:

( بعضهم بلغ من الحكمة شأواً بعيداً، فيقول: ( لا داعي للبحث عن هذه القضايا القديمة في التاريخ، لأنها باعثة على الفتنة ).

لقد تحول البحث عن الحقيقة، فتنة في قاموس هذا الصنف من الناس، وكأنّهم يرون البقاء على التمزّق الباطني، حيث تتشوش الحقيقة، وتغيب، أفضل من الإفصاح عن الحق الذي من اجله أُنزل الوحي، وتحركت قافلة الرسل والأنبياء، وكأن مهمة الدين هو أن يأتي بالغموض، وكأن اللَّه عزّ وجل أراد أن يبلبل الحقائق، ويقمعها بحكمة: لا تبحث في التاريخ )(١) .

ويقول محمد الكثيري حول سبب ممانعة البعض عن قراءة التاريخ:

( إنّ البحث والدراسة العميقة لتاريخ الإسلام بشكل عام وتاريخ المذاهب الفقهيّة والأصوليّة بشكل خاص وعلاقة ذلك بالاجتماع والسياسة، يكشف عن حقائق مهمّة وخطيرة تنزّل أصناماً ذهبيّة براقة من عليائها لترمي بها في مزابل التّاريخ، لأنّها العار الأبدي على جبين الإنسانيّة، ورمز للانحراف والظلم اللذين شيّدا صروح النفاق والكفر )(٢) .

ويقول التيجاني السماوي حول معاناته أيضاً، في الفترة الزمنيّة التي كان معتنقاً فيها لمذهب أهل السنّة:

____________________

(١) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ١٩.

(٢) محمد الكثيري/ السلفيّة: ١٤

٦٣

( وفي الحقيقة ما عرفت من التاريخ الإسلامي قليلاً ولا كثيراً، لأنّ أساتذتنا ومعلّمينا كانوا يمنعوننا من ذلك مدّعين بأنّه تاريخٌ أسود مظلم لا فائدة من قراءته )(١) .

ويذكر التيجاني السماوي أنّه ذات يوم سأل أستاذه في مادّة البلاغة عندما كان يدرّسهم الخطبة الشقشقيّة حول محتوى هذه الخطبة.

فقال له الأستاذ:

( نحن ندرّس بلاغة ولا ندرّس التّاريخ، وما يهمّنا شي‏ء من أمر التاريخ الذي سوّدت صفحاته الفتن والحروب الدّامية بين المسلمين، وكما طهّر اللَّه سيوفنا من دمائهم، فلنطهّر ألسنتنا من شتمهم )(٢) .

ويصف التيجاني معاناته في دراسة التاريخ في بداية توجّهه إلى البحث قائلاً:

( وحاولت مراراً عديدة دراسة التاريخ الإسلامي، ولكن لم تتوفّر عندي المصادر والإمكانات لتوفير الكتب، وما وجدت أحداً من شيوخنا وعلمائنا يهتمّ بها وكأنّهم تصافقوا على طيّها وعدم النظر فيها، فلا تجد أحداً يملك كتاباً تاريخيّاً كاملاً )(٣) .

ويقول التيجاني السماوي أيضاً في هذا الخصوص:

( أما العالم السُنّي تجده قليلاً ما يهتمّ بالتّاريخ فهو يعتبره من المآسي التي لا يريد نبشها والاطّلاع عليها، بل يجب إهمالها وعدم النّظر فيها لأنّها تسي‏ء الظنّ ب(السلف الصالح ))(٤) .

تخطّي المستبصرين لهذه العقبات:

إنّ الشخص الذي يوفّق للاستبصار - على العموم - لا تمنعه أمثال هذه العوائق عن

____________________

(١) محمد التيجاني السماوي/ ثمّ اهتديت: ٣٧.

(٢) المصدر السابق: ٣٧.

(٣) المصدر السابق: ٣٧.

(٤) محمد التيجاني السماوي/ الشيعة هم أهل السنّة: ٦٩.

٦٤

السير في بحثه من أجل معرفة الحقيقة، لأنه يعي بأن غض الطرف عن وقائع التاريخ لا يخدم الحقيقة، ويدرك أنّ عمليّة فصل الواقع الحالي عن تراكمات الماضي غير ممكنة، وانّ كل أمّة بحاجة ماسّة إلى دراسة تاريخها، ليمكنها أن ترى المستقبل بوعي وواقعيّة.

ويعي هكذا شخص أيضاً بأن القضايا التاريخيّة ليست قضايا غاب أشخاصها وطوى الزمن صفحتها، بل هي قضايا لها التأثير الأساسي على حياة الإنسان المسلم، لأن بعضها تعتبر جزءاً من عقيدة الفرد ورؤيته الدينيّة العامّة.

كما أنّ هكذا شخص يعي بأن الدعوة إلى أن نجعل بيننا وبين تاريخنا حجاباً مستوراً مقولة غير مبتنية على دليل أو برهان، بل هي ليست إلّا مجرّد محاولة من البعض لعدم انكشاف واقعهم الأسود ومعتقداتهم التي يكذّبها الواقع والتاريخ بصراحة.

فلهذا ردّ الكثير من المستبصرين في تصريحاتهم ومؤلفاتهم على هذه الفكرة، منهم عبد المنعم حسن، حيث أنّه قال:

( أمّا أولئك الذين ينادون بعدم البحث في التاريخ بحجّة إثارة الفتن وعدم جدوائيّة ذلك، يخافون من انكشاف الواقع وفضح مآسي الأمة التي اختارتها بكامل إرادتها وهي تبتعد عن نهج الحق.

ولا يهمّنا ونحن نبحث عن الحقيقة في صفحات التاريخ أن تتساقط الشخصيّات ويتعرّى البعض من هالته القدسيّة المصطنعة حوله، لأنه لا ترجيح للشخصيّات في ميزان الحق إلّا لمن أخلص له والتزم به )(١) .

ويقول معتصم سيّد أحمد في هذه المجال:

( كل سؤال أو استنكار في البحث التاريخي بداعي عدم إثارة الفتن القديمة أو أيّ

____________________

(١) عبد المنعم حسن/ بنور فاطمة اهتديت: ٣٠.

٦٥

داعي آخر لا محل له، وإنْ دلّ فإنّما يدل على جهل صاحبه.

وفي الواقع إن كانت هناك فتنة فهي بسبب ما حدث في التاريخ من تزييف وتحريف، وإلّا فالتاريخ بما هو، هو مرآة صافية تعكس الماضي للحاضر من غير خُداع أو دَجل، ولكن عندما سقط التاريخ في أيدي السياسات المنحرفة تذبذبت صورته وتبدلت أشكاله، ومن هنا تعددت الآراء واختلفت المذاهب، وإلّا لو كان التّاريخ سليماً لانكشف زيفها وعُرف باطلها.

وما تعانيه الأمّة الإسلاميّة اليوم من فرقة وشتات وتمزّق في الصفوف ما هو إلّا نتاج طبيعي للانحرافات التي حدثت في التاريخ من تدليس المؤرخين وكتمهم للحقائق.

فهم جزءٌ لا يتجزّأ من المخطط الذي استهدف مدرسة أهل البيت من أجل مصالح سياسيّة، فقد عمل هذا المخطّط على كافة الأصعدة والمستويات ليشكّل تيّاراً آخر ذا مظهر إسلامي في قبال الإسلام الحقيقي الأصلي )(١) .

ويقول إدريس الحسيني:

( إنّ طرح سؤال، من قبيل: لماذا نبحث في التاريخ؟ هو عين التخلّف الفكري، لأنه لم يعد يوجد من يشك في أهمية التاريخ! ومن القرآن تعلّمت الأمة قيمة النظر في التاريخ، وللتاريخ سننه وقوانينه التي تجري على كل البشر )(٢) .

ويقول محمّد عبد العال:

( ردّاً على المقولة المزمنة والمستهلكة: ( ما لنا وللماضي فنحن أبناء الحاضر )، نقول: أنّ رفض باطل الحاضر باطل مالم يرتكز على رفض باطل الماضي. أيّ أنّ رفض باطل الماضي يشكّل ضرورة حتميّة لضمان صحّة رفض الباطل الحاضر، لأنّ

____________________

(١) معتصم سيّد أحمد/ الحقيقة الضائعة: ١٧١.

(٢) إدريس الحسيني/ لقد شيّعني الحسين: ٢١.

٦٦

أيّ بناء لا يستقيم على أساس معوّج )(١) .

ويقول هشام آل قطيط:

( لماذا نعتبر الرجوع إلى التاريخ جريمة أو إثماً في ذلك أو ذنباً عظيماً.

وأقول أنّ في التاريخ حقائق دفينة قد حفظها لنا وسجّلها عبر عصور متراكمة وبعيدة، فلولا التاريخ لما عرفنا العقيدة التي نسير عليها ونستنير من خلالها، ونستلهم منها وجودنا الفكري وسلوكنا البشري.

فالتاريخ في الحقيقة والواقع حارس رقيب لا يغفل ولا يغيب، يراقب الخونة الذين كانوا يبيعون ضمائرهم لولاة الباطل بأبخس الأثمان، لقلب الحقائق رأساً على عقب، ولإظهار الأضاليل الكاذبة، إرضاءً لنفوسهم الخبيثة وحكّامهم الأخسّاء الأذلّاء.

فصاحب العقيدة النقيّة الصحيحة لا يخاف من الرجوع إلى التاريخ، لأنه يرى في التاريخ الصحيح المرآة العاكسة لعقيدته النقيّة.

وأمّا متزلزل العقيدة فالتاريخ يبيّن له الحق بواقعه، ويدَع له الخيار في إتّباعه أو تركه.

وأمّا المسلم القوي العقيدة فإنّ التّاريخ يريه النعمة الوافرة التي قد منّ اللَّه تعالى بها عليه، فأولده من أبوين مسلمين، وكفاه صعوبة مخالفة الآباء، ويتمسّك بدينه الحق المبين فلا تغريه بعد الزخارف بخدعها البرّاقة، فيفوز بسعادة الدارين الدنيا والآخرة.

في الواقع يجب أن نتمسّك بالتاريخ بأسناننا، وأظفارنا، لأنّ التاريخ الصحيح هو منجاة لنا، فلولا التاريخ والتدوين لما عرفنا الصلاة، ولا الصوم ولا أركان الدين. فالتاريخ معادٌ معنوي يعيد لك العصور التي سلفت وينشرها لأهل عصره، ويرجّع آثارهم التي سلفت أمام أهل زمانه، فتستفيد عقولهم من غررها ما تستضي‏ء بنوره، وتنتعش نفوسهم مما تتنفّسه من مسكه وعبيره.

____________________

(١) مجلّة المنبر: العدد ٢٦.

٦٧

فالتاريخ ضالّة الباحث والمفكّر والعالم وطلبة المتفنّن، وبغية الأديب وأُمنية أهل الدّين ومقصد السّاسة والقول الفصل إنّه مأرب المجتمع البشري أجمع، وهو التاريخ الصحيح والمحقق الذي لم يقصد به إلّا ضبط الحقائق على ما هي عليه.

فلذلك علينا أن نشجّع الطلبة والباحثين إلى الغوص في أعماق التاريخ ليستخرجوا لنا ما فيه من دررٍ كامنة وأصدافٍ ثمينة وحقائق ثابتة )(١) .

ثمّ يضيف هشام آل قطيط:

لماذا نخاف من الغوص بأعماق التاريخ؟

لماذا نخاف من استخراج الحقائق الدفينة في طيّات التاريخ؟

لماذا يَنتابنا الخوفُ والهَلَع عندما نجد حقيقة ثابتة أخرجها لنا الباحثون والمؤرّخون تخالف ما نحن عليه اليوم؟

لماذا نخاف من الواقع؟

أليس اللَّه سبحانه وتعالى أوجدنا أبرياء أنقياء على الفطرة، لا يوجد أي شي‏ء يؤثّر في فطرتنا السليمة.

فلنتأمّل من أين جاءتنا تلك المؤثرات حتى سيطرت على عقولنا وطبعت على قلوبنا.

في الحقيقة تسليم الإنسان للأشياء واستقبالها دون تفكّر وتأمّل وتدبّر مذموم من قبل الخالق، والدّليل قوله تعالى:

( أفلا يعقلون ) ،( أفلا يتدبّرون ) ،( أفلا يتفكّرون ) ، وآيات كثيرة من هذا القبيل.

يخاطب اللَّه الإنسان الذي خلقه في أحسن تقويم، وميّزه عن بقيّة الكائنات بالعقل الذي يتفكّر ويتدبّر، فلا يسلم بالأمور على عواهنها أو علاتها.

____________________

(١) هشام آل قطيط/ وقفة مع الدكتور البوطي في مسائلة: ٢٢.

٦٨

فنفهم من قوله تعالى: أنّه علينا أن نبحث ونفكّر ونمحّص الحقائق، ونتبعها ولو خالفت أهواءنا وطبائعنا وعاداتنا وتقاليدنا، التي ورثناها عبر عصورٍ متراكمة أبّاً عن جد.

لماذا نجد الكثيرين في هذا العصر المتقدّم يستهدفون محاربة فكرة الرجوع إلى التاريخ ونبش الحقائق من بطون التاريخ؟

لماذا يرون هذا العمل جريمة من وجهة نظرهم وكأنهم يرون البقاء على التمزّق الباطني، حيث تتشوّش الحقيقة وتغيب عن أذهان الناس أفضل من الإفصاح عن قول الحق الذي من أجله نزل الوحي وتحرّكت قوافل الأنبياء والمرسلين، وكأن مهمّة الدّين هو أنْ يأتي بالغموض، وكأنّ اللَّه عزّ وجل أراد أن يبلبل الحقائق )(١) .

ثم يؤكّد هشام آل قطيط:

( وليس ثمة شي‏ء في ديننا إلّا وله علاقة بالتاريخ، وما نملكه اليوم من عقائد وأحكام وثقافات إسلامية كلّها جاءتنا عن طريق الرواية، فحريٌّ بنا أن يكون التاريخ عندنا هو أحد المصادر المهمة للبحث.

وبعضهم يرى فيقول: ( لا داعي للبحث عن هذه القضايا القديمة في التاريخ لأنّها باعثة على الفتنة ).

فأقول لتلك الفئة: هل البقاء على التمزّق الباطني وإخفاء ما نزل الوحي من أجله أفضل من الرجوع إلى هذه القضايا القديمة؟

يا إلهي ما أشدّ ذلك غرابة، فحقّا هذا هو عين التخلّف الفكري والجنوح عن ركب الحضارة)(٢) .

فلهذا ينبغي للباحث الذي يودّ أن يصل في أمور عقائده إلى نتائج تميط له اللثام

____________________

(١) المصدر السابق: ٢٤.

(٢) المصدر السابق: ٢٥.

٦٩

عن حقائق طَمستْها الأجيال، أن ينعم النظر في العصور الإسلاميّة الأولى بدقة، ويدرسها من جميع جوانبها بصورة وافية.

وهذا ما يؤكد عليه التيجاني بقوله:

( يا أهلي وعشيرتي لنتّجه - على هدى اللَّه تعالى - إلى البحث عن الحقّ وننبذ التعصّب جانباً فنحن ضحايا بني العبّاس وضحايا التاريخ المظلم وضحايا الجمود الفكري الذي ضربه علينا الأوائل.

إنّنا ولاشك ضحايا الدهاء والمكر الذي اشتهر به معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة واضرابهم.

ابحثوا في واقع تاريخنا الإسلامي لتبلغوا الحقائق الناصعة وسيؤتيكم اللَّه أجركم مرّتين.

فعسى أن يجمع اللَّه بكم شمل هذه الأمة التي نكبت بعد موت نبيّها وتمزقت إلى ثلاث وسبعين فرقة، هلمّوا لتوحيدها تحت راية لا اله إلّا اللَّه، محمد رسول اللَّه، والاقتداء بأهل البيت النبويّ الّذين أمرنا رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بإتباعهم فقال:

(( لا تتقدّموهم، فتهلكوا ولا تتخلّفوا عنهم فتهلكوا ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ))(١) .

ولو فعلنا ذلك، لرفع اللَّه مقته وغضبه عنّا ولأبدلنا من بعد خوفنا أمناً، ولمَكّنَنا في الأرض واستخلفنا فيها ولأظهر لنا وليّه الإمام المهديعليه‌السلام الذي وعدنا به رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، وليتمّ به اللَّه نورَه في كلّ المعمورة )(٢) .

____________________

(١) الدرّ المنثور للسيوطي: ٢/٦٠ - أسد الغابة: ٣/١٣٧ - الصواعق المحرقة لابن حجر: ١٤٨و٢٢٦ - ينابيع المودّة: ٤١ و ٣٥٥ - كنز العمال: ١/١٦٨ - مجمع الزوائد: ٩/١٦٣.

(٢) محمد التيجاني السماوي/ ثم اهتديت: ١٧١.

٧٠

٧١

الفصل الثاني

دوافع الاستبصار

٧٢

إنّ الاستبصار لا ينشأ من العواطف والأحاسيس الطارئة، أو الاندفاع نتيجة الانفعال أو المجازفة أو اللامبالاة بالعقيدة أو التذبذب في المبدأ والاتّجاه، بل هو موقف يتّخذه صاحبه بعد دراسة واعية ومستفيضة وتفكير دائب ومعمّق تكون ثمرته القناعة الكاملة.

ويواجه المستبصر في هذه المرحلة الكثير من المصاعب - التي سوف نشير إليها في البحوث القادمة - ويواجه الكثير من العقبات التي يتطلب اجتيازها الكثير من الترويض والوعي والتحلّي بالصبر، ولكن المستبصر يصمد بقوّة ليسير وفق ما تملي عليه الأدلّة والبراهين.

ولا يتم هذا التحوّل المذهبي إلّا عبر مجموعة عوامل تقود صاحبها وتدفعه إلى اعتناق مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام ، وهذا هو الموضوع الذي سوف نسلّط عليه الضوء في هذا الفصل.

وأودّ قبل التطرّق إلى هذه العوامل أن أشير إلى هذه الحقيقة بأنّ الأسباب والعوامل التي تدفع المستبصرين إلى اعتناق مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام كثيرة ومتنوّعة ومتداخلة، وبعضها تعمل بصورة مباشرة وأخرى تعمل بصورة غير مباشرة، وبعضها واضحة و ماثلة للعين وبعضها خفيّة وكامنة.

وكل هذه العوامل تعمل بأقدار متفاوتة، وتترك آثاراً مختلفة، وقد يقوى أثرها في شخص ويضعف في آخر، ولكنّها جميعا لها في النهاية أثرها الذي لا ينكر.

٧٣

الدافع الأول:

التعرّف على عظمة أهل البيت ‏عليهم‌السلام

إنّ الأئمة من أهل البيت ‏عليهم‌السلام هم موضع الرسالة ومختلف الملائكة، مهبط الوحي، معدن الرحمة، خزّان العلم، مُنتهى الحلم، أئمّة الهدى، أعلام التّقى، مصابيح الدّجى، ذوي النُهى وأولي الحِجى، معادن حكمة اللَّه، حفظة سرّ اللَّه، حملة كتاب اللَّه وأوصياء نبيّ اللَّه تعالى.

وهم الدّعاة والقادة الهداة والسّادة الولاة والذّادة الحُماة وأهل الذّكر وأولي الأمر وبقيّة اللَّه وخيرته وحزبه وعَيبة علمه وحجّته وصراطه ونوره وبُرهانه.

وهم الأئمّة الرّاشدون المهديّون، المعصومون، المكرّمون، المقرّبون، المتّقون، الصّادقون، المطيعون للَّه، القوّامون بأمره، العاملون بإرادته، الفائزون بكرامته...

اصطفاهم اللَّه بعلمه وارتضاهم لغيبه واختارهم لسرّه واجتباهم بقدرته وأعزّهم بهداه وخصّهم ببرهانه وانتجبهم لنوره وأيّدهم بروحه ورضيهم خلفاء في أرضه وحُججاً على بريّته وأنصاراً لدينه وحفظة لسرّه وخزنة لعلمه ومستودعاً لحكمته وتراجمة لوحيه وأركانا لتوحيده وشهداء على خلقه وأعلاماً لعباده ومناراً في بلاده وأدلّاءَ على صراطه...

عصمهم اللَّه من الزّلل وآمنهم من الفتن وطهّرهم من الدَّنس وأذهب عنهم الرّجس وطهَّرهم تطهيراً...

فالرّاغب عنهم مارق واللازم لهم لاحق والمقصّر في حقّهم زاهق، والحقُّ معهم

٧٤

وفيهم ومنهم وإليهم، وهم أهله ومعدنه، وميراث النبوّة عندهم و آيات اللَّه لديهم وعزائمه فيهم ونوره وبرهانه عندهم وأمره إليهم.

مَن والاهم فقد والى اللَّه، ومن عاداهم فقد عاد اللَّه، ومن أحبّهم فقد أحبّ اللَّه، ومن أبغضهم فقد أبغض اللَّه ومن اعتصم بهم فقد اعتصم باللَّه.

هم الصّراط الأقوم وشهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء والرّحمة الموصولة والباب المبتلى به النّاس هم نور الأخيار وهداة الأبرار وحُجج الجبّار بهم يسلك إلى الرّضوان وعلى من جحد ولايتهم غضب الرّحمن.

كلامهم نور وأمرهم رشد ووصيّتهم التّقوى وفعلهم الخير وعادتهم الإحسان و سجيّتهم الكرم وشأنهم الحقّ والصّدق والرّفق وقولهم حكم وحتم ورأيهم علم وحلم وحَزم، إنْ ذُكر الخير كانوا أوّله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه(١) .

وبصورة عامّة، فإنّ أئمّة أهل البيت‏عليهم‌السلام هم ممّن لم تنجّسهم الجاهليّة بأنجاسها، ولم تُلبسهم من مدلهمّات ثيابها، وهم التّامون في محبّة اللَّه والمخلصون في توحيد اللَّه، وكلامهم نور تهتدي الأجيال بهديه، وتسير على ضوئه وتعشوا إليه إذا أظلمت عليها الجهالات وتاهت في مسالك الباطل.

وهم حياةٌ للأنام ومصابيح للظّلام ودعائم للإسلام، وهم الّذين يأخذون بأيدي الأمّة ليرشدوها إلى سواء السّبيل ويعضدون مسيرتها لئلّا تقع في المزالق.

وهم الّذين يصفهم الإمام علي‏عليه‌السلام في نهج البلاغة قائلاً:

(( هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وظاهرُهم عن باطنهم، وصمتُهم عن حُكم منطقهم، لا يُخالفون الحقَّ ولا يختلفون فيه، وهم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام، بهم عاد الحقُّ إلى نصابه وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانُه عن منبته، عقلوا الّدينَ عقل رعاية ووعاية لا عقل سماع ورواية فإنّ

____________________

(١) هذه الأوصاف لأهل البيتعليهم‌السلام مُقتبسة من الزّيارة الجامعة.

٧٥

رواة العلم كثير ورعاته قليلٌ ))(١) .

وقال ‏عليه‌السلام أيضاً في حقّهم: ( لا يُقاس بآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله من هذه الأمّة أحد، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً... هم أساسُ الّدين وعماد اليقين، إليهم يفي‏ء الغالي، وبهم يلحق التّالي، ولهم خصائص حقّ الولاية... ))(٢) .

فلهذا يكون الأئمّة من أهل البيت ‏عليهم‌السلام خير مُعين يستطيع طالب الحقيقة أن ينهل منه المنهج والعقيدة، لأنّ اللَّه سبحانه وتعالى قد اصطفاهم ليكونوا بعد الرسول‏صلى‌الله‌عليه‌وآله بقيّته في أمّته وحُججاً على بريّته وأنصاراٌ لدينه وأعلاماً لعباده ومناراً في بلاده وأدلّاء على صراطه وحَفَظةً لشريعته وملجأ لحلّ الاختلاف وأماناً للأمّة من الغرق في بحار الظّلمات المتلاطمة الزاخرة بكلّ أنواع المخاطر.

ولهذا قرنهم الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بمحكم الكتاب في حديث الثّقلين، وجعلهم قدوةً لأولي الألباب وسُفناً للنّجاة والعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وبابُ حِطّة التي من دخلها كان آمناً.

ولكن للأسف الشديد أنّ السلطات الجائرة على مرّ العصور حاولت نتيجة عدائها وخصومتها لأهل البيت‏عليهم‌السلام أن تقلب موازين الحقائق.

وكان لكلٍّ من هذه السلطات في عدائها لعترة الرسول‏صلى‌الله‌عليه‌وآله أسباب لا تخفى على أحد.

ولهذا تعرّض أهل البيت ‏عليهم‌السلام وأتباعهم وأشياعهم للعُدوان وكان نصيبهم من ذلك القتل والسّجون والتشريد في الآفاق.

ويشير أحمد حسن العنثري إلى هذه الحقيقة بقوله:

( كانت المحنة التي تعرّض لها آلُ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأتباعهم عظيمة، فقد جهد

____________________

(١) نهج البلاغة/ الخطبة: ٢٣٩.

(٢) نهج البلاغة/ الخطبة: ٢٣٩.

٧٦

أعداؤهم منذ اليوم الأوّل على محاربتهم بشتى فنون المحاربة قاصدين إبادتهم وإخماد صوتهم، فقاتلوهم قتالاً ضروساً لم يشهد له تاريخ الفتن في عالم الإسلام نظيراً، فسَفكوا دماءً لم يُسفك مثلها في كلّ الفتوحات، حتى امتدّت أيدي الحقد والغدر والخيانة إلى أوصياء الرسول‏صلى‌الله‌عليه‌وآله ابتداء من على‏عليه‌السلام و مروراً بالحسن والحسينعليهما‌السلام وحتى الإمام العسكري‏عليه‌السلام فمنهم مذبوحٌ ومنهم مسمومٌ وكادوا يقضون عليهم في واقعة كربلاء، وهكذا تفشّى القتل والتشريد بذريّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبشيعتهم عبر القرون )(١) .

ومن جهة أخرى فتبعاً لأهواء السلطان جهدت أقلام المستأجرين على تجاهل الأئمة من أهل البيت‏عليهم‌السلام ، ومن المؤسف أن هذه الحالة مستمرّة إلى يومنا هذا، بحيث يقول محمد علي المتوكّل:

( خلت مناهجُنا الدراسيّة من ذكرهم [أهل البيت‏]، مع أنّها حوت الغثّ والسمين من السيَر والأخبار، عن رجال ونساء من الشرق ومن الغرب، وهذا في حدّ ذاته كان مثار تساؤل كبير، إذ ماذا كنّا نعرف ونحن جامعيّون ننتمي إلى حركة إسلامية عن الإمام علي، عن السيّدة الزهراء، عن الحسن والحسين وأبنائهما، عن زينب بنت علي؟ لا شي‏ء يُذكر، مقارنة بغيرهم وقياساً إلى عظيم شأنهم وموقعهم من رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومكانتهم عنده.

لقد تجاهلت المناهج الدراسيّة سيرة أهل البيت ‏عليهم‌السلام لأنّها ارتبطت بسلبيات الآخرين وجرائمهم، فلم يشأ التربويّون لفت أنظار التلاميذ إلى الدوائر السوداء في تاريخ المسلمين! بينما تجاهلتها الحركة الإسلاميّة لأنها في الأساس تقوم على شق من التاريخ ورجاله، ينكشف زيفهم إذا ما قرأ المسلمون سيرة أهل البيت‏عليهم‌السلام وعرفوا

____________________

(١) أحمد العنثري/ الامامة في الميزان (مخطوط): ٣.

٧٧

مكانتهم )(١) .

ويشير عبد المنعم حسن إلى هذه الحقيقة أيضاً، قائلاً:

( ولأهل البيت ‏عليهم‌السلام تراثٌ عظيم كان من الممكن أن تستفيد منه الأمّة ولكنّها أبت إلّا نفوراً.

وإحدى معاجزهم التي بهرتني، ذلك المنهج في الّدعاء وكيفيّة التقرّب إلى اللَّه تعالى والأدب الرّفيع في مخاطبة الربّ سُبحانه.

والقارئ للصحيفة السجّاديّة وهي صحيفة كلّها أدعية للإمام الرابع على بن الحسين السجّادعليه‌السلام يتعجّب لماذا لم يهتم علماء السنّة بهذه الصحيفة، هل لأنها واردة عن أحد أئمة أهل البيت‏عليهم‌السلام ؟ أم ماذا؟!! )(٢) .

ولكن رغم كل هذا الاضطهاد والتعتيم الذي لاقته مدرسةُ أهل البيت‏عليهم‌السلام من السّلطات الحاكمة، فإنّ ذلك لم يزدها إلّا تجذّراً في الأمّة، لأنّها مدرسة تحتوي على أنوار ساطعة من الحقائق بحيث لا تقف أمامها ظلمات أهل الدنيا.

فلهذا اضمحلّت جهود الطغاة والظالمين وانهارت دولهم دولة بعد أخرى، ولكن بقيت مدرسة أهل البيت‏عليهم‌السلام شامخة تّتسع يوماً بعد يوم وتمتدّ في جميع أرجاء المعمورة، بحيث لا تجد اليوم مصراً إلّا وللشيعة أو للمستبصرين فيه نشاطات مكثّفة لنشر فكر ومبادئ مدرسة أهل البيت‏عليهم‌السلام ورفد المسلمين بعلوم و معارف آل الرسول‏صلى‌الله‌عليه‌وآله .

و بدأ الكثير في عالمنا المعاصر يَعوا مكانةَ أهل البيت‏عليهم‌السلام ويدركوا سموّ شأنهم وعلوّ مقامهم وجلالة قدرهم، وقد عرف الكثير أنّ شريعة الرسول‏صلى‌الله‌عليه‌وآله المرويّة عن طريق أهل البيت‏عليهم‌السلام أفضل طريق لمعرفة ما جاء به رسولُ اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّها:

____________________

(١) محمد علي المتوكل/ ودخلنا التشيّع سجّداً: ٤٠.

(٢) عبد المنعم حسن/ بنور فاطمة اهتديت: ٢١٠.

٧٨

ولإنّها أوّلاً: تنبع من عين صافية.

وثانياً: لأنّها حافظت على استقلالها، ولم تخضع للسُلطات الحاكمة التي حاولت تشويه الّدين وصياغته على ضوء مآربها ومبتغياتها.

ولهذا نجد الكثير من أهل السنّة التحقوا بركب أهل البيت‏عليهم‌السلام ليستزيدوا من أنوار معارفهم، ولينهلوا من معينهم العذب العلوم النقية التي لم تمسها أيدي التحريف والتلاعب.

كما أنّ الكثير من أهل السنّة عرفوا أنّ تراث مدرسة أهل البيت ‏عليهم‌السلام منهل عذب للخير وينبوع فياض بالحكمة ورصيد ضخم في الكمال والمعرفة، وبإمكان أيّ شخص أن يستلهم منه المعارف الحقّة والمبادئ الرفيعة والمثل العليا.

وقد تبيّن للكثير من هؤلاء أنّ هذه المدرسة إضافة إلى نقاء تراثها فهي مدرسة غنيّة، وفيها كنوز من المعارف لا تحصى‏،بحيث يستطيع الإنسان أن يكتشف في كل أفق من آفاقها معارف جديدة يهتدي بها إلى اللَّه سبحانه وتعالى.

فلهذا لم يتباطأ هؤلاء في الالتحاق بركب هذه المدرسة والسير على هداها واقتفاء أثرها.

التأثّر بفاطمة الزهراءعليها‌السلام :

يعتبر التأثر بشخصيّة الزهراءعليها‌السلام من جملة أهم الأسباب التي دفعت بعض أهل السنّة إلى اعتناق مذهب أهل البيت‏عليهم‌السلام .

ويُمكننا عدّ عبد المنعم حسن من جملة الّذين اعتنقوا مذهب أهل البيتعليهم‌السلام عن طريق تأثّره بفاطمة الزهراءعليها‌السلام .

ويقول هذا المستبصر في كتابه (بنور فاطمة اهتديت) حول بداية استبصاره أنّه استمع عبر إحدى الأشرطة الصوتيّة إلى محاضرة أحد الخطباء الحسينيّين، والتي بدأ الخطيب فيها بقراءة خطبة الزهراءعليها‌السلام التي ألقتها في المسجد النبويّ بعد أن

٧٩

غُصب حقُّها.

فشعر عبد النمعم حسن أنّ هذه الخطبة اخترقت بتعابيرها الرائعة وجوده ثمّ وجدت لنفسها مأوى في سويداء قلبه وكيانه بأسره.

ويذكر هذا المستبصر أن المقطع الذي تأثر به من خطبة الزهراءعليها‌السلام أمام المهاجرين والأنصار هو قولهاعليها‌السلام :

(( وأنتم الآن تزعمون أنّ لا إرث لنا، أفحكم الجاهليّة تبغون؟!! ومن أحسن من اللَّه حكماً لقوم يوقنون؟! أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلّى لكم كالشّمس الضاحية أنّي ابنتُه.

أيّها المسلمون!! أأُغلب على إرثي؟ يا ابن أبي قُحافة! أفي كتاب اللَّه أن تَرث أباك ولا أرثَ أبي؟ لقد جئتَ شيئاً فريّاً، أفعلى عمد تركتم كتاب اللَّه ونبذتموه وراء ظهوركم؟!

إذ يقول:( و وَرِثَ سُليمانُ داوُدَ ) وقال فيما اقتصّ من خبر زكريّا - إذ قال:

( فَهَب لي من لَدُنكَ وَليّاً يَرثُني و يَرثُ من آلِ يَعقوُب ) وقال:( وأوُلوا الأرحَامِ بَعضُهُم أَولى‏ ببَعضٍ في كتَابِ اللَّه ) وقال:( إنْ تَرَكَ خيراً الوصيَّةَ للوَالِدينِ والأقْرَبين بالمَعروُفِ حقّاً على المُتّقينَ ) .

وزعمتُم أنّ لا حَظوة لي ولا إرث من أبي أفخصّكم اللَّه بآية أخرج أبي منها؟ أم تقولون إنّا أهل ملّتين لا يتوارثان؟ أولست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك. نعم الحَكَم اللَّه والزّعيم محمّد والموعد القيامة وعند السّاعة يخسر المُبطِلون ولا ينفعكم إذ تندمون ))(١) .

يقول عبد المنعم حسن حول تأثّره بهذا المقطع من الخطبة:

____________________

(١) عبد المنعم حسن/ بنور فاطمة اهتديت: ٥٩.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

( أبو جعفر ـ ـ )

الإمام معصوم منذ الولادة :

س : هل المعصوم يكون معصوماً من أوّل ولادته ، أم يكون معصوماً عندما يستلم إمامة المسلمين؟ وشكراً.

ج : إنّ الأئمّةعليهم‌السلام معصومون منذ الولادة ، ولا يكون إماماً إلاّ إذا كان معصوماً ، فالعصمة إذاً تحقّق موضوع الإمامة.

ثمّ إنّ معنى العصمة هو الانكشاف التامّ واليقين القطعي بملاكات الأحكام ، وبالمصالح والمفاسد وراء الأحكام الشرعية ، فإذا علم الإنسان علماً قطعياً بالضرر الكبير المترتّب على الفعل المعيّن فلا يمكن أن يقدم عليه ، وهذا هو معنى العصمة.

إذاً ، فأهل البيتعليهم‌السلام لمّا كانوا يعلمون حقائق الأُمور ، وملاكات الأحكام من قبل تسلّم الإمامة ومن بعدها ، فهم معصومون منذ الولادة.

هذا مضافاً إلى آية التطهير :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) الدالّة على العصمة ، مع عدم اشتراط سنّ معيّن ، أو حالة معيّنة كالإمامة مثلاً ، فهي عامّة شاملة لجميع الأعمار ، وسواء حصلت الإمامة أم لم تحصل ، كما في فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وكما في أمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام ، حيث كانوا معصومين بنصّ آية التطهير قبل تسلّم الإمامة.

( أبو العياط نور الدين ـ الجزائر ـ )

النبيّ والأئمّة خلّص عباد الله فعصمهم :

س : هل عصمة النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام بأمر من الله؟ أي أنّ الله خلقهم من غير أن يخطأوا ، أم أن تكوينهم الذاتي والنفسي وارتباطهم الدائم بالله جعلهم رساليين ، فعصمتهم من عمق رسالتهم؟ والسلام على محمّد وآل محمّد.

____________

١ ـ الأحزاب : ٣٣.

٣٢١

ج : العصمة تارة تكون من الذنب ، فهي من مجاهدتهمعليهم‌السلام ، إذ بإرادتهم لم يذنبوا مع مقدرتهم على الذنب ، ويكون حال الذنب وابتعادهم عنه ، كحال ابتعاد أحدنا عن أكل العذرة مع قدرته على الأكل.

وتارة تكون العصمة عن السهو والنسيان والخطأ ، فهي عصمة إلهية بأمر من الله تعالى ، أي : أنّ الله خلقهم كذلك ، وذلك لسبق علم الله بأنّ هؤلاء خلّص عباده فعصمهم ، فمقدّمات العصمة في هذا القسم كسبية ، وكانت النتيجة إلهية وهبها لعباده المخلصين.

( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : معنى كلامكم : أنّ الله تعالى اختارهم أئمّة لعلمه المسبق بأنّهم لا يعصونه بإرادتهم ، وهنا أطرح سؤالين :

الأوّل : كيف نفسّر بأنّ أهل البيتعليهم‌السلام قد وجدوا أنواراً حول العرش قبل خلق آدم؟

الثاني : كيف نفسّر قول الإمام عليعليه‌السلام للمسلمين : « ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد »؟(١) .

هل يمكنكم إعطاء توضيح أكثر في التوفيق بين العصمة وبين الاختيار؟

ج : قلنا أنّ العصمة عن الذنب هي عن مجاهدةٍ منهم ، وأنّهم يستطيعون أن يذنبوا ، ولكن لا يذنبون بإرادة منهم ، وأمّا العصمة عن السهو والنسيان والخطأ ، فإنّ الله خلقهم كذلك ، وذلك لسبق علم الله ، ومقصودنا من سبق علم الله قبل أن يوجدهم أنواراً حول العرش ، إذ لم يقل أحد بقدم هذه الأنوار.

وأمّا عن السؤال الثاني فنقول : ما هو مقصود أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله : « لا تقدرون على ذلك » ؟ فإذا كان قصده لا تقدرون على ما يقدر عليه أهل

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢٠٥.

٣٢٢

البيتعليهم‌السلام المعصومون بالعصمة الإلهية ، والعصمة التي هي بإرادتهم ، فإنّه لا يرد عليه أيّ إشكال.

( أنيس مهدي ـ الجزائر ـ )

الجبر والاختيار فيها :

س : هل الأئمّة المعصومون عليهم‌السلام مجبرين في عصمتهم؟ أم وارد احتمال الخطأ منهم ، وهم يمتنعون لسموّ أرواحهم الطاهرة؟

ج : العصمة تارة تكون من الذنب فهي باختيار المعصوم ، يتجنّبها المعصوم بإرادته ، ويكون الذنب أمام المعصوم واجتنابه عنه ، كما ينظر أحدنا للعذرة ويتجنّب عن أكلها ، مع قدرته على أكلها.

وتارة تكون عن السهو والنسيان فإنّها جبرية ، متعلّقة بعلم الله بأنّ هؤلاء سيكونون من أفضل البشر ، فاصطفاهم وطهّرهم تطهيراً.

( ابتسام ـ البحرين ـ )

آية ابتلاء إبراهيم :

س : السادة الأفاضل الرجاء التكرّم بالإجابة على سؤالي : من الأدلّة العقلية الدالّة على عصمة الإمام : آية ابتلاء إبراهيمعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) .

١ ـ إنّ الإمامة في الآية غير النبوّة ، لماذا؟

٢ ـ ما المراد من الظالمين؟

٣ ـ هناك شبهة تقول : إنّ الآية تشمل من كان مقيماً على الظلم ، وأمّا التائب فلا يتعلّق به الحكم ، لأنّ الحكم إذا كان معلّقاً على صفة وزالت الصفة زال الحكم ، فكيف نردّ على هذه الشبهة؟

____________

١ ـ البقرة : ١٢٤.

٣٢٣

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل فنقول :

الإمامة أعلى شأناً من النبوّة ، إذ النبوّة هي مقام تلقّي الوحي فقط ، ولكن الإمامة رتبة التصدّي لقيادة الأُمّة على ضوء تعاليم الوحي ، فالإمام هو خليفة الله على الأرض لعظم المسؤولية التي تقع على عاتقه.

ومن هنا نعلم أنّ المناسب للرتبة التي منحت لإبراهيمعليه‌السلام بعد ابتلائه هو الإمامة ، مضافاً إلى أنّ ظهور كلمة :( إِمَامًا ) في الآية تدلّ بالصراحة على منصب الإمامة لا النبوّة ، فصرفها إلى النبوّة تكلّف بلا حجّة ولا دليل.

على أنّ المعنى واضح من خلال الآية ، فإبراهيمعليه‌السلام في أوان نبوّته كان لا يعلم بحصول ذرّية له في المستقبل ، بل وفي قصّة تبشير الملائكة بإسماعيل وإسحاق ما يلوح منه آثار اليأس والقنوط من الحصول على الأولاد ، فكيف والحال هذه يستدعي إبراهيمعليه‌السلام من الله تبارك وتعالى إعطاء رتبة الإمامة لذرّيته؟

فيظهر لنا أنّ هذا الدعاء كان بعد ولادة بعض ذرّيته على الأقل ، أي بعد حصوله على رتبة النبوّة.

ثمّ إنّ هنا أيضاً نقطة هامّة لابأس بالإشارة إليها ، وهي أنّ( جَاعِلُكَ ) اسم فاعل ، ولا يعمل إلاّ في الحال أو الاستقبال ، أي قوله تعالى :( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) يدلّ على إعطاء الإمامة فيما بعد ، مع أنّ هذا القول هو وحي ، فلا يمكن وصوله إلاّ مع نبوّة ، فثبت أنّهعليه‌السلام كان نبيّاً قبل تقلّده الإمامة.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني فنقول :

المقصود من الظالمين ، مطلق من صدر منه ظلم ، ولو في مقطع من الزمن ، وحتّى ولو تاب فيما بعد ، والآية بهذه الصراحة تريد أن تركّز على صفة العصمة في الإمام ، فمن لم تكن فيه هذه الميزة ـ ولو في برهة من عمره ـ لا يليق بهذا المقام.

وبالنسبة إلى السؤال الثالث فنقول :

٣٢٤

بداهة العقل تردّ هذه الشبهة ، فهل يعقل أنّ إبراهيمعليه‌السلام الذي عرف منزلة الإمامة وشأنها ـ بعد الابتلاءات العصيبة التي مرّ بها ـ يسأل هذه الرتبة للمقيم على الظلم؟! ألا يعلم هوعليه‌السلام أنّ هذه المكانة السامية لا تجتمع مع الشرك أو المعاصي؟! فمنه يظهر أنّ استدعائهعليه‌السلام الإمامة كان لمن لم يعص أبداً من ذرّيته أو عصى ثمّ تاب ، ونفى الله تعالى إعطائها لغير المعصوم من نسله ، فبقي المعصوم هو الذي يكون مشمولاً للآية.

ثمّ حتّى على فرض الأخذ بظهور الآية ، فإن كلمة :( الظَّالِمِينَ ) مطلقة ، وتشمل جميع من صدر منهم الظلم ـ سواء تابوا بعد أم لا ـ ولا دليل لتخصيصها بقسم دون آخر.

( محمّد أنور اللواتي ـ أمريكا ـ )

التوفيق بين ترك الأُولى لآدم وتوبته :

س : يقول علماؤنا الإجلاّء : إنّ النبيّ آدم عليه‌السلام ترك الأولى ولم يقترف ذنباً ، لعدم إمكانية ذلك في المعصوم ، ولكن القرآن الكريم يبيّن أنّ آدم عليه‌السلام تاب ، والتوبة لا تكون إلاّ من المذنب ، كيف نتمكّن من التوفيق بين الأمرين؟

ج : نلفت انتباهكم إلى الأُمور التالية :

١ ـ إنّ الأدلّة القائمة على العصمة أدلّة عقلية ونقلية قطعية ومسلّمة ، وقد ثبت في محلّه أنّ هذه الأدلّة هي مستقلّة عن الأمثلة ، أي أنّها لا يعتمد في إثباتها على الأمثلة ، وعليه فلا تقاس صحّة هذه الأدلّة بالأمثلة النقضية ، إذ أنّ النقوض تأتي فقط على الأدلّة التي تثبت عن طريق الاستقراء والتمثيل ، وبما أنّ المقام ليس كذلك ، فلا يرد عليه أيّ نقض تمثيلي ، بل يجب أن يفسّر كُلّ مورد ومثال على ضوء تلك القاعدة العامّة.

٢ ـ التوبة في اللغة هي في الأصل الرجوع عن الشيء والإقلاع عنه ، ولم يؤخذ في معنى الكلمة الرجوع عن المعصية بالذات ، ويؤيّد ما قلنا استعمال مادّة التوبة

٣٢٥

لله تعالى في القرآن الكريم ، نعم ، كثرة استعمالها في الرجوع عن المعاصي في العباد صرفت الكلمة إلى هذا المعنى.

ثمّ بناءً على ما ذكرناه آنفاً ، يتحتّم علينا أن نفسّر توبة آدمعليه‌السلام بما لا ينافي قاعدة العصمة ، فإنّ توبته كانت إقلاعاً ورجوعاً عن علمه السابق ، وإظهار الندم عليه ، ولكن لا دليل على أنّ ذلك العمل كان معصيةً ، بل نلتزم بأنّه كان تركاً للأولى ، حفظاً لقاعدة العصمة ، مع عدم منافاته لظهور الكلمة.

( حفيظ بلخيرية ـ تونس ـ )

مسألة خروج آدم من الجنّة :

س : إنّني من المعتقدين بعصمة الأنبياءعليهم‌السلام ، ولكن المرء يجد في القرآن الكريم عدّة آيات لا يجد لها تفسيراً واضحاً للردّ على الشبهات ، ومن بينها مسألة خروج آدمعليه‌السلام من الجنّة ، فإن كان غير مكلّف في الجنّة ـ كما جاء في تفسيركم ـ فالحال يشمل إبليس عليه اللعنة ، إذ أنّه خالف الله في مسألة السجود لآدم فلعنه الله.

أمّا فيما يخصّ اصطفاء آدم ، فما هو تفسير الآية :( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) (١) .

ج : إنّ موضوع عصمة الأنبياءعليهم‌السلام يعتمد على أدلّة عقلية ونقلية ثابتة ومسلّمة ـ كما ذكر في محلّه ـ ومع النظر إلى هذه الأدلّة نعرف أنّها لا تعتمد في إثباتها على أمثلة وشواهد ، أي أنّها مستقلّة عنها ، وبعبارة أُخرى : لا يستفاد في إثبات أدلّة العصمة من القياس التمثيلي.

وعليه ، فلا ترد عليها ـ أي العصمة ـ نقوض من باب الموارد والأمثلة ، بل وبحسب القواعد العلمية يجب تفسير تلك الموارد غير الواضحة على ضوء أدلّة

____________

١ ـ فاطر : ٣٢.

٣٢٦

العصمة ، فإنّه من تفسير وتوضيح المشكوك بالقطعي ، وهذا ممّا يدلّ عليه الوجدان بالضرورة.

وممّا ذكرنا يظهر وجه الدلالة على عصمة آدمعليه‌السلام ، فيجب علينا أن نفسّر الأحداث والقضايا التي مرّت بهعليه‌السلام بعد الفراغ والتسليم لعصمته ، فلا معنى لورود النقض عليها ، هذا أوّلاً.

وثانياً : عدم تكليف آدمعليه‌السلام في الجنّة هو أحد الآراء في المسألة ، وهناك أقوال أُخرى ، وعلى سبيل المثال يرى بعضهم : أنّ النهي المتوجّه لآدمعليه‌السلام من قبل الله تعالى كان نهياً إرشادياً لا مولوياً ، ومعناه عدم صدور معصية منهعليه‌السلام في صورة ارتكابه للمنهي ، بل مجرد تعرّضه لبعض المتاعب والمصاعب تكويناً ، وهذا ما قد حدث ، فإنّهعليه‌السلام قد هبط إلى الأرض ومارس هو وولده الحياة الصعبة على وجهها إلى يوم القيامة ، بعدما كان قد تنعّم في الجنّة بدون تعب ومشقّة.

وأمّا إبليس ، فإنّه كان مكلّفاً بالأوامر والنواهي التكليفية ، كما يظهر من الأمر بالسجود المتوجّه إليه ، ومؤاخذته من قبل الله تعالى على عدم انصياعه لذلك الأمر.

فبالنتيجة : كان إبليس في عالم التكليف ، بخلاف آدمعليه‌السلام الذي لم يتوجّه إليه التكليف ـ عموماً أو في خصوص التناول من الشجرة المعينة ـ أو كان الأمر المتوجّه إليه إرشادياً ، أو أنّهعليه‌السلام كان قد ترك الأولى والأفضل.

وبالجملة : فصدور المعصية من إبليس أمر مسلّم ، لمخالفته الصريحة في مسألة السجود ، لكن الذي صدر من آدمعليه‌السلام لم تكن مخالفة مولوية ، بقرينة عدم مؤاخذته من قبل الله تعالى.

وأمّا بالنسبة لتفسير آية :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) (١) فملخّص القول فيه :

____________

١ ـ فاطر : ٣٢.

٣٢٧

أوّلاً : إنّ الكتاب المذكور هو القرآن ، بدليل أنّ الآية السابقة تصرّح بهذا المطلب :( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ) (١) ، فبدلالة السياق نعرف أنّ المقصود هو القرآن ، فاللام في( الْكِتَابِ ) للعهد دون الجنس.

ثانياً : اصطفاء آدمعليه‌السلام ثابت بحسب النصّ القرآني :( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا ) (٢) .

ثالثاً : هذا الاصطفاء كان بعد هبوط آدمعليه‌السلام وتوبته ، وجعله خليفة الله في الأرض ، لا عند إسكانه في تلك الجنّة المعيّنة ، أو عند أكله للشجرة الممنوعة.

رابعاً : الضمير في( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ ) فيه احتمالان :

الأوّل : أن يرجع إلى( عِبَادِنَا ) باعتبار قاعدة رجوع الضمير إلى الأقرب ، وعليه فالمعنى يكون واضحاً بلا شكّ وريب ، إذ لا يكون الظالم ـ حينئذٍ ـ مشمولاً للاصطفاء.

الثاني : أن يرجع إلى( الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا ) ، ولا مانع منه وتصحّ هذه النسبة ـ نسبة الوراثة ـ إلى الكلّ مع قيام البعض بها حقيقةً ، كما جاء في القرآن( وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ) (٣) ، والحال نعلم أنّ المؤدّين لحقّ الكتاب والقائمين بأمره آنذاك بعض بني إسرائيل لا جميعهم.

خامساً : كما ذكرنا في مقدّمة الجواب ، فإنّ ظلم آدمعليه‌السلام لنفسه لم يكن ظلماً تشريعياً ، أي لم يخالف الله تعالى في أمر تكليفي مولوي يستحقّ العقاب والمؤاخذة ، بل ظلم نفسه بإلقائها في المتاعب والمشاكل الدنيوية ، وإن استدركه بالتوبة والاستغفار والإنابة.

سادساً : الظاهر من الآية المذكورة :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) أنّها بصدد تعريف المصطفين بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بدلالة سبقها بآية( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ

____________

١ ـ فاطر : ٣١.

٢ ـ آل عمران : ٣٣.

٣ ـ غافر : ٥٣.

٣٢٨

الْكِتَابِ ) ، وبقرينة الروايات الواردة عن المعصومينعليهم‌السلام ، فلا تشمل المصطفين من الأُمم السابقة ، وإن سلّمنا باصطفائهم بأدلّة عقلية ونقلية أُخرى.

( أبو أحمد البحراني ـ البحرين ـ ٣١ سنة ـ طالب علم )

الفرق بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي :

س : أرجو منكم توضيح الفارق : بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي ، وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي؟

وببيان آخر : إنّ المعصوم في ذاته يمكن أن يصدر منه الخطأ ، فعدم ارتكابه للمعصية هو عن اختيار ، وذلك يرجع لانكشاف الواقع له كما هو ، أمّا بالإمكان الوقوعي فهو لا يمكن أن يعصي ، وذلك للزوم المحال في صدور المعصية منه خارجاً.

أرجو من سماحتكم بيان وجه المحالية بالشرح والتوضيح مع ضرب الأمثلة ، وهل يلزم من القول بمحالية وقوع المعصية منه خارجاً على نحو الإمكان الوقوعي كون الإمام مجبوراً وغير قادر على فعل المعصية خارجاً؟

هذا هو سؤالي ، أرجو التوضيح التامّ للمسألة يخرج منه اللبس والإيهام ، ودمتم مسدّدين.

ج : العصمة هي مناعة وصيانة عن الوقوع في الخطأ والمعصية ، ولكن ليست هذه الحصانة تنفي قدرة واختيار المعصومعليه‌السلام ، بل صدور الخطأ ممكن منهعليه‌السلام من حيث الفرض ، ولكن لا يقع عملاً ، وهذا ما يسمّى بالإمكان الوقوعي ، أي أنّ الزلل ممكن منهعليه‌السلام وقوعاً ـ وليس ممتنع ذاتاً ـ ولكن لا يرتكب المعصية ، وذلك وفقاً لأدلّة العصمة.

والمقصود من الاستحالة في المقام هي الاستحالة الوقوعية لا الذاتية ، وهذه الاستحالة الوقوعية هي نتيجة الاعتماد على أدلّة العصمة.

٣٢٩

فالترتيب المنطقي للموضوع هكذا : إنّ صدور السلبيات من المعصومعليه‌السلام ممكن نظرياً بالإمكان الوقوعي ، ولكن نظراً إلى أدلّة العصمة نلتزم باستحالة ذلك بالاستحالة الوقوعية.

فترى أنّ هذه الاستحالة لا تفرض حالة جبرية على المعصومعليه‌السلام ، بل هي نتيجة الأخذ بأدلّة العصمة.

وإن شئت عبّرت عن الموضوع : بأنّ المعصومعليه‌السلام لا يصدر منه الخطأ والمعصية في الخارج ، وإن كان صدورها منهعليه‌السلام ممكن الوقوع عقلاً.

( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

آية التطهير تدلّ على عصمة أهل البيت :

س : يشكّك البعض في آية التطهير ، قائلين بأن لو كان بالفعل تدلّ على العصمة ، فلم حكم شريح القاضي على أمير المؤمنين لصالح ذاك اليهودي؟ ولم يفعل مثل ذو الشهادتين؟ فإن كان الإمام عليه‌السلام معصوماً وجب على شريح تصديقه.

ج : إنّ القواعد العلمية في كُلّ مجال تقتضي أن يفسّر المردّد أو المشكوك على ضوء المقطوع والمتيقّن ؛ وفي المقام : فإنّ دلالة آية التطهير لا يشوبها شكّ ولا ريب في إفادتها العصمة لأهل البيتعليهم‌السلام ، وأمّا ما توهّم كنقض في هذا المجال فجوابه من وجوه :

١ ـ إنّ الأدلّة القائمة على لزوم العصمة في الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام ليست منحصرة في آية التطهير فحسب ، بل وإنّ لها دلائل كثيرة عقلية ونقلية من الكتاب والسنّة ـ كما هو مقرّر في علم الكلام ـ.

٢ ـ إنّ في مسألة خزيمة ، كان طرف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أعرابياً مسلماً ، وبحسب الظاهر كان يجب على هذا الأعرابي الإيمان بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعصمته وأقواله ، فلا يحقّ له أن يعارض قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو أن يحاججه ، وشهادة خزيمة كانت من

٣٣٠

باب حفظ الظواهر والموازين ، وإلاّ لم تكن هناك حاجة إلى شهادة شاهد أساساً.

وأمّا في موضوع حكم شريح ، كانت الدعوى بين أمير المؤمنينعليه‌السلام ويهودي ، فحينئذ لا مجال لفرض قبول عصمة أمير المؤمنينعليه‌السلام في أقواله وأفعاله من جانب ذلك اليهودي ، وعليه فلابدّ وأن تكون الحكومة والقضاء بينهما بالطريقة المألوفة من الأيمان والبيّنات ، فنفذّ شريح الأسلوب القضائي المتعارف بين الناس ، مع غضّ النظر عن مقام الإمامة ، حتّى لا يتوجّه إشكال مبنائي بينهعليه‌السلام وبين اليهودي.

٣ ـ ليس لنا علم ويقين بأنّ أشخاصاً ـ كشريح ـ كانت لهم تلك المعرفة الحقيقية بمقام الإمامعليه‌السلام وعصمته ، حتّى تكون تصرّفاتهم على ضوء تلك العقيدة الصحيحة ؛ بل وإنّ البعض منهم كانوا يرون الإمامعليه‌السلام كخليفة ليس إلاّ ، وعليه فيمكن أن يكون أسلوب شريح في هذا الموضوع على ضوء هذا الاحتمال.

بقي أن نعلم بأنّ الإمامعليه‌السلام خوفاً من إثارة الفتن ، وحفظاً لمصالح عليا ، رجّح إبقاء أمثال شريح ـ مع ما كانوا عليه ـ في منصبه القضائي ، ريثما تتهيّأ الأرضية المناسبة لتبديله أو إقصائه.

( عبد الكريم ـ المغرب ـ ٤٥ سنة ـ دكتوراه في الطبّ )

غير واجبة في حقّ العلماء :

س : لدّي إشكال في قضية انتفاء عصمة المرجعية عند الشيعة في عصرنا ؛ إذ أنّ تقليد غير المعصوم يفضي إلى إمكانية الخطأ ؛ والله تعالى يقول : ( وَلاَ

٣٣١

تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (١) ، وقوله : ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ) (٢) .

ج : إنّ عقيدة الإمامية هي عصمة الإمامعليه‌السلام لا غيره ـ كما هو واضح ومبرهن بالأدلّة العقلية والنقلية ـ لأنّ العصمة في كُلّ شخص على خلاف الأصل ، إذ القاعدة الأوّلية في كُلّ إنسان السهو والغفلة والخطأ والنسيان ، إلاّ ما أخرجه دليل العصمة من شمول هذه القاعدة.

ومن جانب آخر نعلم بأنّ دليل العصمة لا يتولّى إثبات عصمة ما عدا المعصومين المعنيينعليهم‌السلام .

بقيت هنا نقطة فيها من الإبهام وهي : أنّه قد يتساءل البعض كيف نفرّق بين مقام الإمامعليه‌السلام والمجتهد؟ ونلتزم بالعصمة في الأوّل دون الثاني ، إذ أنّهما كليهما يتولّيان زعامة الدين والطائفة ، فلماذا هذا التمييز؟

والجواب يكمن في نحوية الزعامة والمسؤولية ، فالإمام المعصومعليه‌السلام يلقى على عاتقه بيان الأحكام الواقعية المتلقّاة من مصادر الوحي والنبوّة ، وعليه فالعصمة شرط لازم في نطاق وظيفته ؛ وإلاّ فلا يمكن الاعتماد على أيّ حكم صادر منهمعليهم‌السلام بأنّه حكم إلهي.

وأمّا المجتهد فحوزة مسؤوليّته تقع في مجال السعي لحصول تلك الأحكام الواقعية ، فربّما يظفر على الحكم الواقعي ، وأحياناً يطبّق الحكم الظاهري ، وعلى أيّ حال فهو معرّض للخطأ في اجتهاده.

ثمّ إنّ الحكمة في هذا الاختلاف هي أنّ طروّ الخطأ والسهو في مجال وظيفة المجتهد ، لا يؤثّر في أركان العقيدة ، والمباني الأساسية للدين والمذهب ، إذ أنّ نطاق الاجتهاد هو بنفسه مضيّق ومحدود ، فمثلاً لا يجتهد المجتهد في أُصول الدين والمذهب ، والضروريات والموضوعات ، فلا تمسّ أخطاؤه المبدأ والعقيدة ،

____________

١ ـ الأنعام : ١٦٤.

٢ ـ البقرة : ١٦٦.

٣٣٢

بخلاف احتمال خطأ الإمامعليه‌السلام ، فإنّه يضعضع أوامر السماء من الأساس ، فيتحتّم على المولى الحكيم أن يعصمه من الخطأ والزلل حذراً من تضييع الدين ؛ وهذا هو الفارق بين المقامين.

وأمّا مسألة اختلاف الأنظار والفتاوى ، فإنّه ممّا لابدّ منه بعد قبول أصل الاجتهاد ، ولكن هذا لا يصطدم مع أصل الدين والمذهب ، فإنّ الدين يبقى في كماله ، ولو أنّ فهم المجتهدين قد يختلف في تلقّيهم داخل ذلك النطاق المعترف به.

( السعودية ـ سنّي ـ ٢٥ سنة ـ طالب )

صلح الحسن وقتال الحسين لا ينفي عصمتهما :

س : يزعم الرافضة أنّ الأئمّة معصومون ، فكيف تنازل الإمام الحسن المعصوم لمعاوية؟ هل يعني هذا أنّ خلافة معاوية شرعية؟ أم أنّ الحسن أخطأ؟ وإذا كان مخطئاً كيف يتوافق هذا مع عقيدة العصمة؟ ثمّ كيف تنازل عن الخلافة وقد نالها بنصّ إلهي كما تزعمون؟

ولماذا خرج الحسين لمقاتلة الأُمويين؟ وهو مخالف لما فعله الحسن من قبل ، فأيّهما كان مصيباً ، وأيّهما كان مخطئاً؟

ج : إنّ الشيعة لا تعتقد شيئاً إلاّ على أساس الأدلّة والبراهين العقلية أو النقلية ، وتلتزم بأيّ مطلب يستدلّ عليه بالأدلّة الواضحة والجلية ، ولا تخشى أيّ مانع في هذا المجال ؛ ولكن في نفس الوقت تتوقّع من الضمائر الحيّة والحرّة أن تنصف فيما تقول ، ثمّ لها الخيار في الحكم في المقام.

وأمّا ما طرحته من مسألة العصمة ، فإنّها مورد اتفاق الشيعة ، بما أنّها مستخرجة من الأدلّة القطعية من الكتاب والسنّة والعقل والإجماع ، وبعبارة أُخرى : إنّ دليل العصمة لم يكن دليلاً استقرائياً أو تمثيلياً ، بل هو دليل منتج من العقل والنقل.

٣٣٣

وعليه فلا يتوهّم ورود النقض عليه ، إذ النقض لا يمكن وروده على الدليل القطعي ، فنستنتج أنّ النقوض المتوهّمة ليست على ما هي ، بل إنّها توهّمات خالية من الدلالة ، ثمّ بعد الفحص عنها نرى ماهية هذه التوهّمات كما يلي :

١ ـ إنّ صلح الإمام الحسنعليه‌السلام لم يكن تنازلاً منه عن الإمامة الإلهية ، بل كان عملاً مرحلياً لكشف زيف معاوية في المجتمع الإسلامي ، فهو شبه مهادنة ، أو مصالحة مؤقّتة ، لأجل مصالح عامّة ـ قد ذكرت في مظانّها ـ ومعاوية لا يستحقّ الإمارة ، فكيف يستحقّ الخلافة؟

ثمّ لا غرابة لهذا الموقف في سيرة المعصومينعليهم‌السلام ، فمثلاً بأيّ تفسير يجب أن نقتنع بصلح الحدبيية؟ أليس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان معصوماً في أفعاله وتصرّفاته؟ وهل أنّ الصلح المذكور يقلّل ـ والعياذ بالله ـ من مرتبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أو أنّه يعتبر تنازلاً؟! فالصحيح أنّ أمثال هذه الموارد بأسرها هي من شؤون الإمام المعصومعليه‌السلام ، وليس فيها أيّ إشعار أو إشارة بتنازل أو عدول عن الخطّ المستقيم.

٢ ـ إنّ موقف الحسينعليه‌السلام يختلف مع موقف أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام في الظروف التي واجهها ، وذلك باختلاف معاوية عن يزيد في تصرّفاته ، فإنّ معاوية كان يتظاهر بالشعائر والالتزمات الدينية بحدّ وسعه ، لتغطية أفعاله الشرّيرة ، وهذا كان يسبّب ـ إلى حدّ كبير ـ التمويه على المسلمين ، فهم كانوا لا يعرفونه حقّ المعرفة ، إلى أن عرّفه الإمام الحسنعليه‌السلام بتخليه الساحة له مؤقّتاً ، حتّى يراه المسلمون كما هو ، ويتّضح لهم ما كان وما يريد.

وعلى العكس فإنّ يزيد لم يكن يرى أيّ إحراج في إعلانه الفسوق والعصيان ، وإظهاره شعائر الكفر والشرك علانية ، فلا يبقى فرض مدّة أو طريقة لتعريفه لدى المسلمين ، بل أنّ الواجب كان يلزم على الإمام الحسينعليه‌السلام أن يقوم في وجهه حفظاً لدين جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله من التلاعب بيد الطغمة الظالمة ، المتمثّلة في كيان الخلافة آنذاك.

٣٣٤

وبعد ذلك ألسنا نرى التمايز في ظروف زمانهما الذي ولّد اختلاف موقف أحدهما عن الآخرعليهما‌السلام .

( علي ـ المغرب ـ سنّي ـ ٢٨ سنة ـ طالب جامعة )

ردّ توهّمات أهل السنّة في عصمة النبيّ :

س : تعتقد الشيعة على خلاف أهل السنّة العصمة التامّة والكاملة للرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى في الشؤون المتعلّقة بالحياة المعيشية ، فما قولكم في المسألة؟

خاصّة وأنّ الكثير من النصوص القرآنية والشواهد التاريخية تثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشكّ ـ ما يذهب إليه أهل السنّة ، فما قولكم في واقعة أسرى بدر؟ وترخيصه لبعض من تخلّف من المقاتلين في عدم المشاركة في الجهاد ، أو النزول عند الموقع المحدّد في واقعة بدر الكبرى ، وكذلك تأبير النخل في الحديث المشهور عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنتم أعلم بشؤون دنياكم » حين بدا له عدم صواب رأيه؟

المرجو إيفادنا بالشرح المستفيض والدقيق ، معزّزاً بالأدلّة الشرعية من مصادر أهل السنّة ، وكذلك الشيعة ما أمكن ، لكُلّ حادثة من الحوادث المذكورة أعلاه ، ولكم جزيل الشكر والامتنان.

ج : إنّ الأدلّة القائمة على العصمة التامّة ـ للأنبياءعليهم‌السلام عموماً ، ولنبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله خصوصاً ـ أدلّة عقلية ونقلية لا يعتريها الشكّ والريب ـ كما قرّر في محلّه ـ وعليه فلابدّ من تأويل ما جاء خلافه ـ إن صحّ سنده ـ فإنّ ما يوهم خلاف تلك القاعدة مردود ، إذ أنّ القاعدة المذكورة لم تبتن على الأمثلة حتّى يرد عليها النقض ، بل يجب أن يفسّر كُلّ حادث على ضوء تلك القاعدة.

ثمّ إنّ ما ذكرتموه في المقام ، لا يصلح لأن يكون مورداً للنقض لما يلي :

أوّلاً : إنّ ما ذكر في بعض كتب السير والتاريخ ـ من أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد نزل أدنى ماء ببدر أوّلاً ، وثمّ بعد ما أشار عليه الحباب بن المنذر بأن ينزل أدنى ماء

٣٣٥

من القوم ، ويصنع أحواضاً ويمنع المشركين من الماء ، صوّب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله رأيه وأمر بتنفيذه ـ لم يصحّ لوجوه :

منها : إنّ المشركين هم الذين سبقوا بالنزول في بدر ، ولا يعقل أن ينزلوا في مكان لا ماء فيه ، ويتركوا الماء لغيرهم من المسلمين.

ومنها : إنّ العدوة القصوى التي نزلها المشركون كان فيها الماء ، وكانت أرضاً لابأس بها ، على العكس ممّا نزلها المسلمون ، وهي العدوة الدنيا ، إذ كانت غبار تسوخ فيها الأرجل ، ولم يوجد فيها الماء(١) .

ومنها : إنّ ابن الأثير ـ من أصحاب السير ـ ينصّ على أنّ المشركين وردوا الحوض ، فأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يعترضوهم(٢) .

ومنها : إنّ المنع من الماء لا ينسجم مع أخلاقيات ومبادئ الإسلام ونبيّه الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فإذاً ، الصحيح هو الرواية التي تقول بأنّ المسلمين لم يكونوا على الماء ، فأرسل الله السماء عليهم ليلاً حتّى سال الوادي ، فاتخذوا الحياض كما جاء في الذكر الحكيم :( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ) (٣) ، وهذا هو سرّ بناء الأحواض لا ما ذكروه.

ثانياً : إنّ البعض قد ذكروا : أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد وعثمان في عدم المشاركة في بدر ، ثمّ ضرب لهم سهامهم من الغنائم.

____________

١ ـ فتح القدير ٢ / ٣١١ ، شرح نهج البلاغة ١٤ / ١١٨ ، جامع البيان ١٠ / ١٤ ، زاد المسير ٣ / ٢٤٦ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ / ٢١ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٣٢٦ ، الدرّ المنثور ٣ / ١٦٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٢٧.

٢ ـ الكامل في التاريخ ٢ / ١٢٣.

٣ ـ الأنفال : ١١.

٣٣٦

وهذا أيضاً من الموضوعات ، إذ جاء في بعض الكتب : أنّ العلّة للتخلّف في الأوّليين ـ طلحة وسعيد ـ هو التجسّس لخبر العير بأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وجاء في بعضها الآخر : أنّهما كانا في تجارة إلى الشام(٢) ؛ فإذا كانت العلّة هذه ، هل يعقل أن يضرب لهما سهامهما من الغنائم؟! خصوصاً أنّ السيوطي وغيره ينكران هذه الفضيلة لغير عثمان(٣) .

وأمّا في مورد عثمان ، فإنّ الرواية التي تذكر علّة تخلّفه ـ أنّها لتمريض زوجته رقية بأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ متعارضة مع الرواية التي تصرّح بأنّ العلّة هي إصابة عثمان نفسه بالجدري(٤) .

وأيضاً كان بعض المسلمين يعيّرون عثمان بعدم حضوره في بدر ، وهذا لا ينسجم مع رخصته فيه ، إذ كيف خفي هذا العذر على مثل عبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود(٥) .

وأخيراً : لقد جاء في حديث مناشدة عليعليه‌السلام لأصحاب الشورى ـ وفيهم طلحة وعثمان ـ قوله : « أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر وسهم في الغائب »؟ قالوا : لا(٦) ، وهذا يفنّد كلام القوم من الأساس!!

ثالثاً : إنّ ما يذكر من خطأ اجتهاد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ والعياذ بالله ـ في موضوع أُسرى بدر لا أساس له من الصحّة ، فالآية التي يشير إليها البعض في المقام( مَا

____________

١ ـ السيرة الحلبية ٢ / ٢٠٣ ، أُسد الغابة ٢ / ٣٠٧ ، تاريخ المدينة ١ / ٢١٩ ، سبل الهدى والرشاد ٤ / ١٩.

٢ ـ التنبيه والإشراف : ٢٠٥ ، المستدرك ٣ / ٣٦٨ ، الاستيعاب لابن عبد البر ٢ / ٧٦٥ ، المعجم الكبير ١ / ١١٠.

٣ ـ السيرة الحلبية ٢ / ٢٥٤.

٤ ـ المصدر السابق ٢ / ٢٥٣.

٥ ـ مسند أحمد ١ / ٦٨ و ٧٥ ، مجمع الزوائد ٧ / ٢٢٦ ، الدرّ المنثور ٢ / ٨٩ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٢٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٩ / ٢٥٨ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٣١.

٦ ـ كنز العمّال ٥ / ٧٢٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٣٥.

٣٣٧

كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ له أَسْرَى ) (١) في وزان إيّاك أعني واسمعي يا جارة ، فالمقصود من الآية المسلمون لا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ أنّ الالتزام به يكون بمعنى مخالفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأوامر الوحي ، وهذا محالّ.

ولكنّ المعنى أنّ الصحيح في المقام هو الحكم الأوّلي في شأن الأسرى ببدرٍ كان القتل ، وهو حكم خاصّ بهم ، لا أنّ الفداء لا يحلّ أبداً في الأسرى ، إذ قد عمل به ـ الفداء ـ في واقعة عبد الله بن جحش قبل بدر بأزيد من عام ، ولم ينكره الله تعالى(٢) ، وبعدما أصرّ المسلمون على مخالفة ذلك الحكم الأوّلي ، عاتبهم الله تعالى فاستحقّوا العذاب ثمّ عفا عنهم.

ويدلّ عليه أنّه جاء في بعض النصوص : أنّ جبرائيلعليه‌السلام أخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بكراهة ما صنعه قومه من أخذ الفداء ، وأخبره بأنّ الله أمره أن يخيّرهم بين قتل الأسرى وأخذ الفداء ، على أن يقتل منهم في المستقبل بعددهم ، فرضوا بالفداء والشهادة(٣) ، وعلى الأخصّ فقد نصّ البعض على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مال إلى القتل(٤) .

رابعاً : إنّ حديث تأبير النخل ـ بالشكل الذي نقلوه ـ لا يوافق العقل والنقل ، لوجوه :

منها : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعيش في منطقة تغصّ بالنخل ، فهل يعقل أنّه لم يكن يعرف تأثير تأبير النخل وفائدته؟ وأنّ النخل لا ينتج بدونه؟! والحال نرى أنّ الرواية المزعومة تقول : بأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نفى لزوم التأبير فتركوه.

ومنها : كيف نصدّق بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يرضى بإدخال ذلك الضرر الجسيم عليهم ـ عدم نتاج نخلهم ـ بتصرّفه فيما ليس من اختصاصه؟!

____________

١ ـ الأنفال : ٦٧.

٢ ـ السيرة الحلبية ٢ / ٢٦٣.

٣ ـ المصنّف للصنعاني ٥ / ٢٠٩ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٢٢ ، عيون الأثر ١ / ٣٧٣ ، الدرّ المنثور ٣ / ٢٠٢.

٤ ـ الكامل في التاريخ ٢ / ١٣٦.

٣٣٨

ومنها : إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كيف يقول لهم ـ حسب الرواية المذكورة ـ أنّ العملية كانت من ظنونه ـ والعياذ بالله ـ وليس لهم أن يؤاخذوه بالظنّ ، في الوقت الذي كان يحثّ الناس على كتابة ورواية ما يصدر عنه(١) .

وصفوة القول : أنّ العصمة لها أدلّتها القيّمة من العقل والنقل ، فلا تنثلم بما نقل بخلافها مع وهن السند والدلالة.

( أحمد الأسدي ـ اندونيسيا ـ ٢٦ سنة ـ خرّيج ثانوية )

النبيّ لم يكن مخاطباً في قوله :( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ) :

س : قال تعالى :( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ ) (٢) .

كيف يخاطب القرآن النبيّ هكذا؟ ونحن نعرف عصمة النبيّ عن الخطأ ، هل النبيّ نسي أن يقول أن شاء الله؟ أجيبوا جزاكم الله.

ج : الآية الكريمة لا تنافي العصمة عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ الخطاب موجّه للمكلّفين ، والقرآن نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة ، وليس هو خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ على قول من قال أنّه خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليس فيه ما يسيء إلى عصمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ ذلك من الله تعالى تذكير لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأنّ كُلّ أمر موقوف على إرادته واشائته ، فإن شاء كان ، وإن لم يشأ لم يكن ، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله غيرُ غافلٍ عن ذلك ، وقد شهد الله تعالى له بذلك ، فقال :( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٣) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أدّبني ربّي فأحسن تأديبي »(٤) .

____________

١ ـ مجمع الزوائد ١ / ١٣٩ ، ١٥١ ، الجامع الصغير ١ / ٤٠٤ ، كنز العمّال ١٠ / ٢٢٤ و ٢٢٩.

٢ ـ الكهف : ٢٣ ـ ٢٤.

٣ ـ القلم : ٤.

٤ ـ شرح نهج البلاغة ١١ / ٢٣٣ ، الجامع الصغير ١ / ٥١ ، كشف الخفاء ١ / ٧٠.

٣٣٩

وقد كانت سنّة الأنبياء تعليق كُلّ شيء على إرادته تعالى ، فقال تعالى حكاية عن موسى :( قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) (١) ، وقال حكاية عن شعيب :( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٢) ، وقال حكاية عن إسماعيل :( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) (٣) .

وهكذا هي سنّة الأنبياء في مخاطباتهم ، بل تعليق الفعل على إرادته سيرة الصالحين ، فكيف بخيرة الصالحين وخاتم الأنبياء والمرسلين يصدر منه خلاف إرادته تعالى ، ومن ثمّ يعاتب عليه؟ فثبت أنّ ذلك خطاب للمكلّفين دونهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

( حبيب ـ الدانمارك ـ سنّي حنفي ـ ٢٠ سنة )

معالجة الآيات الواردة خلافها :

س : قال العلاّمة الحلّي : « إنّه لو جاز عليه ـ أي الإمام ـ السهو والخطأ ، لجاز ذلك في جميع أفعاله ، ولم يبق وثوق بإخباراته عن الله تعالى ، ولا بالشرائع والأديان ، جواز أن يزيد فيها وينقص سهواً ، فتنتفي فائدة البعثة.

ومن المعلوم بالضرورة : أنّ وصف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعصمة ، أكمل وأحسن من وصفه بضدّها ، فيجب المصير إليه ، لما فيه من الاحتراز عن الضرر المظنون ؛ بل المعلوم »(٤) .

كُلّ ما سبق من كلامه يردّه كتاب الله ، الذي أشار إلى وقوع بعض الأنبياء في المعاصي والتوبة ، منها : قوله تعالى عن موسىعليه‌السلام : ( لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ) (٥) ، لماذا يعتذر موسى عليه‌السلام كُلّما سأل

____________

١ ـ الكهف : ٦٩.

٢ ـ القصص : ٢٧.

٣ ـ الصافات : ١٠٢.

٤ ـ الرسالة السعدية : ٧٥.

٥ ـ الكهف : ٧٣.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374