تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام0%

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 143

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ عبد الله السبيتي العاملي
تصنيف: الصفحات: 143
المشاهدات: 41868
تحميل: 4713

توضيحات:

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 143 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41868 / تحميل: 4713
الحجم الحجم الحجم
تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام

تحت راية الحق في الرد على فجر الإسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

في مقام الاستدلال مع كونها قد دخلها التخصيص، ولو كانت غير حجة ما قام للمسلمين سوق.والحق الذي لا نوارب فيه أنْ ليس مخصِّص لهذا العام عند الأُستاذ أحمد أمين وسلفه ابن حجر يخرجه عن الحُجِّيَّة، سوى العصبية التي تتمثَّل في منطقهم وفيما يخطُّون بأجلى مظاهرها، نعوذ بالله من الجهل وسبات العقل.

ميزان الشك عند صاحب الكتاب

ابتدع ديكارت قانون التشكيك في كل شيء ينظر فيه ولو كان من الحقائق الراهنة عند أهل الأرض في الطول والعرض، وجعله منهاجاً يسير عليه مقلِّدوه.وأول مَن زعم سلوك سبيله في مصر (الدكتور طه حسين) ؛ إذ زعم أنَّه قد اتَّخذ تلك القاعدة منهاجاً للبحث في أدبه الجاهلي، وزعم أنَّه تجرَّد من كل شيء حتى دينه، فشكَّ فيما يمكن الشك فيه وفيما لا يمكن الشك فيه، وجعل التشكيك سبيله أبداً في كل شيء، لكنَّ زميله أحمد أمين في كتابه فجر الإسلام لم يتخذ ذلك المنهاج إلاّ مقيَّداً بمشيئته ؛ فإن شاء أن يشكَّ شك، وإن لم يشأ لم يشك، فكان له منهاج غير منهاج ديكارت ومقلِّده الأعمى، وخلاصته: أنَّه يجب على الباحث أن يكون منقاداً في بحثه إلى الغرض الشخصي ؛ فمتى أباح له غرضه أن يشك في شيء يشك فيه، ومتى لم يبح له ذلك لا يشك.وعلى هذا الأساس استطاع أن يشك في نسبة الأبيات إلى أبي الهيثم البدري وإلى الغلام الذي خرج من جيش عائشة في وقعة الجمل (ص ٣١٩) ؛ لأنَّ تلك الأبيات تشتمل على إطلاق الوصي على علي، وهذا لا يوافق غرضه الشخصي.

ومن الغريب أن يقف صاحب الكتاب الأُستاذ أحمد أمين موقف الشاك في فضائل آل محمد وخصائصهم وفي أدلة الشيعة على إمامتهم، ثمَّ نراه يقف فيما يتعلق بغير علي من الصحابة موقف المطمئن ؛ فلا يرتاب في شيء ما من مناقبهم مع ما يرى في كثير منها من القلق والاضطراب.أستغفر الله، لا غرابة في ذلك بعد ما رأينا أنَّ ميزان الشك عنده إنَّما هو هوى النفس والعاطفة والغرض والمرض.وأنت تعلم أنَّ الفوضى في الحياة العلمية ممّا لا بد منه مع هذا الميزان.وأول شيء نفاجئ به الأُستاذ أحمد أمين أنَّا نشك في إسلامه! حيث يرى أنَّ الإسلام تأثَّر بعملية المزج، ويرى أنَّ أبا ذر - الصحابي الجليل - تأثَّر بتعاليم مزدك، ويرى أنَّ علماء الإسلام كذَّابون وضَّاعون، ونحن نستسلم لنظرية الشك فيه مماشاة له، وإلاّ فنظرة بسيطة في كتابه وكتاب زميله تحوِّل نظريَّ-تنا إلى ما فوق الشك.

١٠١

أمَّا عصمة الأئمة وأفضلية علي، فثابتان بالأدلة القاطعة من طريق العقل والنقل وإنْ أنكرهما الأُستاذ أحمد أمين ومَن لفَّ لفَّه، ولا غرابة في إنكارهم عصمة الأئمة من أهل البيت بعد أن نسبوا إلى رسول الله السهو في الصلاة بترك ركعتين منها، الأمر الذي لا يصدر إلاّ من الغافلين عن صلاتهم، وحاشا أنبياء الله، ونسبوا إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الهجر والهذيان، تعالى الله عن أن يرسل رسولاً يهجر، ونسبوا إليه (تلك الغرانيق العلى) نعوذ بالله السميع العليم من كل أفَّاك أثيم، ونسبوا إليه الخطأ يوم بدر بزعم أنَّه آثر عرض الدنيا على الآخرة ؛ فاتَّخذ الأسرى وأخذ منهم الفداء قبل أن يثخن في الأرض، وزعموا أنَّه لم يسلم يومئذ من الخطيئة إلاّ عمر، وأنَّه لو نزل العذاب لم يفلت منه إلاّ ابن الخطَّاب، ورووا في ذلك من الروايات الموضوعة ما شاءه جهلهم واقتضاه نفاق الواضعين كما فصَّله سيِّدنا في كتابهالفصول المهمَّة في تأليف الأُمَّة (ص ٩٨ وما بعدها، ط سنة ١٣٤٧ه-) فليراجعه من أراد التفصيل أو شاء أن يعرف كنه العلم والدليل.وجوَّز إمامهم الباقلاني كل فسق وكفر على الأنبياء إلاّ الكذب في البلاغ، نقل عنه ذلك إمامهم ابن حزم في كتابهالفصل (ج٤، ص ١)، ونَقَل (ج٤، ص ٢٠٥) عن بعض أعلام أهل السنَّة القول بجواز الكذب في البلاغ أيضاً على الأنبياء نعوذ بالله، نستجير بالله، نبرأ إلى الله، ونَقَل أيضاً (ج٤، ص ٢٢٤) عن السمناني - وهو من أئمتهم أيضاً - تجويز الكفر على نبيِّنا محمد ( صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولعنة الله على شانئيهم، وظالميهم، ومريدي إطفاء نورهم أجمعين).

وقد نسب ابن حزم إلى محمد بن الحسن بن فورك، وسليمان بن خلف الباجي إماميْ أهل السنة أُموراً عظيمة ترتعد منها الفرائض، ذكر ذلك كله سيِّدنا في الفصل العاشر من فصوله المهمَّة في تأليف الأُمّة فراجع.

ومَن كانت هذه نظريَّاته ونظريَّات سلفه في أنبياء الله ورسوله لا ننتظر منه الخضوع لعصمة أئمتنا أئمة العترة، وأحد الثقلين، وسفينة نجاة الأُمّة، وباب حِطَّة، وأمان أهل الأرض، وقد أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيرا.ومن العبث أن نطرق مع الأُستاذ باب الاستدلال على عصمتهم وعقليَّته تأبى عصمة الأنبياء.أمَّا مَن آمن بعصمة الأنبياء نزولاً على حكم الدليل العقلي بوجوب عصمتهم، فلابد أن يؤمن بعصمة خلفاء الله وأوصياء رسوله نزولاً على حكم ذلك الدليل العقلي ؛ لأنَّ وجهة الدليل العقلي على عصمة الأنبياء وخلفائهم واحدة، ومناطه

١٠٢

واحد كما فصَّله الأعلام من متكلِّمي الإمامية.وسيِّدنا شرح الصدور وأثلج الغلل بما كتبه في هذا الموضوع، حتى جعل عصمتهم من الأُمور المحسوسة الملموسة بدليلي العقل والنقل، على وجه لا يبقى معه لطالب العلم ورائد الحقيقة شبهة، فنحن نحيل عليه؛ إذ لا مجال هنا للتفصيل.

وأمَّا أفضليته على غيره بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مطلقاً، فمن البديهيات الأولية لولا الأحقاد البدرية والضغائن الأُموية وحسد الحاسدين وكيد الكائدين وتمويه المتعصِّبين، وقد كان تفضيله على مَن سواه مسلَّماً على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونقله ابن عبد البر في أحوال علي من الاستيعاب عن: سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وخبّاب، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم(١) .وروي عن ابن عبَّاس أنَّه قال: إنَّ لعلي أربع خصال ليست لأحد غيره: هو أول عربي وعجمي صلَّى مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم فرَّ عنه غيره، وهو الذي غسَّله وأدخله قبره اه-.

قلت: بلى، خصائصه أكثر من أن تُعد، والأدلة على تفضيله لا يسعنا استقصاؤها، وإنَّما نذكر منها عشرة:

الأول: أنَّه أقدمهم إيماناً كما روي عن النبي ؛ حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (بعثتُ يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء)، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (أوَّلكم إسلاماً علي بن أبي طالب)، وكان علي يقول: ( أنا أوَّل مَن صلَّى لله، وأوَّل مَن آمن بالله ورسوله، لم يسبقني إلى الصلاة إلاّ نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )، وقال على المنبر بمشهد من الصحابة: ( أنا الصدِّيق الأكبر آمنت قبل إيمان أبي بكر)، وكان قوله هذا مشهوراً بين الصحابة فلم ينكره منكر.وإذا ثبت أنَّه أقدمهم إيماناً، كان أفضلهم ؛ لقوله تعالى:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) .

الثاني: أنَّه أعلمهم ؛ لأنَّه كان أقواهم حدساً، وأشدَّهم ذكاء وفطنة، وأسبقهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وآخرهم عهداً به، وأكثرهم ملازمة له كما وصف نفسه، إذ قال: (وقد علمتم موضعي من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة ؛ وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره ،

____________________

(١) ونقله ابن أبي الحديد في شرح النهج (مجلَّد ٤، ص ٥٢٠) عن كثير من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة: عمَّار، والمقداد، و

أبو ذر، وسلمان، وجابر بن عبد الله، وأبي بن كعب، وحذيفة، وبريدة، وأبو أيوب، وسهل بن حنيف، وأخوه عثمان، وأبو الهيثم بن

النبهان، وخزيمة بن ثابت، وأبو الطفيل عامر بن وائلة، والعبَّاس بن عبد المطَّلب، وبنو هاشم كافَّة، وبنو المطَّلب كافَّة.قال: وكان الزبير من القائلين به في بدء الأمر، ثمَّ رجع.وكان من بني أُمية قوم يقولون بذلك، منهم: خالد بن سعيد بن العاص اه-.

١٠٣

ويكنفني إلى فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه.وكان يمضغ الشيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل.وقد قرن الله بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من لدن أن كان فطيماً - أعظم ملك من ملائكته ؛ يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره.وكنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أُمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمُّ ريح النبوة.ولقد سمعت رنَّة الشيطان حين نزل الوحي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنَّة؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا الشيطان أيس من عبادته.إنَّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلاّ أنَّك لست بنبي، ولكنَّك وزير) إلى آخر الخطبة وتسمَّى القاصعة(١) .ومن المعلوم أنَّ عليَّاً كان أيَّام صغره في حجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأيَّام كبره كان ختناً وأخاً له ووزيراً ووليَّاً يدخل عليه في كل وقت.وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في غاية الحرص على إرشاده وتعليمه، وقد علَّمه ألف باب من العلم فانفتح له من كل باب ألف باب، وحين نزل قوله تعالى:( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (اللَّهُم اجعلها أُذن علي)، فلم ينس علي بعدها شيئاً، ومسح على صدره فقال: (اللَّهُم اهد قلبه وسدِّد لسانه)، فما شك بعدها في قضاء بين اثنين.وقال عليهعليه‌السلام : (لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم.والله ما نزلت من آيةٍ في برٍّ أو بحرٍ أو سهلٍ أو جبلٍ أو سماءٍ أو أرضٍ أو ليلٍ أو نهارٍ إلاّ أنا أعلم فيمَن نزلت، وفي أيِّ شيء نزلت)، وهو القائل: (سلوني قبل أن تفقدوني).وقد رجعت إليه الصحابة في كثير من الوقائع حتى قال عمر: لولا علي لهلك عمر، وقال: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن. واستندت الفضلاء إليه في جميع العلوم، كالأُصول الكلامية، والفروع الفقهية، وعلوم القرآن بأسرها، وعلم التصوُّف، وعلمي النحو والصرف وغيرها.ومن المعلوم أنَّ خرقة المشائخ تنتهي إليه، وأنَّ ابن عبَّاس حبر الأُمّة وإمام المفسِّرين كان تلميذه، وأنَّ أبا الأسود دوَّن النحو بتعليمه وإرشاده.ونوادره المدهشة في القضاء مشهورة تُضرب بها الأمثال، وله في الإخبار بالمغيَّبات آيات بيِّنات، كإخباره بأنَّه يُقتل في شهر رمضان، وأنَّ قاتله ابن ملجم بضربة على هامته تخضب شيبته الكريمة، وكإخباره بقتل ولده سيّد الشهداء في طفِّ

____________________

(١) وهي من محاسن خطبه الموجودة في نهج البلاغة.

١٠٤

كربلاء، وقوله لعمر بن سعد: (كيف أنت إذا قمت مقاماً تخيَّر فيه بين الجنة والنار، فتختار النار؟)، وإخباره بظهور معاوية وأنَّه سيدعو الناس إلى لعنه والبراءة منه، وإخباره بما جرى على ميثم التمَّار ورشيد الهجري وحبيب بن مظاهر، وإخباره يوم النهروان بقتل ذي الثدية، ولمَّا لم يجدوه بين القتلى قال: (والله، ما كذبت)، ثمّ بحث عنه حتى وجده، فشقَّ قميصه ووجد على كتفه سلعة كثدي المرأة عليها شعر، ينجذب كتفه مع جذبها ويرجع مع تركها.وأخبره أصحابه يوم النهروان: أنَّ العدوَّ قد عبروا النطفة، فقال: (لم يعبروا)، فأخبروه مرة ثانية: إنَّهم عبروها، فقال: (والله ما عبروه، ولن يعبروه، إنَّ مصارعهم لدون النطفة)، فأضمر جندب بن عبد الله الأزدي في نفسه: أنَّه إن وجد القوم قد عبروا أن يقاتله معهم، قال: فلمَّا وصلنا النهر لم نجدهم عبروا! فالتفت إليَّ أمير المومنين فقال: (يا أخا الأزد، أتبيَّن لك الأمر؟) هذا يدل على علمه بما أسرَّه في نفسه.وقيل له: مات خالد بن عرفطة بوادي القرى، فقالعليه‌السلام : (... لم يمت، ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن عمَّار)، فقام رجل من تحت المنبر فقال: والله إنِّي لك لمحب! وأنا حبيب، قال: (إيَّاك أن تحملها، ولتحملنها فتدخل بها من هذا الباب) وأومأ إلى باب الفيل، فلمَّا بعث ابن زياد عمر بن سعد إلى الحسين جعل على مقدِّمته خالداً، وأعطى الراية حبيباً، فدخل المسجد بها من باب الفيل.وإخباره بالمغيَّبات والملاحم لا تحصى، وكونه أعلم الصحابة ممَّا لا يكاد يخفى ؛ وإذا كان أعلمهم يكون أفضلهم.

الثالث: أنَّه أكثرهم جهاداً في سبيل الله، وأعظمهم بلاء في الحروب أيَّام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أمَّا بدر، فلم يبلغ أحد شأوه فيها، وهي أول حرب امتُحن به المؤمنون ؛ لقلَّتهم وضعفهم وكثرة المشركين وقوَّتهم.جدع فيها أمير المؤمنين أنف الشرك، وعصب فيها رأس المشركين بالذل والشنار والخزي والعار ؛ حيث قتل طواغيتهم وقرى الذئاب أشلاء جبابرتهم ؛ كعُتبة بن ربيعة، و شيبة، والوليد، والعاص بن سعيد، وسعيد بن العاص، وحنظلة بن أبي سفيان، وطعيمة بن عدي، ونوفل بن خويلد ؛ حيث فرى بسيفه هامهم، وزمَّلهم بدمائهم، وصمد إلى صناديدهم، يقتل كل مَن برز إليه منهم، حتى قتل وحده نصف مَن قُتل يومئذ من المشركين.

وأمَّا أُحد، فقد جمع له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها بين الراية واللِّواء، وكانت راية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة، ويُدعى كبش الكتيبة، فشدَّ عليه علي فقتله، فأخذ الراية غيره، فشدَّ عليه فقتله ،

١٠٥

فأخذها الثالث، فقتله عليٌ، ولم يزل يقتل حاملي لواء المشركين حتى قتل تسعة كانوا من أشدِّ الناس قوة، فطارت قوة المشركين فرَقاً، ولم يجرأ أحد منهم بعد ذلك على حمل اللّواء ؛ حيث علموا أنَّ أبا الحسن لحامل لوائهم بالمرصاد، فانهزموا، وأكبَّ المسلمون على الغنائم.فحمل خالد بن الوليد بأصحابه على المسلمين، وجاؤوا من قبل الشِّعب الذي كان وراء المسلمين والمسلمون غافلون، فكانت المصيبة، وضُرب رسول الله بالسيوف والرماح والنبال والحجارة حتى غشي عليه، وانهزم الناس عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله سوى علي ؛ فإنَّه كان صاحب البلاء الذي عجبت منه يومئذ ملائكة السماء، ونادى مناديهم: (لا سيف إلاّ ذو الفقار، ولا فتى إلاّ علي)، وقال جبرائيل - حيث رأى موقف علي في وجه الأعداء يذودهم بسيفه عن سيد الأنبياء - : ((إنَّ هذه لهي المواساة)، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (وما يمنعه من ذلك وهو مني وأنا منه)، فقال جبرائيلعليه‌السلام : (وأنا منكما).

وأمَّا الأحزاب، فقد قتل أمير المؤمنين عَمْرَها، وكفى الله المؤمنين به شرها.وكان عمرو بطل المشركين غير مدافَع، وشجاعهم الذي لا ينازع، دعا إلى البراز مراراً بعد أن اقتحم الخندق وأصبح مع المسلمين في صعيد واحد منفصلاً عن جنوده وبنوده، والمسلمون كأنَّما على رؤوسهم الطير، قد زاغت منهم الأبصار وبلغت القلوب الحناجر من الخوف والاضطراب، على ما حكاه الله عزَّ وجلَّ عنهم في سورة الأحزاب.

وابتدى المصطفى يحدِّث عمَّا

يُؤجر الصابرون في أُخراها

قائلاً: إنَّ للجليل جِناناً

ليس غير المجاهدين يراها

مَن لعمرو ؟ وقد ضمنتُ على الله

له من جنانه أعلاها

فالتووا عن جوابه كسوام

لا تراها مجيبة مَن دعاها

وإذا هم بفارس قرشي

ترجف الأرضُ خيفة إذ يطاها

قائلاً: ما لها سوايَ كفيل

هذه ذمَّة عليَّ وفاها

وانتضى مشرفيَّه فتلقى

ساق عمرو بضربة فبراها

يا لها ضربة حوت مَكرُماتٍ

لم يزن ثقلَ أجرها ثقلاها

هذه من علاه إحدى المعالي

وعلى هذه فقسْ ما سواها

قال حذيفة: لمَّا دعا عمرو إلى المبارزة أحجم عنه المسلمون كافَّة ما خلا عليَّاً، فإنَّه برز إليه، فقتله الله على يديه.والذي نفس حذيفة بيده، لعمله في ذلك اليوم أعظم أجراً من عمل أصحاب محمد

١٠٦

إلى يوم القيامة.وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لضربة علي خير من عبادة الثقلين).

وأمَّا خيبر، فإنَّما كان البلاء فيها والجهاد والفتح لعلي وحده بحكم الضرورة من أخبار السلف ؛ وذلك أنَّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى الراية أولاً أبا بكر، فرجع بجماعة المسلمين، فأخذها من الغد عمر، فرجع مذعوراً، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يُحب اللهَ ورسولَه ويُحِبه اللهُ ورسولُه ؛ كرَّار غير فرَّار)

ودعا أين وارث العلم والحلم

مجير الأيَّام من بأساها

أين ذو النجدة الذي لو دعته

في الثريا مروعة لبّاها

فأتاه الوصيُّ أرمد عين

فسقاها من ريقه فشفاها

ومضى يطلب الصفوف فولَّت

منه علماً بأنَّه أمضاها

وبرى مرحباً بكفِّ اقتدار

أقوياء الأقدار من ضُعَفاها

ودحا بابهم بقوة بأس

لو حمته الأفلاك منهُ دحاها

وأمَّا حُنَين، فقد سار إليها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عشرة آلاف، فأعجبتهم كثرتهم، فلم تغن عنهم شيئاً، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ثمَّ ولّوا مدبرين كما أخبر الله عزَّ وجلَّ عنهم في محكم كتابه العزيز، ولم يبق مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سوى تسعة: علي، و

العبَّاس، وابنه الفضل، وأبو سفيان ونوفل ابنا الحارث، وربيعة بن الحرث، وعتبة ومصعب ابنا أبي لهب، وأبو دجانة، فخرج أبو جرول، فقتله علي، وقتل منهم تمام الأربعين، وانهزم الباقون، وغنمهم المسلمون.وكان الفتح على يد علي، وهكذا كان في كل الوقائع ؛ فإذن هو أفضل من غيره بحكم قوله تعالى:( فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ) .

الرابع: أنَّه أتقى الصحابة وأشدَّهم خوفاً من الله وأعظمهم مجاهدة لنفسه، وفيه أنزل الله تعالى:( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا ِلأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ) على ما فصَّله سيِّدنا في كتابه تنزيل الآيات ؛ حيث أورد القرائن القاطعة بنزولها في علي، وأتى بالحجج الساطعة في ذلك، وزيَّف ما لفَّقه فخر الدين الرازي وأولياؤه من القرائن التي زعموها، وأوضح بطلان ما تشبَّثوا به بما لا مزيد عليه ؛ وإذا كان علي أتقى الأُمّة يكون أكرمهم عند الله بدليل قوله تعالى:( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) .

الخامس :أنَّه أعبدهم، وقد كانت جبهته كرُكبة البعير لطول سجوده، وكان يصلِّي في

١٠٧

اليوم والليلة ألف ركعة، وكانوا إذا أرادوا أن يستخرجوا النصول من جسده إنَّما يستخرجونها وقت الصلاة ؛ لتفرُّغه وقتئذ بالكلِّية إلى الله تعالى، واستغراقه في مناجاته.وقد نصب له ليلة الهرير نطع، فصلى صلاة الليل والسهام تمر على صماخيه، والموت منتصب بالجهات الست، فما ارتاع ولا هالته تلك الأهوال حتى أكمل ورْدَه من عبادة الله عزَّ وجل.هذه حاله منذ صلَّى قبل الناس حتى ضربه ابن ملجم تلك الضربة صائماً لله في شهر رمضان، قائماً في عبادته عزَّ وجلَّ في مسجد من أفضل المساجد، فقضى نحبه مظلوماً شهيداً، وألزم أعداءه الحجة في قتلهم إيَّاه مع ما له من الحجج البالغة.

السادس : أنَّه أزهدهم في الدنيا، وقد تواتر إعراضه عن لذَّاتها مع اقتداره عليها ؛ لاتّساع أبواب الدنيا عليه، لكنَّه طلَّقها ثلاثاً، وحمل الناس على الزهد فيها، وكلامه في ذلك مأثور محفوظ.وقد خاطبها مرة فقال: (يا دنيا، إليكِ عني، أبيَّ تعرَّضتِ أم إليَّ تشوَّقتِ؟! لا حان حينك! هيهات هيهات غرِّي غيري لا حاجة لي فيك، قد طلَّقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعيشك قصير وخطرك كبير وملكك حقير)، وقال: (والله، لدنياكم هذه أهون في عيني من عِراق خنزير في يد مجذوم).وكان أخشن الناس مأكلاً وملبساً، ولم يشبع من طعام قط.قال عبيد الله بن أبي رافع: دخلت عليه يوم عيد، فقدَّم جراباً مختوماً، فوجدنا فيه خبز شعير يابساً مرضوضاً، فأكلنا منه معه، فقلت: يا أمير المؤمنين لم ختمته؟ قال: (خفت هذين الولدين أن يليِّناه بزيت أو سمن).وكان نعلاه من ليف، وكان يرقع قميصه بجلد أو بليف، وقلَّ أن يأتدم، فإن فعل فبالملح أو الخل، وإن زاد فبنبات الأرض، فإن ترقَّى فبلبن.وكان لا يأكل اللحم إلاّ قليلاً، وكان يقول: (لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان).

السابع: أنَّه أوسعهم عفواً عمَّن أساء إليه ؛ عفا عن مروان حين أُسر يوم الجمل مع شدة عداوته له، وعفا عن سعيد بن العاص وكان من أخبث أعدائه، وسبقه معاوية يوم صِفِّين إلى الماء فمنعه منه حتى أخذه علي منه عنوة، فلمَّا ملك الماء أراد أهل العراق أن يمنعوا أهل الشام، فأبى عليهم وقال: (إنَّ فيهم المرأة والطفل والمكره والمستضعف والدابة، افسحوا لهم عن بعض الشريعة ففي حد السيف ما يغني عن ذلك).

الثامن: أنَّه أشرفهم خلقاً وأطلقهم وجهاً حتى نسب بعض أعدائه إليه الدعابة مع شدة بأسه وهيبته.قال صعصعة بن صوحان: كان فينا كأحدنا ؛ في لين من جانبه، وشدة تواضعه، وسهولة قياده.وكنَّا نهابه مهابة الأسير المربوط للسيَّاف الواقف على رأسه.

١٠٨

التاسع : أنَّه أسخاهم في سبيل الله بما ملكت يداه.كان يؤثر المحاويج على نفسه وأهل بيته حتى أنَّه جاد بقوته وقوت عياله وباتوا طاوين ثلاثاً، فأنزل الله في حقِّهم سورة الأبرار (وهي سورة الدهر)، وفيهم نزل:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) .ولمَّا تصدَّق بخاتمه وهو راكع في الصلاة أنزل الله فيه آية الولاية ؛ ألا وهي قوله عزَّ من قائل:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) الآية.وكان عنده أربعة دراهم، فتصدَّق في الليل بدرهمين سرَّاً وعلانية، وفي النهار بدرهمين كذلك، فأنزل الله تعالى فيه:( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) .

العاشر : أنَّه أقواهم جناناً، وأفصحهم لساناً، وأسدَّهم رأياً، وأشدَّهم حرصاً على إقامة حدود الله، لا تأخذه في ذلك لومة لائم.وكان أرأفهم بالمؤمنين، وأحوطهم على الدين، وأشفقهم على اليتامى والأيامى والمساكين ؛ فالضعيف الذليل عنده قوي عزيز حتى يأخذ له بحقِّه، والقوي العزيز عنده ضعيف ذليل حتى يخذ منه الحق.القريب والبعيد عنده في ذلك سواء، لم يكن لغير أهل الحق فيه مطمع، وكان مع الحق والحق معه يدور معه كيف دار.وكان أحفظهم لكتاب الله ؛ لأنَّ أكثر أئمّة القرَّاء يسندون قراءتهم إليه، فعاصم وأبو عمرو وغيرهما تلامذة أبي عبد الرحمن السلمي، وهو تلميذ علي.وقد امتازعليه‌السلام بمحبَّته لله ولرسوله ومحبَّتهما له كما شهد بهِ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم خيبر، وامتاز بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة والأُخوَّة ؛ فإنَّه لمَّا آخىصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه اختارهصلى‌الله‌عليه‌وآله منهم أخاً لنفسه، وامتاز بالوزارة المنصوص عليها في مبدأ الإسلام يوم أنزل الله تعالى:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) ، ويوم المؤاخاة، ويوم الغدير، وفي مقامات أخر لا تحصى.وامتاز بالوصية المنصوص عليها من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مبدأ أمره وفي آخر عمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وامتاز بوجوب المحبَّة المدلول عليها بآية المودَّة وبالصحاح المتضافرة، وامتاز بأنَّ مَن أحبَّه فقد أحبَّ الله ورسوله، ومَن أبغضه فقد أبغضهما، ومَن آذاه فقد آذاهما، ومَن سبَّه فقد سبَّهما ؛ يدل على ذلك كله صحاح السُّنة ومحكمات الكتاب.وامتاز بأنَّه صالح المؤمنين المشار إليه بقوله تعالى:( فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) ، وقد جمع الله فيه جامعة الرسل ؛ إذ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (مَن أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في خلَّته، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى

١٠٩

في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب) فأوجب مواساته للأنبياء في هذه الصفات، والأنبياء أفضل من الصحابة، فعلي أفضل ؛ لأنَّ المساوي للأفضل أفضل.وحسبك في ذلك حديث المنزلة، أعني قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) ؛ فإنَّ هارون أفضل أُمة موسى فيكون علي أفضل أُمَّة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لعموم المنزلة المدلول عليه باستثناء النبوة.ويدل على تفضيله أيضاً حديث الطائر المشوي، بل سائر ما جاء في فضله من آيات الكتاب وصحاح السُّنة.وهناك خصائص أُخر توجب تفضيله ك-: انتفاء سبق الكفر على إيمانه ؛ إذ لم يكفر بالله قط ولا سجد إلاّ لله، بخلاف باقي الصحابة ؛ فإنَّهم قبل الإسلام كانوا عبدة أصنام، ولكثرة انتفاع المسلمين به في حروبه أيَّام النبي، وشدة بلائه وقوة شوكة الإسلام به، وانتشار علومهِ وحكمه ونصائحه.وكتميُّزه بالكمالات النفسية ك-: قوَّة الإيمان، وعظيم التوكُّل على الله والثقة به والخشية منه، وكالعلم المحيط، وحسن الخلق، وطهارة النفس، ونقاء السريرة، وحرية الضمير، والسخاء الباهر، والشجاعة التي تضرب بها الأمثال، والصبر على الأذى، وكظم الغيظ، والعفو عن المسيئين، والنصح لله تعالى ولعباده.وتميَّز بالكمالات البدنية أيضاً ك-: مزيد القوة، وشدة البأس.وبالكمالات الخارجية ك-: كونه ابن عم الرسول، وزوج الزهراء البتول، وأبا السبطين، ووالد ذرِّيَّة النبي، وباب مدينة علمه، وأمينه على سرِّه إلى ما لا يحصى من الخصائص المستوجبة لتفضيله على العالمين.

وحسبك دليلاً قاطعاً وبرهاناً - على تفضيله - ساطعاً يغنيك عن كل ما ذكرناه من الأدلة، أنَّ الله سبحانه قد أنزله في محكم فرقانه العظيم منزلة نفس نبيّهِ الكريم ؛ وذلك حيث يقول عزَّ اسمه:( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ) ؛ إذ ليس المراد نفس النّبي حقيقة، لأنَّ الإنسان لا يدعو نفسه كما لا يأمر نفسه، وليس المراد بهِ فاطمة والحسن والحسين ؛ لاندراجهم في الأبناء والنساء، فلابد أن يكون شخصاً آخر هو كنفس النبي، وليس هو غير علي بالإجماع، وقد فصَّل ذلك سيِّدنا في كلمتهِ الغراء فجزاه الله عن العلم الصحيح وروَّاده خير الجزاء.

الرجعة عند الشيعة

مهما حاول المصوِّر الفنان أن يصوِّر الغول والعنقاء وهو لم يرهما فلا نراه يستطيع ذلك كلَّما قلَّب الأمر ظهراً لبطن، ولئن رسمها فإنَّا لا نشك أنَّ النسخة التي يرسمها لا تكون مطابقة للأصل إن صحَّ هذا التعبير.والبحث نحوٌ من التصوير، والباحث مصوِّر تتفاوت مقدرته العلمية بتفاوت علميتهِ كما تتفاوت مقدرة المصوِّر بالنسبة إلى الصورة الحقيقية والخيالية، مثلاً يقف

١١٠

المصوِّر (من تلامذة الشيخ محمد عبده) فينظر إلى أشكال الشيخ ويرسمها بريشتهِ، فينتهي عن صورة لا يشك الناظر إليها ممَّن يعرف الشيخ أنَّها صورته، ولكن هذا المصوِّر لو رسم ابن سينا - مثلاً - بالأوصاف التي حدَّثته عنها الأخبار، فينتهي عن صورة يشك الناظر فيها أنها تمثِّل ابن سينا كما مثَّلت تلك صورة محمد عبده، وقد لا تكون منطبقة على شيء من ملامحه، ولا سيما إذا كان هذا المصوِّر قد اعتمد في تصوير ابن سينا على ما نقله أعداؤه من أوصافه وملامحه.ومن هذا المنبع يستقي الباحث ؛ فإنَّ مَن عرف مذهباً من المذاهب أو تاريخ أُمَّة من الأُمم يأتي بحثه سالماً من العثار، ومَن يجهل ذلك ويكتب عن جهل لابد أن يعثر في سيره، ولا سيما إذا اعتمد على المرجِفين المخاصِمين كما ترى ذلك في كلام صاحب الكتاب، ومن الغلط الفاحش كلامه في الرجعة ؛ فهو يميل إلى أنَّ الذي وضع الحجر الأساسي للقول بها إنَّما هو عبد الله بن سبأ، وعنه أخذت الشيعة، ثمَّ يقول: إنَّها تطوَّرت -هذه الفكرة- عند الشيعة إلى العقيدة باختفاء الأئمة، وأنَّ الإمام المختفي سيعود فيملأ الأرض عدلاً، ومنها نبعت فكرة المهدي (ص ٣٢٢) هذا مورد خلط الحابل بالنابل، واختلاط الليل بالتراب ؛ إذ لا قيمة لابن سبأ عند الشيعة، وهو ملعون على لسان خاصة الشيعة وعامتهم، محكوم بكفره عند جميع علمائهم، لا يذكره منهم ذاكر إلاّ بالبراءة منه ومن أقواله المخالفة للإسلام، فكيف تبني الشيعة على أساسه وتنسج على منواله؟! ونحن لا نعلم معنى لتطوُّر الفكر في الرجعة! فإنَّ معنى الرجعة بسيط، وليست هي مادة قانونية قد يشكل معناها على المجلس النيابي فيرجعها إلى الهيئة التشريعية، بل هي أبسط من ذلك ؛ ومعناها الرجوع بعد الموت لغاية شريفة يريدها الله عزَّ وجل، ثمَّ يموت الراجع بعدها، ثمَّ يبعث يوم القيامة، وهذا معنى غير قابل للتطوُّر، وإذن لا تبقى صلة بين الرجعة بهذا المعنى وبين القول باختفاء الأئمة ؛ فإنَّ معنى الاختفاء التستُّر عن العيون، وهو غير الرجعة بعد الموت، إلاّ أن يكون ذلك ممَّا استحدثته معاجم الحرية في مصر النيلية!! إنَّ حديث الطعن على الشيعة بالرجعة ليس وليد العصر الحاضر، فلقد أغلظ القول فيها علماء السُّنة منذ العصر الأول، وكانوا إذا ذكروا عظيماً من حفَّاظ الشيعة ولم يتَّسع لهم المجال لنقده من حيث الوثاقة والورع والحفظ والضبط، رموه بأنَّه يقول بالرجعة، ولكنَّ حديث التطوُّر الذي جاءنا به أحمد أمين نظن أنَّه جديد، وفيما أظنُّ أنَّه من مكتشفاته، غير أنَّ حديثه معقَّد لم يخل من تعثُّر ؛ وذلك أنَّه لم يبيِّن لنا أنَّ هذا التطوُّر - بزعمه - هل قلب شكل الاعتقاد بالرجعة إلى شكل آخر هو الاعتقاد باختفاء الأئمة، فالشيعة على هذا لا يعتقدون الآن بالرجعة

١١١

وإنَّما يعتقدون باختفاء الأئمة؟! أو أنَّهم لا يزالون يعتقدون بالرجعة على معناها الأول، ولكن من هذا الاعتقاد نشأ اعتقاد آخر هو اختفاء الأئمة ونشأ من ذلك فكرة المهدي؟ ونحن أوردنا عباراته بنصِّها، وهي تحتمل كل ذلك.

وليس بالغريب من صاحب الكتاب هذا التعقيد ؛ فإنَّا عرفناه أُستاذاً في الآداب لا في الأديان.وكذلك لا نستغرب قوله بأنَّ الشيعة أخذوا القول بالرجعة من عبد الله بن سبأ ؛ فإنَّ هذا الرأي استفاده في عصر النور وتمحيص الحقائق من أسلافه الذين كانوا يهتمُّون كثيراً بالتشنيع على الشيعة.والله يشهد أنَّه حديث مفترى يكذِّبه الرجوع إلى المصادر التي أخذ الشيعة منها، وهناك يعلم الباحث أنَّ القائلين بالرجعة من الشيعة إنَّما عوَّلوا في قولهم بها على الكتاب والسُّنة كما لا يخفى على مَن وقف على كلامهم، ولسيِّدنا في كتابه مختصر الكلام في مؤلِّفي الشيعة في صدر الإسلام كلمة في الرجعة مختصرة نوردها بعين لفظه ؛ ليعرف الأُستاذ أحمد أمين معنى الرجعة بكنهها.

قال (دام ظله) في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي:وكان يقول بالرجعة، رجعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة من آله ومعهم ثلَّة من خواص المؤمنين إلى دار الدنيا، على معنى إحياء الله لهم بعد موتهم، وإخراجه إيَّاهم من أجداثهم بأعيانهم وسائر مشخَّصاتهم إلى دار التكليف ؛ ليملؤوها قسطاً وعدلاً ويطبقوها حناناً وفضلاً، ولا يبقى في العالم كافر بالله ورسوله، ثمَّ يميتهم الله عزَّ وجلَّ في هذه الدار مرة ثانية قبل يوم القيامة، ثمّ يكون البعث فيحشرهم الله مع جميع الخلائق( لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) ، هذا رأي جابر وعليه جماعة آخرون من رجال الشيعة.قالوا: ولهذه الرجعة نظائر في الخارج أثبتها القرآن العظيم، كأهل الكهف،( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ) .واستدلوا عليها بأدلة من الكتاب والسُّنة لا يسع المقام إيرادها، فمنها: قوله تعالى:( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا ) حيث روى علي بن إبراهيم في التفسير، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن حمَّاد بن عثمان، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال: (ما يقول الناس في هذه الآية؟) قلت: يقولون إنَّها في القيامة، قالعليه‌السلام : (ليس كما يقولون، إنَّها في الرجعة، أيحشر الله يوم القيامة من كل أُمّة فوجاً ويدع الباقين؟! إنَّما آية القيامة قوله تعالى:( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) اه-.قلت: لا ريب في أنَّ رجوع بعض مَن مات إلى دار الدنيا - كما رجع العزير - ممكن عقلاً وشرعاً، لكنَّ الاعتقاد بوقوعه موقوف على الدليل القطعي، فإن وجد وإلاّ فنَذَرُه في عالم الإمكان.وقد أخرج مسلم في أول

١١٢

صحيحه عن ابن مليح قال: سمعت جابراً يقول: عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلها.وأخرج مسلم أيضاً عن زهير قال: سمعت جابراً يقول: إنَّ عندي لخمسين ألف حديث ما حدَّثت بشيء منها، قال: ثمّ حدَّث يوماً بحديث، فقال: هذا من الخمسين ألفاً.وأخرج أيضاً عن أبي مطيع قال: سمعت جابر الجعفي يقول: عندي خمسون ألف حديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اه-.قلت: وإنَّما أعرضوا عن حديثه لقوله بالرجعة كما صرَّح به سفيان فيما رواه عنه مسلم في أول صحيحه، قال: كان الناس يحملون عن جابر قبل أن يظهر ما أظهر، فلمَّا أظهر اتَّهمه الناس في حديثه، وتركه بعض الناس.قيل له: وما أظهر؟ قال: الإيمان بالرجعة اه-.وأنت تعلم أن قوله بالرجعة من حيث هو، لا يضر في دينه ولا يخدش في عدالته، وغاية ما يلزمه الاشتباه والخطأ.

وقد ذهب جماعة من أهل السنة - كالمعاصر الشيخ يوسف النبهاني - إلى أنَّ عبد الله بن عبد المطَّلب رجع بعد موته إلى الدنيا، فأسلم على يد ولده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودان بدين الإسلام، ثمّ مات، فلم توجب مقالتهم هذه طعناً في دينهم أو قدحاً في عدالتهم.ومقالة جابر وغيره في رجعة النبي وأوصيائه أُخت هذه المقالة، لا تستوجب ضعفاً ولا غمزاً ؛ إذ ليس في العقل ولا في الشريعة المطهَّرة ما يحكم بامتناعها، ولعلَّ في السبعين ألف حديث التي هي عند جابر ما يدل على مدَّعاه، فكان من الاعتدال ومقتضيات البحث عن الحقائق أن يسمعوها منه، ولا يضيِّعوا على أنفسهم تلك العلوم الكثيرة بمجرد قوله بالرجعة التي لا تضرُّ في الدين.وقد قال ابن مهدي عن سفيان - كما في ميزان الاعتدال - : كان جابر الجعفي ورعاً في الحديث، ما رأيت أورع منه في الحديث.وقال شعبة: صدوق.وقال يحيى بن أبي بكير عن شعبة: كان جابر إذا قال: أنبأنا، وحدَّثنا، وسمعت، فهو من أوثق الناس.وقال وكيع: ما شككتم في شيء فلا تشكُّوا أنَّ جابراً الجعفي ثقة.ومع ذلك فقد قال جرير بن عبد الحميد وغيره: لا أستحل أن يُحدَّث عن جابر الجعفي ؛ إنَّه كان يؤمن بالرجعة اه-.وي! وي!، كأنَّ الإيمان بالرجعة كالقول بالحلول والتناسخ والتقمُّص يوجب إنكار البعث والخروج عن دين الإسلام!! سبحانك اللَّهُمّ هذا إرجاف وعدوان، وإلاّ فإنّ الإمام عمر بن الخطَّاب لمَّا بلغه موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال - من جملة كلام له - : وليرجعنَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقطعنَّ أيدي رجال وأرجلهم.فهل أوجبت كلمته هذه طعناً في دينه أو مسَّت شيئاً من كرامته؟ كلاّ و حاشا لله، فما بال المرجفين بالشيعة لا يفتأون يقرعون صفاتهم، ويغمزون قناتهم، ويرمونهم بالهاجرات ،

١١٣

وينتهكون منهم الحرمات، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون.انتهى كلام سيِّدنا في كتابهمختصر الكلام وقد رأينا أن نكتفي به ونعم الختام.

العلَّة في تأليه عليِّ رواية المغيَّبات عنه

يقرأ القارئ كتابفجر الإسلام فيحس من أول صحيفة منه أنَّ المقياس العلمي الذي اتّبعه صاحب الكتاب ضعيف جداً ؛ والعلة في ذلك أنَّه لم يتجرَّد من العواطف القومية والمذهبية، فهو منقاد بأزمَّتها في بحثه.ومن وجهة أُخرى لم يتتبَّع تتبُّعاً كافياً يبيح له البحث عن الشيعة وغيرهم فلذلك تراه يتخبَّط في البحث والتعليلات ؛ مثلاً تراه عندما يريد أن يذكر السبب في دعوى الاعتقاد بإلهيَّة علي يقول: والعلة في نظرنا أنَّ شيعة علي رووا له من المعجزات والعلم بالمغيَّبات الشيء الكثير إلخ (ص ٣٢٢) وهذا خبط وخلط يرتكبه الخرَّاصون ويتحاشاه المتثبِّتون ؛ وذلك لأنَّ روايات المعجزات والعلم بالمغيَّبات يستحيل أن يكون علة للقول بإلهيَّة علي، فإنَّه مهما روى الشيعة وغيرهم لعلي من المعجزات والعلم بالمغيَّبات فإنَّهم لا يروون له إلاّ العُشر أو دون العشر ممَّا يروون لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومع ذلك لم يقل أحد بإلهيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والشيعة قديماً وحديثاً ترى أنَّ عليَّاً أخذ العلم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .وما يروى له من المعجزات فإنَّما هو لأنَّه دان بدينه واتّبعه اتّباع الفصيل أثر أُمِّه، وأخلص في إيمانه به إخلاصاً حقيقياً تاماً.

إذن رواية المعجزات ليست علَّة للقول بإلهيَّ-ته، والذي ينبغي أن يكون سبباً لهذه المقالة الباطلة إنَّما هو الهرج والمرج والفوضى أيَّام عثمان ؛ حيث اغتنمها ابن سبأ اليهودي فرصة لنكاية المسلمين، ولم يكن يرى شخصية بارزة هي مجمع الفضائل والكمالات سوى شخصية علي، فاتّخذ القول بإلهيَّ-ته آلة لهدم الإسلام.وساعده على ذلك نزعات جاهلية وعقليَّات ناقصة كانت لا تزال في نفوس كثير من جهلة المسلمين وبُسطائهم السذَّج، فتبعه من رعاع الناس وحثالاتهم، وربَّما كان فيهم من غير الشيعة ؛ لأنَّ تلك الدعوة الباطلة ظهرت من ذلك اليهودي بمظهر بسيط لا يمتنع أن يدين بها بعض الحمقى من السُّنة، إذن لا يصح نسبتهم إلى الشيعة كما لا يخفى.

الشيعة وضعوا: سلوني قبل أنْ تفقدوني

من الغريب أن يقول صاحب فجر الإسلام: أنَّ الشيعة وضعوا على لسان علي: (سلوني قبل أن تفقدوني... إلخ) (ص ٣٢٢) نعوذ بالله من الجهل المركَّب ومن فجور فجر الملام وحمق

١١٤

مؤلِّفه!

إنَّ نسبة هذه الكلمة إلى علي لأشهر من نسبة قفا نبك إلى امرئ القيس، وقد أخرجها المحدِّثون بأسانيدهم إليه، ورواها ابن عبد البر في ترجمة علي من الاستيعاب، عن معمر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل قال: شهدت عليَّاً يخطب وهو يقول: (سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء إلاّ أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله...) الحديث.ورواه ابن حجر العسقلاني في ترجمة علي من إصابته عن أبي الطفيل أيضاً قال: كان علي يقول: (سلوني، سلوني، وسلوني عن كتاب الله...) الحديث.ونقله ابن حجر الهيثمي في الفصل الثالث من الباب التاسع من صواعقه عن ابن سعد وغيره.وابن أبي الحديد يحدِّثنا: أنَّه اجمع الناس كلهم على أنَّه لم يقل أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا أحد من العلماء: (سلوني قبل أن تفقدوني) غير علي.وأحمد بن حنبل يقول في مسنده: قد كثرت الرواية عنه يقول: (سلوني قبل أن تفقدوني).وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدَّثنا سفيان عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيَّب قال: لم يكن أحد يقول: (سلوني) غير علي.وروى صاحب الاستيعاب عن جماعة من الرواة والمحدِّثين قالوا: لم يقل أحد من الصحابة: (سلوني) إلاّ علي.وعن علي بن الجعد بن شبرمة قال: ليس لأحد من الناس أن يقول على المنبر:

(سلوني) إلاّ علي، وليس لأحد أن يقول: إنَّ هذا إخبار بالمغيَّبات أو ادّعاء للنبوة أو الربوبية ؛ فإنَّ عليَّاً كان يقول: (أخبرني بذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ) اه-.فمن كل ذلك يستشرف الباحث على القطع بميزة علي العلمية، وما يمنعه من ذلك وهو هارون هذه الأُمّة وصدِّيقها الأكبر، وفاروقها الأعظم، وذو سوابقها ومناقبها، وصاحب الأُذن الواعية والصدر المنشرح واللسان الذي ثبَّ-ته الله، وابن عمِّ النبيِّ وخرِّيجه وصهره على سيدة نساء أهل الجنة، وسيد ثقله وعترته وأبو سبطيه، وأخوه، ووزيره، ووارثه، ووليه، ووصيه، ونفسه، وباب مدينة علمه، وهادي أُمته، وسفينة نجاتها، وباب حِطَّتها، وأمانها من الاختلاف، وعديل كتابها، وإمام محرابها، وعليُّها الحكيم، ونبؤها العظيم، ومَن عنده علم الكتاب.وأمَّا حديث إخبارهعليه‌السلام بقتل الحسين، فلم تنفرد الشيعة بروايته، ولم تقل أنَّه أخبر بذلك لعلمه بالغيب، وإنَّما تقول: إنَّه نقل ذلك عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .ولعل الأُستاذ أحمد أمين لا يسلِّم بأنَّ الأنبياء تخبر عن الله بالغيب! وإلاّ فقد أخرج الإمام أحمد من حديث عليعليه‌السلام في مسنده (ج ١، ص٨٥): أنَّ رسول الله أخبر عليَّاً بقتل ولده الحسين بشط الفرات، وأنَّ جبرائيلعليه‌السلام أعطاه قبضة من تربة كربلاء ليشمَّها، فشمَّهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبكى.وأخرج ذلك أيضاً

١١٥

غير واحد من محدِّثي السُّنة ك-: ابن سعد في طبقاته، والملاّ في سيرته، والبغوي في معجمه، وأبي حاتم في صحيحه(١) ، والماوردي الشافعي في باب(٢) : إنذار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بما سيحدث بعده، من كتابه أعلام النبوة، ورواه ابن عبد ربِّه المالكي(٣) ؛ حيث ذكر مقتل الحسين في الجزء الثاني من عقده الفريد، وجماعة آخرون من أثبات السُّنة كما فصَّله سيِّدنا في مقدمة مجالسه الفاخرة.

وحسبنا ما أورده المتعصِّب ابن حجر في صواعقه ( باب ١١، فصل ٣) ؛ فإنَّه -على شدة غلوائه في النصب -لم يخالجه ريب في أنَّ عليَّاً أخبر بقتل ولده، وأنَّه بكى عليه بكاءً بلَّ الأرض بدموع عينيه.ونقل في ذلك أحاديث تلقَّتها أهل السُّنة بكل قبول، بل هي عندهم من أعلام النبوة وآيات الإسلام وأدلة الدين، فليراجعها أحمد أمين، لا ليؤمن بالنبوة عن الله، بل ليصدق بأنَّ الشيعة لم تنفرد بروايتها عن رسول الله بواسطة علي وغيره من الصحابة.قال سيِّدنا في آخر مقدمة مجالسه الفاخرة: ويظهر من بعض الأخبار أنَّ قتل الحسينعليه‌السلام كان معروفاً عند جماعة من الصحابة والتابعين حتى أنَّهم ليعلمون أنَّ قاتله عمر بن سعد.وحسبك ما نقله ابن الأثير - حيث ذكر مقتل عمر بن سعد في كامله - عن عبد الله بن شريك قال: أدركت أصحاب الأردية المعلَّمة وأصحاب البرانس السود من أصحاب السواري إذا مرَّ بهم عمر بن سعد قالوا: هذا قاتل الحسين.(قال): وذلك قبل أن يقتله.(قال:) وقال ابن سيرين: قال علي لعمر بن سعد: (كيف أنت إذا قمت مقاماً تخيَّر فيه بين الجنة والنار فتختار النار؟!) اه-.

وقد ترقَّى الأُستاذ فذكر أنَّ الشيعة تنسب إلى علي الإخبار بخروج الخوارج، ونسي أنَّ صحيحي البخاري ومسلم أخرجا حديث الإخبار بأمر الخوارج عن علي وغيره مرفوعاً إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولعل الأُستاذ يرى أنَّ النبوة خرافة وجبرائيل خيال خبال، وليس هذا الرأي ببعيد عن أهل الضلال نعوذ بالله السميع العليم من كل زنديق لئيم.ومختصر القول: إنَّ عليَّاً لم يكن فيما أخبر به من المغيَّبات إلاّ ناقلاً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والشيعة لم تنفرد بنقل ذلك عنهعليه‌السلام .ومَن تتبَّع الأخبار في ذلك وجد أسانيدها من طرق أهل السنة أكثر من طرق الشيعة، وسلف الفريقين وخلفهم يعد ذلك من أعلام النبوة، ولا يرتابون

____________________

(١) راجع: الفصل ٣، الباب ١١، من الصواعق، تجده ينقل إخبار النبي بقتل الحسين عن ابن سعد وعن الملاّ والبغوي وأبي حاتم.

(٢) وهو: الباب ١٢، ص ٢٣ من ذلك الكتاب.

(٣) في سطر ١٥، ٢٤٣، الجزء ٢، ط سنة ١٣٠٥، وفي هامشه: زهر الآداب.

١١٦

في أنَّ عليَّاً عيبة علم النبي وباب مدينته، فإخباره بالمغيَّبات إحدى الآيات الإلهية والمعجزات النبوية والأدلة الإسلامية، لكنّ مصر النبيلة سوف تأتينا بأعجب من فجر الإسلام حيث قام بالأمس أُستاذ من أساتذتها يشك بالقرآن، ثمّ قام علي عبد الرزاق يشك بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويدعو إلى مخالفته في القضاء وسائر الأحكام الزمنية، وقام اليوم أحمد أمين يشكِّك في آيات الإسلام، ويوشك أن يقوم أُستاذ رابع يشكِّك في وجود الخالق! وليس ذلك عن أهل السفسطة من أمثال الأُستاذ ببعيد، نعوذ بالله من العمى.وأنت تعلم أنَّ روايات الشيعة لفضائل علي وإخباره بالمغيَّبات كانت متأخرة عن كفر ابن سبأ وقيامه بتلك الدعاية الساقطة ؛ لأنَّه - عليه اللعنة - ظهر بذلك الشرك في عصر علي قبل ظهور الروايات، فلا يصح أن تكون سبباً في ضلاله وشركه بغلوه لتأخر ظهورها عن ذلك، ففلسفة الأُستاذ أحمد أمين هنا باطلة بحكم العقل أيضا.

الشيعة لا يؤمنون بالحديث إلاَّ عن الأئمَّة (ص ٣٢٤)

أحب أن أعترف للأُستاذ بالاقتدار على السفسطة! وأُحب أن أعترف له بأنَّه درس التمويه والتضليل درساً خوَّله أن يأخذ عليه شهادة الاجتهاد المطلق، ومع الاحترام لحضرته أُخبرك بأنَّه كذب على الشيعة وتمادى في بهتانه عليهم ؛ لأنَّهم - بحكم الضرورة من مذهبهم - يؤمنون بحديث كل صادق عدل من المسلمين، فحديث كل صحابي عدل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حجة بإجماع الشيعة.وإذن فالأولى أن يبدِّل الأُستاذ عبارته فيقول: (الشيعة لا يؤمنون بالحديث إلاّ إذا رواه العدل من المسلمين) فلا يؤمنون بحديث المارقين من الدين، ولا الدعاة إلى الضلال المبين، ولا بحديث المنافقين كابن هند وابن النابغة وابن الحكم وابن شعبة وأمثالهم، ولا بحديث الكذَّابين الدجَّالين المخرِّفين كأبي هريرة وكعب الأحبار وأمثالهما، ولا بحديث مجوس هذه القدرية كيعرب بن زيد الحمصي والحسن بن ذكوان وأمثالهما، ولا بحديث المرجئة كإبراهيم بن طهمان وأيُّوب بن عائذ الطائي ونظائرهما، ولا بحديث النواصب والخوارج كعمران بن حطان وعكرمة البربري ونجدة الحروري وجرير بن عثمان وسمرة بن جندب وأمثالهم.وحاشا لله أن تؤمن الشيعة بأهل الضلال أو تركن إلى المحال كما فعله غيرهم فاحتجوا بكل مَن تشرَّف برؤية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وإن كان عدوَّه وطريده كمروان، أو كان من المؤلَّفة قلوبهم كابن أبي سفيان، أو كان من الكذَّابين كأبي هريرة، أو كان من المنافقين كالمغيرة أو كان.. أو كان، وقد احتج البخاري بهم جميعاً.وصح عند العلماء أنَّه روى عن ألف ومئتين من الخوارج كما نص

١١٧

عليه إمام أهل التحقيق في هذا العصر، وآية الله الخالدة ومدى الدهر، الشريف أبو محمد الحسن الصدر الموسوي العاملي الكاظمي في كتابه نهاية الدراية، وتصدَّى لضبط ذلك جماعة من أعلام أهل السنة كابن حجر صاحب المصالت، وعبد الحق الدهلوي شارح مشكاة المصابيح، وذكر ابن يسع في كتابه معرفة أُصول الحديث: أنَّ البخاري احتج بأكثر من مئة مجهول.وقال ابن الصلاح في مقدِّمته المعروفة ب- أُصول الحديث: احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الطعن بهم كعكرمة مولى ابن عبَّاس، وكإسماعيل ابن أبي أُويس، وعاصم بن علي، وعمرو بن مرزوق وغيرهم.(قال:) واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم.(قال) :وهكذا فعل أبو داود السجستاني اه-. ومَن راجع مقدِّمة شرح البخاري الموسوم ب- فتح الباري لابن حجر العسقلاني يجد التفصيل.أيبتغي صاحب فجر الإسلام من الشيعة أن تؤمن بكل مجهول مرذول من أعداء آل الرسول؟ وبكل مرجئ دجال أو قدري من أهل الضلال ؟ وبكل خارجي مارق أو ناصبي منافق؟ أجل! يرضيه من الشيعة أن يؤمنوا بعمران بن حطان وقوله في ابن ملجم وضربته خليل النبوة والمخصوص بالأُخوّة:

يا ضَربَةً مِن تَقِيٍّ ما أَرادَ بِها

إِلاّ لِيَبلُغَ مِن ذي العَرشِ رضوانا

إِنِّي لأَذكُرُهُ حيناً فَأَحسبُهُ

أَوفى البَرِيَّةِ عِندَ اللَهِ ميزانا

وما أظن الأُستاذ يرضى من الشيعة بمجرد الإيمان بعمران وحديثه حتى يكفروا بحديث أهل البيت! فيكونوا حينئذ كالبخاري ؛ إذ احتجَّ بعمران وغيره من الخوارج، ولم يحتج بسبط النبي وخليفة الوصي الحسن الزكي، ولا بالحسن بن الحسن، ولا بعبد الله بن الحسن، ولا بزيد الشهيد، ولا بجعفر الصادقعليه‌السلام ، ولا بموسى، وعلي بن جعفر، ولا بعلي بن موسى الرضا، ولا بمحمد بن علي الجواد، ولا بعلي بن محمد الهادي، ولا بالحسن بن علي العسكري، ولا بغيرهم من ثقل رسول الله وبقيَّته في أُمّته.نعم، لو فعل الشيعة ذلك لقرَّت بهم عين أحمد أمين وأصحابه، لكن أبى الله ورسوله والمؤمنون أن يفعلوه:

إِذا رَضِيَتْ عَنِّي كِرامُ عَشيرَتي

فَلا زالَ غَضْباناً عَلَيَّ لِئامُها

مذهب الزيدية أعدل مذاهب الشيعة

لقد حنَّ قدح ليس منها، وطفق يحكم فيها مَن عليه الحكم لها، ويحك! إنَّما تأخذ في شعاب الرجم وتضرب في مفاوز الحدس!، فحتى متى تقذف بالغيب وترجم بالظنون؟! وإنَّ فجرك هذا

١١٨

ليمثِّل جهلك بمذاهب الشيعة، وإنَّك لم تقف على شيء من كتبهم في شيء من العلوم، فهل يكون الجهل عندك مناطاً للحكم؟ وهل يصلح الحدس السوفسطائي والفلسفة الخيالية أن تكون من الأدلة في هذا المقام؟ ولو سألك سائل عن الدليل على دعواك هذه، أكان عندك غير الوهم والخيالات والرجم بالمغيَّبات كعادتك المستمرة حين تنقل عن الشيعة ما تقتضيه فلسفتك المدهشة؟ فأربع أيُّها الإنسان على ضلعك، واعرف قصور ذرعك، وتأخَّر حيث أخَّرك القدر، فما عليك غلبة المغلوب ولا لك ظفر الظافر.والزيدية والإمامية من شيعة آل محمد، وقد تساهما الوفاء وتقاسما الصفا ؛ فللزيدية منَّا عهد لا يذم، ولنا منهم ودٌّ لا يتَّهم، سواء كانوا أعدل أو كنا نحن أفضل، والله المسؤول أن يجمع قلوب سائر المسلمين من شيعيّين وسنِّيين فإنَّما هم كافَّة إخوان في الدين لو سلموا من وساوس الشياطين.

الإمامية تقول بعودة إمام منتظر

اتفق الخلف والسلف من أُمّة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على انتظار إمام يخرج في آخر الزمان.وقد قال أهل السُّنة(١) : تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخروجه، وأنَّه من أهل بيته، وأنَّه يملك سبع سنين، وأنَّه يملأ الأرض عدلا، وأنَّه يخرج معه عيسى (على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام) فيساعده على قتل الدجَّال بباب لد بأرض فلسطين، وأنَّه يؤمُّ هذه الأُمّة ويصلِّي عيسى خلفه اه-.

وقد أخرج مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي وآخرون، بأسانيدهم الصحيحة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (المهدي من عترتي من ولد فاطمة) اه-.

وأخرج أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة: (لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم لبعث الله فيه رجلاً من عترتي)، وفي رواية: (رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً)، وفي رواية لمَن عدا الأخير: (لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي)، وفي أُخرى لأبي داود والترمذي: (لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلاً من أهل بيتي)، إلى أن قال: (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلما).وأخرج أحمد وغيره: (المهدي منَّا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة).وأخرج الطبراني:

____________________

(١) واللفظ لهم أورده ابن حجر في التنبيه الذي ذكره في آخر الآية ١٢ من الفصل الأول، من الباب ١١، من الصواعق، فراجع: ص ٩٩ من النسخة المطبوعة سنة ١٣٢٤ بالمطبعة الميمنية بمصر.

١١٩

(المهدي منا يختم الدين به كما فتح بنا).وأخرج الحاكم في صحيحه: (يحلُّ بأُمَّتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلاطينهم لم يسمع بلاء أشدَّ منه حتى لا يجد الرجل ملجأ، فيبعث الله رجلاً من عترتي أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يحبه ساكن الأرض وساكن السماء.وترسل السماء قطرها وتخرج الأرض نباتها ؛ لا تَمسِكُ فيها شيئا.يعيش فيهم سبع سنين أو ثمانياً أو تسعاً يتمنَّى الأحياء الأموات ممَّا صنع الله بأهل الأرض من خيره).وروى الطبراني والبزار نحوه، وفيه: (يمكث فيهم سبعاً أو ثمانياً، فإن أكثر، فتسعاً).وفي رواية لأبي داود والحاكم: (يملك فيكم سبع سنين)، وفي أُخرى للترمذي: (إنَّ في أمتي المهدي يخرج (إلى أن قال:) فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني، أعطني، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله).وأخرج أحمد ومسلم: (يكون في آخر الزمان خليفة يحثي المال حثياً ولا يعدُّه عدَّا).وأخرج ابن ماجه: (يخرج ناس من المشرق، فيوطئون للمهدي سلطانه).

وأخرج ابن ماجه أيضا: بينا نحن عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا اقبل فئة من بني هاشم، لمَّا رآهمصلى‌الله‌عليه‌وآله اغرورقت عيناه وتغيَّر لونه، قال: فقلت ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنَّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنَّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء شديداً وتطريدا، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها قسطاً كما ملأوها جوراً.فمَن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حَبْواً على الثلج ؛ فإنَّ فيها خليفة الله المهدي) اه-.وأخرج أحمد عن ثوبان مرفوعاً: (إذا رأيتم الرايات السود قد خرجت من خراسان، فأتوها ولو حَبْواً على الثلج ؛ فإنَّ فيها خليفة الله المهدي) اه-.

وأخرج نصير بن حماد مرفوعاً: (هو رجل من عترتي يقاتل على سنَّتي كما قاتلت أنا على الوحي).وأخرج أبو نعيم: (ليبعثنَّ الله رجلاً من عترتي أفرق الثنايا، أجلى الجبهة، يملأ الأرض عدلاً يفيض المال فيضا).وأخرج الروياني والطبراني وغيرهما: (المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدرِّي، اللون لون عربي والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يرضى بخلافته أهل السماء وأهل الأرض والطير في الجو) الحديث.وأخرج الطبراني مرفوعاً: يلتفت المهدي وقد نزل عيسى بن مريمعليه‌السلام كأنَّما يقطر من شعره الماء، فيقول المهدي: تقدَّم فصلِّ بالناس، فيقول عيسى: إنَّما أُقيمت الصلاة لك، فيصلِّي خلف رجلٍ من ولدي) الحديث.وفي صحيح

١٢٠