استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 456

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 456
المشاهدات: 192616
تحميل: 5471


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192616 / تحميل: 5471
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

طبقة المتأخّرين

قال السيوطي بعد الطبقات الأربع :

( ثمّ ألّف في التفسير خلائق ، فاختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال بَتْراً ، فدخل مِن هنا الدخيل والتبس الصحيحُ بالعليل ، ثمّ صار كلّ مَن يسنح له قول يورده ، ومَن يخطر بباله شيءٌ يعتمده ، ثمّ ينقل ذلك عنه مَن يجيء بعده ظانّاً أنّ له أصلاً غير مُلتفتٍ إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح ، ومَن يرجع إليهم في التفسير ، حتّى رأيت مَن حكى في قوله تعالى :( غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ) نحو عشر أقوال ، وتفسيرها باليهود والنصارى هو الوارد عن النبيّ وجميع الصحابة والتابعين وأتباعهم ، حتّى قال ابن أبي حاتم : لا أعلم في ذلك اختلافاً بين المفسّرين ) .

ثمّ قال : بعد الطبقات الخمس :

( ثمّ صنّف بعد ذلك قومٌ برعوا في علومٍ ، فكان كلٌّ منهم يقتصر في تفسيره على الفنِّ الذي يغلب عليه .

فالنحوي تراه ليس له همٌّ إلاّ الإعراب وتكثير الأوجه المحتملة فيه ، ونقل قواعد النحو ومسائله وفروعه وخلافيّاته ، كالزجّاج والواحدي في البسيط ، وأبي حيّان في البحر والنهر...

وصاحب العلوم العقليّة ، خصوصاً الإمام فخر الدين قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وشبهها ، وخرج مِن شيءٍ إلى شيء حتّى يقضي الناظر العجب مِن عدم مطابقة المورد للآية ، وقال أبو حيّان في البحر : جمع الإمام الرّازي في تفسيره أشياءً كثيرةً طويلة لا حاجة بها في علم التفسير ، ولذلك قال بعض العلماء : فيه كلّ شيء إلاّ التفسير.

والمُبتدِع ليس له قصد إلاّ تحريف الآيات وتسويتها على مذهبه الفاسد ، بحيث أنّه متى لاح له شاردةٌ مِن بعيد اقتنصها أو وجد موضعاً له فيه أدنى مجال ، سارع إليه )(١) .

أقـول :

والآن ، فلننظر في أحوال هذه الطبقة من المفسّرين :

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣ .

٣٠١

الزجّاج

فأمّا الزجّاج ، وتراجمه موجودةٌ في وفيات الأعيان ، ومرآة الجنان ، وتاريخ بغداد ، والوافي بالوفيات ، وبغية الوعاة(١) وغيرها...

فقد ذكروا عنه قصّةً فيها الاعتراف بالخيانة والكذب طمعاً في حطام الدنيا ، وذلك ( أنّ القاسم بن عبيد الله ، كان قد وعده أنّه إنْ صار وزيراً أنْ يعطي الزجّاج عشرين ألف ، فلمّا أصبح وزيراً قال للزجّاج : ( أجلِس النّاس وخذ رقاعهم في الحوائج الكبار ، واستجعل عليها ولا تمتنع مِن مسألتي في شيء إلى أنْ يحصل لك القدر ) قال الزجّاج :

( ففعلت ذلك ، وكنت أعرض عليه كلّ يومٍ رقاعاً لي فيها ، وربّما قال لي : كم ضمن لك على هذا ؟ فأقول : كذا وكذا ، فيقول لي : غبنت ، هذا يساوي كذا وكذا ، ارجع فاستزده ، فأُراجع القوم واُماكسهم فيزيدونني ، حتّى أبلغ الحدّ الذي رسمه ، فحصّلت عشرين ألف دينار فأكثر في مدّة ، فقال لي بعد شهورٍ : حصل مال النذر ؟ فقلت : لا ، وجعل يسألني في كلّ شهر هل حصل ؟ فأقول : لا ، خوفاً مِن انقطاع الكسب ، إلى أنْ سألني يوماً فاستحييت مِن الكذِب المتّصل فقلت : قد حصل ببركة الوزير )(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ١ : ٤٩/ ١٣ ، مرآة الجنان ٢ : ١٩٨ السنة ٣١١ ، تاريخ بغداد ٦ : ٨٩/ ٣١٢٦ ، الوافي بالوفيات ٥ : ٣٤٧/ ٢٤٢٦، بغية الوعاة ١ : ٤١١/ ٨٢٥ .

(٢) بغية الوعاة ١ : ٤١١ ـ ٤١٢/ ٨٢٥ .

٣٠٢

أبو حيّان الأندلسي

وأمّا أثير الدين أبو حيّان الأندلسي ، فترجمته في طبقات السبكي ، والوافي بالوفيات ، وبغية الوعاة ، والدرر الكامنة ، وفوات الوفيات وغيرها(١) .

لكنّ أبا حيّان كان يتكلّم في ابن تيميّة ويتهجّم عليه ويرميه بكلّ سوء(٢) وهذا مِن نقائصه ، وهو يوجب الحطّ له من المحبّين لابن تيميّة...

وأبو حيّان ـ كما في( بغية الوعاة ) ـ : ( كان يفتخر بالبخل ، كما يفتخر الناس بالكرم )(٣) وهذه رذيلة عظيمة لا يخفى قُبحها على أحد !!

ومن معايبه ما ذكره الصفدي في( الوافي ) قال :

( كان الشيخ تقيّ الدين قد نزل عن تدريس مدرسة لولده ـ نسيت أنا المدرسة واسم ابنه ـ فلمّا حضر الشيخ أثير الدين درس قاضي القضاة تقيّ الدين ابن بنت الأعز ، قرأ آيةً تفسيرها درْس ذلك اليوم وهي قوله تعالى :( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ ... ) الآية ، فبرز أبو حيّان بين الحلقة وقال : يا مولانا قاضي القضاة ، قدّموا أولادهم ، قدّموا أولادهم ، يكرّر ذلك فقال قاضي القضاة : ما معنى هذا ؟ قال ابن دقيق العيد : نزل لولده فلان عن تدريس المدرسة الفلانيّة ، فنقل المجلس إلى تقيّ الدين ابن دقيق العيد فقال : أمّا أبو

ـــــــــــــــــــ

(١) طبقات السبكي ٩ : ٢٧٦/ ١٣٣٦ ، الوافي بالوفيات ٥ : ٢٦٧/ ٢٣٤٥، بغية الوعاة ١ : ٢٨/ ٥١٦ ، الدرر الكامنة ٤ : ٣٠٢/ ٨٣٢ ، فوات الوفيات ٤ : ٧١/ ٥٠٦ .

(٢) الدرر الكامنة ٤ : ٣٠٨/ ٨٣٢ .

(٣) بغية الوعاة ١ : ٢٨٢/ ٥١٦ .

٣٠٣

حيّان فقيه دعابة أهل الأندلس ومُجونَهم ، وأمّا أنت يا قاضي القضاة ، يُبدَّل القرآن في حضرتك وما تنكر هذا الأمر .

فما كان عن قليل حتّى عزل ابن بنت الأعز من القضاء ابن دقيق العيد ، وكان إذا خلا شيء من الوظائف التي تليق بالشيخ أثير الدين أبي حيّان يقول الناس : هذه لأبي حيّان يخرجها الشيخ تقيّ الدين لغيره .

فهذا هو السبب الموجب لحطّ أبي حيّان وشناعته عليه...) .

وأمّا الفخر الرّازي ، فإنّه وإنْ كان من العلماء الأعلام وتفسيره في غاية الشهرة ، لكنّ السّيوطي تكلّم عليه ، ونقل بعض الكلام فيه ، في( الإتقان ) .

أمّا الذهبي ، فقد قال في( الميزان ) :

( الفخر ابن الخطيب ، صاحب التصانيف ، رأس في الذكاء والعقليّات ، لكنّه عريّ من الآثار ، وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تُورث حيرة نسأل الله أنْ يثبّت الإيمان في قلوبنا ، وله كتاب السرّ المكتوم في مخاطبة النجوم ، سحرٌ صريح ، فلعلّه تاب مِن تأليفه إنْ شاء الله )(١) .

وابن تيميّة ذكر الرّازي في عداد الجبْريّة ، وهذه عبارته :

( ثمّ المثبتون للصّفات ، منهم : مَن يثبت الصّفات المعلومة بالسمع كما يثبت الصفات المعلومة بالعقل ، وهذا قولُ أهل السنّة الخاصّة : أهل الحديث ومَن وافقهم ، وهو قولُ أئمّة الفقهاء وقول أئمّة الكلام مِن أهل الإثبات ، كأبي محمّد بن كلاب ، وأبي العبّاس القلانسي ، وأبي الحسن الأشعري ، وأبي عبد الله ابن مجاهد ، وأبي الحسن الطبري ، والقاضي أبي بكر الباقلاّني ، ولم يختلف في ذلك قول الأشعري وقدماء أصحابه ، لكن المتأخّرين مِن أتباعه كأبي المعالي وغيره لا يثبتون إلاّ الصّفات العقليّة .

وأمّا الجبريّة ، فمنهم مَن ينفيها ومنهم من يتوقّف فيها ، كالرّازي

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٤٠/ ٦٦٨٦ .

٣٠٤

والآمدي وغيرهما ، ونُفاة الصفات الجبريّة ، منهم مِن يتأوّل نصوصها ، ومنهم من يُفوّض معناها إلى الله )(١) .

وجاء ابن حجر في( لسان الميزان ) وفصّل الكلام حول الرّازي بعد كلام الذهبي ، وهذه عبارته :

( الفخر ابن الخطيب صاحب التصانيف ، رأسٌ في الذكاء والعقليّات لكنّه عريّ من الآثار ، وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تُورث حيرة ، نسأل الله أنْ يثبّت الإيمان في قلوبنا ، وله كتاب السرّ المكتوم في مخاطبة النجوم ، سحرٌ صريح ، فلعلّه تاب مِن تأليفه إن شاء الله ، إنتهى .

وقد عاب التاج السبكي على المصنّف ذكره هذا الرجل في هذا الكتاب وقال : إنّه ليس مِن الرواة ، وقد تبرّأ المصنّف من الهوى والعصبيّة في هذا الكتاب ، فكيف ذكر هذا وأمثاله ممّن لا رواية لهم كالسيف الآمدي ، ثمّ اعتذر عنه بأنّه يرى أنّ القدْح في هؤلاء مِن الديانة ، وهذا بعينه التعصّب في المعتقد ، والفخر كان من أئمّة الأُصول ، وكتبه في الأصلَين شهيرةٌ سائرة ، وله ما يُقبل وما يُرَد ، وقد ترجم له جماعة من الكبار بما ملخّصه:

أنّه ولِد سنة ٥٤٣ وأشتغل على والده ، وكان من تلامذة البغوي ، ثمّ اشتغل على الكمال السمناني ، وتمهّر في عدّة علوم ، وعقد مجلس الوعظ ، وكان إذا وعَظ يحصل له وجدٌ زائد ، ثمّ أقبل على التصنيف ، فصنّف : التفسير الكبير ، والمحصول في أُصول الفقه ، والمعالم ، والمطالب العالية ، والأربعين ، والخمسين ، والملخّص ، والمباحث المشرقيّة ، وطريقةٌ في الخلاف ، ومناقب الشافعي .

وكان في أوّل أمره فقيراً ، ثمّ اتّفق أنّه صاهَر تاجراً متموّلاً وله ولدَان

ـــــــــــــــــــ

(١) منهاج السنّة ٢ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ .

٣٠٥

فزوّجهما ابنتيه ، ومات التاجر ، فتقلّب الفخر في ذلك المال وصار مِن رؤساء ذك الزّمان ، يقوم على رأسه خمسون مملوكاً بمناطق الذهب وحُلّل الوشي ؛ قاله ابن الرسب في تاريخه قال : وكانت له أوراد مِن صلاة وصيام لا يخلّ بها ، وكان مع تبحّره في الأُصول يقول : من التزم دين العجائز فهو الفائز ، وكان يُعاب بإيراد الشبه الشديد ويقصّر في حلّها ) .

( وقد ذكره ابن دحية بمدحٍ وذمّ ، وذكره أبو شامة فحكى عنه أشياء رديّة ، وكانت وفاته بهراة ، يوم عيد الفطر سنة ستٍّ وستمئة .

ورأيت في الإكسير في علم التفسير للنجم الطوفي ما ملخّصه : ما رأيت في التفاسير ، أجمع لغالب علم التفسير من القرطبي ، ومن تفسير الإمام فخر الدين ، إلاّ أنّه كثير العيوب ، فحدّثني شرف الدين النصيبي عن شيخه سراج الدين السرمياحي المصري ، أنّه صنّف كتاب المآخذ في مجلّدين ، بيّن فيهما ما في تفسر الفخر من الزيف والبَهرَج ، وكان ينقم عليه كثيراً ويقول : يورد شبه المخالفين في المذهب ، والدين على غاية ما يكون من التحقيق...

قال الطوفي : ولعَمري إنّ هذا دأبه في كتبه الكلاميّة والحكميّة حتّى اتّهمه بعض النّاس ، ولكنّه خلاف ظاهر حاله ؛ لأنّه لو كان اختار قولاً أو مذهباً ما كان عنده مَن يَخاف منه حتّى يتستّر عنه ، ولعلّ سببه أنّه كان يستفرغ قِواه في تقرير دليل الخصم ، فإذا انتهى إلى تقرير دليل نفسه لا يبقى عنده شيء مِن القوى ، ولا شكّ أنّ القوى النفسانيّة تابعة للقوى البدنيّة ، وقد صرّح في مقدّمة نهاية العقول أنّه يقرّر مذهب خصمه تقريراً ، لو أراد خصمه أنْ يقرّره لم يقدر على الزيادة على ذلك .

٣٠٦

وذكر ابن خليل السكوني في كتابه الرد على الكشّاف : أنّ ابن الخطيب قال في كتبه في الأُصول : أنّ مذهب الجبر هو الصحيح ، وقال بصحّة بقاء الأعراض وبنفي صفات الله الحقيقيّة ، ويزعم أنّها مجرّد نسبٍ وإضافات كقول الفلاسفة ، وسلك طريق أرسطو في دليل التمانع ، ونقل عن تلميذه التاج الأرموي أنّه نصر كلامه ، فهجره أهل مصر وهمّوا به فاستتر ، ونقلوا عنه أنّه قال : عندي كذا وكذا مئةُ شبهةٍ على القول بحدوث العالم ، ومنها ما قاله شيخه ابن الخطيب في آخر الأربعين ، والمتكلّم يستدلّ على القِدم بوجوب تأخّر الفعل ولزوم أوليّته ، والفيلسوف يستدلّ على قِدمه باستحالة تعطّل الفاعل عن أفعاله .

وقال في شرح الأسماء الحسنى : أنّ من أَخَّرَ عقاب الجاني مع عِلمه بأنّه سيعاقبه فهو الحقود وقد تعقّب بأنّ الحقود من أخّر مع العجز ، أمّا مع القدرة فهو الحكيم ، والحقود إنّما في حقّ المخلوقين دون الخالق بالإجماع .

ثمّ أسند عن ابن الطبّاخ : أنّ الفخر كان شيعيّاً ، يقدّم محبّة أهل البيت كمحبّة الشيعة ، حتّى قال في بعض تصانيفه : وكان عليّ شجاعاً بخلاف غيره ، وعابَ عليه تسميته لتفسيره( مفاتيح الغيب ) ، ولمختصره في المنطق بـ( الآيات البيّنات ) ، وتقريره لتلامذته في وصفه : بأنّه الإمام المجتبى ، أُستاذ الدنيا ، أفضل العالم ، فخر ابن آدم ، حجّة الله على الخلق ، صدر صدور العرب والعجم هذا آخر كلامه )(١) انتهى .

وقال الشيخ عبد الوهّاب الشعراني في( إرشاد الطالبين إلى مراتب العلماء الكاملين ) :
( وقد طلب الشيخ فخر الدين الرّازي الطريق إلى الله تعالى ، فقال له الشيخ نجم الدين الكبرى : لا تطيق مفارقة صنمك الذي هو علمك ، فقال : يا

ـــــــــــــــــــ

(١) لسان الميزان ٥ : ٤٣٠ ـ ٤٣٥/ ٦٥٧١ .

٣٠٧

سيّدي ، لابدّ إْن شاء الله تعالى ، فأدخله الشيخ الخلوة وسلبه جميع ما معه مِن العلوم ، فصاح في الخلوة بأعلى صوته : لا أُطيق فأخرجه وقال : أعجبني صدقك وعدم نفاقك ) .

أبو عبد الرحمان السّلَمي

أقـول :

ومن أعلام المفسّرين عند القوم : أبو عبد الرحمان السلَمي ، وهو مِن كبار مشايخ الصوفيّة ، قال اليافعي بترجمته :

( الشيخ الكبير ، العارف بالله الشهير ، الحافظ أبو عبد الرحمان محمّد بن الحسين بن موسى النيسابوري السلَمي الصوفي ، صحب جدّه أبا عمرو بن نجيد ، وسمع الأصم وطبقته ، وصنّف التفسير والتاريخ وغير ذلك ، وبلغت مصنّفاته مئة .

وقال الخطيب : قدر أبي عبد الرحمان عند أهل بلده جليل )(١) .

وفي( الأنساب ) :

( صاحب التصانيف للصوفيّة التي لم يسبق إليها ، وكان مُكثراً مِن الحديث )(٢) .

وقال عبد الغافر في( تاريخ نيسابور ) :

( شيخ الطريقة في وقته ، الموفّق في جمع علوم الحقائق ومعرفة طريق التصوّف ،.. وقد ورث التصوّف عن أبيه وجدّه ، وجمع مِن الكتب ما لم يسبق إلى ترتيبه )(٣) .

ـــــــــــــــــــ

(١) مرآة الجنان ٣ : ٢١ السنة ٤١٢ .

(٢) الأنساب ٣ : ٢٧٩ .

(٣) المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور : ١٩/ ٤ .

٣٠٨

وقال أبو نعيم في( الحلية ) :

( ومنهم : ذو الصيام والقيام ، مُقري الأئمّة والأعلام مدى السّنين والأعوام ، في التعبّد لبيب وفي التعليم أريب ، أبو عبد الرحمان السلَمي )(١) .

فالعجب كلّ العجب !! أنْ يكون هذا الصّوفيّ المتعبّد والعارف الكبير ، كذّاباً مفترياً يضع الحديث على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال ابن الجوزي في( تلبيس إبليس ) في حال الصوفيّة :

( وما زال إبليس يخطبهم بفنون البدع ، حتّى جعلوا لأنفسهم سنناً ، وجاء أبو عبد الرحمان السّلَمي فصنّف لهم كتاب السنن ، وجمع لهم حقائق التفسير ، فذكر عنهم فيه العجب في تفسيرهم القرآن بما يقع لهم ، مِن غير إسناد ذلك إلى أصلٍ من أُصول العلم ، وإنّما حملوه على مذاهبهم ، والعجب مِن ورعهم في الطعام وانبساطهم في القرآن ، وقد أخبرنا أبو منصور بن عبد الرحمان القزّاز قال : أخبرنا أبو بكر الخطيب قال : قال لي محمّد بن يوسف القطّان النيسابوري : كان أبو عبد الرحمان السلَمي غير ثقة ، ولم يكن سمِع مِن الأصم إلاّ شيئاً يسيراً ، فلمّا مات الحاكم أبو عبد الله ابن البيّع ، حدّث عن الأصم بتاريخ يحيى بن معين وبأشياءٍ كثيرةٍ سواه ، وكان يضع للصوفيّة الأحاديث )(٢) .

وقال المناوي :

( نقل الذهبي وغيره عن الخطيب عن القطّان : إنّه كان يضع للصوفيّة وفي اللسان كأصله إنّه ليس بعمدة )(٣) .

ـــــــــــــــــــ

(١) حلية الأولياء ٤ : ١٩١/ ٢٧٥ .

(٢) تلبيس إبليس ١٨٨ ـ ١٨٩ .

(٣) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ١ : ١٨٩ .

٣٠٩

وفي( الميزان ) :

( محمّد بن الحسين أبو عبد الرحمان السلَمي النيسابوري ، شيخ الصوفيّة وصاحب تاريخهم وطبَقَاتهم وتفسيرهم تكلّموا فيه وليس بعمدة روى عن الأصم وطبقته ، عني بالحديث ورجاله ، وسأل الدارقطني .

قال الخطيب : قال لي : محمّد بن يوسف القطّان كان يضع الأحاديث للصوفيّة )(١) .

وقال السبكي عن الذهبي أنّه قال : ( له كتابٌ سمّاه حقائق التفسير ، ليته لم يصنِّفه ، فإنّه تحريفٌ وقرمطةٌ )(٢) .

وقال السيوطي في( الإتقان ) :

( قال ابن الصلاح في فتاويه : وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحدي المفسّر أنّه قال : صنّف أبو عبد الرحمان السلَمي [شيخ القشيري] حقائق التفسير ، فإنْ كان قد اعتقد أنّ ذلك تفسير فقد كفر )(٣) .

وفي( منهاج السنّة ) في غير موضع :

إنّ ما ينقل في كتاب حقائق التفسير عن الإمام جعفر الصادق عامّته كذب عليه .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزا الاعتدال ٣ : ٥٢٣/ ٧٤١٩ .

(٢) طبقات الشافعيّة ٤ : ١٤٧/ ٣٢٠ .

(٣) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٢٣ .

٣١٠

الباب الثالث : الصِّحاح الستّة

مقـدّمة

الصحّاح عند أهل السنّة

أعلم أنّ الصحاح الستّة عند أكثر أهل السنّة هي الموطّأ وكتب : البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي ، إلاّ أنّها ليست في مرتبةٍ واحدة ، فقد ذكر الشاه وليّ الله الدهلوي في كتاب( حجّة الله البالغة ) : أنّ الطبقة الأُولى من كتب الحديث هي : الموطّأ وصحيح البخاري وصحيح مسلم ، ولعلّ أصحّها هو الموطّأ ، والطبقة الثانية هي : جامع الترمذي وسُنن أبي داود وسُنن النسائي ، فإنّ هذه وإنْ لم تكن في مرتبة الصحيحين إلاّ أنّها قريبة منها .

ولم يجعل صاحب( جامع الأُصول ) كتاب ابن ماجة في عِداد الصّحاح ، وإنّما جعل الموطّأ منها ، قال الشيخ عبد العزيز الدهلوي في رسالته في( أصول الحديث ) : ( والحق معه ) ، ثمّ نقل عن والده ولي الله أنّ( مسند أحمد ) أيضاً في هذه المرتبة ، لكونه أصلاً في معرفة الصحيح مِن السقيم ، وبه يُعرف ماله أصل عمّا ليس له أصل .

وعلى كلّ حالٍ ، فلا خلاف في تقدّم كتاب البخاري ومسلم على سائر كتبهم الحديثيّة .

قدح الفيض آبادي في الصحيحين .

وينبغي ـ قبل الورود في تحقيق حال الصحيحين وصاحبيهما مِن كلمات أعلام القوم ـ أنْ نذكر رأي ( المخاطب ) نفسه فيهما ، وذلك : أنّه لمّا أُلزم ببعض

الأحاديث المخرَّجة في الكتابين ، اضطرّ في كتابه( إزالة الغين ) إلى تكذيبها والطعن فيهما .

فكذّب حديث( إيتوني بدواةٍ وقرطاس ) وحكى عن الآمدي في مسنده القول بأنّ حديث القرطاس لا أساس له .

٣١١

وكذّب حديث( فدك ) ونقل عن أبي السعادات ابن الأثير قوله في مقدّمة( جامع الأُصول ) في ذكر المجروحين : ( ومنهم : قومٌ وضعوا الحديث لهوىً يدعون الناس إليه ، فمنهم مَن تاب عنه وأقرّ على نفسه ، قال شيخ مِن شيوخ الخوارج بعد أنْ تاب : إنّ هذه الأحاديث دِين ، فانظروا ممّن تأخذون دينكم ، فإنّا كنّا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثاً .

وقال أبو العيناء : وضعت أنا والجاحظ حديثَ فدك ، وأدخلناه على الشيوخ ببغداد ، فقبلوه، إلاّ ابن أبي شيبة العلوي ، فإنّه قال : لا يشبه آخر هذا الحديث أوّله ، وأبى أنْ يقبله...) .

فأين صارت دعوى إجماع الأُمّة على صحّة ما في الكتابين ؟ وأين راحت تلك الفضائل والمناقب التي يزعمونها لهما ، والخرافات التي يلفّقونها لصاحبيهما ؟ وأين ذهبت شدّة احتياط البخاري لدى كتابة الأحاديث وتدوين صحيحه ، حتّى أنّه لم يخرّج فيه شيئاً عن صادق أهل البيتعليه‌السلام !! مع روايته عن الكذّابين والنواصب والخوارج : كإسحاق بن سُويد ، وحريز بن عثمان ، وعمران بن حطّان ، وحصين بن نمير ، وعبد الله بن سالم ، وعكرمة مولى ابن عبّاس ، وقيس بن أبي حازم ، ووليد بن كثير ، وأمثالهم ، كما لا يخفى على ناظر( ميزان الاعتدال ) وغيره من كتب الرجال ؟ !

عجيبٌ أمر هؤلاء !!

إذا أرادوا تصحيح أحاديث هذين الكتابين والاستدلال بها أمام الإماميّة ، بالغوا في مدحهما حتّى كفّروا مَن تكلّم فيهما وهوّن أمرهما ، قال شاه وليّ الله في كتاب( حجة الله البالغة ) :

( وأمّا الصحيحان ، فقد اتّفق المحدّثون على أنّ جميع ما فيهما مِن المتّصل المرفوع صحيحٌ بالقطع ، وأنّهما متواتران إلى مصنّفهما ، وأنّه كلّ مَن يهوّن أمرهما فهو مُبتدِع متّبِع غير سبيل المؤمنين ) .

وحتّى وضعوا ما يدلّ على جلالتهما وعظمتهما على لسان النبيّ الصادق الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !! لقد جاء في( الدر الثمين في مبشّرات النبيّ الأمين ) لشاه وليّ الله الدهلوي .

٣١٢

( الحديث الثالث والثلاثون : أخبرني الشيخ أبو طاهر قال : أخبرنا الشيخ أحمد النخلي قال : أخبرنا شيخنا السيّد السند أحمد بن عبد القادر قال : أخبرنا الشيخ جمال القيرواني ، عن شيخه الشيخ يحيى الخطّاب المالكي قال : أخبرنا عمّي الشيخ برَكَات الخطّاب ، عن والده ، عن جدّه الشيخ محمّد بن عبد الرحمان الخطّاب شارح مختصر الخليل قال :

مشينا مع شيخنا العارف بالله تعالى الشيخ عبد المعطي التونسي لزيارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا قربنا من الروضة الشريفة ترجّلنا ، فجعل الشيخ عبد المعطي يمشي خطوات ويقف ، حتّى وقف تجاه القبر الشريف ، فتكلّم بكلامٍ لم نفهمه ، فلمّا انصرفنا سألناه عن وقَفَاته فقال : كنت أطلب الإذن مِن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القدوم عليه ، فإذا قال لي أقدم قدمت ساعة ، ثمّ وقفت وهكذا حتّى وصلت إليه فقلت : يا رسول الله ، أكلّما روى البخاري عنك صحيح ؟

فقال : صحيح فقلت له : أرويه عنك يا رسول الله ؟

قال : أروه عنّي .

وقد أجاز الشيخ عبد المعطي نفعنا الله تعالى به الشيخ محمّد الخطّاب أنْ يرويه عنه ، وهكذا كلّ واحد أجاز من بعده ، وأجاز السيّد أحمد بن عبد القادر النخلي أنْ يرويه عنه بهذا السند ، وأجاز النخلي لأبي طاهر ، وأجاز أبو طاهر لنا .

ووجدت هذا الحديث بخطّ الشيخ عبد الحقّ الدهلوي بإسنادٍ له عن الشيخ عبد المعطي بمعناه ، وفيه : فلمّا فرغ مِن الزيارة وما يتعلّق بها ، سأله أنْ يروي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صحيح البخاري وصحيح مسلم ، فسمع الإجازة من النبيّ ، فذكر صحيح مسلم أيضاً ) .

كما ذكروا مناماتٍ فيها أمَر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدراسة كتاب البخاري ،!! فراجع( مقدّمة فتح الباري ) (١) .

ثمّ إنّه قد نصّ بعضهم على أنّ أحاديث الكتابين هي الدليل عندهم على أنَّ فرقتهم هي الفرقة الناجية في القيامة ، يقول المناوي بشرح حديث : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة... ) :

ـــــــــــــــــــ

(١) هدي الساري ـ مقدمة فتح الباري : ٥ .

٣١٣

 ( فإنْ قيل : ما وثوقك بأنّ تلك الفرقة الناجية هي أهل السنّة والجماعة ، مع أنّ كلّ واحدٍ مِن الفِرَق يزعم أنّه هي دون غيره ؟

قلنا : ليس ذلك بالإدّعاء والتشبّث باستعمال الوهم القاصر والقول الزاعم ، بل بالنقل عن جهابذة أهل الصنعة ، وأئمّة الحديث الذين جمعوا صِحاح الأحاديث في أمر المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحواله وأفعالهوحَرَكاته وسَكَناته ، وأحوال الصحب والتابعين ، كالشيخين وغيرهما من الثقات المشاهير ، الذين اتّفق أهل المشرق والمغرب على صحّة ما في كتبهم.....) (١) .

فكان المدرك لكون أهل السنّة هم الفرقة الناجية ما رواه الشيخان البخاري ومسلم ، في كتابيهما المعروفين بالصحيحين...

وإذا سقط الكتابان عن الاعتبار ، لاشتمالهما على الأخبار الموضوعة والمكذوبة ، بطل دعواهم على كونهم الفرقة الناجية ، وانهدم أساس مذهبهم ، وتلك هي الكارثة العظيمة...

وبعد :

فهذا بعض الكلام على الكتب المذكورة وأصحابها :

ـــــــــــــــــــ

(١) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ٢ : ٢٠ ـ ٢١ .

٣١٤

صحيح البخاري

أما صحيح البخاري ، فإنّ أوّل شيء نذكره حوله ، هو أنّ أبا زرعة وأبا حاتم الرّازيين قد تركا البخاري ومنعا مِن الرواية عنه والأخذ منه .

ترك أبي زرعة وأبي حاتم البخاري

ففي( طبقات السبكي ) عن تقيّ الدين ابن دقيق العيد أنّه قال : ( أعراض المسلمين حفرةٌ مِن حُفَر النار ، وقَف على شفيرها طائفتان مِن الناس : المحدّثون والحكّام ) فقال السبكي :

( قلت : ومِن أمثلته قول بعضهم في البخاري : تركه أبو زرعة وأبو حاتم مِن أجل مسألة اللفظ فيا لله وللمسلمين ! أيجوز لأحدٍ أنْ يقول : البخاري متروك ؟ وهو حامل لواء الصناعة ، ومقدَّم أهل السنّة والجماعة )(١) .

وأورد الذهبي البخاريّ في كتاب( الضعفاء والمتروكين ) ، فقال المناوي متضجّراً مِن ذلك :

( زين الأُمّة ، افتخار الأئمّة ، صاحب أصحّ الكتب بعد القرآن ، صاحب ذيل الفضل على ممرّ الزمان ، الذي قال فيه إمام الأئمّة ابن خزيمة : ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث منه ، وقال بعضهم : إنّه آية مِن آيات الله يمشي على وجه الأرض .

قال الذهبي : كان مِن أفراد العالم مع الدين والورع والمتانة .

ـــــــــــــــــــ

(١) طبقات الشافعيّة ٢ : ٢٣٠ ، سير أعلام النبلاء ١٢ : ٤٦٢ .

٣١٥

هذا كلامه في الكاشف ومع ذلك غلب عليه الغض مِن أهل السنّة ، فقال في كتاب الضعفاء والمتروكين : ما سلِم من الكلام ، لأجل مسألة اللّفظ ، تركه لأجلها الرازيّان .

هذه عبارته ، وأستغفر الله تعالى ، نسأل الله تعالى السلامة ، ونعوذ به مِن الخذلان )(١) .

وقال في( ميزان الاعتدال ) بترجمة عليّ بن المديني :

( عليّ بن عبد الله بن جعفر بن الحسن ، الحافظ ، أحد الأعلام الأثبات وحافظ العصر.

ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء فبئس ما صنع فقال : جنح إلى ابن أبي دؤاد والجهميّة ، وحديثه مستقيم إنْ شاء الله ، قال لي عبد الله بن أحمد : كان أبي حدّثنا عنه ، ثمّ أمسك عن اسمه وكان يقول حدّثنا رجلٌ ، ثمّ ترك حديثه بعد ذلك .

قلت : بل حديثه عنه في مسنده .

وقد تركه إبراهيم الحربي ، وذلك لميله إلى أحمد بن أبي دؤاد ، فقد كان مُحسناً إليه.

وكذا امتنع مِن الرواية عنه في صحيحه لهذا المعنى ، كما امتنع أبو زرعة وأبو حاتم من الرواية عن تلميذه محمّد لأجل مسالة اللّفظ .

وقال عبد الرحمان ابن أبي حاتم : كان أبو زرعة ترك الرواية عنه مِن أجل ما كان منه في المحنة...)(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ١ : ٢٤ .

(٢) ميزان الاعتدال ٥ : ١٦٧ / ٥٨٨٠ .

٣١٦

ترجمة أبي زرعة الرازي

وأبو زرعة الرّازي ، المتوفّى سنة ٢٦٤ ، مِن أعلام أئمّة القوم :

قال الذهبي : ( م ت س ق ـ عبيد الله بن عبد الكريم ، أبو زرعة الرّازي ، الحافظ ، أحد الأعلام ، عن أبي نعيم والقعنبي وقبيصة وطبقتهم في الآفاق وعنه : م ت س ق ، وأبو عوانة ، ومحمّد بن الحسين ، والقطّان ، وأُمم .

قال ابن راهويه : كلّ حديثٍ لا يعرفه أبو زرعة فليس له أصل .

مناقبه تطول )(١) .

وقال ابن حجر : ( م ت س ق ـ عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ ، أبو زرعة الرّازي ، إمامٌ ، حافظٌ ، ثقةٌ ، مشهورٌ ، من الحادية عشرة )(٢) .

وقال اليافعي : ( الحافظ ، أحد الأئمّة الأعلام... قال أبو حاتم : لم يخلّف بعده مثله ، علماً وفقهاً وصيانةً وصدقاً ، وهذا ممّا لا يرتاب فيه ، ولا أعلم مِن المشرق والمغرب مَن كان يفهم هذا الشأن مثله وقال إسحاق بن راهويه : كلّ حديث لا يحفظه أبو زرعة ليس له أصل )(٣) .

وقال الخطيب البغدادي : ( عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ ، أبو زرعة الرازي... كان إماماً ربّانيّاً متقناً حافظاً مُكثراً صادقاً قدِم بغداد غير مرّة ، وجالَس أحمد بن حنبل وذاكره وحدّث ، فروى عنه من البغداديّين : إبراهيم بن إسحاق الحربي ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل ، وقاسم بن زكريّا

ـــــــــــــــــــ

(١) الكاشف ٢ : ٢٢٣ / ٣٦٠٧ .

(٢) تقريب التهذيب ١ : ٤٩٧ / ٤٨٥٠ .

(٣) مرآة الجنان ٢ : ١٣١ .

٣١٧

المطرز... حدّثني الأزهري ، حدّثنا عبيد الله بن محمّد العكبري قال : سمعت أحمد بن سلمان قال : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنْبل قال : لمّا ورد علينا أبو زرعة نزل عندنا ، فقال لي أبي : يا بنيّ ، قد اعتضت بنوافلي مذاكرة هذا الشيخ .

أخبرني إبراهيم بن عمر البرمكي : حدّثنا عبيد الله بن محمّد بن محمّد ابن حمدان العكبري ، حدّثنا أبو حفص عُمر بن محمّد بن رجاء قال : سمعت عبد الله ابن أحمد بن حنبل يقول : لمّا قدِم أبو زرعة نزل عند أبي ، فكان كثير المذاكرة له ، فسمعت أبي يوماً يقول : ما صلّيت غير الفرض ، استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي .

أخبرني محمّد بن أحمد بن يعقوب ، أخبرنا محمّد بن نعيم الضبي ، حدّثنا أحمد بن الحسين القاضي عن بعض شيوخه قال : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول : قلت لأبي : يا أبتِ مَنِ الحفّاظ ؟ قال : يا بني ، شبابٌ كانوا عندنا مِن أهل خراسان وقد تفرّقوا ، قلت : مَن هُم يا أبتِ ؟ قال : محمّد ابن إسماعيل ذاك البخاري ، وعبيد الله بن عبد الكريم ذاك الرّازي ، وعبد الله بن عبد الرحمان ذاك السمرقندي ، والحسن بن شجاع ذاك البلخي أخبرني محمّد بن عليّ المُقرئ ، أخبرنا أبو مسلم ابن مهران ، أخبرنا عبد المؤمن بن خلف النسفي قال : سمعت أبا عليّ صالح بن محمّد يقول : سمعت أبا زرعة يقول : كتبت عن رجلين مِئتي ألف حديث ، كتبت عن إبراهيم الفرّاء مِئة ألف حديث ، وعن ابن أبي شيبة عبد الله مِئة ألف حديث .

أخبرني أبو زرعة روح بن محمّد الرّازي ـ إجازة شافهني بها ـ أخبرنا عليّ ابن محمّد بن عمر القصّار ، حدّثنا عبد الرحمان بن أبي حاتم قال : قلت لأبي زرعة : تحزر ما كتبت عن إبراهيم بن موسى مِئة ألف ؟ قال : مِئة ألف كثير ، قلت : فخمسين ألفاً ؟ قال : نعم ، وستّين ألفاً ، وسبعين ألفاً أخبرني مِن عدّ كتاب الوضوء والصلاة فبلغ ثمانية عشر ألف حديث .

أخبرنا أبو بكر البرقاني قال : قال محمّد بن العبّاس العصمي ، حدّثنا يعقوب ابن إسحاق بن محمود الفقيه قال : حدّثنا صالح بن محمّد الأسدي قال : حدّثني سلمة بن شبيب ، حدّثني الحسن بن محمّد بن أعيَن ، حدّثنا زهير بن معاوية قال : حدّثتنا أُمّ عمرو بنت شمر قالت : سمعت سويد بن غفلة يقرأ( وعيسٌ عين ) يريد حور عين .

٣١٨

قال صالح : ألقيت هذا على أبي زرعة فبقي مُتعجّباً ، وقال : أنا أحفظ في القراءات عشرة آلاف حديث ، قلت : فتحفظ هذا ؟ قال : لا .

أخبرنا أبو القاسم رضوان بن محمّد بن الحسن الدينوري : حدّثنا أبو عليّ حمد بن عبد الله الأصبهاني قال : سمعت أبا عبد الله عمر بن محمّد بن إسحاق العطّار يقول : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول : سمعت أبي يقول : ما جاوَز الجسر أفقه من إسحاق بن راهويه ، ولا أحفظ مِن أبي زرعة .

حدّثنا أبو طالب يحيى بن عليّ بن الطيّب الدسكري ـ لفظاً بحلوان ـ أخبرنا أبو بكر ابن المُقرئ ـ بأصبهان ـ حدّثنا عبد الله بن محمّد بن جعفر القزويني ـ بمصر ـ قال : سمعت أبا حفص عمر بن مقلاص يقول : كان أبو زرعة هاهنا عندنا بمصر ـ سنة تسع وعشرين ومِئتين ـ إذا فرغ مِن سماع ابن بكير وعمرو بن خالد والشيوخ ، اجتمع إليه أصحاب الحديث ، فيُملي عليهم وهو ابن سبع وعشرين سنة .

وقال عبد الله : سمعت يزيد بن عبد الصمد يقول : قدِم علنيا أبو زرعة الرّازي سنة ثمانٍ وعشرون فما رأينا مثله ، وكنّا نجلس إليه ، فلمّا أراد الخروج قلت له : يا أبا زرعة ، اجعلني خليفتك في هذه الحلقة ، قال : فقال لي : قد جعلتك .

قال عبد الله : سمعت محمّد بن عوف يقول : قدِم علينا أبو زرعة فما ندري ممّا يتعجّب منه ؟ ! ممّا وهب الله له مِن الصيانة والمعرفة ، مع الفهم الواسع قال محمّد : قال لي أبو زرعة : ولِدْتُ سنة مِئتين .

أخبرنا أبو زرعة الرازي ـ إجازة ـ أخبرنا عليّ بن محمّد بن عمر القصار حدّثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال : سمعت أبا زرعة يقول : أردت الخروج من مصر ، فجئت لأُودّع يحيى بن عبد الله بن بكير فقلت: تأمر بشيء ؟ فقال : أخلف الله علينا بخير.

أخبرنا عليّ بن محمّد المقرئ: أخبرنا صالح بن أحمد بن محمّد الهمذاني الحافظ، أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان المرزبان، قال: قال أبو حاتم الرازي: إذا رأيت الرازي وغيره يبغض أبا زرعة فاعلم أنّه مبتدع.

٣١٩

أخبرنا أبو سعد الماليني ـ قراءة ـ حدّثنا عبد الله ابن عدي الحافظ قال : سمعت محمّد بن إبراهيم المُقرئ يقول : سمعت فضلك الصائغ يقول : دخلت المدينة ، فصرت الى باب أبي مصعب ، فخرج إليّ شيخ مخضوب ـ وكنت أنا ناعساً فحرّكني ـ فقال : يا مردريك ، من أين أنت ؟ لأيّ شيء تنام ؟ فقلت : أصلحك الله ، مِن الريّ ، مِن بعض شاكردي أبي زرعة ، فقال : تركت أبا زرعة وجئتني ؟ ! لقيت مالك بن أنَس وغيره ، فما رأت عيناني مثله .

وقال أيضاً : سمعت فضلك الصائغ يقول : دخلت على الربيع بمصر ، فقال لي : من أين أنت ؟ قلت : من أهل الري ـ أصلحك الله ـ من بعض شاكردي أبو زرعة فقال : تركت أبا زرعة وجئتني ؟ ! إنّ أبا زرعة آية ، وإنّ الله إذا جعل إنساناً آية أبان مِن شكله حتّى لا يكون له ثان .

حدّثنا أبو طالب الدسكري ، أنبأنا أبو بكر ابن المُقرئ ، حدّثنا عبد الله بن محمّد بن جعفر القزويني قاضي الرملة ـ بمصر ـ قال : سمعت يونس بن عبد الأعلى سنة تسعٍ وخمسين ومِئتين يقول ـ وذكر أبا زرعة الرّازي ـ فقال : أبو زرعة آية ، وإذا أراد الله أنْ يجعل عبداً مِن عباده آية جعله .

أخبرنا أبو سعد الماليني ، أخبرنا عبد الله ابن عدي ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد قال : حدّثني الحضرمي قال : سمعت أبا بكر ابن أبي شيبة، وقيل ل : مَن أحفظ مَن رأيت ؟ قال : ما رأيت أحداً أحفظ مِن أبي زرعة الرّازي .

كتب إليّ أبو حاتم أحمد بن الحسن بن محمّد بن خاموش الواعظ ـ من الري ، بخطّه ـ قال : سمعت أحمد بن الحسن بن محمّد العطّار ، يذكر عن محمّد بن أحمد بن جعفر الصيرفي ، حدّثنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سليمان التستري قال : سمعت أبا زرعة يقول : إنّ في بيتي ما كتبته منذ خمسين سنة ، ولم أُطالعه منذ كتبته ، وإنّي أعلم في أيّ كتابٍ هو ، في أيّ ورقةٍ هو ، في أيّ صفحةٍ هو، في أيّ سطرٍ هو .

قال : وسمعت أبا زرعة يقول : ما سمِعَت أُذني شيئاً مِن العلم إلاّ وعاه قلبي ، وإنّي كنت أمشي في سوق بغداد فأسمع من الغرف صوت المغنّيات ، فأضع أصبعي في أُذني مخافة أنْ يعيه قلبي .

٣٢٠