استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٢

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 456

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 456
المشاهدات: 192418
تحميل: 5466


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 456 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 192418 / تحميل: 5466
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وإذا كان ابن عبد البر يروي تلك الأخبار ويكره رواية كلام حذيفة في أبي موسى الأشعري ؛ فلابدّ وأنّ كلامه فيه أعظم من تلك الكلمات ، التي رواها بتراجم الصحابة عن بعضهم في البعض الآخر...

هذا كلّه ، وقد اشتهر الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كُتب الفريقين ، في أنّ( بُغضُ عليٍّ نفاق ) ، وعن غير واحدٍ من صحابته :( ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغضهم عليّ بن أبي طالب ) وقد رواه ابن عبد البر أيضاً بترجمة الإمامعليه‌السلام وبعد ثبوت انحراف أبي موسى عنه وبغضه له ، لم يبقَ أيّ ريبٍ وشك في كون أبي موسى من المنافقين... ولا تبقى حاجة إلى ذكر الشواهد على ذلك من كتب الحديث والتاريخ .

وإذا كان ابن عبد البر يكره رواية الخبر ، فقد رواه غير واحدٍ من الأعلام ، منهم ابن عساكر في ( تاريخه )(١) بإسناده عن الأعمش عن شقيق قال : ( كنا مع حذيفة جلوساً ، فدخل عبد الله وأبو موسى المسجد ، فقال أحدهما : منافق ثم قال : إنّ أشبه الناس هدياً ودلاًّ وسمتاً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الله ) .

من مشاهد انحراف أبي موسى عن عليّ

ومع ذلك نتعرّض لبعض الأخبار الشاهدة بانحراف الرجل عن أمير المؤمنين ( عليه الصلاة والسلام ) .

قال الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري ) .

( قوله : بعث عليّ عمّار بن ياسر وحسن بن عليّ فقدما علينا الكوفة ، ذكر عمر بن شبة والطبري سبب ذلك بسندهما إلى ابن أبي ليلى قال : كان عليّ

ـــــــــــــــــــ

(١) تاريخ دمشق ٣٢ : ٩٣ ترجمة عبد الله بن قيس وهو أبو موسى الأشعري .

٦١

أقرّ أبا موسى على إمرة الكوفة ، فلمّا خرج من المدينة أرسل هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص إليه أنْ أنهض من قبلك من المسلمين ، وكن من أعواني إلى الحق ، فاستشار أبو موسى السائب بن مالك الأشعري فقال : اتّبع ما أمرك به .

قال : إنّي لا أرى ذلك ، وأخذ في تخذيل الناس عن النهوض ، فكتب هاشم إلى عليّ بذلك وبعث بكتابه مع حجل بن خليفة الطائي ، فبعث عليٌّ عمّار بن ياسر والحسن بن عليّ يستفزّان النّاس ، وأمّر قرظة بن كعب على الكوفة )(١) .

وقال ابن قتيبة في ( الإمامة والسياسة ) :

( وذكروا أنّ عليّاً لمّا نزل قريباً من الكوفة ، بعث عمّار بن ياسر ومحمّد ابن أبي بكر إلى أبي موسى الأشعري ، وكان أبو موسى عاملاً لعثمان على الكوفة ، فبعثهما عليٌّ إليه وإلى أهل الكوفة يستفزّهم ، فلمّا قدِما عليه ، قام عمّار بن ياسر ومحمّد بن أبي بكر فدعوا ألنّاس إلى النصرة لعليّ ، فلمّا أمسَوا ، دخل رجال من أهل الكوفة على أبي موسى فقالوا : ما ترى ؟ أنخرج مع هذين الرجلين إلى صاحبهما أم لا ؟ فقال أبو موسى : أمّا سبيل الآخرة ففي أنْ تلزموا بيوتكم ، وأمّا سبيل الدّنيا وسبيل النار ، فالخروج مع مَن أتاكم ، فأطاعوه ، فتبطّأ النّاس على عليّ ، وبلغ عمّاراً ومحمّداً ما أشار به أبو موسى على أولئك الرهط ، فأتياه فأغلظا له في القول ، فقال أبو موسى : والله إنّ بيعة عثمان في عنقي وعنق صاحبكما ، ولئن أرادنا للقتال مالنا إلى قتال أحدٍ من سبيل حتّى نفرغ من قَتَلَة عثمان .

ثمّ خرج أبو موسى وصعد المنبر ثمّ قال : أيّها النّاس ! إنّ أصحاب رسول الله الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله وبرسوله ممّن لم يصحبه ، وإنّ لكم حقّاً عَلَيّ أُؤدّيه إليكم ، إنّ هذه الفتنة النائم فيها خيرٌ من اليقظان ، والقاعد

ـــــــــــــــــــ

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١٣ : ٤٨ .

٦٢

خيرٌ من القائم ، والقائم فيها خيرٌ من الساعي ، والسّاعي خيرٌ من الراكب ، فاغمدوا سيوفكم حتّى تنجلي هذه الفتنة ) (١) .

وأخرج البخاري :

( حدّثنا بدل المُحبَّر قال : حدّثنا شعبة قال : أخبرني عمرو قال : سمعت أبا وائل يقول : دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمّار ـ حيث بعثه عليّ إلى أهل الكوفة يستنفرهم ـ فقالا : ما رأيناك أتيتَ أمراً أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت فقال عمّار : ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً أكره عندي من إبطائكم عن هذا الأمر ، وكساهما حلّةً حلّة ، ثمّ راحوا إلى المسجد .

حدّثنا عبدان ، عن أبي حمزة ، عن الأعمش ، عن شقيق بن سلمة : كنت جالساً مع أبي مسعود وأبي موسى وعمّار ، فقال أبو مسعود : ما من أصحابك أحدٌ إلاّ لو شئت لقلت فيه ، غيرك ، وما رأيت منك شيئاً منذ صَحِبْتَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعيَب عندي من استسراعك في هذا الأمر قال عمّار : يا أبا مسعود ، وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئاً ، منذ صحبتما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعيَب عندي من إبطائكما في هذا الأمر فقال أبو مسعود وكان موسراً ـ : يا غلام ! هات حلّتين ، فأعطى إحداهما أبا موسى والأُخرى عمّاراً وقال : روحا فيه إلى الجمعة )(٢) .

وقال الحاكم :

( أخبَرنا عبد الرحمان بن الحسن القاضي بهَمَدان ، حدّثنا إبراهيم بن الحسين ، حدّثنا آدم بن أبي أيَاس ، حدّثنا شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي

ـــــــــــــــــــ

(١) الإمامة والسياسة ١ : ٦٥ ـ ٦٦ .

(٢) صحيح البخاري ٩ : ٧٠ ـ ٧١ كتاب الفتن .

٦٣

وائل قال : دخل أبو موسى الأشعري وأبو مسعود البدري على عمّار وهو يستنفر النّاس ، فقالا له : ما رأينا منك أمراً منذ أسلمت أكره عندنا مِن إسراعك في هذا الأمر فقال عمّار : ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر ) (١) .

وأخرج أيضاً :

( عن الشعبي قال : لمّا قتل عثمان وبُويع لعليّرضي‌الله‌عنه ما ، خطب أبو موسى وهو على الكوفة ، فنهى النّاس عن القتال والدخول في الفتنة ، فعزله عليٌّ عن الكوفة من ذي قار ، وبعث إليه عمّار بن ياسر والحسن بن عليّ فعزلاه )(٢) .

وفيما فعل أبو موسى من الوقاحة والتجاسر والافتراء والكذب ، ما لا يخفى ، ولا بأس لتوضيح شناعة موقفه بأنْ نقول :

أوّلاً : ذكر المسعودي ـ وعنه سبط ابن الجوزي ـ أنّه لمّا خذّل أبو موسى الناس ، كتب الإمامعليه‌السلام إليه :

( انعزِل عن هذا الأمر مذموماً مدحوراً ، فإنْ لم تفعل ، فقد أمرت من يقطّعك إرباً إرباً ، يا ابن الحائك ، ما هذا أوّل هناتك ، وإنّ لك لهنات وهنات .

ثمّ بعث عليٌّ الحسن وعمّاراً إلى الكوفة ، فالتقاهما أبو موسى ، فقال له الحسن : لم ثبّطت القوم عنّا ؟ فو الله ما أردنا إلاّ الإصلاح فقال : صدقت ، ولكنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( ستكون فتنة ، يكون القاعد فيها خيراً من القائم ، والماشي خيراً من الراكب ) فغضب عمّار

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١١٧ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١١٧ .

٦٤

وسبّه ) (١) .

فلقد وصفه الإمامعليه‌السلام بوصف أهل النّار ، قال تعالى :( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً ) (٢) وقال :( لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً ) (٣) .

وقال :( ...وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً ) (٤) .

قال في ( تفسير الجلالين ) : ( [مذموماً] ملوماً [مدحوراً] مطروداً عن الرحمة )(٥) .

وفي كتاب ( النهاية في غريب الحديث ) : ( في حديث عرفة : ما مِن يوم إبليس فيه أدحر ولا أدحق منه في يوم عرفة ، الدحر: الدفع بعنف على سبيل الإهانة والإذلال ، والدحق : الطّرد والإبعاد )(٦) .

وفيه :

( وأصل اللّعن : الطرد والإبعاد من الله )(٧) .

وقال الفخر الرازي بتفسير الآية :( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةََ.. ) :

( قال القفّال رحمه الله : هذه الآية داخلة في معنى قوله :( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ... ) ومعناه : أنّ الكمال في الدّنيا قسمان ، فمنهم من يريد

ـــــــــــــــــــ

(١) مروج الذهب ٣ : ١٠٤/ ١٦٣٠ ( بنحوه ) تذكرة خواص الأُمّة : ٧٠ .

(٢) سورة الإسراء ١٧ : ١٨ .

(٣) سورة الإسراء ١٧ : ٢٢ .

(٤) سورة الإسراء ١٧ : ٣٩ .

(٥) تفسير الجلالين ط ذيل تفسير البيضاوي ١ : ٥٨١ .

(٦) النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ : ١٠٣ ( دحر ) .

(٧) النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ : ٢٥٥

٦٥

بالذي يعمله الدنيا ومنافعها والرياسة فيها ، فهذا يأنف من الانقياد للأنبياء ( عليهم الصلاة والسلام ) ، والدخول في طاعتهم والإجابة لدعوتهم ، إشفاقاً من زوال الرياسة عنه ، فهذا قد جعل طائر نفسه شؤماً ؛ لأنّه في قبضة الله تعالى ، فيُؤتيه الله في الدنيا منها قدَراً لا كما يشاء ذلك الإنسان ، بل كما يشاء الله ، إلاّ أنّ عاقبته جهنّم يُدخله فيها فيصلاها مذموماً ملوماً مدحوراً منفيّاً مطروداً من رحمة الله تعالى .

وفي لفظ هذه الآية فوائد :

الفائدة الأُولى : إنّ العقاب عبارة عن مضرّة مقرونة بالإهانة والذمّ ، بشرط أنْ تكون دائمة وخالية عن شوب المنفعة فقوله :( ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا.. ) إشارة إلى المضرّة العظيمة ، وقوله :( مَذْمُوماً ) إشارة غلى الإهانة والذم ، وقوله :( مَّدْحُوراً ) إشارة إلى البُعد والطرد عن رحمة الله ، وهي تفيد كون تلك المضرّة خالية عن شوب النفع والرحمة ، وتفيد كونها دائمة وخالية عن التبدّل بالراحة والخلاص )(١) .

وقال أبو البركات النسفي بتفسيرها :

( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء... ) لا ما يشاء( لِمَن نُّرِيدُ ) بدل من له بإعادة الجار ، وهو بدل البعض من الكلّ ، إذ الضمير يرجع إلى من ، أي من كانت العاجل همّه ولم يرد غيرها كالكفرة ، تفضّلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن نريد ، فقيّد المعجّل بمشيّته والمعجّل له بإرادته ، وهكذا الحال ، ترى كثيراً من هؤلاء يتمنّون ما يتمنّون ولا يعطون إلاّ بعضاً منه ، وكثيراً منهم يتمنّون ذلك البعض وقد حرموه ، فاجتمع عليهم فقر الدّنيا وفقر الآخرة ، وأمّا

ـــــــــــــــــــ

(١) تفسير الرازي ٢٠ : ١٧٨ .

٦٦

المؤمن التقي ، فقد اختار غنى الآخرة ، فإنّ أُوتي حظّاً من الدنيا فبها ، وإلاّ فربّما كان الفقر خيراً له ( ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ ) في الآخرة ( يَصْلاهَا ) يدخلها ( مَذْمُوماً ) ممقوتاً ( مَّدْحُوراً ) (١) .

وقال البغوي :

( وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ ) خاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الآيات ، والمراد منه الأُمّة( فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً ) مطروداً مُبعَداً من كلّ خير )(٢) .

( ثمّ إنّه تعالى ذكر في الآية الأُولى : أنّ الشرك يُوجب أنْ يكون صاحبُه مذموماً مخذولاً ، وذكر في الآية الأخيرة : أنّ الشرك يُوجب أنْ يُلقى صاحبه في جهنّم ملوماً مدحوراً ، فاللّوم والخذلان يحصل في الدنيا ، وإلقاؤه في جهنّم يحصل يوم القيامة .

ويجب علينا أنْ نذكر الفرق بين المذموم والمخذول ، وبين الملوم المدحور فنقول : أمّا الفرق بين المذموم وبين الملوم ، فهو أنّ كونه مذموماً معناه أنْ يُذكر له أنّ الفعل الذي أقدم عليه قبيحٌ ومنكر، فهذا معنى كونه مذموماً ، وإذا ذُكر له ذلك فبعد ذلك يقال له : لمَ فعلت مثل هذا الفعل ؟ وما الذي حملك عليه ؟ وما استفدت من هذا العمل إلاّ إلحاق الضرر بنفسك ، وهذا هو اللّوم ، فثبت أنّ أوّل الأمر هو أنْ يصير مذموماً ، وآخره أنْ يصير

ـــــــــــــــــــ

(١) تفسير النسفي = مدارك التنزيل ١ : ٧٠٩ .

(٢) تفسير البغوي = معالم التنزيل ٣ : ٤٩٧

٦٧

ملوماً ، وأمّا الفرق بين المخذول وبين المدحور ، فهو أنّ المخذول عبارة عن الضعيف ، يُقال : تخاذلت أعضاؤه أي ضَعُفت ، وأمّا المدحور فهو المطرود ، والطرد عبارة عن الاستخفاف والإهانة ، قال تعالى : ( وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ) ، فكونه مخذولاً عبارة عن ترك إعانته وتفويضه إلى نفسه ، وكونه مدحوراً عبارة عن إهانته والاستخفاف به ) (١) .

وأيضاً : فقد ورد أنّ الإمامعليه‌السلام قال عن أبي موسى :( هو عندي غير مأمون ، وقد هرب منّي ) قال سبط ابن الجوزي في خبَر قضيّة التحيكم :

( ولمّا فعل معاوية ما فعل قال : نبعث حكماً نرتضي به ، وابعثوا أنتم حكماً ترضون به ، فاختار أهل الشام عمرو بن العاص، وأختار أهل العراق أبا موسى الأشعري ، فقال عليّعليه‌السلام :( لا أرضى به ، وهو عندي غير مأمون ، وقد هرب منّي ، وخذّل النّاس عنّي ، ولكنْ هذا ابن عبّاس ) (٢) .

وكما تكلّم الإمامعليه‌السلام في أبي موسى بما تقدّم ونحوه ، كذلك تكلّم في سعد بن أبي وقّاص ، لتخلّفه عنه وتركه نصرته ، قال الحاكم :

( وأمّا ما ذكر من اعتزال سعد بن أبي وقّاص عن القتال ، فحدّثَناه أبو زكريّا يحيى بن محمّد العنبري ، ثنا إبراهيم بن أبي طالب ، ثنا عليّ بن المنذر ، ثنا ابن فُضيل ، ثنا مسلم الملائي ، عن خيثمة بن عبد الرحمان قال : سمِعت سعد بن مالك ، وقال له رجل : إنّ عليّاً يقع فيك إنّك تخلَّفت عنه ، فقال سعد : والله إنّه لرأيٌ رأيته وأخطأ رأيي ، إنّ عليّ بن أبي طالب أُعطي ثلاثاً ، لأنْ أكون أُعطيت إحداهنّ أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها :

ـــــــــــــــــــ

(١) تفسير الرازي ٢٠ : ٢١٤.

(٢) تذكرة خواص الأُمّة : ٩٣.

٦٨

لقد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم بعد حمد الله والثناء عليه : ( هل تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين ) ؟ قلنا : نعم قال : ( اللّهمّ من كنت مولاه فعليّ مولاه ، والِ من والاه وعادِ من عاداه ) .

وجيء به يوم خير وهو أرمد ما يُبصر ، فقال :( يا رسول الله ، إنّي أرمد ) ، فتفل في عينيه ودعا له ، فلم يرمد حتّى قُتل ، وفتح عليه خيبر .

وأخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّه العبّاس وغيره من المسجد ، فقال له العبّاس : تُخرجنا ونحن عصبتك وعمومتك وتُسكن عليّاً ؟ ! فقال :( ما أنا أخرجتكم وأسكنته ، ولكنّ الله أخرجكم وأسكنه ) (١) .

ثانياً : إنّ سبّ عمّار بن ياسر أبا موسى الأشعري دليلٌ آخر على كفر أبي موسى ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ـ كما في البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة ـ :( سُباب المسلم فسوق ) (٢) ، فلا يجوز سبّ المسلم على الإطلاق ، فكيف بالصّحابي ، فلو كان لأبي موسى حظّ من الإسلام لَما جاز سبّه أصلاً .

ثالثاً : إنّ ترك أبي موسى نصرة الإمامعليه‌السلام وتخذيله الناس عن القتال معه ونصرته ، يُشمله قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ :( اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ) ، أخرجه الطبراني عن عمرو بن مرّة وزيد بن أرقم وحبشي بن جنادة مرفوعاً بلفظ :( اللهّم مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣: ١١٦ ـ ١١٧ كتاب معرفة الصحابة.

(٢) جامع الاصول ١٠: ٦٧ و٧٦٠/ ٧٥٣٥ و٨٤٣٧.

٦٩

من نصره ، وأعن من أعانه ) (١) .

وأخرجه الحاكم بإسناده عن جابر بن عبد الله يقول : ( سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [يقول يوم الحديبيّة] ـ وهو آخذٌ بضبع عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ـ وهو يقول :( هذا أميرُ البرَرَة ، [و] قاتل الفجَرَة ، منصورٌ من نصَرَه ، [و] مخذولٌ من خذله ) ثمّ مدّ بها صوته هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه )(٢) .

رابعاً : لقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ، ما إنْ تمسّكتم بهما لنْ تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) وهو حديث صادر عنه قطعاً وقد اعترف بذلك كبار أهل السنّة من القدماء والمتأخّرين ، وحتّى الدهلوي صاحب ( التحفة الاثني عشريّة ) ، وأضاف أنّ كلّ عقيدةٍ أو عملٍ مخالف للثقلين فهو باطل ، ومن أنكرهما فهو ضالٌّ خارج من الدين ، وهذه ترجمة كلامه في الباب الرابع من كتابه :

( واعلم أنّه قد ثبت باتّفاق الفريقين ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ، ما إنْ تمسّكتم بهما لنْ تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم مِن الآخر ، كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ) . وقد أفاد أنّ النبيّ قد دلّنا في معالم الدين وأحكام الشرع على هذين الأمرين العظيمين ، فكلّ مذهبٍ خالفهما في الأمور الشرعيّة سُواء في العقيدة أم العمل فهو باطل ولا اعتبار به ، وكلّ مَن أنكرهما

ـــــــــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ٤ : ١٧/ ٣٥١٤ ، و٥ : ١٧١/ ٤٩٨٥ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٩ كتاب معرفة الصحابة

٧٠

فهو ضالّ وخارج من الدّين ) (١) .

ولا شكّ أنّ أبا موسى الأشعري قد خالف الثقلين ، فكان من الخارجين عن الدين والداخلين في زمرة الضالّين الهالكين .

خامساً : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مثَل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوحٍ ، مَن ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ) ، وهو كذلك من الأحاديث الثابتة الصدور عنه عند الفريقين ، وقد قال الدهلوي في ( التحفة ) ، في مقام الردّ على استدلال أصحابنا بهذا الحديث على الإمامة العامّة والولاية المطلقة ـ لأمير المؤمنينعليه‌السلام ـ ما تعريبه :

( إنّ هذا الحديث لا يدلّ إلاّ على إناطة الفلاح والهداية بحبّهم واتّباعهم ، وأنّ التخلّف عن ذلك مُوجبٌ للهلاك )(٢) .

ومن الواضح : أنّ حال أبي موسى الأشعري ، ليس إلاّ التخلّف عن أهل البيت والمخالفة لهم ، فيكون من الضالّين الهالكين .

سادساً : إنّه لم يكن تخلّف أبي موسى عن أهل البيتعليهم‌السلام ، ومخالفته لهم في ترك النصرة وتخذيل النّاس فقط ، بل تكلّم بكلماتٍ كشَف فيها عن نصبه وعناده لأهل البيت ، بما لا يقبل الحمل والتأويل ، فكان من الهالكين والخاسرين ، وقد اعترف بذلك سائر العلماء من أهل السنّة حتّى المتعصّبون منهم...

سابعاً : لقد عصى أبو موسى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومن عصاه فقد عصى رسول الله ، ومن عصى رسول الله فقد عصى الله تعالى... وفي ذلك

ـــــــــــــــــــ

(١) التحفة الاثنا عشريّة ، الباب الرابع : ١٣٠.

(٢) التحفة الاثنا عشريّة ، الباب السابع : ٢١٩.

٧١

أحاديث صحيحة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أخرج الحاكم بإسناده عن أبي ذر رضي‌الله‌عنه قال : ( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني، ومن عصى عليّاً فقد عصاني ) قال الحاكم : هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه ) (١) .

ثامناً : إنّه قد فارق أبو موسى أمير المؤمنينعليه‌السلام بتركه نصرته والتخلّف عنه ، وقد نصّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أنّ من فارَق عليّاً فقد فارق الله ورسوله :

أخرج الحاكم بإسناده عن أبي ذررضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ :( من فارقني فقد فارق الله ، ومن فارقك فقد فارقني ) (٢) .

تاسعاً : إنّ من الواضح أنّ أبا موسى قد آذى بأفعاله وأقواله عليّاً أمير المؤمنين ، وهذا ممّا لا يرتاب فيه مُرتاب ولا يشكّ فيه أحدٌ من أُولي الألباب ، وإيذاء عليّ إيذاء رسول الله ، وإيذاؤه يُوجب الدخول في النّار .

أخرج الحاكم بإسناده عن عمرو بن شاس الأسلمي ، قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في حديث ـ :( يا عمرو ، أما والله لقد آذيتني ) .

فقلت : أعوذ بالله أن أُُوذيك يا رسول الله ! قال :( بلى ، من آذى عليّاً فقد آذاني ) قال الحاكم : ( هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه )(٣) .

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢١ كتاب معرفة الصحابة .

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٦ كتاب معرفة الصحابة .

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٢ كتاب معرفة الصحابة .

٧٢

العاشر : لقد خالف أبو موسى رسول الله ، وعصى أوامرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقتال مع أمير المؤمنين ، في حروبه مع الناكثين والقاسطين والمارقين :

أخرج الحاكم بإسناده : أنّ أبا أيّوب الأنصاري قال في زمان عمر بن الخطّاب : ( أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ بن أبي طالب بقتال الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين )(١) .

وأخرج عنه أنّه قال :( سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعليّ بن أبي طالب :( تُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، بالطرقات ، والنهروانات ، وبالسعفات ) ، قال أبو أيّوب : قلت : يا رسول الله ، مع من نقاتل هؤلاء الأقوام ؟ قال :( مع عليّ بن أبي طالب )) (٢) .

وأخرج البغوي عن ابن مسعود قال : ( خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتى منزل أُمّ سلمة ، فجاء عليّ ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا أُمّ سلمة ، هذا ـ والله ـ قاتل القاسطين ، والناكثين والمارقين من بعدي ) (٣) .

وروى المتّقي حديث ابن مسعود المذكور ، عن الحاكم في الأربعين وابن عساكر(٤) .

وروى عن ابن عساكر عن زيد بن عليّ بن الحسين بن علي ، عن أبيه ، عن جدّه عن عليّ قال :( أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتال الناكثين

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٩ كتاب معرفة الصحابة .

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٠ كتاب معرفة الصحابة .

(٣) شرح السنّة ١٦٨/ ٢٠٠٩ كتاب قتال أهل البغي الباب ١ .

(٤) كنزل العمّال ١٣ : ١١٠/ ٣٦٣٦١ .

٧٣

والمارقين والقاسطين ) (١) .

وأوضح ابن طلحة الشافعي معنى الحديث ـ بعد أنْ رواه عن البغوي عن ابن مسعود ـ بقوله :

( ذكر في هذا الحديث فِرَقاً ثلاثة ً، صرّح بأنّ عليّاًعليه‌السلام يُقاتلهم من بعده ، وهُم الناكثون ، والقاسطون والمارقون ، وهذه الصفات التي ذكرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سمّاهم بها ، مُشيراً إلى أنّ وجود كلّ صفةٍ منها في الفرقة المختصّة بها علّةٌ لقتالهم مسلّطة عليه ، وهؤلاء الناكثون هُم الناقضون عقد بيعتهم الموجِبة عليهم الطاعة والمتابعة لإمامهم الذي بايعوه حقّاً ، فإذا نقضوا ذلك وصدفوا عن طاعة إمامهم ، وخرجوا عن حكمه ، وأخذوا في قتاله بغياً وعناداً ، كانوا ناكثين باغين ، فتعيَّن قتالهم ، كما اعتمده طائفة فمن تابع عليّاًعليه‌السلام وبايعه ثمّ نقض عهده وخرج عليه ـ وهم أصحاب واقعة الجمل ـ فقاتلهم عليّعليه‌السلام ، فهم الناكثون... )(٢) .

حديث خاصف النعل

هذا ، وقد وردت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديثٌ كثيرة ـ غير ما ذُكر ـ في كون عليّعليه‌السلام مأموراً بالقتال مع هؤلاء ، ومصيباً في حروبه...

منها :حديث خاصف النعل ... وقد أخرجه من كبار الأئمّة والحفّاظ :

الحاكم في (المستدرك).

ـــــــــــــــــــ

(١) كنز العمّال ١٣ : ١١٢ ـ ١١٣/ ٣٦٣٦٧ .

(٢) مطالب السؤول : ١٠٤ ـ ١٠٥.

٧٤

والنسائي في ( الخصائص ) .

وابن أبي شيبة في ( المصنّف ) .

وأحمد بن حنبل في ( المسند ) .

وأبو يعلى في ( المسند ) .

وابن حبّان في ( الصحيح ) .

وأبو نعيم في ( حلية الأولياء ) .

والضياء المقدسي في ( المختارة ) .

والذهبي في ( المعجم المختص ) .

والمُحب الطبري في ( الرياض النضرة ) و( ذخائر العقبى ) .

وابن مندة في ( كتاب الصحابة ) .

وابن الأثير في ( اُسد الغابة ) .

والزرندي في (نظم درر السمطين).

والبغوي في ( شرح السنّة ) .

والسيوطي في ( جمع الجوامع ) .

والمتقي في ( كنز العمّال ) .

ومحمّد بن معتمد خان البدخشاني في ( مفتاح النجا ) .

وابن طلحة الشافعي في ( مطالب السئول ) .

ولنذكر نصوص رواياتهم مع الاختصار :

أخرج الحاكم :( عن أبي سعيد الخدري قال : كنّا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانقطعت نعله ، فتخلّف عليّ ، يصلحها ، فمشى قليلاً ثمّ قال :( إنّ منكم من يُقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلتُ على تنزيله ) ، فاستشرف لها القوم ـ وفيهم أبو بكر وعمر ـ قال أبو بكر : أنا هو ؟

قال :( لا ) ، قال عمر : أنا هو ؟ قال :( لا ، ولكن خاصف النعل ) ـ يعني عليّاً ـ فأتينا فبشّرناه ، فلم يرفع به رأسه ، كأنّه قد كان سمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٧٥

هذا حديثٌ صحيح على شرط الشيخين ، ولم يُخرجاه) (١) .

وترجم ابن الأثير ( عبد الرحمان بن بشير ) فأسند عنه قال :

( كنّا جلوساً عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قال :( ليضربنّكم رجلٌ على تأويل القرآن ، كما ضربتكم على تنزيله ) ، فقال أبو بكر : أنا هو ؟ قال :( لا ) , قال عمر : أنا هو ؟ قال :( لا ، ولكن خاصف النعل ) ، وكان عليّ يخصف نعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخرجه الثلاثة) (٢) .

وأخرج النسائي بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال :

( كنّا جلوساً ننتظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرج إلينا وقد انقطع شسع نعله ، فرمى بها إلى عليّ فقال :( إنّ منكم مَن يُقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله ) ، فقال أبو بكر : أنا ؟ فقال :( لا ) ، فقال عمر : أنا ؟ فقال :( لا ، ولكن خاصف النعل )) (٣) .

وفي ( المسند ) : ( عن أبي سعيد الخدري : كنّا جلوساً في المسجد ، فخرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ في بيت فاطمة ، فانقطع شسع نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأعطاه عليّاً يصلحها ، ثمّ جاء فقام علينا فقال... )(٤) .

ـــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٣ كتاب معرفة الصحابة .

(٢) اُسد الغابة في معرفة الصحابة ٣ : ٣٢٥/ ٣٢٧١ .

(٣) خصائص علي : ٢١٩/ ١٥٦ .

(٤) مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٥٠١/ ١١٣٦٤ بنحوه .

٧٦

وأورد العلاّمة الحلّي هذا الحديث في ( نهج البلاغة ) محتجّاً به ، فقال ابن روزبهان عند الجواب : ( قد صحّ هذا الحديث )(١) .

ورواه الذهبي في ( المعجم المختص ) بترجمة ( عبد الله بن محمّد بن أحمد ابن المطري ) بإسنادٍ فيه جماعة من الأعلام الحفّاظ... ( عن أبي سعيد الخدري قال : خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن في المسجد في نحو سبعين من أصحابه ، كأنّ على رؤوسنا الطير فقال :( إنّ رجلاً منكم يُقاتل الناس على تأويل القرآن ، كما قاتلتهم على تنزيله ) ، فقال أبو بكر : أنا ؟ فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هو خاصف النعل بالحجرة ) ، فخرج علينا عليّ من الحجرة وفي يده نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلحها أو يخصفها )(٢) .

وهو في ( كنز العمّال ) عن أبي سعيد باللّفظ المذكور : عن ابن أبي شيبة في المصنّف ، وأحمد في المسند ، وأبي يعلى في المسند ، وابن حبّان في الصحيح ، والحاكم في المستدرك ، وأبي نعيم في الحلية ، والضياء في المختارة(٣) .

وكذلك البدخشي ، رواه عن الجماعة والبغوي في شرح السنّة ، عن أبي سعيد الخدري ، وأضاف : ( وأخرج الحافظ أبو علي سعيد بن عثمان ابن السكن البغدادي في صحاحه ، عن الأخضر الأنصاريرضي‌الله‌عنه ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنا أُقاتل على تنزيل القرآن ، وعليّ يُقاتل على تأويله ) (٤) .

دلّ هذا الحديث على أنّ قتال أمير المؤمنينعليه‌السلام على تأويل

ـــــــــــــــــــ

(١) اُنظر : دلائل الصدق لنهج الحق ٢ : ٤٢٩ ـ ٤٣٠/١٧ .

(٢) المعجم المختص : ٩١/١٤٣ .

(٣) كنز العمّال ١٣ : ١٠٧ ـ ١٠٨/ ٣٦٣٥١ .

(٤) مفتاح النجا في مناقب آل العبا مخطوط

٧٧

القرآن بعد حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّما يُعدّ من المناقب المختصّة به ، ومن خصائصه الجليلة التي قد تمنّاها أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة... فكيف يجوز لأبي موسى الأشعري أو غيره أنْ يطعن في قتاله عليه‌السلام ، وحروبه التي خاضعها ضدّ الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين ؟ وكيف يجوز لأحدٍ أنْ يسعى في حطّ مرتبة هذه الفضيلة والشرف العظيم الذي بشّر به رسول الله ؟ وكيف يجوز التعبير عن هذا القتال بأنّه كان للدنيا ؟

هذا ، ولا يخفى أنّ صاحب ( التحفة ) قد روى هذا الحديث ، وأورده في باب الإمامة ، مع إسقاط تمنّي أبي بكر وعمر ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما : لا (١) !

الحادي عشر : لقد خالف أبو موسى الأشعري النصوص الصريحة الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أنّ الحقّ مع عليّ ، وأنّه لا يفارقه أبداً .

وقد أخرج هذه الأحاديث كبار الأئمّة الحفّاظ بأسانيدهم ، وقد ذكر البدخشي طرفاً منها في كتابه ( مفتاح النجا في مناقب آل العبا ) حيث قال :

( الفصل الثامن عشر ـ في قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحق معه .

أخرج الترمذي عن عليّ كرّم الله وجهه قال :( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رحم الله عليّاً ، اللّهمّ أدر الحقّ معه حيث دار ) .

وأخرج أبو يعلى والضياء عن أبي سعيدرضي‌الله‌عنه : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( الحقّ مع ذا ، الحقّ مع ذا ) ؛ يعني عليّا ً.

وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( الحق مع عليّ ، يزول معه حيث ما زال ) .

ـــــــــــــــــــ

(١) التحفة الاثني عشرية : ٢١٩، الباب السابع .

٧٨

وفي رواية أُخرى عنها : عليّ مع الحقّ والحقّ معه .

وأخرج الطبراني في الكبير ، عن كعب بن عجرةرضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يكون بين الناس فُرقةٌ واختلاف ، فيكون هذا وأصحابه على الحق ) ؛ يعني عليّاً .

وأخرج أبو نعيم ، عن أبي ليلى الغفاريرضي‌الله‌عنه ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( سيكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب ؛ فإنّه الفاروق بين الحقّ والباطل ) .

وأخرج ابن مردويه ، عن عائشة رضي الله عنها: أنّها لمّا عُقر جملها ودخلت داراً بالبصرة ، فقال لها أخوها محمّد : أُنشدك الله ، أتذكرين يوم حدّثتني عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :( الحقّ لنْ يزال مع عليّ وعليّ مع الحق ، لنْ يختلفا ولنْ يتفرقا ) ؟ قالت : نعم .

وأخرج عن أبي موسى الأشعريرضي‌الله‌عنه قال : أشهد أنّ الحقّ مع عليّ ، ولكن مالت الدنيا بأهلها ، ولقد سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له :( يا عليّ ، أنت مع الحق ، والحق بعدي معك ) .

وأخرج عن أُمّ سلمة رضي الله عنها قالت : كان عليّ على الحق ، من اتّبعه اتّبع الحق ، ومن تركه ترك الحق ، عهداً معهوداً قبل يومه هذا .

وأخرج عن شهر بن حوشب قال : كنت عند أُمّ سلمة رضي الله عنها فسلّم رجل ، فقيل : من أنت ؟ قال : أنا أبو ثابت مولى أبي ذر قالت : مرحباً بأبي ثابت اُدخل ، فدخل ، فرحّبت به وقالت : أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها ؟ قال : مع عليّ بن أبي طالب قالت : وُفّقت ، والذي نفس أُمّسلمة بيده لسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ( عليٌّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لنْ يفترقا حتّى يردا على الحوض ) ، ولقد بعثت ابني عمر وابن أخي عبد الله بن أبي أُميّة ، وأمرتهما أنْ يقاتلا مع عليّ من قاتَلَه ، ولولا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرنا أنْ نقرّ في حجالنا وفي بيوتنا ، لخرجت حتّى أقف في صفّ عليّ .

٧٩

وأخرج عن عليّ كرّم الله وجهه قال :( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ، إنّ الحق ّمعك ، والحقّ على لسانك ، وفي قلبك وبين عينيك ) .

وأخرج عن عبيد الله بن عبد الله الكندي قال : حجّ معاوية ، فأتى المدينة وأصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متوافرون ، فجلس في حلقةٍ بين عبد الله ابن عبّاس وعبد الله بن عمر ، فضرب بيده على فخذ ابن عبّاس ثمّ قال :

أما كنتُ أحقّ وأولى بالأمر من ابن عمّك ؟

قال ابن عبّاس : وبم ؟

قال : لأنّي ابن عمّ الخليفة المقتول ظلماً .

قال : هذا ـ يعني ابن عمر ـ أولى بالأمر منك ؛ لأنّ أبا هذا قتل قبل ابن عمّك .

قال : فانصاع عن ابن عبّاس وأقبل على سعد ، قال :

وأنت يا سعد ، الذي لم تعرف حقّنا من باطل غيرنا فتكون معنا أو علينا ؟

قال سعد : إنّي لمّا رأيت الظلمة قد غشيت الأرض ، قلت لبعيري هخ ، فأنخته حتّى إذا أسفرت مضيت .

قال : والله لقد قرأت المصحف يوماً بين الدفّتين ما وجدت فيه هخ .

فقال : أمّا إذا أبيت ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوللعلي : ( أنت مع الحق والحق معك ) .

قال : لتجيئنّي بمن معك أو لأفعلنّ ؟

قال : أُمّ سلمة .

قال : فقام وقاموا معه ، حتّى دخل على أُمّ سلمة .

قال : فبدأ معاوية فتكلّم فقال : يا أُمّ المؤمنين ، إنّ الكذّابة قد كثُرت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعده ، فلا يزال قائلٌ : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يقُل ، وإنّ سعداً روى حديثاً زعم أنّك سمعته معه .

قالت : ما هو ؟

قال : زعم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ :( أنت مع الحق والحق معك ) .

قالت : صدق ، في بيتي قاله .

٨٠