استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء ٣

استخراج المرام من استقصاء الإفحام0%

استخراج المرام من استقصاء الإفحام مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 478

استخراج المرام من استقصاء الإفحام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 478
المشاهدات: 226240
تحميل: 5439


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 478 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 226240 / تحميل: 5439
الحجم الحجم الحجم
استخراج المرام من استقصاء الإفحام

استخراج المرام من استقصاء الإفحام الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عثمان وظلمه وعدوانه ، وكون أبي ذر على الحقّ والصواب .

ومِنها : كلام الشيخين مع أبي ذر ، واستعاذتهما بالله مِن أنْ يصيبه بلاءٌ بسببهما أو في زمانهما... مشيرين إلى كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه دليلٌ آخر على ثبوت الكلام المذكور عن النبيّ ، ومظلوميّة أبي ذر ، وظلم عثمان .

لقد صدر مِن عثمان ما احترز مِن وقوعه الشيخان ، فيالها مِن وقاحةٍ شديدة ، وقلّة حياءٍ ، وشدّة قسوة !!

ومِنها : صدور أنواعٍ مِن الفسق والفجور مِن معاوية بن أبي سفيان...

كلام أمير المؤمِنين في نفي أبي ذر

هذا ، وقال أمير المؤمِنينعليه‌السلام في هذه القصّة كلاماً يعرف به حال عثمان وحزبه ، فقد قال الحافظ سبط ابن الجوزي :

( روى الشّعبي عن أبي أراكة قال : لمّا نُفيَ أبو ذر إلى الربذة كتب إليه عليّرضي‌الله‌عنه :أمّا بعد ؛ يا أبا ذر ، فإنّك غضبت لله تعالى فارجُ مَن غضبت له ، إنّ القوم خافوك عل دنياهم وخفتهم على دينك فاترك لهم ما خافوك عليه واهرب مِنهم لما خفتهم عليه ، فما أحوجهم إلى ما منعتهم وما أغناك عمّا منعوك ، وستعلم مَن الرابح غداً ، فلو أنّ السماوات والأرض كانتا رتقاً على عبد ثمّ اتّقى الله لجعل له مِنها مخرجاً .

لا يؤنسنّك إلاّ الحقّ ولا يوحشنّك إلاّ الباطل .

ولو قبِلْتَ دنياهم لأحبّوك ، ولو رضيت مِنها لأحقّوك ، انتهى )(١) .

_______________________

(١) تذكرة خواصّ الأُمّة : ١٤٣ .

٤٤١

وما بعد ذلك الكلام الصّريح والحقّ الصّحيح المجاهر بأسرار الأشرار والهاتك لعوار أئمّة النار ، الموسع عليهم خرقهم الموهي لهم رتقهم ، المضيّق عليهم مجالهم القاطع لهم مقالهم ، مطمع لطامع ولا تمويه لمموّه ولا حيلة لمحتال ولا مناص لهارب ولا ملجأ لملتج .

أَوَ ما تراه كيف يصرّح بالتشنيع الصريح والتعنيف العنيف والتغليظ العظيم والتنديد الشديد والطعن الكبير على عثمان ؟ وكيف يُظهر رداءة فعله وبلوغه كلّ مبلغ مِن الشناعة والفظاعة وعظم المحلّ عند أهل الدين ووقعه كلّ موقع مِن القبح في نفوس أهل اليقين ؟ .

ويبدي أنّه لقد عزّ ذلك الفعل عليه ( سلام الله عليه ) وأنّ أبا ذررضي‌الله‌عنه كان في ذلك مظلوماً ملهوفاً منجوداً مكروباً بلا استحقاق ولا علّة ، بل كان الباعث على ذلك لهم هو غضبه لله تعالى ، وكان الحامل لهم على نفيه وإخراجه وتهوينه وتوهينه هو الخوف على الدنيا .

وأيضاً : يُظهر أنّ أبا ذر خاف مِن هؤلاء على دينه ، وما بعد ذلك سِتْرٌ ولا حجاب في كون عثمان مِن الخارجين عن دين الإسلام ، وكونه وأتباعه ممّن يخافهم المؤمِن على دينه ، وهذا أشنع المعائب وأفظع المثالب

وأيضاً : قولهعليه‌السلام (ستعلم مَن الرابح غدا ً ) يصرّح جهاراً وينادي رافعاً عقيرته بأنّ عثمان وأتباعه ليسوا غداً برابحين ، ولا هم في أعمالهم وأفعالهم مِن الصالحين ، فيحشرون يوم القيامة كالِحين ويساقون إلى جهنّم حايرين خاسرين كافرين طالحين .

وأيضاً : قولهعليه‌السلام (لا يوحشنّك إلاّ الباطل ) يوضح إيضاحاً ويوحي إيحاء إلى أنّ عثمان ومَن معه مِن الأعوان والخوّان هم أصحاب الباطل ، ينبغي أن يستوحش مِنهم المؤمِن الكامل وينفر مِنهم المسلم الفاضل .

وأيضاً : قولهعليه‌السلام (لو أنّ السماوات والأرض... ) صريح وأيّ صريح في أنّ أبا ذر لم يعمل إلاّ بمقتضى التقوى وما سلك إلاّ سبيل الرّشد والهدى ، وعثمان وأتباعه مِن أهل الضلال والهوى ، وهم وإن ضيّقوا عليه الأمر حتّى كأنّهم بزعمهم رتقوا عليه السماوات والأرض فلم يدعوا له مِن ملجأ ولا مناص ولم يبقوا له حيلة إلى خلاص ، لكنّ الله يجعل لأبي ذر ـ لورعه وتقواه وانقطاعه إلى الله ومتاركته لِما سواه ـ فرجاً وحيّاً ومخرجاً سريعاً ، ويخلّصه مِن الضيق إلى السِعة وينقله مِن الضنك والقشف إلى الدِعة .

٤٤٢

وبالجملة : فقد وضح الصّبح لذي عينين وانشقّ دجى ضلال البهت والمين ، وظهر ظلم عثمان وفسقه بل كفره ونفاقه وجوره وظلمه وتعسّفه وعناده ومخالفته لله ورسوله وتهتّكه حرمة المؤمِنين والصحابة ، وعدم مراعاته الإيمان والإسلام والفضل والمدح والثناء الذي يأثرونه مِن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بصير وعامِه ومهتد وتائِه .

تفسير ( العروة الوثقى ) بـ ( عليّ )

وجاء في الحديث الرابع تفسير ( العروة الوثقى ) بمولانا أمير المؤمِنين ( عليّ ) عليه الصلاة والسلام...

وقد زعم بعضهم أنّ هذا التفسير تحريف للكتاب الكريم ، في حين أنّهم يَرْوون عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توصيف الشَيْخَين بـ ( العروة الوثقى ) ، ففي ( الدرّ المنثور ) بتفسير الآية المذكورة :

( وأخرج ابن عساكر عن أبي الدرداء قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتدوا باللَذَين مِن بعدي أبي بكر وعمر ، فإنّهما حبل الله الممدود ، فمَن تمسّك بهما فقد تمسّك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ) (١) .

فمَن المحرّف للكتاب ؟

على أنّه قد نقلنا فيما تقدّم عن كتبهم رواياتٍ كثيرة تضَمّنَت آياتٍ قرآنيّة كثيرةٍ غير موجودة في القرآن .

_______________________

(١) الدرّ المنثور ٢ : ٢٣ .

٤٤٣

مظلوميّة الزهراءعليها‌السلام

وما جاء في الحديث الثالث عشر مِن مظلوميّة الزهراء ( عليها الصّلاة والسلام ) ، فهو وارد في كتب القوم أيضاً ، وإنْ كانوا في الأغلب يتجنّبون مِن نقل مثل هذه الأخبار :

قال سبط ابن الجوزي بترجمة الزهراء الطاهرة مِن ( تذكرته ) :

( قال الشعبي : لمّا مُنِعت ميراثها لاثت خمارها على رأسها ـ أي عصبت ، يقال : لاث العمامة على رأسه يلوثها لَوْثاً أي عصبها ، وقيل : اللّوث الاسترخاء ؛ فعلى هذا يكون معنى لاثت أي أرخت ـ وحمدت الله وأثنت عليه ووصفت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأوصاف ، فكان ممّا قالت :

كان كلّما فغرت فاغرة مِن المشركين أو نجم قرن مِن الشيطان وطئ صماخه بأخمصه وأخمد لهيبه بسيفه وكسر قرنه بعزمته ، حتّى إذا اختار الله له دار أنبيائه ومقرّ أصفيائه وأحبّائه ، أطلعت الدنيا رأسها إليكم فوجدتكم لها مستجيبين ، ولغرورها ملاحظين ، هذا والعهد قريب والمدى غير بعيد ، والجرح لمّا يندمل ، فأنّى تؤفكون وكتاب الله بين أظهركم .

يا ابن أبي قحافة ، أتَرِث أباك ولا أرث أبي ؟ دونكها مرحولة مذمومة ، فنِعْمَ الحاكم الحقّ والموعد القيامة ( لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) ثمّ أومأت إلى قبر النبيّ وقالت :

قـد كـان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكبر النُوَب

إنّـا فقدناك فقد الأرض وابلها

واغتيل أهلك لمّا اغتالك الترب

وقـد رُزيـنا بما لم يرزه أحد

مِـن البريّة لا عَجَمٌ ولا عَربُ

ثمّ إنّها اعتزلت القوم ، ولم تزل تندب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى لحقت به )(١) .

حديث الضغائن في صدور الأقوام

وما جاء في الحديث الخامس عشر الذي رواه الشيخ المجلسي عن كتاب الأمالي مِن حديث الضغائن في صدور الأقوام رواه كبار أئمّة القوم بأسانيدهم في أشهر كتبهم أيضاً :

فقد أخرج أبو يعلى والبزّار بسندٍ ـ صحّحه الحاكم وابن حبان والذهبي ـ عن عليّ بن أبي طالب قال : (بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة ، إذ أتَينا على حديقة .

_______________________

(١) تذكرة خواصّ الأمّة : ٣١٧ ـ ٣١٨ .

٤٤٤

فقلت : يا رسول الله ، ما أحسنها مِن حديقة .

قال : لك في الجنّة أحسن مِنها .

ثمّ مررنا بأُخرى فقلت : يا رسول الله ما أحسنها مِن حديقة .

قال : لك في الجنّة أحسن مِنها .

ثمّ مررنا بأُخرى فقلت : يا رسول الله ما أحسنها مِن حديقة .

قال : لك في الجنّة أحسن مِنها .

حتّى مررنا بسبع حدائق ، كلّ ذلك أقول : ما أحسنها ، ويقول : لك في الجنّة أحسن مِنها .

فلمّا خلا له الطريق اعتنقني ثمّ أجهش باكياً .

قال قلت : يا رسول الله ما يبكيك ؟

قال : ضغائن في صدور أقوام لا يُبدونها لك إلاّ مِن بعدي .

قال قلت : يا رسول الله ، في سلامة مِن ديني ؟

قال : في سلامة مِن دينك )(١) .

حديث : أنا أوّل مَن يجثو بين يدي الله ...

والحديث الثامن عشر في أنّ عليّاًعليه‌السلام أوّل مَن يجثو بين يدي الله يوم القيامة للخصومة ، حديث متَّفق عليه ، فإنّ البخاري رواه في غير موضع مِن ( صحيحه ) وهذه ألفاظه في كتاب المغازي :

( حدّثني محمّد بن عبد الله الرقاشي قال : حدّثنا معتمر قال : سمعت أبي يقول : حدّثنا أبو مجلز عن قيس بن عبّاد عن عليّ بن أبي طالب أنّه قال :أنا أوّل مَن يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة )(٢) .

فكيف يزعم بعض القوم أنّ هذا المعنى مِن مفتريات الإماميّة ؟

_______________________

(١) مجمع الزوائد ٩ : ١١٨ ، وهو في المستدرك ٣ : ١٣٩ منقوصاً !

(٢) صحيح البخاري ٥ : ١٨٣ .

٤٤٥

حديث : عليّ قسيم الجنّة والنار

ثمّ إنّ مِن المناقب الثابتة لأمير المؤمِنينعليه‌السلام أنّه قسيم الجنّة والنار ، لكنّ القوم ـ لشدّة عنادهم لأمير المؤمِنين ـ يحاولون ردّ هذه المنقبة التي تعدّ مِن خصائص الإمام .

فمِنهم : مَن يكذّب بها ، كالشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب ( التحفة الاثني عشرية ) .

ومِنهم : مَن يناقش في صحّتها ، بزعم المنافاة بينها وبين حديث ( أنا أوّل مَن يجثو بين يدي الله للخصومة ) .

أو يبطلها بدعوى استلزامها لأفضليّة الإمام مِن النبيّ ( عليه وآله السلام ) .

لكنّ الحديث ثابت لا ريب فيه ، والحديث المذكور لا ينافيه ، وقد رواه ثقات القوم بأسانيدهم المتّصلة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام وغيرهم :

قال الحافظ السمهودي : ( قال الجمال الزرندي : قال المأمون لعليّ الرضا : بأي وجهٍ جدّك عليّ بن أبي طالب قسيم الجنّة والنار ؟

فقال :يا أمير المؤمِنين ، ألم تَرْوِ عن أبيك عن عبد الله بن عبّاس قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حبّ عليّ إيمان وبغضه كفر ؟ فقال : بلى قال الرضا :فقسمة الجنّة والنار على حبّه فقال المأمون : لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن ، أشهد أنّك وارث علم رسول الله .

٤٤٦

قال أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي : فلمّا رجع الرضا إلى بيته ، قلت له : يا ابن رسول الله ، ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمِنين ؟ فقال :يا أبا الصلت ، إنّما كلّمته مِن حيث هو ، ولقد سمعت أبي يحدّث عن أبيه عن عليّ قال قال رسول الله : أنت قسيم الجنّة والنّار ، فيوم القيامة تقول للنّار هذا لي وهذا لك )(١) .

فهل رأى هذا الحديث عن هذا الإمام المعصوم مَن يكذّب به أو يناقش فيه ؟

هذا ، ومِن رواته : أبو داود الطيالسي ، والزمخشري ، والدارقطني ، والديلمي ، وشاذان الفضلي ، والسيوطي ، وابن الأثير، والقاضي عياض ، والمناوي ، والمتّقي...

قال ابن حجر المكّي في ( الصواعق ) :

( أخرج الدارقطني : إنّ عليّاً قال للستّة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم كلاماً طويلاً مِن جملته : أُنشدكم بالله ، هل فيكم أحد قال له رسول الله : يا عليّ ، أنت قسيم النّار والجنّة يوم القيامة ، غيري ؟ قالوا : اللّهمّ لا .

ومعناه ما رواه غيره عن عليّ الرضا أنّه قال له :أنت قسيم الجنّة والنّار، فيوم القيامة تقول للنار: هذا لي وهذا لك )(٢) .

وفي ( كنز العمّال ) وهو ترتيب ( جمع الجوامع ) :

(عن عليّ :أنا قسيم النار شاذان الفضلي في ردّ الشمس )(٣) .

وفي ( كنوز الحقائق ) :

(عليّ قسيم النّار طي )(٤) أي : رواه أبو داود الطيالسي .

وفي ( الشفاء ) في فصل إخبارهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المغيّبات :

_______________________

(١) جواهر العقْدَين ٢ ق ٢ : ٤٢٩ .

(٢) الصواعق المحرقة ٢ : ٣٦٩ .

(٣) كنز العمّال ١٣ : ١٥١ / ٣٦٤٧٥ .

(٤) كنوز الحقائق ـ حرف العين ، ط هامش الجامع الصغير .

٤٤٧

 ( وأخبر بملك بني أُميّة ، وولاية معاوية ووصّاه ، واتّخاذ بني أُميّة مال الله دوَلاً ، وخروج وُلْد العبّاس بالرايات السود ، وملكهم أضعاف ما ملكوا ، وخروج المهدي ، وما ينال أهل بيته وتقتيلهم وتشريدهم ، وقتل عليّ ، وأنّ أشقاها الذي يخضب هذه مِن هذه ، أي لحيته مِن رأسه ، وأنّه قسيم النّار ؛ يُدخل أولياءه الجنّة وأعدائه النار )(١) .

وفي ( النهاية الأثيرية ) :

( وفي حديث عليّرضي‌الله‌عنه :أنا قسيم النار والجنّة أراد : أنّ الناس فريقان ، فريق معي فهم على هدى ، وفريق عليَّ فهم على ضلال ، فنصف معي في الجنّة ، ونصف عليَّ في النار وقسيم فعيل بمعنى فاعل ، كالجليس والسمير قيل : أراد بهم الخوارج ، وقيل : كلّ مَن قاتله )(٢) .

وفي ( الفائق ) :

( عليّ :أنا قسيم النّار أي : مقاسمها ومساهمها ، يعني : أنّ أصحابه على شطرين ، مهتدون وضالّون ، فكأنّه قاسم النّار إيّاهم ، فشطرٌ لها وشطرٌ معه في الجنّة )(٣) .

وفي ( المودّة في القربى ) :

( المودّة التاسعة : في أنّ مفاتيح الجنّة والنّار بيد عليّرضي‌الله‌عنه ، عن أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ الله تعالى أعطاني مفاتيح الجنّة والنّار فقال : قل إلى عليّ قولاً تُخرج مَن تشاء وتُدخل مَن تشاء .

_______________________

(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ : ٣٣٨ .

(٢) النهاية في غريب الحديث والأثر ٤ : ٥٤ ( قسم ) .

(٣) الفائق في غريب الحديث ٣ : ١٩٥ ( قسم ) .

٤٤٨

وعن زيد بن أسلمرضي‌الله‌عنه قال : قال رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ: يا عليّ ، بخ بخ ، مَن مثلك والملائكة تشتاق إليك والجنّة لك ، إنّه إذا كان يوم القيامة ينصب لي مِنبر مِن نور ، ولإبراهيم مِنبر مِن نور ، ولك مِنبر مِن نور فتجلس عليه ، وإذا مُنادٍ ينادي : بخ بخ مِن وصيٍّ بين حبيب وخليل ، ثمّ أُتي بمفاتيح الجنّة والنار فأدفعها إليك .

وعن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يا ابن عبّاس ، عليك بعليّ ، فإنّ الحقّ على لسانه ، وإنّ النفاق يجانبه ، وإنّ هذا قفل الجنّة ومفتاحها وقفل النّار ومفتاحها ؛ به يدخلون الجنّة وبه يدخلون النّار .

وعن جابررضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إذا كان يوم القيامة ، يأتيني جبرئيل وميكائيل بخزنتَين مِن المفاتيح ، خزنة مِن مفاتيح الجنّة وخزنة مِن مفاتيح النار ، على مفاتيح الجنّة أسماء المؤمِنين مِن شيعة محمّد وعليّ ، وعلى مفاتيح النّار أسماء المبغضين مِن أعدائه ، فيقولان لي : يا أحمد ، هذا مبغضك وهذا محبّك ، فأودعها إلى عليّ بن أبي طالب فيحكم فيهم بما يريد ، فوالذي قسّم الأرزاق لا يدخل مبغضه الجنّة ، ولا محبّه النار أبداً )(١) .

هذا ، ولا يخفى سقوط المعنى الذي ذكره ابن الأثير أمام كلام الإمام الرضاعليه‌السلام في المعنى الحقيقي للحديث... وكذلك في ألفاظ الحديث كما في رواية القاضي عياض وغيره .

ثمّ إنّ في بعض ألفاظ الحديث زيادةً جليلةً ، رواها العاصمي بسنده في

_______________________

(١) انظر : كتاب ينابيع المودّة : المودّة في القربى ـ المودّة التاسعة ٢ : ٣١١ / ٨٨٨ .

٤٤٩

 ( زين الفتى ) حيث قال :

( أخبرنا الحسين بن محمّد البستي قال : حدّثنا عبد الله بن أبي منصور بن عدي قال : حدّثنا محمّد قال : حدّثنا محمّد قال : حدّثنا محمّد قال : حدّثني حميد عن أنس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ينادي يوم القيامة لعليّ بن أبي طالب أربعة مناد ويسمّونه بأربعة أسماء ، يا عليّ بن أبي طالب ، جعلت الميزان بيدك فرجّح مَن شئت واخفض مَن شئت ويا أسد الله ، جعلت حوض محمّد بيدك فاسق مَن شئت واحبس مَن شئت ويا سيف الله على أعدائه اذهب إلى الصراط فاحبس عليها مَن شئت وجوّز مَن شئت ويا وليّ الله اذهب إلى باب الجنّة فأدخل مَن شئت واصرف عنها مَن شئت ، فإنّه لا يدخلها إلاّ مَن أحبّك بقلبه . قلت : ومِن هذا أخذ الشاعر قوله :

قسيم النار والجنّة

عليٌّ سيّد الأُمّة ) (١)

ثمّ إنّه لا عجب مِن جهل الكابلي والدهلوي وأتباعهما بمناقب أهل البيت أو إنكارهم لها ، إذ لا ارتباط بينهم وبين الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام ، لكنّ العجب جهلهم بمناقب مشايخهم وعدم اطّلاعهم على موضوعات أسلافهم ...

وإذا كان عنادهم لأهل البيت يحملهم على إنكار مناقبهم ، أو المناقشة في مداليلها ومعانيها ـ كقول بعضهم بأنّ حديث قسيم الجنّة والنار باطل لاستلزامه أفضليّة عليّ مِن النبيّ ـ فماذا يقولون في معنى الحديث الموضوع لمشايخهم في هذا الباب ؟

_______________________

(١) زين الفتى بتفسير سورة هل أتى ٢ : ٤٠٤ / ٥٢٧ .

٤٥٠

فقد قال الحكيم الترمذي في ( نوادر الأُصول ) :

( حدّثنا الفضل بن محمّد قال : حدّثنا الحسن بن أيّوب الدمشقي قال : قرأت على عبد الله بن صالح المصري قال : حدّثني سليم بن عبد الله الأيلي قال : حدّثني ابن جريج ، عن عطاء عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ لِيَقُم أهل الله ، فيقوم أبو بكر الصدّيق وعمر الفاروق وعثمان ذو النورين وعليّ بن أبي طالب .

فيقال لأبي بكر : قم على باب الجنّة فأدخل فيها مَن شئت برحمة الله وردّ مِنها مَن شئت بقدرة الله .

ويقال لعمر : قم عند الميزان فثقّل ميزان مَن شئت برحمة الله وأخفف ميزان مَن شئت بقدرة الله .

ويقال لعثمان : خذ هذه العصا فذُد بها الناس عن الحوض .

ويقال لعليّ : البس هذه الحلّة فإنّي خبّأتها لك منذ خلقت السماوات والأرض إلى اليوم .

ولذلك قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرحم أُمّتي بأُمّتي أبو بكر ، وأقواهم في دين الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان بن عفّان رضي الله عنهم .

فهذا الحديث الأوّل يبيّن منازل القوم أنّهم أهل الله وخاصّته وأنّه يكشف ذلك لأهل الموقف غداً يظهره عليهم عند خلقه ، وأنّ الرحمة حظّها مِن الناس أبو بكر ، وأنّ الحقّ حظّه مِن الناس عمر ، فلذلك يقوم أبو بكر عند باب الجنّة ، ويقوم عمر عند الميزان .

بيّن هذا القول عن الرجلين أن كليهما كانا قد استويا لله وكانا في قبضته ، فلا يرحمان إلاّ مَن يرحم ولا يخيّبان إلاّ مَن يُخيِّب ، وهذا مِن الأمانة ، فإذا صار الأمين بحال يستكمل الأمانة فوّض إليه ، فيكون مشيّته قد وافقت مشيّة الله التي ائتمنه .

فهؤلاء قوم قد صاروا أمناء الله ، ووقفت قلوبهم بين يديه رافضين لمشيّتهم ، فلذلك قال أهل الله والأهل والآل بمعنى واحد يؤولون إليه أي يرجعون إليه في كلّ شيء فيبرز لأهل الموقف ، فينقادهم بقلوبهم وضمائرهم التي كانت فيما بينهم .

٤٥١

وبيّن الله كرامة لهم وتنويهاً بأسمائهم في ذلك الجمع ، فكان الغالب على أبي بكر الرحمة في أيّام الحياة ، والغالب على عمر القيام بالحقّ وتعزيزه ، فكأنّهما كانا ممّن هو في قبضته يستعمله ، فاستعمل هذا بالرحمة وهذا بالحقّ ، فإذا كان يوم القيامة وقف هذا عند باب الجنّة ، وهذا عند الميزان )(١) .

ولا يخفى أنّ واضعه إنّما ذكر اسم أمير المؤمِنينعليه‌السلام ليروّج باطله على عوامّ الناس ، ويخدع به المستضعفين ، إلاّ أنّه لم يذكر ما وضعه لأولئك ، فأين لَبِس الحُلّة مِن ذلك المقام الرفيع الذي وضعه لهم ؟ ومِن هنا يظهر : أنّه كما غصب القوم الخلافة مِن الإمامعليه‌السلام فسُمّوا بالخلفاء ، كذلك سعى أولياؤهم لأنْ يغصبوا مناقب الإمام وألقابه ويجعلوها لهم !!

لكنّ المحبّ الطبري أورد هذا الحديث الموضوع في ( الرياض النضرة ) فجعل فضيلة الإمامعليه‌السلام لعثمان ! وهذا نصّ روايته :

( ذكر اختصاص كلّ واحدٍ مِنهم يوم القيامة بخصوصيّة شريفة :

عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ينادي مِنادٍ يوم القيامة مِن تحت العرش :

_______________________

(١) نوادر الأصول : ٢٠٥ .

٤٥٢

أين أصحاب محمّد ؟

فيؤتى بأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ .

فيقال لأبي بكر : قف على باب الجنّة ، فأدخل مَن شئت برحمة الله تعالى ودع مَن شئت بعلم الله تعالى .

ويقال لعمر بن الخطّاب : قف عند الميزان فثقّل مَن شئت برحمة الله تعالى وخفّف مَن شئت بعلم الله تعالى .

ويكسى عثمان حلّتين ويقال له : البسهما فإنّي خلقتهما وادّخرتهما حين أنشأت خلق السماوات والأرض .

ويعطى عليّ بن أبي طالب عصا مِن عوسج ، مِن الشجرة التي غرسها الله تعالى بيده في الجنّة فيقال : ذُد الناس عن الحوض .

فقال بعض أهل العلم : لقد واسى الله تعالى بينهم في الفضل والكرامة .

رواه ابن غيلان )(١) .

وحاصل الكلام في هذا المقام :

إنّ حديث : أنا قسيم الجنّة والنّار ، هو مِن الأحاديث الثابتة ، ومَن أنكره فهو جاهل أو متعصّب ، ومَن ناقش فيه مِن جهة استلزامه الأفضليّة مِن رسول الله بزعمه ، فمناقشته مردودة عليه...

وأيضاً : فإنّ كلام الكابلي ، الدهلوي وأتباعهما يدلّ على كذب واختلاق ما رواه الحكيم الترمذي والمحبّ الطبري... إذ لا مناص لهم مِن الالتزام بلوازم كلامهم .

_______________________

(١) الرياض النضرة ١ : ٥٤ .

٤٥٣

مِن نوادر

الأخبار في أمر الخلافة

قال الراغب الإصفهاني في ( المحاضرات ) :

( عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال :

كنت أسير مع عمر بن الخطّاب في ليلة ، وعمر على بغلة وأنا على فرس ، فقرأ آية فيها ذِكْرُ عليّ بن أبي طالب .

فقال : أما والله يا بني عبد المطّلب ، لقد كان عليّ فيكم أولى بهذا الأمر منّي ومِن أبي بكر .

فقلت في نفسي : لا أقالني الله إنْ أقلت ، فقلت : أنت تقول ذاك يا أمير المؤمِنين ، وأنت وصاحبك اللذان وثبتما وانتزعتما منّا الأمر دون الناس ؟

فقال : إليكم يا بني عبد المطّلب ، أمّا إنّكم أصحاب عمر بن الخطّاب .

فتأخّرت وتقدّم هُنَيْئةً .

فقال : سر لا سرت .

فقال : أعد علَيَّ كلامك .

فقلت : إنّما ذكرتَ شيئاً ورددتُ عليك جوابه ، ولو سكتَّ لسكتنا .

فقال : أما والله ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوةٍ ، ولكن استصغرناه وخشينا أنْ لا تجتمع عليه العرب ، وقريش مُواتروه .

قال : فأردت أن أقول : كان رسول الله يبعثه في الكتيبة فينطح كبشها ولم يستصغره ، فتستصغره أنت وصاحبك .

٤٥٤

فقال : لا جرم فكيف ترى والله ما نقطع أمراً دونه ، ولا نعمل شيئاً حتّى نستأذنه )(١) .

وروى الزبير بن بكار في ( الموفّقيّات ) باللفظ الآتي :

( عن عبد الله بن عبّاس قال : إنّي لأُماشي عمر بن الخطّاب في سكّةٍ مِن سكك المدينة ، إذ قال لي :

يا ابن عبّاس ! ما أرى صاحبك إلاّ مظلوماً .

فقلت في نفسي : والله لا يسبقنّي بها ، فقلت :

يا أمير المؤمِنين ! فاردد إليه ظلامته .

فانتزع يده مِن يدي ومضى يهمهم ساعةً ، ثمّ وقف فلحقته .

فقال يا ابن عبّاس ! ما أظنّهم منعهم إلاّ أنّهم استصغروا سنّه .

فقلت في نفسي : هذه شرّ مِن الأُولى .

فقلت : والله ما استصغره الله ورسوله حين أمره أن يأخذ براءة مِن صاحبك .

فأعرض عنّي وأسرع ورجعت عنه ) .

وروى الحافظ الزرندي في ( نظم درر السمطين ) :

( عن نبيط بن شريط قال : خرجت مع عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ومعنا عبد الله بن عبّاس ، فلمّا صرنا إلى بعض حيطان الأنصار وجدنا عمر بن الخطّاب جالساً وحده ينكت في الأرض.

فقال له عليّ بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه : ما أجلسك يا أمير المؤمِنين هاهنا وحدك ؟

_______________________

(١) محاضرات الأدباء ٢ : ٤٧٨ / عليّ بن أبي طالب ، مِن فضائله .

٤٥٥

قال : لأمر همّني .

فقال له عليّ : أفتريد أحدنا ؟

فقال عمر : إن كان فعبد الله .

قال : فخلا معه عبد الله ، ومضيت مع عليّ وأبطأ علينا ابن عبّاس ، ثمّ لَحِق بنا .

فقال له عليّ : ما وراءك ؟

فقال : يا أبا الحسن ! أُعجوبة مِن عجائب أمير المؤمِنين أُخبرك بها واكتم علَيّ .

قال : لمّا أن وَلّيت ، لرأيت عمر ينظر إليك وإلى أثرك ويقول : آه آه .

فقلت : بم تتأوّه يا أمير المؤمِنين ؟

قال : مِن أجل صاحبك يا ابن عبّاس ، وقد أُعطيَ ما لم يُعطَ أحدٌ مِن آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولولا ثلاث هنّ فيه ما كان لهذا الأمر يعني الخلافة أحد سواه .

قلت : يا أمير المؤمِنين ! وما هنّ ؟

قال : كثرة دعابته ، وبغض قريش له ، وصِغَر سنّه .

فقال له عليّ : فما رددت ؟

قال : داخلني ما يداخل ابن العمّ لابن عمّه .

فقلت : يا أمير المؤمِنين ! أمّا كثرة دعابته ، فقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يداعب ولا يقول إلاّ حقّاً ، ويقول للصبيّ ما يعلم أنّه يستميل به قلبه أو يسهل على قلبه وأمّا بغض قريش له ، فوالله ما يبالي ببغضهم ، بعد أن جاهدهم في الله حتّى أظهر الله دينه ، فقصم أقرانها وكسر آلهتها وأثكل نساءها في الله وأمّا صغر سنّه ، فلقد علمت أنّ الله تعالى حيث أنزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( بَرَاءةٌ مِن اللّهِ وَرَسُولِهِ ) وجّه بها صاحبه ليُبلِّغ عنه ، فأمر الله تعالى أن لا يبلّغ عنه إلاّ رجل مِنه ، فوجّهه في أثره وأمره أن يؤذن ببراءة ، فهل استصغر الله تعالى سنّه ؟

٤٥٦

فقال عمر : أمسك عليّ واكتم واكتم ، فإنْ سمعتها مِن غيرك لم أنم بين لابتيها )(١) .

هذا ، وفي حديث رواه بدر الدين محمّد بن عبد الله الشبلي(٢) في كتاب ( آكام المرجان ) عن عبد الله بن مسعود ما يدلُّ على عدم رضا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باستخلاف الشيخين... وهذا نصّ الحديث كما رواه الشبلي بإسناده عن طريق جمع مِن الأكابر في كلام له حيث قال :

( وقد ورد ما يدلّ على أنّ ابن مسعود حضر ليلة أُخرى بمكّة غير ليلة الحجون .

فقال أبو نعيم : حدّثنا سليمان بن أحمد ، حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، حدّثنا علي بن الحسين بن أبي بردة البجلي ، حدّثنا يحيى بن يعلى الأسلمي ، عن حرب بن صبيح ، حدّثنا سعيد بن مسلم ، عن أبي مرّة الصنعاني ، عن أبي عبد الله الجدلي ، عن عبد الله بن مسعود قال :

استتبعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة الجنّ فانطلقت حتّى بلغنا أعلا مكّة ، فخطّ علَيّ خطّاً وقال :لا تبرح ، ثمّ انصاع في الجبال ، فرأيت الرجال ينحدرون عليه مِن رؤوس الجبال حتّى حالوا بيني وبينه ، فاخترطت السيف وقلت : لأضربنّ حتّى أستنقذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ ذكرت قوله : لا تبرح حتّى آتيك .

_______________________

(١) نظم درر السمطين : ١٣٢ فصل في ذكر آثارٍ عن الصحابة في حقّه .

(٢) توجد ترجمته في الدرر الكامنة ٣ : ٤٨٧ وغيرها توفي سنة ٧٦٩ .

٤٥٧

قال : فلم أزل كذلك حتّى أضاء الفجر ، فجاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا قائم فقال :ما زلت على حالك ؟

قلت : لو مكثت شهراً ما برحت حتّى تأتيني ، ثمّ أخبرته بما أردت أن أصنع .

فقال :لو خرجت ما التقيت وأنا وأنت إلى يوم القيامة ، ثمّ شبك أصابعه في أصابعي وقال :إنّي وُعدْتُ أن تؤمِن بي الجنّ والإنس ؛ فأمّا الإنس فقد آمنت بي وأمّا الجنّ فقد رأيت ، وما أظنّ أجلي إلاّ وقد اقترب .

قلت : يا رسول الله ! ألا تستخلف أبا بكر .

فأعرض عنّي ، فرأيت أنّه لم يوافقه .

قلت : يا رسول الله ! ألا تستخلف عمر ؟

فأعرض عنّي فرأيت أنّه لم يوافقه .

قلت : يا رسول الله ! ألا تستخلف عليّاً ؟

قال :ذلك والذي لا إله غيره لو بايعتموه وأطعتموه أدخلكم الجنّة أكتعين )(١) .

ورواه الحافظ سبط ابن الجوزي في كتاب ( تذكرة خواصّ الأُمّة ) عن أحمد بن حنبل بإسناده عن عبد الله بن مسعود كذلك ، قال :

( قد روى الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن أبيه عن مينا عن عبد الله بن مسعود قال : كنت مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة وفد الجنّ ، فتنفّس ، فقلت : يا مالك يا رسول الله ؟

قال :نُعِيَت إليَّ نفسي ، يا ابن مسعود .

_______________________

(١) آكام المرجان في أحكام الجان : ٥١ .

٤٥٨

 ( زين الفتى ) حيث قال :

( أخبرنا الحسين بن محمّد البستي قال : حدّثنا عبد الله بن أبي منصور بن عدي قال : حدّثنا محمّد قال : حدّثنا محمّد قال : حدّثنا محمّد قال : حدّثني حميد عن أنس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ينادي يوم القيامة لعليّ بن أبي طالب أربعة مناد ويسمّونه بأربعة أسماء ، يا عليّ بن أبي طالب ، جعلت الميزان بيدك فرجّح مَن شئت واخفض مَن شئت ويا أسد الله ، جعلت حوض محمّد بيدك فاسق مَن شئت واحبس مَن شئت ويا سيف الله على أعدائه اذهب إلى الصراط فاحبس عليها مَن شئت وجوّز مَن شئت ويا وليّ الله اذهب إلى باب الجنّة فأدخل مَن شئت واصرف عنها مَن شئت ، فإنّه لا يدخلها إلاّ مَن أحبّك بقلبه . قلت : ومِن هذا أخذ الشاعر قوله :

قسيم النار والجنّة

عليٌّ سيّد الأُمّة (١)

ثمّ إنّه لا عجب مِن جهل الكابلي والدهلوي وأتباعهما بمناقب أهل البيت أو إنكارهم لها ، إذ لا ارتباط بينهم وبين الأئمّة الطاهرينعليهم‌السلام ، لكنّ العجب جهلهم بمناقب مشايخهم وعدم اطّلاعهم على موضوعات أسلافهم ...

وإذا كان عنادهم لأهل البيت يحملهم على إنكار مناقبهم ، أو المناقشة في مداليلها ومعانيها ـ كقول بعضهم بأنّ حديث قسيم الجنّة والنار باطل لاستلزامه أفضليّة عليّ مِن النبيّ ـ فماذا يقولون في معنى الحديث الموضوع لمشايخهم في هذا الباب ؟

فقد قال الحكيم الترمذي في ( نوادر الأُصول ) :

( حدّثنا الفضل بن محمّد قال : حدّثنا الحسن بن أيّوب الدمشقي قال : قرأت على عبد الله بن صالح المصري قال : حدّثني سليم بن عبد الله الأيلي قال : حدّثني ابن جريج ، عن عطاء عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ لِيَقُم أهل الله ، فيقوم أبو بكر الصدّيق وعمر الفاروق وعثمان ذو النورين وعليّ بن أبي طالب .

فيقال لأبي بكر : قم على باب الجنّة فأدخل فيها مَن شئت برحمة الله وردّ مِنها مَن شئت بقدرة الله .

ويقال لعمر : قم عند الميزان فثقّل ميزان مَن شئت برحمة الله وأخفف ميزان مَن شئت بقدرة الله.

ويقال لعثمان : خذ هذه العصا فذُد بها الناس عن الحوض .

_______________________

(١) زين الفتى بتفسير سورة هل أتى ٢ : ٤٠٤ / ٥٢٧ .

٤٥٩

ويقال لعليّ : البس هذه الحلّة فإنّي خبّأتها لك منذ خلقت السماوات والأرض إلى اليوم .

ولذلك قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرحم أُمّتي بأُمّتي أبو بكر ، وأقواهم في دين الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان بن عفّان رضي الله عنهم .

فهذا الحديث الأوّل يبيّن منازل القوم أنّهم أهل الله وخاصّته وأنّه يكشف ذلك لأهل الموقف غداً يظهره عليهم عند خلقه ، وأنّ الرحمة حظّها مِن الناس أبو بكر ، وأنّ الحقّ حظّه مِن الناس عمر ، فلذلك يقوم أبو بكر عند باب الجنّة ، ويقوم عمر عند الميزان .

بيّن هذا القول عن الرجلين أن كليهما كانا قد استويا لله وكانا في قبضته ، فلا يرحمان إلاّ مَن يرحم ولا يخيّبان إلاّ مَن يُخيِّب ، وهذا مِن الأمانة ، فإذا صار الأمين بحال يستكمل الأمانة فوّض إليه ، فيكون مشيّته قد وافقت مشيّة الله التي ائتمنه .

فهؤلاء قوم قد صاروا أمناء الله ، ووقفت قلوبهم بين يديه رافضين لمشيّتهم ، فلذلك قال أهل الله والأهل والآل بمعنى واحد يؤولون إليه أي يرجعون إليه في كلّ شيء فيبرز لأهل الموقف ، فينقادهم بقلوبهم وضمائرهم التي كانت فيما بينهم .

وبيّن الله كرامة لهم وتنويهاً بأسمائهم في ذلك الجمع ، فكان الغالب على أبي بكر الرحمة في أيّام الحياة ، والغالب على عمر القيام بالحقّ وتعزيزه ، فكأنّهما كانا ممّن هو في قبضته يستعمله ، فاستعمل هذا بالرحمة وهذا بالحقّ ، فإذا كان يوم القيامة وقف هذا عند باب الجنّة ، وهذا عند الميزان )(١) .

ولا يخفى أنّ واضعه إنّما ذكر اسم أمير المؤمِنينعليه‌السلام ليروّج باطله على عوامّ الناس ، ويخدع به المستضعفين ، إلاّ أنّه لم يذكر ما وضعه لأولئك ، فأين لَبِس الحُلّة مِن ذلك المقام الرفيع الذي وضعه لهم ؟ ومِن هنا يظهر : أنّه كما غصب القوم الخلافة مِن الإمامعليه‌السلام فسُمّوا بالخلفاء ، كذلك سعى أولياؤهم لأنْ يغصبوا مناقب الإمام وألقابه ويجعلوها لهم !!

لكنّ المحبّ الطبري أورد هذا الحديث الموضوع في ( الرياض النضرة ) فجعل فضيلة الإمامعليه‌السلام لعثمان ! وهذا نصّ روايته :

( ذكر اختصاص كلّ واحدٍ مِنهم يوم القيامة بخصوصيّة شريفة :

عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ينادي مِنادٍ يوم القيامة مِن تحت العرش :

_______________________

(١) نوادر الأصول : ٢٠٥ .

٤٦٠