تفسير القمى الجزء ١

تفسير القمى0%

تفسير القمى مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 403

تفسير القمى

مؤلف: ابى الحسن على بن ابراهيم القمى
تصنيف:

الصفحات: 403
المشاهدات: 39791
تحميل: 8553


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 403 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39791 / تحميل: 8553
الحجم الحجم الحجم
تفسير القمى

تفسير القمى الجزء 1

مؤلف:
العربية

فخرج منهم خلق كثير كما حكى الله هربا من الطاعون فصاروا إلى مفازة فماتوا في ليلة واحدة كلهم، فبقوا حتى كانت عظامهم يمر بهم المار فينحيها برجله عن الطريق ثم احياهم الله وردهم إلى منازلهم فبقوا دهرا طويلا ثم ماتوا ودفنوا.

وقوله (الم تر إلى الملاء من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم إبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله - إلى قوله - والله عليم بالظالمين) قال حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة عن ابي بصير عن ابي جعفرعليه‌السلام إن بني إسرائيل بعد موسىعليه‌السلام عملوا المعاصي وغيروا دين الله وعتوا عن امر ربهم، وكان فيهم نبي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه، وروي انه ارميا النبي، فسلط الله عليهم جالوت، وهو من القبط فاذلهم وقتل رجالهم واخرجهم من ديارهم واموالهم واستعبد نساء‌هم، ففزعوا إلى نبيهم وقالوا سل الله ان يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، وكانت النبوة في بني إسرائيل في بيت والملك والسلطان في بيت آخر لم يجمع الله لهم الملك والنبوة في بيت واحد، فمن ذلك " قالوا ابعث لنا ملكا.الخ " وقوله (فقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) فغضبوا من ذلك (وقالوا انى يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال) وكانت النبوة في ولد لاوي والملك في ولد يوسف، وكان طالوت من ولد بن يامين اخي يوسف لامه لم يكن من بيت النبوة ولا من بيت المملكة، فقال لهم نبيهم (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) وكان اعظمهم جسما وكان شجاعا قويا وكان اعلمهم الا انه كان فقيرا فعابوه بالفقر فقالوا لم يؤت سعة من المال، فقال (لهم نبيهم إن آية ملكه ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة) وكان التابوت الذي انزل الله على موسى فوضعته فيه امه والقته في اليم، فكان في بني إسرائيل معظما

٨١

يتبركون به، فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الالواح وما كان عنده من آيات النبوة واودعه يوشع وصيه، فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات فلم يزل بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم فلما سألوا النبي بعث الله طالوت عليهم يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت وقوله " فيه سكينة من ربكم " فان التابوت كان يوضع بين يدي العدو وبين المسلمين فيخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه الانسان، حدثني ابي عن الحسن بن خالد عن الرضاعليه‌السلام انه قال السكينة ريح من الجنة لها وجه كوجه الانسان فكان اذا وضع التابوت بين يدي المسلمين والكفار فان تقدم التابوت لا يرجع رجل حتى يقتل او يغلب، ومن رجع عن التابوت كفر وقتله الامام.

فاوحى الله إلى نبيهم ان جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسىعليه‌السلام وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوبعليه‌السلام اسمه داود بن آسي، وكان آسي راعيا وكان له عشرة بنين اصغرهم داود، فلما بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى آسي ان احضر ولدك، فلما حضروا دعا واحدا واحدا من ولده فالبسه درع موسىعليه‌السلام ، منهم من طالت عليه ومنهم من قصرت عنه فقال لآسي هل خلفت من ولدك احدا؟ قال نعم اصغرهم تركته في الغنم يرعاها فبعث اليه ابنه فجاء به فلما دعي اقبل ومعه مقلاع(١) قال فنادته ثلاث صخرات في طريقه فقالت يا داود خذنا فاخذها في مخلاته وكان شديد البطش قويا في بدنه شجاعا، فلما جاء إلى طالوت البسه درع موسى فاستوت عليه، ففصل طالوت بالجنود

____________________

(١) مقلاع كمضراب آلة يرمى بها الاحجار إلى الصيد ونحوه.

٨٢

وقال لهم نبيهم يابني إسرائيل (ان الله مبتليكم بنهر) في هذه المفازة(١) فمن شرب منه فليس من حزب الله، ومن لم يشرب منه فانه من حزب الله الا من اغترف غرفة بيده، فلما وردوا النهر اطلق الله لهم ان يغرف كل واحد منهم غرفة بيده (فشربوا منه الا قليلا منهم) فالذين شربوا منه كانوا ستين الفا وهذا امتحان امتحنوا به كما قال الله، وروي عن ابي عبداللهعليه‌السلام انه قال القليل الذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلاث مأة وثلاث عشر رجلا، فلما جاوزوا النهر ونظروا إلى جنود جالوت قال الذين شربوا منه (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) وقال الذين لم يشربوا (ربنا افرغ علينا صبراوثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) فجاء داود (ع) حتى وقف بحذاء جالوت، وكان جالوت على للفيل وعلى رأسه التاج وفي ياقوت يلمع نوره وجنوده بين يديه، فاخذ داود من تلك الاحجار حجرا فرمى به في ميمنة جالوت، فمر في الهواء ووقع عليهم فانهزموا واخذ حجرا آخر فرمى به في ميسرة جالوت فوقع عليهم فانهزموا ورمى جالوت بحجر ثالث فصك الياقوتة في جبهته ووصل إلى دماغه ووقع إلى الارض ميتا فهو قوله (فهزموهم باذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة) واما قوله (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن جميل قال قال ابوعبدالله (ع) إن الله يدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا، ولو اجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا، وإن الله يدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لا يزكي من شيعتنا ولو اجمعوا على ترك الزكاة لهلكوا، وإن الله ليدفع بمن

____________________

(١) المفازة كمغارة الفلاة لا ماء فيها، قيل ان ذلك مأخوذ من فوز اي مات لان المفازة مظنة للموت، وقيل سميت مفازة لان من خرج منها وقطعها فاز.ج-ز

٨٣

يحج من شيعتنا عمن لا يحج من شيعتنا ولو اجمعوا على ترك الحج لهلكوا، وهو قول الله " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض.الخ "الجزء(٣) واما قوله (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وايدناه بروح القدس الآية) فانه جاء رجل إلى امير المؤمنينعليه‌السلام يوم الجمل فقال ياعلي على ما تفاتل اصحاب رسول الله ومن شهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله؟ فقال على آية في كتاب الله اباحت لي قتالهم، فقال وما هي؟ قال قوله تعالى " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وايدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاء‌تهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد " فقال الرجل كفر والله القوم وقوله (يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) اي صداقة.

واما آية الكرسي فانه حدثني ابي عن الحسين بن خالد انه قره ابوالحسن الرضاعليه‌السلام :(١) الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم) قال " ما بين ايديهم " فامور الانبياء وما كان " وما خلفهم " اي ما لم يكن بعد، قوله " الا بما شاء " اي بما يوحى اليهم (ولا يؤده حفظهما) اي لا يثقل عليه حفظ ما في السماوات وما في الارض وقوله (لا إكراه في الدين) اي لا يكره احد على دينه الا بعد ان قد تبين له الرشد من الغي (فمن يكفر بالطاغوت) وهم الذين غصبوا آل محمد حقهم (فقد استمسك بالعروة الوثقى) يعني الولاية

____________________

(١) ليس في ط الم - ج-ز

٨٤

(لا انفصام لها) اي حبل لا انقطاع له يعني امير المؤمنين والائمة بعدهعليهم‌السلام (الله ولي الذين آمنوا) وهم الذين اتبعوا آل محمدعليهم‌السلام (يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت) هم الظالمون آل محمد والذين اتبعوا من غصبهم (يخرجونهم من النور إلى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون والحمد لله رب العالمين) كذا نزلت، حدثني ابي عن النضر بن سويد عن موسى بن بكر عن زرارة عن ابي عبداللهعليه‌السلام في قوله (وسع كرسيه السموات والارض) سألته ايما اوسع الكرسي او السموات والارض؟ قال لا بل الكرسي وسع السموات والارض وكل شئ خلق الله في الكرسي.

حدثني ابي عن اسحاق بن الهيثم عن سعد بن ظريف عن الاصبغ بن نباتة ان علياعليه‌السلام سئل عن قول الله عزوجل " وسع كرسيه السموات والارض " قال السموات والارض وما فيهما من مخلوق في جوف الكرسي وله اربعة املاك يحملونه باذن الله (فاما الملك الاول) ففي صورة الآدميين وهى اكرم الصور على الله وهو يدعو الله ويتضرع اليه ويطلب الشفاعة والرزق لبني آدم (والملك الثاني) في صورة الثور وهو سيد البهائم وهو يطلب إلى الله ويتضرع اليه ويطلب الشفاعة والرزق لجميع البهائم (والملك الثالث) في صورة النسر وهو سيد الطير وهو يطلب إلى الله ويتضرع اليه ويطلب الشفاعة والرزق لجميع الطير (والملك الرابع) في صورة الاسد وهو سيد السباع وهو يرغب إلى الله ويطلب الشفاعة والرزق لجميع السباع، ولم يكن في هذه الصور احسن من الثور ولا اشد انتصابا منه حتى اتخذ الملا من بني اسرائيل العجل الها، فلما عكفوا عليه وعبدوه من دون الله خفض الملك الذي في صورة الثور رأسه استحياء‌ا من الله ان عبد من دون الله شيئ يشبهه وتخوف ان ينزل به العذاب، ثم قالعليه‌السلام ان الشجر لم يزل حصيدا كله حتى دعي للرحمن ولد أعز الرحمن وجل ان يكون له ولد، فكادت

٨٥

السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا(١) ، فعند ذلك اقشعر الشجر وصار له شوك حذار ان ينزل به العذاب، فما بال قوم غيروا سنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعدلوا عن وصيته في حق علي والائمةعليهم‌السلام ولا يخافون ان ينزل بهم العذاب ثم تلا هذه الآية " الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار " ثم قال نحن والله نعمة الله التي انعم الله بها على عباده وبنا فاز من فاز وقوله (لم تر إلى الذي حاج ابراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيى ويميت قال انا احيى واميت قال إبراهيم فان الله يأتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب) فانه لما القى نمرود إبراهيم (ع) في النار وجعلها الله عليه بردا وسلاما قال نمرود يا ابراهيم من ربك؟ قال ربي الذي يحيى ويميت، قال نمرود انا احيي واميت فقال له ابراهيم كيف تحيي وتميت؟ قال إلي برجلين ممن قد وجب عليهما القتل فاطلق عن واحد وقتل واحدا فاكون قد احييت وامت، فقال ابراهيم ان كنت صادقا فاحي الذي قتلته ثم قال دع هذا فان ربي يأتيني بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فكان كما قال الله عزوجل " فبهت الذي كفر " اي انقطع وذلك انه علم ان الشمس اقدم منه.

واما قوله (او كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال انى يحيي هذه الله بعد موتها) فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن يحيي الحلبي عن هارون بن خارجة عن ابي عبدالله (ع) قال لما عملت بنو إسرائيل المعاصي وعتوا عن امر ربهم فاراد الله ان يسلط عليهم من يذلهم ويقتلهم فاوحى الله تعالى إلى إرميا يا إرميا ما بلد انتخبته من بين البلدان وغرست فيه من كرائم الشجر فاخلف فانبت خرنوبا؟(٢) فاخبر إرميا اخيار علماء بني اسرائيل فقالوا له راجع

____________________

(١) هد البناء اى ضعضعه وهدمه

(٢) الخرنوب بالضم والفتح شجرة برية ذات شوك وحمل كالتفاح لكنه بشع ق

٨٦

ربك ليخبرنا ما معنى هذا المثل؟ فصام إرميا سبعا، فاوحى الله اليه ياارميا اما البلد فبيت المقدس واما ما انبت فيها فبنو إسرائيل الذين اسكنتهم فيها فعملوا بالمعاصي وغيروا ديني وبدلوا نعمتي كفرا، فبى حلفت لامتحننهم بفتنة يظل الحكيم فيها حيرانا ولاسلطن عليهم شر عبادي ولادة وشرهم طعاما فليسلطن عليهم بالجبرية فيقتل مقاتليهم ويسبي حريمهم ويخرب ديارهم التي يغترون بها ويلقي حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل مأة سنة، فاخبر ارميا احبار بني اسرائيل فقالوا له راجع ربك فقل له ما ذنب الفقراء والمساكين والضعفاء، فصام ارميا سبعا ثم اكل اكلة فلم يوح اليه شئ ثم صام سبعا واكل اكلة ولم يوح اليه شئ ثم صام سبعا فاوحى الله اليه يا ارميا لتكفن عن هذا او لاردن وجهك في قفاك، قال ثم اوحى الله تعالى اليه قل لهم لانكم رأيتم المنكر فلم تنكروه، فقال ارميا رب اعلمني من هو حتى آتيه وآخد لنفسي واهل بيتي منه امانا قال إيت موضع كذا وكذا فانظر إلى غلام اشدهم زمانا واخبثهم ولادة واضعفهم جسما وشرهم غذاء‌ا فهو ذلك، فاتى إرميا ذلك البلد فاذا هو غلام في خان زمن(١) ملقى على مزبلة وسط الخان واذا له ام تزنى بالكسر وتفت الكسر في القصعة وتحلب عليه خنزيرة لها ثم تدنيه من ذاك الغلام فيأكله، فقال ارميا ان كان في الدنيا الذي وضعه الله فهو هذا، فدنى منه فقال له ما اسمك؟ فقال بخت نصر، فعرفه انه هو فعالجه حتى برأ ثم قال له تعرفني؟ قال لا انت رجل صالح، قال انا ارميا نبي بني إسرائيل، اخبرني الله انه سيسلطك على بني إسرائيل فتقتل رجالهم وتفعل بهم كذا وكذا، قال فتاه في نفسه في ذاك الوقت ثم قال ارميا اكتب لي كتابا بامان منك فكتب له كتابا، وكان يخرج في الجبل ويحتطب ويدخله المدينة ويبيعه.

____________________

(١) اي مخروبة.

(٢) بخت نصر بضم الباء وتشديد الصاد اصله بوخت ومعناه ابن ونصر اسم صنم لانه كان وجد ملقى عنده فنسب اليه لانه لم يعرف له اب ق ومجمع ج.ز

٨٧

فدعا إلى حرب بني اسرائيل فأجابوه وكان مسكنهم في بيت المقدس واقبل بخت نصر نحو بيت المقدس واجتمع اليه بشر كثير، فلما بلغ ارميا اقباله نحو بيت المقدس استقبله على حمار له ومعه الامان الذي كتب له بخت نصر فلم يصل اليه ارميا من كثرة جنوده واصحابه، فصير الامان على قصبة ورفعها، فقال من انت؟ فقال انا ارميا النبي الذي بشرتك بانك سيسلطك الله على بني اسرائيل وهذا امانك لي، قال اما انت فقد امنتك واما اهل بيتك فانى ازمى من ههنا إلى بيت المقدس فان وصلت رميتي إلى بيت المقدس فلا امان لهم عندي وان لم تصل فهم آمنون، واننزع قوسه ورمى نحو بيت المقدس فحملت الريح النشابة حتى علقتها في بيت المقدس، فقال لا امان لهم عندي، فلما وافى نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة واذا دم يغلي وسطه كلما القي عليه التراب خرج وهو يغلي فقال ما هذا فقالوا هذا؟ دم نبي كان لله فقتله ملوك بني اسرائيل ودمه يغلي وكلما القينا عليه التراب خرج يغلي، فقال بخت نصر لاقتلن بني اسرائيل ابدا حتى يسكن هذا الدم وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا (ع) وكان في زمانه ملك جبار يزني بنساء بني إسرائيل وكان يمر بيحيى بن زكريا فقال له يحيى اتق الله ايها الملك، لا يحل لك هذا فقالت له امرأة من اللواتي كان يزني بهن حين سكر " ايها الملك اقتل هذا " فأمر ان يؤتى برأسه فأتوا برأس يحيى (ع) في طشت وكان الرأس يكلمه ويقول له يا هذا اتق الله لا يحل لك هذا، ثم غلى الدم في طشت حتى فاض إلى الارض فخرج يغلى ولا يسكن، وكان بين قتل يحيى وبين خروج بخت نصر مأة سنة، ولم يزل بخت نصر يقتلهم وكان يدخل قرية قرية فيقتل الرجال والنساء والصبيان وكل حيوان والدم يغلى ولا يسكن حتى افناهم، فقال أبقي احد في هذه البلاد؟ قالوا عجوز في موضع كذا وكذا فبعث اليها فضرب عنقها على الدم فسكن، وكانت آخر من بقي، ثم اتى بابل فبنى بها

٨٨

مدينة واقام وحفر بئرا فالقى فيها دانيال والقى معه اللبوة(١) فجعلت اللبوة تأكل من طين البئر ويشرب دانيال لبنها فلبث بذلك زمانا، فاوحى الله إلى النبي الذي كان ببيت المقدس ان اذهب بهذا الطعام والشراب إلى دانيال واقرأه مني السلام، قال واين دانيال يارب؟ قال في بئر ببابل في موضع كذا وكذا قال فاتاه فاطلع في البئر فقال يادانيال، فقال لبيك صوت غريب قال إن ربك يقرؤك السلام وقد بعث اليك بالطعام والشراب فأدلاه اليه فقال دانيال " الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه الحمدلله الذي من توكل عليه كفاه الحمدلله الذي لا ينسى من ذكره الحمدلله الذي لا بخيب من دعاه الحمدلله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره الحمدله الذي يجزي بالاحسان إحسانا الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة الحمدلله الذي يكشف حزننا (ضرنا ط) عند كربتنا الحمدلله الذي هو ثقتنا حين تنقطع الحيل منا الحمدلله الذي هو رجاؤنا حين ساء ظننا باعمالنا ".

قال فأوري بخت نصر في نومه كأن رأسه من حديد ورجليه من نحاس وصدره من ذهب، قال فدعا المنجمين فقال لهم ما رأيت؟ قالوا ما ندري ولكن قص علينا ما رأيت؟ فقال وانا اجري عليكم الارزاق منذ كذا وكذا ولا تدرون ما رأيت في المنام، فأمر بهم فقتلوا، قال فقال له بعض من كان عنده، ان كان عند احد شئ فعند صاحب الجب فان اللبوة لم تعرض له وهي تأكل الطين وترضعه فبعث إلى دانيال فقال ما رأيت في المنام؟ قال رأيت كان رأسك من حديد ورجليك من نحاس وصدرك من ذهب، قال هكذا رأيت فما ذاك؟ قال قد ذهب ملكك وانت مقتول إلى ثلاثة ايام يقتلك رجل من ولد فارس، قال فقال له ان علي سبع مدائن، على باب كل مدينة حرس وما رضيت بذلك حتى وضعت بطة

____________________

(١) اللبوة انثى الاسد، ج-ز

٨٩

من نحاس على باب كل مدينة لا يدخل غريب الا صاحت عليه حتى يؤخذ قال فقال له ان الامر كما قلت لك قال فبث الخيل وقال لا تلقون احدا من الخلق الا قتلتموه كائنا من كان وكان دانيال جالسا عنده، وقال لا تفارقني هذه الثلاثة ايام فان مضت قتلتك، فلما كان اليوم الثالث ممسيا اخذه الفم فخرج فتلقاه غلام كان يخدم ابنا له من اهل فارس وهو لا يعلم انه من اهل فارس، فدفع اليه سيفه وقال له يا غلام لا تلقى احدا من الخلق الا وقتلته وان لقيتني انا فاقتلني، فأخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصر ضربة فقتله.

فخرج إرميا على حماره ومعه تين قد تزوده وشئ من عصير فنظر إلى سباع البر وسباع البحر وسباع الجو تأكل تلك الجيف ففكر في نفسه ساعة ثم قال انى يحيي هذه الله بعد موتها وقداكلهم السباع، فأماته الله مكانه وهو قول الله تبارك وتعالى " او كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال انى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مأة عام ثم بعثه " اي احياه فاما رحم الله بني اسرائيل واهلك بخت نصر رد بني اسرائيل إلى الدنيا، وكان عزيز لما سلط الله بخت نصر على بني اسرائيل هرب ودخل في عين وغاب فيها وبقي ارميا ميتا مأة سنة ثم احياه الله تعالى فاول ما احيا منه عينيه في مثل غرقئ(١) البيض فنظر فاوحى الله تعالى اليه (كم لبثت قال لبثت يوما) ثم نظر إلى الشمس وقد ارتفعت فقال (او بعض يوم) فقال الله تعالى (بل لبثت مأة فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه - اي لم يتغير - وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما) فجعل ينظر إلى العظام البالية المتفطرة تجمع اليه والى اللحم الذي قد اكلته السباع يتألف إلى العظام من ههنا وههنا

____________________

(١) بكسر الغين بياض البيض.ج-ز

٩٠

ويلتزق بها حتى قام وقام حماره فقال (اعلم إن الله على كل شئ قدير).

واما قوله (وإذ قال إبراهيم رب ارني كيف تحيى الموتى قال او لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصر من اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابي ايوب عن ابي بصير عن ابي عبداللهعليه‌السلام ان ابراهيمعليه‌السلام نظر إلى جيفة على ساحل البحر تأ كله سباع البر وسباع البحر ثم تحمل السباع بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا فتعجب ابراهيم (ع) " فقال رب ارني كيف تحيي الموتى.الخ " فأخذ ابراهيمعليه‌السلام الطاؤس والديك والحمام والغراب فقال الله عزوجل " فصرهن اليك، اي قطعهن ثم اخلط لحمهن وفرقهن على عشرة جبال ثم خذ مناقيرهن وادعهن ياتينك سعيا، ففعلى ابراهيم ذلك وفرقهن على عشرة جبال ثم دعاهن فقال اجيبنني باذن الله تعالى، فكانت تجمع ويتألف لحم كل واحد وعظمه إلى رأسه وطارت إلى ابراهيم، فعند ذلك قال ابراهيم ان الله عزيز حكيم.

وقوله (والذين ينفقون اموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما انفقوا منا ولا اذى الآية) فانه قال الصادق (ع) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من اسدى إلى مؤمن معروفا ثم آذاه بالكلام او من عليه فقد ابطل الله صدقته ثم ضرب الله فيه مثلا فقال كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين) وقال من اكثر منه واذاه لمن يتصدق عليه بطلت صدقته كما يبطل التراب الذي يكون على صفوان، والصفوان الصخرة الكبيرة التي تكون على مفازة فيجئ المطر فيغسل التراب عنها ويذهب به، فضرب الله هذا المثل لمن اصطنع معروفا ثم اتبعه بالمن والاذى " وقال الصادق (ع) ما شئ احب الي من

٩١

رجل سلف مني اليه يد اتبعته اختها واحسنت بها له لاني رأيت منع الاواخر فقطع لسان شكر الاوائل، ثم ضرب مثل المؤمنين (مثل الذين ينفقون اموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من انفسهم كمثل جنة بربوة اصابها وابل فاتت اكلها ضعفين فان لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير) قال " مثلهم كمثل جنة " اي بستان في موضع مرتفع " اصابها وابل " اي مطر " فآتت اكلها ضعفين " اي يتضاعف ثمرها كما يتضاعف اجر من انفق ماله " ابتغاء مرضات الله " والطل ما يقع بالليل على الشجر والنبات، وقال ابوعبداللهعليه‌السلام (والله يضاعف لمن يشاء) لمن انفق ماله ابتغاء مرضات الله، قال فمن انفق ماله ابتغاء مرضات الله ثم امتن على من تصدق عليه كان كما قال الله (ايود احدكم ان تكون له جنة من نخيل واعناب تجري من تحتها الانهار له فيها من كل الثمرات واصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فاصابها اعصار فيه نار فاحترقت) قال الاعصار الرياح، فمن امتن على من تصدق عليه كمن كان له جنة كثيرة الثمار وهو شيخ ضعيف له اولاد صغار ضعفاء فتجئ ريح او نار فتحرق ماله كله، واما قوله (ياايها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما اخرجنا لكم من الارض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه) فانه كان سبب نزولها ان قوما كانوا اذا صرموا النخل عمدوا إلى ارذل تمورهم فيتصدقون بها، فنهاهم الله عن ذلك، فقال " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه " اي انتم لو دفع ذلك اليكم لم تأخذوه واما قوله (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء) فان الشيطان يقول لا تنفق فانك تفتقر (والله يعدكم مغفرة منه وفضلا) اي يغفر لكم ان انفقتم لله " وفضلا " قال يخلف عليكم، وقوله (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا) قال الخير الكثير معرفة امير المؤمنين والائمةعليهم‌السلام ، وقوله (إن تبدوا الصدقات فنعما هى) قال الزكاة المفروضة تخرج علانية وتدفع علانية

٩٢

وبعد ذلك غير الزكاة ان دفعته سرا فهو افضل وقوله (للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الارض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا) فهم الذين لا يسئلون الناس الحافا من الراضين والمتجملين في الدين الذين لا يسئلون الناس الحافا ولا يقدرون ان يضربوا في الارض فيحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف عن السؤال.

وقوله (الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن هشام عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما اسري بي إلى السماء رأيت قوما يريد احدهم ان يقوم فلا يقدر ان يقوم من عظم بطنه، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، وقوله (يمحق الربا ويربى الصدقات) قال قيل للصادقعليه‌السلام قد نرى الرجل يربى وماله يكثر فقال يمحق الله دينه وان كان ماله يكثر وقوله (ياايها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين) فانه كان سبب نزولها انه لم انزل الله تعالى " الذين يأكلون الربا الخ " فقام خالد بن الوليد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله ربا ابي في ثقيف وقد اوصاني عند موته باخذه فانزل الله تبارك وتعالى (ياايها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله) قال من اخذ الربا وجب عليه القتل وكل من اربى وجب عليه القتل، واخبرني ابي عن ابن ابي عمير بن جميل عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال درهم من ربا اعظم عند الله من سبعين زنية بذات محرم في بيت الله الحرام، قال ان

٩٣

للربا سبعين جزء‌ا ايسره ان ينكح الرجل امه في بيت الله الحرام.

واما قوله (وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) فانه حدثني ابي عن السكوني عن مالك بن مغيرة عن حماد بن سلمة عن جذعان عن سعيد بن المسيب عن عايشة انها قالت سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ما من غريم ذهب بغريمه إلى وال من ولاة المسلمين واستبان للوالي عسرته الا برئ هذا المعسر من دينه وصار دينه على والي المسلمين فيما في يديه من اموال المسلمين، قالعليه‌السلام ومن كان له على رجل مال اخده ولم ينفقه في اسراف او في معصية فعسر عليه ان يقضيه فعلى من له المال ان ينظره حتى يرزقه الله فيقضيه، وان كان الامام العادل قائما فعليه ان يقتضي عنه دينه لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا او ضياعا فعلى الامام ما ضمنه الرسول، وان كان صاحب المال موسرا تصدق بماله عليه او تركه فهو خير له لقوله (وإن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون) واما قوله (يا ايها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه) فقد روي في الخبر ان في سورة البقرة خمس مأة حكم وفي هذه الآية خمسة عشر حكما وهو قوله " يا ايها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه ويكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " ثلاثة احكام " فليكتب " اربعة احكام " وليملل الذي عليه الحق " خمسة احكام وهو اقراره إذا املا " وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا ولا يخونه " ستة احكام " فان كان الذي عليه الحق سفيها او ضعيفا او لا يستطيع ان يمل هو " اي لا يحسن ان يمل " فليملل وليه بالعدل " يعني ولي المال سبعة احكام " استشهدوا شهيدين من رجالكم " ثمانية احكام " فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء إن تضل احديهما فتذكر احديهما الاخرى " يعني ان تنسى احديهما فتذكر اخرى تسعة احكام " ولا ياب الشهداء إذا ما دعوا " عشرة احكام " ولا تسأموا ان تكتبوه صغيرا او كبيرا إلى اجله " اي لا تضجروا

٩٤

ان تكتبوه صغير السن او كبيرا احد عشر حكما " ذلكم اقسط عند الله واقوم للشهادة وادني ان لا ترتابوا " اي لا تشكوا " الا ان تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها " اثنا عشر حكما " واشهدوا إذا تبايعتم " ثلاثة عشر حكما " ولا يضار كاتب ولا شهيد " اربعة عشر حكما " وان تفعلوا فانه فسوق بكم " خمسة عشر حكما " واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم " وقوله (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فان أمن بعضكم بعضا) اي يأخذ منه رهنا فان امنه ولم يأخذ منه رهنا " فليتق الله ربه " الذي اخذ المال وقوله " ولا تكتموا الشهادة " معطوف على قوله " واستشهدوا شهيدين من رجالكم ".

واما قوله (آمن الرسول بما أنزل اليه من ربه) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن هشام عن ابي عبداللهعليه‌السلام ان هذه الآية مشافهة الله تعالى لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة أسرى به إلى السماء، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انتهيت إلى محل سدرة المنتهى وإذا بورقة منها تظل امة من الامم فكنت من ربي كقاب قوسين او ادنى كما حكى الله عزوجل فنادانى ربي تبارك وتعالى " آمن الرسول بما انزل اليه من ربه " فقلت انا مجيب عني وعن امتي (والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير) فقال الله (لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) فقلت (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) وقال الله لا اؤاخذك، فقلت (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) فقال الله لا أحملك، فقلت (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا علي القوم الكافرين) فقال الله تعالى قد أعطيتك ذلك لك ولامتك، فقال الصادق (ع) ما وفد إلى الله تعالى احد اكرم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث سأل لامته هذه الخصال.

٩٥

سورة آل عمران

مدنية وهى مأتا آية

(بسم الله الرحمن الرحيم الم الله لا اله إلا هو الحي القيوم)

فانه حدثني ابي عن النضر بن سويد عن عبدالله بن سنان عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال سألته عن قول الله تبارك وتعالى (الم الله لا اله الا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التورية والانجيل من قبل، هدى للناس وأنزل الفرقان) قال الفرقان هو كل امر محكم والكتاب هو جملة القرآن الذي يصدقه من كان قبله من الانبياء (وهو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء) يعني ذكرا او انثى واسود وابيض واحمر وصحيحا وسقيما، وقوله (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) فاما المحكم من القرآن فهو ما تأويله في تنزيله مثل قوله تعالى " ياايها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وارجلكم إلى الكعبين " ومثل قوله " حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم واخواتكم وعماتكم وخالاتكم " إلى آخر الآية ومثله كثير محكم مما تأويله في تنزيله.

واما المتشابه فما كان في القرآن مما لفظه واحد ومعاينه مختلفة مما ذكرنا من الكفر الذي هو على خمسة اوجه والايمان على اربعة وجوه ومثل الفتنة والضلال الذي هو على وجوه وتفسير كل آية نذكره في موضعه ان شاء الله تعالى واما قوله (فاما الذين في قلوبهم زيغ) اي شك وقوله (وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم) فانه حدثني ابي عن ابن ابي عمير عن ابن اذينة عن يزيد بن معاوية عن ابي جعفرعليه‌السلام قال ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله افضل الراسخين في العلم قد علم جميع ما انزل الله عليه من التنزيل والتأويل وما كان

٩٦

الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله واوصياؤه من بعده يعلمونه كله، قال قلت جعلت فداك ان ابا الخطاب كان يقول فيكم قولا عظيما، قال وما كان يقول؟ قلت انه يقول انكم تعلمون علم الحلال والحرام والقرآن قال علم الحلال والحرام والقرآن يسير في جنب العلم الذي يحدث في الليل والنهار وقوله (ربنا لا تزع قلوبنا بعد إذ هديتنا) اي لا نشك وقوله (اولئك هم وقود النار) يعني حطب النار (كداب آل فرعون) اي فعل آل فرعون.

وقوله (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد) فانها نزلت بعد بدر لما رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بدر اتى بنى قينقاع وهو يناديهم وكان بها سوق يسمى سوق النبط فاتاهم رسول الله فقال يامعشر اليهود قد علمتم ما نزل بقريش وهم اكثر عددا وسلاما وكراعا منكم فادخلوا في الاسلام، فقالوا يا محمد ء‌انك تحسب حربنا مثل حرب قومك؟ والله لو لقيتنا للقيت رجالا، فنزل عليه جبرئيل فقال يامحمد (قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله) يعني فئة المسلمين وفئة الكفار (واخرى كافرة يرونهم مثليهم راي العين) اي كانوا مثلي المسلمين (والله يؤيد بنصره من يشاء) يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر (إن في ذلك لعبرة لاولي الابصار).

وقوله (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث) قال القناطير جلود الثيران مملوء‌ة دهبا " والخيل المسومة " يعني الراعية والانعام " والحرث " يعني الزرع " والله عنده حسن المآب " اي حسن المرجع اليه قال (أؤنبئكم بخير من ذلكم الذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها) ثم اخبر ان هذا للذين (يقولون ربنا اننا آمنا فاغفر ذنوبنا وقنا عذاب النار - إلى قوله - والمستغفرين

٩٧

بالاسحار) ثم اخبر ان هؤلاء هم (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار) وهم الدعاؤن واما قوله (وازواج مطهرة) قال في الجنة لا يحضن ولا يحدثن.

حدثني ابي عن اسماعيل بن ابان عن عمر (عمير ط) بن عبدالله الثقفي قال اخرج هشام بن عبدالملك ابا جعفر محمد بن علي زين العابدينعليهم‌السلام من المدينة إلى الشام، وكل ينزله معه فكان يقعد مع الناس في مجالسهم فبينما هو قاعد وعنده جماعة من الناس يسألونه اذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك فقال ما لهؤلاء القوم ألهم عيد اليوم؟ قالوا لا يابن رسول الله ولكنهم يأتون عالما لهم في هذا الجبل في كل سنة في مثل هذا اليوم فيخرجونه ويسألونه عما يريدون وعما يكون في عامهم، قال ابوجعفرعليه‌السلام وله علم؟ فقالوا هو من اعلم الناس قد ادرك اصحاب الحواريين من اصحاب عيسى (ع)، قال لهم نذهب اليه، فقالوا ذاك اليك يابن رسول الله، قال فقنع ابوجعفر رأسه بثوبه ومضى هو واصحابه فاختلطوا بالناس حتى اتوا الجبل، قال فقعد ابوجعفر وسط النصاري هو واصحابه، فاخرج النصارى بساطا ثم وضعوا الوسائد ثم دخلوا فاخرجوه ثم ربطوا عينيه فقلب عينيه كانهما عينا افعى، ثم قصد ابا جعفر (ع) فقال أمنا انت ام من الامة المرحومة؟ فقال ابوجعفر (ع) من الامة المرحومة، قال فمن علمائهم انت ام من جهالهم؟ قال لست من جهالهم، قال النصراني اسألك او تسألني؟ فقال ابوجعفر (ع) سلني، فقال يا معشر النصارى رجل من امة محمد يقول اسألني ان هذا لعالم بالمسائل ثم قال يا عبدالله اخبرني عن ساعة ما هي من الليل ولا هي من النهار أي ساعة هي؟ قال ابوجعفر (ع) ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، قال النصراني فاذا لم يكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن اي الساعات هي؟ فقال ابوجعفر (ع) من ساعات الجنة وفيها

٩٨

تفيق مرضى، فقال النصراني اصبت فأسألك او تسألني؟ قال ابوجعفر (ع) سلني، قال يامعشر النصارى ان هذا لملئ بالمسائل اخبرني عن اهل الجنة كيف صاروا يأكلون ولا يتغوطون؟ اعطني مثله في الدنيا، قال ابوجعفر (ع) هذا هو الجنين في بطن امه يأكل مما تأكل امه ولا يتغوط، قال النصراني اصبت الم تقل ما انا من علمائهم؟ قال ابوجعفر (ع) انما قلت لك ما انا من جهالهم، قال النصراني فاسألك او تسألني قال ابوجعفر (ع) سلني قال يا معشر النصارى لاسألنه مسألة يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل، فقال له سل قال اخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت منه بابنين حملتهما جميعا في ساعة واحدة ووضعتهما في ساعة واحدة وماتا في ساعة واحدة ودفنا في ساعة واحدة في قبر واحد عاش احدهما خمسين ومائة سنة وعاش الآخر خمسين سنة من هما؟ قال ابوجعفر (ع) هما عزير وعزرة كانت حملت امهما على ما وصفت، ووضعتهما على ما وصفت، وعاش عزرة وعزير ثلاثين سنة ثم امات الله عزيرا مأة سنة وبقي عزرة يحيى ثم بعث الله عزيرا فعاش مع عزرة عشرين سنة وماتا جميعا في ساعة واحدة فدفنا في قبر واحد، قال النصراني يا معشر النصارى ما رأيت احدا قط اعلم من هذا الرجل لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام ردوني إلى كهفي فردوه إلى كهفه ورجع النصارى مع ابي جعفر (ع).

وقوله (شهد الله انه لا إله الا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط) قال قائما بالقسط معطوف على قوله شهد الله والقسط العدل (ان الدين عندالله الاسلام) قال التسليم لله ولاوليائه وهو التصديق، وقد سمى الله الايمان تصديقا حدثني ابي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رياب عن حمران بن اعين عن ابى عن ابي جعفر (ع) قال ان الله فضل الايمان على الاسلام بدرجة كما فضل الكعبة على المسجد الحرام بدرجة قال وحدثني محمد بن يحيى البغدادي رفع الحديث إلى امير المؤمنينعليه‌السلام انه قال لانسبن

٩٩

الاسلام نسبة لم ينسبها احل قبلي ولا ينسبها احد بعدي الاسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، فالتصديق هو الاقرار، والاقرار هو الاداء، والاداء هو العمل والمؤمن من اخذ دينه عن ربه إن المؤمن يعرف ايمانه في عمله وان الكافر يعرف كفره بانكاره، يا ايها الناس دينكم دينكم فان السيئة فيه خير من الحسنة في غيره، وان السيئة فيه تغفر، وان الحسنة في غيره لا تقبل وقوله (لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ الا ان تتقوا منهم تقاة) فان هذه الآية رخصة ظاهرها خلاف باطنها يدان بظاهرها ولا يدان بباطنها الا عند التقية، ان التقية رخصة للمؤمن ان يراه (ان يدين بدين ط) الكافر فيصلي بصلاته ويصوم بصيامه اذا اتقاه في الظاهر وفي الباطن يدين الله بخلاف ذلك، وقوله (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله الآية) فحب الله للعباد رحمة منه لهم وحب العباد لله طاعتهم له(١) .

وقوله (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين) فلفظ الآية عام ومعناه خاص وانما فضلهم على عالمي زمانهم وقال العالمعليه‌السلام نزل " وآل عمران وآل محمد على العالمين " فاسقطوا آل محمد من الكتاب.

وقوله (اذ قالت امرأة عمران رب اني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني انك انت السميع العليم) فان الله تبارك وتعالى اوحى إلى عمران اني واهب لك ذكرا يبرئ الاكمه والابرص ويحيي الموتى باذن الله، فبشر عمران زوجته

____________________

(١) قال صادق آل محمدعليه‌السلام : ما احب الله من عصاه ثم تمثل فقال:

تعصى الاله وانت تظهر حبه

هذا محال في الفعال بديع

لو كان حبك صادقا لاطعته

ان المحب لمن يحب مطيع.ج-ز

١٠٠