حوار في التسامح والعنف

حوار في التسامح والعنف42%

حوار في التسامح والعنف مؤلف:
الناشر: مجلة ( الحياة الطيبة)
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 136

حوار في التسامح والعنف
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57540 / تحميل: 7619
الحجم الحجم الحجم
حوار في التسامح والعنف

حوار في التسامح والعنف

مؤلف:
الناشر: مجلة ( الحياة الطيبة)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

حوار في

التسامح والعنف

سلسلة تهتمُّ بمعالجة قضايا فكرية مُعاصرة

تصدر عن معهد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

العالي للشريعة والدراسات الإسلامية. بيروت

١

هذا الكتاب

طبع ونشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢

كتاب الحياة الطيِّبة

سلسلة تهتمُّ بمعالجة قضايا فكرية مُعاصرة

تصدر عن معهد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

العالي للشريعة والدراسات الإسلامية. بيروت

المُشرف العام

محمد رضا نور اللهيان المهاجر

رئيس التحرير

نجف علي الميرزائي

مُستشار التحرير

محمد مصطفوي

مدير التحرير المسؤول

محمد حسن زراقط

حوار مع الشيخ محمد مهدي الآصفي

تنضيد وإخراج

أحمد حسين المقداد

عبد الرحمن جاسم

غلاف

حسين موسى

٣

مراكز التوزيع

* لبنان - معهد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العالي للشريعة والدراسات

الإسلامية - هاتف : ٤٥٠٢٦٣ - ١ - ٩٦١

ص. ب : ٣٠٢ / ٢٥

* المغرب - الشركة الشريفية للتوزيع والصحف

سوش برس - هاتف : ٤٠٠٢٢٣

ص. ب : ٦٨٣ / ١٣

* مصر - القاهرة - مؤسسة الأهرام - شارع الجلاء

هاتف : ٥٧٨٦١٠٠

*إيران - قم - دورشهر - كوجه ١٤ بلاك ١٣٠

تلفاكس : ٧٧٤٦٥٤٤ - ٢٥١ - ٠٠٩٨

المراسلات توجَّه باسم رئيس التحرير على العنوان الآتي :

لبنان - بيروت - معهد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العالي للشريعة

والدراسات الإسلامية

e-mail :alhayat ٢ @arrasoul .org

٤

حوار في التسامح والعنف

نظرة إسلامية

٥

جميع الحقوق محفوظة

لمجلَّة( الحياة الطيِّبة )

بيروت - لبنان - ص. ب : ٣٠٢ / ٢٥-

هاتف : ٤٥٠٢٦٢ / ١ ( ٩٦١+ )

الموقع على الانترنت : www .arrasoul. org

الكتاب : حوار في التسامح والعنف نظرة إسلامية

الناشر : مجلَّة( الحياة الطيِّبة ) معهد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العالي للشريعة والدراسات الإسلامية

التاريخ : الطبعة الأُولى ١٤٢٤ ه- / ٢٠٠٣م

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة على محمد وآله الطاهرين، وبعد

يتعرّض الفكر الإسلامي بين فينة وأخرى لمحاولات تشويه لكثير من مفاهيمه، وضرب لكثير من قيمه التي ينادي بها في محاولة التغيير الاجتماعي، وتتمُّ هذه المحاولات عبر التركيز على قيمة في مقابل قيمة، ومفهوم في مقابل مفهوم، فتُطلق قيمة التسامح في مقابل تشدُّد إسلامي مدَّعى، والرفق في مقابل عنف يُلحَقُ بالإسلام، وكذلك تجري محاولات حثيثة للربط بين مفهوم الجهاد ومنظومة أخرى، من المفاهيم السلبية أو التي تُروَّج بطريقة تشي بسلبيتها، من قبيل : الإرهاب، العنف، الإكراه وسلب الحرِّية، انتشار الإسلام بالسيف إلى ما هنالك ممَّا يحفل به قاموس هذا النوع من الدراسات.

وهذا الأمر يوجِب على المثقَّف المسؤول والملتزم، أن يسعى لتظهير هذه المحاولات جميعاً، واستكشاف مراميها وأبعادها؛ لتحديد الموقف الإسلامي منها لقبولها أو رفضها، أو فكِّ هذا الارتباط إن كان مصطنعاً أو الإصرار عليه إن كان حقَّاً صريحاً.

وهذا هو ما تُحاول مجلَّة ( الحياة الطيِّبة ) القيام به، من خلال معالجة كثير من الإشكاليات التي يُثار غبارها ليحجب شمس الحق الإسلامي أو يكدِّر صفاء ضوئها.

وفي هذا الكتاب من سلسلة كتاب ( الحياة الطيبة ) اخترنا حواراً مطوَّلاً أجريناه مع سماحة الشيخ محمد مهدي الآصفي، الذي يمثّل واحداً من

٧

الشخصيات العلمية المرموقة في الحوزة العلمية، وجمع إلى عمله العلمي المتمثِّل بمجموعةٍ من المؤلَّفات في مجالاتٍ متعدِّدة، كالفقه والتاريخ وغيرها، عملاً اجتماعياً في مجالاتٍ عدّة. وهو يقوم الآن بأعباء الأمانة العامة للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام . وكنَّا قد نشرنا جزءاً من هذا الحوار في العدد العاشر من المجلَّة، وها نحن نعاود نشره في هذا الكتاب كاملاً؛ ليعمَّ نفعه وتنتشر فائدته.

ويُحاول الشيخ الآصفي- في حواره - تحليل النظرية الإسلامية حول الجهاد والعنف والتسامح؛ ليحدِّد موقفه الاجتهادي من هذه المفاهيم، وأبرز ما يقدِّمه هذا الحوار للقارئ، هو أنَّ الرحمة ليست قيمة مطلقة، وكذلك العنف وسائر المفاهيم المشابهة، فقد تكون الرحمة تساهلاً مذموماً إذا طبِّقت مع المجرم، وكذلك الشدَّة أو العنف فمَن يعنف ظالماً لا يستحقُّ إلاَّ العنف إذا عدمنا وسيلة أُخرى لردعه عن ظلمه.

ثمَّ يقف الشيخ الآصفيوقفة اجتهادية مطوَّلة، ليستعرض الموقف الإسلامي من الخروج على الحاكم والخضوع له، ويقارن بين مواقف الفقهاء على اختلاف مدارسهم الفقهية ومشاربهم في البحث الفقهي؛ فيتوصل إلى إمكانية تبرير الخروج والثورة، ضمن مجموعة من الضوابط والقوانين، التي تحول دون الوقوع في الفتنة أو الفوضى.

الحياة الطيِّبة

٨

بسم الله الرحمن الرحيم

الحياة الطيِّبة : رغم أنّ التأريخ للفكر الإنساني - وبالذات تلك الحقبة المتزامنة مع الفكر الإسلامي - شهد كمَّاً كبيراً من الإشكاليات والقضايا حول محور جدليّة العنف والتسامح، وما ينجم عن إحلال التوازن أو الإخلال به بينهما، غير أنّ العالم اليوم وإثر الأحداث الناجمة عن عدّة تفجيرات ضخمة في الولايات المتّحدة الأمريكية، قد أقبل على عهد جديد، ولعب الوضع الجديد دوراً كبيراً في إرساء قواعد حديثة في العلاقات الدوليّة من جهة، ومن جهة أُخرى أنَّ المحاولة غير الصائبة لإيجاد مناخ فكري، يجد الإنسان المعاصر ما يوحي أو يصرِّح بأنّ الفكر الإسلامي وعقيدته، يحتضنان كثيراً من مواقع العنف ومقوّمات التهديد ضدّ الآخر غير المسلم. ومفهوم الجهاد من بين العناصر التي تحوّلت لدى الإعلام الغربي - والأمريكي بالخصوص - إلى حجَّة للنيل من الإسلام؛ حيث إنّه يشكِّل العنصر الأكبر في تحريض الأمّة لتنطلق

٩

نحو إزالة الآخر المعارض، حسب ما يحاولون تكريسه في عقليّة الرأي العام العالمي اليوم.

وامتداداً للحركة الفكرية الفقهية الإسلامية، الهادفة إلى استنباط الحكم الشرعي من مصادره، ومحاولة منَّا لتحييد العقيدة الإسلامية وتبرئتها من الاعتماد على العنف والإرهاب، رغم الحفاظ على كلّ عناصر القوّة، وإمكانيات الدفاع عن الذات الإسلامية مقابل التحدّيات والتهديدات، قد رغبنا لهذا الحوار أن يكون منطلقاً لدراسة هذه المقولات على ضوء أصول الشريعة الإسلامية.

بصفتكم من ذوي الخبرة والاختصاص في مجال الفقه والشريعة، وخاصة بالنظر إلى تصدِّيكم لتقديم دراسات عالية حول فكرة الجهاد وفروعه الفقهيّة، يُسعدنا أن نستضيفكم لنبدأ من سؤال قديم، لا يزال يطرح نفسه، وهو : هل يمثِّل الجهاد في القرآن الكريم ذلك الوجه العنيف ؟ وهل يتحقّق عَبر المناهج العسكرية والكفاح أو الغزو المسلّح ؟ وبالأحرى : نريد أن نكون على علم بدقائق المدلول القرآني للفظة الجهاد ومصطلحه المؤسَّس عَبر الوحي.

الشيخ الآصفي : شكراً لكم على إتاحة هذه الفرصة لي، لأتحدَّث إلى قُرَّاء مجلَّة ( الحياة الطيِّبة) عن الجهاد.

الحياة الطيِّبة والجهاد :

وليس من عجب أن تبحث ( الحياة الطيِّبة) عن الجهاد؛ فإنَّ الحياة الطيِّبةالكريمة في الجهاد، والله تعالى يدعو المؤمنين لما يُحييهِم في سياق آيات الجهاد.

١٠

يقول تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (١) . وهذه الآية نزلت في سياق آيات القتال من سورة الأنفال، والحياة التي يَدعو إليها الله هي الحياة الكريمة الطيِّبة، وهي لا تستقيم إلاَّ بالجهاد.

ولولا أنّ الله تعالى يدفع بالصالحين الفاسدين من مواقع القوّة، والمال والسلطة، لفسدت الأرض والحياة :( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ ) (٢) ،( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ ) (٣) .

وكلمة الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام معبِّرة ودقيقة في تبيان هذه الحقيقة، يقولعليه‌السلام : ( فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين )(٤) . ويقدِّم الإمام هنا تعريفاً جديداً للموت والحياة، غير ما يعرفه الناس. فالإمامعليه‌السلام يريد أن يقول : إنّكم إذا عشتم مقهورين لأعدائكم، فهذا هو الموت بعينه، ولو تراءى لكم أنّه الحياة، وإذا متُّم في ظلال سيوفكم تُطْعِمون أعداءكم القهر والموت، فهذا هو الحياة، وإن تصوّرَه الناس موتاً. إنّ الجهاد يصنع الحياة العزيزة الكريمة للأمّة ويورث الأجيال الكرامة والعزَّة. عن رسول

____________________

(١) سورة الأنفال : الآية ٢٤.

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٥١.

(٣) سورة الحج : الآية ٤٠.

(٤) نهج البلاغة، شرح محمد عبده، بيروت، دار المعرفة، ص١٠٠، خطبة رقم ١٥.

١١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنَّ الله أعَزَّ أمّتي بسنابك خيلِه )(١) ، وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اغزوا تورِّثوا أبناءكم مَجداً )(٢) .

فليس من عجب - إذن - أن تهتمَّ مجلَّة ( الحياة الطيِّبة) بالجهاد، فإنَّ الحياة لا تطيب ولا تعزُّ بغير الجهاد.

الجهاد والعُنف :

والآن أعود إلى سؤالكم الأوّل : ( هل يمثِّل الجهاد في القرآن الكريم وجه العنف الذي يتحقَّق عَبر المناهج العسكرية والكفاح المسلح أم لا ؟ ).

أقول : فماذا يمكن أن يكون معنى الجهاد، إذا كان لا يعني القوّة والعنف ؟!

لقد وردت كلمة ( الجهاد ) ومشتقّاتها في القرآن ثلاثاً وثلاثين مرَّة، ووردت كلمة ( القتال ) ومشتقّاتها إحدى وثلاثين مرَّة، وواضح أنّهما وجهان لحقيقة واحدة.

ومهما يكن تفسيرنا للجهاد من ( الجُهدْ ) بمعنى الوسع والطاقة، أو من ( الجَهدْ ) بمعنى الشدَّة والتعب، فإنّ النتيجة واحدة لا تختلف، فإنّ ( الجهاد ) بمعنى بذل الوسع في إقامة كلمة التوحيد على وجه الأرض وإزالة الشرك والظلم، أو بمعنى تحمّل الشدّة والمشقّة في سبيل إعلاء كلمة الله وإزالة الشرك

____________________

(١) محمد بن الحسن العاملي، وسائل الشيعة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج١١، ص٥.

(٢) المصدر نفسه، ج١١، ص٩.

١٢

والظلم. فإنَّ تقرير أُلوهيَّة الله - وحده - وإزالة أنواع الشرك والظلم من وجه الأرض، لا يمكن أن يتمَّ من غير القتال.

وقد ورد الأمر بالقتال كراراً وبصيغ مختلفة في القرآن.

يقول تعالى :( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) (١) .

والكتابة : هي الفريضة، نحو قوله تعالى :( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) .

ويقول تعالى :( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ) (٢) .

ويقول تعالى :( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ ) (٣) . وهو يحرِّض بالقتال :( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) (٤) .

وآيات القرآن في هذا المعنى عديدة، بصيغ التحريض، والفرض، والإذن، والتحبيب وغيره، وهو الوجه الآخر للجهاد، الذي لا يمكن فصله عنه.

والمعنى الواضح لهذه الكلمة : هو القتل والعنف والغزو المسلَّح، وما شئت من أمثال هذه الكلمات والمفاهيم.

____________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢١٦.

(٢) سورة الصف : الآية ٤.

(٣) سورة النساء : الآية ٧٤.

(٤) سورة البقرة : الآية ١٩٠.

١٣

الرحمة والعُنف وجهان لقضيّة واحدة :

ونحن لا نتوقَّف عند كلمة ( العنف )، ولا نشكّ في أنّ الإسلام، يتبنَّى ( العنف ) إلى جانب ( الرحمة ) في منهاجه التشريعي التكاملي. ولا نشكّ في أنَّ ( الرحمة ) و( العنف ) هما وجها هذا الدين، ومن دون هذا وذاك لا يمكن أن نفهمه.

تفسير العُنف :

ولكن نتساءل لماذا العنف ؟ وما هو ؟ إنَّ العقلية الغربية تفسِّر ( العنف ) باستخدام القوّة للتوسّع العسكري، والاستبداد السياسي والديني.

وللقرآن تفسير آخر للعنف، لا علاقة له بالتفسير الأوّل إطلاقاً، فهو يذكر للقتال أربعة أهداف هي :

أوّلاً وثانياً : تقرير أُلوهيّة الله ودينه على وجه الأرض، وإزالة الفتنة من حياة الناس.

يقول تعالى :( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (١) .

وهذه الآية تقرِّر هاتَيْن الحقيقتَيْن بوضوحٍ ما بعده وضوح، تقرير أُلوهية الله، وتحكيم شريعة الله على وجه الأرض( وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ ) ، وهذا هو أحد الهدفين، وللوصول إلى هذه الغاية لا بدّ من إزالة عوامل الفتنة التي تُعيق حركة

____________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٩٣.

١٤

الدعوة إلى هذه الغاية( حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ) ، ولا تزول الفتنة ما دام أئمّة الظلم يحكمون الناس، ويحتلون مواقع القوّة في المجتمع.

وثالثاً : تحرير المستضعفين والمعذَّبين في الأرض، والدفاع وإزالة الظلم عنهم.

يقول تعالى :( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً ) (١) .

رابعاً : الدفاع عن قواعد التوحيد والعبودية، ولولا القتال لهُدِّمت هذه القواعد، ولم يُعبَد الله على وجه الأرض :( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) (٢) .

إذاً، العنف بغاياته، فإن كانت غاية العنف هي التوسّع العسكري، والتعسّف، وإذلال الناس وتطويعهم، وسلب كرامتهم وإرادتهم، فهو أمر سيِّئ ومرفوض، وإن كانت غاية العنف إقامة الحقّ والعدل، وتحرير الإنسان، وإقامة دين الله في حياة الإنسان، والدفاع عن القيم، وعن المستضعفين، فهو الوجه الآخر للرَّحمة، ولن تكتمل الرحمة إلاَّ به.

____________________

(١) سورة النساء : الآية ٧٥.

(٢) سورة الحج : الآية ٤٠.

١٥

الحياة الطيِّبة : من طيَّات ردِّكم وإبدائكم لهذه الملاحظات القيّمة، نجد وكأنّ الجهاد حتّى لو كان في شكل مسلّح وعبر وسائل حربيّة، لا يمثِّل عائقاً ومانعاً أمام مبدأ الحرِّية في اختيار المعتقد، غير أنَّ بعض المحاولات الفكرية، ترمي إلى الإيماء إلى أنَّ بعض القضايا الشرعية والمعتقدات الدينيّة، مثل الجهاد والحدود تكوِّن عنصراً من عناصر الإكراه والإرغام لإخضاع غير المسلمين للشريعة الإسلامية، الأمر الذي لا يتجاوز تمنِّياً وأملاً لن يتحقَّقا؛ لأنّ العقيدة لا تكون إلاّ عبر القناعة والإيمان، والسيوف غير قادرة على صنعها. هل تعزو هذا الموقف إلى نمط اجتهادي حديث ؟ أم ترغب في أن تصحِّح الانطباع الراهن عن مقولة الجهاد والحدود اللتين توحيان بالعنف والتوسُّع بالسيف لدى بعض المفكِّرين وكثير من الناس ؟

الشيخ الآصفي : أنا أفهم الآية الكريمة من سورة البقرة :( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ) (١) على غير ما يفهمها بعض المفسِّرين.

إنَّ هذه الآية ليست بصدد بيان حكم تشريعي، وإنَّما هي بصدد بيان قضية واقعية، لا علاقة لها بالتشريع، وهي أنّ أمر الدين من الوضوح؛ بحيث لا يحتاج الإنسان إلى الإكراه في قبول الدين، كما نقول : إنَّ الأمر في أهميّة المراجعة الطبّية للمريض من الوضوح؛ بحيث لا يحتاج المريض الراشد إلى الإكراه ليُراجع الطبيب لدى الحاجة، بخلاف الطفل المريض غير الراشد، فإنَّه يكرَه على مراجعة الطبيب عند الحاجة، وهذه قضية واقعية، وليست بصدد

____________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢٥٦.

١٦

بيان حكم تشريعي في نفي الإكراه عن الإنسان لقبول الدين؛ والقرينة الواضحة على ما أقول هو تعقيب هذه القضية بقوله تعالى :( قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ) ؛ فإنَّ دلالة هذه الكلمة واضحة في ما قلناه، ومعنى هذه الكلمة : أن لا حاجة إذاً إلى الإكراه؛ لوضوح الفارق بين الرُّشد والغيّ.

وهذا التعقيب يناسب أن تكون هذه الفقرة من آية سورة البقرة تقريراً لقضيةٍ واقعيّة، لا لحكم شرعي؛ فإنّ وضوح التميّيز بين الرّشد والغيّ أدعى إلى الإكراه والإلزام الشرعي من حالة عدم الوضوح، فإنّ للإنسان عُذراً في حالة اللبس وعدم الوضوح، بخلاف حالة الوضوح، فإنَّ القانون يُلزمه ويتشدَّد في إلزامه.

رأي العلاَّمة الطباطبائي في الميزان :

ويذهب العلاَّمة الطباطبائيرحمه‌الله في تفسيره القيّم ( الميزان في تفسير القرآن )(١) إلى أنّ هذه الآية الكريمة بصدد تقرير حكم شرعي، سواء كانت القضية إخبارية حاكية عن حالة تكوينيّة، أم حكماً إنشائياً تشريعيّاً، ويفصِّلرحمه‌الله الكلام في ذلك، بما لا مجال لنقله بتفصيله، ويرى أنَّ الأمور الاعتقادية لا يمكن فيها الإكراه، وإنَّما يختص الإكراه بالأفعال، والحركات المادّية فقط، وإذا كان الدين ممّا لا يمكن الإكراه فيه، فكيف يمكن الإلزام به ؟

____________________

(١) الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ج٣، ص٢٤٢ - ٣٤٣.

١٧

المناقشة :

وهذا الكلام لا يخلو من مناقشة؛ فإنّ الإلزام بالشهادتَيْن، والدخول في ما يدخل فيه المسلمون أمر ممكن بلا إشكال، وهو يؤدِّي لا محالة إلى الإيمان والعقيدة الراسخة، كما حصل ذلك في الفتوحات الإسلامية، فإنَّ الناس لم يدخلوا الإسلام ابتداءً عن طواعية، ولكنَّهم أقرّوا بالإسلام، وهذا هو الحدّ الذي يقتصر عليه الحكم الشرعي بالإلزام بالإسلام، إلاّ أنّهم عندما يتذوَّقون حلاوة التوحيد، يُقْبلون على الإيمان، ويحسن إسلامهم، ويكون منهم الصالحون والأبرار والعلماء، كما حصل ذلك فعلاً في التاريخ الإسلامي، وبشكل واسع جدَّاً.

إذاً؛ ليست الآية الكريمة بصدد بيان حكم شرعي في هذا الأمر، ولا بصدد تقرير أنّ الإكراه في الدين غير ممكن، كما يقول العلاّمة الطباطبائيرحمه‌الله ، وإنّما هي بصدد تقرير حقيقة واقعيّة لا علاقة لها بالحكم الشرعي، وهي : أنَّ أمر الدين من الوضوح؛ بحيث لا يحتاج الإنسان فيه إلى الإكراه، ولو أرسل فطرته وعقله إرسالاً لقَبِل الدين من غير إكراه.

والدليل على ما أقول، هو وجوب جهاد الكفّار والمشركين في الجملة، وباتفاق فقهاء المسلمين، من عامة المذاهب. يقول صاحب ( الجواهر ) في موسوعته الفقهية القيّمة : ( فكيف كان، فلا خلاف بين المسلمين في وجوبه في الجملة، بل هو كالضروري، خصوصاً بعد الأمر به في الكتاب العزيز، في

١٨

آيات كثيرة، كقوله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ) ، وقوله تعالى :( حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) إلى غير ذلك )(١) .

ولا معنى لوجوب جهاد الكفّار مع الحكم بنفي الإكراه في الدين، ولم يرد استثناء لهذا الحكم التشريعي الثابت في كتاب الله، إلاّ بخصوص أهل الكتاب، الذين يدخلون في ذمّة الإسلام، ويقبلون الجزية، وهو دليل آخر على ما قلنا.

يقول تعالى :( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) (٢) .

وقد صحّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أُمرت أن أقاتل الناس، حتّى يقولوا : لا إله إلاّ الله. فمَن قال : لا إله إلاّ الله. عصم منِّي ماله ونفسه إلاّ بحقّه، وحسابه على الله )(٣) ، هذا أوّلاً.

____________________

(١) محمد بن الحسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، دار الكتب الإسلامية، طهران، ج١٢، ص٨٠.

(٢) سورة التوبة : الآية ٢٩.

(٣) سنن البيهقي، ج٩، ص٢٨١، وبمضمونه صحيح مسلم، ج١، ص٩٣.

١٩

( الإكراه في النظام لا ينافي نفي الإكراه في الدين )

وثانياً : لو فرضنا أنّ الآية الكريمة بصدد بيان حكم شرعي - كما يقول العلاّمة الطباطبائيرحمه‌الله وطائفة واسعة من المفسّرين - فإنّ الإكراه لا يصحّ في الأمور العقائدية؛ لأنَّها مسألة مرتبطة بالقناعة النفسية والعقلية، والقناعة لا تتمُّ بالإكراه والإلزام، كما يقول هؤلاء الأعلام.

وأمّا النظام الاجتماعي، فله شأن آخر، ويصحّ فيه الإلزام في السلم والحرب، وإذا تركنا أمر النظام الاجتماعي لقناعات الناس، لم يقم نظام في حياة الناس، ولم تستقم الحياة الاجتماعية، فلا بدّ للناس من نظام اجتماعي، وسياسي، واقتصادي، ونظام قضائي، ونظام للعقوبات؛ حتى تستقيم حياتهم، الإلزام والإكراه من بديهيَّات النظام، ولولا ذلك لم يبقَ نظام ولا حياة اجتماعية.

الحياة الطيِّبة : إلى أيِّ مدى يمكن أن يكون الحديث عن رفض تواجد الأدلّة الشرعية الكافية لإثبات الجهاد الابتدائي ( دون وجود الدوافع الدفاعية والوقائية ) ملامساً للحقيقة ؟ وهل بالإمكان أن نتبنَّى ما يؤمن به بعض المفكِّرين المعاصرين، وهو : أنَّ الممارسات الجهادية في عصر الحاكم المعصوم تمثّل دون استثناء تدابير غير هجومية وابتدائية بالأساس ؟

الشيخ الآصفي : لست أشكُّ في أنّ مهمَّة هذا الدين هي تطهير الأرض من الشرك والظلم، وإقامة التوحيد والعدل على وجهها، وهو لا يتأتّى - بالتأكيد -

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الوجع، حسبنا كتاب الله(1) !

وممّا يشهد لهذا القول، بل يجعله يقيناً لا شكّ فيه، ماثبت عن ابن عبّاس في وصف اختلافهم عند النبيّ ( ص ) الذي حال دون كتابة ذلك الكتاب، فقد كان ابن عبّاس يصف هذا الحديث بأنّه (الرزيّة، كلّ الرزيّة) ويذكره فيقول: (يوم الخميس، وما يوم الخميس! قالوا: وما يوم الخميس؟! قال: اشتدّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه فقال: «ائتوني أكتب لكم كتاباً لاتضلّوا بعدي» فتنازعوا، وماينبغي عند نبيٍّ تنازع! وقالوا: ماشأنهُ! أهَجَر؟ استفهموه!! فقال: «دعوني، فالذي أنا فيه خير» قال ابن عباس: إن الرزيّة كلّ الرزيّة ماحال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم). ويبكي حتّى يبلّ دمعُه الحصى(2) .

فلو كان الاَمر كما وصفه الحديث المنسوب إلى عائشة «يأبى الله والمؤمنون إلاّ أبا بكر» لم تكن ثمّة رزية يبكي لها ابن عبّاس كلّ هذا البكاء ويتوجّع كلّ هذا التوجّع.

إنّ بكاء ابن عبّاس وتوجّعه الشديد لهذا الحديث لهو دليلٌ لاشيء أوضح منه على أنّ الذي أراده النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك الكتاب لم يتحقّق، بل تحقّق شيء آخر غيره لم يكن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أراده ولا أشار إليه أدنى إشارة.

وتزداد هذه الحقيقة رسوخاً حين ندرك أنّ ابن عبّاس هو واحد من

____________________

(1) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 11: 49.

(2) صحيح البخاري - كتاب المرضى - باب 17 | 5345 وفيه أن الذي اعترض على الرسول هو عمر، صحيح مسلم - كتاب الوصيّة | 15 و 21 و 22، مسند أحمد 1: 324، السيرة النبوية - للذهبي -: 384، البداية والنهاية 5: 248.

٨١

سادة بني هاشم الّذين لم يبايعوا لاَبي بكر إلاّ بعد ستّة أشهر(1) !

فمع هذه الثوابت لايبقى احتمال لصحّة الحديث المنسوب إلى عائشة!

3 - حديث: «اقتدوا باللَّذَين مِن بعدي، أبي بكر وعمر».

أخرجه الترمذي وابن ماجة(2) ، واعتمده كثيرون في إثبات النصّ على أبي بكر وعمر، أو في إثبات صحّة خلافتهما(3) .

لكنّ ابن حزم استهجن كثيراً الاستدلالَ بهذه الرواية، وعدّه عيباً يترصّدُ أمثالَه الخصوم، فقال مانصّه: (ولو أنّنا نستجيز التدليس والاَمر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحاً، أو أبلسوا أسفاً، لاحتججنا بما روي « اقتدوا باللَّذَين من بعدي أبي بكر وعمر » ولكنّه لايصحّ، ويُعيذنا الله من الاحتجاج بما لايصحّ)(4) .

4 - نصوص أُخر نُسبت إلى عليّ عليه السلام، إمعاناً في سدّ الثغرات، وقطع الطريق على الخصم، استبعد المحبّ الطبري صحّة شيءٍ منها لتخلّف عليٍّ عن بيعة أبي بكر ستّة أشهر، ونسبته إلى نسيان الحديث في مثل هذه المدّة أمر بعيد(5) .

____________________

(1) السنن الكبرى 6: 300، تاريخ الطبري 3: 208، مروج الذهب 2: 316، الكامل في التاريخ 2: 331، جامع الاُصول 4: 482.

(2) سنن الترمذي - مناقب أبي بكر 5 | 3662، سنن ابن ماجة 1: 97.

(3) شرح المواقف 8: 364، شرح المقاصد 5: 266، تثبيت الاِمامة: 92 رقم 59.

(4) الفِصَل 4: 108.

(5) الرياض النضرة: 48 - 49.

٨٢

وهذا حقٌّ يؤيّده ما اشتهر عن عليّ عليه السلام من ذِكر حقّه في الخلافة(1) .

هذه جملة مااعتمدوه من النصوص الحديثية في النصّ على أبي بكر وتقديمه.

ثانياً - نصوص من القرآن الكريم:

1 - قوله تعالى:( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ ) (2) .

قالوا: الخطاب هنا للصحابة، فوجب أن يوجد في جماعة منهم خلافة يتمكّن بها الدين، ولم يوجد على هذه الصفة إلاّ خلافة الخلفاء الاَربعة، فهي التي وعد الله بها(3) . حتّى صرّح بعضهم بأنّ الآية نازلة فيهم، أو في أبي بكر وعمر خاصّةً(4) .

وهذا الاستدلال ضعّفه المفسّرون بأمرين:

الاَوّل: إنّ المراد في هذه الآية هو (الوعد لجميع الاُمّة في ملك الاَرض كلّها تحت كلمة الاِسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: «زُوِيَتْ لي الاَرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ مُلك أُمّتي مازُوِيَ لي منها»). وأنّ (الصحيح في هذه الآية أنّها في استخلاف الجمهور،

____________________

(1) سيأتي في هذا البحث.

(2) سورة النور 24: 55.

(3) شرح المواقف 8: 364، شرح المقاصد 5: 265.

(4) تفسير القرطبي 12: 195.

٨٣

واستخلافهم هو أن يملّكهم البلاد ويجعلهم أهلها...

ألا ترى إلى إغزاء قريش المسلمين في أُحد وغيرها، وخاصّةً الخندق، حتّى أخبر الله تعالى عن جميعهم فقال:( إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ) (1) . ثمّ إنّ الله ردّ الكافرين لم ينالوا خيراً، وأمّن المؤمنين وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم، وهو المراد بقوله:( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ) . وقوله:( كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) يعني بني إسرائيل، إذ أهلك الله الجبابرة بمصر، وأورثهم أرضهم وديارهم.. وهكذا كان الصحابة مستضعَفين خائفين، ثمّ إنّ الله تعالى أمّنهم ومكّنهم وملّكهم، فصحّ أنّ الآية عامّة لاُمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم غير مخصوصة، إذ التخصيص لايكون إلاّ بخبر ممّن يجب له التسليم، ومن الاَصل المعلوم التمسّك بالعموم)(2) .

والثاني: ماذكروه في سبب نزول الآية، فإنّه منطبق تماماً على ماذُكر آنفاً، لايُساعد على تخصيصها في الخلفاء الاَربعة أو بعضهم، وإنْ كان فيه مايفيد تخصيصها بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه(3) .

ففي رواية البراء، قال: فينا نزلت ونحن في خوف شديد.

____________________

(1) سورة الاَحزاب 33: 10 و 11.

(2) تفسير القرطبي 12: 196 - 197، تفسير الشوكاني (فتح القدير) 4: 47. وانظر أيضاً: الميزان في تفسير القرآن 15: 167.

(3) كما تقدّم في آخر الكلام المنقول عن القرطبي، وهو ماذهب إليه محمّد جواد مغنية في تفسيره الكاشف 5: 436.

٨٤

وفي رواية أبي العالية، يصف حال أصحاب الرسول وهم خائفون، يُمسون في السلاح ويُصبحون في السلاح، فشكوا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله الآية، فأظهر الله نبيّه على جزيرة العرب، فأمنوا ووضعوا السلاح.

ومثلها رواية أُبيّ بن كعب، وقوله في رواية ثانية عنه: لمّا نزلت على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) الآية، بشّر هذه الاُمّة بالسَنا والرفعة والدين والنصر والتمكين في الاَرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب(1) .

أمّا رواية عبد بن حُميد عن عطيّة ففيها تخصيص آخر مخالف للتخصيص المذكور في الخلفاء الاَربعة، إذ قال عطيّة: هم أهل بيتٍ هاهنا! وأشار بيده إلى القِبلة(2) .

وفي هذا عطف على ماذهب إليه غالب مفسّري الشيعة من أنّ المراد بالّذين آمنوا وعملوا الصالحات هنا: النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والاَئمّة من أهل بيته عليهم السلام. وأنّ هذه الآية تبشّر بالمهدي الموعود من أهل البيت ودولته(3) .

فمع هذا القول، أو مع ظهور ما تقدم من إفادتها العموم، لا يبقى وجه للتمسّك بها هنا.

2 - قوله تعالى( قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ

____________________

(1) الدر المنثور 6: 215 - 216.

(2) الدر المنثور 6: 216.

(3) مجمع البيان 4: 152، الميزان 15: 166 - 167، الاِفصاح في الاِمامة: 102.

٨٥

شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّـهُ أَجْرًا حَسَنًا ) (1) . فقد جعل الداعي مفترض الطاعة، والمراد به أبو بكر وعمر وعثمان، فوجبت طاعتهم بنصّ القرآن، وإذ قد وجبت طاعتهم فرضاً فقد صحّت إمامتهم وخلافتهم(2) .

والصحيح الذي يوافق تاريخ نزول الآية الكريمة، ويوافق الوقائع، هو ماذكره الرازي من أنّ الداعي هو النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم(3) ، إذ كانت الآية المذكورة نازلة في الحديبية بلا خلاف، وهي في سنة ستّ للهجرة، وبعدها غزا النبيّ هوازن وثقيف وهم أُولو بأس شديد، في وقعة حنين الشهيرة وذلك بعد فتح مكّة في السنة الثامنة للهجرة، وفتح مكّة هو الآخر دعوة إلى قتال قوم أُولي بأس شديد قاتَلوا الاِسلام وأهله حتّى أظهره الله عليهم في الفتح، ثمّ كانت غزوة مؤتة الشديدة، ثمّ غزوة تبوك وهي المعروفة بجيش العسرة، التي استهدفت محاربة الروم على مشارف الشام، ثمّ دعاهم مرّةً أُخرى لقتال الروم في جيش أُسامة الذي جهّزه وأمر بإنفاذه وشدّد على ذلك في مرضه الذي توفّي فيه.

فكيف يقال إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يَدْعُهُم إلى قتال بعد نزول الآية؟!

ولاَجل الفرار من هذا المأزق ذهبوا إلى آية سورة التوبة النازلة في المخلَّفين:( فَإِن رَّجَعَكَ اللَّـهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا

____________________

(1) سورة الفتح 48: 16.

(2) الفِصَل 4: 109 - 110، شرح المواقف 8: 364، شرح المقاصد 5: 266.

(3) تفسير الرازي 28: 92 - 93.

٨٦

مَعَ الْخَالِفِينَ ) (1) .

قال ابن حزم بعد أن ذكر هذه الآية ما نصّه: ( وكان نزول سورة براءة التي فيها هذا الحكم بعد غزوة تبوك بلا شكّ التي تخلّف فيها الثلاثة المعذورون الّذين تاب الله عليهم في سورة براءة، ولم يغزُ عليه السلام بعد غزوة تبوك إلى أن مات. وقال تعالى أيضاً:( سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّـهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ اللَّـهُ مِن قَبْلُ ) (2) فبيّن أنّ العرب لايغزون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد تبوك )(3) !

وهذا أوّل التهافت! فالآية الثانية، آية سورة الفتح، نزلت في الحديبية سنة ستّ للهجرة بلا خلاف، أي قبل تبوك بثلاث سنين! ويتّضح التهافت جليّاً حين يواصل القول مباشرةً: (ثمّ عطف سبحانه وتعالى عليهم إثر منعه إيّاهم من الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغلق باب التوبة فقال تعالى:( قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ ) فأخبر تعالى أنّهم سيدعوهم غير النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى قومٍ يقاتلونهم أو يُسلمون)(4) .

وهكذا قلب ترتيب الآيات، فقدّم آية التوبة النازلة بعد تبوك سنة تسع، وأخّر آية الفتح النازلة في الحديبية سنة ستّ، ليتّفق له مايريد!!

____________________

(1) سورة التوبة 9: 83.

(2) سورة الفتح 48: 15.

(3) الفِصَل 4: 109.

(4) الفِصَل 4: 109.

٨٧

وهذا هو الخطأ الاَوّل، فكيف يكون مانزل سنة تسع من الهجرة مقدَّماً على مانزل سنة ستّ؟!

وأمّا الخطأ الثاني فليس بأقلّ ظهوراً من الاَوّل: فآية سورة الفتح النازلة في الحديبية في السنة السادسة قد جاء فيها الاِخبار عن وقوع الدعوة، وتعليق الثواب والعقاب بالطاعة والعصيان منهم، فنصّ الآية يقول:( سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ... ) وقد وقعت الدعوة منه صلى الله عليه وآله وسلم حقّاً في حُنين ومؤتة وتبوك.

أمّا آية سورة التوبة في المخلَّفين المنافقين فقد أغلقت عليهم طريق التوبة ومنعت خروجهم مع النبيّ ومع غيره أيضاً، إذ كيف يدعوهم أبو بكر أو عمر إلى جهاد الكفّار وهم قد شهد عليهم الله ورسوله بالكفر والموت على الضلال؟! فقال تعالى في تلك الآية نفسها:( فَإِن رَّجَعَكَ اللَّـهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ * وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ) (1) .

وهذا صريح في حكم الله تعالى عليهم بالكفر وقت نزول الآيات، وأنّهم يموتون على الكفر والضلال، وأكّد ذلك بقوله في الآية التالية مباشرة:( وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) (2) .

____________________

(1) سورة التوبة 9: 83 - 84.

(2) سورة التوبة 9: 85.

٨٨

فهؤلاء إذن المقطوع بكفرهم وموتهم على الكفر، غير أُولئك الّذين ذكرتهم سورة الفتح ووعدتهم بالثواب إنْ هم استجابوا للداعي!

ثمّة التفاتة هامّة جدّاً، وهي: أنّه في ذات الواقعة التي نزلت فيها الآية الاُولى:( قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّـهُ أَجْرًا حَسَنًا ... ) أي في الحديبية ذاتها، قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لوفد قريش: «يا معشر قريش، لَتنتهنَّ أو لَيبعثنَّ اللهُ عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين، قد امتحن قلبه على الاِيمان» قالوا: من هو يا رسول الله؟ فقال أبو بكر: من هو يا رسول الله؟ وقال عمر: من هو يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «خاصف النَعل» وكان قد أعطى عليّاً نعلاً يخصفها.

أخرجه الترمذي والنسائي وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة(1) .

ونحو هذا تماماً قاله النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لوفد ثقيف، قال: «لَتُسلمُنَّ أو لاَبعثنَّ عليكم رجلاً منّي - أو قال: مثل نفسي - ليضربنّ أعناقكم، وليسبينّ ذراريكم، وليأخذنّ أموالكم» قال عمر: فو الله ماتمنّيت الاِمارة إلاّ يومئذٍ، فجعلتُ أنصب صدري رجاء أن يقول: هو هذا. فالتفتَ إلى عليٍّ فأخذ بيده وقال: «هو هذا، هو هذا»(2) .

ونحوه ما أخبر به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه واقعٌ بعده، فقال: «إنّ منكم من يقاتل

____________________

(1) سنن الترمذي 5 | 3715، سنن النسائي 5 | 8416، كتاب الخصائص - بتخريج الاَثري | 30، المصنّف، ابن أبي شيبة - فضائل عليّ - 7 | 18.

(2) أخرجه: عبد الرزّاق، المصنّف 11: 226 | 20389، المصنّف، ابن أبي شيبة - فضائل عليّ - 7 | 23 و 30، النسائي، السنن - كتاب الخصائص - | 8457، ابن عبد البرّ، الاستيعاب 3: 46.

٨٩

على تأويل القرآن كما قاتلتُ على تنزيله» فاستشرف له القوم، وفيهم أبو بكر وعمر، فقال أبو بكر: أنا هو؟ قال: «لا». قال عمر: أنا هو؟ قال: «لا، ولكن خاصف النعل» وكان عليٌّ يخصف نعل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم(1) .

وهذه نصوص اجتمعت صراحةً على نفي وإثبات:

نفت صراحةً أن يكون الداعي أبو بكر أو عمر..

وأثبتت صراحةً أنّ الداعي بعد الرسول ( ص ) هو الإمام عليّ ( ع )!

وبعد وجود هذه النصوص الموثّقة المتضافرة فلا مسوِّغ للرجوع إلى مداخلات المتكلّمين.

____________________

(1) مسند أحمد 3: 82، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9: 46 رقم 6898، المصنف، ابن أبي شيبة - فضائل عليّ - 7 / 19، المستدرك 3: 123، البداية والنهاية 7: 398.

٩٠

الاتجاه الثاني: النصوص الصحيحة الحاكمة

نصوص أيقن بها طائفة من الصحابة، على رأسهم عليّ، يقيناً لا يسمح أن يتسرّب إلى مدلولها شكّ.. يقيناً دفع عليّاً عليه السلام أن يردّ بدهشة على من دعاه لتعجيل البيعة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قائلاً: «ومن يطلب هذا الاَمر غيرنا»(1) ؟!

لكنّ تسارع الاَحداث تلك الاَثناء، وإحكام القبضة، لم يتركا لشيء من تلك النصوص موقعاً يرتجى، أمّا حين تحقّقت بارقة أمل يوم اجتماع الاَصحاب الستّة للشورى ولم يُبَتّ في الاَمر بعد، فلم يتوانَ عليٌّ عليه السلام عن التذكير بطائفة منها(2) .

وبعد أن تمّت له البيعة كانت الاَذهان أكثر استعداداً للاِصغاء، وأوسع فسحةً للتأمّل.. فبالغ في التذكير ببعضها، نصّاً أو دلالةً، حتّى امتلاَت بها خطبه الطوال والقصار، وكان لايخلو تذكيره أحياناً من تقريع، ظاهر.. أو خفيّ!

وبواحد من مواقفه نستهلّ هذه الطائفة من النصوص:

1 - قوله ( ص ): «من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه»:

خطب الإمام عليٌّ عليه السلام في الناس، فقال: أنشدُ اللهَ مَن سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

____________________

(1) الاِمامة والسياسة: 12.

(2) أُنظر: الاستيعاب بحاشية الاِصابة 3: 35، شرح نهج البلاغة 6: 167 - 168.

٩١

يقول يوم غدير خُمّ: «مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه» لَما قام فشهد!

فقام اثنا عشر بدرياً، فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خُمّ: «ألستُ أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم»؟ قلنا: بلى، يا رسول الله.

قال: «فمَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عادا»(1) .

وحديث غدير خمّ لم يرد في مسند أحمد أكثر منه طُرُقاً إلاّ حديثاً واحداً(2) ! أمّا في كتاب (السُنّة) لابن أبي عاصم ( ت /287 هـ) وتاريخ ابن كثير، فلا يضاهيه حديث(3) !! ورواه غيرهم بأسانيد صحيحة، كالترمذي وابن ماجة، والنسائي، وابن أبي شيبة، والحاكم(4) . ونَصَّ الذهبي على تواتره(5) .

____________________

(1) مسند أحمد 1، 84 و 88 و 118 و 119 - مرّتان -، سنن النسائي - كتاب الخصائص - | 8542، البداية والنهاية 5: 229 - 232 و 7: 383 - 385 من نحو عشرين طريقاً.

(2) أخرج أحمد حديث الغدير من تسع عشرة طريقاً، المسند 1: 84 و 88 و 118 - ثلاث مرّات - و 119 - مرّتان - و 152 و 331، و 4: 281 و 368 و 370 و 372 - مرّتان - و 5: 347 و 358 و 361 و 362 و 419.

ولا يضاهيه إلاّ حديث «مَن كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار» فقد خرّجه من نحو 25 طريقاً.

(3) أُنظر: البداية والنهاية 5: 228 - 233 و 7: 383 - 386، فقد خرّجه من نحو 40 طريقاً، بما فيها طرق حديث المناشدة المتقدّمة.

(4) سنن الترمذي 5 | 3713، سنن ابن ماجة 1 | 116 و 121، الخصائص - للنسائي بتخريج الاَثري - | 80 و 82 - 85 و 90 و 95 و 153، المصنّف، ابن أبي شيبة - باب فضائل عليّ - 7 | 9 و 10 و 29 و 55، المستدرك 3: 109 - 110.

(5) أُنظر: البداية والنهاية 5: 233.

٩٢

لكن بعد هذا جاء دور المتكلّمين، فبذلوا جهوداً مضنيةً في تأويله وصرفه عن معناه، بل تجريده من كلّ معنىً!!

فحين رأوا أنّ الاِقرار بدلالته على الولاية العامّة يفضي إلى إدانة التاريخ وتخطئة كثير من الصحابة، ذهبوا إلى تأويله بمجرّد النصرة والمحبّة، فيكون معنى الحديث: يا معشر المؤمنين، إنّكم تحبّونني أكثر من أنفسكم، فمن يحبّني يحبّ عليّاً، اللّهمّ أحبّ من أحبّه، وعادِ من عاداه(1) !

وحين رأوا أنّ جماعة من الصحابة قد عادَوه وحاربوه، ومنهم: عائشة وطلحة والزبير، وأنّ آخرين قد أسّسوا دينهم ودنياهم على بغضه، ومنهم: معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة ومروان وعبد الله بن الزبير.. ذهبوا إلى حقّ هؤلاء في الاجتهاد مقابل ذلك النصّ، فهم معذورون وإن أخطأوا، بل مأجورون أجراً واحداً لاَجل اجتهادهم(2) !!

وهكذا أصبح الخروج على نصوص الشريعة حتّى في مثل تلك الطرق السافرة، اجتهاداً يُثاب صاحبه، وليس بينه وبين الآخر الذي تمسّك بالشريعة وقاتل دونها إلاّ فرق الاَجر! فالذي قاتل الشريعة له نصف أجر الذي قاتل دونها!!

لقد كان الاَوْلى بهم أن يتابعوا سُنّة الرسول، ويوقِّروا نصّه الشريف الثابت عنه، بدلاً من إفراطهم في متابعة الاَمر الواقع الذي ظهر فيه اختلاف كثير..

____________________

(1) الآلوسي، روح المعاني 6: 195 وما بعدها.

(2) أُنظر: الفِصَل في الملل والنحل 4: 161 و 163، البداية والنهاية 7: 290، الباعث الحثيث: 182.

٩٣

فالحقّ أنّ هذا نصٌّ صريح في ولاية الإمام عليٍّ عليه السلام، لا يحتمل شيئاً من تلك التأويلات التي ما كانت لتظهر لولا الانحياز للاَمر الواقع ومناصرته.

وممّا يزيد في ظهور هذا النصّ نصوص أُخرى تشهد له وتبيّنه، كما نرى في النصوص الآتية:

2 - قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي». حديث صحيح(1) ؟.

3 - ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم في عليّ: «إنّه منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي.. إنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي» يكرّرها(2) .

4 - ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعليٍّ: «أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي». أو: «أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ومؤمنة»(3) .

وبعد اليقين بصحّة هذه الاحاديث، لايمكن أن تفسّر بحسب ظاهرها فتدين الواقع التاريخي!

فلمّا أرادوا تفسير الولاية هنا أيضاً بالنصرة والمحبّة، نظير ما في قوله تعالى:( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (4) ، صدمهم قوله: «بعدي» الذي لا يمكن أن يتشابه معناه!

____________________

(1) مسند أحمد 4: 437 - 438، سنن الترمذي 5 | 3712، الخصائص - للنسائي بتخريج الاَثري - | 65 و 86، المصنّف، ابن أبي شيبة - فضائل عليّ - 7 | 58، الاِحسان بترتيب صحيح ابن حبّان 9: 41 | 6890.

(2) مسند أحمد 5: 356، الخصائص - بتخريج الاَثري: | 87.

(3) مسند أحمد 1: 331، الخصائص - بتخريج الاَثري: | 23، المستدرك 3: 134.

(4) سورة التوبة 9: 71.

٩٤

ولمّا كانت قدسية الرجال أعظم من قدسية النصّ، رغم ثبوت صحّته عندهم، شهروا سيف التكذيب، فقالوا: إسناده صحيح مع نكارة في متنه لشذوذ كلمة ( بعدي )!

ولمّا أرادوا البرهان على هذه النكارة والشذوذ فمن اليسير جدّاً أن يرموا بها «شيعيّاً» ورد في إسناد بعضها(1) !

لكن من البديهي أنّ مثل هذا البرهان الاَخير يحتاج إلى توثيق، خصوصاً إزاء حديث يرِد بأسانيد صحيحة متعدّدة، فكيف وثّقوه؟!

ليتهم لم يوثّقوه، ليتهم تركوه مجازفةً كمجازفات الكثير من أصحاب الاَذواق!!

قالوا في توثيقه: يؤيّده أنّ الاِمام أحمد روى هذا الحديث من عدّة طرق ليست في واحدة منها هذه الزيادة(2) !

إنّها مقالةُ مَن لايخشى فضيحة التحقيق!!

فالنصوص الثلاثة التي ذكرناها لهذا الحديث، وفي جميعها كلمة ( بعدي ) جميعها في مسند أحمد(3) !

وأغرب من هذا أنّ المحقّق الذي ينقل قولهم المتقدّم ويعتمده، يخرّج بعضها على مسند أحمد نفسه(4) !!

____________________

(1) علماً أنّ التشيّع في مصطلحهم: هو تفضيل عليٍّ على عثمان، لا غير، والطعن على ملوك بني أُميّة!

(2) أُنظر: أبا إسحاق الاَثري في تخريجه الحديث 60 من كتاب (الخصائص).

(3) مسند أحمد 1: 331، 4: 438، 5: 356. وقد ذكرناها في تخريج النصوص كلٌّ في محلّه.

(4) الاَثري، كتاب (الخصائص) للنسائي | 87.

٩٥

ومرّة أُخرى ينهار ذلك البرهان وتوثيقه أمام الحديث الذي رواه أحمد في مسنده وفيه قوله ( ص ): «أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي»(1) ، وليس في إسناده واحد من أُولئك (الشيعة) الّذين اتُّهِموا به! بل اتّفق على صحّته الحاكم والذهبي والاَلباني(2) !

إنّ هذه الدلائل ليست فقط تثبت صحّة قوله «بعدي»، إنّما تثبت أيضاً أنّ الرواية التي وردت في مسند أحمد أو غيره وليس فيها كلمة «بعدي» إنّما قام (بتهذيبها) أنصار التاريخ الّذين نصروه حتّى في أوج انحرافه عن السُنّة..

كيف لا؟! وهي إدانة صريحة لمساره المنحرف الذي صار عقيدةً يتديّنون بها، ويضلِّلون مَن خالفهم فيها!

5 - الحديث الذي غاب عن (السنن) وأظهره أصحاب التاريخ والتفسير:

قوله ( ص ): « إنّ هذا أخي، ووصيّي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا»(3) .

فإذا كان الذي دهش قريشاً في جاهليّتها هو أن يؤمر أبو طالب بأن

____________________

(1) مسند أحمد 1: 331 من حديث ابن عبّاس.

(2) المستدرك 3: 133 - 134 وتلخيصه للذهبي في الصفحة ذاتها، كتاب السُنّة لابن أبي عاصم - بتخريج الاَلباني -: 552.

(3) تاريخ الطبري 2: 217، الكامل في التاريخ 2: 62 - 64، السيرة الحلبية 1: 461، شرح نهج البلاغة 13: 210 و 244 وصحّحه، مختصر تاريخ دمشق - لابن عساكر -، ابن منظور 17: 310 - 311، تفسير البغوي (معالم التنزيل) 4: 278، تفسير الخازن 3: 371 - 372 نقلاً عن سيرة ابن إسحاق، المنتخب من كنز العمّال - بهامش مسند أحمد - 5: 41 - 42.

٩٦

يسمع لابنه ويطيع(1) ، فقد دهشها بعد الاِسلام أن يؤمر كلّ الصحابة بذلك!

قال ابن كثير: ذكروا في إسناد هذا الحديث عبد الغفّار بن القاسم، وهو كذّاب، شيعي، اتّهمه عليّ بن المديني بوضع الحديث، وضعّفه الباقون(2) .

لكنّ أبو مريم، عبد الغفّار بن القاسم، قد حفظ له التاريخ غير ما ذكر ابن كثير!

حفظ لنا خلاصة سيرته، وصلته بالحديث، ومنزلته فيه، ثمّ حفظ علّة تركهم حديثه:

قال ابن حجر العسقلاني: (كان - أبو مريم - ذا اعتناء بالعلم وبالرجال.. وقال شعبة: لم أرَ أحفظ منه.. وقال ابن عديّ: سمعتُ ابن عقدة يثني على أبي مريم ويُطريه، ويجاوز الحدّ في مدحه، حتّى قال: لو ظُهر على أبي مريم مااجتمع الناس إلى شعبة)(3) !!

إذن لاَمرٍ ما لم يُظهَر على أبي مريم! قال البخاري: عبد الغفّار بن القاسم ليس بالقويّ عندهم.. حدّث بحديث بُرَيدة «عليٌّ مولى مَن كنتُ مولاه»(4) !

____________________

(1) حين قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ذلك لعليّ، قام الناس يضحكون ويقولون لاَبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع!

(2) البداية والنهاية 3: 38 - 39.

(3) لسان الميزان 4: 42 رقم 123.

(4) لسان الميزان 4: 43.

٩٧

لكنّ حديث بريدة هذا قد أخرجه ابن كثير نفسه من طريق آخر وصفه بأنّه إسناد جيّد قويّ، رجاله كلّهم ثقات(1) !

ذلك هو أبو مريم!

6 - خلاصة وصيّة النبيّ لاُمّته في حفظ رسالته، قال ( ص ): «ألا أيُّها الناس، إنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأُجيب، وأنا تاركٌ فيكم الثَقَلَين: أوّلهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به.. وأهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي»(2) .

- «إنّي تاركٌ فيكم ماإنْ تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الاَرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا علَيَّ الحوض.. فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(3) .

- «إنّي تارك فيكم خليفتين: كتاب الله، وأهل بيتي...»(4) .

تلك خلاصة رسالة السماء... ومفتاح المسار الصحيح الذي أراده النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لشريعته.

وهذا كلام لا يختلف في فهمه عامّيٌّ وبليغ.. فمن أين يأتيه التأويل؟!

إنّه لو قُدِّر أن تتحقّق الخلافة لعليٍّ أوّلاً، لَما ارتاب أحد في هذا النصّ

____________________

(1) البداية والنهاية 5: 228.

(2) صحيح مسلم 4 | 2308 من عدّة طرق.

(3) سنن الترمذي 5 | 3788، مسند أحمد 3: 17.

(4) مسند أحمد 5: 182 و 189.

٩٨

الصريح الصحيح.. لكنّ اختلاف المسار الجديد عنه، وتقديس الرجال، هما وراء كلّ ما نراه من ارتياب وتجاهل لنصّ لا شيء أدلّ منه على تعيين أئمّة المسلمين، خلفاء الرسول!!

إنّ أغرب ما جاء في (تعطيل) هذا النصّ قولٌ متهافتٌ ابتدعه ابن تيميّة حين قال: (إنّ الحديث لم يأمر إلاّ باتّباع الكتاب، وهو لم يأمر باتّباع العترة، ولكن قال: أُذكّركم الله في أهل بيتي)(1) !

فقط وفقط، ولا كلمة واحدة!!

ولهذا القول المتهافت مقلِّدون، والمقلِّد لا يقدح في ذهنه ما يقدح في أذهان البسطاء حتّى ليعيد على شيخه السؤال: أين الثقل الثاني إذن؟! أين الخليفة الثاني إذن، والنبيّ يقول «الثقلين.. خليفتين»؟! ومَن هذان اللذان لن يفترقا حتّى يردا الحوضَ معاً؟!

«كتاب الله» و «عترتي أهل بيتي» إنّهما المحوران اللذان سيمثّلان محلّ القُطب في مسار الاِسلام الاَصيل غداً بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

وليس بعد هذا الحديث، وحديث غدير خمّ، مايستدعي البحث عن نصوص أُخر لمن شاء أن يؤمن بالنصوص..

الخطاب الجامع.. مفترق الطرق:

في حديث صحيح، جمع الخطاب وأوجز:

قال الصحابي زيد بن أرقم: لمّا دفع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من حجّة الوداع ونزل

____________________

(1) منهاج السُنّة 4: 85، الفرقان بين الحقّ والباطل: 139.

٩٩

غدير خمّ، أمر بدوحاتٍ فقُمِمْن(1) ، ثمّ قال: «كأنّي دُعيتُ فأجبتُ، وإنّي تارك فيكم الثَقَلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي. فانظروا كيف تخلفوني فيهما! فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيَّ الحوض».

ثمّ قال: «إنّ الله مولاي، وأنا وليّ كلّ مؤمن» ثمّ أخذ بيد عليّ رضي الله عنه، فقال: «مَن كنتُ وليّه فهذا وليّه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه».

قال أبو الطفيل: قلتُ لزيد: سمعتَه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

قال: نعم، وإنّه ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينه وسمعه بأُذنيه(2)

ص.

هذا الخطاب، على نحو مائة ألف من المسلمين شهدوا حجّة الوداع، وعند مفترق طرقهم إلى مدائنهم، لم يعِشِ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعده إلاّ نحو ثمانين يوماً(3) ، ليكون هذا الخطاب ذاته بعد اليوم الثمانين مفترق الطرق بين المسلمين، وحتّى اليوم!!

ثمانون يوماً لا تكفي لنسيانه!!

____________________

(1) أي: كُنِسْنَ.

(2) أخرجه: النسائي، السنن 5 | 8464، الاَثري، تخريج خصائص عليّ عليه السلام | 76 وذكر له عدّة مصادر، منها: مسند أحمد 1: 118، البزّار | 2538 - 2539، وابن أبي عاصم: 1365، والحاكم، المستدرك 3: 109، وأخرجه ابن كثير، البداية والنهاية 5: 228 وقال: قال شيخنا الذهبي: هذا حديث صحيح، وأخرجه اليعقوبي، التاريخ 2: 112.

(3) كانت خطبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خمّ يوم 18 ذي الحجّة سنة 10 هـ، ووفاته صلى الله عليه وآله وسلم يوم 2 أو 12 ربيع الاَوّل من سنة 11 هـ، حسب اليعقوبي والطبري والكليني، أو 28 صفر، حسب الطبرسي.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136