حوار في التسامح والعنف

حوار في التسامح والعنف0%

حوار في التسامح والعنف مؤلف:
الناشر: مجلة ( الحياة الطيبة)
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 136

حوار في التسامح والعنف

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: معهد الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم )
الناشر: مجلة ( الحياة الطيبة)
تصنيف: الصفحات: 136
المشاهدات: 50305
تحميل: 5302

توضيحات:

حوار في التسامح والعنف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50305 / تحميل: 5302
الحجم الحجم الحجم
حوار في التسامح والعنف

حوار في التسامح والعنف

مؤلف:
الناشر: مجلة ( الحياة الطيبة)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إلاّ بمواجهة أئمة الظلم، الذين لا يألون جُهداً في مواجهة هذا الدين، وإحباط مشاريعه في تحرير الإنسان بكل الوسائل الممكنة. وما دام هؤلاء الطغاة في مواقع القوّة والسلطان من حياة الناس، فلا يمكن أن يأذنوا لهذا الدين بالتقدُّم إلى الناس، وأن يُقدِّم إلى الناس خطاب الله تعالى، فإنّ هذا الخطاب يتضمَّن تحرير الإنسان من كل القيود والآصار، وإعادة الحاكمية في حياة الإنسان إلى الله تعالى والصالحين من عباده، وتقرير ألوهيَّته وحاكميته على وجه الأرض، ولن يكون شيء من ذلك ما دام لهؤلاء سلطان وقوّة على وجه الأرض.

دور أئمة الكُفر في إحباط مشاريع هذا الدين :

فإنَّ هؤلاء يوظِّفون كلّ قوَّتهم وسلطانهم لإحباط مشروع هذا الدين وإعاقة حركته، وصدّ الناس عن الله، وتشويه صورته في أذهان الناس، ويتربّصون به الدوائر لتعطيل دوره في حياة الإنسان.

اقرأوا هذه الآيات من كتاب الله، حيث يقول تعالى :( كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) (١) ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ

____________________

(١) سورة التوبة : الآيتان ٨ - ٩.

٢١

أَعْمَالَهُمْ ) (١) ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً ) (٢) .

فلن يتمكَّن هذا الدين من تقديم خطاب الله تعالى إلى الناس، وتحريرهم من أسر ( الهوى ) و( الطاغوت )، ما دام هؤلاء الظالمون يحتلُّون مواقع القوَّة والسلطان على وجه الأرض.

القتال لإزالة الفتنة والإعاقة عن طريق الدين :

فلابدَّ - إذاً - من استئصال أئمة الظلم والمفسدين من وجه الأرض.

يقول تعالى :( فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) (٣) .

وبذلك تنتهي الفتنة من حياة الإنسان.

يقول تعالى :( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ) (٤) ،( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ) (٥) .

والفتنة : هي ( الإعاقة )، ووسائل الإعاقة كثيرة، من الإرهاب، والترغيب، والتضليل الإعلامي.

____________________

(١) سورة محمد : الآية ١.

(٢) سورة محمد : الآية ٣٢.

(٣) سورة التوبة : الآية ١٢.

(٤) سورة البقرة : الآية ١٩٣.

(٥) سورة الأنفال : الآية ٣٩.

٢٢

فإذا زالت أسباب ( الإعاقة ) هذه من حياة الناس، ولم يَحُلْ أحد بين الناس وبين الله تعالى، أقبل الناس على الله، كما أقبلوا عليه في الجزيرة العربية في السنوات الأخيرة من حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً ) (١) ، أرأيت السدَّ عندما يتهشَّم كيف تتدفَّق المياه، كذلك ( سدُّ الفتنة ) عندما يزول يتدفّق الناس أفواجاً إلى دين الله؛ وعندئذٍ يكون الدين كلُّه لله، من غير حرب ولا قتال.

وذلك هو قوله تعالى :( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ، فإنّ الفتنة والإعاقة لن تزول إلاَّ بالقتال، فإذا زالت لن يحتاج حملة الدعوة إلى قتال وحرب ليُقْبِل الناس على الله والدين، وإنَّما يُقبل الناس على الدين بمحض إرادتهم من دون قتال، ويكون الدين كلّه لله.

فالقتال لا يكون إلاّ لإزالة الفتنة وأسباب الإعاقة عن طريق الدعوة إلى الله. هذه هي النظرية، وتحتاج هذه النظرية إلى بسط في الكلام، وتوضيح واستدلال لا يسعه المقام.

البُعد الواقعي والموضوعي في أحكام هذا الدين :

وتفسير آيات القتال على أساس الدفاع، والتنظير للدفاع من خلال هذه الآيات، لا يستقيم والفهم السليم لآيات كتاب لله، وإنَّ العوامل السياسية

____________________

(١) سورة النصر : الآية ٢.

٢٣

والإعلامية الضاغطة قد تؤدِّي بالمنظِّرين والمفكّرين المعاصرين، إلى تفسير النصوص الإسلامية على غير وجهها، وهذه الخلفيّة الضاغطة، واضحة في هذه التنظيرات، التي تُحاول أن تعكس صورة وديعة للإسلام تتقبَّلها الذهنيّة الغربيّة.

ومن هذا المنطلق تفسَّر التشريعات والنصوص الواردة في أمر الجهاد والقتال بالدفاع، ويعتقد أصحاب هذه النظرية أنَّ الإسلام يتمكَّن من فتح معاقل الكفر على وجه الأرض بالتوعية، والإنذار، والتبشير، والموعظة فقط، وهذا رأي غير واقعي، ولو كان حَمَلة الإسلام يقتصرون على عامل التوعية والإنذار والتبشير، لم يتيسّر لهم يومئذٍ فتح معاقل فارس، والروم، ومصر، وأفريقيا. ولا يعني هذا الكلام الانتقاص من قيمة التوعية، والإنذار، والتبشير، وإنَّما نُحبُّ أن نأخذ الواقع الإنساني والسياسي بكل أبعاده، في حساب الدعوة إلى الله.

وبهذه النظرة الواقعية، لا يمكن أن نفسِّر حركة هذا الدين الواسعة في حياة الإنسان، بعامل التوعية والإنذار والتبشير فقط، من دون أن نأخذ بنظر الاعتبار حالة الجهاد والقتال في تقدُّم الإسلام وتوسُّعه.

رؤية أهل البيت إلى الفتوحات العسكرية صدر الإسلام :

ورغم أنَّ الفتوحات العسكرية بعد عصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت أحداثاً ضخمة وكبيرة في تاريخ هذا الدين، رغم ذلك لا نجد إشارة إلى رفض هذه

٢٤

الفتوحات والتشكيك في مشروعيَّتها في أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام ، وواضح لمَن خَبَر أحاديثهمعليهم‌السلام ، أنَّ انعدام النصوص الرافضة مع أهميِّة الفتوحات العسكرية يومئذٍ، يعني إقرارها وشرعيتها، كما أنَّ عمومات وإطلاقات نصوص الجهاد في القرآن تدلُّ على هذه الحقيقة.

ولست أحبُّ أن أُدخل هنا بحثاً فقهيّاً عن مشروعية الجهاد الابتدائي، ولكنَّني أقول - وأختم هذا الشطر من الحديث - : إنّ الذي يتلقّى سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والنصوص الإسلامية في الجهاد والقتال، وتاريخ الفتوحات الإسلامية، وموقف أهل البيتعليهم‌السلام من هذه الفتوحات لا يَشُكُّ في الحالة الجهادية في الإسلام، ولن يَشُكَّ في أنَّ الإسلام لا يتمكَّن من فتح معاقل الكفر والظلم، والاستبداد السياسي، والطغيان على وجه الأرض، من دون القتال والمواجهة.

والتنظيرات المعاصرة للنصوص الإسلامية في القتال والجهاد، تمثِّل حالة من الهزيمة النفسيّة والفكريّة تجاه العوامل السياسية والإعلاميّة الضاغطة، ومن الخطأ أن نُخضِع تفسير النصوص الإسلامية لهذه العوامل الضاغطة، مهما كان نوعها.

ومن هذه العوامل الموجة الإعلاميّة الواسعة ضدَّ العنف، بعد أحداث ١١ أيلول ( سبتمبر ) في أمريكا، والتي قادتها أمريكا وأوروبا في العالم، ووقع بعض المفكّرين والمنظِّرين في تيَّار الموجة الإعلاميّة العالميّة، مع علم أو من دون علم.

٢٥

ونحن نؤمن أنَّ العنف ظلماً مرفوض، وأنَّ العنف لمواجهة الظلم صحيح، وأنَّ العنف لإزالة العنف حقٌّ، وأنَّ العنف لإزالة الباطل صحيح، وعمليات المقاومة الإسلامية في لبنان، والمقاومة الإسلامية في فلسطين من العنف المشروع، الذي يُحبُّه الله ورسوله والمؤمنين.

الحياة الطيِّبة : في قراءة لي لبعض مذكّرات الشهيد مطهَّري، رأيت تأكيداً صارماً منه في الجزء ٢، ص٣٢٢ على رجحان وتقدُّم مبدأ ( الصلح ) و( السلام ) في القرآن الكريم، مستشهداً بآيات قرآنية مثل :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) (١) و( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) (٢) وما إلى ذلك.

أحبُّ أن أتقدّم بالسؤال - هنا - عمّا إذا كان هذا السلم مرغوباً فيه ومنصوصاً عليه إسلامياً في العلاقات الإسلامية، أم هو يمثّل المقصد الأساسي لتكون العلاقات الإنسانية مبنيّة عليه، من دون فارق بين طبيعة الانتماءات المذهبية والأيدلوجية للأطراف ؟

الشيخ الآصفي : أمَّا قوله تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) ، فهو من التسليم لله ولرسوله، وليس من السلم في مقابل الحرب

____________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢٠٨.

(٢) سورة الأنفال : الآية ٦١.

٢٦

والقتال، والشاهد على ذلك تعقيب هذه الحقيقة مباشرة بقوله تعالى:( وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (١) .

والشيطان يأمر بمعصية الله ورسوله، وألاَّ يُسلِّم الإنسان أمره إلى الله تسليماً. يقول تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (٢) .

فالسّلم هنا - بقرينة السياق، وبقرينة قوله تعالى :( لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) - من التسليم لله تعالى ولرسول، نظير قوله تعالى :( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٣) . وهذا ( السّلم ) من ذلك التسليم، ولو راجعتم كلمات المفسِّرين لتأكَّدتم ممَّا أقول.

الحالة المرحليَّة في تشريعات الدعوة والجهاد :

وأمّا قوله تعالى :( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) (٤) ، فهو حكم مرحلي يتعلَّق بزمن نزول الآية الكريمة، وهي من سورة الأنفال، وقد نزلت هذه السورة في السنة الثانية من الهجرة بعد معركة بدر، والأحكام

____________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢٠٨.

(٢) سورة الأنفال : الآية ٦١.

٢٧

النهائية في الحرب نزلت في سورة ( براءة )، وقد نزلت في السنة التاسعة من الهجرة، بعد فتح مكَّة، وبعد أن استقرَّ الإسلام في الجزيرة العربية.

المراحل الأربع في نصوص الدعوة والجهاد :

والصحيح في فَهْم هذه الآيات، أن نفهم هذه النصوص ضمن المنهج المرحلي الحركي لنزول هذه الآيات، فقد مرَّت هذه الدعوة في محاربة ( العنف ) و( اللا عُنف ) بأربع مراحل، ولا نستطيع نحن أن نفهم آيات القتال وموضعها وموقعها، إلاّ من خلال هذه الحركة المرحليّة للدعوة خلال هذا التاريخ.

المرحلة الأُولى : مرحلة اللا عنف، وكفِّ الأيدي عن المواجهة، وحتى عن ردِّ قريش بالمثل والدفاع عن النفس، وذلك قوله تعالى :( كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ ) (١) .

المرحلة الثانية : الإذن بالدفاع - وليس الأمر به - وذلك بقوله تعالى :( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) (٢) .

____________________

(١) سورة النساء : الآية ٧٧.

(٢) سورة الحج : الآيات ٣٩ - ٤٠.

٢٨

المرحلة الثالثة : تشريع القتال دفاعاً والأمر بالدفاع والمواجهة. يقول تعالى :( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (١) .

المرحلة الرابعة : الأمر بالبدء بالقتال، وذلك بقوله تعالى :( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) (٢) .

وآيات سورة براءة على نهج المرحلة الرابعة. يقول تعالى :( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) (٣) .

وضمن هذا النهج الحركي - المرحلي - لحركة الدعوة، يجب أن نبحث عن موقع قوله تعالى :( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) ، وأوضح منها قوله تعالى :( فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ) (٤) .

____________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٩٠.

(٢) سورة البقرة : الآية ٢١٦.

(٣) سورة التوبة : الآية ٥.

(٤) سورة النساء : الآية ٩٠.

٢٩

آية براءة ناسخة لآيتَي الأنفال والنساء :

إنَّ آيتي سورتي ( النساء ) و( الأنفال ) نزلتا قبل آية سورة ( براءة ) بسنين، فإنَّ ( الأنفال ) - كما ذكرتُ - نزلت في السنة الثانية من الهجرة، ونزلت ( براءة ) بعد فتح مكّة في السنة التاسعة من الهجرة، وكذلك الآية تسعون من سورة ( النساء ) نزلت قبل الآية ٢١٦ من سورة (البقرة ) وقبل آيات سورة براءة.

فإذاً؛ آية ( الأنفال ) وآية ( النساء / ٩٠ ) تكون منسوخة بآيات براءة، وتكون البراءة ناسخة لها.

وهذا هو الذي يذهب إليه ابن عبّاس؛ حيث يقول : إنَّ آية سورة النساء : ٩٠ منسوخة بآية براءة، وآية سورة الأنفال : ٦١، منسوخة بآية السيف من سورة براءة :( قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ ) .

تعديل في رأي ابن عبّاس :

ومع قبول جوهر نظرية عبد الله بن عباسرحمه‌الله ، أقول: إنَّ المسألة هنا ليست مسألة ( نسخ )، فإنَّ المراحل الأربع لم ينسخ بعضها بعضاً، وإنَّما حُكم المواجهة والقتال، أو الدفاع، أو الكفّ في كل مرحلة هو حكم مرحليّ يخصّ تلك المرحلة، وقد كان المسلمون يعرفون هذه الحقيقة، فإذا انتهت المرحلة انتهى أمد ذلك الحكم، حتّى استقرَّ الأمر في السنة التاسعة من الهجرة بعد

٣٠

فتح مكّة على الأحكام النهائية لقتال المشركين. وهذه هي الأحكام النهائية المطلقة في أمر القتال والجهاد.

ولكن يجب أن نُضيف إلى هذه الحقيقة، حقيقة أخرى وهي قوله تعالى :( لاَ يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (١) ، فإنَّ الله تعالى لا ينهانا في آية ( الممتحنّة ) عن البرِّ والقسط للكفّار الذين لا يقاتلونا، ولم يُخرجونا من ديارنا.

وليس هذا الحكم إعراضاً عن الحكم الوارد في آية السيف في ( براءة )، وإنَّما معنى ذلك أنَّ الإسلام منهج واقعي في التعامل مع العالم، لا يعلن الحرب على العالم، وإنَّما يتدرّج في مواجهة الواقع، ويقدِّم الأكثر عدواناً منهم على غيرهم، يقول تعالى :( قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ ) (٢) ، وليس معنى :( الَّذِينَ يَلُونَكُمْ ) : أي يجاورونكم ويقربون إليكم، بل معنى ذلك ( والله أعلم بما يقول ) : الأقرب في استحقاق الصدِّ والقتال والمواجهة، أي الأكثر عدواناً على المسلمين.

وإذا أردنا أن نجد لهذه الآية مصداقاً في حياتنا السياسية اليوم، نجد أنَّ ( إسرائيل ) هي الأكثر عدواناً على المسلمين، وهي التي تلينا من الكفّار.

____________________

(١) سورة الممتحنة : الآية ٨.

(٢) سورة التوبة : الآية ١٢٣.

٣١

إذاً؛ منهج القتال والجهاد في الإسلام منهج واقعي يُعامل من خلال معيارَيْن : الأوّل منهما القدرة العسكرية، والاقتصادية، والسياسية، والثاني منهما التدرُّج.

وعلى أساس هذين المعيارين، فإنَّ الله تعالى لا ينهانا عن البرِّ والقسط إلى الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا، وتكون هذه الآية من سورة ( الممتحنة ) بناء على ذلك أساساً في العلاقات الخارجية بين المسلمين وغيرهم من الأمم غير المسلمة.

الحياة الطيِّبة : مطالعة دقيقة وفاحصة لحاضر العلاقات الإسلامية غير الإسلامية الراهنة، لجهة عقد اتفاقيات الصلح والسلام مع الجهات الكافرة قد توحي بالالتباس، وعدم الوضوح، وغياب القواعد الفقهية المنظّمة، أو عدم توافرها بالنحو الكافي في الأوساط الإسلامية، هل الدرس الفقهي العالي اليوم يُعالج إشكاليات الثابت والمتغيّر في رسم حدود هذه العلاقات، ويدعو إلى إعادة النظر أو إعادة فهم النصوص التي تتحدَّث عن طبيعة علاقة الحكم الإسلامي مع غيره أم لا ؟ حبّذا لو تتكرَّمون في وضع نقاط أساسية من شأنها فتح هذه القضايا وإثارة الاهتمام بفصل الضوابط أو المقاصد الأساسية للدين، عن مصاديقها وتطبيقاتها في العصور الأُولى، وتبعاً لها في باقي العصور والعهود التي مرَّت بها الحركة الإسلامية.

الشيخ الآصفي : العقود والاتفاقيات مع الدول والأنظمة الكافرة تدخل ضمن نظام المتغيرات في الشريعة.

٣٢

والشريعة تتألّف من ثوابت ومتغيِّرات، وهذه المتغيِّرات هي التي تمكِّن الفقيه من تغطية مساحة الحياة الواسعة واللا محدودة بثوابت الشريعة لا محالة، تتكوّن من مجموعة محدودة مهما كانت حدودها من النصوص، وهذه النصوص هي التي نسمّيها بثوابت الشريعة.

ومتغيِّرات الشريعة على نحوَيْن :

١ - المتغيِّرات التي يوظّفها المجتهد في تغطية المسائل والقضايا الشرعية.

٢ - المتغيِّرات التي يوظّفها الحاكم، ووليّ الأمر في الشؤون السياسية والإدارية للمجتمع، في إطار ثوابت الشريعة.

والقسم الأوّل من المتغيِّرات يشمل :

أ - قاعدة التزاحم.

ب - حكومة العناوين الثانوية على الأحكام الأوليّة.

ج - القواعد الفقهية.

د - التلازم بين الحكم العقلي والشرعي.

وهذه الآليَّات الشرعيّة، يستخدمها المجتهد في تغطية المساحة غير المحدودة والمتغيّرة من الحياة، بثوابت الشريعة المحدودة.

والقسم الثاني من المتغيّرات، هو حكم الحاكم الشرعي في المسائل السياسية والإدارية، وما يتَّصل بهما.

وحكم الحاكم، وإن كان يبتني - لا محالة - على بعض العناوين السابقة، كالمصلحة والضرورة، والضرر والتزاحم بين الأهمِّ والمهمِّ وأمثال ذلك، إلاّ

٣٣

أنَّ حكم الحاكم بنفسه يُلزم سائر الناس حتّى المجتهدين منهم، تطابق اجتهادهم مع اجتهاد الحاكم في هذه العناوين الثانوية، أم لم يتطابق.

إذاً؛ حكم الحاكم بنفسه من المتغيّرات التي أقرَّتها الشريعة، إلى جنب الثوابت الشرعية.

ويمكن أن يتحرَّك الحاكم ضمن الأطُر الآتية :

أ - تحريم المباح.

ب - إيجاب المباح.

وهذا ممَّا اتّفق عليه الفقهاء.

ج، د - إباحة الواجب والحرام.

ه- - إيجاب الحرام.

و - تحريم الواجب.

وقد اختلف الفقهاء في دخول النقاط الأربعة الأخيرة ضمن صلاحيات الحاكم.

ومهما يكن من أمر، فإنّ الاتفاقيات وعقود السلام، والمعاهدات مع الأنظمة غير الإسلامية، تدخل في هذا الحقل الأخير، أي صلاحيات ( الحاكم ).

وإنَّما بسطنا الكلام في ذلك؛ لأنَّ السؤال كان يتطلَّب البحث عن ثوابت الشريعة ومتغيّراتها.

العقود والاتفاقيات الدولية من صلاحيات الحاكم :

والآن - بعد هذه الجولة في ثوابت الشريعة ومتغيراتها - نعود إلى العقود والاتفاقيات والمعاهدات مع الأنظمة غير الإسلامية.

٣٤

فنقول : إنَّها تدخل في صلاحيات ( الحاكم الشرعي ) بما يراه من المصلحة والضرورة، أو دفع الضرر عن المسلمين، أو تقديم الأهمِّ على المهمِّ في موارد التزاحم.

فيأخذ بهذه العناوين أو بغيرها، وإلى هذا الحدِّ لا يزيد دوره عن دور أيِّ مجتهد، يوظّف العناوين الثانوية في تغيير الأحكام الأوليّة من الوجوب إلى الحرمة، ومن الحرمة إلى الوجوب، ومن الإباحة إلى الوجوب والحرمة.

فإذا حكم الحاكم بذلك بمقتضى ولايته على الناس، نفذ حكمه على سائر الناس، لقوله تعالى:( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، أخذوا بما أخذ به من العناوين الثانوية، في الاجتهاد أم لم يأخذوا.

ولا شكَّ في أنّ العقود والمعاهدات، والتحالفات والاتفاقيّات، السياسية، والعسكرية والاقتصادية، والأمنية، والسياحية، وغيرها تدخل في هذا الباب، ومن أهمِّ هذه الموارد الاتفاقيّات والمعاهدات العسكرية لوقف القتال، والأخذ بالهدنة لفترة طويلة أو قصيرة.

وإلى ذلك يذهب فقهاؤنارحمهم‌الله .

كلمات الفقهاء في العقود والاتفاقيّات الدوليّة :

قال الشيخ في المبسوط : ( الهُدْنة والمعاهدة واحدة، وهو وضع القتال وترك الحرب إلى مدّة من غير عوض، وذلك جائز؛ لقوله تعالى :( وَإِنْ جَنَحُوا

٣٥

لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) ؛ ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صالح قريشاً عام الحديبية على ترك القتال عشر سنين.

وليس خلوُّ الإمام من أن يكون مستظهراً، أو غير مستظهر، فإن كان مستظهراً وكان في الهُدْنة مصلحة للمسلمين، ونظر لهم بأن يرجو منهم الدخول في الإسلام، أو بذل الجزية فعل ذلك، وإن لم يكن فيه نظر للمسلمين، بل كانت المصلحة في تركه بأن يكون العدوُّ قليلاً ضعيفاً، وإذا ترك قتالهم اشتدَّت شوكتهم وقرُّوا، فلا تجوز الهُدْنة؛ لأن فيها ضرراً على المسلمين.

فإذا هادنهم في الموضع الذي يجوز، فيجوز أن يُهادنهم أربعة أشهر بنصِّ القرآن العزيز، وهو قوله تعالى :( فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) ، ولا يجوز إلى سنة وزيادة عليها.

فأمّا إذا لم يكن الإمام مستظهراً على المشركين، بل كانوا مستظهرين عليه، لقوّتهم وضعف المسلمين أو كان العدوُّ بالبُعد منهم وفي قصدهم التزام مؤن كثيرة، فيجوز أن يهادنهم إلى عشر سنين؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هادن قريشاً عام الحديبيّة إلى عشر سنين؛ ثمَّ نقضوها من قِبل نفوسهم)(١) .

وفي التذكرة : ( ويشترط في صحّة عقد الذمّة أُمور أربعة :

الأوّل : أن يتولاّه الإمام أو مَن يأذن له؛ لأنّه من الأمور العظام.

____________________

(١) الشيخ الطوسي، المبسوط، المكتبة المرتضوية، طهران، ج٢، ص٥٠ - ٥١.

٣٦

الثاني : أن يكون للمسلمين إليه حاجة ومصلحة، إمّا لضعفهم عن المقاومة فينتظر الإمام قوّتهم، وإمّا لرجاء إسلام المشركين، وإمّا لبذل الجزية منهم والتزام أحكام الإسلام. ولو لم تكن هناك مصلحة للمسلمين - بأن يكون في المسلمين قوّة، وفي المشركين ضعف، ويخشى قوّتهم واجتماعهم إن لم يبادرهم بالقتال - لم تجز له مهادنتهم.

والثالث : أن يخلو العقد من شرط فاسد - وهو حقّ كل عقد - فإن عقدها الإمام على شرط فاسد، مثل أن يشترط ردَّ النساء، أو مهورهنّ، أو ردّ السلاح المأخوذ منهم، أو دفع المال إليهم مع عدم الضرورة الداعية إلى ذلك، فهذه الشروط كلّها فاسدة يَفسد بها عقد الهُدْنة.

الرابع : المدَّة، ويجب ذكر المدَّة التي يُهادنهم عليها )(١) .

وفي المغني لابن قدامة الحنبلي : ( ومعنى الهُدْنة أن يعقد لأهل الحرب عقداً على ترك القتال مدّة بعوض وبغير عوض، وتسمَّى مهادنة وموادعة ومعاهدة، وذلك جائز بدليل قول الله تعالى :( بَرَاءةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ) ، وقال سبحانه :( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَ ) ، وروى مروان ومسور بن مخرمة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صالح سهيل بن عمرو بالحديبيّة على

____________________

(١) العلاَّمة الحلِّي، تذكرة الفقهاء، الطبعة الحجرية القديمة، المكتبة الرضوية لإحياء الآثار الجعفرية، إيران، ج١، ص٤٤٧.

٣٧

وضع القتال عشر سنين؛ ولأنّه قد يكون بالمسلمين ضعف، فيُهادنهم حتّى يقوى المسلمون ...)(١) .

الأصل القرآني في شرعية العهد :

ثمّ إنَّ الأصل في شرعيّة العهد في القرآن، هو : الآيات الأُولى من سورة ( براءة ).

قال تعالى :( بَرَاءةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ ) ، فالجزء الأوّل من سورة (براءة )، يقسِّم الكفّار إلى قسمين :

القسم الأوّل : الكفّار الذين لم ندخل معهم في عهد.

القسم الثاني : الكفّار الذين دخلنا معهم في عهد.

وهذا القسم أيضاً ينقسم إلى قسمين :

الأوّل : مَن نقضوا عهدهم، وخالفوا وظاهروا بتشكيل أحلاف ضدَّ الإسلام.

الثاني : مَن استقام على عهده.

وعليه سيكون مجموع الأقسام ثلاثة.

أ - الكفّار الذين لم ندخل معهم في عهد.

ب - الكفّار الذين دخلنا معهم في عهد ونقضوا.

____________________

(١) عبد الله بن قدامة، المغني، تحقيق جماعة من العلماء، دار الكتاب العربي، بيروت، ج١٠، ص٥١٧.

٣٨

ج - الكفّار الذين دخلنا معهم في عهد واستقاموا على عهدهم.

والكفار من القسم الأوّل حكمهم أنَّ الله بريء منهم، وكذلك رسله حسب نصّ القرآن.

والقسم الثاني : حكمهم - أيضاً - هو أنّ الله بريء منهم كذلك، ويأمرنا بقتالهم؛ لقوله تعالى :( أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ ) (١) ، وقوله تعالى :( وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) (٢) ، وقوله تعالى :( وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) في الآية الأُولى ظاهر في أنّهم هم الناقضون، وأنّ المؤمنين يدافعون عن أنفسهم، وأنّ القتال مع هؤلاء المشركين ليس ابتدائياً.

وأمّا قوله تعالى :( فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ) ، فكأنّ قتال هؤلاء؛ لأنَّهم أئمة كفر، إلاّ أنّ العهد كان مانعاً، فلمّا نقضوا العهد ارتفع المانع.

أمّا القسم الثالث، الذين عاهدوا واستقاموا على العهد، فالإسلام يحترم عهدهم؛ لقوله تعالى :( إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) (٣) .

____________________

(١) سورة التوبة : الآية ١٣.

(٢) سورة التوبة : الآية ١٢.

(٣) سورة التوبة : الآية ٤.

٣٩

وفي نهج البلاغة : ( ولا تدفعنّ صلحاً دعاك إليه عدوّك [ و ] لله فيه رضاً، فإنّ في الصلح دعة لجنودك، وراحة من همومك، وأمناً لبلادك، ولكنَّ الحذر كلّ الحذر من عدوّك بعد صلحه، وإنّ العدوّ ربَّما قارب ليتغفَّل، فخذ بالحزم واتَّهم في ذلك حسن الظن )(١) .

الأمر بالوفاء بالعهد وحرمة الغدر في الشريعة :

وقد تضافرت النصوص الإسلامية على وجوب احترام العهد، وحرمة نقضه، وعد ذلك من الغدر.

قال الله تعالى :( إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) (٢) . وقال :( إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) (٣) .

وللمعاهد حرمة لدمه وماله، روى محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمد بن يَحيى، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن قريتين من أهل الحب لكلّ واحد منهم إلى أن قال : فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ( لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا ولا يأمروا

____________________

(١) نهج البلاغة، مصدر سابق، ج٣، ص١٠٦، الكتاب ٥٣.

(٢) سورة التوبة : الآية ٤.

(٣) سورة التوبة : الآية ٧.

٤٠