حوار في التسامح والعنف

حوار في التسامح والعنف42%

حوار في التسامح والعنف مؤلف:
الناشر: مجلة ( الحياة الطيبة)
تصنيف: مكتبة الأسرة والمجتمع
الصفحات: 136

حوار في التسامح والعنف
  • البداية
  • السابق
  • 136 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57544 / تحميل: 7620
الحجم الحجم الحجم
حوار في التسامح والعنف

حوار في التسامح والعنف

مؤلف:
الناشر: مجلة ( الحياة الطيبة)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

حوار في

التسامح والعنف

سلسلة تهتمُّ بمعالجة قضايا فكرية مُعاصرة

تصدر عن معهد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

العالي للشريعة والدراسات الإسلامية. بيروت

١

هذا الكتاب

طبع ونشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢

كتاب الحياة الطيِّبة

سلسلة تهتمُّ بمعالجة قضايا فكرية مُعاصرة

تصدر عن معهد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

العالي للشريعة والدراسات الإسلامية. بيروت

المُشرف العام

محمد رضا نور اللهيان المهاجر

رئيس التحرير

نجف علي الميرزائي

مُستشار التحرير

محمد مصطفوي

مدير التحرير المسؤول

محمد حسن زراقط

حوار مع الشيخ محمد مهدي الآصفي

تنضيد وإخراج

أحمد حسين المقداد

عبد الرحمن جاسم

غلاف

حسين موسى

٣

مراكز التوزيع

* لبنان - معهد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العالي للشريعة والدراسات

الإسلامية - هاتف : ٤٥٠٢٦٣ - ١ - ٩٦١

ص. ب : ٣٠٢ / ٢٥

* المغرب - الشركة الشريفية للتوزيع والصحف

سوش برس - هاتف : ٤٠٠٢٢٣

ص. ب : ٦٨٣ / ١٣

* مصر - القاهرة - مؤسسة الأهرام - شارع الجلاء

هاتف : ٥٧٨٦١٠٠

*إيران - قم - دورشهر - كوجه ١٤ بلاك ١٣٠

تلفاكس : ٧٧٤٦٥٤٤ - ٢٥١ - ٠٠٩٨

المراسلات توجَّه باسم رئيس التحرير على العنوان الآتي :

لبنان - بيروت - معهد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العالي للشريعة

والدراسات الإسلامية

e-mail :alhayat ٢ @arrasoul .org

٤

حوار في التسامح والعنف

نظرة إسلامية

٥

جميع الحقوق محفوظة

لمجلَّة( الحياة الطيِّبة )

بيروت - لبنان - ص. ب : ٣٠٢ / ٢٥-

هاتف : ٤٥٠٢٦٢ / ١ ( ٩٦١+ )

الموقع على الانترنت : www .arrasoul. org

الكتاب : حوار في التسامح والعنف نظرة إسلامية

الناشر : مجلَّة( الحياة الطيِّبة ) معهد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العالي للشريعة والدراسات الإسلامية

التاريخ : الطبعة الأُولى ١٤٢٤ ه- / ٢٠٠٣م

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة على محمد وآله الطاهرين، وبعد

يتعرّض الفكر الإسلامي بين فينة وأخرى لمحاولات تشويه لكثير من مفاهيمه، وضرب لكثير من قيمه التي ينادي بها في محاولة التغيير الاجتماعي، وتتمُّ هذه المحاولات عبر التركيز على قيمة في مقابل قيمة، ومفهوم في مقابل مفهوم، فتُطلق قيمة التسامح في مقابل تشدُّد إسلامي مدَّعى، والرفق في مقابل عنف يُلحَقُ بالإسلام، وكذلك تجري محاولات حثيثة للربط بين مفهوم الجهاد ومنظومة أخرى، من المفاهيم السلبية أو التي تُروَّج بطريقة تشي بسلبيتها، من قبيل : الإرهاب، العنف، الإكراه وسلب الحرِّية، انتشار الإسلام بالسيف إلى ما هنالك ممَّا يحفل به قاموس هذا النوع من الدراسات.

وهذا الأمر يوجِب على المثقَّف المسؤول والملتزم، أن يسعى لتظهير هذه المحاولات جميعاً، واستكشاف مراميها وأبعادها؛ لتحديد الموقف الإسلامي منها لقبولها أو رفضها، أو فكِّ هذا الارتباط إن كان مصطنعاً أو الإصرار عليه إن كان حقَّاً صريحاً.

وهذا هو ما تُحاول مجلَّة ( الحياة الطيِّبة ) القيام به، من خلال معالجة كثير من الإشكاليات التي يُثار غبارها ليحجب شمس الحق الإسلامي أو يكدِّر صفاء ضوئها.

وفي هذا الكتاب من سلسلة كتاب ( الحياة الطيبة ) اخترنا حواراً مطوَّلاً أجريناه مع سماحة الشيخ محمد مهدي الآصفي، الذي يمثّل واحداً من

٧

الشخصيات العلمية المرموقة في الحوزة العلمية، وجمع إلى عمله العلمي المتمثِّل بمجموعةٍ من المؤلَّفات في مجالاتٍ متعدِّدة، كالفقه والتاريخ وغيرها، عملاً اجتماعياً في مجالاتٍ عدّة. وهو يقوم الآن بأعباء الأمانة العامة للمجمع العالمي لأهل البيتعليهم‌السلام . وكنَّا قد نشرنا جزءاً من هذا الحوار في العدد العاشر من المجلَّة، وها نحن نعاود نشره في هذا الكتاب كاملاً؛ ليعمَّ نفعه وتنتشر فائدته.

ويُحاول الشيخ الآصفي- في حواره - تحليل النظرية الإسلامية حول الجهاد والعنف والتسامح؛ ليحدِّد موقفه الاجتهادي من هذه المفاهيم، وأبرز ما يقدِّمه هذا الحوار للقارئ، هو أنَّ الرحمة ليست قيمة مطلقة، وكذلك العنف وسائر المفاهيم المشابهة، فقد تكون الرحمة تساهلاً مذموماً إذا طبِّقت مع المجرم، وكذلك الشدَّة أو العنف فمَن يعنف ظالماً لا يستحقُّ إلاَّ العنف إذا عدمنا وسيلة أُخرى لردعه عن ظلمه.

ثمَّ يقف الشيخ الآصفيوقفة اجتهادية مطوَّلة، ليستعرض الموقف الإسلامي من الخروج على الحاكم والخضوع له، ويقارن بين مواقف الفقهاء على اختلاف مدارسهم الفقهية ومشاربهم في البحث الفقهي؛ فيتوصل إلى إمكانية تبرير الخروج والثورة، ضمن مجموعة من الضوابط والقوانين، التي تحول دون الوقوع في الفتنة أو الفوضى.

الحياة الطيِّبة

٨

بسم الله الرحمن الرحيم

الحياة الطيِّبة : رغم أنّ التأريخ للفكر الإنساني - وبالذات تلك الحقبة المتزامنة مع الفكر الإسلامي - شهد كمَّاً كبيراً من الإشكاليات والقضايا حول محور جدليّة العنف والتسامح، وما ينجم عن إحلال التوازن أو الإخلال به بينهما، غير أنّ العالم اليوم وإثر الأحداث الناجمة عن عدّة تفجيرات ضخمة في الولايات المتّحدة الأمريكية، قد أقبل على عهد جديد، ولعب الوضع الجديد دوراً كبيراً في إرساء قواعد حديثة في العلاقات الدوليّة من جهة، ومن جهة أُخرى أنَّ المحاولة غير الصائبة لإيجاد مناخ فكري، يجد الإنسان المعاصر ما يوحي أو يصرِّح بأنّ الفكر الإسلامي وعقيدته، يحتضنان كثيراً من مواقع العنف ومقوّمات التهديد ضدّ الآخر غير المسلم. ومفهوم الجهاد من بين العناصر التي تحوّلت لدى الإعلام الغربي - والأمريكي بالخصوص - إلى حجَّة للنيل من الإسلام؛ حيث إنّه يشكِّل العنصر الأكبر في تحريض الأمّة لتنطلق

٩

نحو إزالة الآخر المعارض، حسب ما يحاولون تكريسه في عقليّة الرأي العام العالمي اليوم.

وامتداداً للحركة الفكرية الفقهية الإسلامية، الهادفة إلى استنباط الحكم الشرعي من مصادره، ومحاولة منَّا لتحييد العقيدة الإسلامية وتبرئتها من الاعتماد على العنف والإرهاب، رغم الحفاظ على كلّ عناصر القوّة، وإمكانيات الدفاع عن الذات الإسلامية مقابل التحدّيات والتهديدات، قد رغبنا لهذا الحوار أن يكون منطلقاً لدراسة هذه المقولات على ضوء أصول الشريعة الإسلامية.

بصفتكم من ذوي الخبرة والاختصاص في مجال الفقه والشريعة، وخاصة بالنظر إلى تصدِّيكم لتقديم دراسات عالية حول فكرة الجهاد وفروعه الفقهيّة، يُسعدنا أن نستضيفكم لنبدأ من سؤال قديم، لا يزال يطرح نفسه، وهو : هل يمثِّل الجهاد في القرآن الكريم ذلك الوجه العنيف ؟ وهل يتحقّق عَبر المناهج العسكرية والكفاح أو الغزو المسلّح ؟ وبالأحرى : نريد أن نكون على علم بدقائق المدلول القرآني للفظة الجهاد ومصطلحه المؤسَّس عَبر الوحي.

الشيخ الآصفي : شكراً لكم على إتاحة هذه الفرصة لي، لأتحدَّث إلى قُرَّاء مجلَّة ( الحياة الطيِّبة) عن الجهاد.

الحياة الطيِّبة والجهاد :

وليس من عجب أن تبحث ( الحياة الطيِّبة) عن الجهاد؛ فإنَّ الحياة الطيِّبةالكريمة في الجهاد، والله تعالى يدعو المؤمنين لما يُحييهِم في سياق آيات الجهاد.

١٠

يقول تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (١) . وهذه الآية نزلت في سياق آيات القتال من سورة الأنفال، والحياة التي يَدعو إليها الله هي الحياة الكريمة الطيِّبة، وهي لا تستقيم إلاَّ بالجهاد.

ولولا أنّ الله تعالى يدفع بالصالحين الفاسدين من مواقع القوّة، والمال والسلطة، لفسدت الأرض والحياة :( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ ) (٢) ،( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ ) (٣) .

وكلمة الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام معبِّرة ودقيقة في تبيان هذه الحقيقة، يقولعليه‌السلام : ( فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين )(٤) . ويقدِّم الإمام هنا تعريفاً جديداً للموت والحياة، غير ما يعرفه الناس. فالإمامعليه‌السلام يريد أن يقول : إنّكم إذا عشتم مقهورين لأعدائكم، فهذا هو الموت بعينه، ولو تراءى لكم أنّه الحياة، وإذا متُّم في ظلال سيوفكم تُطْعِمون أعداءكم القهر والموت، فهذا هو الحياة، وإن تصوّرَه الناس موتاً. إنّ الجهاد يصنع الحياة العزيزة الكريمة للأمّة ويورث الأجيال الكرامة والعزَّة. عن رسول

____________________

(١) سورة الأنفال : الآية ٢٤.

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٥١.

(٣) سورة الحج : الآية ٤٠.

(٤) نهج البلاغة، شرح محمد عبده، بيروت، دار المعرفة، ص١٠٠، خطبة رقم ١٥.

١١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنَّ الله أعَزَّ أمّتي بسنابك خيلِه )(١) ، وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اغزوا تورِّثوا أبناءكم مَجداً )(٢) .

فليس من عجب - إذن - أن تهتمَّ مجلَّة ( الحياة الطيِّبة) بالجهاد، فإنَّ الحياة لا تطيب ولا تعزُّ بغير الجهاد.

الجهاد والعُنف :

والآن أعود إلى سؤالكم الأوّل : ( هل يمثِّل الجهاد في القرآن الكريم وجه العنف الذي يتحقَّق عَبر المناهج العسكرية والكفاح المسلح أم لا ؟ ).

أقول : فماذا يمكن أن يكون معنى الجهاد، إذا كان لا يعني القوّة والعنف ؟!

لقد وردت كلمة ( الجهاد ) ومشتقّاتها في القرآن ثلاثاً وثلاثين مرَّة، ووردت كلمة ( القتال ) ومشتقّاتها إحدى وثلاثين مرَّة، وواضح أنّهما وجهان لحقيقة واحدة.

ومهما يكن تفسيرنا للجهاد من ( الجُهدْ ) بمعنى الوسع والطاقة، أو من ( الجَهدْ ) بمعنى الشدَّة والتعب، فإنّ النتيجة واحدة لا تختلف، فإنّ ( الجهاد ) بمعنى بذل الوسع في إقامة كلمة التوحيد على وجه الأرض وإزالة الشرك والظلم، أو بمعنى تحمّل الشدّة والمشقّة في سبيل إعلاء كلمة الله وإزالة الشرك

____________________

(١) محمد بن الحسن العاملي، وسائل الشيعة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج١١، ص٥.

(٢) المصدر نفسه، ج١١، ص٩.

١٢

والظلم. فإنَّ تقرير أُلوهيَّة الله - وحده - وإزالة أنواع الشرك والظلم من وجه الأرض، لا يمكن أن يتمَّ من غير القتال.

وقد ورد الأمر بالقتال كراراً وبصيغ مختلفة في القرآن.

يقول تعالى :( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) (١) .

والكتابة : هي الفريضة، نحو قوله تعالى :( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) .

ويقول تعالى :( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ) (٢) .

ويقول تعالى :( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ ) (٣) . وهو يحرِّض بالقتال :( وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) (٤) .

وآيات القرآن في هذا المعنى عديدة، بصيغ التحريض، والفرض، والإذن، والتحبيب وغيره، وهو الوجه الآخر للجهاد، الذي لا يمكن فصله عنه.

والمعنى الواضح لهذه الكلمة : هو القتل والعنف والغزو المسلَّح، وما شئت من أمثال هذه الكلمات والمفاهيم.

____________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢١٦.

(٢) سورة الصف : الآية ٤.

(٣) سورة النساء : الآية ٧٤.

(٤) سورة البقرة : الآية ١٩٠.

١٣

الرحمة والعُنف وجهان لقضيّة واحدة :

ونحن لا نتوقَّف عند كلمة ( العنف )، ولا نشكّ في أنّ الإسلام، يتبنَّى ( العنف ) إلى جانب ( الرحمة ) في منهاجه التشريعي التكاملي. ولا نشكّ في أنَّ ( الرحمة ) و( العنف ) هما وجها هذا الدين، ومن دون هذا وذاك لا يمكن أن نفهمه.

تفسير العُنف :

ولكن نتساءل لماذا العنف ؟ وما هو ؟ إنَّ العقلية الغربية تفسِّر ( العنف ) باستخدام القوّة للتوسّع العسكري، والاستبداد السياسي والديني.

وللقرآن تفسير آخر للعنف، لا علاقة له بالتفسير الأوّل إطلاقاً، فهو يذكر للقتال أربعة أهداف هي :

أوّلاً وثانياً : تقرير أُلوهيّة الله ودينه على وجه الأرض، وإزالة الفتنة من حياة الناس.

يقول تعالى :( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (١) .

وهذه الآية تقرِّر هاتَيْن الحقيقتَيْن بوضوحٍ ما بعده وضوح، تقرير أُلوهية الله، وتحكيم شريعة الله على وجه الأرض( وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ ) ، وهذا هو أحد الهدفين، وللوصول إلى هذه الغاية لا بدّ من إزالة عوامل الفتنة التي تُعيق حركة

____________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٩٣.

١٤

الدعوة إلى هذه الغاية( حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ) ، ولا تزول الفتنة ما دام أئمّة الظلم يحكمون الناس، ويحتلون مواقع القوّة في المجتمع.

وثالثاً : تحرير المستضعفين والمعذَّبين في الأرض، والدفاع وإزالة الظلم عنهم.

يقول تعالى :( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً ) (١) .

رابعاً : الدفاع عن قواعد التوحيد والعبودية، ولولا القتال لهُدِّمت هذه القواعد، ولم يُعبَد الله على وجه الأرض :( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) (٢) .

إذاً، العنف بغاياته، فإن كانت غاية العنف هي التوسّع العسكري، والتعسّف، وإذلال الناس وتطويعهم، وسلب كرامتهم وإرادتهم، فهو أمر سيِّئ ومرفوض، وإن كانت غاية العنف إقامة الحقّ والعدل، وتحرير الإنسان، وإقامة دين الله في حياة الإنسان، والدفاع عن القيم، وعن المستضعفين، فهو الوجه الآخر للرَّحمة، ولن تكتمل الرحمة إلاَّ به.

____________________

(١) سورة النساء : الآية ٧٥.

(٢) سورة الحج : الآية ٤٠.

١٥

الحياة الطيِّبة : من طيَّات ردِّكم وإبدائكم لهذه الملاحظات القيّمة، نجد وكأنّ الجهاد حتّى لو كان في شكل مسلّح وعبر وسائل حربيّة، لا يمثِّل عائقاً ومانعاً أمام مبدأ الحرِّية في اختيار المعتقد، غير أنَّ بعض المحاولات الفكرية، ترمي إلى الإيماء إلى أنَّ بعض القضايا الشرعية والمعتقدات الدينيّة، مثل الجهاد والحدود تكوِّن عنصراً من عناصر الإكراه والإرغام لإخضاع غير المسلمين للشريعة الإسلامية، الأمر الذي لا يتجاوز تمنِّياً وأملاً لن يتحقَّقا؛ لأنّ العقيدة لا تكون إلاّ عبر القناعة والإيمان، والسيوف غير قادرة على صنعها. هل تعزو هذا الموقف إلى نمط اجتهادي حديث ؟ أم ترغب في أن تصحِّح الانطباع الراهن عن مقولة الجهاد والحدود اللتين توحيان بالعنف والتوسُّع بالسيف لدى بعض المفكِّرين وكثير من الناس ؟

الشيخ الآصفي : أنا أفهم الآية الكريمة من سورة البقرة :( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ) (١) على غير ما يفهمها بعض المفسِّرين.

إنَّ هذه الآية ليست بصدد بيان حكم تشريعي، وإنَّما هي بصدد بيان قضية واقعية، لا علاقة لها بالتشريع، وهي أنّ أمر الدين من الوضوح؛ بحيث لا يحتاج الإنسان إلى الإكراه في قبول الدين، كما نقول : إنَّ الأمر في أهميّة المراجعة الطبّية للمريض من الوضوح؛ بحيث لا يحتاج المريض الراشد إلى الإكراه ليُراجع الطبيب لدى الحاجة، بخلاف الطفل المريض غير الراشد، فإنَّه يكرَه على مراجعة الطبيب عند الحاجة، وهذه قضية واقعية، وليست بصدد

____________________

(١) سورة البقرة : الآية ٢٥٦.

١٦

بيان حكم تشريعي في نفي الإكراه عن الإنسان لقبول الدين؛ والقرينة الواضحة على ما أقول هو تعقيب هذه القضية بقوله تعالى :( قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ) ؛ فإنَّ دلالة هذه الكلمة واضحة في ما قلناه، ومعنى هذه الكلمة : أن لا حاجة إذاً إلى الإكراه؛ لوضوح الفارق بين الرُّشد والغيّ.

وهذا التعقيب يناسب أن تكون هذه الفقرة من آية سورة البقرة تقريراً لقضيةٍ واقعيّة، لا لحكم شرعي؛ فإنّ وضوح التميّيز بين الرّشد والغيّ أدعى إلى الإكراه والإلزام الشرعي من حالة عدم الوضوح، فإنّ للإنسان عُذراً في حالة اللبس وعدم الوضوح، بخلاف حالة الوضوح، فإنَّ القانون يُلزمه ويتشدَّد في إلزامه.

رأي العلاَّمة الطباطبائي في الميزان :

ويذهب العلاَّمة الطباطبائيرحمه‌الله في تفسيره القيّم ( الميزان في تفسير القرآن )(١) إلى أنّ هذه الآية الكريمة بصدد تقرير حكم شرعي، سواء كانت القضية إخبارية حاكية عن حالة تكوينيّة، أم حكماً إنشائياً تشريعيّاً، ويفصِّلرحمه‌الله الكلام في ذلك، بما لا مجال لنقله بتفصيله، ويرى أنَّ الأمور الاعتقادية لا يمكن فيها الإكراه، وإنَّما يختص الإكراه بالأفعال، والحركات المادّية فقط، وإذا كان الدين ممّا لا يمكن الإكراه فيه، فكيف يمكن الإلزام به ؟

____________________

(١) الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ج٣، ص٢٤٢ - ٣٤٣.

١٧

المناقشة :

وهذا الكلام لا يخلو من مناقشة؛ فإنّ الإلزام بالشهادتَيْن، والدخول في ما يدخل فيه المسلمون أمر ممكن بلا إشكال، وهو يؤدِّي لا محالة إلى الإيمان والعقيدة الراسخة، كما حصل ذلك في الفتوحات الإسلامية، فإنَّ الناس لم يدخلوا الإسلام ابتداءً عن طواعية، ولكنَّهم أقرّوا بالإسلام، وهذا هو الحدّ الذي يقتصر عليه الحكم الشرعي بالإلزام بالإسلام، إلاّ أنّهم عندما يتذوَّقون حلاوة التوحيد، يُقْبلون على الإيمان، ويحسن إسلامهم، ويكون منهم الصالحون والأبرار والعلماء، كما حصل ذلك فعلاً في التاريخ الإسلامي، وبشكل واسع جدَّاً.

إذاً؛ ليست الآية الكريمة بصدد بيان حكم شرعي في هذا الأمر، ولا بصدد تقرير أنّ الإكراه في الدين غير ممكن، كما يقول العلاّمة الطباطبائيرحمه‌الله ، وإنّما هي بصدد تقرير حقيقة واقعيّة لا علاقة لها بالحكم الشرعي، وهي : أنَّ أمر الدين من الوضوح؛ بحيث لا يحتاج الإنسان فيه إلى الإكراه، ولو أرسل فطرته وعقله إرسالاً لقَبِل الدين من غير إكراه.

والدليل على ما أقول، هو وجوب جهاد الكفّار والمشركين في الجملة، وباتفاق فقهاء المسلمين، من عامة المذاهب. يقول صاحب ( الجواهر ) في موسوعته الفقهية القيّمة : ( فكيف كان، فلا خلاف بين المسلمين في وجوبه في الجملة، بل هو كالضروري، خصوصاً بعد الأمر به في الكتاب العزيز، في

١٨

آيات كثيرة، كقوله تعالى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ) ، وقوله تعالى :( حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) إلى غير ذلك )(١) .

ولا معنى لوجوب جهاد الكفّار مع الحكم بنفي الإكراه في الدين، ولم يرد استثناء لهذا الحكم التشريعي الثابت في كتاب الله، إلاّ بخصوص أهل الكتاب، الذين يدخلون في ذمّة الإسلام، ويقبلون الجزية، وهو دليل آخر على ما قلنا.

يقول تعالى :( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) (٢) .

وقد صحّ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أُمرت أن أقاتل الناس، حتّى يقولوا : لا إله إلاّ الله. فمَن قال : لا إله إلاّ الله. عصم منِّي ماله ونفسه إلاّ بحقّه، وحسابه على الله )(٣) ، هذا أوّلاً.

____________________

(١) محمد بن الحسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، دار الكتب الإسلامية، طهران، ج١٢، ص٨٠.

(٢) سورة التوبة : الآية ٢٩.

(٣) سنن البيهقي، ج٩، ص٢٨١، وبمضمونه صحيح مسلم، ج١، ص٩٣.

١٩

( الإكراه في النظام لا ينافي نفي الإكراه في الدين )

وثانياً : لو فرضنا أنّ الآية الكريمة بصدد بيان حكم شرعي - كما يقول العلاّمة الطباطبائيرحمه‌الله وطائفة واسعة من المفسّرين - فإنّ الإكراه لا يصحّ في الأمور العقائدية؛ لأنَّها مسألة مرتبطة بالقناعة النفسية والعقلية، والقناعة لا تتمُّ بالإكراه والإلزام، كما يقول هؤلاء الأعلام.

وأمّا النظام الاجتماعي، فله شأن آخر، ويصحّ فيه الإلزام في السلم والحرب، وإذا تركنا أمر النظام الاجتماعي لقناعات الناس، لم يقم نظام في حياة الناس، ولم تستقم الحياة الاجتماعية، فلا بدّ للناس من نظام اجتماعي، وسياسي، واقتصادي، ونظام قضائي، ونظام للعقوبات؛ حتى تستقيم حياتهم، الإلزام والإكراه من بديهيَّات النظام، ولولا ذلك لم يبقَ نظام ولا حياة اجتماعية.

الحياة الطيِّبة : إلى أيِّ مدى يمكن أن يكون الحديث عن رفض تواجد الأدلّة الشرعية الكافية لإثبات الجهاد الابتدائي ( دون وجود الدوافع الدفاعية والوقائية ) ملامساً للحقيقة ؟ وهل بالإمكان أن نتبنَّى ما يؤمن به بعض المفكِّرين المعاصرين، وهو : أنَّ الممارسات الجهادية في عصر الحاكم المعصوم تمثّل دون استثناء تدابير غير هجومية وابتدائية بالأساس ؟

الشيخ الآصفي : لست أشكُّ في أنّ مهمَّة هذا الدين هي تطهير الأرض من الشرك والظلم، وإقامة التوحيد والعدل على وجهها، وهو لا يتأتّى - بالتأكيد -

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

( إيهاب ـ مصر ـ ١٥ سنة ـ طالب )

القائلون بحرمتها من أهل السنّة :

س : أنا لاعب شطرنج ، أصلّي وأصوم ، وأحبّ زملائي في اللعبة ، هل لعب أحدكم الشطرنج ليعرف مدى رقي تلك اللعبة؟ وأنّها لا يمكن أن تكون الرجز من الأوثان.

ج : إنّ الأحكام الشرعية لا يمكن إدراك العلل الواقعية لها ، وإنّ أغلبها تأتي غير معلّلة ، فلذلك لا يستطيع أحد أن يعترض على تلك الأحكام ، بل عليه التسليم لها.

والذي يمكن البحث فيه والنقاش هو : متابعة دليل الفقيه في استنباط الحكم الشرعي ، فإذا كان دليله فقط الآية القرآنية نوقش فيها ، وإن كان هناك دليل آخر من السنّة ، نوقش فيه أيضاً ، فلابدّ إذاً من فهم الأدلّة التي أدّت بالفقهاء للقول بحرمة الشطرنج.

وكما ذكرنا سابقاً ، فإنّ الذي شرح مراد الآية القرآنية هي الروايات الواردة عن المعصومينعليهم‌السلام ، فالإمام المعصوم هو الذي يقول : أنّ من الميسر كُلّ ما يتقامر به ، ومنه الشطرنج ، وهذا القول قد قبله بعض علماء أهل السنّة وعمل به.

هذا وأنّ هناك روايات كثيرة تكفي لوحدها أن تكون دليلاً على حرمة الشطرنج ، حتّى لو لم نفهم المراد من الآية القرآنية ، ومن تلك الروايات ما ورد عن أبي بصير عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية ، وكبيرة وموبقة »(١) .

____________

١ ـ السرائر ٣ / ٥٧٧.

٤١

ولسنا الوحيدين القائلين بحرمة الشطرنج ، فقد ورد في فقه السنّة : « فمن حرّمه : أبو حنيفة ومالك وأحمد ، وقال الشافعي وبعض التابعين : يكره ولا يحرم »(١) .

وأمّا قولك : أنّ اللعبة فيها رقي ، فنحن لا ننكر أنّ في اللعبة منافع ، بل إنّ هذا هو لسان القرآن ، إذ قال :( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ) (٢) .

فإذا قال لك أحد : إنّ في الخمر منافعاً ، وأنّه شراب لذيذ مثلاً ، وإنّي أشرب منه مقدار لا يضرّ بعقلي ، فهل يحقّ له أن يعترض على حرمة الخمر؟ فإذا لم تقبل منه اعتراضه ، فكذلك الحال في الشطرنج ، فوجود المنافع فيها لا يزيل عنها الحرمة.

____________

٢ ـ أُنظر : فقه السنّة ٣ / ٥١٣.

١ ـ البقرة : ٢١٩.

٤٢

الشفاعة :

( أُمّ زهراء ـ السعودية ـ )

لا يستحقّها الظالم لأهل البيت :

س : ما حكم من يعتقد بأنّ شفاعة المعصومين عليهم‌السلام ربّما قد تشمل ظالميهم ، ومن أغتصب حقّهم ، وظلم شيعتهم ، أو أنّ رحمة الله فوق كُلّ هذا ، أم يستحيل أصلاً ورود الرحمة والشفاعة في مثل هذا المورد بالخصوص؟ مثل قتل الإمام الحسين عليه‌السلام ، وكسر ضلع الزهراء عليها‌السلام ، وغصب الخلافة؟

ج : وردت نصوص تفيد بأنّ الظالمين لآل محمّدعليهم‌السلام آيسون من رحمة الله تعالى ، ومن هذا يظهر عدم شمول الشفاعة لمن ظلمهم.

وأمّا من ظلم شيعتهم ، فتارة ظلم شيعتهم لأنّهم شيعة لأهل البيتعليهم‌السلام ، فهذا بحكم الناصبي ، والناصبي لا شفاعة له ولا نجاة.

وتارة أُخرى ظلم شيعتهم بعنوان شخصي ، فهذا يدخل ضمن مظالم العباد ، ومظالم العباد فيما بينهم ـ حسب ما في الروايات ـ معلّق على أداء الحقّ إلى أصحابه ، فإذا أدّى هذا الإنسان الظالم الحقّ إلى أصحابه ، أو ابرأ ذمّتهم ، فحينئذ يمكن أن تعمّه الشفاعة.

وأمّا إذا لم يعد الحقّ إلى صاحبه ولم يستبرئ ذمّته ، فمقتضى الروايات الواردة : أنّ الشفاعة موقوفة على رضا صاحب الحقّ ، ولكن قد يستفاد من بعض الروايات بأنّه من الممكن أنّ الله تعالى لبعض الأعمال الصالحة لهذا

٤٣

الإنسان الظالم يرضي عنه خصومه يوم القيامة ، ثمّ ينجّيه ، ويظهر من هذا توقّف النجاة على الرضا ، فهنا يمكن أن تتناول الشفاعة هذا القسم.

فالخلاصة : من ظلمهمعليهم‌السلام لا تشمله الشفاعة ، وأمّا من ظلم شيعتهم لتشيّعهم فهو ناصبي فلا تشمله أيضاً ، وإن لم يكن لتشيّعهم فيدخل في مظالم العباد ، فإن أدّى الحقّ أو ابرأ الذمّة فتشمله الشفاعة ، وإلاّ فلا تشمله الشفاعة إلاّ أن يرضي الله خصومه.

أمّا كيف يرضي الله خصومه؟ فيمكن أن يكون بسبب الأعمال الصالحة ـ من قبيل الاستغفار والصدقة على الطرف المعتدى عليه ـ وهذه مسألة متروكة إلى الله تعالى.

ثمّ إنّ المتبادر من ظالميهم من ظلم مقامهم وولايتهم ، وأنكر مودّتهم أو ما شاكل ذلك ، فمن اعتقد أنّ الشفاعة تشمل هكذا ظالم ، فهو منحرف الاعتقاد.

وأمّا لو أنّ شخصاً يحبّ الإمام الحسينعليه‌السلام مثلاً ، ويعتقد بإمامته ، ولكن دخل معه في معاملة فظلمه بدينار مثلاً ، فهنا يمكن للإمامعليه‌السلام أن يعفو عنه ويصفح عنه ، لأنّها مظلمة شخصية مادّية ، فتناله الشفاعة ، لأنّ ظلمه هذا لم يكن ناتج عن بغض لهمعليهم‌السلام وإنكار لمقامهم.

( نضال ـ قطر ـ )

رواياتها في كتب العامّة :

س : ما هي حقيقة الشفاعة؟ وما هي البراهين عليها من كتب السنّة؟

ج : إنّ الشفاعة التي وقع الخلاف فيها هي نوع من الوساطة إلى الله تعالى ، من وليّ مقرّب عنده ، ليغفر لمذنب ويسامحه ، وقد أثبتها المسلمون قاطبة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ من شذّ منهم.

٤٤

والأدلّة على ثبوتها كثيرة جدّاً ، ومتضافرة على حصول الشفاعة في يوم القيامة ، من قبل الصالحين والأولياء إلى المذنبين والعاصين ، واستجابة لطلبك سوف نقتصر على بعض الروايات المثبتة للشفاعة عند أهل السنّة :

١ ـ عن ابن عمر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قضى لأخيه حاجة ، كنت واقفاً عند ميزانه ، فإن رجح ، وإلاّ شفعت له »(١) .

٢ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من صلّى على محمّد وقال : اللهم أنزله المقعد المقرّب عندك يوم القيامة ، وجبت له شفاعتي »(٢) .

٣ ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من قال حين يسمع النداء : اللهم ربَّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة ، آت محمّداً الوسيلة والفضيلة ، وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حلّت له شفاعتي يوم القيامة »(٣) .

٤ ـ عن أبي أُمامة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « صنفان من أمّتي لن تنالهما شفاعتي ، ولن أشفع لهما ، ولن يدخلا شفاعتي : سلطان ظلوم غشوم عسوف ، وغال مارق عن الدين »(٤) .

وهذا الحديث يدلّ بالمفهوم على ثبوت الشفاعة ، وإمكانها لطوائف آخرين في أمّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٥ ـ عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أعطيت خمساً لم يعطهّن أحد قبلي وأعطيت الشفاعة ، ولم يعط نبيٌّ قبلي »(٥) .

____________

١ ـ الدرّ المنثور ٣ / ٧١.

٢ ـ مسند أحمد ٤ / ١٠٨ ، كتاب السنّة : ٣٨١ ، المعجم الأوسط ٣ / ٣٢١ ، المعجم الكبير ٥ / ٢٦.

٣ ـ صحيح البخاري ١ / ١٥٢ و ٥ / ٢٢٨ ، سنن النسائي ٢ / ٢٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤١٠ ، المعجم الصغير ١ / ٢٤٠ ، مسند الشاميين ٤ / ١٤٩.

٤ ـ المعجم الكبير ٨ / ٢٨١ و ٢٠ / ٢١٤ ، كنز العمال ٦ / ٢١ و ٣٠ ، مجمع الزوائد ٥ / ٢٣٥ ، كتاب السنّة : ١٨٤.

٥ ـ صحيح البخاري ١ / ١١٣ ، صحيح مسلم ٢ / ٦٣ ، سنن النسائي ١ / ٢١١.

٤٥

ولنقتصر على هذا القدر من الروايات.

( شهيناز ـ البحرين ـ سنّية ـ ٢٠ سنة ـ طالبة جامعة )

في الكتاب والسنّة :

س : ما الدليل من الكتاب والسنّة على الشفاعة؟

ج : إنّ القول بالشفاعة لم يختصّ بالشيعة وحدهم ، بل اشترك في ذلك جميع المسلمين ، ودليلهم القرآن الكريم والسنّة الشريفة :

أمّا من القرآن الكريم ، فقوله تعالى :( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) (١) ، إلى غيرها من الآيات الكريمة التي تؤكّد شفاعة المقرّبين عند الله تعالى ، ومن يرتضيهم من شفعاء.

أمّا السنّة الشريفة : فعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تلا قول الله عزّ وجلّ :( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي »(٢) .

وعن قتادة قال : وذكر لنا أنّ نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إنّ في أمّتي رجلاً ليدخلن الله الجنّة بشفاعته أكثر من بني تميم »(٣) .

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا أوّل شفيعٍ يوم القيامة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، إنّ من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة ما معه مصدّق غير واحد »(٤) .

وعن جابر بن عبد الله قال : قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا قائد المرسلين ولا فخر ، وأنا خاتم النبيين ولا فخر ، وأنا أوّل شافع ومشفع ولا فخر »(٥) .

____________

١ ـ الأنبياء : ٢٨.

٢ ـ المستدرك ٢ / ٣٨٢.

٣ ـ المصدر السابق ٦ / ٢٨٥.

٤ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٤ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٣٩٨.

٥ ـ المعجم الأوسط ١ / ٦١ ، الجامع الصغير ١ / ٤١٣ ، كنز العمّال ١١ / ٤٣٦ ، التاريخ الكبير ٤ / ٢٨٦.

٤٦

فهذه الآيات والروايات تؤكّد أصل وجود الشفاعة ، وهي خاصّة بمن ارتضاهم الله وفضّلهم وأكرمهم.

( محمّد ـ السعودية ـ ١٦ سنة ـ طالب ثانوية )

لا تنال شفاعتنا من استخف بصلاته :

س : أسأل الله العلي القدير أن يمنّ عليكم بنعمة نشر المعارف الحقّة المستقاة من منبع الطهر والعصمة محمّد وآله الطاهرين.

السؤال حول الحديث المروي عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يقول : « ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي يوم القيامة »(١) ، وهناك رواية تنقل عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام تقول : « إنّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة »(٢) .

والسؤال هو : إذا كان الاستخفاف بالصلاة من الكبائر ، والتي وعد صاحبها بعدم نيل الشفاعة ، فهل ينال صاحبها شفاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وكيف؟ وهل هناك بين الروايتين تناقض؟ إذ لا ينال الشفاعة من استخفّ بالصلاة لأنّه عمل كبيرة ، وينال الشفاعة من جهة أُخرى لأنّ شفاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل الكبائر قد ادخرت؟ فعلى كلا الوجهين سينال الشفاعة ممّن سيشفع لمن يستحقّ الشفاعة ، إذ إنّهم عليهم‌السلام لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى ، وهم من خشيته مشفقون ، أم إنّ الذي يأتي بما تقدّم لا ينال الرضى ليستحقّ الشفاعة؟ أم ماذا؟ أفيدونا مأجورين.

ج : يمكن أن نتصوّر عدّة أجوبة للجمع بين الحديثين :

١ ـ إنّ قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عام يشمل جميع أهل الكبائر ، وأمّا قول الإمام الصادقعليه‌السلام فهو خاص ينحصر بالمستخف بالصلاة ـ أي المتهاون بها ـ ، فيحمل العام على الخاصّ ، كما هو متعارف عليه عند الأُصوليين في مثل هذه الحالة ، وتسمى بالتعارض غير المستقرّ ، وتجمع جمعاً عرفياً ، ذُكر بشكل مفصّل في بحوث أُصول الفقه ، مبحث التعارض والتراجيح.

____________

١ ـ التبيان ١ / ٢١٣ ، المعجم الأوسط ٦ / ١٠٦ ، البداية والنهاية ١٠ / ٢٥٤.

٢ ـ الكافي ٣ / ٢٧٠ و ٦ / ٤٠١ ، تهذيب الأحكام ٩ / ١٠٧.

٤٧

٢ ـ إنّ شفاعة أهل البيتعليهم‌السلام لها منازل متعدّدة ، فيمكن حمل قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على منزل منها ، كأن يكون آخر المراحل في يوم القيامة ، ويحمل قول الإمام الصادقعليه‌السلام على عدم نيل الشفاعة في منزل آخر ، كأن يكون في البرزخ مثلاً أو غيره.

وهنالك ما يؤيّد ما ذكرناه ، وهو قول النبيّ : « ادخرت » ، إٍذ إنّ الادخار يفيد معنى عدم الإعطاء في أوّل أزمنة الحاجة ، والحفاظ عليها إلى الأزمنة المهمّة جدّاً.

٣ ـ يمكن أن يكون الفرق هو : إنّ الإمام الصادقعليه‌السلام ينفي الشفاعة عن المستخفّ بالصلاة على النحو الفعلي وواقعاً ، وهذا لا تعارض له مع قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ إنّ النبيّ لم يقل إنّي اشفع فعلاً لأهل الكبائر ، بل قال : إنّي أدّخر شفاعتي لهم ، ومعنى الادخار هو الحفاظ عليها إلى وقت الشدّة ، والحفاظ لا يعني إعطاؤه بشكل قطعي ، فربما يعطي الشفاعة وربما لا يعطيها.

وهذا كما نجده في قوله تعالى :( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) (١) ، فليس معنى السعة لكُلّ شيء هو حصول الرحمة ووقوعها للجميع فعلاً ، وإلاّ لتعارض مع عقاب أيّ مخلوق ـ الكفرة وغيرهم ـ بل المقصود أنّ الرحمة من الله تعالى لها قابلية الشمول للجميع ، لكن البعض ليست له القابلية على نيلها ، وكما يقال : العجز في القابل لا في الفاعل.

وهنالك أوجه أُخرى يمكن تصوّرها لا داعي لذكرها.

( منير ـ السعودية ـ )

تكون للأنبياء والأئمّة والشهداء و... :

س : من هم الذين يسمح الله لهم بالشفاعة يوم القيامة؟ هل هم الأنبياء فقط؟ أم هناك غيرهم أيضاً؟ وهل هناك أدلّة تؤيّد ذلك؟

____________

١ ـ الأعراف : ١٥٦.

٤٨

ج : الظاهر من روايات كثيرة واردة في كتب الفريقين : إنّ الشفاعة يوم القيامة تكون للأنبياء وللأئمّة والعلماء والشهداء وغيرهم ، ومن تلك الروايات :

١ ـ عن ابن عباس قال : أوّل من يشفع يوم القيامة في أمّته رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوّل من يشفع في أهل بيته وولده أمير المؤمنين ، وأوّل من يشفع في الروم المسلمين صهيب ، وأوّل من يشفع في مؤمني الحبشة بلال(١) .

٢ ـ عن عثمان بن عفّان عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ الشهداء ، ثمّ المؤذّنون »(٢) .

٣ ـ عن عثمان بن عفّان قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ العلماء ، ثمّ الشهداء »(٣) .

( جعفر سلمان ـ البحرين ـ )

شفاعة المعصوم تحقق إرادة الله :

س : هل شفاعة المعصوم عليه‌السلام متأخّرة رتبة على إرادة الله؟ وليس دورها إلاّ مطابقتها لهذه الإرادة ، ويكون هدفها فقط بيان مقام هؤلاء المعصومين؟ أو أنّ الأمر أبعد من ذلك ، حيث تكون شفاعة المعصوم من مقتضيات تحقّق إرادة الله تعالى ، وبالتالي تكون جزء علّة لفعل الله ، أو أنّ هناك شيء آخر؟

ج : لا يخفى أنّ كُلّ شيء وجودي في الكون مسبوق بعلم الله تعالى أزلاً ، ومقيّد بتعلّق إرادة الله الفعلية به في الوجود تكويناً.

هذا ، وإنّ مقام الشفاعة بتفاصيلها يدخل ضمن المخطّط الإلهي في الوجود ، فلا يخرج عن علمه تعالى أوّلاً ، وعن إرادته سبحانه في الوجود ثانياً.

____________

١ ـ مناقب آل أبي طالب ٢ / ١٤.

٢ ـ مجمع الزوائد ١٠ / ٣٨١.

٣ ـ الجامع الصغير ١ / ٤٣٤ ، كنز العمّال ١٠ / ١٥١ ، تاريخ بغداد ١١ / ١٧٨ ، تهذيب الكمال ٢٢ / ٥٥١.

٤٩

على ضوء ما ذكرنا ، يظهر أنّ مقام الشفاعة قد أعطي للمعصومعليه‌السلام من قبل الله تعالى ، ثمّ إنّ المعصومعليه‌السلام واستناداً إلى هذه المرتبة الممنوحة له يشفع في العباد.

فالنتيجة : إنّ مقام الشفاعة وإن أعطيت أصالةً من قبل الله تعالى ، ولكن تنفيذه وتطبيقه بيد المعصومعليه‌السلام ، فلا يكون دوره شكلياً بل حقيقياً ، وإن كنّا نعلم ـ بمقتضى صفة العصمة ـ أنّهعليه‌السلام لا يخرج في شفاعته عن رضوان الله تعالى.

ومجمل الكلام : إنّنا إن نظرنا إلى المسألة من زاوية الإرادة الإلهية التكوينية ، فالشفاعة وثمراتها سوف تكون مسبوقة بإرادة الله تعالى ، ومتأخّرة من حيث الشأن والرتبة والوجود ، وإن نظرنا إليها من ناحية الإرادة الإلهية التشريعية ، فسوف تعتبر الشفاعة حينئذٍ أصيلة وغير منوطة بأيّ شيء ، ويكون المعصومعليه‌السلام فيها مختاراً مستقلاً ، وبالنتيجة يكونعليه‌السلام من أجزاء تحقّق إرادة الله تعالى.

( الحائر ـ السعودية ـ )

تشمل أهل المعاصي لا النواصب :

س : إلى الإخوان العاملين في مركز الأبحاث ، تحية طيّبة ، أشكركم على الإجابة السابقة ، وإن تأخّرت بعض الشيء.

سؤالي لكم كالتالي : هل الشفاعة تشمل أهل المعاصي الذين ماتوا عليها غير تائبين؟ وهل تشمل كُلّ موحّد وإن كان من الذين نصبوا العداء لأهل البيتعليهم‌السلام ؟

ج : إنّ بحث الشفاعة بحث علمي ودقيق ، وللوقوف على أصلها وحدودها نحتاج إلى تفصيل وإطناب في الكلام ، فلا يسعنا تصوير البحث بنحو تامّ ، ولكن نجيب على سؤالك بالإجمال.

٥٠

أوّلاً : الظهور الأوّلي المتبادر من مفهوم الشفاعة ، هو شمولها لأهل المعاصي غير التائبين ، إذ إنّ التائب حقيقةً لا ذنب له ، فلا يحتاج إلى شفاعة في ذلك المورد.

مضافاً إلى أنّ بعض الروايات الواردة في المقام تصرّح بهذا المعنى ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي »(١) .

ثانياً : إنّ شمول الشفاعة للعاصين يختلف باختلاف المعاصي والعصاة في كيفية صدور المعصية عنهم وكمّيتها ؛ فمنهم من تناله الشفاعة في بادئ الأمر ، ومنهم من لا يليق لهذه المكرمة إلاّ بعد مسّه النار وتطهيره ، ومنهم بين ذلك.

ثالثاً : بحسب الأدلّة النقلية فإنّ الشفاعة بمراتبها المختلفة مشروطة بوجود مؤهّلات ومواصفات في المشفوع لهم ، منها : التوحيد وعدم الشرك.

ومنها : الإسلام والإيمان.

ومنها : محبّة أهل البيتعليهم‌السلام وعدم العداء لهم.

ومنها : عدم الاستخفاف بالصلاة.

ويدلّ على ذلك كُلّه الأخبار الواردة في المقام ، نذكر بعضها :

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « إنّ المؤمن ليشفع لحميمه ، إلاّ أن يكون ناصباً ، ولو أنّ ناصباً شفع له كُلّ نبي مرسل وملك مقرّب ما شفعوا »(٢) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام أيضاً : «لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة »(٣) .

____________

١ ـ المستدرك ٢ / ٣٨٢.

٢ ـ المحاسن ١ / ١٨٦.

٣ ـ الكافي ٣ / ٢٧٠ و ٦ / ٤٠١ ، تهذيب الأحكام ٩ / ١٠٧.

٥١
٥٢

الشهادة الثالثة في الأذان :

( السيّد علي رضا ـ ـ )

الأدلّة على جوازها :

س : ما هي حقيقة الشهادة الثالثة؟ وهل وصّى بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أم أنّها أضيفت بعد فترة؟

ج : قد اتفق علماء الشيعة على جواز الشهادة الثالثة في الأذان ، ثمّ ذهب بعضهم إلى أنّها جزء مستحبّ من أجزاء الأذان ، كما هو الحال في القنوت بالنسبة إلى الصلاة.

وذهب أكثر علمائنا إلى أنّها مستحبّة لا بقصد الجزئية ـ أي ليست جزءً ، ولا فصلاً من فصول الأذان ـ مستفيدين الاستحباب من بعض العمومات والإطلاقات في الروايات المؤكّدة على المقارنة بين اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واسم الإمام عليعليه‌السلام ، كما هو الحال في الصلاة على محمّد وآل محمّد بعد الشهادة الثانية.

من تلك العمومات والإطلاقات :

١ ـ عن القاسم بن معاوية ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : «فإذا قال أحدكم : لا اله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، فليقل : علي أمير المؤمنين »(١) ، والحديث لم يتقيّد بزمان ولا مكان ، ولا في فعل خاصّ ، فهو عام يشمل الأذان وغيره.

____________

١ ـ الاحتجاج ١ / ٢٣١.

٥٣

٢ ـ عن أبي الحمراء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لمّا أسري بي إلى السماء نظرت إلى العرش ، فإذا عليه مكتوب : لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله أيّدته بعلي ونصرته به »(١) .

٣ ـ عن عبد الله بن مسعود عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « يا عبد الله أتاني ملك فقال : يا محمّد ، سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ قال : قلت : على ما بعثوا؟ قال : على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب »(٢) .

٤ ـ عن حذيفة بن اليمان عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي أميراً وآدم بين الروح والجسد ، قال الله تعالى :( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) (٣) قالت الملائكة : بلى ، فقال تبارك وتعالى : أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعلي أميركم »(٤) .

ففي كُلّ مورد يذكر رسول الله يذكر علي معه ، والأذان من جملة الموارد ، ومن شواهدها من كتب أهل السنّة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : «ما سألت ربّي شيئاً في صلاتي إلاّ أعطاني ، وما سألت لنفسي شيئاً إلاّ سألت لك »(٥) .

____________

١ ـ مناقب أمير المؤمنين ١ / ٢٤٤ ، شرح الأخبار ١ / ٢١٠ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٢٠٠ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٩٨ ، جواهر المطالب ١ / ٩٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٦٩ و ٢ / ١٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٦ ، تهذيب الكمال ٣٣ / ٢٦٠ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ١٧٤.

٢ ـ شواهد التنزيل ٢ / ٢٢٣ ، كشف الغمّة ١ / ٣١٨.

٣ ـ الأعراف : ١٧٢.

٤ ـ فردوس الأخبار ٢ / ١٩٧.

٥ ـ السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٥١ ، خصائص أمير المؤمنين : ١٢٥ ، ذخائر العقبى : ٦١ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٠ ، كتاب السنّة : ٥٨٢ ، أمالي المحاملي : ٢٠٣ و ٣٦٧ ، المعجم الأوسط ٨ / ٤٧ ، نظم درر السمطين : ١١٩ ، كنز العمّال ١١ / ٦٢٥ و ١٣ / ١٥١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣١٠ ، المناقب : ١١٠ ، جواهر المطالب ١ / ٢٣٩ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٨ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٤٩.

٥٤

والخلاصة : إنّ الشهادة لعليعليه‌السلام بالولاية في الأذان ـ عند أكثر علمائنا ـ مكمّلة للشهادة الثانية بالرسالة ، ومستحبّة في نفسها ، وإن لم تكن جزءً من الأذان.

ونلفت انتباهكم إلى أنّ ما قد يفهم من ظاهر كلمات بعض الأعلام من منعها في الأذان ، فهو وقوعها على نحو الجزئية ، لا على نحو أنّها مستحبّة في نفسها.

جعلنا الله وإيّاكم من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام .

( طلال ـ الكويت ـ سنّي )

أذان الشيعة من مصادر أهل السنّة :

س : لله الحمد أنّنا مسلمون ، ومنّ الله علينا بالإسلام.

سؤالي : أُريد دليلاً على أنّ الأذان الحالي عندكم هو ما كان عليه في صدر الإسلام ، وعهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ج : إنّ الأذان الموجود عند الشيعة ـ بحسب الأحاديث التي وصلتهم ـ هو ما كان في عهد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مضافاً إلى تأييد هذه الصورة من الأذان في كتب أهل السنّة ، فنذكر لك فيما يلي مواضع الاختلاف بين فصول أذان الشيعة وأذان السنّة ، وما يدلّ عليها من مصادركم :

١ ـ التكبير في أوّل الأذان بنظر الشيعة أربع مرّات ، ويوافقنا في ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري(١) .

مضافاً إلى ورود رواية من طرق السنّة تصرّح بهذا الحكم ، فعن محمّد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جدّه قال : قلت : يا رسول الله علّمني سنّة

____________

١ ـ أُنظر : المجموع ٣ / ٩٠ ، فتح العزيز ٣ / ١٦٠ ، مختصر المزني : ١٢ ، مغني المحتاج ١ / ١٣٥ ، المغني لابن قدامة ١ / ٤١٥ ، بداية المجتهد ١ / ٨٨.

٥٥

الأذان ، فمسح مقدّم رأسه ، وقال : « تقول : الله أكبر »(١) فذكر التكبير أربع مرّات.

وأيضاً أنّ الحديث الذي هو المستند في تثنية التكبير لا دلالة له أصلاً ، بل هو إخبار عن المنام ، فهو كما ترى!!(٢) .

٢ ـ أطبقت الشيعة الإمامية على تثنية التهليل في آخر الأذان ، ويدلّ عليه من كتب أهل السنّة ، ما ورد من أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلالاً أن يشفّع الأذان(٣) .

٣ ـ التثويب بدعة عند الشيعة في الصبح وغيره ، ويوافقنا في ذلك الشافعي في أحد قوليه(٤) .

ويؤيّد هذا الرأي بما روي في الصحيح عن أذان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله خالٍ عن التثويب(٥) .

وروى ابن أبي شيبة : أنّ الأسود بن يزيد كان يعترض لزيادة هذه الفقرة في الأذان(٦) .

وروى الترمذي : إنكار ابن عمر على من زادها في الأذان ، باعتبارها بدعة(٧) .

وعن الإمام عليعليه‌السلام أنّه قال حين سمعها : « لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه »(٨) .

____________

١ ـ سنن أبي داود ١ / ١٢١ ، تحفة الأحوذي ١ / ٤٨٦ ، صحيح ابن حبّان ٤ / ٥٧٨ ، المعجم الكبير ٧ / ١٧٤ ، تهذيب الكمال ٢٦ / ٢٣ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٣٩٤.

٢ ـ أُنظر : الجامع الكبير ١ / ١٢٢ ، صحيح ابن خزيمة ١ / ١٨٩ ، أُسد الغابة ٣ / ١٦٦.

٣ ـ صحيح البخاري ١ / ١٥٠ ، صحيح مسلم ٢ / ٢ ، سنن ابن ماجة ١ / ٢٤١ ، الجامع الكبير ١ / ١٢٤ ، سنن الدارمي ١ / ٢٧٠ ، سنن أبي داود ١ / ١٢٥ ، سنن النسائي ٢ / ٣.

٤ ـ الأُم ١ / ١٠٤ ، المجموع ٣ / ٩٢ ، فتح العزيز ٣ / ١٦٩ ، مختصر المزني : ١٢ ، بدائع الصنائع ١ / ١٤٨.

٥ ـ صحيح مسلم ٢ / ٣.

٦ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٢٣٧.

٧ ـ الجامع الكبير ١ / ١٢٨ ، السيرة الحلبية ٢ / ١٣٥.

٨ ـ نيل الأوطار ٢ / ١٨.

٥٦

٤ ـ أجمعت الشيعة على ذكر فقرة « حيّ على خير العمل » في الأذان ، وممّا يدلّ عليها : أنّ عمر نهى عنها ـ وهو على المنبر ـ إذ قال : أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول الله ، أنا أنهى عنهنّ ، وأُحرمهنّ وأُعاقب عليهنّ وهي : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل(١) ، وهذا الكلام منه دليل ورود هذه الفقرة « حيّ على خير العمل » في أذان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وورد أيضاً أنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام وابن عمر كانا يقولان في الأذان بعد حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل(٢) .

وأيضاً جاء عن بلال أنّه كان يؤذّن بالصبح فيقول : حيّ على خير العمل(٣) .

٥ ـ المستحبّات الواردة قبل البدء في الأذان وبين فقراتها كثيرة ، كقول بعض المؤذّنين في الابتداء : «وقل الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً » ، أو الصلاة بعد ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ إنّ من المستحبّات الشهادة لأمير المؤمنينعليه‌السلام بالولاية بعد الشهادتين.

فالشيعة لا ترى هذه الفقرة جزءً أو فصلاً من الأذان ، بل هي ذكر مستحبّ ، لورود أحاديث كثيرة في مصادر أهل السنّة ، قرنت بين اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين اسم عليعليه‌السلام (٤) .

أضف إلى ذلك ، فقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «هو وليّ كُلّ مؤمن من بعدي »(٥) .

____________

١ ـ شرح تجريد العقائد : ٣٧٤.

٢ ـ السيرة الحلبية ٢ / ١٣٧ ، السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٤ ، المصنّف للصنعاني ١ / ٤٦٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٢٤٤ ، مسند زيد بن علي : ٩٣.

٣ ـ السنن الكبرى للبيهقي ١ / ٤٢٥ ، المعجم الكبير ١ / ٣٥٢ ، كنز العمّال ٨ / ٣٤٢.

٤ ـ مناقب أمير المؤمنين ١ / ٢٤٤ ، شرح الأخبار ١ / ٢١٠ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٢٠٠ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٩٨ ، جواهر المطالب ١ / ٩٢ ، ينابيع المودّة ١ / ٦٩ و ٢ / ١٦٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٣٦ ، تهذيب الكمال ٣٣ / ٢٦٠ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ١٧٤.

٥ ـ فضائل الصحابة : ١٥ ، المستدرك ٣ / ١٣٤ ، مسند أبي داود : ١١١ و ٣٦٠ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٤ ، الآحاد والمثاني ٤ / ٢٧٩ ، كتاب السنّة : ٥٥٠ ، السنن الكبرى للنسائي

٥٧

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً : « أنا وهذا حجّة على أمّتي يوم القيامة »(١) .

وأخيراً :( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢) .

( ـ لبنان ـ )

تعقيب على الجواب السابق :

أودّ إضافة شيء على الجواب الجيّد ، وهو أنّه لنا التمسّك بعموم الخبر الصحيح الوارد في الاحتجاج لإثبات أرجحية ذكر الشهادة بالولاية عقب الشهادة بالرسالة ، انقل مضمونه : من قال لا اله إلاّ الله محمّد رسول الله ، فليقل : علي أمير المؤمنين

____________

٥ / ٤٥ و ١٢٦ و ١٣٢ ، خصائص أمير المؤمنين : ٦٤ و ٩٧ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ ، صحيح ابن حبّان ١٥ / ٣٧٤ ، المعجم الكبير ١٢ / ٧٨ و ١٨ / ١٢٩ ، نظم درر السمطين : ٧٩ و ٩٨ ، موارد الظمآن : ٥٤٣ ، كنز العمّال ١١ / ٥٩٩ و ٦٠٧ و ١٣ / ١٤٢ ، فيض القدير ٤ / ٤٧١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٠٠ و ١٩٨ ، أُسد الغابة ٤ / ٢٧ ، سير أعلام النبلاء ٨ / ١٩٩ ، الإصابة ٤ / ٤٦٧ ، الجوهرة : ٦٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٨١ ، المناقب : ١٢٧ و ١٥٣ ، جواهر المطالب ١ / ٢١٢ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩١ ، ينابيع المودّة ١ / ١١٢ و ٢ / ٧٨ و ٨٦ و ١٥٩ و ٢٣٦ و ٣٩٨ و ٤٩٠ و ٣ / ٣٦٤.

١ ـ كنز العمّال ١١ / ٦٢٠ ، تاريخ بغداد ٢ / ٨٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٠٩ ، سبل الهدى والرشاد ١١ / ٢٩٢.

٢ ـ يونس : ٣٥.

٥٨

الشورى :

( علي ـ البحرين ـ )

معنى( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) :

س : ما معنى قوله تعالى : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ؟

ج : جاء في تفسير مجمع البيان : « وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ(١) أي : استخرج آراءهم ، واعلم ما عندهم.

واختلفوا في فائدة مشاورتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاهم ـ مع استغنائه بالوحي عن تعرّف صواب الرأي من العباد ـ على أقوال :

أحدها : إنّ ذلك على وجه التطييب لنفوسهم ، والتآلف لهم ، والرفع من أقدارهم ، ليبيّن أنّهم ممّن يوثق بأقوالهم ، ويرجع إلى آرائهم ، عن قتادة والربيع وابن إسحاق.

وثانيها : إنّ ذلك لتقتدي به أمّته في المشاورة ، ولم يروها نقيصة ، كما مدحوا بأنّ أمرهم شورى بينهم ، عن سفيان بن عيينة.

وثالثها : إنّ ذلك ليمتحنهم بالمشاورة ، ليتميّز الناصح من الغاش.

ورابعها : إنّ ذلك في أُمور الدنيا ، ومكائد الحرب ، ولقاء العدو ، وفي مثل ذلك يجوز أن يستعين بآرائهم ، عن أبي علي الجبائي »(٢) .

____________

١ ـ آل عمران : ١٥٩.

٢ ـ مجمع البيان ٢ / ٤٢٨.

٥٩

وعن ابن عباس بسند حسن : لمّا نزلت :( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( أما أنّ الله ورسوله لغنيان عنها ، ولكن جعلها الله رحمة لأمّتي ، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ، ومن تركها لم يعدم غيّاً ) (١) .

إنّ هذه الرواية تفيد : أنّ استشارتهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه لا قيمة لها على صعيد اتخاذ القرار ، لأنّ الله ورسوله غنيان عنها ، لأنّهما يعرفان صواب الآراء من خطئها ، فلا تزيدهما الاستشارة علماً ، ولا ترفع جهلاً ، وإنّما هي أمر تعليمي أخلاقي للأُمّة ، وإذا كانت الاستشارة أمراً تعليمياً أخلاقياً ، فلا محذور على الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها(٢) .

( أحمد ـ السعودية ـ )

ليست مشروعة في تعيين الخليفة :

س : هل يمكن أن تكون الشورى بديلاً عن النصوص الواردة في تحديد الخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ج : لاشكّ أنّ الشورى لا تصلح أن تكون بديلاً عن النصوص القاطعة في خصوص إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك لأنّ ترك النصوص واللجوء إلى الشورى يعدّ رأياً واجتهاداً في مقابل النصّ ، وهو بلاشكّ غير صحيح لقوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا ) (٣) .

فالموقف النهائي والقول الفصل يعود إلى الله تعالى ورسوله لا إلى من سواهما ، وليس لأحد الامتناع أو المخالفة في ذلك ، إلاّ أن يخرج عن دائرة

____________

١ ـ الدرّ المنثور ٢ / ٩٠ ، فيض القدير ٥ / ٥٦٥ ، فتح القدير ١ / ٣٩٥.

٢ ـ الصحيح من سيرة النبيّ ٦ / ٩٠.

٣ ـ الأحزاب : ٣٦.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136