الشيعة في التاريخ

الشيعة في التاريخ0%

الشيعة في التاريخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 216

الشيعة في التاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد حسين الزين
تصنيف: الصفحات: 216
المشاهدات: 57287
تحميل: 5516

توضيحات:

الشيعة في التاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57287 / تحميل: 5516
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في التاريخ

الشيعة في التاريخ

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

(وأقبل أبو بكر ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة، لا يمرُّون بأحد إِلاَّ خبطوه، وقدموه فمدوا يده، فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه؛ شاء ذلك أو أبى(١) .

وعندئذ (انثال الناس على أبي بكر يبايعونه، خلا جماعة من بني هاشم، والزبير بن العوام، وعتبة بن أبي لهب، وخالد بن سعيد بن العاص، والمقداد، وسلمان، وأبي ذر، وعمّار، والبراء بن عازب، وأُبيِّ بن كعب، مالوا مع علي بن أبي طالب، وقال في ذلك عتبة بن أبي لهب:

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف

عن هاشم ثُمَّ منها عن أبي حسن

عن أوِّل الناس إيماناً وسابقة

وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وآخر الناس عهداً بالنبيِّ ومَن

جبريل عون له في الغسل والكفن

مَن فيه ما فيهم لا يمترون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن

وكذلك تخلَّف عن البيعة لأبي بكر أبو سفيان من بني أميّة. ثُمَّ إنّ أبا بكر بعث عمر بن الخطَّاب إِلى عليّ ومن معه؛ ليخرجهم من بيت فاطمة (رضي الله عنها)، وقال له: إِن أبوا عليك، فقاتلهم. فأقبل عمر بشيء من نار؛ على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة (رضي الله عنها)، وقالت:((إلى أين يا ابن الخطّاب؟ أجئت لتحرق دارنا؟)) ، قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخل فيه الأمَّة)(٢) .

(وأَقبل أبو سفيان، وهو يقول: إِنِّي لأرى عجاجة لا يطفئها إِلاَّ دم. يا آل عبد مناف، فيم أبوم بكر من أموركم. فزجره عليّ، وقال: والله، إِنّك ما أردت بهذا إِلاّ الفتنة. وإنّك طالما بغيت للإِسلام شرَّاً)(٣)

____________________

(١) شرح النهج، ج١، ص٧٤.

(٢) تاريخ أبي الفداء، مجلّد١، ص١٥٦، والعقد الفريد، مجلّد٣، ص٦٣، والإِمامة والسياسة لابن قتيبة، مجلّد١، ص١٣، ولكنّه[ابن قتيبة] قال: قيل لعمر لمـّا جمع الحطب على باب الدار، إِنَّ في الباب فاطمة، قال: وإِنْ).

(٣) تاريخ ابن الأثير، مجلّد٢، ص١٢٣. وذكر صاحب الأغاني (جزء ٦، ص٩٦): إنّ أبا سفيان هذا قد قال - لمـّا بويع عثمان: ( يا بني أميّة، تلقَّفوها تلقُّف الكرة؛ فوالذي يحلف به أبو سفيان ما مِن عذاب ولا حساب ولا جنّة ولا نار ولا بعث ولا قيامة).

١٠١

ويروي صاحب العقد الفريد: أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) توفّي وأبو سفيان غائب، فلمَّا بلغه بيعة أبي بكر، قال: إِنّي أرى غبرة لا يطفئها إلاّ دم. فلمّا قدم المدينة، جعل يطوف في أزقَّتها، وهو يقول:

بني هاشم لا يطمع الناس فيكم

ولا سيما تيم بن مرَّة أو عدي

فما الأمر إِلاّ فيكم وإليكم

وليس لها إِلاّ أبو حسن علي

فقال عمر لأبي بكر: إِنّ هذا قد قدم، وهو فاعل شرّاً، وقد كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يستألفه على الإِسلام، فدع له ما بيده من الصدقة. ففعل أبو بكر، فرضي أبو سفيان وبايعه)(١) .

ولمـّا رأى علي رأسَ الفتنة قد ذرَّ قرنه، ورأى ارتداد البعض عن الإِسلام وقلّة المسلمين وإِحاطة العدو بهم، تغاضى عن الطلب بحقِّه، وقال:((والله لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها إِلا جورٌ علي خاصة)) (٢) .

ثُمَّ قام مع أبي بكر (رض) يجاهد المرتدِّين في الجزيرة، وينصح المسلمين بجهده، وتبعه على ذلك عمَّه العبّاس القائل: (والله، لولا أنّ الإِسلام قيد الفتك، لتدكدكت جنادل صخر)(٣) .

وكذلك تبعه سائر بني هاشم وجماعة الشيعة من الصحابة؛ أَمثال: سلمان، وعمار، والمقداد، وأبي ذر، وغيرهم، ممَّن اعتقدوا قبلئذٍ (أنّ الخلافة يجب أن تكون في سلالة الرسول)، لكن بعد أبيهم عليّ (عليه السلام).

فليس اعتقادهم ذلك من يوم خلافة عمر(رض)، كما يظهر من كلام الرحّالة المتقدِّم، بل قد عرفت أنّهم يعتقدونه من يوم (غدير خم). على أنّ خلافة الثاني كانت محكَمة بنصٍّ من الأوّل، لم يعارض فيها سوى طلحة ونفر قليل، وكلمة طلحة لأبي بكر قبيل وفاته مذكورة في التاريخ، مشهورة، لا نحبُّ

____________________

(١) مجلّد٣، ص٦١.

(٢) شرح النهج، مجلّد٢، ص٦٠.

(٣) الشرح، مجلَّد١، ص٧٣.

١٠٢

ذكرها لخشونتها، وإنّما نذكر لك كيف كانت؛

٣ - وفاة أبي بكر وبيعة عمر:

وقد اختلف في سبب وفاته؛ فقيل: إنّ اليهود سمَّته في أرز، وقيل: في حسو. (وعن عائشة (رض): أنّه اغتسل، وكان يوماً بارداً، فحُمَّ خمسة عشر يوماً، ثُمَّ توفّي لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ١٣هـ. وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال)(١) وقولها هو الأصح؛ لأَنَّها أعلم بحال أبيها.

ولابن الطقطقي قول في سبب وفاته، قد تفرّد به (على الظاهر)، انظره: الفخري في الآداب السلطانية، ص٨٧ .

وعلى كلٍّ...فقد قضى أيّام خلافته في جهاد المرتدِّين، والروم والفرس أيضاً، ونشر كلمة الإِسلام في الجزيرة. وبقي يمدُّ الجيش الإسلامي إِلى اليوم الذي توفّي فيه. وفي الساعة التي توفّي فيها (احضر عثمان بن عفّان، وقال له اكتب: هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إِلى المسلمين؛ أمّا بعد، ثُمَّ أغمي عليه، فكتب عثمان: أمّا بعد، فإنّي قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، ولم آلكم خيراً، ثُمَّ أفاق أبو بكر وأمضى كتابة عثمان)(٢) .

(ولقد شكا المهاجرون والأنصار من عمر.. وقال بعضهم: أمّرته عام أوّل وأَمَّرك العام. وكره أهل الشام خلافته في بدء الأمر)(٣) . ولا ريب أنّهم أمسوا - بعد ذلك - يحبُّونها كثيراً؛ لأنّه قام بأعباء الخلافة، ووسَّع الفتح الإسلامي، ونال الإِسلام في عهده عزَّاً ومنعة، وفضَّل الأشراف على غيرهم في قسمة الغنائم، فرضي عنه من كان يشكوه، ورضي عنهم وعن الذين أسخطوه من قبل، سوى خالد بن الوليد؛ لأنّ (أوّل كتاب كتبه عمر إِلى أبي عبيدة بن الجرّاح بتولية الجند وعزل خالد؛ لأنَّه كان عليه ساخطاً

____________________

(١) تاريخ أبي الفداء، مجلّد١، ص١٥٨.

(٢) ابن الأثير، مجلّد٢، ص١٦٣.

(٣) الإِمامة والسياسة، مجلّد١، ص١٩.

١٠٣

في خلافة أبي بكر كلِّها؛ لوقعته بابن نويرة، وما كان يعمل في حروبه(١) . وأوَّل ما تكلَّم به عمر عزل خالد، وقال: لا يلي لي عملاً أبداً )(٢) ، ولكنَّه أبقاه في الجيش لشجاعته وبطولته.

أمَّا معاوية - الذي عدَّه الرحَّالة من القوَّاد - فما عرف بالشجاعة، ولا ظهر له أثر في الحروب، ولا تولَّى قيادة الجيوش في أيّام الأوّل والثاني (رض). ولمَّا تولَّى القيادة في صِفِّين واشتدَّت الحرب، ركب فرسه وفرَّ، أو هَمَّ بالفرار(٣) . وقد عرض النجاشي الشاعر بهذه القصة، فقال:

ونجى ابن حرب سابح ذو غلالة

أجشَّ هزيم والرماح دواني

و(كان معاوية يقول بعد ذلك لبني أميّة: دعوني، فو الله، ما ذكرت عيونهم؛ أي بني هاشم، تحت المغافر في صِفِّين، إِلاَّ لبس على عقلي)(٤) . فقول الرحّالة (بفضل قائديه خالد ومعاوية) من بديهيات الأخطاء.

٤ - وفاة عمر، وبيعة عثمان ومقتله، ومَن حرَّض عليه ومَن قتله:

قلنا أنّ بيعة عمر (رض) كانت سنة ١٣ هـ. وأمَّا قتله، فكان آخر ذي

____________________

(١) كأنّه يشير إلى ما ذكره أبو الفداء في تاريخه: (مجلّد١، ص١٤٥) مِن قتل خالد لبني خزيمة بعد أن أمنهم؛ لأنّهم كانوا قتلوا عمَّه في أيَّام الجاهليّة، فراجع.

(٢) تاريخ ابن الأثير، مجلّد٢، ص١٦٤. وقد أيَّده المسعودي (مروج الذهب، مجلَّد١، ص ٤٢٢) بقوله: (وقد كان في نفس عمر على خالد أشياء مِن أيَّام أبي بكر في قصَّة مالك بن نويرة، وغير ذلك). وقصّة مالك معروفة مشهورة في التاريخ؛ ذكرها أبو الفداء مفصَّلة في تاريخه( مجلّد١، ص١٥٨)، وذكر قول أبي نمير السعدي:

قضى خالد بغياً عليه بعرسه

وكان له فيها هوىً قبل ذلك

فأمض هواه خالد غير مالك

عنان الهوى عنها ولا متمالك

ومن أغرب ما اعتُذر به عن خالد، قول ابن زيد شبلي: (ولعلَّ خالداً، وقد قتل زوجها، رأى أن يجبر كسرها وأن يخفِّف عنها مصيبتها، فتزوَّجها؛ جبراً لها ممَّا أصابها، وتطييباً لخاطرها). انظر: كتابه (تاريخ خالد)، صفحة ١١١.

(٣) انظر: شرح النهج، مجلَّد١، ص٤٩١.

(٤) مروج الذهب، مجلَّد٢، ص٥٥.

١٠٤

الحجّة سنة ٢٣ هـ؛ قتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، وكان نصرانيّاً، وقيل: مجوسيَّاً. وكانت مدَّة خلافته عشر سنين ونصف سنة، وقد جعلها من بعده شورى(١) بين خمسة نفر أو ستة، ولكنَّه قيَّدهم برأي أحدهم؛ عبد الرحمن بن عوف صهر عثمان.

وكيفما كان... فقد بويع عثمان (رض) في ٣ من المحرَّم سنة ٢٤ هـ، وقيل: في آخر ذي الحجّة سنة ٢٣ هـ ،وقُتل آخر سنة ٣٥هـ بيد زعماء المصريّين يومئذٍ، كما سنبيّنه إن شاء الله.

وكان محبوباً في السنين الأولى من خلافته التي دامت اثنتي عشرة سنة، وهي مدّة طويلة لا يقال فيمَن قضاها: (إنّه جاء ثُمَّ قُتل عاجلاً)؛ كما قال معلِّم الآداب في مصر ورحّالة القرن العشرين، الذي اخترع في التاريخ (أنّ الذين حرَّضوا على قتل عثمان وأيَّدوا عليَّاً، هم الخوارج). مع أنّ لفظ الخوارج لم يُسمع ولم يُوجد أيضاً إِلاّ بعد مضي سنتين على قتل عثمان وبيعة علي، ومع أن التاريخ يحدّثنا بأنّ الذين حرّضوا على قتل عثمان وخذلوه، هم من أكابر الصحابة والتابعين في المدينة المنوَّرة.

يحدثنا ابن الأثير: إنَّه (كتب جمْع من أهل المدينة من الصحابة إِلى مَن في الآفاق منهم: إِنْ أردتم الجهاد، فهلمُّوا إليه، فإِنَّ دين محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قد أفسده خليفتكم )(٢) .

ويقول الطبري؛ ابن جرير: (وكتب أهل المدينة إِلى عثمان يدعونه إِلى

____________________

(١) الشورى من أفضل النظم الانتخابية إذا استعملت بمعناها الحقيقي الواسع، وقد أُمر بها النبيّ(ص) (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) ،ولكن معاوية يرى (أنّه لم يشتِّت بين المسلمين، ولا فرَّق أهواءهم، إِلاّ الشورى التي جعلها عمر إلى ستة نفر)، انظر: العقد الفريد، مجلّد٣، ص٧٤. وأرى أنَّ هذه الشورى - وإنْ خلقت طمع طلحة والزبير بالخلافة، وسعيهما لها - خير من تلك السنَّة التي سنَّها معاوية في ولاية العهد، وحصْر الإِمرة بمثل ولده يزيد، وحرمان أبناء المهاجرين والأنصار.

(٢) تاريخ ابن الأثير، مجلّد٣، ص٦٥.

١٠٥

التوبة، ويحتجُّون ويقسمون له بالله: لا يمسكون عنه أبداً حتى يقتلوه، أو يعطيهم ما يلزمه من حقِّ الله )(١) ، فكتب عثمان إِلى معاوية: (أمَّا بعد، فإِنّ أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة، فابعث إِليّ من قبلك من مقاتلة الشامي، فلمَّا جاء معاوية الكتاب تربص به وكره (؟) إِظهار مخالفة أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد علم اجتماعهم)(٢) .

ويروي ابن عبد ربِّه الأندلسي ما يبيِّن السرَّ في خذلان الصحابة لعثمان؛ حيث يقول: (روي: أنَّه سئل سعيد بن المسيَّب؛ كيف قُتل عثمان؟ ولِمَ خذله أصحاب محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ فقال: قُتل عثمان مظلوماً، ومَن خذله كان معذوراً. قيل له وكيف ذلك؟ قال: لأنّ عثمان كان يحبُّ قومه، وكان كثيراً ما يولّي بني أميّة ممّن لم يكن له في رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صحبة، وكان يجيء من أمرائه ما يكره أصحاب محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فكان يستعتب فيهم، فلا يعزلهم)(٣) .

وقالت السيِّدة عائشة بنت أبي بكر (رضي الله عنهما) لمروان بن الحكم؛ لمـّا طلب منها إِصلاح أمر عثمان مع الصحابة وعدم خروجها من المدينة: (ولعلك تظننَّ أنّي في شكٍّ مِن صاحبك؟ أمَا والله، لوددت أنّه مقطَّع في غرارة من غرائري، وأنّي أطيق حمله، فأطرحه في البحر)(٤) . وقد كان عبد الرحمن بن عوف - وهو الذي عقد البيعة لعثمان - أوَّل مَن اجترأ عليه؛ كما يحدثنا الطبري في مقام ذكر المفتتِح للجرأة على عثمان، بقوله: (قدمت إِبل مِن إِبل الصدقة على عثمان، فوهبها لبعض بني الحكم، فبلغ ذلك عبد الرحمن، فأرسل مَن أخذها له، فقسمها في الناس وعثمان في الدار)(٥) .

ولمَّا عوتب عبد الرحمن في أمر عثمان، (وقيل له هذا كلُّه فعلُك، قال:

____________________

(١) تاريخ الطبري، مجلّد ٥، ص١١٦.

(٢) تاريخ الطبري، مجلّد ٥، ص١١٥.

(٣) العقد الفريد، ج٣، ص٧٩.

(٤) عصر المأمون، ج١، ص٦.

(٥) تاريخ الطبري، ج٥، ص١١٣.

١٠٦

لم أكن أظنُّ به هذا، ولكنَّ لله عليَّ أن لا أكلِّمه أبداً. فمات عبد الرحمن، وهو مهاجر لعثمان. ولمـّا دخل عليه عثمان عائداً، تحوَّل عنه إلى الحائط ولم يكلمه)(١) .

وأمَّا عمرو بن العاص، فكان من أشدِّ الناس تحريضاً على عثمان وطعناً به، وإن لم يشهد مقتله مع الصحابة(٢) . يقول الطبري: (كان عمرو بن العاص عاملاً لعثمان على مصر، فعزله، فلمّا قدم المدينة جعل يطعن على عثمان، فقال له عثمان: يا ابن النابغة، أَقمل جربان جبتك؟ فخرج عمرو من عنده وهو محتقِد عليه، يأتي عليَّاً مرًّة، والزبير وطلحة مرَّة، يؤلبهم على عثمان، ويعترض الحاج، فيخبرهم بما أحدث عثمان، فلمّا كان الحصار الأوَّل، خرج من المدينة إِلى أرض له بفلسطين يقال لها: السبع، فبينا هو جالس في قصره، إذ مرَّ به راكب، فناداه عمر، ومِن أين؟ قال: من المدينة، قال: ما فعل الرجل؛ يعني عثمان؟ قال: قُتل، قال: أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها، إِنّي كنت لأحرِّض عليه حتّى الراعي في غنمه في رأس الجبل، فقال له سلامة بن روح الجذامي: إِنّه كان بينكم وبين العرب باب، فكسرتموه، قال عمرو: إِنَّا أردنا أن نخرج الحقَّ من حافرة الباطل)(٣) .

وعمرو هو القائل لتلك الكلمة الشهيرة: (اتَّق الله يا عثمان؛ فإِنَّك ركبت بنا نهابير(٤) ، وركبناها معك، فتب إلى الله )(٥) .

ولم يُقصِّر طلحة في التأنيب والتحريض، بل قد زاد على ابن العاص بمناجاته لرؤساء المصريّين الذين باشروا قتل عثمان (رض).

(قال عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: دخلت على عثمان، فأخذ بيدي

____________________

(١) العقد الفريد، ج٣، ص٧٣، وتاريخ أبي الفداء، ج١، ص١٦٦.

(٢)يقول ابن أبي الحديد (شرح النهج،ج١، ص٢٣١): (مثل أبو سعيد الخدري، هل شهد مقتل عثمان أحد من الصحابة ؟ قال: نعم؛ شهده ثمانمائة).

(٣) تاريخ الطبري، ج٥، ص١٠٨.

(٤) هي: المهالك.

(٥) تاريخ الطبري، مجلّد٥، ص١١١.

١٠٧

وأسمعني كلامَ مَن على بابه؛ فمنهم مَن يقول: ما تنتظرون؟ ومنهم من يقول: انظروا عسى أن يراجع. قال: فبينما نحن واقفون، إِذ مرَّ طلحة، فقال: أين ابن عديس؟ فقام إليه، فناجاه، ثُمَّ رجع ابن عديس، فقال لأصحابه: لا تتركوا أحداً يدخل على عثمان ولا يخرج مِن عنده، فقال لي عثمان: هذا ما أمر به طلحة، اللَّهم اكفني طلحة؛ فإِنّه حمل علي هؤلاء القوم وألَّبهم، وإِنّي لأرجو أن يكون منها (أي الخلافة) صفراً)(١) .

ويقول ابن قتيبة: (إنّ طلحة قال للمحاصِرين لعثمان: إِنّ عثمان لا يبالي ما حصرتموه وهو يدخل عليه الطعام والشراب، فامنعوه الماء أن يدخل عليه. ولمَّا أتى عليٌّ بالماء لعثمان، قال طلحة لعليّ: ما أَنت وهذا؟ وكان بينهما كلام شديد)(٢) .

ويروي ابن أبي الحديد: ( أنّ طلحة كان مقنَّعاً - يوم قتل عثمان - بثوب قد استتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسهام. وأنّ الزبير قال - ساعتئذ - : اقتلوه، فقالوا له: إِن ابنك يحامي عنه بالباب، فقال: ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدئ بابني...إلخ)(٣) .

وعلى الإِجمال (فإنّ مَن يتصفَّح أحوالهم، وما كان يبدو على ألسنتهم مِن الكلمات الشديدة المؤلمة في حقِّ عثمان، سواء في وجهه وفي غيبته، يحكم أنّ النفوس انطوت على مكروهه؛ حتّى كانوا يلقِّبونه: نعثلا)(٤) .

وبعد، فإِنّا نجتزئ بذكر هذه الكلمات بدون محاكمة وبغير تحليل؛ لأنّا لسنا الآن بصدد التخطئة لزيد أو التصويب لعمرو، وليس غرضنا من ذكرها التشهير بأحد أو إلقاء التبعة على آخر؛ وإِنّما غرضنا منه الاستدلال على أن

____________________

(١) تاريخ ابن الأثير، مجلّد ٣، ص٦٧، وتاريخ الطبري، مجلّد ٥، ص١٢٢.

(٢) الإِمامة والسياسة، مجلّد ١، ص٣٥.

(٣) شرح النهج، مجلّد ٢، ص٤٠٤.

(٤) محاضرات الشيخ محمد الخضري المصري، ص٣٩١.

١٠٨

الذين حرَّضوا على قتل عثمان وخذلوه هم من الصحابة، وفي مقدِّمتهم السيِّدة عائشة(رض).

وأمَّا الذين باشروا قتله، فهم المصريُّون الذين (رجعوا من البويب وبيدهم الصحيفة التي أخذوها من غلام عثمان، وفيها حثٌّ على حبسهم وجلدهم وحلق رؤوسهم ولحاهم وصلب بعضهم، وقيل: أنّ الذي أُخذت منه الصحيفة، هو أبو الأعور السلمي. ولمَّا وصلوا المدينة اجتمعوا حول الدار، واجتمع معهم حكيم ابن جبلة في ركب من البصرة، والأشتر النخعي في أهل الكوفة، واعتزل الأشتر عنهم، فاعتزل حكيم بن جبلة. وكان ابن عديس المصري وأصحابه هم الذين يحصرون عثمان، فأقاموا على حصاره تسعة وأربعين يوماً حتَّى قُتل. وكان عدد المصريّين ألفاً على ما قيل، وكان رئيسهم ابن حرب الغافقي العكي، وهو الذي تولَّى القتل وباشره مع سودان بن حمران وكنانة بن بشر التجيبي من المصريّين. وقيل: أن الخليفة قضى بضربة التجيبي؛ لقول الوليد بن عقبة بن أبي معيط في رثاء عثمان مِن جملة أبيات:

ألا إنّ خير الناس بعد ثلاثة

قتيل التجيبيّ الذي جاء من مصر

وقول الفضل بن عبّاس في جوابه:

فلو رأت الأنصار ظلم ابن أمِّكم

بزعمكم كانوا له حاضري النصر

كفى ذاك عيباً أَن يشيروا بقتله

وأن يسلموه للأحابيش من مصر(١)

وقول الفضل هذا يدلُّ على رضا الأنصار بالقتل، وهم من الصحابة يومئذٍ، لا من الخوارج. وعلى كلٍّ... فالذي يهمُّنا أن نعرف كيف كانت؛

٥ - بيعة عليٍّ، ومَن بايعه وأيَّده؟ هل هم الصحابة، أم الخوارج؟

عرفت أنّ المحرِّضين على عثمان، هم من الصحابة بنصِّ التاريخ،

____________________

(١) تاريخ ابن الأثير، مجلّد ٣، ص٦، و٦٥، و٦٩، و٧٥، وتاريخ ابن جرير الطبري، مجلّد ٥، ص ١٢٢؛ ( بتلخيص وتصرُّف).

١٠٩

وأنَّ الذين باشروا قتله، هم من هل مصر، وهؤلاء أجمع ليسوا بخوارج باتفاق المسلمين.

أمَّا الدافع (للرحّالة) على قوله: (وكان الخوارج هم الذين حرَّضوا على قتل عثمان وأيَّدوا عليَّاً )، فذلك ممَّا لم يعرفه أنا وأنت أيضاً؛ إٍذ يحتمل أن يكون الحطّ مباشرة من خلافة عليّ، أو تقليداً لمـَن قال قبله من المصريين (والخوارج وإن تجاهروا بمبدئهم السياسي، قد اشتركوا في تدبير هذه الجريمة، أو - على الأقل - حرَّضوا على ارتكابها، ثُمَّ كانوا بعد ذلك عوناً لعليٍّ في تولّي الخلافة )(١) .

ويحتمل أن يكون الدافع استعظامه أمر التحريض، وعدم قبوله بأيّ مبرِّر لتحريض أولئك الصحابة على خليفة المسلمين، ثُمَّ إِلحاحهم على عليٍّ بقبول البيعة بعد قتل الخليفة، يتقدَّمهم طلحة والزبير. وهذا الدافع - إِن صحَّ - لا يُلام عليه؛ لأنّه كعاطفة نفسيّة تثور في كلِّ مسلم اطَّلع على تلك الحادثة التاريخية الأليمة. وإِنما يلام على جعل جميع المحرِّضين خوارج، وفيهم طلحة والزبير حواري الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وشريكتهما أم المؤمنين، وكذلك على جعل جميع الذين أيَّدوا عليَّاً وبايعوه خوارج، وفيهم (سيِّدا شباب أهل الجنَّة)، و(حبر الأمّة)، و(عمّار الطيِّب المطيَّب)، و(ذو الشهادتين)، وغيرهم من الأصحاب. على أنّ عليَّاً(ع) لم يقبل - يومئذٍ - مِن أحدٍ تأييداً؛ أليس هو القائل لمـَّا أُرغم على البيعة (دعوني والتمسوا غيري) ؟ أليس هو الذي أرسل الماء إلى عثمان يوم شُدَّد عليه الحصار وعارضه طلحة بكلام شديد؟ وأرسل ولديه الحسنين ومولاه قنبراً للدفاع عن عثمان (حتّى جُرح الحسن في سبيل عثمان ونصبغ بالدم، وشُجَّ رأس قنبر في هذا السبيل )(٢) أَليس هو الذي بذل

____________________

(١) تاريخ الجمعيات السرية، ص١٥.

(٢) العقد الفريد، مجلَّد ٣، ص٨١، وتاريخ أبي الفداء، مجلَّد ١، ص١٧٠.

١١٠

جهده في إِصلاح ذات البين حتّى أخذ عهداً من عثمان للمتألِّبين عليه، فرجعوا إِلى بلاهم معتقدين في أنّ مطاليبهم ستُنْجَز؛ ومن جملتها إِبعاد مروان عن عثمان، ولكن مروان - لمـَّا عزَّ عليه التخلِّي عن الإِمرة - راح يعمل لردِّ قريبه عثمان عن رأيه وعهده(١) ، فتمَّ له ذلك، ثُمَّ زوَّر كتاباً على قريبه، وضع فيه ما يقتصُّ به مِن أولئك الذين طلبوا إِبعاده عنه، ولكن التزوير قد ظهر، وقبض المصريُّون على حامل الكتاب المزوَّر، وما لبثوا حتَّى عادوا إِلى المدينة وحاصروا الخليفة وقتلوه.

(فاجتمع (وقتئذٍ) طلحة والزبير والمهاجرون والأنصار، وأتوا عليَّاً يبايعونه، فأبى ذلك(٢) ، وقال:((أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً، ومن اخترتم رضيته)) ، فألحُّوا عليه، وقالوا: لا نعلم أحقَّ منك، ولا نختار غيرك، حتى غلبوه في ذلك، فخرج إلى المسجد وبايعوه، وأوَّل من بايع طلحة والزبير)(٣) .

هذا نصُّ ابن خلدون؛ وهو أقوى دليل على أنّ الذين أيَّدوا عليَّاً وبايعوه، هم الصحابة وغيرهم من المهاجرين والأنصار، لا الخوارج الذين لم يكن لهم

____________________

(١) يقول الطبري (تاريخ الطبري، مجلَّد ٥ ، ص١١٢): (كان مروان بن الحكم يدخل على عثمان، فلم يزل يفتله في الذروة والغارب، حتّى فتله عن رأيه وأزاله عمّا كان يريد).

(٢) وقال (عليه السلام): ((دعوني والتمسوا غيري، فإنّا مستقبِلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت له العقول، وإنَّ الآفاق قد أغامت، والمحجَّة قد تنكَّرت، واعلموا إن أجبتكم، ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغي إلى قول القائل وعتب العاتب)) .

قال المرحوم الشيخ محمد عبده: (المحجَّة؛ الطريق المستقيم. تنكَّرت؛ أي تغيَّرت علائمها، فصارت مجهولة؛ وذلك أنّ أهل الأطماع، كانت قد تنبَّهت في كثير من الناس على عهد عثمان؛ بما نالوا من تفضيلهم بالعطاء، فلا يسهل عليهم فيما بعد أن يكونوا في مساواة مع غيرهم، فلو تناولهم عدل الإمام، افلتوا منه وطلبوا طائش الفتنة؛ طمعاً في نيل رغباتهم. وأولئك هم أغلب الرؤساء في القوم، فإِن أقرَّهم الإِمام على ما كانوا عليه من الامتياز في العطاء، فقد أتى ظلماً وخالف شرعاً، فأين المحجَّة للوصول إلى الحقِّ على أمْنٍ من الفتن؟ وقد كان بعد بيعته ما تفرَّس به قبلها)، انظر: نهج البلاغة، مجلَّد١، ص١٩٠، بشرح الشيخ المذكور.

(٣) تاريخ ابن خلدون، مجلّد ٢، ص١٥٠.

١١١

اسم في ذلك الوقت، حتّى إن رؤساءهم كانوا يومئذٍ من أطراف الناس؛ لا شخصية لهم ولا عشيرة كبيرة يستعينون بها على قتل خليفة وتنصيب خليفة بغير رضا المهاجرين والأنصار؛ أهل الحلِّ والعقد والطَّول والحول.

نعم، (بايع المهاجرون والأنصار عليَّاً (عليه السلام) في مسجد المدينة وبايعه الناس، إلاَّ نفراً يسيراً كان جلُّهم من ولاة عثمان على الأمصار)(١) .

وكان أوَّل مَن بايعه - كما قال ابن خلدون - طلحة والزبير، وهما اللَّذان أشارا على الناس ببيعته ورضيا به أوَّلاً. يخبرنا ابن قتيبة (أنّ الزبير قام بعد قتل عثمان، وقال: أيُّها الناس، إِنَّ الله قد رضي لكم بالشورى، وقد تشاورنا فرضينا عليَّاً، فبايعوه. وأمَّا قتل عثمان، فإِنَّا نقول فيه أمره إِلى الله، وقد أحدث أحداثاً، والله وليُّه. فقام الناس، فأتوا عليَّاً في داره، وقالوا: مد يدك نبايعك، أنت أحقُّ بها)(٢) .

ويؤيِّده ابن عبد ربِّه الأندلسي بما رواه عن حصين، عن الأحنف بن قيس، (قال: قدمنا المدينة نريد الحج، فانطلقت فأتيت طلحة والزبير، فقلت لهما: إنّي لا أرى هذا إِلاّ مقتولاً، فمَن تأمراني به، كما ترضيانه لي؟ قالا: نأمرك بعليِّ بن أبي طالب، قلت: أمراني به وترضيانه لي؟ قالا: نعم، قال: ثُمَّ انطلقت حتّى أتيت مكّة، فبينما نحن فيها، إِذ أتانا قتل عثمان، فانطلقت إِلى عائشة في مكَّة، فقلت: مَن تأمريني أن أبايع؟ قالت: علي بن أبي طالب، قلت: أتأمريني به وترضينه لي؟ قالت: نعم، فمررت على عليٍّ بالمدينة، فبايعته، ثُمَّ رجعت إِلى البصرة، فما راعنا إِلاّ قدوم عائشة وطلحة والزبير قد نزلوا جناب الخريبة)(٣) .

هذه بعض نصوص التاريخ الصحيح، نقدِّمه كدليل فاضح لتلك الأقوال الملفَّقة والشبه المصطَنعة، حول مقتل عثمان وبيعة عليّ. ولولا تلك الأقوال

____________________

(١) تاريخ ابن جرير الطبري، مجلّد٥، ص١٥٢.

(٢) الإِمامة والسياسة، مجلّد١، ص٤١.

(٣) العقد الفريد، مجلّد٣، ص٩٨.

١١٢

والشُّبه، بل لولا وجود مَن يعتمد عليها، ويوقع على نغمها البغيض في عصرنا هذا، لَمَا تعرَّضنا لبحث الخلافة وسقنا تلك الشواهد التاريخية التي لا تخلو من كلمات جارحة.

وليست التبعة في ذلك علينا، وإنَّما هي على مَن اضطرنا إلى الاستشهاد بتلك الكلمات على إِيضاح أخطائه. هكذا شأننا في كلِّ الشواهد الماضية والآتية التي اضطرنا إليها الموضوع، أو الاستشهاد فحسب. وهل بوسع أحد ممَّن اضطر إلى التاريخ إِلاّ أن يرويه بألفاظه، مهما حوته من قساوة المعنى، ومع ذلك، فقد ابتعدنا - قدر المستطاع - عن كثير من الكلمات الخشنة.

وبعد، فلننتقل بك إلى:

٦ - دراسة ثابت المصري التاريخية:

لعلَّك تجد فيها لذَّة جديدة غير تلك اللَّذَّة الأولى، ولعلّ (على ما أذكر) للترجِّي؛ والترجِّي هو كالتمنِّي، لا يُدرك كلُّه، فلذلك لا أضمن لك اللَّذَّة الجديدة في قول الرحَّالة: (بايع الناس الحسن بن عليّ، وكان معاوية قد بويع في الشام، فزحف لقتال الحسن، وتأهَّب الحسن للقتال في العراق، لكن ثار عليه جنوده، فهادن معاوية وتنازل له عن الخلافة وفرَّ وقُتل(؟)، ثُمَّ بايع الجميع معاوية إِلاّ الخوارج والشيعة، وقد اجتمعوا حول الحسين بن عليّ في مكّة، فقتله جنود معاوية(؟) في كربلاء؛ هو وأفراد أسرته وأتباعه جميعاً، إِلاّ ابن واحد للحسين، قد أمكنه الهرب)(١) .

روى ثابت هذه الحوادث التاريخية بإِيجاز، وأظهرها بصور الحقائق الراهنة، وحكم فيها بفرار الحسن بن علي وقتله، وبفرار ابنٍ واحد للحسين من جنود معاوية بكربلاء، ومشى كالظافر الفاتح، ولكنَّه أبقانا نتساءل: إِلى أيِّ جهة كان فرار الحسن؟ وفي أيِّ مكان قُتل؟

____________________

(١) انظر: جولة في ربوع الشرق الأدنى، ص١٤٩.

١١٣

ومَن قتله؟ وفي أيِّ سنة كان قتله؟ ومَن هو الذي أمكنه الهرب من أبناء الحسين (عليه السلام)؟ وهذا ما دعانا للإِفاضة قليلاً في الجواب عن هذه الأسئلة (بالإذن) مِن الرحَّالة! مجملين مقتل عليّ وشبليه (عليهم السلام) وبيان مَن قتلهم؟ وفي أيِّ مكان قتلوا؟ وفي أيِّ سنة؟ مبتدئين في؛

٧ - مقتل علي ومدفنه وإثبات محله:

ولد أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (ع) في البيت الحرام (١٣/ رجب/ سنة٣٠ مِن عام الفيل)، وتُوفِّي شهيداً في الكوفة (ليلة٢١/ شهر رمضان/ سنة ٤٠هـ)؛ ضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي(١) غيلة بالسيف في مسجد الكوفة العظيم، وهو يصلِّي صلاة الصبح

لليلة ١٩ من شهر الصيام. وحمل نعشه الشريف ليلاً؛ حمله بنوه وخلَّص أصحابه إلى الغري، ودفنوه هناك، حيث مقامه الآن في مدينة النجف الأشرف، وعليه قبَّة كبيرة عالية مغطَّاة بالذهب الوهَّاج من الخارج، وفي داخلها نقوش بديعة وآثار ثمينة لا يسع المقام إيفاء وصفها.

وقد كثُرت الأقاويل والتخرُّصات حول المكان الذي دفن فيه (عليه السلام)

____________________

(١) ورد في ذمِّ ابن ملجم من الأحاديث الشيء الكثير؛ وإليك ما جاء في العقد الفريد(ج٣، ص١٢٣): ((قال النبيُّ)(ص) لعلي بن أبي طالب: ألاَ أخبرك بأشدِّ الناس عذاباً يوم القيامة؟ قال: اخبرني يا رسول الله، قال: إِنّ أشدَّ الناس عذاباً يوم القيامة عاقر ناقة ثمود، وخاضب لحيتك مِن دم رأسك)) ، وفي تهذيب الكامل للمبرَّد (ج١، ص٨٨): ((إنَّه قال (ص) لعليِّ: أشقى الناس اثنان: أحمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يخضِّب هذه؛ ووضع يده على لحية عليّ )) ، وفي تاريخ الخطيب البغدادي(ج١، ص١٣٥) عن جابر بن سمرة، ((أنّه(ص) قال لعلي: مَن أشقى الأوَّلين؟ قال: عاقر الناقة، قال: فمَن أشقى الآخرين؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: هو قاتلك)) ،وروى ابن حجر (الصواعق، ص٧٦) ما تقدَّم، وروي عن عائشة(رض) أنّها قالت: رأيت النبيَّ (ص) التزم عليَّاً وقبَّله، وهو يقول: ((بأبي الوحيد الشهيد)) .

١١٤

كما كثرت حول حمل النعش الشريف(١) .

وإِنَّا لنستغني عن الإِطالة بذكر تلك الأقوال وتفنيدها، بذكر هذه الكلمة المنصفة لابن أبي الحديد المعتزلي الذي أصاب بها سدرة الصواب؛ حيث يقول: (وما يدَّعيه أصحاب الحديث من الاختلاف في قبره (أي قبر عليّ) وأنَّه حمل إِلى المدينة، أو أنَّه دفن في رحبة الجامع، أو عند قصر الإِمارة، أو ندَّ البعير الذي حمل عليه، فأخذته الأعراب، باطل كلُّه؛ لا حقيقة له، وأولاده أعرف بقبره، وأولاد كلِّ الناس أعرف بقبور آبائهم من الأجانب. وهذا القبر هو الذي زاره بنوه لمـَّا قدموا العراق؛ منهم جعفر بن محمد الصادق(ع) وغيره من أكابرهم وأعيانهم )(٢) .

وقال في مكان آخر: (إِنَّ عليَّاً (عليه السلام) لمـَّا قُتل، قصد بنوه أن يخفوا قبره خوفاً من بني أميَّة أن يحدثوا في قبره حدثاً، فأوهموا الناس في موضع قبره تلك الليلة - وهي ليلة دفنه - إبهامات كثيرة). ثُمَّ قال: (ولم يعلم دفنه في الحقيقة إِلاَّ بنوه والخواصُّ المخلصون من أصحابه، فإِنَّهم خرجوا به (عليه السلام) وقت السحر في الليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان، فدفنوه على النجف في الموضع المعروف بالغري بوصاة منه (عليه السلام) وعهدٍ كان عُهِد به إِليه، وعُمى موضع قبره على الناس. واختلفت الأراجيف في صبيحة ذلك اليوم اختلافاً شديداً، وافترقت في موضع قبره الشريف وتشعَّبت(٣) .

____________________

(١) من تلك الأقاويل الملفَّقة التي لا يَعتمد عليها الشيعة ولا يرويها أحد منهم، قول الرحَّالة المصري: (وللقوم قصَّة يروونها عن نشأة النجف؛ هي أنَّه لمـَّا قُتل عليٌّ في الكوفة، حملت جثته على جمل أطاق في الصحراء، فأخذ يسير على غير هدى حتَّى وصل ربوة تطلُّ على بحر النجف، فبرك الجمل، وهنا دفن القوم الجثة الطاهرة وأخفوها خشية أن يعلمها أعداؤهم).

(٢) شرح النهج، ج١، ص٥.

(٣) شرح النهج، ج١، ص٣٦٤.

١١٥

٨ - بيعة الحسن، ومقتله، ومَن قتله:

وكان عليّ (ع) قد (أوصى إِلى ولده الحسن، فبايعت الشيعة كلَّها، وتوقَّف أناس ممَّن كان يرى رأي العثمانية)(١) . وكانت خلافته العامَّة ستة أشهر وأيَّاماً، وخلافته الخاصَّة بالشيعة تسع سنين وأشهرا. وقد تجرَّع مرارة الصبر على أعمال جنده المضطرِب المقسَّم، المشتمل على كثير من أعداء أبيه، وتحمَّل قوارص العتاب من خلَّص الأصحاب بعد الموادعة حتى قال بعضهم: (السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين).

ولقد صبر (عليه السلام) على أشدِّ من ذلك كلِّه يوم خطب معاوية، وقال: (كلُّ شيء أعطيته الحسن بن عليِّ تحت قدميَّ هاتين لا أفي به)(٢) . وممَّا أعطاه من الشروط: (أن لا يشتم عليَّاً (عليه السلام)، فلم يجبه معاوية إِلى الكفِّ عن شتم عليّ، فطلب منه أن لا يشتم عليَّاً وهو يسمعه، فأجابه إِلى ذلك، ثُمَّ لم يف له به أيضاً)(٣) ، فالتجأ إِلى أن (توجَّه مِن الكوفة في عياله وحشمه إِلى المدينة المنورة. وخرج أهل الكوفة لوداعه باكين لفراقه (؟). ولم يزل مقيماً بالمدينة إلى أن توفّي فيها)(٤) .

وكان يأخذ - وهو في المدينة - الأموال الطائلة من معاوية ويفرِّقها على المعوزين (ولقد أعطاه معاوية مرَّة ثلاثمائة ألف. فاستعظم ذلك يزيد بن معاوية واستكثره، فقال له معاوية: يا بني، إنَّ الحقَّ حقُّهم، فمَن أتاك منهم، فاحث له)(٥)

وبقي في المدينة إِلى أن (توفَّي سنة ٤٩ هـ من سمٍّ سقته إِيَّاه زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس، قيل: فعلت ذلك بأمر معاوية، وقيل: بأمر يزيد بن معاوية؛ وعدها أن يتزوَّج بها إِنْ فعلت ذلك، فسقته السمَّ وطالبت يزيد أن يتزوَّجها، فأبى. وكان الحسن قد أوصى أن يُدفن عند جدِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلمَّا توفّي،

____________________

(١) الأغاني، ج١١، ص١١٦.

(٢) مقاتل الطالبيّين، ص٤٨.

(٣) تاريخ ابن الأثير، ج٣، ص١٦٢.

(٤) تحفة الأنام، الشيخ عبد الباسط الفاخوري، ص٦٧.

(٥) شرح النهج ، ج٤، ص٥.

١١٦

أرادوا دفنه هناك، فمنع مروان بن الحكم. وكاد أن يقع بين بني أميَّة وبين بني هاشم فتنة، فقالت عائشة (رض): البيت بيتي، ولا آذن أن يدفن فيه، فدفن بالبقيع. ولمَّا بلغ معاوية موت الحسن، خرَّ ساجدا، فقال بعض الشعراء:

أصبح اليوم ابن هند شامتاً

ظاهر النخوة إِذ مات الحسن

ولمـَّا منع مروان من دفنه، قال له أبو هريرة: أتمنع الحسن أن يدفن في هذا الموضع وقد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول:((الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة)) ، فقال له مروان: دعنا منك، لقد ضاع حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِذ كان لا يعرفه غيرك)(١) .

وقضية السمِّ لا خلاف فيها، كما لا خلاف في أنّ جعدة بنت الأشعث هي المباشرة له، ولكن الخلاف قد وقع في الآمر بالسمِّ؛ فردَّده أبو الفداء بين معاوية وبين ابنه يزيد، ولكن المسعودي يرجِّح: (أنَّ الذي حمل جعدة بنت الأشعث على سمِّ الحسن هو معاوية. دسَّ إليها أنَّكِ إِن احتلت في قتل الحسن، وجَّهت إليك بمائة ألف درهم وزوجتك يزيد، فكان ذلك الذي بعثها على سمِّه. فلمَّا مات، وفي لها بالمال، وأرسل أليها: إنَّا نحبُّ حياة يزيد، ولولا ذلك، لوفينا لك بتزويجه)(٢) .

وقد أيَّده أبو الفرج الأصبهاني بقوله: (ودسَّ معاوية إليه وإلى سعد بن أبي وقَّاص - حين أراد أن يعهد إلى يزيد بعده - سمَّاً، فماتا منه في أيّام متقاربة. وكان الذي تولَّى ذلك من الحسن (ع) زوجته بنت الأشعث)(٣) .

ومن الجائز أن يكون كلٌّ منهما قد أمرها بسمِّه ووعدها بالجائزة؛ لانَّ الغاية مشتركة بينهما والنفع عائد إِليهما، ويكون أمر الثاني لها كتأكيد لأمر الأول.

وأنت إِذا علمت - ممَّا تقدَّم - أنَّ الحسن (ع) لم يكن (فرَّ يوم

____________________

(١) تاريخ أبي الفداء، ج١، ص١٨٣، والعقد الفريد، ج٣، ص٦٦، و١٢٤.

(٢) مروج الذهب، ج٢، ص٥٠.

(٣) مقاتل الطالبيّين، ص٣٣.

١١٧

هادن معاوية، ولا قُتل) يومئذٍ؛ وإِنَّما قُتل في مدينة جدِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد أَن أَقام فيها ما ينوف عن تسع سنين، تحكم معنا - بلا شك - أنَّ قول الرحَّالة (فرَّ وقُتل) من قبيل قول بعضهم: (إنّ عليّاً قُتل في غزاة حنين)(١) .

وهكذا قوله: (ثُمَّ بايع الجميع، إِلا الشيعة. وقد اجتمعوا حول الحسين، فقتله جنود معاوية في كربلاء). فكأنّه تخيَّل أنَّ نهضة الحسين كانت في أيَّام معاوية حتّى قال: (فقتله جنود معاوية)، مع أنَّ النهضة الحسينية كانت بعد موت معاوية، ومع أنَّ الشيعة بايعوا - على مضض - معاوية، ولم يتخلَّف يومئذٍ سوى قيس بن سعد بن عبادة(٢) ، ولكنَّه بايع أخيراً بأمر سيِّده الحسن بن عليّ (عليهما السلام). (وكانت بيعة قيس لمعاوية والسيف، أو الرمح، بينهما؛ لانَّ قيساً كان حلف أن لا يلقي معاوية إِلاَّ والسيف أو الرمح بينهما. فجثا معاوية على سريره وأكبَّ على قيس حتى مسح يده على يده، فما رفع قيس إِليه يده)(٣) .

____________________

(١) هذه العبارة من قصَّة ذكرها المسعودي ( مروج الذهب، ج٢، ص٧٣)؛ إِليك إِجمالها: (قال: قال لي رجل من أهل العلم: سألني ذات يوم بعض العامة: كم تطنبون في فلان وفلان؟ فقلت له: ما تقول أنت؟ قال: مَن تريد؟ قلت: عليَّاً ما تقول فيه؟ قال: أليس هو أبو فاطمة امرأة النبي(ع) بنت عائشة أخت معاوية؟ قلت: فما كانت قصّة عليّ؟ قال: قتل في غزاة* حنين مع النبي).

*[كذا في المصدر، ولعلَّ الأصح:غزوة]

(٢) كان قيس شجاعاً بطلاً كريماً سخيَّاً. وحمل لواء رسول الله (ص) في بعض غزواته، و ولاَّه عليُّ بن أبي طالب إِمارة مصر، وحضر معه حرب الخوارج بالنهروان ووقعة صِفِّين، وكان مع الحسن بن عليِّ على مقدَّمته بالمدائن. باع قيس مالاً من معاوية بتسعين ألفاً، فأمر منادياً، فنادى في المدينة: مَن أراد القرض، فليأت منزل سعد. فأقرض أربعين، وأجاز بالباقي وكتب على مَن أقرضه صكَّاً. فلمَّا مرض، قل عوَّاده ، فقال لزوجته قريبة بنت أبي قحافة أخت أبي بكر: لِمَ قلَّ عوَّادي؟ قالت: للذي لك عليهم من الدين. فأرسل إِلى كلِّ رجل بصكِّه. ثُمَّ توفّي بالمدينة آخر خلافة معاوية. انظر: تاريخ بغداد، ج١، ص١٧٨. وينصُّ في منهج المقال (ص٣٦٧): على أنّ وفاة قيس كانت سنة ٦٠هـ.

(٣) مقاتل الطالبيّين، ص٥٠.

١١٨

٩ - مقتل الحسين وأصحابه:

وبعد عشرين سنة مضت على بيعة الشيعة لمعاوية، وبعد موت معاوية وتولّي ابنه يزيد وإِرساله إلى عامله بالمدينة أن يضايق الحسين ويجبره على البيعة والطاعة لمثل

يزيد - المعلوم الحال.. عند الحسين (ع) وعند غيره أيضاً - بعد ذلك كلِّه، نهض الحسين؛

وأبى أن يعيش إِلاَّ عزيزاً

أو تجلَّى الكفاح وهو صريع

أبى أن يبايع يزيد وامتنع أشدَّ الامتناع؛ لِمَا كان يعلمه من أنّ إِمرة يزيد كانت بغير رضى الأمَّة، وأنّ أباه مهَّدها له بالمال والخداع والقوَّة والقهر، من غير ما مشورة ولا اختيار، فضلاً عمَّا كان يعتقده الحسين من عدم أهليّة يزيد لهذا المنصب الديني الخطير، وأنَّه لو تولاَّه أمثال يزيد، لَمَا بقي لشريعة جدِّه محمد (ص) من هيبة ولا أثر في النفوس، ولانمحت قوانينها العادلة من صحيفة الشرائع الإِلهيّة تدريجاً، ولانغرس في نفوس العامَّة معنى قول يزيد:

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لذلك كلِّه امتنع الحسين (عليه السلام) عن البيعة، وبذل نفسه الزكيّة ليحيا الدين الحنيف ويستقيم، ويموت الظلم والاستبداد.

إنْ كان دين محمّد لم يستقم

إِلاَّ بقتلي، يا سيوف خذيني

وفضَّل بعد ذلك الخروج من المدينة لأمور يطول شرحها، فخرج منها إِلى مكَّة المكرَّمة خائفاً:

خرج الحسين من المدينة خائفاً

كخروج موسى خائفاً يترقَّب

وأقام في مكّة عدّة شهور يتدبَّر الأمور. وفيها (تتابعت عليه - في أيّام - رُسل أهل الكوفة ومعهم مِن الكتب ما ملأ منه خرجين)(١) ، يدعونه (أن أقدم لعلَّ الله يجمعنا بك على الهدى)، فأرسل إليهم ابن عمّه مسلم بن عقيل(رض) يستطلع خبرهم ويختبر نيَّاتهم. ولمَّا وصل مسلم إِلى الكوفة (بايعه مِن

____________________

(١) الأخبار الطوال، ص٢٣١.

١١٩

أهلها للحسين ثمانية عشر ألفاً، وقيل: ثمانية وعشرون ألفاً(١) . فكتب رجل إِلى يزيد بذلك، فغضب واستشار سرجون مولى أبيه معاوية، فأشار عليه بعزل النعمان بن بشير وتولية عبيد الله بن زياد على الكوفة. وكان يزيد ساخطاً عليه، يريد عزله عن البصرة، ولكنَّه... رضي عليه، وكتب إليه بولاية البصرة والكوفة وقتْل مسلم بن عقيل، فعمل ابن زياد بأمر يزيد، وقتل مسلماً وهاني بن عروة؛ لأنّه أوى مسلماً في داره، ودافع مسلم عن نفسه دفاع الأبطال المستميتين حتى غدروه بالأمان. وقد أمر بهما أن يُجرا - بعد القتل - بأَرجلهما في الأَسواق. وفي ذلك يقول الشاعر:

فإِن كنت لا تدرين مالموت فانظري

إِلى هانئ في السوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشَّم السيف وجهه

وآخر يهوي من طمار قتيل(٢)

فعل ذلك ذلك ابن زياد بعد أن أعطى مسلماً عهد الأمان، وبعد أن علم إِباء مسلم عن الفتك به وقتله غيلة؛ يوم احتال أحد الشيعة على ابن زياد وأحضره إلى داره أعزل، ومكنَّ مسلماً من قتله، فأبى مسلم وأعتذر بقوله: (إِنَّا أهل بيت نكره الغدر).

نعم، كان كُرْه الغدر وما ينافي الأريحيّة والشرف من سجاياهم وشيمهم (عليهم السلام). ملك أهل الشام الماء في صِفِّين ومنعوا عليَّاً وجنده من الماء وأرادوا قتلهم عطشاً، فلمَّا غلب جند عليٍّ(ع) وملكوا الشريعة، استأذنوه في منع أهل الشام الماء، فقال:((إِنَّ في حدِّ السيف لغنى عن ذلك، وإِنّي لا أستحل منعهم الماء)) ، ثُمَّ قاسمهم الشريعة بينه وبينهم شطرين. وكان الأشتر يستأذنه أن يبيت معاوية، فيقول: ((إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نهى أن يبيت المشركون)) (٣) .

____________________

(١) ويقول صاحب العقد الفريد (ج٣، ص١٣٤): بايع مسلم بن عقيل أكثر من ثلاثين ألفاً من أهل الكوفة.

(٢) تاريخ ابن الأثير، ج٤، ص١٥، و١٨، و تاريخ الطبري، ج٦ ص١٩٤؛ (بتلخيص وتصرف).

(٣) شرح النهج، ج١، ص٣١٧.

١٢٠