الشيعة في التاريخ

الشيعة في التاريخ0%

الشيعة في التاريخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 216

الشيعة في التاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد حسين الزين
تصنيف: الصفحات: 216
المشاهدات: 57256
تحميل: 5513

توضيحات:

الشيعة في التاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57256 / تحميل: 5513
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في التاريخ

الشيعة في التاريخ

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولمَّا عدل الخوارج في صِفِّين عن قبول التحكيم، وطلبوا الكرَّة فوراً على معاوية قبل انعقاد مجلس التحكيم واقتراب وقته، أبى (عليه السلام) موافقتهم والتزم بالعهد حتى قاسى في سبيله ما قاسى من الخوارج وغيرهم. ولو أنَّه وافقهم ساعتئذٍ وكرّ بهم وبأهله وشيعته على أهل الشام لتمَّ له النصر المبين، ولكن حاشا عُلاه ودينه من أن ينتهز هذه الفرص التي منعها الدين، وهو القائل:((قد يرى الحُوَّل القُلَّبُ وجهً لحيلة ودونها مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها مَن لا حريجة له في الدين)) (١) .

وخليق بمسلم أن يقتدي بعمّه وأستاذه عليَّ بن أبي طالب؛ ويُؤثر الدين على الهوى، والآخرة على الدنيا، ويُفضِّل الموت على الانتصار بالغدر. وعلى هذه السجية كان سيّده الحسين بن عليّ (عليهم السلام)؛ كان باستطاعته - لولا الدين - أن يبايع يزيد(٢) ويكون أقرب الناس عنده، وعلى الأقل كان بوسعه أن يجنِّد أَهل مكَّة بشتَّى الوسائل، ويتحصَّن بحرم جدِّه (ص) مهما ترتَّب على ذلك مِن هتك الحرم المقدَّس وغيره، ولكن الوازع الديني المكين؛ ذلك الوازع الذي ورثه عن أبيه وجدِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والإِباء الهاشمي العظيم، والاحتفاظ بحرمة الحرم، هي التي بعثته على الخروج من مكّة إِلى الكوفة؛ لإِلقاء الحجَّة على أهلها الذين (بلغت كتبهم إليه في أيَّام قلائل اثنتي عشر ألفاً).

____________________

(١) نهج البلاغة، [خطبة:٤١].

(٢) وما يقال من أنَّه طلب في كربلاء أن يسيِّروه إلى الشام؛ ليبايع يزيد، أو يسيِّروه إِلى أحد الثغور، فذلك بعيد جدَّاً، بل غير صحيح بشهادة مولاه عبد الله بن سمعان، قال: صحبت حسيناً، فخرجت معه من المدينة إِلى مكّة، ومن مكّة إلى العراق، ولم أفارقه حتّى قُتل. وليس كلمة من مخاطبته الناس بالمدينة، وبمكّة، وفي الطريق، وفي العراق، وفي العسكر إِلى يوم مقتله، إِلاّ وقد سمعتها. ألا والله، ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أن يسيِّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنَّه قال: ((دعوني لأذهب في هذه الأرض العريضة حتّى ننظر ما يصير إليه أمر الناس)) . انظر: تاريخ الطبري، ج٦، ص٢٣٥.

١٢١

أضف إلى ذلك ما يترتَّب على خروجه واستشهاده غريباً عطشاناً مع أهله وصحبه، ثُمَّ على سبي نسائه وأطفاله، وسوقهنَّ من بلد إِلى بلد، وقيامهنَّ في مناسبات كثيرة يخطبن في الجموع التي تتجمَّع للتفرّج عليهنَّ، ويظهرن مظلوميَّة سيِّدهنَّ - بل سيِّد المسلمين - ويُنددن بفظائع الحكم الأموي المستبد، ويغرسن في النفوس غرس الإِباء الحسيني ومفاداته في سبيل الدين والأخلاق العربية الفاضلة. نعم، أضف إليه ما يترتَّب على هذه الأمور من انتشار الدعوة الحسينية، وبُعد صيتها في الآفات، ومن تأثيرها الأثر المطلوب في الحجاز وغيره، ولو بعد حين.

ولذلك نرى في التاريخ تتابع الثورات على الأمويّين، وشعار أكثرها الأخذ بثأر الحسين بن علي (عليهما السلام) إِلى أن انقرضت دولتهم في الشام على يد عبد الله بن علي بن عبد الله بن عبَّاس الذي كان يترنم بقوله:

حسبت أميّة أنْ سترضى هاشم

عنها ويذهب زيدها وحسينها

وبينما يتأهّب الحسين لأداء فرض الحجِّ، إِذا به يفاجأ بأن يزيد بن معاوية قد بعث ثلاثين رجلاً لاغتياله ولو في الكعبة الشريفة، فاضطر (عليه السلام) لسرعة الخروج من مكّة، فخرج يوم (التروية) في ٨ ذي الحجَّة/ سنة ٦٠ هـ، وفي ٩ منه؛ أي يوم عرفة، قُتل مسلم بن عقيل في الكوفة، فوصل خبر مقتله إِلى الحسين (ع) في (الثعلبية)، فترحَّم عليه،

وقال:(( لا خير في العيش بعده)) . ثُمَّ تابع السير (فلمَّا بلغ عمر بن سعيد أن حسيناً خرج من مكّة، قال: أطلبوه بين السماء والأرض، فعجب الناس من قوله، فطلبوه، فلم يدركوه(١) .

ولمَّا علم يزيد بخروج الحسين إلى العراق (كتب إِلى عبيد الله بن زياد: قد بلغني أن الحسين بن علي قد فصل من مكّة متوجِّها إِلى ما قبلك، فاذك العيون

____________________

(١) العقد الفريد، ج٣، ص١٣٤. وعمرو بن سعيد هذا هو الذي أومأ إلى قبر النبيِّ (ص) وقال - لمـّا بلغه قتل الحسين (ع) - : يا محمّد يوم بيوم بدر. انظر: شرح النهج، ج١، ص٣٦١.

١٢٢

عليه، وضع الأرصاد على الطُّرق. وقم بالأمر أفضل القيام. واكتب إِليّ بالخبر في كلِّ

يوم)(١) .

وفي كتاب آخر - سيأتي - قال له: (وإِلاّ تقتل أو تعود عبداً كما تعتبد العبيد)، فامتثل ابن زياد أمر يزيد، وأرسل الحرَّ الرياحي على ألف فارس ليقطع طريق الحسين (ع) ويضيِّق عليه ويأتي به إليه. ولكنَّ قلب الحرِّ(٢) كان حسينيَّاً، وسيفه يزيديَّاً فحسب؛ ولذلك لمـَّا اجتمع بالحسين ائتم به، وقال له: يا ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اسلك من البرِّ سبيلاً وسطا، لا يؤدِّي إِلى الشام ولا إلى الكوفة؛ حتى يكون بذلك نجاة الطرفين. فاستحسنه الإِمام (ع)، فسار والحرُّ يسير خلفه حتّى وصل كربلاء يوم الخميس ٢ محرَّم/ سنة ٦١ هـ، فنزل بها ونزل معه نجوم الأرض من بني عبد المطلب، و أولئك الأصحاب الذين أعرضوا عن زهرة دنياهم وتجرَّدوا لنيل الكرامة بنصر نبيهم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في ذرِّيَّته.

وما بلغ ابن زياد خبر وصول الحسين إلى كربلاء حتّى (جهَّز إليه عشرين ألف

مقاتل)(الصواعق/ ص١٢٠). وطلب من عمر بن سعد بن أبي وقَّاص أن يكون

____________________

(١) الأخبار الطوال، ص٢٤٣.

(٢) ولم يزل هذا الحبُّ كامناً في قلب الحرِّ حتَّى علم من ابن سعد تصميمه على قتال الحسين (قتالا أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي)، فخرج الحرُّ وهو يرتعد، وأخذه مثل الأفكل، فقال له رجل: إِن أمرك لمريب، فو الله، لو سئلت من أشجع أهل العراق لمـَا عدوتك. فما تمالك الحرُّ إِلاَّ أن يظهر حبَّ الحسين(ع)، وأشار إِليه أنَّه طريق الجنَّة لو عمل به، فصارح الرجل بقوله: (ويحك إنّي أرى نفسي بين الجنّة والنار، ولا اختار على الجنّة شيئاً وإِنْ قُطِّعت وحرقت). ثُمَّ مال بجواده نحو الحسين (ع)، فلمَّا وصل قال: جعلت فداك يا ابن رسول الله (ص)، أنا صاحبك الذي جعجع بك في الطريق، وما ظننت أنّ القوم ينتهون بك إلى ما أرى، فهل ترى لي من توبة؟

-الحسين: (( نعم، يتوب الله عليك، فانزل)) .

- الحرُّ: أنا لك فارساً خير مني راجلاً، وآخر أمري النزول).

فنزل وسلَّم على الإِمام واستأذنه في الحرب، فأذن له، فركب وسار نحو العدو، فخطب وقال: (يا أهل الكوفة، لأمِّكم الهبل! دعوتم ابن بنت نبيكم لتنصروه حتى إذا جاءكم، اسلمتموه، ثُمَّ عدوتم عليه تقاتلونه...

١٢٣

أمير الجيش المجهَّز، (فتردَّد عمر، وردَّد قوله:

أأترك ملك الرَّيِّ والرَّيُّ منيتي

أم أرجع مذموماً بقتل حسين؟

وفي قتله النار التي ليس دونها

حجابٌ وملك الرَّيِّ قرة عيني

ولمـّا اختار ملك الريّ (معتقداً بالنار والعار أيضاً)، ذهب لقتال الحسين في كربلاء، وكان أوَّل عمل باشره فيها أن منع عن الحسين وأهله وأطفاله وأصحابه الماء. وفي اليوم العاشر من المحرَّم - وهو يوم الجمعة يومئذٍ - أحاط عمر بن سعد وجنده بخيم الحسين ورموها بالسهام والنبال، وكان أوَّلهم عمر بن سعد، ولمـّا رمى قال: اشهدوا لي أنّي أوَّل رامٍ. ولمَّا رأى الحسين تساقط السهام والنبال، نهض وخطب أصحابه وأمرهم بالجهاد، فقاموا يبارزون (جند يزيد من أهل الكوفة)، وكلَّما برز إليهم فارس، قتلوه، حتّى صاح عمرو ابن الحجاج بالجيش: ويلكم أتدرون مَن تقاتلون؟ هؤلاء فرسان المصر، احملوا عليهم من كلِّ جانب. ولكن أصحاب الحسين أخذوا يغوصون في أوساطهم ويقاتلونهم أشدَّ قتال خلقه الله)(١) .

وتسابق الهاشميّون بعدئذ إلى افتداء سيّدهم بأرواحهم واحداً بعد واحد حتّى قُتلوا، وما قتلوا حتى؛

تكسرَّت الأسياف في روؤس العدى

وأمسى أديم الأرض من دمهم دما

(ولمـّا قُتل أصحاب الحسين وأهل بيته، حمل الناس عليه من كلِّ جانب وأحاطوا به، فحمل عليهم، وكلَّما حمل على جانب تفرَّق أمامه حتّى أدهش القوم بشجاعته. وقال بعضهم يومئذ: ما رؤي مكثور قط، قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه، أربط جأشاً منه، ولا أمضى جناناً، ولا أجرأ مقدما. لقد كانت

____________________

]

فلم يجبه أحد إِلاّ برمي النبال، فحمل عليهم وقاتلهم أشدَّ قتال حتى أُثخن بالجراح، فصاح مودعاً: (السلام عليك يا أبا عبد الله)، فجاءه الحسين (ع)، وأبَّنه بقوله: ((أنت حرٌّ كما سمَّتك أمّك؛ حرٌّ في الدنيا وسعيد في الآخرة)) .

(١) تاريخ الطبري، ج٦، ص٢٣٢، و٢٥٩، وتاريخ ابن الأثير، ج٤، ص٢٠، و ٣٠؛ (بتلخيص).

١٢٤

الرجال تنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إِذا شدَّ بها الذئب)(١) .

(ولولا ما كادوه به من أنَّهم حالوا بينه وبين الماء، لم يقدروا عليه؛ إِذ هو الشجاع القرم لا يزول ولا يتحوَّل)(٢) ودام (عليه السلام) على هذا الحال من الإِقدام الجريء، والصبر العظيم على حرارة العطش وحرِّ الهجير، وحرقة الأحشاء من رؤيا الأحبَّة مجزَّرين كالأضاحي، ورؤيا النساء والأطفال صرعى من الظمأ، إِلى إِن نزل به القضاء المحتوم. وكان ما كان من الأعمال الفظيعة التي عملها يزيد وابن زياد وابن سعد وابن الجوشن وغيرهم من أشياعهم؛ تلك الأعمال التي لم يجرأ على ارتكاب مثلها أحدٌ قبلهم وبعدهم، فسودوا بها صحيفة التاريخ الإِسلامي والعربي أيضاً، وصاروا أسوأ قدوة للظالمين إِلى آخر الدهر.

١٠ - هل يبرِّأ التاريخ يزيد من دم الحسين ؟

لقد مرَّ على التاريخ حقبٌ متطاولة، وظروف قاسية، كان يسير فيها أحياناً، مرغماً، على طرق مخططة حسب أغراض الملوك وهوى الحكَّام، يُدوِّن بقلمه ما يوافق تلك الأغراض وذلك الهوى، ويتعامى عن كثير من الحقائق الثابتة والقضايا الراهنة.

قاسى التاريخ ما قاسى من حَجْر واضطهاد، وخضع ما خضع للقوى الغاشمة، ولكنَّه كان - على الرغم من ذلك كلِّه - يتمرَّد على تلك القوى ويجهر بالحقِّ في كثير من المواقف الحرجة الرهيبة، ويدوِّنه في صحائفه الخالدة، غير هيَّابٍ ولا وجلٍ ولا مراقبٍ سوى الحقِّ والضمير والوجدان.

ولولا هذه الجرأة الضئيلة في التاريخ، وهاتيك الاعترافات الصادقة الصادرة من أَهله، لمـَا عرفنا من الحقيقة شيئاً، ولمـَا جزمنا بصدق قضية واحدة من قضاياه الكثيرة في شتَّى الوقائع البشرية والحوادث الكونية؛ تلك الحوادث التي أحاطها الوضَّاعون بإطار من الإِبهام والتشكيك، والتحريف والتلبيس.

____________________

(١) تاريخ الطبري، ج٦، ص٢٥٩، وتاريخ ابن الأثير، ج٤، ص٣٢.

(٢) الصواعق، ص١٢١.

١٢٥

ومن القضايا التي أثبتها التاريخ، واعترف بها اعترافاً جازماً؛ غير مكترث بأيِّة قوَّة تعارضه، قضيةَ أمر يزيد بن معاوية بقتل السبط الحسين بن عليّ(ع)، وسروره بسفك ذلك الدم النبويِّ الزكي، حتّى صارت من بديهيّات التاريخ. وصار اسم يزيد كعلم لقاتل الحسين (ع)، وكعلم للظلم والقسوة، واسم الحسين كعلم للمظلوميّة والعدالة، وكعلم للإِباء والنهضة. ولله قول المرحوم أحمد شوقي المصري في مصطفى (أتاترك).

هذا الذي كان الحسين عدالة

في المسلمين قد استحال يزيدا

وبالرغم من ثبوت تلك القضية وسطوع براهينها، قد جدَّ (اليزيديُّون) في أن يسدلوا عليها غشاء قاتماً من الإبهام والتشكيك، وحاولوا أن يبرِّأوا يزيد من دم الحسين الشهيد، وان يخرجوا هذه الجريمة الكبرى من صحائف يزيد السود ويمحوها بدمعة يقال إنَّها سقطت من عينيه حينما رأى أطفال الحسين في حال تقشعر منها القلوب المتحجِّرة وتسيل [ لها ] العيون الجامدة. وتشبثوا بكلمة زعموا أنَّه قالها لمـَّا وضع الرأس الشريف بين يديه؛ وهي: (رحمك الله يا حسين)، ولكنَّهم تغافلوا عمَّا فعله يزيد في ثنايا الحسين بعد تلك الكلمة المزعومة بلا فاصل، وتغافلوا عن صراحة التاريخ بضدَّ ما يحاولون وعكس ما يتشبَّثون؛ حيث يقول: (خرج الحسين من مكّة إلى العراق. فكتب يزيد إِلى واليه في العراق عبيد الله بن زياد بقتاله، فوجَّه إليه جيشاً عليه عمر بن سعد، فقتله وجيء برأسه في طست حتّى وضع بين يدي ابن زياد لعن الله قاتله وابن زياد معه ويزيد أيضاً. ثُمَّ إن ابن زياد بعث برأس الحسين وأهله إِلى يزيد، فسرَّ بقتلهم أوّلاً، ثُمَّ ندم لمـَّا مقته المسلمون على ذلك وأبغضَه الناس، وحقَّ لهم أن يبغضوه )(١) . ويقول أيضاً: (خرج الحسين إِلى الكوفة ساخطاً لولاية يزيد بن معاوية، فكتب يزيد إِلى عبيد الله بن زياد؛ وهو واليه في العراق: أنّه قد بلغني أنَّ حسيناً سار إِلى

____________________

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص٨٠، و٨١؛ [بتلخيص وتصرُّف] .

١٢٦

الكوفة، وقد ابتلى الله به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وابتليت به من بين العمَّال، وعنده تقتل أو تعود عبداً كما تُعتبد العبيد)(١) .

وقد اعترف ابن زياد بمؤدَّى قول يزيد وتهديده إيّاه بالقتل؛ فقال لمسافر بن شريح اليشكري: (أمّا قتل الحسين، فإِنّه أشار إِليّ يزيد بقتله أو قتلي، فاخترت قتله)(٢) .

ويؤيِّد ذلك كلّه ما كتبه الحبر ابن عبّاس في جواب كتاب كتبه إليه يزيد يشكره فيه على ترك البيعة لابن الزبير. قال ابن عباس(رض): (وإِن أنس فما أنسى طردك حسيناً من حرم الله وحرم جدِّه رسول الله(ص)، وكتابك إلى ابن مرجانة تأمره بقتله. وإِنّي لأرجو من الله أن يأخذك عاجلاً؛ حيث قتلت عترة نبيِّه(ص) ورضيت بذلك... وإِنَّ من أعظم الشماتة، حملك بنات رسول الله وأطفاله وحرمه من العراق إِلى الشام أسارى مجلوبين مسلوبين؛ تُري الناس قدرتك علينا وأنَّك قهرتنا. وفي ظنِّك أنَّك أخذت بثارات أهلك الفجرة يوم بدر، وأظهرت الانتقام الذي كنت تخفيه والأضغان التي تكمن في قلبك كمون النار في الزناد، وجعلت أنت وأبوك دم عثمان وسيلة على إِظهارها، فالويل لك من ديَّان يوم الدين. والله، لئن أصبحت آمنا من جراجة يدي، فما أنت بآمن جراحة لساني، ولئن ظفرت بنا اليوم لنظفرنَّ بك غدا بين يدي الحاكم العدل الذي لا يجور في حكمه. قال الواقدي: فلمَّا قرأ يزيد كتابه أخذته العزَّة، وهمَّ بقتل ابن عباس، فشغله عنه أمر ابن الزبير)(٣) .

ولقد أقرَّ معاوية بن يزيد بن معاوية بأنَّ أباه قد نازع الحسين وقتله؛ حيث يقول: (إنَّ هذه الخلافة حبل الله. وإنَّ جدِّي معاوية نازع الأمر أهله

____________________

(١) العقد الفريد، ج٣، ص١٣٧، وتاريخ ابن عساكر، ج٤، ص٣٣٢.

(٢) تاريخ ابن الأثير، مجلّد٤، ص٥٥. ويؤيِّده ما نقلناه عن الدينوري من تحريض يزيد لابن زياد على قتل الحسين وأمره بالتضييق عليه، وأن يكتب إِليه عمّا يعمله مع الحسين في كلِّ يوم، ولا يستقل برأيه ويتصرّف على حسب هواه.

(٣) تذكرة الخواص، ص٢٦٨.

١٢٧

ومن هو أحقُّ به منه عليّ بن أبي طالب. وركب بكم ما تعلمون حتّى أتته منيته، فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثُمَّ قلدَّ أبى الأمر وكان غير أهل له. ونازع ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقصف عمره، وانبتر عقبه، وصار في قبره رهيناً بذنوبه. ثُمَّ بكى وقال: إِنّ من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء منقلبه، وبؤس مصرعه؛ وقد قتل عترة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلّم) وأباح الخمر وضرب الكعبة)(١) .

وإقرار معاوية هذا حجّة دامغة لأنّه كإِقرار المرء على نفسه. فهل يا ترى تمحو تلك الدمعة الريائيَّة من يزيد - وقد تقاطر مثلها من عيون القساة حينما رأت السبايا الهاشميَّات – كلَّ ما ذكرناه لك من الأدلَّة على أمر يزيد بقتل الحسين الشهيد، وعلى عدِّه هذا القتل قضاء لديونه.

(قال الزهري: لمـَّا جاءت الروؤس إِلى الشام، كان يزيد جالساً على (جيرون)، فلمَّا نظر إليها أنشد:

لمَّا بدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الشموس على ربا جيرون

لعب الغراب، فقلت: صح أو لا تصح

فلقد قضيت من الغريم ديوني(٢)

وإذا كانت تلك الدمعة كافية عند أشياع يزيد لتبرأته من دم الحسين(عليه السلام)، فما يصنعون بما صنعه يزيد بعد تلك الدمعة، بلا فاصل، في ثنايا الحسين؟ وما يقولون بما قاله يزيدهم من الشعر الدالِّ بوضوح على التشفِّي بقتل الحسين (ع) والأخذ بثارات أشياخ يزيد الذين قتلهم ببدر جدُّ الحسين وأبوه (عليهما السلام)، والمفصح عن رأيه في النبوة والوحي الإِلهي؟

يخبرنا ابن جرير الطبري: (أنّ ابن زياد أمر بنساء الحسين وصبيانه، وأمر بعلي بن الحسين، فغلَّ بغلٍّ إِلى عنقه، ثُمَّ سرح بهم إِلى يزيد في الشام. ولمـَّا وصلوا، جلس يزيد ودعا أشراف الشام، فأجلسهم حوله، ثُمَّ دعا بعليّ بن الحسين

____________________

(١) الصواعق المحرقة، ص١٣٧.

(٢) الصواعق المحرقة، ص١٣٥، وتذكرة الخواص، ص٢٥٦.

١٢٨

وصبيان الحسين ونسائه، فأدخلوا عليه والناس ينظرون، وجاء برأس الحسين، فوضعه بين يديه وأخذ ينكت بقضيب كان معه ثنايا الحسين وثغره حتّى قام أبو برزة الأَسلمي، وقال ليزيد: أتنكت بقضيبك ثغر الحسين؟ وقد رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

يرشفه )(١) .

ويقول سبط ابن الجوزي: (المشهور عن يزيد في جميع الروايات أنّه لمـّا حضر الرأس بين يديه، جمع أهل الشام وجعل ينكت عليه بالخيزران ويقول أَبيات ابن الزبعري:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

قال الشعبي وزاد فيها يزيد بيتين؛ وهما:

لعبت هاشم بالملك فلا

خبرٌ جاء ولا وحي نزل

لستُ من خندف إِن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل(٢)

وهذه ريَّا حاضنة يزيد تشهد عليها بقرع الثنايا وبقول شعر ابن الزبعري؛ حيث تقول: (دوَنت من رأَس الحسين، فنظرت إِليه وبه ردغ من حناء، والذي أَذهب نفسه وهو قادر أن يغفر له (؟)، لقد رأَيته يقرع ثناياه بقضيب في يده ويقول أبياتا من شعر ابن الزبعري)(٣) .

أَضف إِلى ذلك كلِّه؛ أنّه لمـّا وصل رأس الحسين إِلى يزيد، حسنت حال ابن زياد عنده وزاده ووصله وسرَّه ما فعل(٤) ، (وبالغ في رفعته حتّى أدخله على نسائه)(٥) ، (وجلس بعد قتل الحسين على شرابه وعن يمينه ابن زياد، فأقبل على ساقيه، وقال:

____________________

(١) تاريخ الطبري، ج٦، ص٢٤٦؛ (بتصرُّف).

(٢) شرح النهج للمعتزلي، مجلّد٣، ص٣٨٢، والتذكرة في الوعظ، ص٢٥٦.

(٣) خطط المقريزي، مجلّد٢، ص٢٨٩.

(٤) تاريخ ابن الأثير، مجلّد٤، ص٣٦.

(٥) الصواعق المحرقة، ص١٢٢.

١٢٩

اسقني شربة تُروّى مشاشي

ثُمَّ صل واسق مثلها ابن زياد

صاحب السرِّ والأمانة عندي

ولتسديد مغنمي وجهادي(١)

وهل تدري ما فعل عبيد الله بن زياد؟ فإنّه بعد أن أمر برض صدر الحسين وظهره بحوافر الخيل، وبعد أن هتك في مجلسه ستور المخدَّرات النبويَّة وأراد قتل العليل علي بن الحسين (عليهما السلام)(٢) ، وبعد أن سنَّ لسيِّده يزيد قرع الثنايا، (جهَّز الرأس الشريف وعلي بن الحسين ومَن معه من حرمه، بحالة تقشعرُّ منها ومن ذكرها الأبدان والقلوب وترتعد مفاصل الإِنسان بل فرائض الحيوان، إلى البغيض يزيد بن معاوية، مع شمر بن ذي الجوشن(٣) الذي احتز الرأس الشريف.

هذا هو فعل ابن زياد الذي سَرَّ يزيد وأوجب أن يحسن حال ابن زياد عنده، ويزيدَ في عطائه وصلته ويبالغ في رفعته ويدخله على نسائه. ومع ذلك كلِّه، فيزيد بريء عند تلك الفئة من اليزيديِّن من دم الحسين لأجل تلك الدمعة المصطعنة!

ولنختم كلمتنا هذه بكلمة تصوِّر لك جميع ما ذكرناه من أعمال يزيد حتّى كأنَّك في مجلسه، ترى إِدخال الحوراء زينب بنت عليّ(ع) مع السبايا وجلوسهنَّ في ذلك المجلس الحافل بالمتفرِّجين الشامتين، وترى رأس الحسين ريحانة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين يدي يزيد ينكت ثناياه ويتمثَّل بأبيات ابن الزبعري ويزيدَ عليها من عنده حتّى نهضت حفيدة الرسالة زينب وجابهته بجرأة هاشميّة:

(أظننت يا يزيد، حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأَصبحنا نساق كما تساق الأسارى، أنّ بنا هواناً على الله؟ وبك عليه كرامة؟ وأنَّ ذلك لعظم خطرك عنده؟ فشمخت

____________________

(١) مروج الذهب، مجلّد٢، ص٧٤.

(٢) تقدَّم ما زعمه الرحَّالة (مِن أنّ عليَّاً هذا قد أمكنه الهرب). وهو غريب في التاريخ.

(٣) الفاخوري؛ مفتي بيروت سالفاً، تحفة الأنام، ص٨٤.

١٣٠

بأنفك، ونظرت في عطفك؛ جذلان فرحا، حتّى رأيت الدنيا لك مُستوسقة والأمور عليك مُتَّسقة. فمهلاً مهلا؛ أنسيت قول الله تعالى:(وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) . أَمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإِماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا؟ قد هتكت ستورهنَّ وأبديت وجوههنَّ، تحدو بهنَّ الأعداء من بلد إِلى بلد، ويستشرفهنَّ أهل المناهل والمناقل، ويتصفَّح وجوههنَّ القريب والبعيد، والدني والشريف. ليس معهنَّ من رجالهنَّ ولي، ولا من حماتهنَّ حمي؟). إِلى أن قالت: (ثُمَّ تقول غير متأثِّم ولا مستعصم:

لأهلُّوا واستهلُّوا فرَحاً

ثُمَّ قالوا: يا يزيدُ، لا تُشلْ

منتحياً على ثنايا أبي عبد الله سيِّد شباب أهل الجنة تنكثها بمخصرتك. وكيف لا تقول ذلك؟ وقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة بإِراقتك دماء ذرِّيَّة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونجوم الأرض من آل عبد المطلب. وتهتف بأشياخك زعمت أنَّك تناديهم، فلتردنَّ وشيكاً موردهم، ولتودنَّ أنَّك شُللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت. فو الله يا يزيد، ما فريت إِلاّ جلدك، ولا حززت إِلاّ لحمك، ولتردنَّ على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما تحمَّلت من سفك دماء ذرِّيَّته وانتهكت من حرمته في عترته ولُحمته.

فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله، لا تمحو ذكرنا، ولا تُميت وحينا، ولا تُدرك أمدنا، ولا تَرحض عنك عارها. وهل رأيك إِلاّ فند، وأيَّامك إِلاَّ عدد، وجمعك إِلاّ بدد ؟ يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين)(١) .

____________________

(١) البغدادي، أحمد بن أبي طاهر ، بلاغات النساء، ص٢٥.

١٣١

الفصل الرابع*:

مواقف الشيعة في العهدين الأموي والعبَّاسي

١ - مُثل مِن نضال الشيعة. ٢ - حال الإسلام في عهد الراشدين، ونبذة مِن قوانينه.

٣ - بدء الفتن بين المسلمين ومَن أثارها، والعوامل الدافعة لذلك. ٤ - سرُّ المناهضة لعليّ، ومَن ناهضه. ٥ - مناهضة المسلمين لبني أميَّة وأسبابها. ٦ - نهضة الشيعة ضدَّ الأمويِّين وعللها. ٧ - عدم تشيُّع الفرس أيَّام الدعوة العباسيَّة. ٨ - نهضة الشيعة ضدَّ العباسيِّين وسرُّ مطاردة العباسيِّين لهم.

١ - تمهيد، ومُثل من نضال الشيعة وصراحتهم:

ذكرنا قبلئذ أنّ الذين ثبتوا على التمسُّك الحقيقي بالعترة والتديُّن بالموالاة بعد المبلِّغ الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هم فئة قليلة من الصحابة، وأنَّهم كثروا يوم باشر أمر الإِمامة عليٌّ أمير المؤمنين(ع)، وقاموا يحاربون معه الناكثين والقاسطين والمارقين، ويجاهرون بعقيدة التشيُّع الدينية طيلة حياتهم الثمينة.

وهكذا كان إِخوانهم، بعد استشهاد هذا الإِمام العظيم، يجاهدون في سبيل العقيدة، ويناضلون عنها في أحرج المواقف، ويصارحون بها أشدَّ الحكَّام قساوة.

(قطع ابن زياد يدي رشيد الهجَري ورجليه وصلبه على جذع نخلة في الكوفة

لأجل تشيُّعه، ولكنَّه (رحمه الله) لم يترك التحدُّث بفضائل العترة وبيان مخازي الظلمة حتَّى قطعوا لسانه. وهكذا صنع ابن زياد بميثم التمَّار، وزاد على ذلك؛ بأن ألجم ميثماً بلجام من شريط؛ ليمتنع من التحدّث بفضائل أهل البيت، ولمـّا رآه لم يمتنع، قطع لسانه. وكان ميثم أوَّل خلق الله أُلجم بلجام من حديد كما تلجم الخيل. وكان قتله قبل قدوم الحسين العراق

____________________

(*) نشر أكثره في مجلَّة: العرفان، مجلّد ٢٦.

١٣٢

بعشرة أيَّام)(١) .

وقس على هذين مَن قتلهم - قبل ذلك - زياد بأمر من معاوية؛ أمثال: الصحابي الجليل حجر بن عدي وأصحابه، ومن قتلهم - بعد ذلك - الحجاج بن يوسف؛ أمثال: الثقة، سعيد بن جبير. قال له الحجاج يوماً: (أمؤمن أنت أم كافر؟ قال سعيد: ما كفرت بالله منذ آمنت به، فقال الحجاج: اضربوا عنقه)(٢) . وأمثال: كميل بن زياد النخعي، قتله الحجاج سنة ٨٢ هـ، وكذلك قتل قنبراً مولى أمير المؤمنين(ع).

هكذا كان رجال الشيعة من قبل، وهكذا كان صبرهم وإقدامهم ومفاداتهم، على قلَّتهم وضعف مادِّيَّاتهم وكثرة مضطهديهم وقوَّتهم(٣) .

____________________

(١)المفيد، الإرشاد، ص١٧٤، ومنهج المقال، ص١١٥، وشرح النهج، ج١، ص٢١١؛ ولكنَّه قال: إنّ الذي قتل رشيد الهجري، هو زياد، لا ابنه، وكذلك قال المفيد.

(٢) العقد الفريد، ج٣، ص٢٥٧.

(٣) ولولا قوَّة الإيمان، وصلابة العقيدة الشيعية، والاتحاد والنصيحة لمذهبهم وإخوانهم في الوطن والدين وكرم أخلاقهم، لمـَا كُتب لهم البقاء في تلك العصور المظلمة، الموبوءة بالاستبداد والتَّعصُّب، ولمـَا كُثر الشيعة هذه الكثرة التي نراها اليوم. ولكنَّها - ويا للأسف - كثرة متأخرة عن تلك القلَّة تأخراً شائناً؛ متأخرة في إيمانها، وصلابتها، واتحادها (إن كان ثَمَّة اتحاد)، وفي نصيحتها وأخلاقها. ومن المحزن المؤلِم أن ترى البعض يشرِّع لنفسه التحليل والتحريم، أو يعترض على الشرع والشارع بأنّ اللعبة الفلانيّة مثلاً مسلِّية فلماذا حرِّمت على الناس؟ يقول ذلك؛ وهو يرى أنّ أكثر أوقاته الثمينة تذهب سدى من جراء اعتياده على تلك اللُّعبة، هذا مع قطع النظر عن الخسارة المادِّية. والبعض الآخر يقول: إنّ قليل الخمر لا يُسكر، فهو حلال، جاهلاً أنّ القليل إذا لم يُسكره، قد يُسكر غيره إسكاراً فاحشاً، وأنَّه قد يجرُّ المرأ، قهراً، إلى الكثير بسرعة، إِلى غير ذلك من الأقوال الأثيمة. وإذا ضايقتَه بالدليل القطعي على حرمة الشيء الفلاني، يلتجئ إلى التأسِّي بالعُصاة المحترمين من طائفته، مع علمه بوجوب الابتعاد عنهم والامتثال لمـَا نصَّ عليه الثقلان؛ الكتاب والعترة، إذ هو المسؤول عنه فحسب (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) ( يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً) .

١٣٣

ولا عجب؛ فإِن هذه الصفات، تكاد تكون من ميزات الرجال وخصائصها الطبيعية، وإنّما الذي يوجب العجب والإعجاب، ما صدر من ربات الخدور الشيعيَّات في مجالس القوّة الغاشمة. فإِن المرأة منهنَّ كان يؤمر بدخولها على المجلس الحافل برجال الدولة الأشدَّاء، فتُسأل عن عقيدتها في عليّ ومعاوية وعن أقوالها يوم صِفِّين، وكان يتولّى السؤال معاوية بنفسه. ورغم هذا الموقف الرهيب كانت تدخل بكلِّ جرأة وتعترف بحبِّ عليّ؛ غير هيَّابة ولا وجلة، وتجابه معاوية بما يعرق به جبينه.

دخلت سودة بنت عمارة بن الأسك الهمداني على معاوية، فقال لها: (هيه يا بنت الأسك، ألست القائلة يوم صفين:

شمِّر كفعل أبيك يا ابن عمارة

يوم الطعان وملتقى الأقران

وانصر عليِّاً والحسين ورهطه

واقصد لهند وابنها بهوان

إنَّ الإمام أخو النبيِّ محمد

علم الهدى ومنارة الإِيمان

قالت: إِي والله، ما مثلي مَن رغب عن الحقِّ أو اعتذر بالكذب. قال لها: فما حملك على ذلك؟ قالت: حبُّ عليِّ (عليه السلام) وأتباع الحق.

ولمَّا أُدخلت الزرقاء بنت عدي بن غالب، وكانت ممَّن تُعين عليَّاً(ع) يوم صِفِّين، قال لها معاوية: ألست راكبة الجمل الأحمر يوم صِفِّين بين الصَّفَّين توقدين الحرب وتحضِّين على القتال؛ قائلة: أيَّها الناس، إِنَّ المصباح لا يُضيء في الشمس، وإنّ الكوكب لا يقد في القمر، وإنّ البغل لا يسبق الفَرس، وإنّ الزِّف لا يوازن الحجر، ولا يقطع الحديد إِلاَّ الحديد. أَلاَ مَن استرشدنا أرشدناه، مَن استخبرنا أخبرناه؛ إِنّ الحقَّ كان يطلب ضالَّته، فأصابها. فصبراً صبراً يا معشر المهاجرين والأنصار، ألا إِنّ خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء. والصبر خير في الأمور عواقبا. إيهاً، إِلى الحرب غيرنا كصين، فهذا يوم له ما بعده.

قالت: نعم.

فقال معاوية: والله يا زرقاء، لقد شاركت

١٣٤

عليَّاً في كلِّ دم سفكه.

قالت: أحسن الله بشارتك! مثلك من بشرَّ بخير وسرَّ جليسه.

قال وهل سرَّك ذلك؟

قالت: نعم والله، لقد سرَّني، فأنَّى لي بتصديق الفعل؟.

ودخلت عكرشة بنت الأطش على معاوية، فسلَّمت عليه بالإِمرة وجلست، فقال لها معاوية: الآن صرت أمير المؤمنين ؟ قالت: نعم؛ إِذ لا عليٌ حي. قال: ألست المتقلِّدة بحمائل السيف ، وأنت واقفة بين الصَّفَّين يوم صِفِّين، تقولين: يا أيُّها الناس:(عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) إِنّ الجنّة دار لا يرحل عنها مَن قطنها ولا يحزن مَن سكنها، فابتاعوها بدار لا يدوم نعيمها ولا تنصرم همومها. كونوا قوماً مستبصِرين: إِنّ معاوية دلف إليكم بعجم العرب؛ دعاهم بالدنيا فأجابوه، واستدعاهم إِلى الباطل فلبُّوه. فالله الله عباد الله في دين الله. إِيّاكم والتواكل، فإِنّ في ذلك نقض عروة الإِسلام، وإطفاء نور الإِيمان، وذهاب السنة، وإِظهار الباطل. هذه بدر الصغرى، والعقبة الأخرى. قاتلوا يا معشر المهاجرين والأنصار على بصيرة من دينكم، واصبروا على عزيمتكم. ثُمَّ دارت بينهما محاورات في صنع عمَّاله وعطائه، فكانت لها الغلبة. ولذا قال لها: هيهات يا أهل العراق، فقَّهكم عليُّ بن أبي طالب فلن تُطاقوا. ثُمَّ أمر لها برد صدقتها وإِنصافها.

ولمَّا أدخلت أم الخير البارقية، ذكَّرها معاوية بقولها: هلمُّوا - رحمكم الله - إِلى الإِمام العادل، والوصيِّ الوفي، والصدِّيق الأكبر، إِنَّها إِحن بدرية، وأحقاد جاهلية، وضغائن أُحدية، وثب بها معاوية ليدرك ثارات بني عبد شمس. فإِلى أين تريدون - رحمكم الله - عن إِبن عمِّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وزوج ابنته، وأبي ابنيه. خُلق مِن طينته، وتفرَّع من نبعته، وخصَّه بسِرِّه، وجعله باب مدينة علمه، وأعلمـَ بحبِّه المسلمين، وأبان ببغضه المنافقين. فلم يزل كذلك، يؤيِّده الله عزَّ وجلَّ بمعونته، ويمضي على سنن استقامته، لا يعرج لراحة الذات. وهو مفلق الهام، ومكسِّر الأصنام؛ صلَّى والناس مشركون، وأطاع والناس مرتابون، فلم يزل كذلك حتّى قتل مبارزي بدر، وأفنى أهل أحد، وفرَّق

١٣٥

جموع هوازن. فيالها وقائع! زرعت في نفوس قوم نفاقاً وردَّة وشقاقا. فأعترفت لمعاوية به، فقال: والله يا أم الخير، ما أردتِ بهذا الكلام إِلا قتلي. والله، لو قتلتكِ، ما حرجت في ذلك، قالت: والله، ما يسوئني - يا ابن هند - أن يجري الله ذلك على يدي مَن يسعدني الله بشقائه.

وأُدخلت الدارميَّة الحجونية، فابتدأها معاوية بسؤآله: على مَ أحببت عليَّاً وأبغضتيني؟ وعلى مَ واليتيه وعاديتيني؟ قالت: إِنّي أحببت عليَّاً (عليه السلام) على عدله في الرعية، وقسمه بالسوية. وأبغضتك على قتالك مَن هو أولى بالأمر منك، وطلبك ما ليس لك. وواليت عليّاً (عليه السلام) على ما عقد له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الولاية، وعلى حبِّه المساكين، وإِعظامه أهل الدين. وعاديتك على سفكك الدماء، وشقِّك العصا.

قال: صدقتِ، فلذلك انتفخ بطنك...إلخ.

قالت: يا هذا، بهند - والله - يضرب المثل، لا أنا.

ودخلت بكارة الهلالية على معاوية، فقال له عمرو بن العاص: هي القائلة - يا أمير المؤمنين:

أترى ابن هند للخلافة مالكاً

هيهات ذاك وما أراد بعيد

منَّتك نفسك في الخلاء ضلالة

أغراك عمرو للشقا وسعيد

فقال سعيد: وهي القائلة:

قد كنتُ آمل أن أموت ولا أرى

فوق المنابر من أُميَّة خاطبا

فالله أخَّر مدتي، فتطاولتْ

حتى رأيت من الزمان عجائبا

في كلِّ يوم لا يزال خطيبهم

وسط الجموع لآل أحمد عائبا

فقالت بكارة: نبحتني كلابك - يا أمير - واعتورتني، وأنا - والله - قائلة ما قالوا، لا أدفع ذلك بتكذيب، فامضي لشأنك، فلا خير في العيش بعد عليٍّ أمير المؤمنين(١)

____________________

(١) كلُّ ما ذكرناه من كلمات النساء مُلخَّص من: الأندلسي، ابن عبد ربِّه، العقد الفريد، ج١، والبغدادي، أحمد بن أبي طاهر، بلاغات النساء، و حشيشو، المرحوم الشيخ محمد علي، آثار ذوات السوار.

١٣٦

وعلى الإِجمال - وسترى التفصيل - فإِن الشيعة كانوا من أشدِّ الطوائف ثباتاً على عقيدتهم الدينية، وأعظم تفانياً في سبيل المصلحة الإِسلامية والمحافظة على قوانين الدين الإِسلامي الحنيف.

وفي هذا السبيل ناصروا الخلفاء في فتوحاتهم وحروبهم، وفي هذا السبيل ناهضوا الدولة الأمويَّة أيَّام قوَّتها وسعة سلطانها، كما ناهضوا بعد ذلك الدولة العبَّاسية، بعد أن عاونها بعضهم في العراق، لا في خراسان؛ لأنّ التشيّع لم يكن يومئذٍ منتشراً في فارس، ولا أثر له في خراسان، بل كانت الأكثرية الساحقة هناك من أعداء التشيُّع العلوي، كما ستعرفه قريباً.

ولكن الأستاذ محمد ثابت المصري يرى: أنّ التشيُّع كان معولاً هادماً للإسلام، وأنَّ الفُرس كانوا من الشيعة الحاملين لذلك المعول الهدَّام، ويرى اختفاء الشيعة أيّام قوّة الدولة الأمويّة، ويرى غير ذلك في قوله (ص١٥٠/ من جولته): (قام الشيعة يناهضون بني أميَّة، لكن لمـَّا قويت الدولة الأموية، اختفى الشيعة وظلُّوا يعملون سرَّاً حتى بدأ اضمحلال دولة بني أميّة. فظهروا ثانية وعاونوا العبَّاسيين في خراسان تحت أبي مسلم الخراساني، على أنّ العبَّاسيين لمـَّا تملَّكوا ،أخذوا يطاردون الشيعة، وأخذت طوائف الشيعة تتشعَّب، وعاونها الفُرس سرَّاً على ذلك؛ لأنَّ فارس رأت فيهم خير هادم للإِسلام ولملك بني العبَّاس؛ أُولئكم الذين قضوا على استقلال فارس وحاولوا القضاء على قوميَّتها).

وليسهل على القارئ الكريم استنتاج الأحكام من المقدِّمات التي برهن عليها التاريخ الصحيح، ومن العلل والأسباب الطبيعية، نتقدَّم إليه بالبحث موجزاً عن كلِّ ما له مساس بهذه الكلمة المضطربة، بادئين بنبذة مهمَّة من قوانين الإِسلام الأساسية لتبقى في ذاكرتك وتجعلها مقياساً عادلاً تقيس عليه الأعمال؛ فتعرف وقتئذٍ مَن هو الذي أراد هدم الإِسلام؟!

١٣٧

٢ - حالة الإسلام في بدء الخلافة، ونبذة من قوانينه:

كان الإِسلام أُمَّة واحدة مجتمعة متراصَّة تحت لوائه الخفَّاق، تعمل لتأييده ونشره في أطراف المعمور، وتبثُّ تعاليمه الحكيمة بين الأمم الأخرى التي دخلت في دين الله أفواجاً.

كانت الحجاز، والشام، ومصر، واليمن، ونجد، والعراق، وكانت الفُرس والروم، وكان في الجميع لغات عديدة وأديان كثيرة متفاوتة؛ من نصرانية، ويهودية، ومجوسية، وغيرها. وما مضى ربع قرن حتّى تغلَّبت العربية على كثير من تلك اللغات، وانتصر الإسلام على جُلِّ تلك الأديان، ولم يبق في هاتيك البلاد سوى جماعات متفرِّقة هنا وهناك، بقيت على دين آبائها الأوَّلين بفضل سماحة الإِسلام؛ المقرِّر في قوانينه العادلة وتعاليمه الرحيمة:(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ* وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ *ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) .

قرَّر نبيُّ الإِسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المساواة في الحقوق والأحكام، وقرَّر هدم العصبيَّات القبلية التي كانت بين القبائل في الجاهلية، ليبني من هذا الهدم أساس الجامعة الإِسلامية التي هي، بلا شك، أوسع وأنفع في الدارين،

وقرر المؤاخاة بقوله تعالى:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ، وبقوله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم):

((المسلم أخو المسلم)) ، وأكَّد ذلك بالعمل؛ فآخى بين أصحابه(رض)، ثُمَّ آخى بينه وبين ابن عمِّه علي بن أبي طالب(ع)، ومرَّنهم بجهده على العدل والعطف والوفاء واحترام المسلمين جميعاً، من غير فرق بين العربي والعجمي، ولا بين الأسوَد والأبيض، ولا بين الحُرِّ والعبد؛ إِذ لا ميزة لأحد على أحد إِلاّ بالتقوى(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) . ولم ينس احترام غير المسلمين من أَهل الذمَّة، فإِنّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قد أمر باحترام حقوقهم وأحكام شرائعهم. وقد حرَّم شرب الخمر، والكذب، والنميمة، والغيبة(وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً) . وحرَّم الخيانة، والغدر، والرياء، والمداهنة، والمحاباة للقريب

١٣٨

والبعيد، ونكث العهد، والإِخلال بالوعد، والبذخ والإِسراف، والظلم والجور والمـُثلة ولو في الكلب العقور. وحرَّم قتل النفس المحترمة بغير جرم ديني، والزنا واللواط، واللَّهو، وأكل مال الغير((ولا يحلُّ مال امرئ إِلاَّ عن طيب نفسه)) ، وجعل للزاني - وعبَّر عنه بـ: العاهر - الحجر، إِلى غير ذلك من المحرَّمات الشديدة.

وقد حثَّهم على العمل للآخرة والزهد في الدنيا في الوقت الذي حثَّهم على العمل لها والسعي في مناكبها بقوله البليغ:((اعمل لدنياك كأنَّك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنَّك

تموت غدا)) ، إلى غير ذلك من التعاليم والسنن التي سنَّها (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأمَّته وعمل بها في حياته كلِّها وأصحابه الراشدون بعد مماته والأمَّة معهم تسيير بسيرهم وتهتدي بهدي أخي نبيِّهم؛ يستشيرونه في الأيّام العصيبة(١) ، ويستوضحون منه المسائل المعضلة (وكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان يستشيرونه في الأحكام، ويرجعون إلى رأيه إذا خالفهم في بعض الأحيان، وأكثر مَن عرف ذلك عنه عمر بن الخطاب(٢) . لقد كان يسأله ويأخذ عنه، وإِذا أشكل عليه شيء، قال: ههنا عليّ ؟ وكان يتعوَّذ من معضلة ليس فيها

أبو الحسن)(٣) .

٣ - بدء الفتن في المِلَّة الإِسلامية ومَن آثارها وسبَّبها:

ودامت الأمَّة على ذلك الشكل من الاتحاد والإخلاص للإسلام والمسلمين والعمل بتلك السنن والتعاليم النبوية قدر الجهد إلى أواخر أيَّام عثمان(رض)؛ حيث تغلَّبت فئة من بطانته وتولَّت الأعمال، وأنتشرت في البلاد تأمر وتنهى حسب الأهواء، وتنال ما تريد من الملاِّذ والملاهي التي حرَّمها الشرع الشريف ولم يعتدها المسلمون من قبل ولم يستطيعوا الصبر عليها والإغضاء عن فاعليها، فكان من

____________________

(١) انظر: الدينوري، الأخبار الطوال ، ص١٣٩، وتاريخ ابن الأثير، ج٣، ص٣، وشرح النهج، ج٢، ص٤٢٤ تجد تفصيل استشارة عمر لعليّ، وقول عليّ له: (إنَّ الأعاجم إن ينظروا إِليك غداً، يقولوا: هذا أصل العرب، فإِذا اقتطعتموه، استرحتم).

(٢) محاضرات الشيخ الخضري المصري، ص٤٤٨.

(٣) الصواعق المحرقة، ص١١٠، والسيوطي، تاريخ الخلفاء ، ص٦٦.

١٣٩

الطبيعي أن ينهضوا ويملأوا الأرض والسماء بصدى أصواتهم الحرَّة واستنكاراتهم الشديدة؛ ليشهدوا الله سبحانه وأنواع خلقه على أنَّ هناك مَن لم يزل ينكر (شرب الخمر والزيادة في الفريضة)(١) وتزوير الكتب والإِسراف والبذخ، ومن لم يزل واقفاً بالمرصاد يرقب أعمال تلك الفئة التي أهدر النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دم بعضها ونفي البعض الآخر.

ولمَّا أسمعوا عثمان ذلك وأعلموه ما خفي عليه من تلك الأعمال، عزل البعض وأنَّب آخرين، ولكنَّهم عادوا فتغلبوا ثانياً وازدادوا طغياناً، فقام حينئذ المهاجرون والأنصار، وجاءت مصر (بلد الرحَّالة) والعراق (شيعة طلحة والزبير يومئذٍ) وكان ما كان بسبب تلك الفئة؛ ممَّا مرَّ ذكره قريباً.

وإذا علمت تلك الأعمال - ولو إِجمالا - فلا شكَّ أنّه يحصل لديك صورة جلية وضَّاءة تريك العوامل الدافعة للأمَّة على قيامها ضدَّ تلك الفئة وتوضح لك الأسباب التي جرَّأت أحابيش مصر على قتل عثمان(رض) الذي جعل وسيلة بعده لإِحداث فتنتي الجمل وصِفِّين.

٤ - سرُّ المناهضة لعليٍّ والغاية منها ومَن ناهضه(*) :

كانت تلك الفئة على يقين من صلابة أَمير المؤمنين(ع) في دينه ومن أنّه (لايمالئ ولا يحابي ولا يداهن)(٢) .

____________________

(١) ذكر أبو الفداء (ج١، ص١٦٧ من تاريخه): (أنّ الوليد بن عقبة بن أبي معيط شرب الخمر، وصلَّى بالمسلمين الفجر رابع ركعات وهو سكران، وقال بعد الفراغ: أأزيدكم؟ وفي ذلك يقول الحطيئة:

شَهِدَ الحُطَيئَةُ حينَ يَلقى رَبَّهُ

أَنَّ الوَليدَ أَحَقُّ بِالعُذرِ

نادى وَقَد كَمُلَت صَلاتُهُمُ

أَأَزيدُكُم ثَمِلاً وَما يَدري

وذكر ذلك المسعودي (ج١، ص٤٣٥ من مروج الذهب)، وقال: (إنَّ الوليد هذا، ممَّن أخبر النبيُّ(ص) بأنَّه مِن أهل النار).

(٢) انظر إِلى صنعه مع أخيه عقيل الذي طلب الزيادة عمّا يستحق من بيت المال بسبب إملاقه الذي سوَّل له أنْ يقصد معاوية.

(*) إنَّما ذكرنا مناهضة القوم لعليّ (عليه السلام) لأنّها في جملة الأسباب التي أوجبت مناهضة الشيعة لبني أميَّة.

١٤٠