الشيعة في التاريخ

الشيعة في التاريخ0%

الشيعة في التاريخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 216

الشيعة في التاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد حسين الزين
تصنيف: الصفحات: 216
المشاهدات: 57267
تحميل: 5513

توضيحات:

الشيعة في التاريخ
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 216 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57267 / تحميل: 5513
الحجم الحجم الحجم
الشيعة في التاريخ

الشيعة في التاريخ

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

من ساحة الحرب، واضطرّته إلى إظهار قبول التحكيم، أصرّت على إنكار التحكيم أخيراً أشدّ إِصرار (ونادت من كلّ جهة ومن كلّ ناحية: لا حكم إِلا لله يا عليّ. لا نرضى بأن يحكم الرجال في دين الله)(١) .

ثُمَّ خرجت بعد مدّة عليه (بالنهروان)، واعتدت على الصحابي الجليل عبد الله بن خباب بن الأرت؛ لأنّه أَثنى على عليّ (فقتلوه وقتلوا أم ولده وشقوا عمّا في بطنها من حمل، فأخبر عليّ بما صنعوا، فقال:الله أكبر (٢) . ثُمَّ حمل عليهم وكانوا أربعة آلاف، فقتلهم أجمع. ولم يبق منهم سوى ثمانية أو تسعة، فانهزم اثنان منهم إلى عُمان، واثنان إلى كرمان، واثنان إلى سجستان، واثنان إلى الجزيرة، وواحد إلى تل مورون باليمن، وظهرت بدع الخوارج في هذه المواضع منهم وبقيت إلى اليوم)(٣) .

وكان من جملة الخوارج المقتولين في النهروان ذو الثدية، الذي قال عنه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بعد أن حكم بمروقهم من الدين:(( وآيتهم رجل أسود،

____________________

=

يقول الأشتر لعائشة أمِّ المؤمنين صاحبة الجمل:

أعائش لولا أنَّني كنت طاوياً

ثلاثاً لألفيت ابن أختك هالكا

غداة ينادي والرجال تجوزه

بأضعف صوت: اقتلوني ومالكا

ولمـّا انتهى أمر صِفّين والحكمين، ولاّه عليّ مصر، وأعطاه دستوراً للحكم هو من أبلغ ما وضع في أساليب الحكم. وكان معاوية لمـّا بلغه توليته على مصر اضطرب وخاف إن تمكّن منها حال بينه وبين مطامعه فيها، فأعدّ له من يسقيه السمّ في طريقه إليها). ابن أبي الحديد (ج١/ ص١٨٥ من شرح النهج): (لله أمٌّ قامت عن الأشتر، لو أنّ إنساناً يقسم أنّ الله تعالى ما خلق في العرب ولا في العجم أشجع منه إلاّ أستاذه (عليه السّلام)، لَمَا خشيت عليه الإثم. ولله درّ القائل عن الأشتر: ما أقول في رجل هزمت حياتُه أهل الشام، وهزم موته أهل العراق. وبحقٍّ، ما قاله فيه أمير المؤمنين(ع): كان الأشتر لي كما كنت لرسول الله (ص) ).

(١) شرح النَّهج،ج١، ص١٩٣.

(٢) تاريخ الخطيب البغدادي،ج١، ص٣٠٥.

(٣) المِلل والنحل، ج١، ص٦٧.

٤١

في إحدى يديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدرّ درّاً )) (١) .

ولنبحث الآن عمّا حدث بعد ذلك من:

٣- دسائس الخوارج، وتخاذل الشيعة وما نالهم من البلاء:

كان المترقَب - بعد خذلان الخوارج وانتصار أمير المؤمنين (ع) ذلك الانتصار الباهر في النهروان - أن تقوى شوكة الشيعة ويزداد اتحادهم، ويشتدّ نشاطهم، وتطمح آمالهم إلى الكرّة، ثانياً، على (صِفّين). ولكن الأمر كان على عكس ما تُرُقّب؛ من جراء الدسائس الخبيثة التي كان يلقيها فيما بينهم فلول الخوارج - الذين اظهروا الطاعة وكتموا العصيان - وأفراد من عثمانيّة البصرة والكوفة المتستّرين في عثمانيّتهم.

فالخوارج - وهم حديثو عهد بقتلى النهروان - لم تزل مصارعهم نصب أعينهم، كانوا يثبّطون الناس كرهاً بعليّ وانتقاماً منه، حتّى إنّه لمـّا خطب بالنخيلة (قام إليه رجل منهم، فقال: ما أحوج أمير المؤمنين اليوم إلى أصحاب النهروان. ثُمّ تكلّم الناس من كلّ ناحية ولغطوا )(٢) .

وخطب يوماً، فقال:((إذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه، فليمس أهله، فإنّما هي امرأة كامرأة)) . فقال رجل من الخوارج: قاتله الله، كافراً ما أفقهه. فوثب القوم ليقتلوه، فقال(ع):((رويداً، إِنّما هو سبٌّ بسبٍّ، أو عفو عن ذنب)) (٣) .

____________________

(١) صحيح مسلم،ج١، ص٣٩٣. وذكر نحو ذلك ابن أبي الحديد (شرح النهج/ج١/ ص٢٠٢)، وروى هناك عن مسند أحمد بن حنبل، عن مسروق (قال: قلت لعائشة: سألتك بصاحب هذا القبر، ما الذي سمعت منه(ص) في الخوارج؟، فقالت: نعم، سمعته يقول: إنّهم شرّ الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة وأقربهم عند الله وسيلة ). وروى الخطيب البغدادي أيضا (ج١/ ص١٦٠ من تاريخ بغداد): (عن عائشة قالت: سمعت النبيّ (ص) يقول: تمرق فِرقة محلقون رؤوسهم، محفون شواربهم، يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقبهم، يقتلهم أحبّهم إليّ وأحبّهم إلى الله تعالى ).

(٢) شرح النَّهج للمعتزلي،ج١، ص١٤٦.

(٣) شرح النَّهج للمعتزلي، مجلّد٤، ص٤٧٠.

٤٢

والعثمانية كانوا يفعلون كذلك؛ حبّاً بمعاوية، وحذراً من انتصار عليّ عليه، (وكان بعض العثمانية - وهم في جند عليّ (ع) - يتجسّسون الأخبار لمعاوية، وكان أبو بردة بن عوف الأزدي يكاتب معاوية من الكوفة، فلمّا ظهر معاوية، أقطعه قطيعة بالفلّوجة. وكان كريماً عليه)(١) .

وقد اختلفت أساليب التثبيط، فتارة يقولون: (نفدت نبالنا، وكلّت سيوفنا)(٢) . وأخرى (يقولون - إِذا أمرهم بالسير إلى أهل الشام في أيّام الحرّ - : هذه حمَّارة القيظ، أمهلنا حتّى ينسلخ عنّا الحرّ. وإذا أمرهم بالسير في الشتاء، قالوا: هذه صبارة القرّ، أمهلنا حتّى ينسلخ عنها البرد)(٣) .

وبطبيعة الحال كانت هذه الألفاظ المخنّثة تؤثّر على البسطاء والكسالى من الشيعة، فتدفعهم إلى النداء مع القوم: (نفدت نبالنا، وكلّت سيوفنا يا أمير المؤمنين).

ولقد حاول(عليه السّلام)، مراراً، أن يحفّزهم إلى الجهاد، ويقنعهم بضرر تأخيره على دينهم ودنياهم، فما استطاع وهو إمام البلغاء وخطيب السلم المصقّع من غير مدافع. ولمـّا سأم عتابهم، عدل إلى تقريعهم والتأفف منهم، بمثل قوله:((يا أشباه الرجال ولا رجال، قاتلكم الله، لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم

____________________

(١) شرح النهج للمعتزلي، مجلّد١، ص١٨٥، وص٢٥٧

(٢) قال الدينوري (الأخبارالطوال/ ص٢١٣): (لمـّا أراد عليّ الانصراف من النهروان، قام في أصحابه، فقال: أيّها الناس، إنّ الله قد نصركم على المارقين، فتوجّهوا من فوركم هذا إلى القاسطين. فقام إليه رجال فيهم الأشعث بن قيس، فقالوا: يا أمير المؤمنين، نفدت نبالنا، وكلّت سيوفنا). وقال الخطيب البغدادي: (إنّ القائل: نفدت نبالنا... إلخ، هو الأشعث بن قيس، فركن الناس إلى قوله). انظر: (تاريخ بغداد/ مجلّد١/ ص١٩٨)، و(تهذيب الكامل للمبرّد/ مجلّد١/ ص٩٠)، و(شرح النهج/ مجلّد ٢/ ص٤٣) تر أنّ الأشعث هذا، من أشدّ الخوارج وأكبرهم كيداً، وكان له يد طولى في اغتيال عليّ(ع) ).

(٣) تهذيب الكامل، مجلّد١، ص١٢، والأخبار الطوال،٢١٥.

٤٣

صدري غيظاً، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان)) (١) .

((أفٍّ لكم، لقد سئمت عتابكم، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضاً، وبالذلّ من العزّ خلفاً. إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم، دارت أعينكم، كأنّكم من الموت في غمرة)) (٢) .

((لوددت أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ منّي عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم)) (٣) .

ولا ريب أنّه(عليه السلام) لم يقصد بذلك جميع جنده؛ لأنّه كان يعلم ما فيه من خلّص الأصحاب وخيار الشيعة، ويعتقد بطاعتهم وإِخلاصهم، وأنّهم لا يخالفونه لو أمرهم - وحدهم - بالجهاد، وإنّما المقصود، من كان في جنده من الخليط والبسطاء، الذين خدعوا بدسائس الخوارج وكلماتهم المثبِّطة.

ما اكتفى الخوارج بالتثبيط، ولا شفى غليلهم نجاحهم فيه، بل راحوا يتآمرون سرّاً على اغتيال أمير المؤمنين(ع). وبعد برهة من الزمن، انتدبوا عبد الرحمن بن ملجم المرادي، فاغتال بطل الإسلام.

وقالع الباب الذي عن ردّه

عجزت أكف أربعون وأربع

وقبل وفاته(ع) (أوصى بالإمامة إلى ولده الحسن بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسليله وشبيهه في خلقه وهديه، فبايعت الشيعة كلّها. وتوقّف أناس ممّن كان يرى رأي العثمانيّة، ولم يظهروا أنفسهم بذلك، وهربوا إلى معاوية)(٤) .

وبعد أن بويع الحسن(ع)، خرج إلى حرب معاوية، ولكن الخوارج - الذين كانوا متسترين في جيشه - أرادوا أن يمثّلوا معه الرواية الّتي مثّلوها مع

____________________

(١) شرح النَّهج، مجلّد١، ص١٤١، والأخبار الطوال، ص٢١٥.

(٢) شرح النهج، مجلّد١، ص١٧٧.

(٣) شرح النَّهج، مجلّد٢، ص١٨٣.

(٤) الأغاني، جزء١١، ص١٦.

٤٤

أبيه من التثبيط والاغتيال.

أمّا التثبيط، فقد تمّ لهم يومئذ، حتّى تفرّق (من جراء الدسائس) جند الحسن، وشدّ بعضهم على فسطاطه، فنهبوه.

وأمّا الاغتيال، فلم يتم لهم، بل سَلِم(عليه السلام) من كيدهم (وقتل من طعنه في فخذه بمظلم ساباط، بعد أن قال له: أشركت يا حسن كما أشرك أبوك)(١) .

وبعد هذه الواقعة، اضطر الحسن إلى موادعة معاوية على شروط قبلها معاوية، ولكنّه لم يف بها، بل قال: (كلّ شيء أعطيته الحسن بن عليّ تحت قدميّ هاتين، لا أفي به)(٢) .

وبعد الموادعة سار الحسن إلى المدينة، فأقام فيها ما يقرب من تسع سنين. وأخيراً كان موته فيها مسموماً بيد جعدة بنت الأشعث بن قيس، كبير الخوارج، وبتحريض من معاوية، حتّى جعل لها على سمّه مائة ألف درهم وزواج ابنه يزيد ؟!.

ولمـّا علم (عليه السلام) بدنو أجله، نصّ على إمامة أخيه الحسين(ع)، فبايعه جميع الشيعة سرّاً؛ خشية من السلطان. وعلى الرغم من تكتّمهم في هذه البيعة، وفي الحب والموالاة، فقد نالوا أنواع الظلم وصنوف العذاب. (وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة؛ لكثرة من بها من الشيعة، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة)(٣) .

وضم إليه البصرة، فكان يتبع الشيعة - وهو بهم عارف؛ لأنّه كان منهم أيّام عليّ(ع) - فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر، وأخافهم وشرّدهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسمّل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، فلم يبق منهم بها

____________________

(١) الأخبار الطوال، ص٢١٩، وتلبيس إبليس لابن الجوزي، ص١٠٠.

(٢) شرح النهج، مجلّد٤، ص١٥، ومقاتل الطالبيّين، ص٤٨.

(٣) وزياد هذا، هو الذي قال للحسن(ع): وإنّ أحبّ الناس إليّ لحماً أن آكله، للحم أنت منه. شرح النهج، مجلّد٤، ص٧.

٤٥

معروف. وكتب معاوية إلى جميع الآفاق ألاّ يجيزوا لأحد من شيعة عليّ وأهل بيته شهادة )(١) .

(وكتب أيضا إلى عمّاله في جميع البلدان: أنظروا إلى مَن أقامت عليه البينة أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته، فامحوّه من الديوان، واسقطوا عطاؤه ورزقه. وكتب نسخة أخرى: ومن اتهمتموه بموالاة القوم، فنكّلوا به واهدموا داره)(٢) .

ولقد (استخلف زياد على البصرة سمرةَ بن جندب، فحذى حذوه في سفك الدماء(٣) . ولمـّا هلك زياد سنة ٥٣ هـ تنفّس الشيعة قليلا، وتراجعوا نحو الكوفة. ولمـّا مات معاوية سنة ٦٠ هـ وقام ابنه يزيد تظاهرت الشيعة ونادت باسم الحسين بن عليّ(ع)، وكاتبه أهل الكوفة (أنّه ليس علينا إِمام، فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق)(٤) . وما قدم عليهم وحلّ بقربهم، حتّى خذله أكثرهم، وحاربوه وقتلوه.

((قتلوه بعد علم منهم

أنّه خامس أصحاب الكسا))

وكان قتله بأمر يزيد بن معاوية، كما سنثبته، وبإمرة ابن مرجانة عبيد الله بن زياد، وقيادة بقايا العثمانيّة والخوارج؛ كعمر بن سعد، والحصين بن نمير، وسمرة بن جندب(٥) ومحمد بن الأشعث وأخيه قيس الخارجيّين.

____________________

(١) شرح النهج، مجلّد٣، ص١٥.

(٢) شرح النهج، مجلّد٣، ص١٦.

(٣) تاريخ أبي الفداء، مجلّد١، ص١٨٥.

(٤) تاريخ ابن الأثير، مجلّد٤، ص٨.

(٥) وسمرة هذا، هو الذي بذل له معاوية مائة ألف درهم حتّى يروى أنّ هذه الآية نزلت في علي، وهي: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) . وأنّ الآية الثانية، وهي: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ) نزلت في ابن ملجم، فلم يقبل سمرة بذلك، فبذل له معاوية مائتين ألف درهم، فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف درهم، فقبل سمرة وروى الآيتين. ولا غرو، فهو الذي خالف رسول (ص) لمـّا أمره بقلع نخلة كانت لسمرة في دار رجل من الأنصار، وهو الذي كان

٤٦

وقد ندم(١) كثير من أهل الكوفة الذين تخاذلوا عن نصرة الحسين (ورأوا أنّ لا يغسل عارهم والإثم عليهم إلاّ قتل من قتل الحسين، فاجتمعوا بالكوفة إلى خمسة من رؤساء الشيعة، أجلّهم سليمان بن صُرد الخزاعي، وكانت له صحبة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فخرجوا (سنة ٦٥ هـ)، فقتلوا)(٢) . ثُمّ قام من بعدهم المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وجرى على يده (سنة ٦٦) القصاص الإلهي من قاتلي سبط رسوله وريحانته.

____________________

على شرطة عبيد الله بن زياد يحرّض الناس على الخروج لقتال الحسين بن رسول الله (ص). انظر: شرح النهج للمعتزلي/ مجلّد١/ ص٣٦١، وص٣٦٣.

(١) ممّن ندم على تخاذله عن نصرة الحسين عبيد الله بن الحرّ الجعفي، وثار على ابن زياد وأظهر ندمه بقوله:

فيالك حسرة ما دمت حيّا

تردد بين حلقي والتراقي

حسين حين يطلب بذل نصري

على أهل العداوة والشقاق

فما أنسى غداة يقول حزناً:

أتتركني وتزمع لانطلاق

فلو فلق التلهف قلب حيّ

لهم القلب مني بانفلاق

ويقول أيضا من جملة أبيات:

فيا ندمي أن لا أكون نصرته

ألا كل نفس لا تسدد نادمه

انظر: الأخبار الطوال، ص ٢٥٨، وتاريخ ابن الأثير، مجلّد٤، صفحة١١٢.

(٢) تاريخ ابن الأثير، مجلّد٤، ص٦٣. وقال الخطيب البغدادي ( تاريخ بغداد، مجلّد١، ص٢٠٠): (وسليمان بن صرد الخزاعي أمير التوّابين، ويكنّى أبا المطرف، صحب النبيّ (ص) وكان اسمه يسارا فسمّاه الرسول سليمان. وكان له سن عالية وشرف في قومه. ونزل الكوفة حين نزلها المسلمون، وشهد مع علي صِفّين. وكان فيمن كتب إلى الحسين بن عليّ (عليهما السلام) يسأله قدوم الكوفة، فلمّا قدمها ترك القتال معه. فلمّا قتل الحسين ندم هو والمسيّب بن نجبة الغزاري، وجميع من خذله ولم يقاتل معه، ثُمّ قالوا: (ما لنا توبة ممّا فعلنا إلاّ أن نقتل أنفسنا في الطلب بدمه)، فعسكروا بالنخيلة مستهل شهر ربيع الآخر سنة ٦٥، وولّوا أمرهم سليمان بن صرد الخزاعي، وخرجوا إلى الشام في الطلب بدم الحسين، فسمّوا التوّابين. وكانوا أربعة آلاف رجل، فقتل سليمان في هذه الوقعة بعين الوردة بالجزيرة، رماه يزيد ببن الحصين بن نمير بسهم فقتله، وحمل رأسه إلى مروان بن الحكم).

٤٧

٤- الكيسانيّة وخروجهم عن التَّشيّع:

علمت أنّ المختار قد نهض في الكوفة وأخذ بثأر الحسين وقتل قاتليه، سوى عبيد الله بن زياد، فإِنّ الذي قتله إبراهيم بن الأشتر النخعي، قتله سنة ٦٧ هـ، وفي هذه السنة قُتل المختار، قتله مصعب بن الزبير بن العوّام.

ولكن بقي علينا أن نعلم هل كان نهوض المختار بدافع ديني أو دنيوي؟، فذلك ممّا لا نستطيع الجزم به في هذه العجالة؛ لأن الأخبار قد اختلفت كثيراً في أمر المختار.

فبعضها يدل على تشيّعه لعليّ بن الحسين (ع) وحسن عقيدته وتديّنه. بعض آخر يدلّ على دعوته لمحمد بن الحنفية المتوفّى سنة ٨١ هـ. وأنّه ابتدع عقائد فاسدة تبرّأ منه محمد لأجلها ولعنه. ومع ذلك، فلا يسعنا إلاّ أن نكبر اقتصاصه من قاتلي الحسين(ع)؛ فإنّه يُرضي الله سبحانه ورسوله والمؤمنين. لا يضرنا أكانت نيّته خالصة في ذلك لله تعالى أم كانت لنيل الرئاسة كما يقال.

وقد اتبعه فئة من الناس تطوّرت عقائدهم بعده تطوّراً شائناً، تفرّدوا فيها عن الشيعة، وخرجوا بها عن التشيّع الحقّ كما سترى. وأُطلق عليهم اسم: (الكيسانية)؛ نسبة إلى كيسان مولى محمد بن الحنفية(رض). وقيل لأنّ المختار كان لقبه كيساناً. وقد يكونون سمّوا بذلك، وهو الأقرب؛ لأنّ رئيس شرطة المختار كان اسمه كيساناً (وكان يعرف أيضاً بأبي عمرة، وكان جبّاراً مغرماً بتخريب الدور، يهدم الدار بلحظة. وكان عند الناس رمز الإفقار، فيقولون لمن افتقر: قد جاوره أبو عمرة)(١) .

وعلى كلٍّ، فقد ظهر مذهب الكيسانيّة، على الأرجح، بعد شهادة الحسين السبط بست سنين. وقولهم بإمامة محمد بن الحنفية كان في ذلك الوقت أيضاً، لا بعد وفاة عليّ(ع) بلا فصل كما يظهر من قول الشهرستاني: (ومن قال إنّ الإمامة تثبت بالنصّ اختلفوا بعد عليّ (عليه السلام). فمنهم من قال: إنّما نصّ

____________________

(١)الأخبار الطوال، ص٢٨٢، وص٢٨٦؛ (بتلخيص) .

٤٨

على ابنه محمد بن الحنفية. وهؤلاء هم الكيسانيّة)(١) .

وقد خالفه ابن خلدون، فقال: (ومنهم من ساقها بعد عليّ وابنيه السبطين - على اختلافهم في ذلك - إلى أخيهما محمد بن الحنفية، ثُمَّ إلى ولده أبي هاشم؛ وهم الكيسانيّة)(٢) .

ويقول الشهرستاني: (واختلف بعد أبي هاشم(٣) شيعته خمس فِرق، منها فِرقة قالت: إنّ أبا هاشم أوصى إلى عبد الله بن عمرو بن حرب الكندي. وإنّ الإِمامة خرجت من بني هاشم إِلى عبد الله هذا، وتحوّلت روح أبي هاشم إليه. والرجل ما كان يرجع إِلى علم وديانة، فاطّلع بعض القوم على خيانته وكذبه، فأعرضوا عنه، وقالوا بإمامة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. ولمـّا هلك عبد الله بخراسان(٤) افترقت أصحابه، فمنهم من قال: إنّه حيٌّ بعد لم يمت. ومنهم من قال: مات وتحوّلت روحه إلى إِسحاق بن زيد بن الحارث الأنصاري، وهم الحارثيّة الذين يبيحون المحرّمات، ويعيشون عيش

____________________

(١) ج١، ص١٣ من مِلله.

(٢) ص١٣٩ من مقدّمته.

(٣) كان اسمه عبد الله بن محمّد (توفّي سنة ٩٩ هـ من سمّ سقيه بعد عودته من الشام). وضع عليه سليمان بن عبد الملك من سقاه، فلمّا أحسّ أبو هاشم بذلك عاد إلى محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس، وهو بالحميمة، فعرّفه حاله، وأعلمه أنّ الخلافة صائرة إلى ولده، وأعلمه كيف يصنع، ثُمَّ مات عنده. تاريخ ابن الأثير،ج٥، ص١٧.

(٤) (خرج عبد الله هذا بالكوفة سنة ١٢٧ هـ، فأرسل إليه مروان الحمار من يقاتله، فانهزم عبد الله قاصدا إلى خراسان، طمعاً بأبي مسلّم الخراساني. فلمّا علم أبو مسلّم به أمر ابن الهيثم بالقبض عليه، فقبضه وقتله). (تاريخ دول الإسلام، منقريوش الصرفي، ج١، ص٨٠). ولكن أبا الفرج (الأغاني، جزء١١، ص٧٠) يقول: (خرج عبدالله هذا في أيّام يزيد بن الوليد، فاجتمع إليه أهل الكوفة ثُمَّ تفرّقوا عنه، ففرّ إلى أصبهان. ولمـّا أقام بها كتب يدعو إلى نفسه، لا إلى الرضا من آل محمّد (ص)، فقصدته بنو هاشم جميعاً، منهم السفّاح والمنصور. فلم يزل مقيماً فيها حتّى ولي مروان الحمار، فوجّه إليه عامر بن صبارة، فخرج عبد الله وإخوته قاصدين إلى خراسان، وقد ظهر أبو مسلّم بها، فأخذه أبو مسلّم وحبسه، ثُمّ أمضى تدبيره في قتله. وقال آخرون: إنّه دسّ إليه سمّاً فمات منه، ووجّه برأسه إلى ابن صبارة، فحمله إلى مروان).

٤٩

من لا تكليف عليه)(١) .

ويقول ابن خلدون: (إنّ فِرقة من الكيسانيّة زعمت أنّ أبا هاشم لمـّا مات أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عبّاس، وأوصى محمد إلى ابنه إبراهيم، وانتقلت في ولْده واحداً بعد واحد إلى آخرهم. وهذا مذهب الهاشميّة القائمين بدولة بني العبّاس. وكان منهم: أبو مسلّم الخراساني، وسليمان بن كثير، وأبو سلمة، وغيرهم من شيعة بني العباس)(٢) .

فأنت ترى أن الكيسانيّة(٣) قد خالفوا الشيعة في أصول الإمامة؛ لأنّهم أخرجوها من بني علي إلى بني العباس، وإلى ابن الكندي، وابن الحارث. كما خالفوهم بتلك المقالات الخاطئة المنافية للتشيّع الإِسلامي النزيه؛ كالقول بإِباحة المحرّمات الّتي قالت بها الحارثيّة من الكيسانيّة، وكالقول بالتناسخ وتحوّل الأرواح من شخص إلى آخر. وقد أنصف ابن خلدون حيث جعل الكيسانيّة القائمين بدولة بني العباس من شيعة العباسيّة، لا من الشيعة العلويّة القائلين بإمامة زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام)، ذاك الإمام العظيم الذي لم يعترف الكيسانيّة بإمامته (وهو الذي خلف أباه علماً وزهادة

____________________

(١) ج١، ص٨٥ من مِلله. وقد أطلق ابن أبي الحديد على الحارثيّة اسم: الإسحاقيّة. وذكر لهم مقالات فاسدة زيادة على ما ذكره الشهرستاني. انظر: الشرح النهج، ج٢، ص٣٠٥.

(٢) ص١٤٠ من مقدّمته. وما ذكرناه في ترجمة أبي هاشم يؤيّد زعم هذه الفِرقة. وهي موافقة لمذهب (الرازميّة) تماماً، ولكن البنانيّة يخالفون الجميع؛ لأنّهم نقلوا الإمامة رأساً من أبي هاشم إلى زعيمهم بنان بن سمعان.

(٣) لقد كان السيّد الحميري، الشاعر الكبير، كيسانيّاً في بدء أمره، ولكنّه تاب أخيرا وعدل عن القول بإمامة ابن الحنفية والاعتقاد بأنّه حيّ لم يمت وأنّه في جبل رضوي. وكتب قبل موته إلى الصادق يُعلمه بتوبته ويسأله الدعاء، فدعا له الصادق وترحّم عليه. انظر: الأغاني، لأبي الفرج، جزء٧، ص٢٣، والإرشاد للمفيد، ص٣٠٠. و ذكر له في منهج المقال، ص٦٠، وص١٣١ قصيدة، أوّلها:

ولمّا رأيت الناس في الدين قد غووا

تجعفرت باسم الله والله أكبر

٥٠

وعبادة)(١) ، (وفضائله ومناقبه أكثر من أن تحصر. وقال الزهري عنه: ما رأيت قرشيّاً أفضل منه)(٢) .

(تُوفّي زين العابدين وعمره سبع وخمسون سنة، وقيل سمَّه الوليد بن عبد الملك عن أحد عشر ذكراً وأربع إناث. وارثه منهم عبادة وعلماً وزهادة أبو جعفر محمّد الباقر، سمّى بذلك من بقر الأرض: أي شقّها وأثار مخبآتها ومكامنها. فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف، وحقائق الأحكام والحِكَم واللطائف، ما لا يخفى إِلاّ على منطمس البصيرة، أو فاسد الطويّة والسريرة، ومن ثمّ قيل فيه: هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه.. صفا قلبه، وزكا علمه، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات مأثورة في السلوك والمعارف لا تتحمّلها هذه العجالة)(٣) . وروى ابن قتيبة: (أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لجابر بن عبد الله:يا جابر، إنّك ستعمّر بعدي حتّى يولد لي مولود اسمه كاسمي يبقر العلم بقراً، فإذا لقيته، فاقرأه منّي السَّلام )(٤) .

تُوفّي الباقر بالمدينة سنة ١١٤هـ أيّام هشام بن عبد الملك. ولكن ابن حجر يقول: (إنّه توفّي سنة ١١٧هـ عن ثمان وخمسين سنة مسموماً كأبيه(؟). وهو علويٌ من جهة أبيه وأمّه. خلّف ستة أولاد، أفضلهم وأكملهم جعفر الصادق، ومن ثُمّ كان خليفته ووصيّه)(٥) وفي عهد الصادق(ع) كان ظهور:

٥- الزَّيديّة وأئمّتهم وفِرقهم:

وذلك سنة ١٢١هـ، وقيل سنة ١٢٢هـ؛ حيث نهض يومئذ زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام) في الكوفة، واتبعه جماعة من أهلها ونهضوا معه، ثُمّ رفضه بعضهم وخذله كما خذلوا جدّه الحسين. فقيل - وقتئذ - لهؤلاء:

____________________

(١) الصواعق، ص١٢٣.

(٢) وفيّات الأعيان، ج١، ص٣٢١.

(٣) الصواعق، ص١٢٣.

(٤) عيون الأخبار، مجلّد١، ص٢١٢.

(٥) الصواعق، ص١٢٣.

٥١

(الرافضة)، وللذين ثبتوا مع زيد: (الزيدية)(١) . وغلب اسم الزيدية على هذه الفِرقة ولم يزل كذلك إلى اليوم.

وكان للزيدية أئمّة كثيرون من بني الحسن والحسين (عليهما السلام)؛ لأنّهم قالوا بإِمامة كلّ من خرج بالسيف داعياً لإمامته من الفاطميّين، فاضلاً كان أو مفضولا. ولكن (أكثرهم قد عدل بعد ذلك عن القول بإمامة المفضول)(٢) ، وهؤلاء هم الجارودية كما سترى قولهم، وترى أنّهم يقولون بالنصّ على عليّ(ع)، ولكنّه بالوصف. فقول ابن خلدون عن جميع الزيدية: (بأنّهم ساقوا الإمامة على مذهبهم، وأنّها باختيار أهل الحلّ والعقد، لا بالنصّ)(٣) بعيد عن الواقع.

وعلى كلّ حال، فإنّ الزيدية (قالوا بإمامة عليّ، ثُمّ ابنه الحسن، ثُمّ أخيه الحسين، ثُمّ ابنه زين العابدين، ثمُّ ابنه زيد بن علي، وهو صاحب هذا المذهب. خرج بالكوفة داعياً إلى الإمامة، فقتل وصلب بالكناسة. وقال الزيديّة بإمامة ابنه يحيى من بعده، فمضى إلى خراسان وقُتل بالجوزجان(٤) بعد أن أوصى إلى محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن السبط، فخرج بالحجاز، فقُتل(٥) . وعهد إلى أخيه إبراهيم، فقام بالبصرة، ومعه عيسى بن زيد، فوجّه

____________________

(١) رأيت أنّ الرافضة والزيديّة فِرقتان متغايرتان، ولكنّ ابن عبد ربّه الأندلسي زعم أن الزيديّة هم من الرافضة، وزعم أنّ زيداً قتل بخراسان، لا بالكوفة، مع أنّ المقتول بخراسان هو يحيى بن زيد. قال الأندلسي (العقد الفريد، ج١، ص٣٥٢): ومن الرافضة الزيديّة؛ وهم أصحاب زيد المقتول بخراسان).

(٢) انظر: ص٨٩، مجلّد١، من مِلل الشهرستاني.

(٣) ص١٤١ من مقدّمته.

(٤) نهض يحيى سنة ١٢٥ هـ ضدّ الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وقُتل بجورجان، قتله أميرها.

(٥) نهض محمد هذا بالحجاز ضدّ المنصور العباسي، واستولى على المدينة وتبعه أهلها. فأرسل إليه المنصور جيشاً على رأسه ابن أخيه عيسى، وجرى بينهم وبين محمد قتال عظيم، قُتل فيه محمد وجماعة من أصحابه وأهل بيته في شهر رمضان سنة ١٤٥هـ. وكان سميناً، أسمراً، شجاعاً، كثير الصوم والصلاة، وكان يلقّب بالنفس الزكيّة.

٥٢

إليهم المنصور عساكره فقتل إبراهيم(١) وعيسى. وكان جعفر الصادق أخبرهم بذلك كلّه، وهي معدودة في كراماته.

وذهب آخرون من الزيديّة إلى أنّ الإمام بعد يحيى هو أخوه عيسى، ونقلوا الإمامة في عقبه. وقال آخرون منهم: إنّ الإمام بعد محمد بن عبدالله، هو أخوه إدريس الذي فرّ إلى المغرب ومات هناك، وقام بأمره ابنه إِدريس واختط مدينة فاس، وكان عقبه ملوك المغرب. وكان منهم الداعي الذي ملك طبرستان، وأخوه محمد، ثُمّ قام بهذه الدعوة في الديلم الناصر الأطروش منهم وأسلموا على يده)(٢) .

وكان لهم أئمّة غير هؤلاء يطول المقام بتعدادهم وشرح مواقفهم(٣) . وإمامهم في الحال، هو: الإِمام يحيى بن حميد الدين، من العلماء العظام والأدباء المحافظين على الأسلوب العربي القديم، ولد سنة ١٢٨٦ هـ، وتولّى الإمامة سنة ١٣٢٢ هـ؛ أَي سنة وفاة والده. وأوّل عمل باشره في استرجع صنعاء عاصمة

____________________

(١) قدم إبراهيم هذا البصرة ودعا الناس إلى أخيه محمد قبل أن يبلغه قتله بالمدينة، فبايعه جماعة منهم وأجابه جماعة كثيرة من أهل العلم حتّى أحصى ديوانه أربعة آلاف. ولمـّا استقرّت البصرة لإبراهيم أرسل جماعة فاستولوا على الأهواز، ثُمّ أرسل هارون العجلي في سبعة عشر ألفاً إلى واسط، فملكها. ثُمّ سار إبراهيم من البصرة - وقد أحصى ديوانه مائة ألف - حتّى نزل باخمرا، فتحارب هو وعيسى بن موسى العبّاسي، فهزمه إبراهيم، ثم وقعت الهزيمة على أصحابه وبقي يُقاتل وحده حتّى قُتل في ذي القعدة سنة ١٤٥. (بتلخيص، هو وما قبله، من:) تاريخ أبي الفداء، مجلّد ٢، ص٣ - ٤.

(٢) انظر: ص١٤١ من مقدِّمة ابن خلدون، وانظر: مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج، تر تراجم كثير - غير هؤلاء - من أئمة الزيديّة، وخصوصاً الناصر الأطروش، فإنّه كان عالماً جليلاً، وفارساً مدرَّباً، وشاعراً بليغاً. وقد استدلّ البحّاثة صاحب (شهداء الفضيلة) على أنّ الناصر هذا مات شهيداً سنة ٣٠٤ هـ بآمل من أعمال طبرستان وهو ابن ٧٩ سنة، وقبره هناك عليه قبّة معروفة، ومال إلى أنّه اثني عشريا، لا زيديّاً، وفي ذلك نظر.

(٣) ذكر صاحب مجلّة العرفان (جزء٣، مجلّد٢٥): أنّ عدد أئمّة اليمن لعهد الإمام يحيى الحالي نحو مائة وعشرة إمام، ولم يذكر أسماءهم روماً للاختصار.

٥٣

اليمن من الأتراك. واستقلّ باليمن فور الحرب العامّة، وجعلها دولة مستقلّة، قويّة الإيمان، عزيزة الجانب، متّحدة، لم تؤثّر فيها وساوس الأجانب ولا دسائسهم الخبيثة، ولم يضرّها الجهل بالمدينة الحديثة، الأمر الذي يدلّ على أن الإتحاد هو الركن الأوّل لعزّ الأمم واستقلالها، وبدونه لم يتم النجاح. وهي اليوم جادّة في نيل العلوم بنشاط، ومشعرة بحاجتها الماسّة إلى أساليب المدنيّة الحاضرة، وبأنّها لا تستطيع الحياة ما لم يجتمع لديها القوّتان: قوّة الإتحاد، وقوّة العلم والسّلاح الحديث.

هؤلاء بعض أئمّة الزيديّة المشهورين.

وأمّا فِرقهم، فست، أكثرها عدداً (الجاروديّة)؛ أصحاب أبي الجارود، واسمه زياد بن المنذر الهمداني الكوفي، وكان أعمي، من أصحاب الباقر وممّن يروي عن الصادق. ولكنّه تغيّر لمـّا نهض زيد بن عليّ(رض)؛ وقال بإمامة زيد، ليتزعّم فئة الزيديّة ويمسى رئيساً دينياً متّبع القول. ومنه أخذ الجاروديّة القول: (بأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نصّ على عليّ (عليه السلام) بالوصف، والإمام بعده عليّ، والناس قصّروا حيث لم يتعرّفوا الوصف ولم يطلبوا الموصوف. واختلف الجاروديّة في التوقّف والسَّوق، فساق بعضهم الإمامة من عليّ إلى الحسن، ثُمّ إلى الحسين، ثُمّ إلى علي بن الحسين، ثُمّ إلى زين العابدين، ثُمّ إلى ابنه زيد، ثُمّ إلى محمّد بن عبد الله الحسني. وكان أبو حنيفة (رح) على بيعته ومن جملة شيعته، حتّى رفع أمره إلى المنصور، فحبسه حبس الأبد حتّى مات في الحبس (سنة ١٥٠ هـ) عن سبعين سنة من العمر. وقيل أنّه إنّما بايع محمد الإمام في أيّام المنصور، ولمـّا قتل محمداً بقي أبو حنيفة على تلك البيعة يعتقد موالاة أهل البيت، فرفع حاله إلى المنصور، فتمّ عليه ما تمَّ)(١) .

____________________

(١) انظر: ج١، ص٨٩ من مِلل الشهرستاني، وانظر أيضاً: ص٢٤٧ من مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج، لترى (أنّ أبا حنيفة كتب إلى إبراهيم - أخي محمد الإمام - يشير عليه أن يقصد الكوفة سرّاً؛ لأنّ فيها من شيعتكم من يبيت المنصور فيقتلونه، فظفر المنصور وبعث إليه، فأشخصه وسقاه شربة، فمات منها، ودفن ببغداد) ثُمّ قال: (وروي

=

٥٤

الثانية: (السليمانيّة)؛ أصحاب سليمان بن جرير، (كان يقول: إنّ الإمامة شورى، ويصحّ أن تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين. وأنّها تصحّ في المفضول مع وجود الأفضل(١) .

الثالثة: (الصالحيّة)؛ أصحاب الحسن بن صالح بن حيّ الكوفي الهمداني.

الرابعة: (البتريّة)؛ أصحاب كثير النوا الأبتر.

(والصالحيّة والبتريّة على مذهب واحد. وقولهم في الإمامة كقول السليمانيّة، إلاّ أنّهم توقّفوا في عثمان. وأمّا عليّ، فقالوا هو أفضل الناس بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأولاهم بالإمامة، لكنّه سلّم الأمر طائعاً، وترك حقّه راغباً(؟)، فنحن راضون بما رضي. وهم الذين جوّزوا إمامة المفضول وتأخير الأفضل إذا كان راضياً بذلك. وقالوا من شهر سيفه من أولاد الحسن والحسين، وكان عالماً زاهداً شجاعاً، فهو الإمام. وشرط بعضهم صباحة الوجه(؟). ولهم خبط عظيم في إمامين وجد فيهما هذه الشرائط، وقالوا لو كانا في قطرين، انفرد كلّ واحد منهما بقطره...إلخ)(٢) .

الخامسة: (النعيميّة)؛ أصحاب نعيم بن اليمان.

السادسة: (اليعقوبيّة)؛ أصحاب يعقوب بن داود.

وهاتان أقلّ الزيديّة عدداً.

فالزيدية - كما رأيت - يوافقون السنّة والجماعة في كثير من الأمور، بالأخص السليمانيّة والصالحيّة والبتريّة الذين جعلوا الإمامة شورى باختيار الناس، وجوّزوا تقديم المفضول على الأفضل، إلاّ أنّهم يخالفونهم في بعض الشروط.

____________________

=

أنّ المنصور دعا أبا حنيفة إلى الطعام، فأكل منه، ثُمَّ استسقى، فسقي شربة عسل مجدوحة، وكانت مسمومة، فمات من غد، ودفن بمقابر الخيزران ببغداد). ويؤيّد ذلك ما ذكره الخطيب البغدادي (مجلّد١٣، ص٣٩٨ من تاريخ بغداد): (من فتوى أبي حنيفة بالخروج مع إبراهيم هذا لحرب المنصور ، وذُكر أيضا، بعد ذلك، أنّ هذه الفتوى سبَّبت سمّ المنصور لأبي حنيفة) لا امتناعه عن تولّي القضاء كما زعمته أشياعه.

(١) مجلد١، ص٩٠ من المِلل للشهرستاني.

(٢) مجلد١، ص٩١ من مِلل الشهرستاني.

٥٥

فالزيديّة اشترطوا في الإمام أن يكون فاطميّاً، وأن يخرج بالسيف داعياً لإمامته. وجمهور السنة يجوّزون أن يكون الإمام غير فاطمي، وغير قرشي أيضاً، وغير خارج بالسيف، بل وغير زاهدٍ أو غير عادل عند من قال بإمامة أمثال يزيد؟

ويلزم الزيديّة أن لا يكون علي بن الحسين إِماماً لهم في أيّامه كلّها؛ لأنّه لم يخرج بالسيف ولا تعرَّض للخروج. ويلزم أيضاً أن لا يكون ما نقله الشهرستاني وابن خلدون عنهم - من القول بإمامة زين العابدين - قريباً من الصواب.

وعلى أيّ حال.. فجمهور الزيديّة من طوائف الشيعة الذين ثبتوا على ولاء البيت العلوي والتمسّك بهم وعدم الغلو بأحد منهم، وهم في ذلك كالشيعة الاثني عشريّة من غير فارق.

ولولا الخروج بالسيف، الذي هو شرط أساسي لإمامهم، لكانوا مثلهم من حيث الوجهة السياسية؛ لأنّ الزيديّة قد عملوا بهذا الشرط، فخرجوا كثيراً - كما تقدّم - يجاهدون مع أئمّتهم في أيّام شيخوخة الدولة الأمويّة وفورة شبابها، وفي بدء الدولة العباسية. فقُتلوا وشرّدوا، وحبسوا، في الحجاز والعراق وخراسان. على عكس الإمامية الذين رأوا في ذلك الوقت العصيب أن يعملوا (بالتقيّة)؛ لتحفظ دماؤهم وأعراضهم وأموالهم. فارتاحوا بهذا العمل الطبيعي في جُلّ البشر، وتسنّى لهم في تلك الفترات دراسة جميع العلوم الإسلامية وأخذها على إمامهم الصادق(عليه السّلام)، وخصوصاً في أيّام السفّاح العباسي الذي كان ملتهياً بتمكين أسس الدولة وتشييد بنائها. وفي جُلّ أيّام المنصور أيضاً.

ولم يختص الشيعة بالأخذ عن إمامهم الصادق، بل (نقل عنه الناس من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه

٥٦

الأكابر، كيحيى بن سعيد، وابن جريح، ومالك، والسفيانيّين، وأبي حنيفة، وشعبة، وأيوب السختياني، وأم فروة)(١) .

(وكان من سادات أهل البيت، ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته. وفضله أشهر من أن يُذكر. وله كلام في صنعة الكيمياء والزجر، وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان قد ألَّف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمّن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة)(٢) .

(وهو ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تامٍّ عن الشهوات. وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد الشيعة المنتميين إليه، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم)(٣) . وروى المفيد: (إنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثُّقات، على اختلافهم في الآراء، فكانوا أربعة الآف رجل)(٤) . ولنبحث الآن:

٦- كيف ظهر الزنادقة والغلاة في عهد الصادق؟

علمت ممّا تقدّم أنّ الصادق(ع) قد عاصر الدولتين الأمويّة والعباسيّة، ولكنّّه عاصر الأولى في شيخوختها، والثانية في طفولتها. ومعلوم لديك كيف يكون حال الدولة في أيّام الشيخوخة والطفولة من الإرتباك والضعف؛ المولِّدين للفوضى وعدم الهيبة، ومن اشتغال رؤسائها في جميع أمورها وقوّتها وبسط هيبتها؟. وعلمت كيف كان الصادق متّجهاً بكلّه نحو بثّ العلوم وتدريسها، لا يستطيع المباشرة لغير ذلك من شؤون المسلمين.

[ إنْ علمت ذلك] فبالطبع تحكم بأنّ ظهور الزنادقة(٥) والغلاة نتيجة محتومة لتلك الظروف القاسية التي تسنّى فيها لنَفَر من الزنادقة الظهور والاعتراض جهاراً على أصول

____________________

(١) الصواعق، ص١٢٣.

(٢) وفيّات الأعيان لابن خلِّكان، مجلّد١، ص١٠٥.

(٣) مجلّد١، ص٩٥ من مِلل الشهرستاني.

(٤) الإرشاد، ص٢٨٩.

(٥) الزنادقة لا صلة لهم بالطوائف الشيعية؛ وإنّما ذكرناهم بمناسبة ظهورهم في عهد الإمام الصادق.

٥٧

الإسلام في المسجد الحرام. وإذا لم يكن للصادق يومئذ قوّة السلطان التي تمكّنه من دفع الزنادقة عن دخول المسجد الحرام، فإنّ لديه قوّة العلم التي دفع بها شبهاتهم واعتراضاتهم الكثيرة على أحكام الحجّ وغيره، يوم (اجتمع نفر من الزنادقة في الموسم بالمسجد، وأبو عبد الله الصادق(ع) فيه إذ ذاك يفتي الناس ويفسّر لهم القرآن، ويجيب على المسائل بالحجج والبيّنات. فقال الزنادقة لابن أبي العوجاء: هل لك في تغليط هذا الجالس عند هؤلاء المحيطين به؛ فقد ترى فتنة الناس فيه؟ فقال ابن أبي العوجاء: نعم، ثُمّ تقدّم، ففرّق الناس وسأل الصادق عدّة مسائل والصادق يجيبه عنها مسألة مسألة، حتّى أُبلس ابن أبي العوجاء ولم يدر ما يقول، فانصرف إلى أصحابه، فقالوا له: لقد فضحتنا بحيرتك وانقطاعك، وما رأينا أحقر منك اليوم في مجلسه، فقال لهم: إِليَّ تقولون هذا، إنّه ابن من حلَّق رؤوس من ترون، وأومأ بيده إلى أهل الموسم)(١) .

والأسباب والظروف الّتي ساعدت الزنادقة على الظهور هي بنفسها الّتي ساعدت الغلاة على ظهورهم في عهد الصادق وأبيه الباقر (عليهما السّلام)، وجرّأتهم على التجاهر بالغلو بربوبيّة المخلوقين.

وكلّما بذل الصادق جهده في وعظهم وإرشادهم، وكلّما قال لهم:((ما أنا إلاّ عبد مملوك؛ لا أقدر على نفع شيء ولا ضرّ شيء)) (٢) ازدادوا غلوّاً وإصراراً على شبهاتهم الواهية وبدعهم الضالة، الأمر الذي يدلّ على أنّ الشبهات لو تمكّنت من النفس وتغلّبت على العقل يعسر جدّاً زوالها بالبرهان والحجّة؛ لأنّ ربابها يتفانون في سبيلها، ويكابرون في كلّ ما يقوم ضدّها من الأدلّة الملموسة. ومن يبلغ به العناد والضلال إلى هذا الحد، فلا تقمعه إِلاّ قوّة السلطان.

والصادق قد أعوزه الأمويّون، ثُمّ العباسيون، إلى هذه القوّة. ولو حصلت لديه يومئذ، لأفنى غلاة عصره، كما أفنى السبأيّة جدّه عليّ(ع) يوم اجتمع لديه

____________________

(١)الإرشاد، المفيد، ص٣٠٠(بتلخيص).

(٢) منهج المقال، ص٣٢٤.

٥٨

القوّتان: قوّة العلم، وقوّة السلطان العادل.

وكما أُعوِز الصادق إلى هذه القوّة، أعوِز إليها أبوه الباقر من قبل. ولذلك ظهر الغلاة في عهدهما بكثرة هائلة، وتجاهروا بالغلو في الكوفة وغيرها من بلاد العراق وخراسان.

ففي أيّام الباقر ظهر (المنصوريّة)؛ أتباع أبي منصور العجلي الكوفي.

وظهر (المـُغيريّة)؛ أصحاب المغيرة بن سعيد، سنة ١١٩ هـ بالكوفة؛ في عهد هشام بن عبد الملك (وكان خالد بن عبد الله القسري يومئذ على العراق. فلمّا بلغه خروج المغيرة - وكان على المنبر - حصر ودهش. وقال أطعموني ماء: فقال ابن نوفل يهجوه:

تقول لمّا أصاب أطعموني

شراباً ثُمَّ بلت على السرير(١)

و(البنانيّة) أصحاب بنان بن سمعان النهدي.

وفي أيّام الصادق ظهر (الخطّابيّة) أصحاب أبي الخطّاب محمّد بن مقلاص الأسدي الأجدع.

و(العليائيّة) أصحاب العليا بن ذراع الأسدي أو الدوسي.

و(الراونديّة) وهم من أهل خراسان، (كانوا على مذهب أبي مسلم الخراساني. يقولون بالتناسخ، وأنّ ربّهم الذي يطعمهم ويسقيهم هو أبو جعفر المنصور. فلمّا ظهروا في سنة ١٤١ وأتوا إلى قصر المنصور قالوا: هذا قصر ربّنا)(٢) .

و(الرِّزَاميّة) أتباع رِزَام بن سابق (وهؤلاء ظهروا بخراسان أيّام أبي مسلم، وادّعوا حلول روح الإله فيه؛ ولهذا أيّدوه على بني أميّة)(٣) . وقد تبرّأ الصادق(ع) من جميع الغلاة، وقال لشيعته:((لا تقاعدوهم، ولا تواكلوهم، ولا تشاربوهم، ولا تصافحوهم، ولا تناكحوهم، ولا توارثوهم)) . وقال (عليه السّلام) لأبي بصير:((يا أبا محمد، اِبرأ ممّن يزعم أنّا أرباب، واَبرأ ممّن يزعم

____________________

(١) البيان والتبيين، مجلّد٢، ص٢١٠.

(٢) تاريخ أبي الفداء، مجلّد٢، ص٣، وتاريخ الطبري، مجلّد٩، ص١٧٣.

(٣) مِلل الشهرستاني، مجلّد١، ص٨٦.

٥٩

أنّا أنبياء)) (١) .

وبقي الصادق على ذلك إلى أَن توفّي حتف أنفه سنة ١٤٨ هـ؛ أيّام المنصور. ولكن ابن حجر يقول: (إنّه توفّي مسموماً أيضاً - على ما حُكي - عن ستة ذكور وبنت، منهم موسى الكاظم، وهو وارثه علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً. سمّي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه. وكان أعيد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم. وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله)(٢) . وكان شيخ الحنابلة أبو علي الخلاّل يقول: (ما أهمّني أمر، فقصدت قبر موسى بن جعفر، فتوسّلت به، إلاّ سهّل الله تعالى لي ما أحبّ)(٣) . والكاظم (عليه السّلام) هو الإمام السابع للشيعة الذين اعتقدوا بإمامته والنصّ عليها من أبيه الصادق، ولم يخالف في ذلك غير:

٧ - الإسماعيليّة:

الذين قالوا بإمامة إسماعيل دون أخيه موسى بن جعفر(عليهما السلام).

(وكان إسماعيل أكبر إخوته. وكان أبوه شديد المحبّة له والإشفاق عليه. فمات في حياة أبيه بالعريض، وحمل على رقاب الناس إلى أبيه بالمدينة، فحزن عليه حزناً عظيماً، وتقدّم سريره بغير حذاء، وأمر بوضع سريره على الأرض مراراً كثيرة)(٤) . (وأسجاه أبوه بردائه، وأدخل عليه وجوه الشيعة يشاهدونه؛ ليعلموا موته وتزول الشبهة في أمره)(٥) .

ومع ذلك كلّه، لم تَزُل هذه الشبهة، بل (أقام على حياته شرذمة لم تكن من خاصّة أبيه، ولا من الرواة عنه. فلمّا مات الصادق(ع) انتقل فريق منهم إلى القول بإمامة موسى الكاظم بعد أبيه. وافترق الباقون فريقين: فريق منهم رجعوا عن حياة إسماعيل، وقالوا بإمامة أبنه محمد بن إسماعيل؛ لظنّهم أنّ الإمامة

____________________

(١) منهج المقال، ص٣٢٤.

(٢) الصواعق المحرِقة، ص١٢٤.

(٢) تاريخ بغداد للخطيب، مجلّد١، ص١٢٠.

(٤) إرشاد المفيد، ص٣٠٤.

(٥) شرح النهج للمعتزلي، مجلّد٢، ص١٧٦.

٦٠