الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية0%

الرسائل الفشاركية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 604

الرسائل الفشاركية

مؤلف: آية الله السيد محمد الفشاركي
تصنيف:

الصفحات: 604
المشاهدات: 41126
تحميل: 4370

توضيحات:

الرسائل الفشاركية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 604 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41126 / تحميل: 4370
الحجم الحجم الحجم
الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية

مؤلف:
العربية

فيهما مع عدم المرجّح بالتساقط، وأنّ الاصل هو المرجع فالحكم هنا كالحكم في السابق من حيث جريان البراءة والاحتياط، وإن لم نقل بشيء منهما وقيل بالتخيير فالواجب هو الحكم بالتخيير، وإن كان هناك اطلاق فان قلنا: إنّ اعتبار أصالة الاطلاق من باب الظهور النوعي فالظاهر ترجيح نافي الجزئية.

ولا يتوهم: أنّ الظهور النوعي اعتباره مبني على عدم وجود ظن خاص على خلافه، فلا يكون مع وجود مثبت الجزئية مرجعاً، لأن الترجيح انّما هو من جهة الظن بمطابقة مدلول أحد المتعارضين للواقع، والظهور النوعي إذا اقترن بأحد المتعارضين يفيد ذلك وإن لم يكن معتبراً فتأمّل. وليس الأمر في الأصل كذلك بناء على اعتباره تعبّداً، إذ ليس له حينئذٍ كشف عن الواقع بالمرّة، وإن قلنا بأنّ اعتباره أيضاً من باب التعبّد كاعتبار سائر الاصول التعبّدية، فان قلنا بأنّ أخبار التخيير شاملة لما إذا كان هناك دليل إجتهادي مطابق لمدلول أحد الأمارتين، فالظاهر هو البناء على التخيير، وإن قلنا بأنّ الاخبار المذكورة منصرفة إلى غير هذه الصورة، فيجب العمل حينئذٍ بمقتضى الاطلاق.

ومنشأ الاحتمالين تردّد أخبار التخيير بين أن يكون المراد منها: بيان أنّه عند التعارض لا يجوز طرح الأمارتين والرجوع إلى الاصول العقلية أو النقلية الثابتة علاجاً للمتردّد وانّ المتردّد في الحكم حينئذٍ يجب عليه العمل على طبق أحد الأمارتين، فيكون حكماً عمليّاً لمن لم يكن له حجّة معتبرة من الشرع من الأدلة الاجتهادية كالمطلقات والعمومات، وبين أن يكون المراد منها: حجيّة أحد المتعارضين.

فان قلنا بالأوّل وجب العمل بمقتضى الاطلاق، لأنّ أصالة عدم التقييد مثبت لحجّيته، وليس أصلاً عملياً تعبّدياً أو عقلياً حتى يكون أدلّة التخيير رافعاً لاعتباره، إذ المفروض أنّها على الأوّل ناظرة إلى المنع عن العمل بالاصول الموضوعة علاجاً لعمل المتردّد في الحكم لأجل عدم الدليل الاجتهادي.

وإن قلنا بالثاني كان الواجب هو الأخذ بأحد الخبرين، وإن كان مقتضى

١٤١

المختار هو مقتضى الاطلاق، لكنّ الأخذ به حينئذٍ ليس من باب اعتبار الاطلاق، بل لحجية الأمارة، وذلك لأنّ أصل الاطلاق وإن كان غايته العلم بالتقييد، يكون أدلّة حجّية الأمارات حاكمة عليه، لأنّها تفيد كون الأمارات منزّلة منزلة العلم، فكلّ ما كان غايته العلم، يكون الأمارة المنافية لمدلوله بل الموافقة لمدلوله حاكمة عليه، إذ المفروض كون تلك الأمارة منزّلة منزلة العلم، فيكون رافعاً لأصل الشك، فلا يبقى معه للأصل موضوع وتمام الكلام في باب التراجيح إن شاء اللّه تعالى.

مسألة

إذا كان الشك في الجزئية ناشئاً من الشبهة في الموضوة الخارجي، كما إذا كان المأمور به مفهوماً مبيّناً يكون مصداقه مردّداً بين الأقل والأكثر، كما إذا علمنا بأنّ صوم شهر هلالي واجب، وشككنا من جهة الشك في الرؤية أنّه ثلاثون يوماً أو أقل، وكما إذا علمنا أنّ الواجب عند الصلاة هو الوضوء الرافع للحدث، وشككنا في أنّ الأمر الفلاني جزء للوضوء أم لا، فالظاهر هنا وجوب الاحتياط، لأنّ الواجب وهو المفهوم المبيّن معلوم ومع العلم به يكون الذمّة مشغولة به، فيجب تحصيل ما يوجب الفراغ قطعاً وهو ليس الاّ الاكثر، والأدلّة العقلية والنقلية الدالّة على البراءة في المسألة السابقة لا تجري هنا، لأنّ الشك هنا في أنّ المكلّف به هل وجد في الخارج إذا اتي بالأقل أم لم يوجد، وفي مثل هذه الموارد يجب الاحتياط، ولذا لو شك في إتيان شيء من الأجزاء المعلومة لا يحكم العقل حينئذٍ بالبراءة.

والحاصل: أنّ الشك هنا ليس في أنّ الجزء فعل واجب أم لا، بل الشك في أنّ الواجب المعلوم وجوبه هل يحصل في الخارج بالأقل أم لا؟ ولا ريب أنّ شيئاً من أدلة البراءة لا يجري هنا، وفي السابق راجع إلى الشك في أنّ الجزء الزائد هل هو واجب كسائر الأجزاء ام لا يكون واجباً؟ وليس هنا أمر محقّق الوجوب يشك في حصوله في الخارج مع الاكتفاء بالأقلّ حتى نقول بالاحتياط، فظهر الفرق بين المسألتين.

١٤٢

الشك في الشرطية

مسألة

إذا شك في كون شيء قيداً للمأمور به فلا يخلو عن صورتين لأنّ منشأ القيد قد يكون فعلاً خارجياً مغايراً للمقيّد في الوجود الخارجي، كالطهارة بالنسبة إلى العبادة، وقد يكون منشؤه أمراً متّحداً في الوجود الخارجي، كالايمان بالنسبة إلى وجوب عتق الرقبة، ولابدّ من تمهيد مقدّمة وهي أنّ المركّب إمّا أن يكون مركّباً من الامور الخارجية المتغايرة في الوجود الخارجي كالصلاة بالنسبة إلى التكبير، والقراءة، وغيرها من الأفعال المستقلّة، وقد يكون مركّباً من الامور التي ليس لوجودها في الخارج تمايز، بمعنى أنّه ليس لكل جزء وجود في الخارج مميّز عن وجود الجزء الآخر، بل الأجزاء في الحقيقة ليس لها في الخارج إلاّ وجود واحد، والجزء المركّب في الأوّل واجب في ضمن الكلّ ويتعلّق به طلب مستقلّ لكنه غيريّ، نظير وجوب المقدّمة وفي المركّب في الثاني ليس له وجوب مستقلّ غير وجوب الكلّ، لأنّ الوجوب الغيري مفروضه ما يتوقّف على وجوده وجود الواجب، فهو فرع تعدّد الوجود، ولا ريب أنّ الاجزاء العقلية ليس لها وجود غير وجود الكلّ فتأمّل، وأمّا الوجوب العرضي فهو ليس وجوباً مستقلاً، بل هو عين وجوب الكل ينسب إلى الأجزاء بالعرض والمجاز.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ القائل بأنّ الأصل في الشك في القيد هو البراءة: إن قال انّ المطلق معلوم الوجوب ووجوب القيد مشكوك، والعقل يقتضي البراءة عند الشك. فجوابه: أنّ المطلق ليس متيقّن الوجوب، لأنّه إمّا واجب نفسي أو ليس بواجب أصلاً، لأنّه من حيث كونه داخلاً في المقيّد لا يتعلّق به طلب غيري حتى يقال: إنّه سواء كان الواجب هو المطلق أو المقيّد يكون المطلق متيقّن الوجوب والمقيّد مشكوكاً، بل الواجب إمّا المطلق أو المقيّد، وليس في البين ما يكون متيقّن الوجوب، وإن قال: انّ المطلق لمّا كان عين المقيّد في الوجود الخارجي فالوجوب

١٤٣

المضاف إلى المقيّد مضاف إلى المطلق فهو واجب لا محالة، غاية الأمر إنّ وجوبه عين وجوب المقيّد أو يكون مورداً للخطاب مستقلاً.

فجوابه: أنّ العقل لا يحكم بالبراءة إلاّ إذا كان ما تيقّن وجوبه حاصلاً في الخارج على وجه تحصل البراءة القطعية عن ذلك من جهة وجوبه.

وبعبارة اخرى: إنّما يحكم العقل بالبراءة عند الاكتفاء بالأقل إذا كان الأقل صالحاً حين وجوده في الخارج لأن ينضمّ إليه القيد المشكوك، لأنّ تحصيل البراءة عن الواجب الذي ثبت وجوبه من جهة وجوبه على جميع تقاديره لازم، وهو انّما يتحقّق إذا كان المأتي به في الخارج صالحاً لأن ينضمّ إليه القيد، لأنّه مع عدم صلاحيّته لذلك لا يحصل البراءة القطعية من جهته، ضرورة أنّ عتق الكافرة لا يحصل منه البراءة عن وجوب عتق الرقبة الذي مردّد بين وجوب غير وجوب المقيّد وبين وجوب هو عين وجوب المقيّد، بل هو على تقدير كون وجوب المطلق عين وجوب المقيّد لا يحصل به شيء من الواجب.

وبالجملة: حكم العقل بالإكتفاء بالأقل فيما نحن فيه لا يفيد إلاّ مع إيجاد المطلق في ضمن الفرد المباين للمقيّد، ومعه لا يحصل البراءة بالنسبة إلى ما فرض القطع بوجوبه على جميع التقادير، فانّه على تقدير كون الواجب هو المقيّد لا يكون المباين محصّلاً للبراءة عن وجوب المطلق، لأنّ المطلق موصوف بالوجوب من حيث اتّحاده في الوجود مع المقيّد، وإن قال: إنّ المطلق لما كان لازم التحصيل في الخارج، لأنّه إمّا واجب والواجب ما لا يمكن حصوله منفكّاً عنه كان الحجة بالنسبة اليه تامّة، فالشك في وجوبه لا يكون مجرى للأصل، والمقيّد لما كان مشكوك الوجوب ولم يكن مثل المطلق محكوماً بحكم العقل بلزوم الاتيان كان الأصل فيه البراءة. والفرق بين هذا التقرير وسابقه: أن جريان الأصل مبنيّ على القطع بوجوب الأقل شرعاً بخلافه هنا وهذا التقرير جار في المسائل السابقة بناءً على القول بعدم وجوب المقدّمة، ضرورة أنّ الأقل لا يكون حينئذٍ متيقّن الوجوب شرعاً فلا يتم التقرير المذكور، فالجواب عنه هو الجواب عن التقرير الثاني، من أنّ

١٤٤

ذلك يتمّ فيما إذا كان الأقلّ الموجود في الخارج قابلاً لانضمام القيد به حتى يكون ما حكم بلزومه حاصلاً على جميع التقاديرلزومه وبدونه لا يحكم بذلك.

ويمكن تقرير حكم العقل بالبراءة على وجه لا يرد عليه ما مرّ بأن يقال: إنّ المطلق الموجود في ضمن الكافرة عين الموجود في ضمن المؤمنة وحينئذٍ تحصل باتيان الكافرة البراءة عن وجوب المطلق.

وفيه: مع المنع فيه - لامكان دعوى أنّ الطبيعة الموجودة في ضمن الأجزاء ليس الموجود منها في ضمن الفرد إلاّ حصّة مغايرة لحصّة موجودة في الفرد الآخر - أنّ ذلك لا يفيد في حصول البراءة عن وجوب المطلق على جميع تقاديره، إذ وجوبه على تقدير كونه عين وجوب المقيّد انما يحصل البراءة عنه باتيان المقيّد.

ودعوى: أنّ التكليف بالمقيد لاشتماله على كلفة زائدة والزام زائد منفي بالأصل.

قد عرفت الجواب عنه وأنّ ذلك لا يفيد مع عدم كون المطلق متيقّن الوجوب، وتيقّن وجوبه بوجه قررناه في الوجه الثاني لا يمكن معه إجراء الأصل، إذ الفراغ عنه من دون القيد على وجه التيقن غير حاصل، ومعه لا حكم بالبراءة عن الزائدة.

ثم إنّه قد يفرّق بين ما إذا كان القيد منشأ فعل مستقلّ في الخارج فيحكم بالبراءة، بناء على أنّ الشك في القيد راجع إلى الشك في وجوب ذلك الفعل، والأصل عدمه، وبين ما إذا لم يكن كذلك فلا يحكم بها، لأنّ القيد لا يكون متعلّقاً لخطاب مستقلّ، وليس داخلاً في عنوان الواجب حتى يقال: إنّ التكليف به تكليف بدون بيان.

والظاهر أنّه لا وجه للفرق، لأنّ القيد الذي لا يرجع الشك فيه إلى الشك في الفعل، قد يكون على تقدير كونه قيداً مستلزماً لخطاب زائد على الخطاب بالواجب، كما إذا فرض عدم وجود رقبة مؤمنة وتمكّن المكلّف من إرشاد بعض العبيد إلى الإيمان، فانّه يجب ذلك حينئذٍ مقدّمة، وإن كان واجباً في نفسه أيضاً، فنفي هذا التكليف لو كان مثمراً في نفي القيد لم يكن فرق بين المقامين.

والحاصل: أنّ فاقد الشرط كما لا يحصل به البراءة في القسم الثاني كذلك

١٤٥

لا يحصل به في الأوّل، وكما لا يكون المطلق متيقّن الوجوب كذلك لا يكون المطلق هناك متيقّن الوجوب.

والحاصل: أنّ الموانع عن الحكم بالبراءة بأجمعها جارية في القسمين من غير تفاوت، هذا في حكم العقل

وأمّا الأدلّة النقلية

كقولهعليه‌السلام : « ما حجب اللّه. »(١) و « رفع. الخ »(٢) و « الناس في سعة »(٣) ، فالظاهر دلالتها على البراءة فيما إذا كان دوران الأمر بين وجوب المطلق والمقيّد عرفاً من قبيل دوران الأمر بين الأقل والأكثر، إمّا لأنّ المقيّد يعدّ عرفاً مركّباً من أمرين كالصلاة مع الطهارة والصلاة مطلقاً، أو لأنّ المقيّد اخذ في لسان الشارع أمراً مركّباً، مثل رقبة مؤمنة ومطلق الرقبة، فانّه حينئذٍ يصحّ أن يقال: إنّ المطلق معلوم الوجوب، والمقيّد مشكوك فوجوبه محجوب، وغير معلوم، فهو موضوع ومرفوع، والناس في سعة، وإمّا إذا كان المقيّد أمراً مبائناً للمطلق - مثل الانسان والحيوان - فدلالتها على البراءة مشكل، إذ ليس حينئذٍ ما يصدق عليه عرفاً أنّه معلوم الوجوب، بل الوجوب مردّد في تعلّقه بماهيّتين إحداهما أقلّ فرداً من الاخرى، فالاصل بالنسبة إليهما متعارض.

والحاصل: أنّه متى كان وجوب المطلق عرفاً أمراً يقينيّاً، وكان طرف الشك هو خصوص وجوب المقيّد - بحيث لا يمكن أن يقال عرفاً: إنّ الواجب مردّد بين المطلق والمقيّد لكون وجوب الأوّل مفروغاً عنه - كان المقيّد داخلاً تحت الاخبار المذكورة، وأمّا مع كون المطلق والمقيّد يعدّان عرفاً متبائنين - بحيث لا يكون أحدهما مندرجاً في ضمن الآخر - فلا دلالة لها، إذ حينئذٍ كما يدخل المقيد تحتها كذلك المطلق داخل تحتها ويكون الأصل في كل منهما معارضاً بالأصل الخارجي في الآخر، فيجب حينئذٍ طرحهما فتأمّل.

____________________

(١) التوحيد: ص ٤١٣ ح ٩.

(٢) التوحيد: ص ٣٥٣ ح ٢٤.

(٣) المحاسن: ص ٤٥٢ ح ٣٦٥.

١٤٦

مسألة

إذا دار الأمر بين التخيير والتعيين كما لو شك: في أنّ الواجب في كفّارة شهر رمضان خصوص العتق، أو إحدى الخصال الثلاثة، فالظاهر أنّ مقتضى الأصل هو الثاني، إذ ليس لها جامع خارجي أو ذهني يقيني الوجوب حتى يحكم في الزائد بعدم الوجوب، مع أنّك قد عرفت أنّ الجامع الذهني غير كاف في إجراء البراءة، فانّ الجامع بين طرفي الشك ليس إلاّ انتزاعيّاً، وليس هنا جامع محقّق خارجي أو ذهني حتى يحكم فيه بالوجوب ويدفع الزائد بالأصل هذا حكم العقل، وأمّا الأخبار فالظاهر أيضاً عدم شمولها، لما مرّ من أنّ الجامع الذهني - مع عدم كون المركّب عرفاً من المركبات - غير كاف في شمولها، فعدم شمولها لمثل هذه المسألة أولى.

مسألة

الشك في مانعية شيء راجع إلى الشك في شرطية عدمه، فالكلام فيه هو الكلام في شرطية شيء، وأمّا الشك في قاطعيّة شيء للعبادة في الأثناء بعد العلم بأنّه لا مدخل له في العبادة إلاّ من جهة قطعه لهيئة العبادة بمعنى إخراج الأجزاء السابقة عن قابليّة لحوق سائر الأجزاء بها، فالحكم فيه كما يأتي في إستصحاب تلك الهيئة.

مسألة

إذا علم جزئية شيء في الجملة وشك في أنّه جزء مطلقاً حتى أنّه لو ترك سهواً فسد المأمور به، أو هو جزء في غير حال السهو حتى يكون تركه سهواً غير موجب لفساد العبادة ؟ فقد يقال(١) : إنّ الأصل عموم الجزئية، وحينئذٍ فإذا انتفى ينتفي

____________________

(١) القائل هو الأنصاري -قدس‌سره - في فرائده: ص ٤٨٣.

١٤٧

المركّب فيكون فاسداً - أي غير مطابق للمأمور به - فلا يكون مسقطاً للأمر، وذلك لأنّ الغفلة لا يكون موجباً لتغير المأمور به، وذلك لأنّ المخاطب بمركّب إذا غفل عن جزء لا يتغيّر الأمر المتوجّه إليه، ولا يحدث أمر آخر متوجهاً إليه، إذ الغافل غافل عن غفلته فلا يمكن توجيه الأمر إليه، بل لا فائدة في الأمر بحسب نفس الأمر ولو لم يكن متوجّهاً إليه، لأنّ الفائدة التي يتصوّر صدور الأمر لأجلها هي بعث المكلّف على العمل، والغافل غير قابل للالتفات إلى الأمر المتوجه إليه - بعنوان كونه غافلاً - لأنّه متى إلتفت إلى ذلك الأمر يلتفت إلى كونه غافلاً عن الجزء فيلتفت إلى الجزء فلا يبقى غافلاً حتى يعمل بمقتضى ذلك الأمر.

وبالجملة: الغافل إمّا أن يكون في الواقع مكلّفاً بما يكون الملتفت به مكلّفاً أو يكون مكلّفاً بما عدا ذلك الجزء المغفول عنه، أو لا يكون مكلّفاً، لا سبيل إلى الأخيرين، لأنّ خطابه بما عدا الجزء المنسي لا يمكن، لأنّه غافل عن غفلته، والمفروض انه في الواقع له تكليف، فيتعيّن أن يكون هو ما كلف به الملتفت، ولو فرض إنّه غير مكلّف في الواقع بشيء، فعدم اقتضاء ما فعله في حال النسيان والغفلة لسقوط الأمر المتوجّه إليه في حال الالتفات ظاهر، فبعد الالتفات يجب عليه إثبات المأمور به، ومن هنا علم أنّ عموم الجزئية لحال النسيان لا حاجة في إثباته إلى اطلاق دليل الجزئية أو عمومه، مثل كون الدليل نظير قولهعليه‌السلام : لا صلاة الاّ بفاتحة الكتاب(١) وأمثاله، بل كلّما ثبت الجزئية في حال الالتفات ثبت في حال الغفلة إلاّ أن يثبت من الخارج دليل على أنّ ما فعل في حال الغفلة يكون مجزياً، والشك في ثبوت دليل يقتضي ذلك يعمل فيه بمقتضى أصالة عدم ذلك، وأصالة البراءة عن التكليف بالجزء في حال الغفلة لا يوجب الاّ نفي العقاب على ترك الجزء وهو ثابت سواء كان جزئيته عامة لصورة السهو أو يكون خاصة بصورة الالتفات، ولا يقتضي الاجزاء حتى يقال: إنّ مقتضاها سقوط الأمر الأوّل. هذا.

____________________

(١) عوالي اللئالي: ج ١ ص ١٩٦ ح ٢.

١٤٨

ويمكن أن يقال: بامكان اختصاص الجزء بحال العمد، فانّ السهو عن الجزء قد يكون لأجل عدم الالتفات إلى مفهوم الجزء، وهو يستلزم عدم الالتفات إلى جزئيّته ضرورة أنّ الالتفات إلى جزئية شيء يستلزم الالتفات إلى ذلك فمتى انتفى الالتفات إليه انتفى الالتفات إلى الجزئية.

وقد يكون لأجل عدم الالتفات إلى الجزئية مع الالتفات إلى مفهوم الجزء، والتخصيص في الصورة الاولى يمكن بوجوه ثلاثة لا يستلزم شيء منها ما ذكرنا من المانع:

الوجه الأوّل: أن يوجّه المكلّف إلى عامّة المكلّفين خطاباً مطلقاً، ثم يوجّه الأمر بالجزئية إلى كل من يكون ملتفتاً إلى مفهوم ذلك الجزء في ذلك المحلّ الذي يريد إتيان الجزء فيه - كأن يقول مثلاً بعد الأمر بمطلق الصلاة أنّ الركوع واجب مثلاً على من يكون ملتفتاً إلى مفهومه بعد الفراغ عن السورة وقبل الدخول في السجود وحينئذٍ يكون ما أتى به الذي لم يلتفت إليه مطابقاً للأمر مع الالتفات إليه، إذ المفروض ثبوت الأمر المطلق الشامل لما يكون مع الركوع وما لا يكون معه، ولا يلزم من الالتفات إلى الأمر التفات إلى الغفلة حتى لا يمكن توجيهه إليه ليعمل بمقتضاه، لأنّه لا يكون الغافل بعنوان الغفلة موضوعاً للأمر بما عدا الركوع ليستلزم الالتفات إلى عنوان الأمر للالتفات إلى حاله - أعني كونه غافلاً -.

الوجه الثاني: أن يعتبر الشارع في عنوان التكليف أمراً ملازماً في الخارج لنسيان الجزء، ولا يكون تصوّره موجباً للالتفات إلى النسيان ويجعل المأمور به باقي الاجزاء لا بهذا العنوان حتى يوجب الالتفات إلى المنسيّ، بل بعناوينها الواقعيّة - كأن يقول: من كان رطوبته كثيرة يجب عليه فعل يشتمل على التكبير والقراءة والسجود ويعدّ باقي الأجزاء ويسقط الركوع من بينها - ضرورة أنّ الأمر بسائر الأجزاء إنما يوجب توجهه إلى الناسي الالتفات إلى النسيان إذا اخذ عنوان النسيان عنواناً للمكلّف، أو جعل المأمور به فعل باقي الاجزاء بهذا العنوان، ومتى لم يكن الأمر كذلك لم يوجب الأمر الالتفات.

١٤٩

وهذا الوجه كما ترى يمكن مع الغفلة عن الجزئية والإلتفات إلى مفهوم الجزء ولا محذور فيه.

الوجه الثالث: أن يأمر الملتفت إلى مفهوم الجزء باتيانه في محلّه ولا يأمر الغافل حين الغفلة بسائر الأجزاء لا بعنوان عام يشمل الملتفت، كما التزمنا به في الوجه الأوّل، ولا بعنوان يخصّ به، كما مرّ في الوجه الثاني، بل يكتفي بمجرّد صدور الفعل منه حين الغفلة، ولا يوجّه إليه الأمر لحصول الغرض المقصود من توجيه الأمر وهو البعث على الفعل بقصد الاطاعة.

والحاصل: أنّه يجوز أن يكون الخطاب بالجزء مخصوصاً بالملتفت ولا يوجّه المكلّف إلى الناسي أمراً مع كون صدور غير الجزء المنسي عنه محبوباً لأجل حصول الغرض الباعث على الأمر وهو بعث المكلّف على العمل بقصد الطاعة إذ المفروض حصول ذلك من الناسي، ومجرّد المحبوبيّة كافٍ في استحقاق الثواب على الفعل، وكافٍ في صحّة قصد التقرّب، بل لو فرض العلم بالمحبوبية من غير جهة الخطاب لوجب عليه العمل بالمحبوب ولجاز عقابه على تركه.

ويمكن التخصيص في الصورة الثانية أعني نسيان الجزئية من غير نسيان مفهوم الجزء بأن يوجّه أوّلاً إلى عامة المكلّفين خطاباً بسائر الأجزاء ثم يوجّه أمراً بذاك الجزء من غير أن يخصّه بالملتفت ليستلزم الدور ويقال: إنّ الملتفت إلى الجزئية لا يكون كذلك إلاّ بعد جعل الجزئية فلا يمكن أخذ الالتفات إليها في خطاب الجاعل لها، ولكن يكون ذلك الخطاب العام توطئة لأجل خطاب آخر موضوعه: العالم بالخطاب الأوّل كأن يقول: من كان ملتفتاً إلى الأمر بالسورة مثلاً يطلب منه السورة، ومن لا يكون لا يطلب منه، ويكون الخطاب الثاني كاشفاً عن الخطاب الأوّل ومبيّناً للمراد منه، وحينئذٍ يكون فعل ناسي الجزئية مطابقاً للأمر لوجوده بعنوان عام يشمله وغيره.

غاية الأمر انّه لم يبق المأمور به على إطلاقه بالنسبة إلى الملتفت وقيّد بالمشتمل على الجزء الذي نسيه الناسي وإطلاقه بالنسبة إلى الناسي باق، ولا يستلزم

١٥٠

الالتفات إلى هذا الأمر العام، الالتفات إلى جزئية الجزء المنسي، كما مرّ في الوجه الأوّل إذا عرفت هذا.

فنقول: إذا أمكن تخصيص الجزئية بحال الالتفات، فلو شككنا في جزء أنّه هل يكون مخصوصاً بأحد الوجوه السابقة بالمتلفت أو تعم حالتي الالتفات والسهو؟ فمقتضى القاعدة عدم ايجاب الإعادة والقضاء على الناسي بعد الالتفات، لأنّ وجوب الاعادة فرع العلم بكون الحكم الواقعي في حقّ الناسي وغيره واحداً حتى يجب تحصيل البراءة منه حتى حال الشك في سقوطه وهو في المقام غير معلوم، لأنّ المعلوم ثبوته في مثل هذا الحال ثبوت تكليف متعلق بتمام الأجزاء في حال الالتفات بغير الجزء المنسي في حال النسيان، وليس دليل على أنّ تكليف الناسي في الواقع هو تمام الاجزاء حتى الجزء المنسي حتى يقال: ان الحكم بالاجزاء موقوف على دليل اكتفاء الشارع في حال البيان عن مطلوبه الواقعي بما أتى المكلّف به في حال النسيان، وحيث لا دليل على سقوط الأمر، يجب اسقاطه بالاعادة وتدارك ما فات في الوقت بعده.

وبالجملة: ثبوت الاعادة في الوقت والقضاء في خارجه موقوف على كون المكلّف به في حال النسيان هو المكلّف به في حال الالتفات حتى يكون الشك في سقوطه كافياً في ايجاب الاعادة والقضاء ويحتاج في الحكم بعدم وجوبهما إلى دليل يقتضي بدليّة الفعل الصادر نسياناً عن المأمور به الواقعي، ومع الشك في ذلك واحتمال كون الحكم الواقعي أحد الأمرين وجوب فعل تمام الأجزاء في حال الالتفات، ووجوب باقي الأجزاء في حال النسيان فالقدر الذي ثبت التكليف اليقيني به هو ذلك وهو يسقط بفعل المنسي بداهة والتكليف، بما عداه غير معلوم حتى يجب بمقتضاه الاعادة في الوقت ويصدق مع عدم موافقته فوت الواجب حتى يجب القضاء في خارج الوقت، ومع عدم الثبوت يكون الأصل براءة الذمة عن وجوب الاعادة والقضاء.

والحاصل: أنّ سقوط الأمر بما علم تعلّق الأمر به بفعل الناسي في حال النسيان

١٥١

معلوم، وثبوت التكليف بغيره غير معلوم بعد زوال النسيان لا دليل على الاعادة سواء كان الوقت أم لا.

وقد يقال: إنّ عموم حديث الرفع - بناء على أن يكون المرفوع تمام آثار المنسي - يقتضي البراءة، لأنّ الجزئية من آثار الجزء المنسي فهي مرفوعة بمقتضى الخبر في حال النسيان.

وفيه: بعد تسليم أنّ المقصود رفع جميع الآثار أنّ الجزئية ليست من الآثار الشرعية القابلة للابقاء والرفع حتى يقال: انّ الحديث دالّ على رفعها، لأنّها لا تكون الاّ انتزاعياً من الأمر بالكل وليست أمراً مجعولاً شرعياً يكون قابلاً للبقاء والرفع، والقابل لهما انّما هو الأمر بالكل الذي يكون منشأ لانتزاع ذلك، وهو ليست من آثار الجزء المنسي وفساد العبادة التي ترك فيها الجزء وإن كان مستنداً إلى ترك ذلك الجزء، إلاّ أنّه ليست ايضاً حكماً شرعياً للجزء، بل من اللوازم العقلية للأمر بالكل، إذ فساده ليست الاّ عدم موافقة العبادة للأمر الأوّل واستناد بقاء الأمر الأوّل إلى ترك الكل المستند إلى ترك الجزء في ضمن ما أتى به من العبادة لا يجعل البقاء من آثار ترك الجزء إلاّ بواسطة وهي كونه مستلزماً لترك الكل فلا يكون بقاء الأمر الأوّل بسبب ترك الجزء من أحكام الجزء حقيقة، بل هو من اللوازم العقلية لتركه، والمرفوع في الرواية آثار المنسي بلا واسطة، لأنّ الآثار التي لها بواسطة، حقيقة آثار للواسطة، والمرفوع في الرواية الآثار الشرعية الثابتة للمنسي بلا واسطة، وليست الجزئية منها، كما أنّ بقاء الأمر الأوّل ليس أيضاً منها.

ويمكن دفع هذا الاشكال بوجهين:

الأوّل: أنّ الجزئية وإن كانت أمراً انتزاعياً، إلاّ أنّها مجعولة للشارع بالتبع - أي بجعله الأمر بالكل - وكما يكون المجعول أصالة داخلاً في المرفوع، كذلك المجعول تبعاً داخل فيه وتوضيح ذلك أنّه لا شبهة أنّ الجزئية من الأحكام الوضعية الثابتة للجزء فإن لم يكن مجعولاً أصالة، لكنه مجعول تبعاً بسبب جعل ما انتزع منه من الأمر أو النهي مثلاً ولا ريب أنّ رفع ذلك وإبقاءه برفع منشأ إنتزاعه وإبقائه، فهو وإن لم

١٥٢

يكن قابلاً للرفع في نفسه مع قطع النظر عن منشأ انتزاعه لكنه قابل له برفع منشأ انتزاعه، والمرفوع في الخبر: رفع آثار المنسي، وآثاره أعم من الآثار المجعولة له أصالة والمجعولة له تبعاً، غاية الأمر انّ رفع كل شيء بحسبه، فرفع المجعول أصالة برفع نفسه، ورفع المجعول تبعاً برفع منشأ انتزاعه، وعدم كون منشأ الانتزاع من آثار المنسي لا يضرّ في المقام ولا نقول به، بل الآثار المرفوعة أعمّ من الآثار المجعولة تبعاً وأصالة، وذلك لأنّ المرفوع بواسطة ايضاً مرفوع، فالمانع عن شمول الحديث للجزئية - وهو عدم قابليتها للرفع - غير موجود.

فان قلت: إنّ رفع الجزئية بهذا المعنى - أعني رفع منشأ انتزاعه - لا يوجب الاكتفاء بالفعل الصادر في حال النسيان، ضرورة أنّ عدم الأمر بالكلّ لا يستلزم الأمر بمفهوم آخر مباين له.

قلت: المفهوم من رفع الجزئية عرفاً هو رفع خصوصها مع بقاء الأمر بباقي الاجزاء، مع امكان أن يقال: إنّ رفع الأمر بالكل مع العلم بكون الناسي مكلّفاً بشيء في الواقع يكفينا في المقام، فانّ معه يتعيّن أن يكون باقي الأجزاء هو المأمور به فتأمّل.

الثاني: أنّ معنى الجزء هو أنّ ما صدر نسياناً منزّل منزلة عدمه، فترك السورة نسياناً منزّل منزلة السورة، فيدلّ على الاكتفاء في حال النسيان بما عدا الجزء المنسي.

وحاصله: أنّ الترك والفعل الصادرين عن نسيان مرفوعان - بمعنى أنّه يكون حصولهما كعدم حصولهما -.

وفيه: أنّه لا يفيد في المقام، لأنّ كون ترك السورة منزّلاً منزلة عدمه لازمه العقلي وجود السورة حيث ان ترك ترك الشيء ملازم في الخارج لوجوده، وليس لازمه الشرعي وجود ذلك الشيء، مع أنّا نمنع أنّ معنى رفع الترك الصادر عن نسيان تنزله منزلة عدمه، بل المراد: رفع آثاره لأنّه الظاهر من الكلام، ونمنع كون معناه رفع الترك أو الفعل الصادرين عن نسيان، بل معناه: رفع المنسي وهو ما ترك

١٥٣

نسياناً سواء كان ما ترك فعل شيء مثل السورة، أو ترك شيء كترك التكلّم، ولا ريب أنّ معنى رفع المنسيّ رفع آثاره وهو ترتّب المؤاخذة على تركه أو كونه جزء لعبادة أو شرطاً لها أو غير ذلك من آثاره الثابتة المترتّبة عليه حال الالتفات.

الكلام في الزيادة

مسألة

من الامور التي يمكن الشك في كونها مانعة عن العبادة الزيادة وهي: انّما تتحقّق في الجزء الذي لم يكن مأخوذاً فيها عدم الزيادة، والمراد من الزيادة المعتبر عدمها في الجزء هو عدم لحوق ذات الجزء بمثله لا الزيادة على المركّب، إذ يستحيل إعتبارها في مفهوم الجزء، لأنّ ملاحظة الجزء مقدّمة على ملاحظة المركّب، وملاحظة الزيادة متأخّرة عن تصوّر المركّب، فلا يمكن إعتبارها في مفهوم الجزء، ثم إنّ عدم لحوق ذات الجزء بمثله قد يكون من اعتبارات المركّب بحيث يكون الجزء هو الذات لا بشرط شيء ويكون ذلك من الامور المعتبرة في المركّب، وقد يكون من إعتبارات الجزء بحيث يكون الجزء هو الذات الغير الملحوقة بمثله.

فعلى الأول: يكون المأتي به ثانياً بقصد الجزئية زيادة في المركّب وموجباً لنقصه، لكونه نقيض ما اعتبر فيه ولا يمكن معه إتمام المركّب أيضاً لتحقّق ما اعتبر عدمه.

وعلى الثاني: يكون المأتي به مفسداً لما أتى به أوّلاً بقصد الجزئية لانتفاء شرطه الذي هو عدم لحوق مثله به ويكون زيادة في المركّب إن قلنا إنّه لا يعتبر في تحقّق الزيادة في المركب سنخيّة ما أتى به بقصد الجزئية لبعض أجزائه.

وإن قلنا: إنّه يعتبر ذلك فلا يكون زيادة وهل يمكن بناءً على كون عدم التعدّد من لواحق الجزء تدارك ما فسد باتيان الزائد؟ الظاهر نعم لأنّ الثالث لا يكون ملحوقاً بمثله فهو جامع للشرط المعتبر في الجزء وحينئذٍ لا مانع من صحة المركّب الاّ من حيث الشك في كون السابق مفسداً لكونه زيادة نعم لو كان التعدّد المعتبر

١٥٤

عدمه في الجزء عدم كونه مقروناً بمثله ولو سابقاً عليه لم يمكن تداركه.

واعلم: أنّ في صورة التمكّن من تدارك الجزء لا يمكن قصد كون ما يفسد به السابق جزءً لانّ الأمر بذات الجزء ما لم يتحقّق فساد السابق ساقط، وإن كان الأمر بالمفهوم المقيّد سقوطه مراعى بعدم لحوق الثاني فلا يمكن قصد الامتثال بالثاني.

نعم لو كان رفع اليد عمّا وقع صحيحاً موجباً لالغائه صحّ قصد الامتثال بالثاني مع رفع اليد عن الأوّل، فانقدح أنّه لا يتحقّق الزيادة على تقدير كون عدمها شرطاً في المركّب إذا قلنا انّه يعتبر في صدق الزيادة سنخية الزائد مع بعض أجزاء المركّب، وظهر أنّه لا شك في فساد المركّب على تقدير الاكتفاء بالمكرّر مع عدم التدارك حيث يمكن التدارك لفقد الجزء ونقص المركب.

وكذا لا شك في أنّه لو كان المأخوذ في المركّب ذات الجزء ملحوظاً فيه الاطلاق من حيث الوحدة والتعدّد لا يكون التكرار مخلاًّ، للعلم بعدم منافاة المأتي به للمركّب وهذا الفرض يتصوّر فيما إذا كان المتعدّد فرداً واحداً للجنس المعتبر في المركّب؛ إمّا حقيقة كما في المسح بالنسبة إلى عرض الممسوح، فانّ مسح اصبعين مسح واحد كما أنّ مسح واحدها أيضاً مسح واحد، أو عرفاً كما في المسح بالنسبة إلى طول الممسوح، فانّ مسح الرجل إلى الكعبين وإن كان منحلاًّ عند العقل بمسحات الاّ أنّه عند العرف مسح واحد، وفيما إذا كان المتعدّد ملحوظاً شيئاً واحداً، كما إذا فرض أنّ المعتبر في الصلاة جنس الركوع الذي له فردان: أحدهما البسيط وهو الانحناء الواحد، وثانيهما المركّب من انحنائين ويكون تعيين كل منهما في الايجاد الخارجي بقصده أوّل الأمر بحيث لا يصح العدول عنه بعد الاشتغال بالجزء وفيما إذا كان الزائد جزءً مستحبّاً بحيث لو ترك لم يكن تركه مخلاًّ ولو فعل كان جزءً لما أتى في ضمنه، ولا يتخيّل انّ هذا حينئذٍ يكون جزءً للمركّب، لأنّ ما اعتبر في المركّب لا يمكن وجوده بدونه، وانّما يكون ذلك جزءً للفرد الموجود في الخارج، ويكون للمركّب فردان أحدهما المشتمل على ذلك، والآخر ما لم يشتمل عليه، وهكذا الأمر

١٥٥

في الصورة الثانية أيضاً كما لا يخفى.

ولمّا كان حكم الأصل بالنسبة إلى أقسام الزيادة مختلفاً لا بأس بالاشارة إلى أقسامها فنقول: زيادة الجزء يتصوّر على وجوه:

الأول: أن يأتي بالجزء بقصد كونه جزءً مستقلاً إمّا شرعاً لاعتقاده ذلك أو تشريعاً.

الثاني: أن يقصد كون الزائد والمزيد عليه جزءً واحداً كأن يعتقد أنّ الركوع الواجب في الصلاة هو الصادق على الواحد والاثنين.

الثالث: أن يأتي بالزائد بدلاً عن السابق لرفع اليد عنه إمّا إقتراحاً في الاثناء للاستعجال، أو بعد الاتمام لتحصيل الثواب المترتّب على خصوص ما يأتي به ثانياً، وإمّا لأجل فساد الجزء السابق، والأصل في الصورة الاولى بقسميها الفساد، لأنّ ما قصد به الامتثال غير المأمور به، وما يقع به الأمتثال غير مقصود، والأصل في البواقي الصحّة، لأنّ مرجع الشك إلى مانعية الزيادة، والأصل البراءة عن وجوب ترك الزيادة عقلاً ونقلاً كما مرّ في الشك في الجزئية والشرطية ويستفاد من الشيخ الأجلّ في رسالة(١) البراءة ونقل عنه المناقشة في أثناء البحث في الفرق بين الصور، وحاصلها: أنّ كون ما أتى به غير المأمور به مبني على أن يكون عدم الزيادة معتبراً في المأمور به وهو غير معلوم.

وبالجملة: المأمور به إمّا الجنس الموجود في ضمنه ما فيه الزيادة وفيما ليس فيه الزيادة أو خصوص ما ليس فيه الزيادة، فان كان الأوّل فقد تحقّق في الخارج مقروناً بقصد الامتثال، وإن كان الثاني فلا دليل على كونه هو المأمور به، ومقتضى البراءة سقوطه عن المكلّف في مرحلة الظاهر فعدم تعلق قصد الامتثال به لا يضرّ بسقوط العقاب عن المكلف باتيانه المشتمل على الزيادة.

والقول: بأنّ المأمور به وإن كان هو الجنس لم يتعلّق به قصد الامتثال

____________________

(١) فرائد الاصول: ص ٤٨٨.

١٥٦

وخصوص المشتمل على الزيادة الذي تعلق به قصد الامتثال من حيث خصوصيته لا يكون مأموراً به.

يدفعه: أنّ معتقد كون المأمور به هو الزائد يأتي بالمشتمل عليه، لأنّه مأمور به فهو قاصد في اتيانه بذلك موافقة الأمر، ووجود الجنس في الخارج الذي هو مطلوب من المكلّف عين وجود الفرد في الخارج، فايجاد الجنس في الخارج مقرون بقصد الامتثال، وقصد الامتثال بهذا الوجود الخارجي الذي هو عين وجود الجنس والنوع لأجل خصوصية خارجية ليس إلاّ تصرّفاً في أمر عقلي لا يضر بحصول الامتثال بذلك الوجود.

والحاصل: أنّ الحيثية مكثّرة للموضوع في ظرف الذهن، وأمّا في الخارج فلا فالحيثيتان الموجودتان في الفرد في الخارج لا توجبان تعدّد الفرد في الخارج، نظير صلاة من يعتقد أنّ الأجزاء المستحبّة واجبة، وصوم من يعتقد أنّ بعض ما لا يجب تركه يكون تركه واجباً، فانّه حينئذٍ لا يكون قاصداً للامتثال مع هذه الحالة الاّ بالخاص من حيث الخصوصية.

ولا يمكن أن يقال: إنّ الصلاة المشتملة على الأجزاء المستحبة عين المأمور به في ظرف الذهن، ضرورة أنّ الأجزاء المستحبة أجزاء لذلك الفرد، وينتفي بانتفائها ولا يكون أجزاء للمركب، لأنه لا ينتفي بانتفائها ولا يعقل جزئية شيء لشيء وعدم انتفائه بانتفائه.

وبالجملة: لا فرق بين صلاة من يعتقد كون الصلاة ذات ركوعين مستقلين، وبين صلاة من يعتقد كون الصلاة ذات ركوع غير مشروط بالانفراد والتعدّد مع ايجاد المتعدّد في الخارج إلاّ من حيث كون الاتيان بالصلاة في الصورة الثانية من حيث الاندراج تحت عنوان ذات الركوع، وفي الصورة الاولى من حيث الخصوصية والحيثية لا يوجب تكثر الموضوع.

ولكن ذلك كلّه في صورة كون الآتي بالمشتمل على الزيادة إتيانها لا بقصد التشريع، وأمّا في صورة التشريع فالظاهر الفساد، لأنّه لم يقصد الامتثال حينئذٍ

١٥٧

بالمرّة، والظاهر أنّه لا فرق بين أن يكون قاصداً للزائد جزءً مستقلاً، وبين أن يكون قاصداً وحدته مع المزيد عليه، والظاهر أنّ القائل بالصحّة في الصورة الثانية لا يريد بها الأعم من صورة التشريع، ويشهد لذلك تمثيله بصورة الاعتقاد مع عدم التعرّض لصورة التشريع.

ثم اعلم: أنّ الزيادة في الصورة الثالثة في صورة فساد الجزء السابق يتحّقق في الجزء السابق لأنّ المأتي به ثانياً مطابق للأمر المتعلّق بالجزء دون المأتي به أوّلاً، وأمّا في صورة الصحة فان قلنا بأنّ رفع اليد موجب لالغاء المأتي به أو لا يكون هو الزائد، والاّ فالزائد هو الثاني فتأمّل.

فانقدح أنّ الاصل في كون الزيادة مبطلة هو البراءة في جميع الصور، وليس هنا ما يمنع عن مقتضاه، وظهر أنّ هذا كلّه حكم كلّ ما شك في مانعيته.

ثم اعلم أنّه ربما يتمسّك لاثبات صحّة العبادة عند الشك في المانعية باستصحاب الصحّة.

وقد أورد: بأنّ المراد من الصحّة ليس صحة تمام العبادة، لأنها لم توجد بعد، وصحة الأجزاء السابقة على حدوث مشكوك المانعية لا شك فيها، لأنّها إمّا عبارة عن مطابقتها للأمر المتعلق بها، أو ترتب آثارها عليها، ولا ريب في حصول الأول، لأنّ ما وقع لا ينقلب عمّا وقع عليه وكذا الثاني، لأنّ آثار الاجزاء السابقة ليس إلاّ حصول الماهية منها ومن سائر ما يعتبر في الماهية إن لحقت بها والشك في مانعية الموجود راجع إلى الشك في أنّه هل ينضمّ بفعل سائر الأجزاء جميع ما يعتبر في الماهيّة بالأجزاء السابقة لعدم اعتبار عدم ما يشك في مانعيته في الماهية، أو لا ينضمّ لاعتباره فيها وليس من آثار صحّة الأجزاء السابقة حصول الانضمام بفعل سائر الاجزاء.

والحاصل: أنّ صحّة الأجزاء السابقة ليس مشكوكاً فيها، وعلى تقدير تحقّق الشك فيها، ليس من آثارها حصول الكل بضمّ باقي الأجزاء عند حصول مشكوك المانعية، بل اليقين بالصحّة يجمع مع الشك في ذلك.

١٥٨

وقد يدفع هذا الاشكال في بعض الموارد، وهو ما إذا كان الشك في قاطعية الموجود لا مانعية ذلك - بناءً على أنّ المانع هو ما يكون عدمه معتبراً في المأمور به - نظير سائر ما يعتبر فيه من الأجزاء والشرائط من غير أن يكون حدوثه موجباً لحدوث وصف في الأجزاء، أو زوال وصف فيها، فهو في الحقيقة راجع في تركّب الماهية من امور وجودية وامور عدمية، والقاطع ما لا يكون عدمه معتبراً في المأمور به بل يكون وجوده موجباً لزوال ما اعتبر في الماهية من الهيئة الاتّصالية القائمة بمجموع الأجزاء، فالشك عند حدوث ما يشك في قاطعيته، راجع إلى الشك في بقاء تلك الهيئة الاتّصالية وعدم بقائها، فيستصحب بقاء قابلية الأجزاء السابقة للحوق سائر الأجزاء بها، إذ مع عدم وجود القاطع لها هذه القابلية، ويحدث عند الشك في حدوث القاطع شك في بقاء تلك القابلية وهذا البيان لا يجري في الشك مع وجود المانع أمّا عدم جريان استصحاب الهيئة فواضح، إذ ليس الشك في ذلك، وأمّا الشك في بقاء القابلية فلإبقاء تلك القابلية أثرها عدم وجوب إستئناف الأجزاء السابقة لا تحقّق ما يعتبر في الماهية وهو عدم المانع فالأصل بالنسبة إليه مثبت.ويمكن المناقشة في الاستصحابين في الصورة الاولى: أمّا في استصحاب الهيئة فبأن يقال: إن كان المراد من الهيئة القائمة بمجموع الأجزاء فهي لم تتحقّق بعد، فإن كان المراد: القائمة بالأجزاء السابقة فهي مقطوع البقاء، ولا تنفع في إثبات حصول الهيئة المعتبرة في العبادة باتيان سائر الأجزاء، وأمّا في استصحاب القابلية فلأنّها لا تثبت حصول الهيئة بلحوق سائر الأجزاء.

ويدفع الاولى: بأنّ إستصحاب الهيئة من الاستصحابات العرفية الغير المبنية على التدقيق العقلي، فكما أنّ الماء المسبوق بالكرية يستصحب كريتها - بناءً على أنّ الماء حال الشك هو الماء السابق - كذلك يستصحب الهيئة - بناءً على كون الهيئة امراً واحداً قائماً بالاجزاء السابقة وبالمجموع - وعن الثانية بأنّ الغرض من استصحاب القابلية ليس إلاّ عدم وجوب إستئناف الأجزاء السابقة، إذ على تقدير عدم بقائها يجب الاستئناف.

١٥٩

ويرد عليه: أنّ عدم وجوب الاستئناف ليس من آثاره حصول الهيئة الاتصالية الواجب إحرازها بضمّ سائر الأجزاء بما سبق.

هذا والتحقيق أنّ الكلام في مقامين: الأوّل: في حكم القاطع، الثاني: في حكم المانع.

أمّا الأوّل: فنقول:

إنّ معنى كون الشيء قاطعاً وناقضاً إقتضاء وجوده رفع أمر لولا حدوثه لكان ذلك الأمر باقياً، فاذا حكم الشارع على فعل بأنّ ذلك ناقض للعبادة يكون معناه: أنّ هذا الفعل موجب لرفع أمر كان حاصلاً قبل حصوله وكان ذلك باقياً لولا حدوث ذلك، وتحقّق هذا المعنى حقيقة في العبادة من غير ابتناء على المسامحة العرفية انّما هو باشتمال كل جزء على اثر بقاء ذلك الأثر في حال فعل ما يلحقه من الأجزاء معتبراً في حصول أثر اللاحق وترتّبه عليه، ويكون حدوث الجزء موجباً لحدوثه وبقائه، ويكون حدوث ما سمّاه الشارع ناقضاً موجباً لرفع ذلك الأثر - نظير الحدث بالنسبة إلى الطهارة الحاصلة من الوضوء -.

فمعنى كون الضحك ناقضاً للصلاة: أنّ لكلّ جزء من أجزاء الصلاة الذي يلحقه الضحك أثراً، يكون بقاء ذلك الأثر معتبراً في أثر ما يلحقه الأجزاء ويكون الضحك رافعاً لذلك الاثر، مثلاً التكبير أثره مرتبة من القرب يكون بقاء تلك الجزئية في ترتّب ما يترتّب على القراءة معتبراً ويكون الضحك المتخلّل بين التكبير والقراءة موجباً لارتفاع ذلك القرب.

ولا يتوهم انّ لازم ما ذكرنا كون كل جزء لاشتماله على أثر مخصوص به واجباً نفسياً، لجواز أن يكون المطلوب حصول مرتبة من القرب وهي تحصل بفعل الاجزاء شيئاً فشيئاً، ويكون بقاء ما يحصل من كلّ جزء منوطاً بعدم لحوق الضحك، فاذا شككنا في قاطعية شيء موجود، نشك في أنّه هل ارتفع بحدوث ذلك ما كان حاصلاً بفعل الجزء أم لا، والأصل عدم حدوث ما يرفع ذلك وكذلك الأصل بقاء صحّة الجزء السابق - أي بقاء أثره الحاصل بفعله - ويرتّب على هذا الاستصحاب

١٦٠