الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية0%

الرسائل الفشاركية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 604

الرسائل الفشاركية

مؤلف: آية الله السيد محمد الفشاركي
تصنيف:

الصفحات: 604
المشاهدات: 41120
تحميل: 4369

توضيحات:

الرسائل الفشاركية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 604 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41120 / تحميل: 4369
الحجم الحجم الحجم
الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية

مؤلف:
العربية

مخالفة كثيرة شخصية أو نوعية يشكل التمسّك، مضافاً إلى دلالة الأخبار على إيجاب الاعتبار، ولا الاكتفاء بالاحتياط لما مّر من أنّ العمل بالاحتياط مع الشكّ في الأمر والتمكّن من الفحص مشكل، نسب الى مشهور العلماء المنع عنه فتأمّل. ومثل هذه الصورة ما لو لم يكن له حالة سابقة، لأنّ أصالة البراءة عن ما يجب على الكثرة لا يجوز العمل بها، وإن كان حالته السابقة هو الكثرة فالاستصحاب لا مانع من العمل به، لأنّ وجوب الفحص في العمل بالأصل انّما يثبت إذ الزم من العمل بالأصل مخالفة الاحتياط.

وأمّا مجرّد عدم مطابقة الأصل للواقع فلا يمنع عن العمل بالأصل، وكذلك الاحتياط، لأنّ الاحتياط مع وجود الطريق الظاهري مطابقاً له أومخالفاً له لا مانع منه، واحتمال وجوب الاتيان بقصد الوجوب الظاهري لا وجه له، لأنّ دليل اعتبار الأصل يمنع عن مخالفته، والاحتياط لا يكون مخالفة للأصل، واعتبار الجزم الظاهري في صحّة العبادة مع سقوط اعتبار الجزم بالنسبة الى الأمر الواقعي كما هو لازم جواز العمل بالأصل لا دليل عليه، نعم لو قلنا إنّ قصد الأمر الواقعي جزما لازم حتى مع كون الأصل مقتضياً لوجوده كان الإتكال الى(١) الأصل باطلاً ولزم منه بطلان الإحتياط.

ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكرنا من جواز الإحتياط مع مطابقته للأصل بين المجتهد في الفتوى والمقلّد في العمل.

إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم إنّ الاحتياط في المقام يتصوّر على وجهين: أحدهما أن يأتي بالغسل باحتمال الأمر بانياً على الاستبراء بعده ليعلم حاله بالنسبة إلى هذا الغسل.

والثاني: أن يأتي بالغسل ويأتي بالعبادات الواجبة على الطاهر ويترك ما يحرم على الحائض إلى أن يحصل له العلم بحصول النقاء. والأصل في المقام - سواء

____________________

(١) كذا والصحيح: على.

٢٦١

كان هو الطهارة بناءً على أصالة عدم الدم الزائد أو الحيض بناءً على أصالة بقاء الدم - مخالف للاحتياط، لأنّه على الأوّل موجب لجواز محرّمات الحائض، وعلى الثاني موجب لجواز ترك واجبات الطاهر، فهو ساقط على الوجهين، وحينئذٍ فالإحتياط بكلا وجهيه باطل على الإشكال فيه عند التمكّن من تحصيل الطريق، إلاّ أن يقال: إنّ العمل بالأصل إذا كان(١) .

ولكنّ الإنصاف أنّ الحكم ببطلان الإحتياط إذا لم يحسب في نظر العرف لغواً مشكل، إذ لا دليل معتدّ به على منعه، ولكنّ الإحتياط في تركه.

ثمّ إنّه لو لم يتمكّن من الإستبراء والفحص فالظاهر جواز البناء على الأصل فيصير بناءً على أصالة بقاء الدم إلى أن يحصل له العلم بالنقاء، وتغتسل وتصلّي ما يخاف فوته من العبادات بناءً على أنّ الأصل هو النقاء.

ثمّ إن قلنا بوجوب الإستبراء فهل يجوز الاكتفاء بالظنّ بالنقاء لعادة أو لوجود الدم؟ لذلك وجهان أقواهما العدم.

وكيفية الاستبراء هو إدخال القطنة بأيّ وجه اتّفق ، و إن كان الأحوط هو العمل بموثقة سماعة(٢) ، بل لا يخلو عن قوّة، وأمّا رفع رجل(٣) اليسرى واليمنى فالظاهر عدم وجوبه، لأن المرسلة(٤) ورواية شرحبيل(٥) مع ما فيهما من الضعف متعارضتان.

ثمّ إن المحكي عن الرياض(٦) أنّها إذا [ أ ] دخلت القطنة صبرت هنيئة، والظاهر

____________________

(١) الظاهر سقوط عبارة هنا.

(٢) وسائل الشيعة: ب أستحباب استظهار ذات العادة، من أبواب الحيض، ح ١، ج ٢، ص ٥٥٦.

(٣) كذا والصحيح: الرجل.

(٤) وسائل الشيعة: ب وجوب استبراء الحائض عند الانقطاع قبل العشرة ح ٢، ج ٢، ص ٥٦٢.

(٥) وسائل الشيعة: ب وجوب استبراء الحائض عند الانقطاع قبل العشرة ح ٣، ج ٢، ص ٥٦٢.

(٦) لم نعثر عليه.

٢٦٢

أنّ ذلك منصرف الإطلاقات، وإلاّ فالنصوص والفتاوى كما قيل(١) خالية عن ذلك.

قولهقدس‌سره : « فإن خرجت القطنة نقيّة اغتسلت ».

أقول(٢) : إذا خرجت القطنة نقيّة فإن علم العود فلا إشكال في أنّه لا يجب الغسل، ولو علم عدمه أو لم يعلم أحدهما، ولم يظنّ بالعود وجب الغسل والعبادة، وذلك في الصورة الاولى واضح.

ويدلّ على ذلك في غيرها؛ أصالة عدم حدوث الدم، ولا يعارضه أصالة بقاء الدم، وإن قلنا به في التدريجيات للقطع بالإنقطاع.

نعم يمكن أن يعارض ذلك بأصالة بقاء الحيض، أعني الأمر المشترك بين جريان الدم فعلاً ووجوده في أثناء العشرة من مبدأ الدم، وفيه تأمّل.

وإطلاق ما مرّ من قولهعليه‌السلام : فإن لم تر شيئاً فلتغسل(٣) وقولهعليه‌السلام : وإن لم يخرج فقد طهرت(٤) وقولهعليه‌السلام في مرسلة مولى أبي المغراء: إذا رأت الدم أمسكت، وإذا رأت الطهر صلّت(٥) .

مضافاً إلى عدم الخلاف في ذلك، ولو ظنّ بالعود لعادة أو غيرها، فالأقوى إلحاقه بالشكّ لما مرّ.

____________________

(١) الذخيرة: في ادلة ثبوت الاستظهار ص ٧٠ ، س ١٣.

(٢) إلى هنا آخر ما موجود في نسخة طهران فقط، وبعده الى قوله: في ص ١١٤: مضافاً إلى النقض مشترك بين النسختين.

(٣) وسائل الشيعة: ب وجوب استبراء الحائض عند الانقطاع من كتاب الطهارة، ح ١، ج ٢، ص ٥٦٢.

(٤) وسائل الشيعة: ب وجوب استبراء الحائض عند الانقطاع من كتاب الطهارة، ح ٤، ج ٢، ص ٥٦٢.

(٥) وسائل الشيعة: ب حكم انقطاع الدم في أثناء العادة وعوده من كتاب الطهارة، ح ١، ج ٢، ص ٥٤٤.

٢٦٣

وعن الدروس: الاستظهار هنا(١) .

وربما يؤيّد بلزوم الحرج.

ويمكن الفرق بين الظنّ الحاصل من العادة وغيرها، كما يظهر عن المدارك(٢) ، والذخيرة(٣) ، وحكي الجزم به عن جماعة(٤) منهم المحقّق البهبهاني، وعلّل للأوّل بما مرّ من لزوم الحرج، وبإطلاق ما دلّ على ترك العبادة في أيّام العادة(٥) ، وعلى ما هو المنساق منها عرفاً، وللثاني بالأصل وما مرّ.

والجواب أنّ المشقة في ذلك ليس بأزيد من أغسال المستحاضة، وبأنّ أدلّة العادة انّما يرجع إليها، في حكم الدم المعلوم المردّد بين الحيض وغيره كما هو واضح.

قوله «قدس‌سره »: « وإن كانت متلطّخة صبرت المبتدئة حتى تنقى، أو تمضي عشرة أيّام ».

أقول: إذا خرجت القطنة متلطّخة لم تطهر إذا احتمل بقاء الدم بعد خروجها كما هو الغالب، وإلاّ فلو قطع بعدم بقاء شيء بعد خروجها، فلا إشكال في أنّه يجب الغسل، ومع القطع بالبقاء تستبرئ حتى حصل احتمال الإنقطاع، وليس خروجها متلطّخة أمارة لعدم الانقطاع عند الشك، كيف وليس فيه كشف وأمارية، وأيضاً ولو كان أمارة لكان أمارة لعدم الطهر في زمان معيّن، كما هو واضح، وليس هنا زمان معيّن إلاّ أقصى الحيض، ومعلوم أنّ تلطّخ القطنة ليس أمارة لبقاء الدم في تلك المدّة.

____________________

(١) الدروس: كتاب الطهارة، ص ٦ ، س ٢١.

(٢) مدارك الاحكام: كتاب الطهارة، ص ٦٣، س ٧.

(٣) ذخيرة المعاد: كتاب الطهارة، ص ٦٩، س ٤٣.

(٤) حاشية البهبهاني على مدارك الاحكام، ص ٧١ ، س ٣٦.

(٥) حاشية البهبهاني على مدارك الأحكام، ص ٧١، س ٣٦.

٢٦٤

نعم يمكن أن يقال: إنّ وجوب الاستبراء عند احتمال النقاء مطلقاً حرج، فلابدّ إمّا من تقييده بالظنّ بالنقاء لعادة أو غير ذلك، أو بما لم يظنّ بقاء الدم، وكيف كان إذا خرجت القطنة متلطّخة صبرت المبتدئة حتى تنقى، أو بمضيّ عشرة أيّام اجماعاً؛ حتى من القائلين بعدم اعتبار الإمكان في حيضية الدم.

ويدلّ عليه قبل الإجماع، مضافاً إلى قاعدة الإمكان، موثّقة ابن بكير(١) ، ومضمرة سماعة، عن الجارية البكر أول ما تحيض تقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة يختلط عليها، لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء قال: فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة(٢) .

ولا يقدح فرض الحيض في السؤال يومين، لأنّ المقصود بيان الاختلاف، مع أنّه يمكن توجيهه. بحيث لا ينافي اعتبار الثلاثة، والظاهر أنّ مراد المصنّف من المبتدئة بالمعنى الأعم، كما هو مقتضى المضمرة وقاعدة الإمكان، وأيضاً محلّ الكلام هو التحيّض إلى العشرة، وأمّا إذا تجاوز الدم عن العشرة ففي جعل تمام العشرة، حيضاً، أو الرجوع الى التميّز وما بعده كلام، لعلّه يأتي الإشارة إليه، إن شاء اللّه تعالى.

قولهقدس‌سره : « وذات العادة تغتسل بعد يوم أو يومين من عادتها، فإن استمرّ إلى العاشر وانقطع قضت ما فعلته من صوم، وإن تجاوز كان ما أتت به مجزياً ».

أقول: لا إشكال في أنّ الاستظهار مشروع لذات العادة. ويدلّ عليه قبل

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب وجوب رجوع المبتدأه الى التمييز من أبواب الحيض، ح ٥ ، ج ٢ ، ص ٥٤٩.

(٢) وسائل الشيع: ب ثبوت عدة الحيض باستواء شهرين من كتاب الطهارة، ح ١، ج ٢، ص ٥٤٥.

٢٦٥

الإجماع أخبار كثيرة تبلغ حدّ التواتر، وهو طلب ظهور حال الدم بترك العبادة يوماً أو يومين(١) .

وانّما الإشكال في مقامين:

أحدهما: أنّه هل على الوجوب، أو الاستحباب، أو الاباحة ؟

وثانيهما: أنّه كم تستظهر التي تجاوز الدم عادتها ؟

فنقول: حكي عن ظاهر الشيخ في النهاية(٢) ، والجمل(٣) ، والمرتضى في المصباح(٤) الوجوب، وقيل(٥) : بالاستحباب، ونسب ذلك إلى عامّة المتأخرين(٦) ، وليس في عبارة المصنّف هنا ما يشهد بموافقته لشيء من الأقوال، فانّ وجوب الغسل بعد الأيام المذكورة لا يدلّ إلاّ على عدمه فيها.

حجّة القائلين بالوجوب امور

الأوّل: الأصل، وهو أصالة بقاء دم الحيض، وعورض بأصالة بقاء الدم الى ما بعد العاشر المستلزم لعدم كونه حيضاً شرعاً. وردّ بأنّ المرجع بعد تسليم المعارضة الى استصحاب أحكام الحيض، لا نفس الموضوع.

قلت: أمّا التمسّك بأصالة بقاء دم الحيض، فمع ابتنائه على جريان الأصل في الأمور التدريجية، يرد عليه أنّ الشكّ هنا في اقتضاء المقتضي، فانّ انقطاع دم الحيض غالباً لعدم بقاء المقتضي لجريان، وإمكان الحيض الى العشرة لا يثبت المقتضي.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب استحباب استظهار العادة من كتاب الطهارة، ج ٢، ص ٥٥٦ - ٥٥٨. انظر الباب.

(٢) النهاية: كتاب الطهارة، ب حكم الحائض والمستحاضة ، ص ٢٤، س ٩.

(٣) الجمل والعقود (ضمن الرسائل العشرة) فصل في ذكر الحيض، ص ١٦٣ ، س ٧.

(٤) المعتبر: ٥٧.

(٥) رياض المسائل: ج ١: ٤٢ مدارك الاحكام: ٤٩.

(٦) جامع المقاصد: ب الحيض وغسله، ص ٢٩٧، ج ١. ص١٣.

٢٦٦

وأمّا المعارضة بأصالة بقاء الدم الى ما بعد العشرة، فمدفوعة:

أوّلاً: بأنّ التجاوز أمارة عدم كون الدم حيضاً، وليس ذلك من أحكامه.

فإن قلت: مستصحب العدالة يسمع خبره، وهل الخبر إلاّ طريقاً الى مدلوله، فإذا ثبت وصف الطريق بالاستصحاب، فكيف لا يثبت نفسه به؟

قلت: فرق بين الأمارات والطرق، فانّ ترتيب أحكام الواقع عند قيام الطريق، هو من أحكام الطريق ومعنى حجّيّته، وأمّا الأمارات فالمثبت للواقع فيها، هو الظنّ النوعي الحاصل من الملازمة الغالبيّة بين الأمارة وذي الأمارة، وذلك الظنّ تابع لوجود الأمارة في الخارج، وليس الوجود الاستصحابي كافياً فيه.

والحاصل: أنّ ترتيب أحكام الواقع ليس من أحكام نفس الأمارة، بل هو من أحكام لازمها، أعني الظنّ النوعي الحاصل منها بمعونة الغلبة، فأصالة بقاء الأمارة بالنسبة الى أحكام ذي الأمارة مثبت، لا يعتنى به، كما قرّر في محله.

وثانياً: بعد تسليم كون عدم حيضية ذلك الدم من أحكام التجاوز، إلاّ أنّ التجاوز لا يثبت بالأصل.

وبعبارة اخرى: إن كان ذلك حكماً لوجود الدم بعد العشرة، أعني وجوده الخارجى، فلم يعقل ثبوت هذا الحكم قبل العشرة، ولو كان التجاوز معلوماً، لأنّ الحكم لا يتقدّم على موضوعه، وإن كان حكماً لكون الدم ممّا يوجد بعد العشرة، فأصالة بقاء الدم الى ما بعد العشرة، لا يثبت كون الدم ممّا يوجد بعد العشرة.

وبعبارة ثالثة: أصالة بقاء الدم إلى ما بعد العشرة يثبت وجوده بعده، ويترتّب عليه آثار وجوده، وأمّا بقاؤه وآثار بقائه واستمراره فلا يثبت به، فافهم، فانّه لا يخلو عن دقّة.

وثالثاً: بأنّ الرجوع إلى العادة حكم من اختلط حيضها باستحضاتها، وهذا الموضوع انّما يتحقّق بعد تجاوز الدم واقعاً، لا استصحاباً، فافهم.

وأمّا ما أورد على المعارضة فيرد عليه.

أوّلاً: أنّه بعد التسليم، يكون ذلك الاستصحاب حاكماً على أصالة بقاء الدم،

٢٦٧

لأنّ معنى الحكم بكون الدم المتجاوز إستحاضة، أنّ الحيض منقطع على العادة شرعاً، ولا يعتنى بالأصل المقتضي لبقائه، فيجب عدم الاعتناء بأصالة بقاء الحيض عند ثبوت التجاوز، سواء كان المثبت له طريقاً عقلياً، أو أصلاً تعبّدياً، ولا يتخيّل العكس هنا، ولا يخفى وجهه.

وثانياً: أنّ استصحاب الحكم تابع لبقاء موضوعه، والفرض أنّه مشكوك البقاء.

فإن قلت: المراد من الحكم المستصحب ليس هو الأحكام التكليفية الثابتة للحائض، بل المراد هو الحالة الحادثة في الحائض، لسبب خروج الدم الباقية ببقاء الحيض الشرعي، أعني القدر المشترك بين سيلان الدم متّصلاً وخروجه بعد تحقق الثلاثة المتوالية في أثناء العشرة ولو بعد النقاء.

قلت: أوّلاً: أنّ الذي يتعقل تحقّقه أمران: الحيض الشرعي، والحدث المانع عن العبادة المرتفع بالغسل عند انقطاع الحيض، فإن كان المستصحب هو الأوّل فليس ذلك إلاّ نفس الموضوع، وإن كان الثاني فهو، وإن كان من مقولة الأحكام الوضعية، إلاّ أنّ بقاءه، لا يفيد وجوب الاستظهار.

وثانياً: سلّمنا أنّ في المرأة تحدث بالحيض قذارة غير الحدث المانع عن العبادة لكن استصحاب بقاء الدم الى ما بعد العشرة يعارضه، وليس ذلك حكماً شرعياً متأخّراً عن الحيض، كتأخّر الحكم عن موضوعه، لتبقى أصالة بقائه سليماً عن المعارض بعد سقوط أصالة بقاء الموضوع بالمعارضة، بل هو أثر من آثار الحيض كشف عنه الشارع، وكلّما يعارض به أصالة بقاء الحيض معارض لأصالة بقاء ذلك.

والحاصل: أنّ مرجعية الاستصحاب للإستصحابين المتعارضين منوطة بالترتّب الشرعي دون الخارجي، فافهم. هذا مع أنّ أصالة عدم خروج دم الحيض، زائداً على القدر المعلوم إلى إنتهاء العشرة حاكمة عليه.

الثاني: قاعدة الإمكان.

٢٦٨

واجيب عنه أوّلاً: بأنّ قاعدة الإمكان انما استفيد من الإجماعات المحكيّة، والمفروض أنّ المشهور بين المتأخرين عدم الحكم بالحيضيّة في المقام، وجعل الاستظهار مستحبّاً.

وثانياً: بأنّ قاعدة الإمكان - كما تقدّم في محلّه - لا تجدي في التحيّض بدم متزلزل تحتمل ظهور كونها المستحاضة، لعدم استقرار الإمكان.

ويمكن المناقشة في الأوّل: بأن الإجماع على القاعدة، بمعنى أنّ الأصل في الدم الممكن الحيضيّة أن يكون حيضاً، إلاّ أن يقوم دليل شرعي على أنّه ليس بحيض، ومثل هذا الاجماع لا يوهن بشهرة الفتوى بعدم حيضيّة دم خاص لظن كذا دليل خاص معلوم حاله، كأخبار الاستظهار(١) .

والحاصل: أنّ القاعدة بمنزلة العام ما لم يقم دليل على تخصيصه. إلاّ أن يقال: إنّ ظاهر المجمعين هو دعوى الإجماع على الكليّة، دون القاعدة بمعنى الأصل، فالشهرة على خلاف مقتضى القاعدة في مورد موهنة لتحقّق الإجماع في ذلك المورد.

وفي الثاني: بأنّ تزلزل الدم بين كونه حيضاً مع ظهور عدمه، قد يكون للشك في تمام شرائط الحيض الواقعيّة، وقد يكون لإحتمال قيام أمارة معتبرة حاكمة على قاعدة الإمكان، كالتميّز والعادة عند تجاوز الدم مثلاً، والتزلزل بالمعنى الثاني لا ينافي استقرار الإمكان، كيف ولو بني على ذلك لم يجز الحكم على ما تراه بعد الثلاثة وقبل العشرة بأنّه حيض، إلاّ إذا قطع بعدم التجاوز، أو عدم حصول التميّز على تقديره، ولا أظنّ المستدلّين بهذه يلتزمون بذلك.

ثمّ إنّه لا ينافي ما ذكرنا من تقدّم التميّز على القاعدة كون القاعدة كلّيّة يوهن كلّيّتها الشهرة على الخلاف، للفرق بين قولنا: كلّ دم مشكوك الحيضيّة حيض،

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب استحباب أستظهار ذات العادة مع أستمرار الدّم من أبواب الحيض، ج ٢، ص ٥٥٦ - ٥٥٨، انظر الباب.

٢٦٩

وهذا المشكوك لا يجب الحكم بحيضيّته، وبين قولنا: كلّ دم مشكوك حيض، والتجاوز أمارة كون الدم استحاضة، فانّ التنافي بين الفقرتين الأولتين واضح كوضوح عدمه في الأخيرتين، فافهم فانّه لا يخلو عن شوب دقة.

الثالث: ما تقدّم في رواية محمّد بن مسلم من أنّ ما تراه قبل العشرة حيض(١) . وفي أخبار الاستبراء من أنّه متى خرجت القطنة ملوّثة لم تطهر خرج ما بعد العشرة(٢) .

والجواب عن رواية ابن مسلم يظهر ممّا تقدّم. وعن أخبار الاستبراء، بأنّ مصبّها الشكّ في وجود دم لو وجد كان حيضاً قطعاً، فلا تعلّق لها بالمقام، ثمّ لا يذهب عليك أنّ مقتضى هذه الأدلّة - على تقدير تماميّتها - هو الحكم بكون ما بعد العادة حيضاً، والقائل بوجوب الاستظهار لا يلتزم به. وسيأتي توضيحه إن شاء اللّه تعالى.

الرابع : ظاهر كثير من أخبار الاستظهار: كموثقة مالك بن أعين: عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم، قال: نعم إذا مضى له منذ يوم وضعت، بقدر أيّام حيضها، ثم تستظهر بيوم، فلا بأس أن يغشاها إن أحبّ(٣) .

وموثقة زرارة: تقعد النفساء أيّامها التي كانت تقعد في الحيض وتستظهر بيومين(٤) .

وصحيحة زرارة: قلت له: النفساء متى تصلّي ؟ قال: تقعد بقدر حيضها وتستظهر بيومين، فإن انقطع الدم وإلاّ اغتسلت - إلى أن قال - قلت: والحائض؟ قال: مثل ذلك سواء(٥) .

وفي موثقة سماعة: فإن كانت أكثر من أيّامها التي تحيض فيهنّ، فلتتربّص

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب أقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام، ح ٣، ص ٥٥٤.

(٢) وسائل الشيعة: ب وجوب أستبراء الحائض من أبواب الحيض، ج ٢، ص ٥٦٢، انظر الباب.

(٣) وسائل الشيعة: ب أن أكثر النفاس عشرة أيام من أبواب الحيض، ح ٤، ص ٦١٢.

(٤) وسائل الشيعة: ب أن أكثر النفاس من أبواب الحيض، ح ٥، ص ٦١٢.

(٥) نفس المصدر السابق والباب، ح ٢، ص ٦١١.

٢٧٠

ثلاثة أيّام بعدما تمضي أيّامها، فإذا تربّصت ثلاثة أيّام ولم ينقطع الدم عنها، فلتصنع كما تصنع المستحاضة(١) .

وفي موثقته الاخرى: فإذا زاد الدم على الأيّام التي كانت تقعد، استظهرت بثلاثة أيّام ثم هي مستحاضة(٢) .

وكموثّقة زرارة عن الطامث تقعد بقدر أيّامها كيف تصنع؟ قال: تستظهر بيوم أو يومين(٣) .

وفي رواية حمران بن أعين المرويّة عن المنتقى قلت: فما حدّ النفساء؟ قالعليه‌السلام : تقعد أيّامها التي كانت تطمث فيهنّ أيّام أقرائها(٤) ، فان هي طهرت وإلاّ استظهرت بيومين أو ثلاثة(٥) .

وكصحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه وعلى آبائه وأبنائه السلام، قال: سألته عن الطامث كم تستظهر؟ قال: تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة(٦) .

وموثّقة يونس بن يعقوب، عن امرأة رأت الدم في حيضها حتى تجاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلّي؟ قال: تنتظر عدّتها التي كانت تجلس، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام(٧) .

وفي رواية أبي بصير: النفساء إذا ابتلت بأيّام كثيرة مكثت مثل أيّامها التي كانت تجلس قبل ذلك واستظهرت بمثل ثلثي أيّامها(٨) . إلى غير ذلك من الأخبار،

____________________

(١) نفس المصدر السابق ، ب أستحباب استظهار ذات العادة من أبواب الحيض، ح ١، ص ٥٥٦.

(٢) وسائل الشيعة: ب أستحباب أستظهار ذات العادة من أبواب الحيض، ح ٦، ج ٢، ص ٥٥٧.

(٣) وسائل الشيعة: ب أستحباب أستظهار ذات العادة من أبواب الحيض، ح ١٣، ج ٢، ص ٥٥٨.

(٤) في المصدر: قرئها.

(٥) وسائل الشيعة: ب أن أكثر النفاس عشرة من أبواب النفاس، ح ١١، ج ٢، ص ٦١٤.

(٦) وسائل الشيعة: ب أستحباب أستظهار ذات العادة من أبواب الحيض، ح ٩، ج ٢، ص ٥٥٧.

(٧) وسائل الشيعة: ب استحباب أستظهار ذات العادة من أبواب الحيض، ح ١٢، ج ٢، ص ٥٥٨.

(٨) وسائل الشيعة: ب أن أكثر النفاس عشرة من أبواب النفاس، ح ٢٠ ج ٢، ص ٦١٦.

٢٧١

وسنتلو عليك بعضها في أثناء الكلام إن شاء اللّه تعالى. وهذه كما ترى مع أختلافها في تقدير الاستظهار، أغلبها ظاهر في الوجوب، إلاّ أنّ بازائها أخباراً كثيرة ظاهرة في عدم الوجوب، بل وأصل المشروعية، مثل قولهعليه‌السلام في مرسلة يونس الطويلة الصريحة في المستحاضة المعتادة: لا وقت لها إلاّ أيّامها(١) .

وقولهعليه‌السلام فيها أيضاً: تعمل عليه وتدع ما سواه، وتكون سنّتها فيما يستقبل إن استحاضت(٢) .

وفيها أيضاً: في المضطربة المأمورة بالتحيّض سبعاً ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع لما قال لها تحيّضي سبعاً(٣) ، فيكون قد أمرها بترك الصلاة أيّاماً وهي مستحاضة، ولو كان حيضها أكثر لم يأمرها بالصلاة وهي حائض. فإن المستفاد منه أنّ الشارع لم يكن ليأمر بترك الصلاة بعد العادة.

ومثل صحيحة معاوية بن عمار: المستحاضة تنظر أيّامها فلا تصلّي فيها ولا يقربها بعلها، وإن جازت أيّامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت وصلّت(٤) .

وكموثقة سماعة: المستحاضة تصوم شهر رمضان إلاّ الأيّام التي كانت تحيض فيها(٥) .

ورواية ابن أبي يعفور: المستحاضة إذا مضت أيّام قرئها اغتسلت واحتشت(٦) .

ورواية مالك بن أعين: عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟ قال: ينتظر

____________________

(١) و (٢) و (٣) : وسائل الشيعة: ب وجوب رجوع ذات العادة المستقرة، من أبواب الحيض، ح ١، ج ٢، ص ٥٤٢.

(٤) وسائل الشيعة: ب الأستحاضة أقسامها وجملة من أحكامها، من أبواب الأستحاضة، ح ١، ج ٢، ص ٦٠٤.

(٥) وسائل الشيعة: ب عدم تحريم الصلاة والصوم، من أبواب النفاس، ح ١، ج ٢، ص ٦٠٩.

(٦) وسائل الشيعة: ب الاستحاضة أقسامها وجملة من أحكامها، من أبواب الاستحاضة، ح ١٣، ج ٢، ص ٦٠٨.

٢٧٢

الأيّام التي كانت تحيض فيها، وحيضها مستقيمة فلا يقربها في عدّة تلك الأيّام(١) .

وفي مرسلة يونس القصيرة: كلّما رأت المرأة أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض، وكلّما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض(٢) .

وفي المستفيضة: الصفرة بعد الحيض ليس من الحيض(٣) .

وعن المبسوط: أنّه روي عنهمعليهم‌السلام : أنّ الصفرة في أيّام الحيض حيض، وفي أيّام الطهر طهر(٤) .

ويمكن الجواب عنها: أمّا عن الفقرة الأخيرة من رواية يونس فبأنّ الحكم بالحيضية الواقعية فيما ليس بحيض، وكذا عكسه على وجه لا ينكشف خلافه، ويلزم منه فوت الواجب رأساً، أو الوقوع في الحرام غير الأمر بالاحتياط، ترجيحاً لجانب بعض الاحتمالات على بعض الى أن تطهر، فيترتّب عليه حينئذٍ آثار الواقع من قضاء ما فات وغيره. والذي دلّ(٥) الرواية على نفيه هو الأوّل دون الثاني.

وأمّا عن الفقرتين الأوّلتين، فبأنّ الظاهر أنّ انحصار الوقت في الأيّام، ووجوب العمل عليها، انّما هو في صورة استمرار الدم وتجاوز عن حدّ إمكان الحيض، وهذا لا كلام ولا إشكال فيه.

وأمّا عن الأربعة السابقة على المرسلة القصيرة، فبأنّ الظاهر أنّها في الدامية التي لا تطهر، ويشهد لذلك، موثقة ابن سنان: في المرأة المستحاضة التي لا تطهر، قال: تغتسل عند صلاة الظهر - إلى أن قال -: لا بأس يأتيها بعلها متى شاء إلاّ أيّام أقرائها(٦) .

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب حكم وطي المستحاضة، من أبواب النفاس، ح ١، ج ٢، ص ٦٠٩ و ٦١٠.

(٢) وسائل الشيعة: ب ان الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي ايام الطهر طهرا، ح ٣ ، ج ٢، ص ٥٤٠.

(٣) المصدر السابق: ب السابق والرواية السابقة في الهامش ٥.

(٤) المبسوط: فصل في ذكر الحيض والأستحاضة، من كتاب الطهارة، ص ٤٤، س ٩.

(٥) كذا في النسخة الخطية والصحيح: دلّت.

(٦) وسائل الشيعة: ب الأستحاضة أقسامها، من أبواب الأستحاضة، ح ٤، ج ٢، ص ٦٠٥.

٢٧٣

وأمّا عن المرسلة فبأنّها مخصّصة بالمنقطع على العشرة، فلا يجوز التمسّك بها على حكم ما يشكّ في انقطاعه عليه، فانّ الرجوع إلى العلم في الشبهات المصداقية، ليس بأولى من الرجوع الى الخاص، كما قرّر في محلّه.

ودعوى أنّ المرسلة ظاهرة في حكم العمل فمحصّل مدلولها: أنّه يجب أن يعامل مع الذي بعد العادة معاملة عدم كونه حيضاً إلى أن ينكشف الخلاف، والحكم بالحيضيّة الواقعيّة على المنقطع لا ينافي ذلك، فلا تخصّص المرسلة أدلّتها.

مدفوعة بأنّ ظاهر القضية هو نفي الحيضيّة الواقعيّة، وحملها على حكم العمل يحتاج إلى شاهد، هذا مع أنّه ليس من البعيد أن يقال فيها أيضاً: أنّها في الدامية التي استمرّ دمها، وعلى فرض التسليم فيجب تخصيصها بأخبار الاستظهار، فانّها أخصّ من المرسلة مطلقاً.

وأمّا أخبار الصفرة فمحمولة على غير أيّام الاستظهار، ويشهد لذلك قولهعليه‌السلام في رواية أبي بصير: ما كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض.

وقد ذكر للجمع بين هذه الأخبار وجوه اخر:

منها: حمل ما دلّ على وجوب الاستظهار على ما كان بصفة الحيض، وما دلّ على عدمه على ما كان بغير صفته، وذلك إمّا لتخصيص أخبار الاستظهار أوّلاً بما دلّ على أنّ الصفرة بعد الحيض ليس من الحيض فيصير بعد التخصيص أخصّ ممّا دلّ على وجوب الغسل بعد أيّام العادة فيخصّص بها، أو لشهادة صحيحة ابن مسلم عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها، قالعليه‌السلام : لا تصلّي حتى تنقضي أيّامها، فإذا رأت الصفرة في غير أيّامها توضأت وصلّت(١) .

ويؤيّده عموم(٢) ما دلّ على اعتبار الصفات، وخصوص مرسلة يونس الواردة

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض، من أبواب الحيض، ح ١، ج ٢، ص ٥٤٠.

(٢) وسائل الشيعة: ب ما يعرف به دم الحيض من دم الأستحاضة، من أبواب الحيض، ح ٢، ج ٢، ص ٥٣٧.

٢٧٤

في الاستبراء لمن انقطع عنها الدم ظاهراً، ولا تدري أطهرت أم لا، قال: تقوم قائمة وتلزق بطنها بحائط وتستدخل قطنة بيضاء، فإن خرج على رأس القطنة مثل رأس الذباب دم عبيط لم تطهر، وإن لم يخرج فقد طهرت(١) .

ويرد على ذلك، مضافاً إلى أنّ في أخبار الاستظهار وما يأبى عن ذلك - كرواية سعيد بن يسار عن المرأة تحيض ثمّ تطهر، وربما رأت بعد ذلك الشيء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها، قالعليه‌السلام : تستظهر بعد أيّامها بيومين، أو ثلاثة، ثمّ تصلّي(٢) - أنّ تخصيص أخبار الاستظهار بأخبار الصفرة بعد الحيض، بعد كون النسبة بينهما عموماً من وجه، لا وجه له، وأيضاً فرض أخبار الاستظهار خاصّاً، بالنسبة إلى الأخبار المانعة، بملاحظة هذا التخصيص لا وجه له.

وأمّا أخبار الصفرة(٣) من الصحيحة وغيرها، فمحمولة على ما بعد أيّام الاستظهار، وأمّا الوصف في خبر الاستبراء، وارد مورد الغالب ، مع أنّ حمل أخبار المنع على الصفرة بعيد جدّاً، خصوصاً في المرسلة القصيرة(٤) مع صراحة صدرها في التعميم.

ومنها: حمل أخبار الاستظهار على من كانت عادتها غير مستقيمة، بأن تكون قد تزيد وتنقص، وهذا لا ينافي كون المرأة معتادة عددية، إذ المقصود اختلاف أيّامها بالزيادة عليها أحياناً بعد استقرار العادة على عدد معيّن، وحمل أخبار الاغتسال بمجرد انقضاء العادة على من لا يكون في عادتها اختلاف أصلاً، كما هو مورد رواية مالك بن أعين(٥) .

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب وجوب أستبراء الحائض، من أبواب الحيض، ح ٢، ج ٢، ص ٥٦٢.

(٢) وسائل الشيعة: ب أستحباب أستظهار ذات العادة، من أبواب الحيض، ح ٨، ج ٢، ص ٥٥٧.

(٣) وسائل الشيعة: ب أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض، من ابواب الحيض، ج ٢، ص ٥٤٠ و ٥٤١، انظر الباب.

(٤) وسائل الشيعة: ب ان الصفرة والكدرة في ايام الحيض، من ابواب الحيض، ح ٣ ، ج ٢، ص ٥٤٠.

(٥) وسائل الشيعة: ب حكم وطي المستحاضة، من أبواب الأستحاضة، ح ١، ج ٢، ص ٦٠٩

٢٧٥

ويشهد لهذا الجمع موثّقة البصري عن المستحاضة أيطؤها زوجها؟ وهل تطوف بالبيت؟ قال: تقعد أيّام قرئها التي كانت تحيض فيه، فإن كان قرؤها مستقيماً فلتأخذ به، وإن كان فيه خلاف، فلتحتط بيوم أو يومين(١) .

وفيه: مع بعد هذا الحمل، أنّ مورد الموثّقة هو الدامية اليائسة عن انقطاع الدم، ولا يخفى أنّ أخبار الاستظهار بين ما هو ظاهر في غير الدامية، وبين ما هو ظاهر في غير اليائسة، فانّ الاستظهار ينافي اليأس كما سيأتي بيانه.

ومع فرض تسليم ظهور الموثّقة في غير اليائسة، بملاحظة حمل الاحتياط على الاستظهار، يكون أخصّ من الأخبار النافية للاستظهار في الدامية، ومن الأخبار المثبتة لها دون غيرها من أخبار الاستظهار، فينحصر شهادة الموثّقة للجمع المذكور في الأخبار المختصّة بالدامية، والتزام الاستظهار في الدامية ولو في الجملة مشكل، بناءً على ما حكي عن بعض(٢) : أنّ محلّ الكلام في هذا البحث هو غير الداميّة، وأنّ ظاهر النص والفتوى اختصاص الاستظهار بالدورة الاولى.

ومن هنا ظهر أنّ العمل بالموثّقة في الدامية اليائسة أيضاً مشكل، بل فيها أشكل، فأنّ الاستظهار لها غير معقول، والاحتياط بترك العبادة لمجرد احتمال كون الدم حيضاً من غير مراقبة الانقطاع، لا يظنّ بالأصحاب أنّ يلتزموا به بل الأولى حمل الموثّقة على الاحتياط في خصوص موردها من الوطئ، وطواف البيت.

ومنها: حمل الأخبار المانعة على التقيّة.

ويرد عليه: أنّ تلك الأخبار موافقة لمذهب أكثر العامة من عدا مالك، والترجيح بمخالفة أكثرهم، إذا لم يظنّ بكون الموافق لهم تقيّة مشكل، والظنّ في تلك الأخبار بخلاف ذلك.

ومنها: إبقاء أخبار الاستظهار على ظاهرها من الوجوب، وجعلها مختصّة بصورة

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب اقسام ابواب الاستحاضة، ح ٨، ج ٢، ص ٦٠٧.

(٢) جواهر الكلام: ج ٣، ص ٢٠٥.

٢٧٦

رجاء الانقطاع لدون العشرة، كما يشهد به قولهعليه‌السلام في كثير منها: فإن رأت طهراً وانقطع اغتسلت، وإن لم ينقطع فهي مستحاضة(١) .

ويؤيّده مضافاً إلى التعبير عنه في بعض الأخبار بالإنتظار(٢) ، وفي بعضها الآخر بالاحتياط،(٣) ، الظاهر في احتمال كون الدم حيضاً بسبب انقطاعه قبل العشرة، أنّ الاستظهار طلب ظهور الحال في كون الدم حيضاً أو غيره، ولا معنى لطلب ذلك مع اليأس عن الانقطاع، ويحمل أخبار الاغتسال بعد العادة على اليائسة عن الإنقطاع، لانّ مواردها منحصرة في الدامية التي استمرّ بها الدم أشهر، أو سنين، بحيث يغلب على ظنّها عدم حصول الطهر بالصبر يوماً أو يومين، ومن هو مثلها كالنفساء، حيث إنّ الغالب استمرار دمها إلى ما بعد العشرة، ومثل النفساء من تعلّم عادة من جهة كمال استقامة عادتها، أنّ الحادث بعدها لا ينقطع على الشعرة فتزيد عادتها على حيضها، كما هو مورد مرسلة داود مولى أبي المغراء عمّن أخبره عن أبي عبد اللّه [عليه‌السلام ] قال: قلت: إمرأة يكون حيضها سبعة أيّام، أو ثمانية أيّام، حيضها دائم مستقيم، ثمّ تحيض فلم ينقطع عنها الدم، وترى البياض ولا صفرة ولا دماً، قالعليه‌السلام : تغتسل وتصلّي - إلى أن قال -: فإذا مضت أيّام حيضها واستمرّ بها الطهر صلّت، وإذا رأت الدم فهي مستحاضة(٤) .

بقي الكلام في موثّقة البصري(٥) المتقدّمة؛ ويمكن القول بمقتضاها، بأن يكون اللازم أو الراجح للدامية التي قد تزيد حيضها على عادتها أن تحتاط في التحيّض بزيادة يوم أو يومين على عادتها، انتهى. وهذا الجمع أجود ممّا ذكرناه أوّلاً في جواب أخبار المنع: أنّه في أخبار الاستظهار ما يمكن دعوى ظهورها في الدامية،

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب أستحباب أستظهار ذات العادة، من أبواب الحيض، ح ٧ ، ج ٢ ، ص ٥٥٧.

(٢) وسائل الشيعة: ب أستحباب أستظهار ذات العادة، من أبواب الحيض، ح ١٠ ، ج ٢، ص ٥٥٧.

(٣) وسائل الشيعة: ب أستحباب أستظهار ذات العادة، من أبواب الحيض، ح ٧، ج ٢، ص ٥٥٧.

(٤) وسائل الشيعة: ب حكم أنقطاع الدمّ في أثناء العادة، من أبواب الحيض، ح ١، ج ٢، ص ٥٤٤.

(٥) وسائل الشيعة: ب اقسام ابواب الاستحاضة، ح ٨، ج ٢، ص ٦٠٧.

٢٧٧

فلا محيض إلاّ بحملها على صورة رجاء الانقطاع، إلاّ أنّ في حمل تعليل مرسلة داود على اليائسة عن الانقطاع نظراً، فانّ دوام الاستقامة في العادة لا يوجب الظن بانّ الحادث بعدها تجاوز العشرة نعم يظنّ منه أنّه إستحاضة في الواقع.

فالاولى أن يعلّل لذلك بأنّ أخبار الاستظهار التي ظاهرة في غير الدامية أخصّ من المرسلة، وقد عرفت أيضاً أنّ الإلتزام بمقتضى موثّقة البصري مشكل. هذا وأجود من هذا الجمع، الجمع بين هذا وما ذكرنا.

ويجاب عن كلّ معارض بما يليق به.

أمّا مقدار الاستظهار: فقد اختلف فيه كلمات الأصحاب، فعن الصدوق: أنّه ثلاثة(١) ، وفي الإرشاد: أنّه يومان(٢) ، وعن المشهور: ما عليه المصنّف من التخيير بين اليوم واليومين، وقد عرفت اختلاف الأخبار في ذلك أيضاً.

وذكر للجمع بينها بعد جعل مدّة الاستظهار عشرة وجهان:

أحدهما: أنّ ظهور الحال الذي هو الغرض من الأمر بالاستظهار، قد يحصل بيوم واحد، وقد لا يحصل إلاّ بالصبر الى العشرة، فيكون ذكر العدد المعيّن كما في بعض الأخبار(٣) والمردّد كما في بعض آخر مثالاً لما يظهر به الحال حقيقة. فحاصل مفاد الأخبار أنّها تستظهر ما لم يصل الدم إلى العشرة، بما يظهر لها حال الدم، من حيث الانقطاع عليها والتجاوز عنها.

وثانيهما: أنّ ما يظهر به الحال بحسب عادات النساء مختلفة، فأنّ من كانت عادتها تسعاً، يظهر الحال لها بالصبر يوماً، وذات الثمانية بيومين، وهكذا، والكلّ محمول على الصبر إلى العشرة، والأخبار الأخيرة، لا يراد منها التخيير، بل المراد التنويع بحسب اختلاف العادات. وقد يوجّه الوجه الأخير بأنّ الأخبار الدالّة على

____________________

(١) الجوامع الفقهية (المقنع) : ب الحائض والمستحاضة والنفساء من كتاب الطهارة ص ٥، س ٢٠.

(٢) الارشاد: المقصد الثاني في الحيض، من كتاب الطهارة، ص ٢٢٧، س ١٢.

(٣) وسائل الشيعة: ب أستحباب أستظهار ذات العادة، من أبواب الحيض، ج ٢، ص ٥٥٦، انظر الباب.

٢٧٨

الاستظهار بواحد، وإن كانت مباينة للأخبار الدالّة على الإنتظار إلى العشرة، لتوافقها في من كانت عادتها تسعاً، وتخالفها في غيرها، إلاّ أنّها مخصّصة بالأخبار الدالّة على الاستظهار بيومين، لأنّ تلك الأخبار بعد تقييدها بعدم زيادة مجموع أيّام العادة والاستظهار عن العشرة، تختصّ بمن كانت عادتها ثمانية فما دون، فيكون أخصّ مطلقاً من أخبار الواحد، لأنّها فيمن كانت عادتها تسعاً فما دون، فيقع التعارض حينئذٍ بين أخبار الاثنين والانتظار الى العشرة، وأخبار الاثنين أيضاً مخصّصة بأخبار الثلاثة، لأنّ أخبار الثلاثة مختصّة بمن كانت عادتها سبعاً فما دون بالتقريب المتقدّم، وأخبار الثلاثة أيضاً مخصّصة باخبار ثلثي العادة، لأنّها فيمن كانت عادتها ستاً فما دون، فيقع التعارض بين أخبار الثلثين والانتظار الى العشرة.

ويمكن أن يقال: إن أخبار الثلثين مختصّة بمن كانت عادتها ستاً، لأنّ إرادة ما دون الست منها موقوف على ملاحظة الكسور في عدد الأيّام، وهو بعيد، مع أنّه لو قلنا بعمومها لما دون الست يمكن أن يقال: إنّ اطلاق الحكم بالثلثين لندرة استقرار العادة على ما دون الست.

قلت: لا يخفى بعد هذا التوجيه في الأخبار، لأنّه مستلزم لتخصيص الأكثر في كثير من الأخبار، مع أنّه انّما يصح إذا قلنا بجواز ملاحظة النسبة بين المتعارضين بعد تخصيص أحدهما بمنفصل، كما هو خيرة بعض الاصوليين، لأنّ أخصيّة أخبار الاثنين عن الواحد انّما هو بعد تقييدها بما دلّ على أنّ أكثر الحيض عشرة، وهو خلاف التحقيق.

ويرد على الوجهين: بأنّ جعل اليوم أو اليومين والثلاثة في الأخبار المعيّنة لها على المثال، بعيد جدّاً.

ودعوى أنّ مادّة الاستظهار قرينة على اختصاصها بمن يظهر لها الحال بذلك العدد المعيّن.

مدفوعة: أوّلاً: بأنّ الاستظهار أعمّ من ظهور الحال.

والقول: بأنّ حقيقة الاستظهار هو الطلب المرتّب عليه الظهور.

٢٧٩

مدفوع بالمنع من ذلك، إذ لا شهادة على ذلك من اللغة وغيرها، مع أنّ كون المراد من الاستظهار هو معناه اللغوي ممنوع، بل المراد هو الاحتياط، ومن ذلك قولهم أمر خرّاصو النخل بأن يستظهروا لأربابها أي يحتاطوا لهم في سهامهم من الثمن، ولعلّه يظهر للتأمّل في الأخبار ما يشهد لذلك: ويحتمل قريباً أن يراد من أوامر الاستظهار الاستحباب، ويكون الاختلاف باختلاف مراتب الاستحباب.

وممّا يشهد لذلك صحيحة محمّد بن مسلم سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن النفساء كم تقعد؟ قال: إنّ أسماء بنت عميس نفست فأمرها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أن تغتسل لثمانية عشر يوماً، ولا بأس أن تستظهر بيوم أو يومين(١) . بناءً على أنّ حكاية الأسماء(٢) إعراض عن الجواب بوجه حسن تقيّةً، ويكون المراد هو الاستظهار بعد أيّام العادة.

وممّا يشهد لذلك أخبار التخيير بين الاعداد، فانّ الحمل على الاستحباب وكون التخيير بملاحظة مراتب الاستحباب، أولى من حملها على التنويع بملاحظة عادة المرأة، أو على المثال وإرادة بيان ما يظهر به الحال.

فإن قلت: لا داعي لصرف أوامر الاستظهار عن ظاهرها من الوجوب، خصوصاً مع إباء كثير من الأخبار عن ذلك، مثل موثقة مالك بن أعين(٣) الدالّة بمفهوم نفي البأس المعلّق على مضيّ يوم الاستظهار على حرمة الوطء قبله. ومثل صحيحة زرارة: المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها، وتحتاط بيوم أو اثنين، ثمّ تغتسل كلّ يوم وليلة ثلاث مرّات - إلى أن [ قال: ] - فإذا حلّ لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها(٤) . فانّ ظاهرها أن الوطء في أيّام الاستظهار حرام. ومثل موثّقة

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب أن أكثر النفاس عشرة، من أبواب النفاس، ح ١٥، ج ٢، ص ٦١٥.

(٢) في النسختين هكذا والصحيح أسماء.

(٣) وسائل الشيعة: ب أن أكثر النفاس عشرة، من أبواب النفاس، ح ٤، ج ٢، ص ٦١٢.

(٤) وسائل الشيعة: ب الاستحاضة أقسامها وجمله من أحكامها، ح ١٢، ج ٢، ص ٦٠٨.

٢٨٠