الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية0%

الرسائل الفشاركية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 604

الرسائل الفشاركية

مؤلف: آية الله السيد محمد الفشاركي
تصنيف:

الصفحات: 604
المشاهدات: 41176
تحميل: 4371

توضيحات:

الرسائل الفشاركية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 604 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41176 / تحميل: 4371
الحجم الحجم الحجم
الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية

مؤلف:
العربية

٣٦١

٣٦٢

رسالة في أحكام الخلل في الصلاة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة على سيد الأنبياء وآله السادات الأوصياء واللعنة على اعدائهم الأشقياء.

الفصل الخامس

في السهو

خروج الصلاة عرفاً عن قابليّة الامتثال: إمّا بحصول نقصٍ فيها عن عمدٍ أو جهلٍ، أو نسيان للحكم أو الموضوع

وأمّا بالشكّ المردّد للأمر بين حصول الزيادة، أو النقيصة المبطلين فينتفي طريق حصول اليقين بالامتثال بها إلاّ الإعادة، أو طريق ظاهريً يبحث عنه في باب الخلل.

فمن ترك شيئاً من واجبات الصلاة عمداً بطلت صلاته، وإن كان جاهلاً عدا الجهر والإخفات فقد عذر لو جهلهما.

لا إشكال في أنّ العمد الذي هو الاختيار لا يصدق على التارك لجهل بالموضوع، فمن ترك الستر أو غيره من الشرائط جهلاً لا يصدق عليه أنّه تارك عمداً. نعم، من ترك - جاهلاً بالحكم - عامد.

وكيف كان، فلا ريب في أنّ اجزاء الناقص يحتاج الى دليل، وقد وصل في مواقع:

٣٦٣

منها: ما ذكره المصنّف. والأصل فيه - قبل الإجماع - صحيحة زرارة: (في رجلٍ جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر به، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقالعليه‌السلام : « أي ذلك فعل متعمّداً فقد نقص صلاته، وعليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسياً، أو لا يدري فلا شيء عليه »)(١) . والظاهر(٢) من القراءة، مضافاً الى أنّه القرآن هو حكايته فلا يشمل التسبيح من وجهين. والظاهر من الوصول هو المحلّ الذي لا يجهر فيه، وحمله على الصلاة أو خصوص الركعة يحتاج الى دعوى انصرافٍ، هي في محلّ المنع.

والظاهر من قوله: « لا ينبغي » كونه كذلك بالأصل، لا بالعارض، فيشكل الحكم في تسبيح الأخيرتين، وفي قراءة المأموم المسبوق اذا جهر بها، بل لا يخلو الجهر بالقراءة في الأخيرتين عن الإشكال.

ويمكن دفع الإشكال فيها، وفي التسبيح بأنّ الأخيرتين تابعتان للأوّلتين اللتين هما فرض اللّه، بخلاف الأخيرتين فأنّهما فرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهما بالعذر أولى من الأوّلتين، مضافاً إلى عدم ظهور الخلاف، بل يمكن حمل القراءة في كلام الراوي على المثال.

ولو التفت الى إبدال الجهر بالاخفات، ومحلّ القراءة باقٍ فإن قلنا: إنّ الجهر كيفيّة معتبرة في القراءة كان مقتضى القاعدة إعادة القراءة، وان قلنا: إنّها معتبرة في الصلاة، ومحلّها القراءة فلا يجب فوات محلّها.

ويشهد للأخير قولهعليه‌السلام : « فقد نقص صلاته » فأنّه ظاهر في أنّه حين الإبدال نقص الصلاة من حيث تفويت الجهر، لا فوات القراءة خاصّةً، ولا حصول الزيادة، ولو قرأ بالصاد المهملة كانت دلالته على ما ذكرنا أقرب من وجهٍ، مضافاً

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب وجوب الإعادة على من ترك الجهر والاخفات ح ١، ج ٤، ص ٧٦٦، مع اختلاف يسير.

(٢) في « ط ٢ »: « والمطلق ».

٣٦٤

الى أنّ قولهعليه‌السلام : « فلا شيء عليه » ظاهر في أنّه حين الإبدال لا شيء عليه، وحمله على الالتفات بعد الصلاة تكلّف بلا وجه.

ثمّ إنّ الجهل بموضوع الجهر والاخفات كالجهل بحكمه، وكذلك كلّ إبدالٍ وقع لا عن عمدٍ، لأنّ الظاهر من الرواية أنّ الوجوب للإعادة هو العمد، لا غيره.

ومنها: الجهل بغصبيّة المكان للصلاة، أو لماء الوضوء.

فقد قيل(١) : بأنّه لا يوجب البطلان، والظاهر أنّ ذلك لانتفاء النهي حينئذٍ.

لا يقال: لا يرتفع النهي بالجهل بالموضوع، بالمانعيّة المنتزعة منه باقية واقعاً.

لأنّا نقول: لم يتوجّه النهي التكليفيّ بنفس العبادة، بل المانعيّة منتزعة من زوال الأمر بمزاحمة النهي، وهي منتفية مع الجهل، لأنّ مخالفته مرخّص فيها بالفرض، إذ الكلام في الجهل، الذي هو عذر - ولا يعقل مزاحمة الأمر بنهيٍ - رخّص في مخالفته.

لا يقال: النهي - واقعاً - موجود، فالتنافي في مورد الإجتماع موجود، فإن خصّص الأمر بغير مورد الغصب كان الفرد المأتيّ غير مطابقٍ للأمر الواقعيّ.

لأنّا نقول:

أولاً: نمنع مزاحمة الأمر والنهي الواقعيّين، وأنّما هي عند فعليتهما.

وثانياً: نمنع بقاءها بعد عروض الشأنيّة، بعد فعلية الرخصة على الخلاف في أحدهما، عقلاً أو نقلاً، فالمنافاة أنّما هي في مرتبة الذات، لملحوظيّته مرتبة الفعليّة فيه، وبعد تحقّق عروض الشأنيّة في المرتبة المتأخّرة، التي هي مرتبة الجهل بالحكم ترتفع المزاحمة.

وثالثاً: مناط الأمر موجود، فالأمر بالصلاة ظاهراً - حينئذٍ - كافٍ في الاجزاء واقعاً ولو كان الأمر الظاهري مخالفاً للأمر الواقعي.

____________________

(١) البيان: في مكان المصلي ص ٦٣، س ٨.

٣٦٥

وقد حكي عن سيّد مشايخنا - رضوان اللّه عليه - في بعض مباحثه المباركة الشريفة ترجيح الوجه الثاني من الوجوه المذكورة.

ومنها: الجهل بنجاسة ما يجب طهارته في حال الصلاة، الذي منها محل السجود، وهو فيما عدا الأخير اذا كان العلم بالنجاسة بعد الصلاة لا إشكال فيه. وقد نطقت(١) به أخبار كثيرة:

منها: صحيحة زرارة الطويلة، التي شاع التمسك بها في باب الاستصحاب، وفيها: (فإن ظننت أنّه أصابه ولم أتيقّن ذلك، فنظرت ولم أر شيئاً فصلّيت فيه فرأيت فيه، قال: تغسله، ولا تعيد الصلاة. قلت: لم ذلك؟ قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك، فشككت، وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً (الى أن قال): قلت: فهل عليّ إذا أنا شككت أن أنظر فيه؟ قال: لا ، ولكنّك تريد أن تذهب بالشكّ الذي وقع في نفسك. قلت: إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة، قال: تنقض الصلاة، وتعيد إذا شككت في موضعٍ منه ثم رأيته، وإن لم تشكّ، ثمّ رأيته رطباً قطعت الصلاة، وغسلته، ثمّ بنيت على الصلاة، لأنّك لا تدري، لأنّه شيء أوقع عليك، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ)(٢) .

واعلم: أنّ الروايات المتعلّقة بهذا الباب بحسب الفروع المستخرجة منها مختلفة، والفتاوى - أيضاً - من أجلها اختلفت.

فمنها : صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام : (الدم في الثوب يكون عليّ وأنا في الصلاة قال: اذا رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه، وإن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك ما لم تزد على مقدار الدرهم)(٣) .

____________________

(١) في « ط ١ »: « نطق » وهو تصحيف.

(٢) التهذيب: باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ح ٨، ج ١، ص٤٢١ و ٤٢٢.

(٣) وسائل الشيعة: ب جواز الصلاة مع نجاسة الثوب والبدن بما ينقص عن سعة الدرهم، ح ٦، ج ٢، ص ١٠٢٧. مع اختلاف يسير.

٣٦٦

ومنها: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام : (في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين، ثمّ علم به، قال: عليه أن يبتدئ الصلاة. قال: وسألهعليه‌السلام عن رجلٍ يصلّي وفي ثوبه جنابة أو دم، حتى فرغ من صلاته، ثمّ علم به، قال: مضت صلاته ولا شيء عليه)(١) .

ومنها: صحيحة زرارة: (وإن أنت نظرت (في ثوبك)(٢) فلم تصبه، ثمّ قد صليت فيه، ثم رأيت بعد فلا إعادة عليك)(٣) .

ومنها: رواية صيقل قال: (قلت له: رجل أصابه جنابة بالليل، واغتسل، فصلّى، فلما أصبح نظر فاذا في ثوبه جنابة، قال: الحمد للّه الذي لم يدع شيئاً إلاّ وقد جعل له حدّاً، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئاً فلا إعادة عليه، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة)(٤) .

ومنها: صحيحة معاوية بن عمار، عن ميسر، قال: (قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : آمر الجارية فتغسل ثوبي من المنيّ، فلا تبالغ في غسله، فأصلّي فيه فاذا هو يابس قالعليه‌السلام : أعد صلاتك، أما (أنّك)(٥) لو كنت أنت غسلته لم تكن عليك إعادة)(٦) .

والذي ينبغي تقديمه في هذا الباب أوّلاً هو الأصل، ثمّ الرجوع الى خصوصيّات الأدلّة.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب عدم وجوب الاعادة على من صلى وثوبه أو بدنه نجس، ح ٢، ج ٢، ص ١٠٥٩.

(٢) أثبتناها من المصدر لضرورتها.

(٣) وسائل الشيعة: ب عدم وجوب الاعادة على من نظر في الثوب قبل الصلاة ح ٢، ج ٢، ص ١٠٦٢.

(٤) وسائل الشيعة: ب عدم وجوب الاعادة على من نظر في الثوب قبل الصلاة ح ٣، ج ٢، ص ١٠٦٢، مع اختلاف يسير.

(٥) أثبتناها من المصدر.

(٦) وسائل الشيعة: ب ان من امر الغير بغسل ثوب نجس بالمني فلم يغسله ح ١، ج ٢، ص ١٠٢٤، مع اختلاف يسير.

٣٦٧

فنقول: من الأخبار التي يستفاد منها الأصل قولهعليه‌السلام : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة »(١) والكلام فيه في مواضع:

الأوّل: ظاهر العموم أنّه لا خصوصيّة لإسباب الخلل في عدم الإعادة، وأنّها منفيّة مطلقاً، ولكنّ العمد لكون نفي الإعادة مع الخلل المستند اليه منافياً (لوقوع الخلل المفروض ثبوته)(٢) لفرض الجزئية والشرطيّة، المستفاد من قولهعليه‌السلام : « إلاّ من خمسة » غير داخلٍ فيه.

ولكنّ ظاهر الأصحاب، الاتّفاق على أنّ الجهل بالحكم ولو كان عن نسيان لا يكون عذراً مطلقاً.

والقول بالاجزاء مع تغيّر الرأي مختصّ بصورة عدم العلم، بخلاف الرأي السابق، كما تشهد به ملاحظة أدلتهم وعنواناتهم.

وأمّا الجهل بالموضوع فالأمر فيه مشكل، من حيث (أنّ)(٣) ظاهر (كلمات)(٤) كثير من الأصحاب أنّه لا يعذر(٥) من أجله، كما تشهد به كلماتهم في الفروع المتفرّقة في أبواب الجماعة، وهذا الباب، وأبواب مقدّمات الصلاة.

فإنّا نراهم يلتمسون للاجزاء في مواقع الجهل بالموضوع الى دليلٍ خاصّ في تلك المسألة، ولا نراهم يحكمون بالاجزاء في موارد ينحصر دليلها(٦) في عموم هذه القاعدة وإن كانوا يذكرونها في المواقع التي يحكمون بالاجزاء في طيّ الأدلّة، والالتزام بخروجه يخرج الرواية عن صحّة التمسّك بها في مواقع السهو والنسيان، الذي هو ديدن أهل الاستدلال، لكونه مع خروج نسيان الحكم، وجهله من التخصيص

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب عدم وجوب الاعادة على من نسي القراءة ح ٥، ج ٤، ص ٧٧٠.

(٢) هذه الزيادات اثبتناها من « ط ٢ ».

(٣) و (٤) هذه الزيادات اثبتناها من « ط ٢ ».

(٥) في « ط ٢ »: « لا يعتذر » والظاهر أن ما أثبتناه هو الصحيح.

(٦) لعودة الضمير الى الموارد وفي « ط ٢ » هكذا « في موردٍ انحصر دليله ».

٣٦٨

الأكثر الذي لا يبقى معه أصالة العموم، إلاّ أن يدّعى انصرافه الى الخلل الحاصل بالنسيان ولو بضميمة فهم الأصحاب، وهو أيضاً مشكل وان لم يكن بعيداً.

وهل المناط في السهو كونه سبباً للترك وإن كان الساهي جاهلاً بالحكم، أو يعتبر فيه كونه بحيث لو لم يكن لكان آتياً به للزومه الأقرب الأوّل للعموم وإطلاق الأدلّة الآتية. لا يقال: أمّا العموم فقد عرفت وهنه، وأمّا الاطلاقات فهي منصرفة الى غير هذه الصورة.

لأنّا نقول: لا أظنّ أنّ أحداً من العلماء يتوقّف في التمسك بهذا الحديث في باب السهو، ولو سها عن نذره فعل مستحبّ فتركه وجب الإعادة عليه إن تبيّن له وجوبه، لأنّه عامد. ولو نشأ سهوه عن التهاون في التحفّظ، لأنّه يراه مستحباً احتمل وجوب الإعادة، لرجوعه الى عدم البناء على الفعل، إلاّ مع بقاء الذكر اتّفاقاً، فيكون تركه عن اختياره(١) ، ولا يكون السهو تمام السبب، ويحتمل العدم تمسّكاً بالعموم، وفيه إشكال.

الثاني: الظاهر من الإعادة هو الاتيان ثانياً بعد تمام الأوّل، فلا ينفي الاستئناف في الأثناء، ولكنّ استعماله في الأعمّ شائع في الأخبار، وفي لسان المتشرّعة، مضافاً الى شهادة صدر الحديث، وهو قولهعليه‌السلام :« القراءة(٢) سنة » فأنّه ظاهر في أنّ تركه عن سهو لكونه سنّةً لا يوجب النقص حين حصوله، لا أنّه مراعى بإتمام الصلاة.

هذا - كلّه - مضافاً إلى الإجماع على عدم الفرق في كثيرٍ من المواضع.

الثالث: هل يستفاد من الحديث ركنيّة الركوع والسجود بالمعنى الأخصّ وهو كون زيادتهما - عمداً أو سهواً - مضرّاً، أم لا؟ فيه إشكال، من أنّ الإعادة - عقلاً - لا تصحّ إلاّ مع النقص، وإن كان حاصلاً بالزيادة المانعة فهي - حينئذٍ - داخلة في

____________________

(١) في « ط »: « اختيار » وما أثبتناه كما في « ط ٢ » وهو الأظهر.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٢٧ عدم وجوب الاعادة على من نسي القراءة ح ١، ج ٤، ص ٧٧٠.

٣٦٩

المستثنى منه.

فكأنّ المعنى: لا إعادة من قبل النقص الحاصل في الصلاة، بسبب حصول ما يعتبر عدمه، أو عدم ما يعتبر حصوله إلاّ من عدم للخمسة، ومن أنّ نقص الجزء وزيادته اعتباران متواردان عليه، يكون كلّ واحدٍ منهما موجباً للإعادة.

غاية ما في الباب: أنّ أحدهما للجزئية الذاتيّة، والآخر بجعلٍ ثانويّ، وهو كون عدم زيادته شرطاً، فالإعادة المتوهّمة وجوبها من قبل الجزء منشؤه أمران، فاذا استثني الجزء باعتبار الإعادة الحاصله من قبله خرّج زيادته عن المستثنى منه.

والحاصل: أنّ للزيادة اعتبارين:

أحدهما: كون عدمها معتبراً في الصلاة.

والآخر: كونها من صفات الاجزاء، تكون هي موجبة لسببها للإعادة، فتكون سببيّة الاجزاء للإعادة من وجهين: نقصها، وزيادتها، وهي بالاعتبار الأوّل تكون في قبال الأجزاء.

قلت: إنّ هذه دقّة جيّدة، لكنّ ظهور الرواية فيها مشكل.

ويمكن أن يقال: إنّ الرواية لا تشمل العدميّات المعتبرة، فلا حكم لها على الزيادة، فيبقى تحت عموم أصالة عدم الاجزاء - عقلاً - إن قلنا به.

والحاصل: أنّه إن ثبت عموم يدلّ على إبطال الزيادة مطلقاً لم تكن الرواية حاكمةً عليه في زيادة الأركان: إمّا لدخولها في المستثنى، أو لعدم دخوله في المستثنى منه أوّلاً.

هذا، ولكنّ الأمر هيّن من حيث أنّ الأمر في زيادة الأركان أوضح من ذلك.

الأمر الرابع: لو جهل أن سبب النقص عمد، أو سهو فالتمسّك بالعموم مبنيّ على حكم العمومات في الشبهة المصداقيّة.

إلاّ أن يقال: إنّ الخارج هو المعلوم كونه عن عمدٍ، وفيه ما فيه.

٣٧٠

الخامس: لو كان(١) ملتفتاً الى النسبة الحكميّة الناقصة بين الجزء ووجوبه، ولم يكن مذعناً به، فاعتقد خلافه قطعاً، أو لدليل، أو أصلٍ كان ناسياً للحكم.

وأمّا الذاهل عن النسبة فهو ساهٍ للموضوع، إذ ليس معنى سهو الموضوع أن تكون صورة الجزء عازبة عن ذهنه، بل يعمّ عزوبها، وعزوب صورة المحمول، وصورة النسبة، فافهم.

وأمّا الشاكّ في النسبة، الذي يترك الجزء من غير استناد الى شيء فهو عامد.

هذا كلّه حكم الأصل الثانويّ، وأمّا الأصل الأوّليّ: فأمّا في الناسي فقد يقال: إنّه عدم الاجزاء، لأنّه يختصّ بخطاب، فيكون حكمه حكم الذاكر.

ويرد عليه: أولاً منع الملازمة لجواز أن لا يكون له حكم أصلاً، لا بالتامّ المغفول عنه، ولا بالناقص الذي أتى به غفلةً، بل هو كذلك، لأنّه غير قادرٍ على المغفول عنه، وغير قابل للخطاب بالناقص، فتوجّه الخطاب به اليه لغو وقبيح.

وإن اريد من الخطاب صرف الاقتضاء والمصلحة فنسبة الإمكان الى الناقص والتامّ(٢) سواء.

لا يقال: إطلاق الأمر ما يقتضي عموم الجزئية للحالين، وعدم القدرة إنّما يوجب سقوط الخطاب، لا الاقتضاء، فاذا زالت الغفلة المانعة يعود الخطاب فعليّاً، كما هو الشأن في كلّ عاجزٍ ارتفع عجزه.

لأنّا نقول: إنّا نفرض الكلام في مقامٍ ليس دليل على عموم الجزئية من عمومٍ أو إطلاق.

لا يقال: بعد الإجماع على أنّ كل أحدٍ لا محالة له خطاب، كأنّ خطاب الناسي كخطاب الذاكر، لعدم إمكان اختصاصه بخطاب، فيكون النسيان كالجهل

____________________

(١) في الأصل: زيادة « الحكم كذا » وهي زيادة غير مناسبة، ولم توجد في « ط ٢ »، ولذا لم نذكرها حفاظاً على وحدة السياق.

(٢) في نسختي الأصل « التمام » وهو تصحيف.

٣٧١

مانعاً عن التنجّز، بل هو نوع من الجهل.

لأنّا نقول: دعوى الإجماع بالنسبة الى الجهل بالموضوع ممنوعة.

نعم، نسيان الحكم لا يوجب اختلاف الحكم، وإلاّ لزم التصويب الباطل بالإجماع.

وملخص الكلام: أنّا نشك بعد ارتفاع العذر أنّ الناسي صار مكلّفاً بغير ما أتى به نسياناً، والأصل عدمه، وثبوت الاقتضاء بالنسبة الى الجزء الفائت لا دليل عليه، فالأصل البراءة عنه كما هو الشأن في كلّ مورد دار الأمر فيه بين الأقلّ والأكثر.

لا يقال: إنّا نستصحب بقاء الإرادة الذاتيّة، التي كانت ثابتةً في حال النسيان.

لأنّا نقول: المعلوم منها - وهي المتعلّق بالقدر المشترك بين الأقلّ والأكثر - مقطوع الامتثال، والزائد مشكوك الحدوث، فالأصل عدمه والبراءة عنه.

هذا، مع أنّ لنا أن نتصوّر للناسي خطاباً يختصّ به، بأن يخاطب الناسي في ضمن مطلق الإنسان بالصلاة، ويشرح له الاجزاء والشرائط على ما هي عليه من العموم والاختصاص بالذاكر، وحينئذٍ، فإن لم يلتفت أوّل الأمر الى جزءٍ فلا محالة ينوي الأجزاء المطلقة، المفصّلة في ذهنه بعنوان أنّها عين الصلاة.

وإن التفت، والتفت(١) الى أنّ من تلك الأجزاء ما يختصّ بالذاكر ينوي الإتيان بالعبادة بحسب ما يجب عليه، على حسب الحالة الطارئة عليه، فيكون داعية المرتكز في ذهنه الأمر الواقعيّ الذي تصوّره بعنوان الإجمال، واعتقاد أنّه لا يعرض عليه النسيان لا يضرّ بالنيّة كما لا يخفى (فتأمّل)(٢) .

هذه خلاصة ما أفاد سيّد مشائخنا - رضوان اللّه عليه - في الدرس في النجف

____________________

(١) أثبتناها لما هو الظاهر، وكما في « ط ٢ ».

(٢) أضفناها من « ط ٢ ».

٣٧٢

الأشرف في مسجد الهنديّ، شكر اللّه سعيه وأجزل مثوبته.

وأما الجاهل بالموضوع: كمن جهل كونه مكشوف العورة، أو أنّ لباسه ممّا لا يؤكل لحمه، جهلاً مركباً أو غير مركّب عمل فيه بمقتضى أصلٍ ظاهري، فحكمه في الاجزاء، وعدمه حكم الناسي بحذافيره.

وأمّا الجاهل بالحكم - فلا محالة - حكمه الواقعيّ مع العالم سواء، ويكون الاجزاء في حقّه محتاجاً الى دليلٍ قطعيً، بل يشكل تصوّره في حقّه إلاّ ببعض (من)(١) الوجوه، التي ليس هنا محلّ تعرّضها.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم، أنّ الشهيد(٢) -قدس‌سره - احتمل وجوب الإعادة على الجاهل اذا كان تاركاً للفحص، وقد تمسّك برواية زرارة(٣) الأخيرة، ورواية صيقل(٤) ، والرواية الأخيرة سندها قويّ جداً كالاولى، وتوافقهما في الدلالة مرسلة الصدوق: (أنّه روى في المنيّ، أنّه إن كان الرجل (جنباً)(٥) حيث قام (و)(٦) نظر وطلب فلم يجد شيئاً فلا شيء عليه، وإن كان لم ينظر ولم يطلب فعليه أن يغسله، ويعيد صلاته)(٧) . ولكنّ الأخيرة مرسلة، ورواية صيقل غير نقيّة(٨) السند، والرواية الاولى في دلالتها ضعف، لاحتمال أن يكون النظر بياناً لطريق عدم الإصابة، لا شرطاً في الحكم.

وأمّا رواية ميسرة(٩) فيمكن حملها على كونها متّهمة، لا يجوز الإتكال على

____________________

(١) اضيفت من « ط ٢ ».

(٢) الذكرى: حكم النجاسات ص ١٧، س ١٧.

(٣) التهذيب: باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ح ٨، ج ١، ص ٤٢١ و ٤٢٢.

(٤) وسائل الشيعة: ب عدم وجوب الاعادة على من نظر في الثوب قبل الصلاة ح ٣، ج ٢، ص ١٠٦٢.

(٥) و (٦) أضفناهما من المصدر لاستقامة المتن.

(٧) من لا يحضره الفقيه: باب ما ينجّس الثوب والجسد، ح ١٦٧، ج ١، ص ٧٢.

(٨) في الأصل « نقي » وهي تصحيف.

(٩) وسائل الشيعة: ب ان من امر الغير بغسل ثوب نجس بالمني فلم يغسله ثم صلى ح ١، ج ٢، ص ١٠٢٤.

٣٧٣

إخبارها، ولا حمل فعلها على الصحة، وفيه بعد، لأنّ الظاهر أن قول: « ذي اليد » معتبر مطلقا، وكذلك « فعل المسلم » يحمل على الصحّة مطلقاً.

ولكن يمكن أن يقال: رواية الجارية أعمّ من صورة حصول العلم، أو الوثوق الذي لا يرى معه مجالاً للفحص، وغيرها من الصور، وحملها على غير هذه الصورة لا وجه له، كما أنّ الحكم باعتبار الفحص تعبّداً محضاً في سقوط القضاء بعيد.

إلاّ أن يقال: إنّ قولهعليه‌السلام « أما لو كنت أنت غسلته » قرينة على عدم حصول الوثوق بصحة عمل الجارية.

وكيف كان، فحملها على الاستحباب، مع عدم عمل المشهور به، ومعارضتها بقولهعليه‌السلام - في رواية زرارة(١) الطويلة بعد السؤال عن وجوب النظر - : « لا، ولكن تريد أن تذهب بالشكّ الذي وقع في نفسك » الظاهر في أن فائدة النظر منحصر في رفع الشك، فلا دخل له في سقوط الإعادة، خصوصاً مع سبق تعليل عدم الإعادة، بأنّه لا ينبغي نقض اليقين بالشك إن كان فرض الكلام في حدوث العلم بكون النجاسة في أثناء الصلاة الظاهر في أنّ مناط الاجزاء هو ذلك، لا هو مع سبق النظر غير بعيدٍ إن لم يكن متعيّناً.

ويؤيّده عموم « لا تعاد »(٢) وأصالة البراءة عن القضاء، بل وأصالة البراءة عن الإعادة بأن يقال: المعلوم اشتراط الصلاة بالطهارة الثابتة عقلاً أو شرعاً، وكونها واقعيّةً لم يعلم شرطيّتها، فالاصل براءة الذمّة عنها، فتأمل.

ولو تبيّن النجاسة في أثناء الصلاة فمقتضى ذيل صحيحة زرارة() الطويلة، ورواية أبي بصير(٤) السابقة وجوب الإعادة، وحمل الأخيرة على صورة عدم التمكّن من

____________________

(١) التهذيب: باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ح ٨، ج ١، ص ٤٢١ و ٤٢٢.

(٢) وسائل الشيعة: ب عدم وجوب الاعادة على من نسى القراءة ح ٥، ج ٤، ص ٧٧٠.

(٣) التهذيب: باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ح ٨، ج ١، ص ٤٢١ و ٤٢٢.

(٤) وسائل الشيعة: ب عدم وجوب الاعادة من صلى وثوبه أو بدنه نجس ح ٢، ج ٢، ص ١٠٥٩.

٣٧٤

نزع الثوب في أثناء الصلاة على وجه لا يلزم منه إبطال الصلاة وإن كان ممكناً.

ولكنّ رواية زرارة نص في غير هذه الصورة، ولا تعارضه رواية محمد بن مسلم، لجواز حملها على كون الدم أقلّ من الدرهم.

كما يشهد به قولهعليه‌السلام فيها: « ما لم يزد على مقدار الدرهم »(١) .

وأمّا تعليل رواية زرارة، فمع ما فيه من الإشكال لا يعارض الصحيحة الناصّة.

فإن قلت: هذه الروايات مهجورة لم تعمل بها الطائفة.

قلنا: ظاهر العبارة المحكيّة عن الشيخ في المبسوط(٢) : (إنّ وجوب الإعادة مع تبيّن النجاسة في الأثناء من المسلّمات).

وكيف كان فالمسألة قوّت(٣) الإشكال جداً، والاحتياط بالتمام ثمّ الإعادة طريق النجاة، كما أمر سيّد مشائخنا -رحمه‌الله - في كتبه الفتوائيّة.

واعلم، أنّ صريح الشرائع(٤) إلحاق موضع الجبهة بها في عدم وجوب الإعادة مع تبيّن النجاسة، ولعلّ وجهه، مضافاً الى عموم « لا تعاد » - أنّ طهارة محلّ السجود ليس شرطاً مستقلاً - اعتبر في قبال طهارة البدن، كما يكون ستر العورة مثلاً، بل طهارة اللباس والبدن وموضع الجبهة شرط واحد.

فيفهم من أدلّة الاجزاء في الثوب الاجزاء في موضع الجبهة، كما هو كذلك بالنسبة الى البدن، فافهم.

ويؤيّده عموم التعليل في صحيحة زرارة(٥) ، وأصالة البراءة من القضاء

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب جواز الصلاة مع نجاسة الثوب والبدن بما ينقص عن سعة الدرهم ح ٦، ج ٢، ص ١٠٢٧.

(٢) المبسوط : في حكم الثوب والبدن والارض اذا اصابته نجاسة وكيفية تطهيره ج ١، ص ٩٠.

(٣) في الأصل « قوي » وهو تصحيف والظاهر أنّ ما أثبتناه هو الارجح.

(٤) شرائع الاسلام: في الخلل الواقع في الصلاة ج ١، ص ١١٣.

(٥) التهذيب: باب تطهير البدن والثياب من النجاسات، ح ٨، ص ٤٢١ و ٤٢٢.

٣٧٥

والإعادة بالتقريب المتقدّم.

إلاّ أن يقال: إنّ المستفاد من مجموع أدلّة اجتناب النجاسات في الصلاة اشتراطه واقعاً، وأنّ مواقع سقوط الإعادة إجزاء تعبّدي ، وهو غير بعيد ٍ، بل قويّ ، واستفادة عموم الاجزاء من الأخبار بالتقريب المتقدّم ممنوع، وعموم « لا تعاد »(١) قد عرفت الكلام فيه، ودعوى الاجماع(٢) هنا قبيحه.

فالقول بعدم سقوط الإعادة، بل القضاء قويّ جداً لاطلاق الاشتراط المفهوم من الأدلّة - كما عرفت - وفاقاً للجواهر(٣) ونجاة العباد(٤) ، وتقرير شيخنا شيخ الطائفة(٥) ، وسيّد مشائخنا - رضول اللّه عليهم -.

ولو ضاق الوقت عن تحصيل الثوب الظاهر ففي وجوب الصلاة مع الثوب النجس، أو الصلاة عارياً، أو التخيير بينهما وجوه: الأقوى عند المشهور - كما قيل - : هو الثاني.

والكلام هنا: تارةً في حكم المسألة بحسب القواعد، واخرى فيه بملاحظة الأخبار الخاصّة المتعلّقة به.

واعلم: أنّ محلّ الكلام ما لو أمن من الناظر المحترم ولو بالصلاة جالساً. وأمّا معه فلا إشكال في وجوب الستر بالثوب النجس والصلاة معه.

فنقول: الأمر دائر بين فوات أحد الشرطين: طهارة لباس المصلي، و(٦) ستر عورته، وليس لأحدهما بدل، فيجب الحكم بالتخيير.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب عدم وجوب الاعادة على من نسى القراءة ح ٥، ج ٤، ص ٧٧٠.

(٢) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): ص ٤٩٣ س ٢٧.

(٣) جواهر الكلام: في وجوب الاعادة على الناسي ج ٦، ص ٢١٥.

(٤) نجاة العباد: ص ٦٤، في المبحث الثالث من أحكام النجاسات.

(٥) لم نعثر عليه.

(٦) في نسختي الأصل « أو » والظاهر تصحيف، وأثبتناه لأنّه أحد الشرطين والترديد لا يكون إلاّ بعد تعيينهما.

٣٧٦

لا يقال: يدور الأمر بين فوات الركوع والسجود، بل القيام في بعض المواضع وستر العورة، وبين فوات طهارة اللباس.

ولا ريب، أنّ فوات الثاني أولى.

لأنّا نقول: يختلف ركوع المصلّي وسجوده وقيامه باختلاف حالاته، وهي بالنسبة الى من وجبت عليه الصلاة عارياً إيماء وقعود.

والحاصل أنّ وجوب التامّ منها مقيّد بعدم وجوب الصلاة عارياً. كذا أفاد به بعض مشائخنا(١) ، وفيه نظر؛ فأنّ وجوب الإيماء لسقوط الستر بالعجز لا يلازم سقوطه مع التمكن منه، ودوران الأمر بينه وبين طهارة اللباس.

والحاصل: أنّ انتفاء الدوران بين الطهارة والركوع (التامّ)(٢) أنّما يتمّ اذا علم أنّ الركوع التامّ مقيّد - شرعاً - بعدم سقوط الستر ولو بترجيح شرط آخر عليه، وهو ممنوع.

لا يقال: شرط الستر أن يكون بالطاهر، فاذا تعذّر سقط المشروط لانتفاء شرطه، فتعيّن الصلاة عارياً.

لأنّا نقول: طهارة لباس المصلي شرط مستقلّ، ولذا لو تستّر بطاهر لم يسقط وجوب طهارة ما عليه.

ودعوى الجمع بين الاستقلال، وشرطية الستر، مع بعدها مدفوعة بمخالفتها لظاهر أدلّة اجتناب النجس، بل الظاهر أنّ كلّ ما يعتبر في اللباس من عدم كونه حريراً محضاً أو غير ذلك شرط مستقلّ، لا أنّه شرط في شرط الستر، فافهم.

لا يقال: إنّ من أمن من الناظر المحترم، ولم يقدر على الساتر وجب عليه الصلاة قائماً مومياً، ولا يكون ذلك إلاّ تعبداً، خصوصاً اذا قلنا: بأنّ ستر العورة باليدين لا يجب عليه، فيكشف ذلك عن كون الركوع التامّ مقيّداً بوجوب ستر العورة.

____________________

(١) الجواهر: في حكم المصلي اذا انحصر ثوبه في النجس ج ٦، ص ٢٤٩.

(٢) هذه الزيادة من « ط ٢ ».

٣٧٧

لأنّا نقول: أوّلاً يمنع(١) ذلك، بل يحتمل وجوب الركوع التامّ، حينئذٍ سلمنا.

ولكن يمكن أن يكون ذلك لأجل ستر الدبر (بالاليين، وسقوط ستر القبل باليدين لو سلّمناه لا يدّل على سقوط ستر الدبر)(٢) .

والحاصل: أنّ الالتزام بالإيماء في الركوع والسجود هنا إن قلنا بسقوط الستر، وكذا في الغرض الذي ذكره المورد لا يدلّ على كون الركوع التامّ مقيّداً بالستر، بل لعلّه(٣) لرعاية ستر الدبر بالاليين(٤) ، فلابدّ لمن يريد تقديم الطهارة على الستر أن يلاحظ حال الركوع في مقام الدوران، ومعه يشكل الحكم بتقديم رعاية الطهارة، خصوصاً مع ما نشاهد من الأخبار الواردة في باب السهو الدالّة على اهتمام الشارع في حفظ الركوع والسجود، فافهم.

والحاصل: أنّ الحكم بالتخيير، بل وتعيّن الصلاة عارياً - لولا الأخبار الخاصّة - مشكل، فلنرجع الى حكم المسألة بحسب الأخبار.

فنقول: مقتضى بعض الأخبار، مضافاً الى إطلاق النهي عن الصلاة في النجس وجوب الصلاة عارياً كمضمرة سماعة، قال: (سألتهعليه‌السلام : عن رجلٍ يكون في فلاة من الأرض، وليس عليه إلاّ ثوب واحد، وأجنب فيه، وليس عنده ماء. كيف يصنع؟ قال: « يتيمّم، ويصلّي عرياناً قاعداً، يوميء إيماءً »)(٥) .

وفي روايةٍ اخرى مثل الاولى، إلاّ أنّ فيها: « يصلّي عرياناً قائماً، يوميء

____________________

(١) في « ط ١ » نمنع، ولكنّ الظاهر وما في « ط ٢ » هو الأصحّ.

(٢) هذه الزيادة أضفناها من « ط ٢ ».

(٣) في « ط ١ »: (لعلمه) تصحيف، وما أثبتناه هو الظاهر وكما في (ط ٢).

(٤) في أصل « ط ١ »: « بالألية » وما أثبتناه من « ط ٢ ».

(٥) وسائل الشيعة: ب وجوب طرح الثوب النجس مع الامكان ح ١، ج ٢، ص ١٠٦٨.

٣٧٨

إيماءاً »(١) .

وروى الحلبيّ، عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام : (في رجلٍ أصابته جنابة وهو بالفلاة، وليس عليه إلاّ ثوب واحد، واصاب ثوبه منيّ، قال: « يتيمّم، ويطرح ثوبه، ويجلس مجتمعاً، فيصلّي فيوميء إيماءً»(٢) .

وبأزاء هذه الروايات، روايات اخر صريحة في جواز الصلاة مع الثوب، بل في بعضها النهي عن الصلاة عرياناً، وفي بعضها التقييد بالاضطرار.

كصحيحة الحلبيّ: « في الثوب الذي أصابه المنيّ يصلّي فيه »(٣) .

وفي صحيحة علي بن جعفرعليه‌السلام عن أخيهعليه‌السلام : عمّن ليس عنده إلاّ ثوب، كلّه أو بعضه دم، وفيه: « إن لم يجد ماءً صلّى فيه ولم يصلّ عرياناً »(٤) .

وفي صحيحة الحلبي: عن الرجل يجنب في ثوب، أو يصيبه البول، وليس معه ثوب غيره. قال: « يصلي فيه اذا اضطرّ اليه »(٥) .

فربّما يجمع بينها بحمل أخبار الجواز على الاضطرار بشهادة هذه الصحيحة الأخيرة، حملاً للاضطرار فيه على الاضطرار الخارجي، لا الاضطرار من قبل الصلاة لوجوبها مع الستر، وظهورها فيما ادّعوه لا يخلو عن خفاء.

وربّما يجمع بينها بالتخيير، فإن اريد منه الواقعي فلا يلائم صحيحة علي بن جعفر(٦) . وإن اريد ظاهراً فهو فرع التكافؤ في الأخبار.

وربما يجمع بينها بحمل أخبار إيجاب الصلاة عرياناً على الأمن من الناظر

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب وجوب طرح الثوب النجس مع الامكان ح ٣ ، ج ٢، ص ١٠٦٨.

(٢) وسائل الشيعة: ب وجوب طرح الثوب النجس مع الامكان ح ٤ ، ج ٢، ص ١٠٦٨.

(٣) وسائل الشيعة: ب جواز الصلاة مع النجاسة اذا تعذرت الازالة ح ١، ج ٢، ص ١٠٦٦.

(٤) وسائل الشيعة: ب جواز الصلاة مع النجاسة اذا تعذرت الازالة ح ٥، ج ٢، ص ١٠٦٧.

(٥) وسائل الشيعة: ب جواز الصلاة مع النجاسة اذا تعذرت الازالة ح ٧، ج ٢، ص ١٠٦٧.

(٦) وسائل الشيعة: ب جواز الصلاة مع النجاسة اذا تعذرت الازالة ح ٥، ج ٢، ص ١٠٦٧.

٣٧٩

المحترم، (لأنّ تقييدها بذلك قطعيّ، فيكون أخصّ مطلقاً من أخبار الجواز مع الثوب النجس. فتقييدها بصورة عدم الأمن من الناظر المحترم)(١) .

وهذا وإن كان موافقاً لقواعد الجمع مشكل، من حيث أنّه يوجب حمل أخبار الجواز على الفرد النادر، فأنّ عدم التمكّن من الصلاة قاعداً مجتمعاً - فيبقى مستوراً - بعيد، لا يقع إلاّ نادراً.

هذا، ولكنّ الأخذ بالجمع الأوّل لموافقته للمشهور، مع تقييد أخبار الصلاة عرياناً بصورة عدم الاضطرار، فيصير أخصّ من أخبار المنع عن الصلاة عرياناً فيقدّم غيره بعيد.

ولو فرضنا بعد هذا الجمع أيضاً كان العمل عليه، لأنّ أخبار الصلاة في الثوب النجس وإن كانت أقوى سنداً إلاّ أنّ موافقة المشهور أولى، لأنّ الخبر الموافق لهم أقوى من الآخر، والواجب بعد التعارض الرجوع الى أقوى الدليلين، ثمّ في تقديم القيام على القعود مطلقاً، أو مع الأمن من الناظر المحترم وجهان: لعلّ الثاني أولى في عاجل النظر، فتأملّ.

وهل يتمّ الركوع والسجود إن صلّى قائماً ؟ وجهان: لعلّ الأرجح العدم. وهاتان المسألتان محتاجتان الى التأمّل.

مسألة: لو شكّ في كون اللباس طاهر فالأصل طهارته، ولو شكّ في كونه ميتةً فيحتمل أن يقال: كذلك، لأنّ المذكّى والميتة موضوعان متباينان.

ويحتمل أن يقال: إنّ الأصل عدم التذكية، ويحتمل أن يقال: الأصل عدم الموت حتف الانف.

ومبنى الإشكال: أنّ المقتضي في الحيوان على بقاء طهارته وكون موته حتف أنفه منجساً له، وأمّا المذكّى فطهارته الأصليّة باقية، أو أنّ التذكية رافعة لأثر الموت، والأقوى هو الأخير، كما هو المستفاد من استثناء التذكية. ولتنقيح هذا

____________________

(١) هذه الزيادة أضفناها من « ط ٢ ».

٣٨٠