الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية0%

الرسائل الفشاركية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 604

الرسائل الفشاركية

مؤلف: آية الله السيد محمد الفشاركي
تصنيف:

الصفحات: 604
المشاهدات: 41186
تحميل: 4375

توضيحات:

الرسائل الفشاركية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 604 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41186 / تحميل: 4375
الحجم الحجم الحجم
الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية

مؤلف:
العربية

والأربع والخمس، ويحتمل البطلان بناءاً على ما مرّ من سقوط الأصل وانتفاء، العلاج.

وأمّا بسيطة غير منصوصةٍ ويحتمل فيه النقص والزيادة كالشك بين الثلاث والخمس، والحكم هنا البطلان، لأنّ الصحة هنا طريقه منحصر في البناء على الأقل بإجراء أصالة عدم الزيادة.

والظاهر أنّ هذا خارج عن طريقة الأصحاب، فاختلف الأصحاب في جواز الصلاة مع المحمول النجس، احتجّ القائلون بالمنع بأن كلمة « لا تصل في النجس » ظاهر في مصطلح الأخبار في الصلاة مع النجس، من غير فرق بين اللباس والمحمول.

وربّما روي عن عليّ بن جعفرعليه‌السلام ، عن أخيه موسىعليه‌السلام من الصلاة في جلد حمار، فقالعليه‌السلام : « لا يصلح »(١) وفي دلالته نظر؛ إذ لا شاهد على كون الجلد من الحمار الميت إلا ندرة ذبح الحمار.

وظهور النهي في الحرمة، وحملة على الكراهة غير بعيدٍ بقرينة ترخيص الصلاة مع خوف ذهابه.

إلاّ أن يقال: خوف الذهاب عذر، وإطلاق الترخيص شاهد بجواز البداء، والاولى الاعذار وهو بعيد.

ولمكاتبة عبد اللّه بن جعفر، عن أبي محمدعليه‌السلام ، قال: كتبت اليه عن الصلاة في فأرة مسكٍ فكتب: « لا بأس اذا كان ذكيّاً »(٢) والاستدلال مبنيّ على عدم الفرق بين الميتة وغيره، وفيه منع، أو يراد من الذكي الطاهر وفيه - أيضاً - منع لاحتمال أن يكون بالذال المعجمة، المراد به ما يقابل الميتة كما لا يخفى (تمّت) والحمد للّه رب العالمين، استنسخه العبد المسمّى هادي بن عباس بن محمد - غفر

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٦٠ من أبواب لباس المصلي ح ٢، ج ٣، ص ٣٣٧ نقلاً بالمضمون.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٤١ من أبواب لباس المصلي، ح ٢، ج ٣، ص ٣١٥.

٤٤١

اللّه ولوالديه - وفرغت منه يوم ثمان وعشرين من شهر شوّال المكرّم، من سنة ألفٍ وثلاثمائة وثلاثة وخمسين، في مشهد أبي الأئمة على مشرّفه آلاف التحيّة والسلام، والحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة على سيّدنا محمدٍ وآله الطاهرين. استنسخته من نسخة الشيخ، العالم الجليل، الشيخ آقا بزرك الطهراني أصلاً والساكن بالعسكرين، الذي استنسخته من نسخة مولانا وملاذنا، الشيخ عبد الكريم اليزديّ، الذي [ هو ](١) تلميذ المصنّف، وهو السيّد الأجلّ العلاّمة السيّد محمد الأصفهاني المتوفّى في سنة ١٣١٦. ولقد وقع الفراغ عن استنساخ هذه الرسالة الشريفة عن خط مصنّفها، العلاّمة المحقّق الفشاركي -قدس‌سره - في صباح الجمعة.

بيد العبد المذنب الجاني، محمد مهدي بن حسين بن أحمد شب زنده دار، غفر اللّه تعالى لنا ولجميع علمائنا الماضين، لاسيّما المؤلف العلاّمة، وتلميذه المؤسّس الشيخ عبد الكريم الحائري -قدس‌سره ما -.

وأسأل اللّه تعالى أن يتقبّل ما تفضّل به علينا شيخنا الاستاذ العلامة المحقق الشيخ مرتضى الحائريّ.

____________________

(١) أضفناها لتقوية الكلام.

٤٤٢

٤٤٣

٤٤٤

رسالة في الخيارات

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد للّه رب العالمين، وصلّى اللّه على سيدنا محمد وعترته الطاهرين، والعن أعداءهم الى يوم الدين.

القول في الخيارات

ومفرده الخيار، وهو في اللغة إسم للاختيار كما في الصحاح(١) ، وهو الترجيح وطلب الخير. وقد يطلق على القدرة على ذلك، ومنه المختار إذا قوبل بالمضطرّ.

وفي الاصطلاح، فقد يعرّف بأنّه: ملك فسخ العقد(٢) ، ويدخل فيه رّد بيع الفضولي، والرجوع في العقود الجائزة كالهبة، وردّ الوارث عقد الميّت بالنسبة الى الزائد عن الثلث، وردّ العمّة والخالة نكاح بنت الأخ والأخت.

وقد يعرّف بأنّه: ملك إقرار العقد وإزالته(٣) .

ويرد عليه أنّه: إن اريد من الإقرار إبقاؤه وترك فسخه فذكره مستدرك، لأنّ

____________________

(١) الصحاح ٢ / ٦٥١ (خير) وفيه: والخيار الإسم من الاختيار.

(٢) المكاسب: الخيارات ص ٢١٤.

(٣) المكاسب: الخيارات ص ٢١٤.

٤٤٥

القدرة على أحد الطرفين من الوجود والعدم، من دونها على الآخر غير معقول.

وإن اريد إحكامه وإثباته فلا تعرف تزلزلاً للعقد إلاّ كونه متعلّقاً للخيار فإحكامه ليس إلاّ إزالة ذلك، وهي إسقاط الخيار.

ولا ريب أنّ دخول إسقاط الخيار في مفهومه غير معقول، فلا ينبغي أخذه في تعريفه.

وتوضيح ذلك: أنّ تأثير العقد مع الخيار وبدونه غير مختلف لأنّ أثره ليس إلاّ تحقّق الملكية، وليس للملك قسمان حتى يقال: إنّ إزالة العقد رفع الملك، وإقراره جعل المتزلزل من الملك لازماً، وإنّما التزلزل من أوصاف العقد، ومرجعه الى كونه مورداً لحقّ الخيار لأنّه أمر منتزع منه، فإقرار العقد، وإضافة وصف التزلزل منه ليس إلاّ إسقاط منشأ انتزاعه. ثم إنّ: الظاهر أنّ الخيار من الحقوق؛ لوجود لوازمه فيه من سقوطه بالإسقاط، وتوريثه.

والفرق بين الحقّ والحكم: أنّ الحكم ليس إلاّ أمراً اعتبارياً، منتزعاً من حكم الشارع كالسلطنة على إسترجاع العين الموهوبة؛ فانّها ليست إلاّ معنىً منتزعاً، وجواز الرجوع ونفوذه.

والحقّ عبارة عن أمر تتعلّق به الملكية كالأعيان الخارجية، ومن حكمه إسقاطه وانتقاله إلى الغير قهراً أو اختياراً كحقّ المضاجعة، فأنّه قابل للانتقال من إحدى المضرّتين الى الاخرى. وليس هذه الخواصّ مساويةً له في الوجود؛ إذ من الحقوق ما لا يقبل النقل الاختياري كخيار المجلس والحيوان - مثلاً - فعدم بعضها لا يدلّ على عدم حقّاً، وهل عدم الجميع كاشف عن ذلك أو لا؟

الظاهر ذلك، وسيأتي بيانه - إن شاء اللّه تعالى - فيبين أنّ ردّ السلطنة على الردّ في بيع الفضولي، وعلى الرجوع في العقود الجائزة ليست من الخيار.

والظاهر خروجهما عن الحدّين - أيضاً - لما في لفظ الملك من البيّنة على ذلك. فأنّ الفضولي ليس مالكاً للردّ، وإنّما تكون مالكيته للعين نفوذ تصرفاته التي منها الردّ فيها.

٤٤٦

ويمكن المناقشة في ذلك: بأنّ الفسخ أيضاً ليس ملكاً لذوي الخيار، فإن اريد من ملك الفسخ السلطنة عليه فخروج الرّد لا وجه له.

وإن اريد من « ملك » هو الفسخ لتكون الإضافة بيانيّة كقولهم: عقد البيع؛ صحّ الإخراج، إلاّ أنّه فاسد لما مرّ من عدم كون الفسخ ملكاً، مضافاً الى أنّه ليس هو الفسخ.

ويمكن إخراجه: بأنّ الردّ ليس رفعاً لأمر واقع؛ بل هو رفع لماله قابلية الوقوع.

والحاصل: إنّ الفسخ رفع، والردّ دفع.

مقدمة

المحكّي عن العلاّمة: أنّ الأصل في البيع اللزوم(١) ، وتبعه جماعة - كما قيل - بل شاع ذلك في لسان المحصّلين، حتى كأنّه من المسلّمات، وهو يحتمل وجوهاً:

أحدها: القاعدة، فالمعنى أنّ القاعدة المستفادة من العمومات لزوم البيع، وهي كثيرة.

منها: قوله تعالى: (أحلّ اللّه البيع)(٢) دلّ على أنّ التصرّفات المترتّبة على البيع حتى الواقعة منها بعد الفسخ حلال، وحلّيّتها لازم مساوٍ للملكيّة، وعدم تأثير الفسخ.

ويمكن المناقشة: بأنّ معنى الآية ليس حلّ جميع أشخاص التصرّفات التي يتصوّر وقوعها بعد البيع، بل معناها - واللّه العالم - أنّ التوصّل بالبيع إلى ما هو المقصود منه، وهو السلطنة على المال، والتقلّب فيه بأيّ نحو ارادة البائع - مثلاً - حلال، وحلّيّة هذا المعنى يدلّ عرفاً على أنّ المقصود من البيع حاصل ومترتّب عليه. وأمّا أنّ تلك السلطنة باقية لا تزول، فيردّهم الفسخ. فليس أمراً مربوطاً بمدلول الآية، وليس فيها جهة

____________________

(١) تذكرة الفقهاء: في الخيارات ج ١ ص ٥١٥ س ٢٩. وراجع مفتاح الكرامة: ج ٤ ص ٥٣٧.

(٢) البقرة: ٢٧٥.

٤٤٧

تقتضي الإطلاق من تلك الجهة.

ومنها: قوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراض)(١) ، والاستدلال تارةً بالمستثنى منه، واخرى بالمستثنى.

أمّا الأوّل: فلدلالته على أنّ الأكل بكلّ وجهٍ يكون باطلاً عند العرف حرام. وتملّك مال الغير بأيّ سببٍ كان من غير رضاه باطل عرفاً، فالأكل المستند إليه أكل بالباطل، ويحرم بمقتضى الآية. فشمول الآية له مشكوك، ولكنّ الاستدلال بالآية ينفع عند القطع بكون الفسخ عرفاً باطلاً. وأمّا مع الشك في ذلك فكيف يصحّ التمسك بها لعدم تأثيره ؟.

مضافاً إلى إمكان أن يقال: إنّ المراد من الباطل هو معناه في نفس الأمر، وفهم العرف طريق الى تشخيص مصاديقه. ولهذا: نقول في الموارد التي ثبت من الشرع جواز الأكل بالباطل عرفاً: إنّ ذلك دليل على خطأ العرف في الحكم بالبطلان، لأنّه اختصّ حكم الآية بغير تلك الموارد - وحينئذٍ - فمورد الشك في إذن الشارع في الفسخ يكون اندراجه في الباطل مشكوكاً، وإن فرضنا أنّه مندرج فيه عند العرف، لاحتمال أن يكون حكم العرف في الواقع خطأً فلا تنفع الآية في نفع تأثيره - حينئذٍ - أيضاً

هذا كلّه مع إمكان أن يقال: إنّ الباطل ليس إلاّ ما لم يأذن فيه الشارع، وإشكال التمسّك بها - حينئذٍ - أقوى؛ إذ لا طريق الى تشخيص الباطل في مورد الشكّ مطلقاً، ضرورة أنّ العرف لا تدخّل له في تشخيص موارد حصول الإذن، ولكنّ الإنصاف أنّ هذا خلاف المتبادر من الآية.

هذا إن اريد استعمال كلمة « الباطل » في المفهوم المذكور، وإن اريد أنّه استعمل في معناه اللغوي، وهو الفاسد - ولكنّ إذن الشارع، وعدمه ميزان لتشخيص مصاديقه - لزم خلوّ هذا الخطاب عن الفائدة؛ لأنّ عدم إذن الشارع فيه حيث علم

____________________

(١) النساء: ٢٩.

٤٤٨

به كفى في المنع، وحيث جهل لم يكن في الآية دلالة على حكمه.

والتحقيق أن يقال: إنّ المراد: هو المفهوم اللغويّ، والمميّز هو العرف. والسرّ في ذلك أنّ الشارع في مخاطباته جارٍ على سلك العرف، ومنزّل نفسه منزلة أحدهم، ولازم ذلك إذا كان موضوع حكمه من الامور التي تحقّقها منوط باعتبار المعتبرين، وحكم الحكام، وكان للعرف اعتبار وحكم، فالمناط تدركه عقولهم بحيث متى تحقّق ذلك الاعتبار، والحكم في مورد كان ذلك الموضوع الذي حمل الشارع عليه الحكم محقّقاً عندهم أن يكون مراد من خطابه الحكم على تلك المصاديق التي بيد العرف، أو يبيّن أنّ الملاك في تشخيص مصاديق ذلك الموضوع غير تأييد العرف.

وحيث كان البطلان من الاعتبارات اللاحقة للأسباب - بملاحظة أهل الاعتبار - كان جعله مناطاً للأسباب المحلّلة للأكل، والمحرّمة له، من غير بيان ميزان لتشخيص موارد تحقّقه دليلاً على إمضاء حكم العرف.

فاتّضح من ذلك: صحّة التمسّك بالآية في الموارد المعلوم كون سبب الأكل فيها باطلاً عرفاً، وإن لم يعلم حكم الشارع في ذلك السبب مع قطع النظر عن الآية، فتأمّل.

وتصحيح التمسّك بالآية فيما لم يعلم حكم الشارع فيه من الأسباب بأن مستنداً الى ما لم يعلم كونه مسبباً لحلّة أكله بالباطل لا يخلو من الضعف، لأنّ صدق ذلك - مع قطع النظر عن أصالة عدم التأثير - محلّ منع؛ ومعها لم يحتج الى التمسّك بالآية، إذ لا تزيد على ما يقتضيه الأصل من الحكم الظاهري.

وأمّا الثاني: فلدلالته على أنّ جميع التصرّفات المترتّبة على التجارة عن تراض جائز، ولا وجه عدم تأثير الفسخ.

وفيه: أن المستفاد فيه ليس إلاّ أنّ الأكل بواسطة التجارة حلال، وأنّها سبب لحصول النقل والانتقال، وأمّا أنّ هذا الحكم يدوم، وهذا السبب لا يزيل أثره مزيل فلا يستفاد منه.

٤٤٩

ومنها: قوله تعالى: (أوفوا بالعقود)(١) وتقريب الاستدلال: أنّ العقد هو العهد، والوفاء ترتيب آثار مقتضاه عليه، فاذا وجب ذلك حتى بعد الفسخ لزمه عدم تأثيره في زوال أثر العقد، فالعقد الذي يقتضي ملكية شيء اذا وجب على العاقد ترتيب أثر الملكية الذي هو عدم التصرف في ذلك المال بغير إذن من له المال حتى بعد الفسخ، كان ذلك دليلاً على عدم تأثير الفسخ في رفع مقتضى العقد.

ويمكن المناقشة في ذلك: بأنّ وجوب الوفاء بالعقد تابع لبقاء العقد، فاذا شككنا في أنّ الفسخ رفعه أم لا لم يمكن في الآية دلالة على وجوب الوفاء به بعد الفسخ، ليلزم منه عدم تأثيره في رفع العقد.

وتوضيح ذلك: أنّ هنا مفهومين:

أحدهما: إبقاء العقد، ونقيضه رفعه، ويعبّر عنه بالفسخ، كما فسّره به بعض اللغويّين.

وثانيهما: الوفاء بالعقد، وهو ترتيب آثار مقتضاه عليه، ونقيضه وهو عدم ترتيب آثار مقتضاه عليه. وصدق الوفاء على ترتيب أثر العقد عليه موقوف على تحقّق المهفوم الأوّل؛ ضرورة أنّ بعد انفساخ العقد، أو إقالته لا يسمّى العمل بمقتضاه وفاءً، وحينئذ، فاذا صدر من أحد المتعاقدين فالشكّ في رفعه للعقد لم يكن دلالة الآية على وجوب الوفاء قاطبةً بعدم تأثير ذلك الشيء في رفعه، ولئن سلّمنا أنّ الوفاء أعمّ من الإمضاء، والعمل بالمقتضي كان مقتضى الآية - حينئذٍ - حرمة الفسخ، ولا ملازمة بينها وبين عدم تأثيره [ و ] عدم ترتيب أثر العقد بعد الفسخ عند الشك في رافعيّته للعقد التي يلزمها عدم تأثير الفسخ لا يستفاد من الآية سواء كان الفسخ حراماً أم لا، واستصحاب بقاء العقد عند الشك في تحقّق الواقع مع كونه مثبتاً؛ إذ ليس من أحكام العقد عند وجوده كون ترتّب الأثر عليه وفاءً يغنينا عنه استصحاب نفس مقتضى العقد.

____________________

(١) المائدة: ١.

٤٥٠

وربّما يناقش في دلالة الآية: بأنّ مقتضاها ترتيب آثار مقتضى العقد، إن لزوماً أو جوازاً عليه. وفيه ما مرّت الإشارة اليه من أنّ الجواز، واللزوم من أحكام العقود لامر مقتضياتها.

ومنها: قوله: (الناس مسلّطون على أموالهم)(١) . بناء على أنّ سلطنة الغير على تملّك مال المالك بغير رضاه منافٍ للسلطنة المطلقة، المستفادة من العموم المذكور.

ومنها: قولهعليه‌السلام : (لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه)(٢) فإنّه دلّ على أنّ التصرّف في مال الغير - الذي من أفراده بملكه - لا يكون حلالاً إلا بالطيب.

ومنها: قوله: (المؤمنون عند شروطهم)(٣) وقد حكي الاستدلال به عن جماعةٍ منهم المحققّ الأردبيلي(٤) -قدس‌سره - : و هو مبنيّ على أنّ الشرط مطلق الإلزام و الإلتزام ولو ابتداءاً كما يظهر، وربّما يمنع ذلك، لأنّ المتبادر منه عرفاً خصوص الإلتزام التابع، مؤيّداً بتصريح صاحب القاموس(٥) : بأنّه إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه. ولكن، لا يبعد دعوى العموم [ نظراً ] الى بعض موارد الاستعمال.

ومنها: قوله: (ما الشرط في الحيوان)؟ فأنّ الظاهر، أنّ المراد بالرضا التسليم، وقرّره في بيع الحيوان، مع أنّه يمكن الاستدلال مع الاختصاص بأنّ العقد المشروط فيه شيء اذ الشكّ في لزومه كان شرطه لازماً للعموم المذكور فهو لازم، للإجماع على عدم التفكيك بينهما من طرف العقد، ويتمّ المطلوب في صورة عدم الإشتمال على الشرط بعدم القول بالفصل.

وفيه: مع إمكان دعوى ظهور الفقيه على تقدير تسليم اختصاص الشرط بالواقع

____________________

(١) عوالي اللئالي: ج ١ ص ٢٢٢ ح ٩٩.

(٢) عوالي اللئالي: ج ١ ص ٢٢٢ ح ٩٨.

(٣) عوالي اللئالي: ج ٢ ص ٢٥٧ ح ٧ ووسائل الشيعة: ب ٦ من أبواب الخيار ح ١ و ٢ ج ١٢ ص ٣٥٣ فيه: المسلمون.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان: ج ٨ ص ٣٨٣.

(٥) القاموس المحيط: ج ٢ ص ٣٦٨.

٤٥١

في ضمن عقدٍ في لزوم الوفاء، ما دام العقد باقياً، لأنّ التابع لا يزيد على متبوعه. إنّ الأمر دائر في الشرط المذكور بين أن يكون داخلاً في العموم، وبين أن يكون في المخصّص، وهو الإجماع على عدم لزوم الشرط الواقع في ضمن العقد الجائز.

والظاهر، أنّ شيئاً منهما لا يكون هو المرجع إلاّ أن يقال: إنّ جواز العقد مانع عن لزوم الشرط، والبناء - حينئذٍ - على الرجوع الى العموم عملاً بالمقتضى للشك في المانع.

وفيه أيضاً: منع أنّ المستفاد من عدم لزوم الشرط الابتدائي، والواقع في ضمن العقد الجائز أنّ المقتضي للّزوم هو العقد، لكون الشرط بمنزلة الجزء منه، ثمّ إنّه يرد على التمسّك بالحديث على تقدير عموم الشرط الابتدائي منه، نظير ما ذكرنا في الاستدلال بـ (أوفوا بالعقود) لأنّ العمل على مقتضى الشرط إنّما يعدّ التزاماً ما دام باقياً عرفاً عند العرف، وشرعاً عند الشارع، فالشكّ في ذلك يوجب الشكّ في صدق الإلتزام بالشرط على العمل بمقتضى الشرط، ولا ريب أنّه لا وجه للتمسّك بالكبرى مع الشكّ في ثبوت الصغرى.

الثاني: من وجوه الأصل: الاستصحاب، وهو استصحاب بقاء ما يقتضيه من الملكيّة.

وقد يقال: إنّ الأصل عدم انقطاع علاقة المالك عن العين، إذ الخيار منشأ عدم انقطاع علاقة المالك - كما يظهر من كلامهم - وهذا الأصل حاكم على أصالة بقاء مقتضى العقد، لأنّ الشكّ فيه كان من الشكّ في انقطاع علقة المالك الأصليّ وعدمه.

وأورد عليه: بأنّ المستصحب إن كان هو علاقة الملكية، أو ما يكون من لوازمها فانقطاعها معلوم بواسطة صحّة البيع، إذ لا معنى لها إلاّ لحصول النقل، وإن كان هو السلطنة على إعادة العين - فهي إن كانت - فهي حادثة بعد العقد، ضرورة منافاتها للملكية، مضافاً الى أنّ حكمة الخيار - وهي دفع الضرر - أو الإرفاق المرويّ في جهات الفعل بحسب مصالح البائع أنّما يتحقّق بعد البيع، لأنّ البائع ما لم يخرج

٤٥٢

المال من يده لا يكون مورداً للإرفاق عنه.

وإن كان هو الخيار الثابت بالشرع - وهو خيار المجلس - فانقطاعه بالأمرين معلوم، مضافاً إلى أنّه ليس أصلاً كلّيّاً - حينئذٍ - لخروجٍ بالإخبار فيه أصلاً عنه.

الثالث: المعنى اللغوي، فالمعنى إنّ الذي يقتضيه البيع - وهو مبنيّ عليه - هو اللزوم بحيث متى كان بينهما انفكاك فهو لأجل عروض سببٍ خارجيّ عن طبيعة البيع كحدوث حقّ.

وحاصله: أنّ طبيعة البيع ليست كطبيعة بعض العقود الجائزة التي لا تقتضي اللزوم، بل هي مقتضية للجواز، ولا ينفكّ عنها إلاّ المانع الخارجيّ كقصد القربة - مثلاً - بل هي مقتضية للّزوم عرفاً وشرعاً، وانفكاكه عنها لعروض سبب واقع لاقتضاء الطبيعة.

ولكن، لا يخفى أنّ هذا الأصل لا ينفع عند الشكّ في اللزوم من جهة عروض المانع، بمعنى أن يكون هو المرجّح لرفع حكم هذا الشك.

والحاصل: انّ مع تأسيس هذا الأصل لا يقع الشكّ في اللزوم من حيث اقتصار الطبيعة، والشكّ فيه من حيث حدوث مقتضى الجواز المانع عن تأثير الطبيعة لا يندفع به، لأنّ وجود المانع لا ينافي إلاّ فعليّة الاقتضاء.

الرابع: الراجح، فالمعنى أنّ الراجح في البيع بالنظر إلى غلبة لزومه أنّ ما لم يقم دليل على لزومه وجوازه يكون لازماً.

وفيه : - مضافاً الى عدم الدليل المجوز للرجوع إليه - إنّ ذلك ممنوع إن اريد غلبة اللزوم بملاحظة الأفراد، فأنّ لغلبة أفراد البيع ينعقد جائزاً لخيار المجلس، وليس بمفيد في الأفراد المشكوكة إن اريد غلبة الأزمان.

هذا كلّه في الشبهة في اللزوم من حيث الحكم الابتدائي. وأمّا الشبهة فيه من حيث الشبهة في دخول العقد الخارجي في العقد الجائز أو اللازم فالمرجع هو العمومات المذكورة، إن كان البناء على الرجوع الى العموم في الشبهات المصداقية مطلقاً، أو إذا كان المخصوص من قبل المانع بناءً على ما مرّ، من أنّ مقتضى الخيار مانع،

٤٥٣

وأنّ اللزوم من مقتضيات طبيعة البيع، وإلاّ فالمرجع هو الاستصحاب، إلاّ أن يكون أصل موضوعيّ حاكم عليه كأصالة عدم قصد القربة عند الشك في أنّ العقد الواقع صدقة أو هبة، بناءً على اتّحاد حقيقتهما، ومنع القصد المذكور عمّا تقتضيه طبيعة العقد من الجواز.

ثمّ إن أصالة مقتضى العقد إنّما تؤثّر في ترتيب آثار نفس المقتضي. وأمّا الأحكام التابعة لعنوان العقد فلا يثبت به، فلو شككنا في أنّ العقد هبة أو بيع لا يحكم بوجوب العوض، بل الأصل براءة ذمة من انتقل إليه المال عن العوض.

هذا كلّه عند الشكّ في العنوان الأوّليّ، ففي المثال المفروض مع القطع في الفساد، يحكم بالضمان إن قلنا أنّه لعموم (على اليد)(١) على وجه، وهو البناء على الرجوع الى العموم في الشبهة الخارجية، وكونها مجانية من قبيل المانع، فتأمّل.

وإن قلنا: إنّه للاقدام على الضمان أو للعموم المذكور، ومنعنا عن الرجوع إليه عند الشكّ لمنع المانعية، أو منع الفرق بين كون المخصّص مانعاً، وبين عدمه فأصالة براءة ذمّة من تلف في يده المال سليمة عن المعارض، مأمونة من حكومة الحاكم، وورود الوارد.

القول في أقسام الخيار - الاول خيار المجلس

وهي كثير:

منها: خيار المجلس، وهو حقيقة خيار الإجتماع؛ إذ هو المناط في البقاء والسقوط، وجوداً وعدماً، فإضافة الى مكان الإجتماع؛ لإختصاص ثبوته بذلك المكان ونحوه.

____________________

(١) عوالي اللئالي: ج ١ ص ٢٢٤ ح ١٠٦.

٤٥٤

ويحتمل أن تكون من قبيل إضافة المسبّب إلى السبب تنزيلاً لاسم المكان منزلة ما يقع فيه من الإجتماع، وإختصاص المجلس لغلبة وقوع الإجتماع فيه دون المقام ونحوه.

ويقرب هذا الإحتمال مع مجازيّة الإضافة - بناء عليه - بعينه في نظائره كخيار الغبن والعيب، وتخلّف الشرط، وإن كان بينها وبين الاجتماع فرق من حيث أنّها علل محدثة، وهو علّة مبقية. والأمر سهل.

ولا خلاف في ثبوته في الجملة بين الإمامية، بل اعترف جماعة من العامّة كالشافعيّ(١) وغيره، ودعوى استفاضة النصوص من النبيّ -صلى‌الله‌عليه‌وآله - والأئمةعليهم‌السلام به مستفيضة، فمخالفة من هو شأنه لا يعبأ به، كموافقته على الرواية الحاكية لقول عليعليه‌السلام : (إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب)(٢) مؤوّل، وحمله على التقيّة لا وجه له، إذ موجبها حادث في عصر الصادقينعليهما‌السلام .

فالظاهر أنّه لا فرق بين أقسام البيع في ذلك، لإطلاق الأخبار المثبتة له. ثمّ إنّه لا إشكال في ثبوته للمالكين إذا كانا هما بل هو المتيقّن من موارد شمول الأخبار.

وأمّا الوكيلان، فظاهر بعض العبائر كعبارة التذكرة(٣) ثبوته لهما مطلقاً، وهو في الوكيلين لإجراء العقد خاصّة مشكل، بل الظاهر عدمه، لأن من الأخبار ما لا يشملها، كقوله: (التاجران إن صدقا بورك لهما)(٤) لعدم صدق التاجر على مثلهما.

وقوله في صحيحة محمد بن مسلم: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا، وصاحب

____________________

(١) الأمّ: ج ٣ ص ٤.

(٢) وسائل الشيعة: ب ١ من أبواب الخيار ح ٧ ج ١٢ ص ٣٤٧ فيه وجب وان لم يفترقا.

(٣) تذكرة الفقهاء: كتاب المتاجر في الخيارات ج ١ ص ٥١٨ س ٣٠.

(٤) وسائل الشيعة: ب ١١ من أبواب أحكام العقود ح ٢ ج ١٢ ص ٣٨٣ فيه: اذ التاجران.

٤٥٥

الحيوان بالخيار ثلاثة أيام)(١) فأنّ الظاهر أنّ قوله: (وصاحب الحيوان) بيان لأحد البيعين اللذين حكم بالخيار والذي يشملهما بإطلاقه متفرّق الى غيرهما، مضافاً الى أنّ الخبرين السابقين بعد القطع باتّحاد المقصود من الأخبار قرينتان على اختصاص الحكم بغيرهما، إلاّ أن يقال: إنّ التعدّي منهما لابدّ منه، لأنّ ظاهرهما خصوص المالكين، ضرورة أنّ الوكيل ليس صاحب للحيوان، ولا يكون البيع له فائدة حتى يكون مباركاً له. وسيأتي أنّ المستقلّين منهما، المعروف بثبوت الخيار لهما.

هذا كلّه مع إمكان أن يقال: إنّ الغرض من الأخبار بيان أنّ من مسقطات هذا الخيار الإفتراق، وهو في الجملة ممّا لا إشكال فيه، ويدلّ عليه كل ما دلّ على ثبوت الخيار، ولا يعتبر فيه كشفه عن رضا المتعاقدين بالعقد فعلاً، وظاهر بعض الأخبار ذلك، ويدفعه إطلاق غيره المؤيّد بالعمل، ولا يعتبر فيه زيادة على مسمّاه، الذي يحصل بأدنى الإنتقال، ولا يعتبر فيه الخطوة ولا أقلّ منها ولا أكثر، والمحكيّ عن الأكثر في تحديد ما يحصل هو به بالخطوة لعلّه محمول على التمثيل، فيما حكي عن بعض من اعتبارها في حصول المسقط لعلّه لا وجه له.

كما أنّه لا وجه أيضاً إشكال بعض في حصوله مع الخطوة أيضاً، لدعوى انصراف الأخبار الى أكثر منها، المؤيّدة لظاهر قولهعليه‌السلام : (فمشيت خطى ليجب البيع حين افترقنا)(٢) لإمكان منع الانصراف، وعدم دلالة الرواية بعد جعل زمان الوجوب زمان حصول الإفتراق.ولكنّ الإنصاف، أنّ التبادر لا يخلو عن وجه، فإن ثبت إجماع على كفاية مسمّى الافتراق في مسقط الخيار ولا يبعد، وإلاّ فالمدار على الإفتراق عرفاً، والذي قد يتحقّق بأقلّ من الخطوة كثيراً أو قد لا يتحقّق بالخطوة.

نعم، إن قلنا: إنّ موضوع الخيار هو الإجتماع، وذكر الاقران في غايته لكونه

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ١ من أبواب الخيار، ح ١ ج ١٢ ص ٣٤٥.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٢ من ابواب الخيار ح ٣ ج ١٢ ص ٣٤٨ فيه: ثم رجعت إلى مجلس ليجب.

٤٥٦

غايةً، لا لأجل كونه موضوع الحكم ومؤثّراً في رفع الخيار - كما لا يبعد دعوى ظهور الأخبار في ذلك - كان المدار على انتفاء الاجتماع المتحقّق بأوّل ما يتصوّر من الإنتقال، ودعوى التبادر - حينئذٍ - لا وجه له، فالإطلاق محكم. ولكنّ الإشكال في مساعدة الفتوى لهذا الاحتمال.

ثمّ اعلم، أنّ الافتراق حقيقة في المجتمعين في مكانٍ واحدٍ، ولمّا كان المتبايعان أبداً مفترقين كان المراد من افتراقهما زوال الهيئة الاجتماعية الحاصلة عند البيع، وهو كما يحصل بحركة كلّ منهما الى خلاف جانب الآخر، كذلك يحصل بحركة واحدٍ منهما مع سكون الآخر، وحقيقته.

إن قلنا: إنّ دخل السكون في حصوله من قبيل رفع المانع، بمعنى أنّ الحركة مع عدم حركة الآخر الى ذلك الجانب علّة تامّة في حصول الفرقة، حاصلة من أحدهما وهو المتحرك، وإن كان الفعل قائماً بكلّ منهما، وكان نسبة الفاعلية بهذا المعنى الى كلّ منهما صحيحة.

وإن قلنا: إنّ السكون والحركة مجموعهما مؤثّران في حصول الفرقة، كانت حاصلة منهما، كما أنّها - أبداً - قائمة بهما.

وعلى أي تقدير، يكفي في اختياريّته بالنسبة إلى كل قدرته على المنع عن حصول الجهة المنسوبة إليه، فالساكن إذا كان مختاراً في السكون كان قيام الإفتراق به من إختياره، وإن كان المؤثّر في حصوله هو المتحرك.

والحاصل: أنّ نسبة الإفتراق الى شخص قد يكون بملاحظة نفس قيامه به، وقد يكون بملاحظة ذلك مع مدخلية إخباره في ذلك في الجملة بوجه، وعليهما تكون نسبة الإفتراق الى الساكن والمتحرّك على حدّ سواء.

وقد يكون بملاحظة ذلك مع كونه مؤثراً في حصوله، وعليه يمكن منع صحّة النسبة الى الساكن؛ ضرورة أنّ السبب في الحصول هو المتحرك، وهو إنّما كان قادراً على اتّحاد ما يمنع المقتضي الصادر عن المتحرك عن التأثير؛ وهذا القدر لا يكفي في صحّة النسبة بهذا المعنى؛ وحيث كان الإفتراق المسقط للخيار هو بأحد

٤٥٧

المعنيين الأو ّ لين؛ لم تكن حركة كلّ منهما الى خلاف جانب الآخر معتبراً في تحقّقه؛ ويدلّ عليه قولهعليه‌السلام : (فمشيت خطى ليجب البيع حين افترقنا) حيث نسب الافتراق الى أنفسهما، وجعله مسقطاً مع حصول الحركة منهعليه‌السلام خاصّةً، كما هو ظاهر الرواية.

فرع

قال في التذكرة: لو مات أحد المتعاقدين في مجلس العقد احتمل سقوط الخيار، لأنّه يسقط بمفارقة المكان، فبمفارقة الدنيا أولى، وعدمه لإنتفاء مفارقة الأبدان(١) .

وفي التحرير: لو مات أحدهما انتقل الخيار الى ورثته(٢) .

أقول: يمكن أن يقال: مقتضى القاعدة الحكم بعدم الخيار، لا لأنّ الموت من المسقطات، بل لأنّ عدم ثبوته للميّت قطعيّ، ضرورة أنّ الإيجاب يستدعي الموضوع، والأصل عدم ثبوته للوارث، ولا مخصّص له، وإطلاق أخبار ثبوته الى زمان الإفتراق لا يفيد، بعد أن كان موضوعها المتعاقدين.

لا يقال: الافتراق غاية لبقاء أصل الخيار، لا لثبوته للمتبايعين، فقولهعليه‌السلام : (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) بمنزلة أن يقول: الخيار ثابت للبيعين، وهو باقٍ في صدق عدم افتراقهما. ومقتضاه - حينئذ - بقاؤه بعد الموت لعدم ثبوت الغاية، لأنّا نقول:

ظاهر القضيّة خلاف ذلك، فأنّ ظاهر ذكر الغاية بعد قضية أنّها غاية للقضية بجميع ما اعتبر فيها، مع أنّ قوله: (ما لم يفترقا) - وإن كان سلباً - ظاهر في عدم الإفتراق حال وجود المتبايعين، لا العدم المطلق المجامع لوجودهما وعدمهما.

وهذا لا يصلح إلاّ لتحديد بقاء خيار المتعاقدين، فالمعنى أنّ خيار المتعاقدين مدّة

____________________

(١) تذكرة الفقهاء: البيع، في احكام الخيار ج ١ ص ٥١٧، س ٣٩.

(٢) تحرير الاحكام: البيع، في الخيارات ج ٢ - ١ ص ١٦٦ س ٧.

٤٥٨

تركهما الافتراق باق، وبعد حدوثه لا خيار لهما، فلا تعرّض في الخبر لمدّة الخيار من حيث هو، بل لو فرض كون التحديد في الخبر تحديداً لمدّة الخيار - من حيث كان هو - كان مقتضاه القطع بانتفاء الخيار بعد موت المتعاقدين، لأنّ الزمان الذي يترك فيه الافتراق مع قابليّته لوقوع الإفتراق لأجل فقدان من يقوم به الإفتراق. والمفروض أنّ الزمان الذي جعل مدّةً لبقاء الخيار هو الزمان المقيّد بعدم حدوث الافتراق فيه، مع قابليّةٍ لوقوعه فيه.

ونحن إنّما لم نحكم بذلك لأجل أنّ الزمان بهذه الخصوصيّة لا يصلح لجعله مدّةً لبقاء الخيار من حيث هو، وهذا مع قطع النظر عمّا ذكرنا أوّلاً من أنّ الظاهر من القضيّة كون التحديد تحديداً لثبوت الخيار للمتبايعين قرينة بنفسه، على أنّ التحديد لبقاء الخيار للمتعاقدين، لا لبقائه في نفسه.

فتلخّص من جميع ما ذكرنا، أنّ الأخبار لا دلالة فيها على بقاء الخيار بعد الموت، ومعه لا مقتضى للعدول عن أصالة عدم ثبوت الخيار للوارث، إلاّ أن يقال: استصحاب بقاء الخيار بعد الموت حاكم على أصالة عدم ثبوت للوارث.

فان قلت: إنّ الثابت قبل الموت مقطوع الارتفاع، لانتفاء موضوعه.

قلنا: لمّا علم من الخارج أنّ الخيار من الحقوق الماليّة التى اعتبر لها الحدوث والبقاء في نفسه - مع قطع النظر عن ثبوته لمالكٍ - صحّ استصحابه، ولمّا كان من آثار وجوده بعد الموت إنتقاله الى الورثة - لأنّ ما تركه الميّت يكون لوارثه - كان معنى استصحابه بعد الموت انتقاله الى الورثة.

وأمّا الأولويّة المتمسّك بها لسقوط الخيار بالموت فثبوتها موقوف على العلم بمناط كون الافتراق بالأبدان مسقطاً، وكونه في الافتراق بالموت ثابتاً، أشدّ من غيره. وتطرّق المنع الى كلتا المقدّمتين واضح.

مسألة: لو أكرها على التفرّق: فإن منعا من التخاير فالمعروف عدم سقوط الخيار. وحكي عن الأردبيلي -رحمه‌الله - سقوطه مطلقاً(١) وقيل بعدمه مطلقاً، ولو لم

____________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ج ٨ ص ٣٨٨.

٤٥٩

يمنعا من التخاير.

واستدلّ الأوّل: بأنّ المتبادر من الافتراق هو ما كان عن رضاً بالعقد.

وبقولهعليه‌السلام في صحيحة فضيل: (فاذا افترقا فلا خيار بعد الرضا)(١) دلّ على إناطة السقوط بالافتراق والرضا، وليس المراد منه ما وقع عند الافتراق للإجماع على عدم العبرة لغيره، ومع المنع من التخاير لا يكون الإفتراق عن رضا بالعقد.

ويرد على الأوّل: منع التبادر، وأنّ ترك التخاير إختياراً مع الإكراه على الافتراق لا دلالة فيه على الرضا، ولا يسقطه أيضاً.

اللّهمّ إلاّ أن يقال: لمّا كان الافتراق عرفاً محقّقاً لكمال البيع، وقاطعاً لسلطنة المتعاقدين على ردّ ما نقل اليهما كان الإخبار في ترك التخاير دليلاً على الإلزام، فإنّه لو لم يكن الرضا محقّقاً - حينئذٍ - لظهر منهما ما يدلّ على عدم تحقّقه.

لا يقال ذلك، إنّما يؤثّر اذا لم يعلما أنّ لهما السلطنة على الردّ ما لم يتحقّق الافتراق والرضا. وأمّا مع العلم بذلك فلعلّ ترك التخاير لأجل علمهم بأنّ هذا الافتراق لا يؤثّر في السقوط، وعلمهم ببقاء تمكنهم من الردّ.

لأنّا نقول: إنّما نعني من الافتراق عن رضا هو ما كان عند العرف التزاماً بالعقد، ومحكوماً بأنّه عن رضا بالعقد، مع قطع النظر عن جعل الشارع سلطنة الردّ ما لم يحصل الأمران.

ويرد عليه أيضاً: أنّ مقتضى حديث الرفع بعد عمومه لرفع جميع الآثار، ولكلّ شيء حتى جزء السبب أن يكون الافتراق الواقع عن إكراه، أو اضطرار غير مؤثّرٍ في السقوط، وأن يكون وجوده كعدمه، إلاّ أن نمنع شموله لجزء المقتضي.

أو يقال: إنّ المعلوم من تتبّع الموارد أنّ الامور التي انيط تأثيرها بالرضا لا يؤثّر

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ١ من ابواب الخيار ح ٣ ج ١٢ ص ٣٤٦.

٤٦٠