الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية0%

الرسائل الفشاركية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 604

الرسائل الفشاركية

مؤلف: آية الله السيد محمد الفشاركي
تصنيف:

الصفحات: 604
المشاهدات: 41110
تحميل: 4367

توضيحات:

الرسائل الفشاركية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 604 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41110 / تحميل: 4367
الحجم الحجم الحجم
الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية

مؤلف:
العربية

الإكراه فيها إذا كان الرضا متحقّقا. ألا ترى أنّ البيع عن إكراهٍ لو ألحقه الرضا يؤثّر أثره، ولا يحكم بأنّه خرج عن قابليّة التأثير.

ويرد على الثاني: أنّ ظاهر الخبر لا يعمل به، للإجماع على أنّه لا يعتبر في سقوط الخيار حصول الرضا فعلاً.

ودعوى أنّ قولهعليه‌السلام : (بعد الرضا) قرينة على أنّ المراد من الافتراق هو الكاشف عن الرضا نوعاً، وما وقع عن إكراه إذا كان مع المنع من التخاير لا يكشف عنه نوعاً، ومع عدم المنع كاشف عنه، ويلحق به الخارج عن الاختيار مع القدرة على التخاير، لعدم القول بالفصل مدفوعة بأنّه: كما يمكن ان يكون قولهعليه‌السلام : (بعد الرضا) كناية عن الافتراق الخاص، وهو الكاشف نوعاً عن الرضا، ويكون تكراره إشارةً الى علّة الحكم لسقوط الخيار بالافتراق، فيعتبر قرينة على أنّ المراد من الافتراق - حيث أطلق - هو خصوص ما كان عن رضاً بالعقد.

كذلك يمكن أن يكون المراد عدم الفسخ، وبقاء الرضا الحاصل عند العقد. ومع ذلك لا يصلح لتقييد المطلقات، خصوصاً مع كثرتها وخلوّها عمّا يشير الى ذلك، وخصوصاً مع كونها في مقام إعطاء الضابط للخيار بقاءً وارتفاعاً.

مع أنّ الظاهر من الصحيحة بعد التأمّل أنّ المقصود به بيان الحكم من حيث الثبوت والارتفاع. هو قولهعليه‌السلام : (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) وأنّ قولهعليه‌السلام : (فاذا افترقا) ليس المقصود منه إلاّ بيان مفهوم قوله: (ما لم يفترقا).

وهذا يشهد بأنّ قوله: (بعد الرضا) المراد منه ما ينافي مفهوم الأوّل حتى يصير قرينةً على عدم إرادة الإطلاق من الغاية، مع أنّا لو بنينا على أنّ المسقط هو الافتراق الكاشف عن الرضا لزم منّا أن نقول بأنّ الافتراق الإختياري، وغير إكراه إذا كان في حال الغفلة عن وقوع العقد لا يكون مسقطاً.

والظاهر أنّ أحداً من الأصحاب لا يلتزم بذلك، إلاّ أن يقال: إنّ الغفلة لا تكون إلاّ عن الإعراض عن حال المعاملة، والاشتغال بغيرها، وهو غالباً لا يكون

٤٦١

بعد الرضا بالعقد، واطمئنان الخاطر في مطابقة المنقول الى كلّ منها لغرضه، واشتماله على ما دعاه الى الإقدام على المعاوضة، فيكون الافتراق في تلك الحالة عن الرضا بالعقد، وكاشفاً عن حصوله نوعاً.

وممّا يمكن أن يقال: هو أنّ عدم الإفتراق المجعول في جملةٍ من الأخبار مبيّناً لمدّة الخيار، كناية عن الاجتماع، وأنّ الافتراق - حيث جعل غايةً - كما في قوله: (حتى يفترقا) اعتبر لأجل كونه في نفسه، وفي حدّ ذاته غايةً لمدّة الخيار، حيث إنّ مدّتها الاجتماع الذي ينتهي عقلاً الى الافتراق، فليس في الافتراق على هذا - من حيث إنّه افتراق - حكم شرعي، وليس المراد منه - ايضاً - خصوص الاختياريّ منه؛ ضرورة أنّه لا تفاوت في الغائيّة العقلية بين أصناف الافتراق وأنواعه.

وملخّص معنى الأخبار على ذلك: كون البيعين بالخيار عند الاجتماع، فاذا ارتفع ذلك بأيّ سبب كان يرتفع الخيار لارتفاع ما يقتضيه، وهو الاجتماع، ولعلّه الى ذلك نظر من جعل الافتراق مطلقاً مسقطاً.

وهذا الكلام، وإن لم يكن بعيداً في نفسه، ويساعده الاستعمالات العرفيه فانه كثيراً ما يعبّرون لعدم أحد الضدّين عن وجود الآخر، ويجعلونه كنايةً عنه. ولكنّه مع عدم شاهد واضح عليه في الأخبار مخالف لفتوى معظم الفقهاء، فالعدول عن ظاهر الأخبار - الّذي هو إناطة سقوط الخيار بالافتراق الاختياري، أعني ما يقابل الاضطرار الى ذلك - في غاية الإشكال.

كما أنّ المعدول عنه الى ما يطابق فتوى المشهور - وهو إناطة السقوط بالافتراق بأيّ وجهٍ اتفق - إذا كان كاشفاً عن الرضا بالعقد، ولو كان عن إكراهٍ أو اضطرار - ايضاً - مشكل؛ لماعرفت من عدم وجود ما يصلح الإتكال اليه في إرادة خلاف هذا الظاهر في المقام.

فما ذهب اليه بعض من قارب عصرنا، بأنّ الافتراق الاختياري مسقط الاّ ما وقع عن إكراه، ولو مع عدم المنع من التخاير، لاقتضاء حديث الرفع خروجه عن

٤٦٢

الإطلاقات ورفع حكمه - الّذي هو إسقاط الخيار - بناءً على عمومه لرفع الآثار الوضعية، لا يخلو عن قوةٍ إن لم يكن إجماع على خلافه.

ولكنّ المصير اليه - بعد فتوى المشهور بالسقوط - بالافتراق مطلقاً ما لم يمنع عن التخاير، والاجماع المحكي عن السيّد عميد الدين(١) - كما ستأتي الإشارة في المسألة الآتية - أيضاً في غاية الإشكال.

وممّا ذكرنا، عرفت أنّ مقتضى تبادر الاختيار من الفعل المسند الى الفاعل المختار، وحديث (رفع ما استكرهوا عليه)(٢) هو القول بسقوط الافتراق عن إكراهٍ عن الاعتبار مطلقاً، وربّما يجعل الأمران دليلاً لفتوى المشهور.

ولعلّ المراد من تبادر الاختيار هو ما يقابل الإكراه، دون ما يقابل الاضطرار، وهو بهذا المعنى ممنوع.

بل يمكن أن يقال: إنّه بعد شمول الأخبار، الافتراق عن إكراه دخل الاضطراري - أيضاً - بضميمة عدم القول بالفصل بينهما، ومقتضاه القول: بأن الافتراق مطلقاً مسقط للخيار، كما مرّ حكايته عن بعض.

والتمسك بحديث الرفع - أيضاً - أن يقال: إنّ الاخذ بمفهوم الغاية في الاضطراري بضميمة عدم القول بالفصل ليس بأولى من الأخذ بالمنطوق في الإكراه بضميمة عدم الفصل فتأمّل. لا ينفع للمشهور بعد إلتزامهم بأنّ الافتراق عن إكراه أو اضطرار مسقط في الجملة في الحكم، بأنّ المقرون بالمنع من التخاير لا يكون مسقطاً للخيار.

والإنصاف، أنّ المسألة من المشكلات، وليس غير التوقف عنها والاحتياط طريقاً للنجاة.

____________________

(١) المكاسب (للأنصاري): ص ٢٢٣، خيار المجلس س ٣١.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٣ من ابواب الخلل الواقع في الصلاة ح ٢ ج ٥ ص ٣٤٥.

٤٦٣

مسألة: لو أكره أحد المتعاقدين على الافتراق، وترك التخاير، وبقي الآخر في مجلس العقد مختاراً ففي سقوط خيارهما، أو المختار خاصةً، أو عدم السقوط مطلقاً، أقوال(١) .

واعلم، أنّ الاختلاف في هذه المسألة مبنيّ على القول: بأنّ الافتراق عن إكراههما لا يكون مسقطاً: إمّا مطلقاً، كما هو خيرة بعض من قارب عصرنا، أو مع منعهما عن التخاير كما هو المحكي عن المشهور(٢) .

وأمّا بناء على القول: بأنّه مسقط مع إكراههما بالسقوط، مع بقاء اختيار أحدهما أولى.

واعلم أيضاً: أنّ اعتبار المنع من التخاير في عنوان المسألة مبنيّ على مذهب المشهور، من اعتباره في سقوطه عن الاعتبار بالاكراه.

وأمّا على قول البعض، من كون الإكراه مطلقاً مانعاً عن التأثير في السقوط فلا فرق - حينئذٍ - بين اقتران الإكراه على التفرق بالمنع عن التخاير، وبين عدمه.

والظاهر أنّ مبنى الخلاف هو أن افتراقهما المجعول غاية للخيار المفيد بكونه عن الاختيار - بناءً على خيرة البعض - والمطلق الشامل لقسمي الاختياري والاضطراري، المفيد لعدم المنع والتخاير يتوقف تأثيره مطلقاً، أي في سقوط خيار كلّ على حصوله مع الشرط من كلّ منهما، فمع عدمه معه منهما، ولو حصل من أحدهما معه يبقى الخياران، كما هو المحكيّ عن ظاهر المبسوط(٣) ، والمحقّق(٤) والشهيدين الثانيين(٥) – قدس ‌سرهم ا - ومحتمل الإرشاد(٦) ، أو يكفي فيه مطلق حصوله مع الشرط

____________________

(١) المكاسب: الخيارات ص ٢٢٣.

(٢) المكاسب: الخيارات ص ٢٢٢.

(٣) المبسوط: ج ٢ ص ٨٤.

(٤) جامع المقاصد: ج ٤، ص ٢٨٣.

(٥) مسالك الافهام: في الخيار ج ١ ص ١٧٨ س ٩.

(٦) ارشاد الاذهان: ج ١ ص ٣٧٤.

٤٦٤

من أحدهما، فيسقط الخياران، كما هو المحكيّ عن ظاهر المحقق(١) والعلاّمة(٢) وفخر الإسلام(٣) والسيّد عميد الدين(٤) ، أو يتوقّف تأثيره بسقوط خيار كلّ على حصوله منه مع الشرط، فيسقط خيار المختار خاصّةً، كما هو المحكيّ عن الخلاف(٥) ، وجواهر القاضي(٦) .

واعلم؛ أنّ مقتضى ما ذكرنا عدم الفرق بين هذه المسألة وعكسها، وهو كون الباقي في المجلس مكرهاً، ومفارق المجلس مختاراً.

وحكي عن العلاّمة في التحرير(٧) : التفصيل بين المسألتين، فحكم في محلّ البحث ببقاء الخيارين، وفي عكسها بسقوطهما.

ولعلّه مبنيّ على أنّ الافتراق الذي جعل غايةً للخيار هو الذي يكون فعلاً لمن قام به، بمعنى كونه كون سببه الذي هو الحركة الى خلاف جانب صاحبه قائماً به، ولو كان قيامه به عن كره، أو اضطرار - مع حصول الشرط الذي هو القدرة على التخاير؛ ضرورة أنّه على ذلك - لم يحصّل الغاية، وهو الافتراق بهذا المعنى خاصّاً للشرط الذي هو القدرة على التخاير في هذه المسألة، لأنّ المختار في ترك التخاير لم يقسم به حركة يؤثر في الافتراق، وهو في العكس حاصل.

وأقول: الظاهر أنّه لا وجه لهذه الدعوى، بعد البناء على أنّ الافتراق بأيّ وجهٍ اتّفق، حتى الاضطرار إذا كان مع القدرة على التخاير مسقطاً للخيار؛ فأنّ من ادّعى لا محيص له من القول بأنّ المراد من قوله:(حتى يفترقا) حتى يقوم الافتراق

____________________

(١) شرايع الاسلام: ج ٢ ص ٢١.

(٢) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥١٨.

(٣) المكاسب: الخيارات ص ٢٢٣.

(٤) المكاسب: الخيارات ص ٢٢٣.

(٥) الخلاف: ج ٣ ص ٢٦ مسألة ٣٥.

(٦) جواهر الفقه: ص ٥٥.

(٧) تحرير الأحكام: ج ١ ص ١٦٦ س ٣.

٤٦٥

بهما. ولا ريب أن قيامه بهما لا يتوقّف على صدور الحركة منهما، بل يتوقّف على أحد أسبابه الذي منها ذلك، ومنها حركة أحدهما، وبقاء الآخر في المجلس، وحينئذ، فاذا بنينا على أنّ القيام بأحدهما - ولو اضطراراً - اذا كان مع القدرة على التخاير مسقط للخيارين بحسب القول بالسقوط في فرض المسألة.

نعم، من بنى أنّ الاختياري خاصّة مسقط، له أن يقول: إنّ معنى قوله: (حتى يفترقا) حتى يصدر الافتراق منهما، لا حتى يقوم بهما اختياراً، فله في فرض المسألة أن يقول: إنّ الغاية - وهو صدور الافتراق من أحدهما - لم يحصل خاصّاً للشرط، وهو عدم كونه مكرهاً عليه.

واعلم - أيضاً - أنّ ظاهر التذكرة(١) ، أنّ الخيار في مفروض المسألة، فيسقط ممّن حصل منه الافتراق، الجامع للشرط، وخيار الآخر يسقط بالتبع. وعبارته المحكيّة عن القواعد(٢) - أيضاً - ظاهرها ذلك، وهو المفهوم من المحكيّ عن الفخر في شرح عبارة القواعد(٣) ، بل ربّما يستظهر منهما أنّ لا خلاف في عدم انفكاك الخيارين في السقوط، وعليه: فالتفصيل بين المختار وغيره لا وجه له، خصوصاً مع حكاية الاجماع عن السيّد عميد الدين، على أنّ الخيارين يسقطان مع افتراق أحدهما.

وكيف كان، فالذي يظهر من الأدلّة - مع قطع النظر عن الإجماع المحكيّ - هو القول ببقاء الخيارين، وذلك: إمّا بناءً على مذهب المشهور في أن المسقط للخيار أعمّ من الاختياري، فلأنّ ما دلّ على تقييد الافتراق بكونه عن رضاً بالعقد يقتضي اعتبار رضاهما في ذلك. وأما بناءً على تبادر خصوص الافتراق عن رضاً من قوله : (حتى يفترقا) فظاهر.

وكذلك الأمر، إن كان التقييد بالرضا لقولهعليه‌السلام في صحيحة فضيل

____________________

(١) تذكرة الفقهاء : ج ١ ص ٥١٨.

(٢) المكاسب: الخيارات ص ٢٢٣ س ٣٢.

(٣) قواعد الاحكام: جزء ١ ص ١٤٢.

٤٦٦

(بعد الرضا منهما) وحمله على حصول الرضا من المجموع المتحقّق برضا واحدٍ منهما خلاف الظاهر لا موجب له، عدا إجماع السيد عميد الدين الذي قد عرفت سبقه بالخلاف، ولحوقه به.

وقولهعليه‌السلام في حكاية شرائه الأرض: (فلمّا استوجبتها قمت، فمشيت خطوةً ليجب البيع حين افترقنا) بعد تأييده بفتوى الجماعة بسقوط الخيار إذا مات أحدهما، أو نام، أو غفل وفارق الآخر إختياراً، بناء على ظهوره في حصول الافتراق منهعليه‌السلام في حال غفلة البائع، وظهوره في ذلك ممنوع، بل الذي يظهر هو أنّ التعجيل في المفارقه لأجل أن يسقط الخيار قبل أن يلتفت البائع الى ما لعلّه يوجب تردّده في البيع فيفسخ، وليس فيه ما يدلّ على غفلته عن أصل الافتراق، بل التأمّل الصادق ربّما يوجب الحكم بأنّه كان الافتراق في حال شعوره بحصوله.

ودعوى أن جعلهعليه‌السلام مجرّد مشيه سبباً لصدق الافتراق المجعول غاية للخيار، وجعل وجوب البيع علّةً غائيّةً له، من دون اعتبار رضا الآخر، أو شعوره بمشي الإمامعليه‌السلام يقتضي عدم اعتبار رضا الآخر في حصول غاية بخيار مندفعة بأنّه: إن أراد أنّ جعل السبب لحصول الافتراق المسقط هو المشيء مجرّداً عن قيد يقتضي أن يكون المسقط أمراً يترتب على المشي، وهو ليس إلاّ الافتراق، لأنّه لا دخل للمشي في حصول رضا الآخر، فلو كان معتبراً لم يكن المشي سبباً لحصول الغاية، وكان هو بضميمة أمرٍ آخر سبباً.

ففيه: أنّه ليس ظاهر الخبر كون المشي سبباً تامّاً في حصول المسقط، إذ ليس فيه إلاّ أنّ الغرض حصول المسقط، ويكفي في كونه غرضاً ولو كان أمراً لا يترتّب على مجرد المشي حصول سائر ما يتوقف عليه وجود المسقط.

نعم، لو فرض أنّ رضا الآخر منتفٍ كان دخله في حصول الغاية منافياً لكون غرض الإمامعليه‌السلام من المشي المجرد حصول المسقط؛ للعلم بأنّه لا يترتب ذلك على المشي - حينئذٍ - ولكنّ صدق هذا الفرض ممنوع، ودعوى ظهور الخبر فيه قد عرفت منعها.

٤٦٧

وإن أراد أنّ جعل سقوط الخيار غاية للافتراق المجعول غاية للمشي من غير اعتبار رضا الآخر، حتى في ترتّب السقوط، يقتضي عدم اعتبار أمرٍ آخر غير الافتراق.

ففيه: إنّ إطلاقه على ذلك يقتضي عدم اعتبار الرضا مطلقاً، ومجرد حصول الرضا في الجملة، في مورد الرواية لا يقتضي تقييد إطلاقه بعد عدم قيام ما يدلّ أنّ قيود المورد معتبر في الحكم. وحينئذٍ: فإمّا أن يعمل بالخبر فيجب الحكم بعدم اعتبار الرضا مطلقاً، أو بالصحيحة، فيجب الحكم بكون الرضا منهما معتبراً، والتبعيض في الرضا طرح لظاهر الخبرين.

هذا كلّه، مع أنّ إطلاق الخبر لا حجّة فيه، فأنّ الكلام ليس مسوقاً لبيان الحكم، وإنّما الغرض منه بيان علّة التعجيل، الذي لم يكن في نظر السائل، من دون حدوث غرض يختصّ به ممدوحاً.

هذا كله على مذهب المشهور. وأمّا على ما اختاره البعض - وقويناه في الجملة - فيمكن أن يقال: إنّ المتيقّن خروجه عن إطلاق الافتراق الاختياري هو ما وقع من كلّ منهما عن إكراه ولا دليل على خروج ما وقع من أحدهما عن إكراه، فيسقط به الخياران.

ويدفعه، أنّ ما وقع من أحدهما عن إكراهٍ بمنزلة العدم - بناءً على شمول الحديث لجزء السبب فلا يكون افتراقهما حاصلاً.

وينفي الكلام - حينئذٍ - في أنّ غاية خيار كلّ منهما افتراق كليهما، أو يكفي في سقوطه من أحدهما افتراقه.

والظاهر من الأخبار، امتداد الخيارين إلى زمان حصول الافتراق منهما، واحتمال التوزيع خلاف الظاهر، خصوصاً في مثل المقام الذي تكون الغاية فيه فعلاً واحداً، وتعدّد النسبة فيه ناشئاً من تعدّد الجهة.

وأضعف من هذا الاحتمال، احتمال كون مسمّى الافتراق المتحقّق بحصوله

٤٦٨

من أحدهما غاية للخيارين، وإرادة الاستغراق الإفرادي من قوله: (حتى يفترقا) لا يقتضي ذلك، بل مقتضاه كون الاستغراق غايةً، كما يظهر بأدنى تأمّل.

هذا غاية ما يسع لنا من الكلام في هذه المسألة، وهي كسابقتها في غاية الإشكال، والاحتياط حسن على كلّ حال.

وعلى اللّه الإتّكال، وخير ختام. تمّ على يد أقلّ السادات، السيّد محسن الخوانساريّ.

الثاني - خيار الحيوان

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيّبين الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين الى يوم الدين.

وهو في الجملة ممّا لا إشكال في ثبوته عندنا، والكلام فيه يقع في مسائل:

الاولى: الظاهر أنّ هذا الخيار ثابت في كلّ حيوان، حتى مثل دود القز، والجراد، لعموم قولهعليه‌السلام : (في الحيوان كلّه شرطه ثلاثة)(١) المؤيّد بإطلاق غيره من الأخبار، وبكثرة النصوص(٢) الدالّة على ثبوته في بعض ما يتوهّم انصراف الأخبار الى غيره كالإماء، وباطلاق فتاوى الأصحاب.

فدعوى انصراف الأخبار الى بعض أنواع الحيوانات في غاية الضعف.

نعم، يمكن دعوى خروج ما لا يقصد من بيعه، حياته كالسمك المخرج من الماء، والجراد المجتمع في الإناء، لأنّ الظاهر، أنّ الخيار من أحكام عنوان بيع

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٣ من ابواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٤٩ فيه: شرط ثلاثة ايام.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٣ من ابواب الخيار ص ٣٥٠ - ٣٤٩.

٤٦٩

الحيوان، وهو لا يصدق على البيع عليها عرفاً. لأنّه وقع عليها من حيث كونها لحماً، وإن صدق عليه أنّه بيع الحيوان لغةً. وهذا فيما تعارف وقوعه كالمثالين ظاهر.

وأمّا في ما يقع اتفاقاً، مثل بيع الصيد المشرف على الهلاك، لجرح االكلب المعلم، أو لإصابة السهم، ففي ثبوت الخيار وعدمه إشكال، من حيث أنّ ذلك حيوان حقيقةً، وكونه بسبب عروض الحادثة خارجاً عن عنوان الحيوان عرفاً محلّ إشكال.

والحاصل: إنّ مثل السمك، والجراد خارجان عرفاً عن عنوان الحيوان، وملاك خروجهما هنا موجود، وهو الاشراف على الهلاك، فيجب الحكم بعدم الخيار، وإنّ كون ذلك منزّلاً منزلة اللّحم - لندرة وقوعه - غير معلوم.

وكيف كان، فلا ريب في أنّ موتها قبل القبض، أو في زمن الخيار لا يحكم عليه بأنّه تلف عن البائع، فالحكم بخروجه عن الاطلاق لا دليل عليه. فتأمّل. لأنّه لا يصدق عليه تلف المبيع، لأنّ المراد منه تلف ما قصد مقابلته بالثمن، وهو هنا ليس إلاّ اللّحم، وكونه حيواناً لم يكن مقصوداً للمتعاقدين في المبادلة، فالمقابل للثمن لم يقع عليه التلف، ولم يكن الموت إلاّ سبباً لفوات وصفٍ غير مقصودٍ لهما حين البيع، فافهم.

وفي دخول هذا الخيار في بيع الكلّي وجهان:

من أنّه يصدق عليه بيع الحيوان.

ومن أنّ الأخبار منصرفة الى بيع الأعيان الخارجية، مع أن حكم الخيار - وهو المروي للاطلاع على ما لا يعلم إلاّ معه - مفقودة هنا - والأقرب العدم.

ويحتمل الخيار فيما أقبضه البائع أداءاً، بمعنى سلطنة المشتري على ردّه، وطلبه تعيين الكلّيّ في غيره قبل الثلاثة، ولكنّه ضعيف، لأنّه لا يكون تعيين الكلي في بعض أفراده بيعاً لذلك الفرد.

وأمّا السلطنة على فسخ البيع بعد القبض والتعيين فلا ينبغي إشكال في عدمها.

٤٧٠

الثانية: المشهور أنّ اختصاص هذا الخيار بالمشتري. وحكي عن الغنية(١) وظاهر الدروس(٢) الإجماع عليه، لعموم قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اذا افترقا وجب البيع »(٣) - حينئذٍ - المشترى خاصّة في بيع الحيوان بالإجماع، وعموم قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) بالنسبة الى ما لا يدخل فيه خيار المجلس بالأصل كبيع الوكيلين في العقد، مع عدم كون الأصليّين في مجلس العقد، أو بالعارض كالمشترط فيه عدم الخيار لما اذا كان الطرفان، أو أحدهما حيواناً. ويتمّ في غيره ممّا يدخل فيه خيار المجلس، لعدم القول بالفصل، ولظاهر غير واحدٍ من الأخبار، وصريح بعضٍ آخر.

فمن الأوّل صحيحة فضيل بن يسار، عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قالعليه‌السلام : ثلاثة أيامٍ للمشتري: قلت: وما الشرط في غير الحيوان؟ قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فاذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما(٤) .

وظهور الفقرة الاولى في اختصاص الخيار بالمشتري، وإطلاق نفي الخيار لهما في بيع غير الحيوان يشمل ما اذا كان الثمن حيواناً، إلاّ أن يقال: إنّ اختصاص الخيار بالمشتري، من حيث كون المبيع حيواناً، وعدمه، لهما في بيع غير الحيوان من حيث كون المبيع غير حيوان، لا ينافي ثبوت الخيار لهما، أو لأحدهما من جهة اخرى، مثل كون الثمن حيواناً. والظاهر أنّ السؤال عن الشرط في البيع من حيث كون المبيع حيواناً، أو غير حيوان.

وصحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: في الحيوان كلّه شرطه ثلاثة أيام للمشتري(٥) . ودلالته على الاختصاص بالمشتري، إن جعلنا قوله عليه

____________________

(١) غنية النزوع (الجوامع الفقهية) كتاب البيع ص ٥٢٥ س ٢٢.

(٢) الدروس الشرعيّة: ص ٣٦١. وراجع جواهر الكلام: ج ٢٣ ص ٢٤.

(٣) وسائل الشيعة: ب ١ من ابواب الخيار ح ٤ ج ١٢ ص ٣٤٦.

(٤) وسائل الشيعة: ب ١ من ابواب الخيار ح ٣ ج ١٢ ص ٣٤٦.

(٥) وسائل الشيعة: ب ٣ من ابواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٤٩.

٤٧١

السلام: (للمشتري) خبراً بعد خبرٍ واضحة؛ فأنّ جنس الخيار من جهة كون المبيع حيواناً، إنّما يختصّ به إذا لم يكن لغيره، وإن جعلناه قيداً للخبر - أعني ثلاثة أيام - فظهورها في الاختصاص لأجل عدم ظهور نكتةٍ رافعةٍ لقبح التقييد على تقدير إطلاق الحكم.

وصحيحة ابن رئاب عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: الشروط في الحيوانات ثلاثة أيام للمشتري(١) .

وخبر ابن سنان عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال: الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري(٢) .

ومن الثاني صحيحة ابن رئاب المحكيّة عن قرب الإسناد، قال: سألت أبا عبد اللّهعليه‌السلام عن رجل اشترى جارية، لمن الخيار، للمشتري، أو البائع، أو لهما كليهما؟ قال: الخيار لمن اشترى، نظرة ثلاثة أيام، فاذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء(٣) .

وعن سيدنا المرتضى(٤) وابن طاووس(٥) : أنّ الخيار لهما لقولهعليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا(٦) . وهذا لكونه خاصّاً، وصريحاً في ثبوته لهما، يخصّص العمومات، ويقدّم على ما ظاهره الاختصاص وحجّيّته، لأنّه مسنداً من الصحيحة المحكيّة في قرب الإسناد، لورودها في الكتب الأربعة، التي تقدّم على مثل قرب الإسناد، التي قيل: إنّه من الكتب التي لم يلتفت إليها أكثر الأصحاب، لغفلتهم

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٤ من ابواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٥٠.

(٢) وسائل الشيعة: ب ١ من ابواب الخيار ح ٥ ج ١٢ ص ٣٤٦ فيه: علي بن اسباط. (٣) وسائل الشيعة: ب ٣ من ابواب الخيار ح ٩ ج ١٢ ص ٣٥٠.

(٤) الانتصار: في البيع ص ٢٠٧.

(٥) راجع مفتاح الكرامة: ج ٤ ص ٥٥٥ س ٢٧ وجواهر الكلام: ج ٢٣ ص ٢٤.

(٦) وسائل الشيعة: ب ٣ من ابواب الخيار ح ٣ ج ١٢ ص ٣٤٩.

٤٧٢

عنها أو عن مراجعتها. ولكون الراوي لها محمد بن مسلم، الذي يقدم هو وأضرابه - مثل زرارة - على غيرهم من الثقاة تقدّم عليها أيضاً، وحيث أنّ الترجيح من حيث الدلالة والسند معها ثبوت الترجيح لما يعارضها بالمرجّحات الخارجية من موافقة المشهور، وأكثرية الرواية، خصوصاً بعد ظهور بدرك الشهرة.

وأمّا الإجماع المحكيّ عن الغنية(١) فمعارض بإجماع السيّد في الانتصار(٢) .

هذا غاية ما يقال في ترجيح هذا القول، ويمكن أن يمنع ترجيح هذه الصحيحة دلالة على غيرها، بعد تأيّدها بعضها ببعض.

بل يمكن دعوى مقاومة صحيحة الفضيل لها بنفسها.

ولا ريب أنّ الترجيح بحسب السند لها لكثرتها، واشتهارها عند الرواة، حتى عند محمد بن مسلم الراوي لهذه الصحيحة، مع تأيّدها بإجماعي الغنية وظاهر الدروس، لتقدّمها على إجماع الانتصار لتأيّدهما بالشهرة، ووهنه بندور القائل به. ولو فرض التكافؤ فالمرجع العمومات، إلاّ أنّ المنع دلالة (أوفوا بالعقود) على أصالة اللزوم - بناءً على ما مرّ - من الإشكال. ويدعى اختصاص حديث الافتراق بغير بيع الحيوان لا تحاد سياقه مع هذه الأخبار، فتأمّل.

و اعلم ، أنّ في المسألة قولاً(٣) ثالثاً حكي نسبةً الى جماعةٍ من المتأخّرين ، منهم الشهيد الثاني في المسالك(٤) ، وهو أنّ الخيار لمن انتقل اليه الحيوان، بائعاً كان أو مشترياً، لعموم صحيحة محمد بن مسلم (المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام). ولا ينافيه قولهعليه‌السلام في خبر فضيل: (وصاحب الحيوان المشتري) كغيره من الأخبار السابقة؛ لإمكان أن يقال: التقييد بالمشتري

____________________

(١) تقدم ص ٤٧١ رقم (١)

(٢) تقدم ص ٤٧٢ رقم (٤)

(٣) المكاسب: الخيارات ص ٢٢٥.

(٤) مسالك الأفهام: في الخيارات ج ١ ص ١٧٨ س ٤٠.

٤٧٣

فيه، والحكم بالاختصاص به فيها مبنيّ على الغالب من كون الحيوان مثمناً، وكون ثمنه من غير جنسه، مع إمكان منع منافاة تلك الأخبار الصحيحة - بناءً على ما مرّت الإشارة إليه - من أنّ الاختصاص من حيث كون المبيع حيواناً، فلا ينافيه ثبوت الخيار للبائع من حيث كون الثمن حيواناً.

لا يقال: تنزيل التقييد في خبر فضيل على الغالب ليس بأولى من تنزيل إطلاق الصحيحة على الغالب.

لأنّا نقول: لا نسلّم أنّ الغلبة بلغت درجة تصرّف الاطلاق. ولا يوجب ذلك عدم صلاحيتها لتنزيل التقييد عليها، إذ من أفراد الغلبة ما لا يصلح الإتكال عليه في إرادة المقيّد من الاطلاق، ويصلح نكتة لذكر القيد.

بل أقول: حيث أنّ دلالة الخبر وغيرها ممّا دلّ على الاختصاص مبنيّة على عدم نكتة للتقييد، كان احتمال كون الغلبة نكتةً مسقطاً للاستدلال. وأمّا الاطلاق فيجب الأخذ به ما لم يثبت قرينة على التقييد هذا.

ويمكن حمل التقييد في قولهعليه‌السلام : (وصاحب الحيوان المشتري) على إرادة رفع إرادة البائع من صاحب الحيوان، حتى كون المبيع حيواناً كما هو الغالب، لأنّه يصحّ إطلاق صاحب الحيوان عليه هذا.

ولكنّ الانصاف، أنّه كسابقه، لا يمكن المصير إليه، لأنّ مثل هذا الاطلاق الموهون يشبه الانصراف الذي ليس دعواه من التقييد ، وبالإجماع المحكيّ عن الغنية وظاهر الدروس ، المؤيّد بالشهرة لا يصلح لتقييد إطلاق قوله : (فاذا افترقا وجب البيع)، المؤيّد ببعض ما مرّ من موهنات معارضة كالإجماع والشهرة.

هذا، مع إمكان منع حجّيّة مثل هذا الاطلاق المقرون بالغلبة - مع قطع النظر عن الموهنات المذكورة - بناءً على أنّه يكون الاطلاق المقرون بالغلبة التي لا يعلم كونها قرينة على عدم الاطلاق، من قبيل اللفظ المقرون بما يصلح أن يكون قرينة المجاز في عدم انعقاد الظهور في المعنى الحقيقي.

٤٧٤

المسألة الثالثة:

الظاهر أنّ مبدأ هذا الخيار من حين العقد، لظهور جميع الأخبار في ذلك، حيث أنّها ظاهرة في أنّ القصد بيان امتداد الخيار بعد الفراغ من كون المبدأ من حين العقد، فلو انقضت الثلاثة انقضى هذا الخيار، ويبقى خيار المجلس إن لم يحصل الافتراق، كما أنّه لو حصل الافتراق قبل الثلاثة سقط خيار المجلس دونه.

وحكي عن السيّد أبي المكارم بن زهرة(١) أنه من حين التفرق. وقد يستظهر ذلك من الشيخ وابن إدريس، لإخبارهما ذلك في خيار الشرط، ودليلهما يقتضي اتحاد هذا الخيار معه في هذا الحكم.

قال في المبسوط: - على ما حكي عنه - الأولى أن يقال: إنّه - يعني خيار الشرط - يثبت من حين التفرّق؛ لأنّ الخيار يدخل إذا ثبت العقد، والعقد لم يثبت قبل التفرق(٢) ، انتهى.

وحكي نحو ذلك عن السرائر(٣) .

أقول: يمكن أن يقال: إنّ قصدهما من ذلك بيان أنّ قصد شارط الخيار هو الشرط، حيث لا خيار لولا الشرط، وهو من حين التفرّق، فيكون معنى قوله: يدخل إذا ثبت العقد، يقصد دخوله اذا ثبت العقد لا الدخول بحكم الشرع.

وعليه، فيرجع كلامهما الى ما في التذكرة(٤) في الاستدلال - لهذا القول - حكايةً عن قائليه: من أنّ الشارط يبغي بالشرط، إثبات ما لولا الشرط لما ثبت، وخيار المجلس ثابت، وإن لم يوجد الشرط فيكون المقصود ما بعده.

____________________

(١) مفتاح الكرامة: المتاجر، في خيار الحيوان ج ٤ ص ٥٥٣ س ٧، غنية النزوع (الجوامع الفقهية: ص ٥٢٥ س ٣٣.

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ٨٥.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٢٤٧.

(٤) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢٠ س ٢٤.

٤٧٥

ولكنّ الإنصاف، أنّ ظاهر العبارة المنقولة خلاف ذلك. وكيف كان فلا إشكال في أصل المسألة. وما يستدلّ به لكون المبدأ حين التفرق ضعيف في الغاية، لأنّا لا نسلّم أنّ الخيار لا يدخل إلاّ بعد ثبوت العقد في حكم الشرع، وقصد الشارط لو كان هو ذلك كان قضيّة بطلان الشرط للجهالة، فيبطل العقد من رأس.

وأمّا ما يقال: من أنّ الخيارين مثلان فلا يجتمعان ففيه منع ذلك، بل هما ماهيّتان مختلفتان، ولو سلّم فمعنى اجتماعهما اجتماع سببيهما، واستنادهما في المدّة المشتركة الى مجموع السببين، وفي الزائد الى ما يختصّ به.

ومن هنا ظهر ما في تعليل الحكم، بأنّه يلزم اجتماع السببين على سببٍ واحدٍ، على أنّه يمكن دفعه: بأنّ الأسباب الشرعيّة معرّفات لا مانع من اجتماع المتعدّد منها في محل واحد.

والحاصل: إنّا لا نسلّم أنّ الإجتماع، وكون المبيع حيواناً أسباب حقيقة لثبوت الخيار، بل هي أمارات شرعيّة، جعلها الشارع معرفةً لحكمه بقاءاً وارتفاعاً.

ويمكن أن يقال - انتصاراً لهذا القول - : بأنّ الشرط، وكون المبيع حيواناً من قبيل الموانع بالنسبة الى اللزوم والعقد قبل التفرّق، لا مقتضى اللزوم فيه، ولا يعقل أن يؤثّر المانع في العدم حال عدم المقتضي، لأنّ وجود المقتضي سابق على عدم المانع، فعدمه حين وجود المانع سابق على وجوده طبعاً. ولا ريب أنّ المسبق يستند المعلول اليه.

ويمكن أن يكون سند الشيخ - في الكلّيّة التي ادّعاها في عبارة المبسوط(١) المنقولة - هو ذلك.

وفيه منع ذلك، لإمكان أن يقال: إن طبيعة العقد مقتضية للّزوم، بحيث ما ثبت الخيار كان لمانع خارجيّ.

____________________

(١) تقدم ص ٤٧٥ رقم (٢)

٤٧٦

وهذا هو المناسب لأصالة اللزوم في العقود، التي يمكن دعوى الاتّفاق عليها مطلقاً، أو في الجملة.

وأمّا أصالة عدم حدوث الخيار من حين العقد، وأصالة عدم ارتفاعه من انقضاء الثلاثة أيام من حين العقد، أو المدّة المضروبة للخيار المشروط في ضمن العقد فمدفوعتان بظاهر الأخبار، مضافاً إلى أنّ اولاهما مثبت، لأنّ عدم الحدوث من حين العقد ليس من آثاره الثبوت من حين الافتراق. كما لا يخفى؛ فلا يصلح الاستناد اليهما في جعل المبدأ هو التفرق هنا، وفي خيار الشرط. مضافاً الى أنّه لا معنى للحكم ثبوت خيار الشرط في غير المدّة التي شرط الخيار فيها المتعاقدان.

ودعوى الانصراف في اطلاقها عند شرط الخيار قد عرفت، أنّه على تقدير تسليمه يقتضي بطلان الشرط لجهالته، مع انّه انّما يتمّ في العالم ثبوت خيار المجلس دون الجاهل به.

الرابعة: لا إشكال في أنّ ما يتوسّط بين الأيام من الليلتين على تقدير عدم التلفيق، والليالي الثلاث على تقديره داخل من زمن الخيار، للاستمرار المستفاد من الأخبار، مثل قولهعليه‌السلام : (فاذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء)(١) .

فإنّ الظاهر منه أنّ الثلاثة إنّما اعتبرت معرفة للزمان، الذي يستمر فيه الخيار باعتبار مضيتها، وعدمه، حيث أنّه على وجوب الشراء، على مضيّ الثلاثة فيكون عدمه كاشفاً عن عدمه. مضافاً الى أنّ الظاهر من تحديد الأمر القابل للاستمرار بالزمان، أنّ استمراره في الزمان.

فمعنى قوله: (الخيار في الحيوان ثلاثة أيام) أنه مستمر في الثلاثة، وأمّا الليلة الواقعة قبل الثلاثة، وبعد العقد - كما لو فرض وقوعه في الليل - فهي داخلة في زمن الخيار أيضاً، لا أنّ مبدأه - كما عرفت - من حين العقد.

وهل يجب ذلك من الأيام الثلاثة - بناءً على أنّ المراد من اليوم ما يعمّ الملفّق

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٣ من ابواب الخيار ح ٩ ج ١٢ ص ٣٥٠.

٤٧٧

من قطعةٍ من الليل والنهار، فيجعل آخر الأيام من أجزاء اليوم الثالث هو الجزء الذي لو اضيف اليه ذلك المقدار من الليل كان المجموع نهاراً - أو لا يجب؟

بناء على أنّ المتبادر منه هو البياض المتّصل، أو الأعمّ من الملفّق من قطعتي بياضين، دون غيره، وجهان، والأقرب هو الأخير.

كما أنّ الأقرب - أيضاً - أنّ المراد الأعمّ من الملفّق، لا لأنّه لو لم يعتبر كان مدة الخيار زائداً على الثلاثة التي يفهم من الأخبار حصر الخيار فيها، لأنّ المفهوم من الأخبار - كما عرفت - حصر الخيار في زمان لم يمض فيه ثلاثة أيام؛ وذلك يختلف باختلاف اعتبار اليوم؛ فإن اعتبر الأعمّ من الملفّق كان مضيّه معتبراً، وإن اعتبر المتصل كان مضيه معتبراً، ولا منافاة بين هذا الحصر، وبين دخول الخيار في النصف الواقع قبل الثلاثة، وإنّما المنافاة بينه وبين دخول الخيار في الواقع بعدها، لتحقق المضيّ الذي جعل حدّاً لبقاء الخيار، بل لأنّ المتبادر من الأيام - في التحديدات - الأعمّ من الملفّق، دون خصوص المتّصل.

وأمّا الليلة الواقعة بعد الثلاثة فحالها كحال بعض اليوم الواقع بعدها، في أنّ دخولها في زمن الخيار ينافي كون مضيّ الثلاثة غايةً له.

وأمّا ما ربّما يقال: من أنّ المراد بالأيام الثلاثة ما كانت مع الليالي، لدخول الليلتين أصالةً، فتدخل الثالثة، وإلاّ لاختلفت مفردات الجمع.

فإن أراد به إدخال هذه الليلة فيدفعه: أنّ المراد من اليوم ليس إلاّ حقيقة، وأنّ دخول الليلتين إنّما هو - لما أشرنا من الاستمرار المفهوم من ظاهر أخبار الباب - القائم على طبقه الإجماع.

وإن أراد إدخال الليلة السابقة على الأيام فالتعليل لا وجه له، وإن كان الحكم كما ذكره - لما عرفت - من أنّ دخوله مبنيّ على اتّصال مبدأ الخيار بالعقد.

مسألة: يسقط هذا الخيار بأمور:

منها: اشتراط سقوطه في ضمن العقد، ولا إشكال في ذلك؛ لعموم قولهعليه‌السلام : (المؤمنون عند شروطهم). واحتمال مخالفته لمقتضى العقد مدفوع بأن

٤٧٨

الخيار مقتضى إطلاق العقد، لا مطلقاً.

وبعبارة اخرى: مقتضى أدلّة ثبوت هذا الخيار كون العقد لو خلّي وطبعه، مؤثّراً في ثبوت الخيار فلا ينافيه السقوط بالاشتراط، مع إمكان دعوى انصرافها الى العقد الغير المقيّد بالشرط، وليس هذا الشرط من قبيل شرط النتيجة، لأنّه عبارة عن شرط حصول المسبّبات الموقوفة بحسب ظاهر الأدلّة على حصول أسباب خاصّة.

وهذا الشرط راجع الى إبداء المانع عن تأثير السبب على الوجه الأوّل، والى منع حصول المقتضي على الوجه الثاني، فلا إشكال فيه من هذه الجهة أيضاً، وإن منعنا صحّة شرط النتيجة.

وكما يصحّ شرط سقوطه بتمامه، كذلك يصحّ شرط سقوط بعضه المعيّن.

ومنها: الإسقاط بعد العقد.

ومنها: التصرف، أي: تصرّف ذي الخيار، ولا إشكال في إسقاطه للخيار في الجملة أيضاً. وإنّما الكلام:

أولاً: في أنّه بجميع أنحائه مسقط، أو يختصّ الحكم بنوع منه(١) .

وثانياً: في أنّ الإسقاط منوط بالكشف عن الرضا، نوعاً أو فعلاً، أو غير منوط بشيءٍ منهما. فالكلام يقع في أمرين:

أما الأول، فتحقيق الكلام فيه: أنّ ما يصدر من ذي الخيار، ويتعلّق بالحيوان قد لا يكون داخلاً في التصرّف، ويكون من قبيل الاستضاءة بنار الغير، والاستظلال بجداره كلمس الحيوان، والنظر اليه.

وفيه النظر الى ما يحرم النظر اليه من الجارية، ولمسها من غير استمتاعٍ، وإن كان حلّها مستنداً إلى الملكية، وقد يكون تصرّفاً.

أمّا الأول: فلا إشكال في عدم إسقاطه الخيار، وفي خروجه عن إطلاق كلمات العلماء، وفي انصراف الأخبار الى غيره، وما اشتمل من الأخبار في مقام التمثيل على

____________________

(١) فيه. (خ).

٤٧٩

مثل النظر الى ما يحرم النظر اليه، ولمس الجارية، فلعلّ المراد: الاستمتاع بها قرينة عدهما من أفراد الحدث، الذي علّق سقوط الخيار على إحداثه، ولا ريب في أنّه لا يعدّ ذلك حدثاً عرفاً، بل ولغةً أيضاً.

وأمّا الثاني: فقد صرّح في التذكرة(١) والتحرير(٢) بأنّه يسقط به الخيار مطلقاً، حتى ما كان منها تصرّفاً حقيقياً، مثل الأمر لغلق الباب ، وسقي الماء وعلّل ذلك في مواقع من الأوّل: بأنّه دليل الرضا. وفي هذا العموم إشكال، فأنّ شمول الأخبار لمثل التصرفات الحقيقية التي لا تعدّ عرفاً تصرّفاً في المبيع لا يخلو من إشكال، بل منع، ودلالة مثلها على الرضا باللزوم ممنوعة، مع أن إسقاط الخيار بها منافٍ للحكمة التي ذكروها لشرع الخيار من الإطّلاع على الصفات الخفيّة.

وكيف يمكن الإطّلاع مع ترك التصرّف مطلقاً، مع أنّه لو كان مثل هذه التصرّفات مسقطةً لم يبق مورد للخيار إلاّ نادراً فيلزم أن يكون جعل الخيار الذي شرع لكونه نظرة للمشتري - كما في بعض الأخبار - كاللغو.

وأشكل من ذلك ما سيأتي بيانه - إن شاء اللّه - من سقوط الردّ في خيار العيب بمثل هذه التصرفات، ولو وقعت قبل العلم بالعيب، فأنّ اختصاص أخبار تلك المسألة بغيرها أظهر من أخبار هذه المسألة.

وبالجملة: الذي يقتضيه النظر، هو اختصاص السقوط بما يعدّ عرفاً تصرفاً في المبيع. والضابط، أنّ كلّ تصرفٍ صدر من المشتري في زمان الخيار، وكان ذلك ممّا يحترز عنه العرف ما دام كان الملك غير مستقرّ الملكية عندهم، لكونه معدوداً عندهم من أفراد التصرّف في ملك الغير: كركوب الدابة فراسخ، والاستمتاع، والنظر الى الجارية، وملامستها، ووطئها، وأخذ حافر الدابّة، ونعلها، فهو مسقط للخيار.

____________________

(١) تذكرة الفقهاء: في مسقطات الخيار ج ١ ص ٥١٩ س ٨.

(٢) تحرير الأحكام: في الخيارات ج ٢ - ١ ص ١٦٨ س ٩.

٤٨٠