الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية0%

الرسائل الفشاركية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 604

الرسائل الفشاركية

مؤلف: آية الله السيد محمد الفشاركي
تصنيف:

الصفحات: 604
المشاهدات: 41164
تحميل: 4371

توضيحات:

الرسائل الفشاركية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 604 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41164 / تحميل: 4371
الحجم الحجم الحجم
الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية

مؤلف:
العربية

ويدل عليه قولهعليه‌السلام ، في صحيحة ابن رئاب : فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً فذلك رضاً منه، ولا شرط له، قال: قيل له: وما الحدث؟ قال : إن لامس، أو قبّل أو نظر منها الى ما كان محرّماً عليه قبل الشراء(١) .

وصحيحة الصفار، كتبت الى أبي محمدعليه‌السلام : في الرجل اشترى دابّةً من رجلٍ، فأحدث فيها من أخذ الحافر، أو نعلها، أو ركب ظهرها فراسخ، أله أن يردّها في الثلاثة أيام التي له فيها الخيار، بعد الحدث الذي يحدثها، أو الركوب الذي يركبها؟ فوقّع: اذا أحدث فيها حدثاً، فقد وجب الشراء، إن شاء اللّه(٢) .

وظاهر الأخير، وإن كان اختصاص السقوط بغير مثل الركوب - كما أن ظاهر السؤال عدم كون ركوب الفراسخ حدثاً - فلا يشمله الخبر الأوّل أيضاً. إلاّ أنّ الظاهر بعد التأمل أن تفريق الراوي بل مثل أخذ الحافر، والركوب تفنّن في الكلام.

وأنّ قولهعليه‌السلام (إذا أحدث فيها حدثاً) جواب عن كلا المسألتين - أعني السقوط بما فرضه الراوي حدثاً، وما عدّه في قباله - ولا أقلّ من الاحتمال؛ فالخبر الأوّل سليم عن المعارض، مضافاً الى إمكان دعوى الإجماع، على أنّ مثل الركوب فراسخ مسقط للخيار، فلو كان للخبر ظهور في احتمال اختصاص السقوط بغير الركوب لما كان العمل به جائزاً، كيف وهو ممنوع

ثم اعلم، أنّ ما شك دخوله في الضابط، فالمرجع فيه العرف، فإن ارتفع وإلاّ فأصالة بقاء الخيار سليم عن المعارض.

وأمّا كلمات العلماء، فلا يحضرني ما أرجع إليه، والمنقول من عبائرهم فليس مطابقاً لما حكيناه عن التذكرة بالصراحة.

فعن المقنعة أنّ هلاك الحيوان في الثلاثة من البائع، إلاّ أن يحدث فيه المبتاع حدثاً يدلّ على الرضا(٣) .

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٤ من ابواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٥٠.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٤ من ابواب الخيار ح ٢ ج ١٢ س ٣٥١.

(٣) المقنعة: ص ٥٩٢.

٤٨١

وحكي عنه التمثيل لذلك في موضع آخر: بأن ينظر من الأمة الى ما يحرم لغير المالك(١) .

وعن الغنية في موضعين منها: استثناء إحداث الحدث الدال على الرضا عن ثبوت الخيار(٢) .

وعن السرائر - بعد الحكم بالخيار في الحيوان الى ثلاثة أيام - : هذا إذا لم يحدث في هذه المدّة حدثاً يدلّ على الرضا(٣) .

وعن موضع آخر: إذا لم يتصرّف فيه تصرّفاً يؤذن بالرضا في العادة(٤) .

وهذه العبائر - كما ترى - مثل الأخبار في عدم الشمول لمثل الأمر بالسقي، وتمثيل الأوّل بالنظر محمول على ما حملنا عليه الأخبار، من قصد الاستمتاع.

وبالجملة: كلّما عدّ في نظر العرف تصرّفاً في المبيع يكون مسقطاً، ولو فرضنا مخالفة المشهور لما ذكرنا، وحكمهم بأنّ كلّ تصرفٍ لغويّ يكون مسقطاً فذلك لا يوهن به ما اخترناه، للعلم بأنّ دليلهم في تعيين الضابط ليس الأخبار التي قد أشرنا الى بعضها، وهي - كما عرفت - لا دلالة فيها على اعتبار غير ما ذكرناه في السقوط.

وأمّا الأمر الثاني: فتحقيق الكلام فيه يتوقف على التكلّم في الأخبار.

فنقول: إن الظاهر أنّ المراد من الرضا ليس الرضا الحاصل عند العقد الثاني غالباً، بعد الفراغ منه، ولو في مدّة يسيرة، فأنّ إسقاط الخيار بذلك، ولو بشرط اقترانه بما يكشف عنه يوجب عدم حدوث الخيار في أغلب أفراد البيع.

ويشهد له - أيضاً - رواية عبد اللّه بن الحسن بن زيد بن عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، عن أبيه، عن جعفرعليه‌السلام ، عن أبيهعليه‌السلام ، قال: قال رسول

____________________

(١) المقنعة: ص ٥٩٣.

(٢) غنية النزوع (الجوامع الفقهية) ص ٥٢٦ س ٢ و س ١٣.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٢٤١.

(٤) السرائر: ج ٢ ص ٢٤٧.

٤٨٢

اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله في رجلٍ اشترى عبداً لشرط الى ثلاثة أيام، فمات العبد في الشرط، قال: يستحلف باللّه ما رضيته، ثم هو بريء من الضمان(١) . فأنّ المراد من الرضا هو الالتزام، وإلاّ فالرضا بالملكية - كما عرفت - حاصل بعد العقد، ولو في زمان يسير، فلا حاجة الى الحلف، فالمراد الالتزام قلباً لو أنشأه بفعلٍ أو قول.

وكيف كان قولهعليه‌السلام فذلك رضاً، يحتمل وجوهاً:

أحدها: أن يكون تنزيلاً مراعياً للحدث منزلة الرضا، ومقتضاه سقوط الخيارية، حتى مع العلم بأنّه لا يكون مع الرضا.

ثانيها: أن يكون إخباراً عن الواقع، والمراد منه: التنزيل العرفي، لا بمعنى تقييد القضية بقولنا: عرفاً، بل بمعنى كون بناء الأخبار على تنزيل المخبر نفسه منزلة العرف.

ثالثها: أن يكون إخباراً عن الواقع، ويكون المراد: أنّ الإحداث متى تحقّق فهو رضاً - بناءً على أنّ مطلق الكاشف عن الالتزام القلبي إلتزام - وإن لم يقصد به إنشاء الالتزام.

رابعها: أن يكون إخباراً عن الواقع، ويكون المراد: أنّه متى تحقّق الحدث فالرضا محقّق، ويكون الاتحاد، الذي هو مفهوم القضية، كناية عن ذلك، ومصحّح دعوى الاتحاد: إمّا هو الدلالة - أعني كون الحدث دالاً على الرضا - وإمّا كون الرضا غالباً سبباً لحدوث الحدث، وإمّا مجرد مصاحبة الحدث للرضا.

وأوجه المصحّحات هو الأوّل، حيث أنّ اتحاد الدّال مع مدلوله حال الكشف عن المدلول إذا لوحظ بهذه الحيثيّة أظهر من اتحاد المسبب مع سببه، أو اتحاد المتصاحبين مع الآخر.

وإذا عرفت ذلك، فمقتضى أوّل الوجوه المحتملة في الفقرة المذكورة أن يكون هو الجواب للشرط. وعليه - كما مرّ الإشارة إليه - لا فرق بين أنواعه من حيث الاقتران

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٥ من ابواب الخيار ح ٤ ج ١٢ ص ٣٥٢.

٤٨٣

بالرضا، وعدم الاقتران به.

وأمّا على باقي الوجوه، فلا يخفى أنّه لا يصحّ أن يكون جواباً للشرط، لأنّ الأخبار بهذه المعاني ليس غرضاً لهعليه‌السلام ، فهي - حينئذٍ - إمّا حكمة للجواب، نظير كون الرضا حكمةً لكون الافتراق مسقطاً في خيار المجلس، وحكم هذا كما لو كان هو الجواب، ضرورة أنّ الحكمة لا تفيد موضوع الحكم، فلا فرق في الحدث بين المقرون فيه بالرضا، وبين غيره، وإمّا علّة له. وهذا الوجه يختلف حكمه باعتبار المعاني السابقة.

فإن قلنا: إنّ المراد: هو التنزيل العرفي، فإن اريد التنزيل في الحكم - أعني عدم سلطنة المشتري معه على الردّ - كان مقتضاه السقوط في كلّ ما هو بحكم الالتزام عرفاً؛ وإن لم يكن كاشفاً عن الرضا، لاقترانه بما يعلم معه عدم الرضا كوطء الجارية، وركوب الدابة فراسخ وأمثالهما فإنّ من لاحظ عمل العرف يقطع بأنّ مثل هذه التصرفات لا يصلح معها رّد البيع، ولا يكون المتصرّف مسلّطاً عليه عندهم، وإن علم صدورها من غير التزام، فضلاً عن الشكّ في ذلك، أو ظهور كونه مع الرضا. والإحداث - بمقتضى ما اخترنا في معناه - كلّه من هذا القبيل. وعليه لا تكون القضيّة غالبيّةً.

وإن اريد منه التنزيل في الموضوع أمكن أنّ ما لا يكون له ظهور في الالتزام - لاقترانه بما يدلّ على عدم الالتزام - خارج عن العلّة، فيخرج بذلك عن عموم الإحداث، لاقتضاء العلّة قصر الحكم على موردها.

وإن قلنا: إن الحدث الالتزام حقيقة - لأنّ كلّ ما دلّ على الالتزام قلباً إلتزام - وإن لم يقصد به إنشاؤه، فإن كان الحكم عليه بذلك بملاحظة نوعه كان مقتضاه سقوط الخيار بكلّ كاشفٍ نوعيّ ولو لم يكن تصرفاً، وعدم الاعتبار بما قرن بما يعلم معه عدم الرضا والالتزام فأنّه ليس التزاماً - حينئذٍ - وإن كان بملاحظة شخص التصرف اعتبر دلالة الشخص عليه، وحيث لم يعلم الاكتفاء بالظنّ كان المناط حصول العلم بالرضا.

٤٨٤

ومثل هذه الصورة في الحكم، إن قلنا: إنّ المراد: اتحاد الحدث مع الرضا، وهو كناية عن وجوده، فإن اعتبر ذلك بملاحظة النوع دخل في الحكم كلّ كاشفٍ عن الرضا، وخرج من أفراد التصرف ما يعلم - لوجود القرينة - عدم حصول الرضا معه وإن اعتبر بملاحظة شخص التصرّف كان المناط العلم بالرضا، ثم إن قضية هذا الوجه كون المسقط الرضا القلبي، وعدم العبرة بالتصرف إلاّ من حيث الكشف.

غاية الأمر، أنّه على التقدير الأوّل اعتبر الكشف النوعي، والظهور في إثبات مناط السقوط - وحينئذ - يشكل الأمر من حيث أنّ قضية ذلك، كون الرضا اذا حصل مسقطاً وإن لم يعلم به، وكون حصول العلم به كافياً في الحكم بالسقوط، من أيّ طريقٍ حصل عليه، فيجب على ذي الخيار الوفاء بالعقد، إذ الالتزام قلباً - وإن لم يحدث أمر مظهر للرضا - والتزام الأصحاب بذلك في غاية الإشكال، فإن ثبت إجماع وجب التقييد بوجود الكاشف عن الرضا، والالتزام بأنّ للكاشف دخلاً في رفع الخيار

الثالث من الخيارات - خيار الشرط

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد للّه رب العالمين. والصلاة على محمد وآله الطاهرين. ولعنة اللّه على اعدائهم ومن أبغضهم وعاندهم أجمعين الى يوم الدين.

والمراد منه: المسبّب عن شرطه في متن العقد. وهو ممّا لا خلاف فيه عندنا. وحكاية الاجماع بلغت الاستفاضة.

٤٨٥

والأصل فيه قبل الإجماع عموم الأخبار(١) المسوّغة للشرط، وأخبار خاصّة(٢) ، لعلّه تأتي الإشارة الى بعضها في المسائل الآتية - إن شاء اللّه -.

والإشكال في الاستدلال بالطائفة الاولى: بأنّ الشرط مخالف لمقتضى العقد، وهو اللزوم فيسري الأخبار الخاصّة، لمعارضتها - ما استثني - مخالفة الكتاب والسنّة من الشروط في الأخبار العامّة لا يلتفت اليه بعد الإجماع وسيأتي المراد من مخالفة الكتاب والسنّة في باب الشروط.

وبالجملة: الكلام هنا في أحكامه بعد الفراغ من صحّته في الجملة، وهو يتمّ برسم مسائل:

الاولى: لا فرق عندنا بين اتّصال زمان الخيار بالعقد وانفصاله، لعموم أدلّة الشرط. وعن الشافعيّ(٣) : منع الأخير؛ مستدلاً بأنّه يلزم صيرورة اللازم جائزاً بعد تحقّق اللزوم.

والجواب: منع بطلان التالي، مع أنّه كما عن التذكرة(٤) منتقض ببعض الخيارات الآتية كخيار الرؤية.

نعم، يجب أن تكون مدّة الخيار مضبوطةً من حيث المبدأ، والمنتهى. فلا يصحّ شرطه الى قدوم الحاجّ، أو الحصاد، أو الدباس لأنّه غرر، والبيع يصير به غرراً في بعض المواقع، لأنّه حقّ ماليّ يقع عليه الصلح، ويبذل بإزائه المال، ويختلف بوجوده وعدمه فيه المبيع.

ولذا يقع التشاحّ في مقدارٍ يسيرٍ منه، فاشتبه الجهل به الجهل بمقدار المكيل والموزون، في كون المعاوضة معه - سواء كان عوضاً، أو كان ملكه شرطاً في ضمنها - غرريّاً، فيكون الشرط منه فاسداً، على القول بأنّ الغرر في غير البيع مبطل. والبيع

____________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة: ب ٦ و ٧ من أبواب الخيار ج ١٢ ص ٣٥٣ - ٣٥٤.

(٣) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢٠ س ٣٨.

(٤) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢٠ س ٣٨.

٤٨٦

حتى مع القول بأنّه في غير البيع لا يفسد فاسداً، لأنّه يسري الغرر من الشرط اليه، فلا يبتني الفساد على القول بإبطال الغرر في غير البيع، وأنّ الشرط الفاسد مفسد للعقد.

ومن هنا علم، أنّه لا حاجة الى الاستدلال بأنّ اشتراط المدّة المجهولة مخالف للكتاب والسنة، لأنّه غرر، إن أريد منه كون الشرط في نفسه فاسداً لكونه غرراً، وإن اريد منه أنّه لا يستلزمه الغرر في البيع يكون مخالفاً للكتاب والسنة.

ففيه: أنّ الشرط أنّه لا يكون ما أبطل الشرط المخالف شاملاً لمثل ذلك، لأنّ المراد منه: ما كان بنفسه مخالفاً، لا ما كان صحّته ملازماً لوقوع مخالفة للكتاب.

ثم اعلم، أنّه قد حقّق في محلّه، أنّ المناط في ابطال الغرر كون المعاملة التي تطرّق فيها الجهل بنوعها معه غرريّةً، وإن لم يكن كذلك في شخص المقام فلا عبرة بمسامحة المتعاقدين في بعض الموارد، وإقدامهم على الغرر.

وممّا يؤيّد ذلك، بل يدلّ عليه، النهي عن السلف الى الدباس والحصاد، مع إقدام الناس عليه كثيراً.

لا يقال: لا نسلّم أنّ اشتراط المدّة المجهولة غرر، لأنّ الجهل بأصل الخيار أعظم من الجهل بحدوده، ولا ريب أنّ البيع مع الشكّ في ثبوت بعض الخيارات لا يكون باطلاً ولا يعدّ غرريّاً.

لأنّا نقول: دخول الخيار في العقد بحكم الشارع غير دخوله فيه بجعل المتعاقدين، فأنّ الجهل بالأوّل راجع الى الجهل بصفات البيع، وحدوث الطوارئ الخارجة مع العلم بصفات المبيع، والجهل بالثاني راجع الى الجهل بما وقع العقد عليه، وكون الثاني موجباً للغرر، ولا يلزم فيه كون الأوّل كذلك.

فإن قلت: المعاملة إذا لم تؤمّن من ترتّب الضرر عليها خطر، سواء كان منشأ ذلك الجهل بما وقع العقد عليه، أو اعتبر فيه، أو غير ذلك، ومع الجهل بثبوت الخيار تكون المعاملة خطراً.

قلت: ليس كلّ غررٍ منهيّاً عنه، بل هو ما كان مستنداً الى البيع لو خلي بطبعه،

٤٨٧

مع قطع النظر عن الخارج. ثمّ إنّه لا فرق في بطلان العقد مع عدم تعيين المدّة، بين أن يطلق الشرط من غير تصريح بالمدّة، وبين التصريح بها من غير تعيين أصلاً، وبين التعيين بأمرٍ غير مضبوطٍ كقدوم الحاج لأنّ البيع في جميع هذه الصور غرر.

إلاّ أنّه حكي عن المقنعة(١) والانتصار(٢) والخلاف(٣) وجواهر القاضي(٤) والحلبي(٥) : أنّه يكون البيع صحيحاً، ومدّة الشرط ثلاثة أيام. بل نسب ذلك الى المشهور بين المتقدّمين، وعن الانتصار وتالييه الاجماع عليه. وعن الخلاف نسبته الى أخبار الفرقة.

وهذه الحكاية بمنزلة أخبارٍ مرسلة، فهي مؤيّدة بالاجماعات السابقة، والشهرة المحكيّة كافية في إثبات الصحّة. مضافاً الى قولهعليه‌السلام : (الشرط في الحيوان ثلاثة للمشتري اشترط أو لم يشترط) دلّ بمفهومه على أنّ الشرط في غير الحيوان ثلاثة على تقدير الاشتراط. والمراد ينبغي أن يكون شرطه مطلقاً، لا مع تعيين المدّة، ضرورة أنّه لا يختص الصحّة مع التعيين بالثلاثة، بل أيّ عددٍ اعتبر في العقد كان الشرط صحيحاً.

وفيه: أنّ ظاهر المنطوق ثبوت الخيار في الثلاثة على تقديري شرط الخيار وعدمه، والمفهوم عدم ثبوت الخيار في الثلاثة على التقديرين، فهو يدلّ على أنّه ثابت في الثلاثة على تقدير الشرط، وليس فيه دلالة على اختصاص الثبوت على تقدير الشرط بالثلاثة، فيصير موجباً لحمل الكلام على شرط الخيار مطلقاً، دون شرط الخيار ثلاثة أيام، لعدم إمكان الأخذ بظاهر الاختصاص على هذا التقدير.

ويرد على ما قبله: أنّ المرسل المحكيّ عن الشيخ لم يوجد منه أثر في كتب

____________________

(١) المقنعة: كتاب البيع ص ٥٩٢.

(٢) الانتصار: ص ٢١١.

(٣) الخلاف: ج ٣ ص ٢٠ مسألة ٢٥.

(٤) جواهر الفقه: كتاب البيع ص ٥٤ مسألة ١٩٤.

(٥) الكافي في الفقه: ص ٣٥٣.

٤٨٨

الأخبار، فلعلّ نسبته الى الأخبار مبنيّ على اجتهاده، فلا يعلم في المقام خبر مرسل ينجبر ضعفه سنداً أو دلالة بما مرّ من الأجماع.

والحاصل: أنّ احتمال استناد الشيخ في إرساله الى اجتهاده في دلالة الأخبار يمنع عن الاستناد الى إرساله، واحتمال استناد المجمعين الى دلالاتٍ اجتهاديّةٍ في الأخبار مانع عن تأييد مرسل الشيخ، أو انجباره باجماعهم، لأنّ انجبار المرسل سنداً، أو دلالةً بالإجماع إنّما يصحّ إذا كان مسند المجمعين هو المرسل.

فلو فرضنا أنّ هنا مرسلاً قابلاً للإنجبار لم يصحّ هنا دعوى انجباره بما ذكر.

وممّا يؤيّد كون إرسال الشيخ مبنيّاً على الاجتهاد، اختياره في المبسوط(١) القول بالبطلان كما حكاه عنه السيد في الرياض(٢) .

وأمّا الاجماعات، فهي مع مصير المتأخرين الى خلافها، لا يمكن المصير معها الى مخالفته القاعدة المتّفق عليها، خصوصاً مع كون أغلب إجماعات السيّد في الغنية، والقاضي في الجوهر مأخوذة من إجماعات السيّد في الانتصار كما قيل. وإجماعه هنا مع قوّة احتمال بنيانه على الاجتهاد - كما عرفت من مخالفة الشيخ الذي هو في أطراف آخر عصره له - موهون بمخالفته له في غير الانتصار كما حكاه عنه في الرياض(٣) .

وربّما ينتصر للقائلين بالصحّة: بأنّه ليس في الأدلّة ما يخالف ذلك، لأنّ الغرر مندفع بتحديد الشرع، وإن لم يعلم به المتعاقدان كخيار الحيوان الذي لا إشكال في صحّة العقد مع الجهل به، أو بمدّته.

وفيه: أنّ الغرر لا يندفع بتحديد الشرع ما لم يكن رافعاً لمناطه، وهو جهل المتعاقدين الموجب لعدم الأمن من الوقوع في الضرر.

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ٨٣.

(٢) رياض المسائل: في خيار الشرط ج ١ ص ٥٢٤ س ٣٢.

(٣) رياض المسائل: ج ١ ص ٥٢٤ س ٣٢.

٤٨٩

وأمّا صحّة البيع في الجهل بخيار الحيوان - فقد عرفت - أنّه لعدم دخول مثل ذلك في الغرر المنهيّ عنه، وقياس ما نحن فيه عليه لا وجه له، بعد كون ما وقع في ضمن العقد محمولاً.

وبالجملة: دعوى كون التحديد الشرعيّ مخرجاً للمعاملة عن عنوان الغرر، مع بقاء مناطه الذي هو الجهل الموجب لعدم أمن المتعاقدين من الوقوع في الضرر، لا يخلو عن ضعف.

نعم، لو قلنا: إنّ حكمة بطلان الغرر آثاره التشاحّ والنزاع كان تحديد الشرع موجباً لارتفاع حكمة البطلان، فكان الالتزام بالصحّة والتخصيص في إطلاق النهي الموجب للفساد مع قيام الدليل المخصّص تعيّناً.

فتلخّص أنّ الأقوى ما اختاره المتأخرون من فساد البيع. وربّما يحكى هنا التفصيل بين الشرط والعقد به بطلان الأول دون الثاني. وقد عرفت، أنّه لا وجه له، لأنّ الغرر في الشرط يوجب كون العقد غرريّاً، ولعلّه يأتي تحقيق ذلك - إن شاء اللّه تعالى - في باب الشروط.

مسألة: مبدأ هذا الخيار عند الاطلاق حين الفراغ من العقد، لأنّه المتبادر من الاطلاق، وقد عرفت البحث في خلاف الشيخ في ما سبق، فلا نعيده.

مسألة: كما يجوز جعل هذا الخيار للمتعاقدين، كذلك يجوز جعله لأجنبيّ واحداً أو أكثر، ويجوز لكلّ واحدٍ ممن له الخيار - على تقدير التعدّد - الفسخ والإجازة، ولكنّ مع التعارض يقدّم الفسخ، لأنّ فائده الخيار تأثيره، فلو لم يؤثّر لغي الشرط اللازم الذي أمر المتعاقدان بالوفاء به فالتردّد في ذلك، أو الجزم بعدمه ليس في محلّه. وهل يجب على الأجنبيّ رعاية أصلح الأمرين بحال المشروط له؟

قد يقال: نعم، لأنّه أمين. وهو مشكل، لأنّ هذا التعليل لا يلائم ما قالوه: إنّه بحكم لا توكيل، فالمناط مراعاة لفظ الشرط، فإن كان مقتضياً لذلك - ولولا

٤٩٠

انصرافه - كان هو المبيع، وإلاّ كان إطلاقه محكماً.

والحاصل: أنّ المراد من جعل الخيار للأجنبيّ، الذي هو عنوان هذه المسألة تسليطه على أيّ الأمرين شأنه من إبقاء العقد ودفعه، على أن يكون مستقلاً في ذلك، لا جعل الخيار لمن شرط الخيار للأجنبيّ، وشرط كون الأجنبي وكيلاً عنه، ولذا لا يؤثر فسخه، فليس هنا شيء أو ثمن عليه الأجنبيّ، فيجب عليه مراعاة المصلحة لكونه أجنبيّاً.

ثم إنّه لا إشكال في أنّه لا ينتقل هذا الخيار الى وارث الأجنبيّ إن قلنا: إنّه مجرد ولاية التصرّف في العقد، وكذلك الأمر إن قلنا: إنّه حقّ مالي كسائر الخيارات وكالخيار المشروط للمتعاقدين، لأنّ الظاهر أنّ الخيار جعل لشخص الأجنبيّ منحيث هو مشخصه، نظير الوقف على شخص. وسيأتي توضيحه في أحكام الخيار إن شاء اللّه تعالى.

وفي توقف صحة هذا الشرط على قبول الأجنبي، وعدمه وجهان:

من عدم وجوب الوفاء بالشرط، ومن أنّ حصول ذلك للأجنبيّ بفعل الغير قهر عليه مناف لسلطنته على نفسه، ولم أعثر هنا على كلامٍ لأحد.

ثم إنّه قال في التذكرة : لو باع العبد و شرط الخيار للعبد صحّ البيع ، و الشرط عندنا لأنّ العبد بمنزلة الأجنبيّ(١) .

وفي القواعد: لو جعل الخيار لعبد أحدهما فالخيار لمولاه(٢) .

وفيه أيضاً: لو كان العبد لأجنبيّ لم يملك مولاه، ولا يتوقف على رضاه اذا لم يمنع حقاً للمولى(٣) .

قلت: إن كان العلّة في كون الخيار لمولى العبد عدم قابلية العبد لملك الخيار لم يكن فرق بين عبد أحد البيّعين، وعبد الأجنبيّ، مع أنّ مقتضى ذلك فساد

____________________

(١) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢١ س ٢١.

(٢) و (٣) قواعد الأحكام: الجزء الاول ص ١٤٤ س ١.

٤٩١

الشرط، لا لكونه للمولى، لأنّه غير مقصود.

وإن كان معناه عدم تأثير لفظ العبد فسخاً وإجازة ما لم يقترن برضا المولى - لأنّه لا يقدر على شيء - لم يكن فرق بينهما أيضاً.

والتحقيق: أنّ العبد إن منعنا ملكه للحقوق - كما أنّه لا يملك الأحوال - فالشرط فاسد. وإن قلنا: إنّه يملك الحق فالظاهر توقف تأثير لفظه على إذن المولى.

ولا يتوهّم، أنّ هذا يرجع الى كون الخيار للمولى، إذ لا أثر لفسخ المولى، وأنّما إذنه شرط في تأثير المؤثر، وهو فسخ العبد.

هذا إن كان المقصود من جعل الخيار للعبد سلطنته على الفسخ في الجملة، ولو في حال إذن المولى.

وإن كان القصد سلطنته عليه مطلقاً - ولو من دون إذن مولاه - ففيه إشكال. والأقوى في النظر عاجلاً فساد الشرط، لأنّ العبد « لا يقدر على شيءٍ وهو كلّ على مولاه »(١) نطق بذلك الكتاب العزيز والقرآن المجيد.

مسألة: يجوز لكلّ منهما اشتراط الاستئمار، والمراد: أن يشترط أحدهما على صاحبه أن يأتمر المشروط عليه بأمر الأجنبيّ إذا استأمره المشروط له في أمر العقد، أو يأمره ابتداءً، فأن أمر الأجنبيّ بالاجازة لم يكن لأحدهما الفسخ، لأنّ فعله معلّق بمقتضى جعلهما على الأمر به، ولم يحصل. ولأنّ معنى الائتمار الالتزام بأمره، ومعناه الالتزام بالعقد عند الأمر بإجازته، وإن أمر بالفسخ، فإن لم يكن المشروط له طالباً له فالظاهر أنّه لا يجب، وإن طلبه فكذلك، لأنّ معنى ائتماره بأمره ليس إنشاء الفسخ، بل الرضا به، والالتزام به اذا أجازه المشروط له، ومقتضى ذلك سلطنة المشروط له على الفسخ، لا وجوب الفسخ على المشروط عليه.

والحاصل: أنّ المستأمر هو المشروط له، فالأمر بالفسخ متوجّه إليه، لا إلى المشروط عليه، فليس معنى الائتمار المشروط عليه بهذا الأمر إلاّ الرضا به، والالتزام

____________________

(١) النحل: ٧٦.

٤٩٢

بفعل المشروط.

ولو فرض أنّه شرط أحدهما على صاحبه استئماره الأجنبي فالمفهوم منه عرفاً ليس - أيضاً - إنشاؤه الفسخ، ولا سلطنة عليه دون المشروط له، بل الرضا به والالتزام به إذ اختاره المشروط له.

ومن هنا علم، أنّ المشروط عليه ليس له السلطنة على الفسخ في الصورتين. وممّا ذكر، ظهر الفرق بين هذه المسألة، وجعل الخيار للأجنبيّ، لأنّ الخيار هنا للمشروط له، وأمر الأجنبي بالفسخ شرط لحصوله، فالأجنبيّ هنا كالمشروط له في المسألة السابقة في أنّه لا يكون فسخه مؤثّراً. ويجب تعيين مدّة الاستئمار، لأنّ بدونه يكون الشرط غرراً.

فرع

إذا أمره الأجنبيّ بالفسخ ابتداءً، وكان الشرط الائتمار بأمره بعد الاستئمار فهل للمشروط له الفسخ؟ وجهان:

من أنّ الشرط غير حاصل، ومن أنّ الغرض من شرط الاستئمار - وهو حصول الأمر - وهو حاصل.

والحاصل: أنّ شرط الاستئمار ليس مقصوداً بذاته، وإنّما اعتبر لكونه سبباً لحصول الأمر، فالشرط حقيقةً هو الالتزام بأمر الأجنبي.

نعم، لو علم تعلّق غرض بالاستئمار غير تحصّل الأمر كان عدم حصول الخيار بالأمر ابتداءً واضحاً.

فرع

لو شرط أحدهما على صاحبه قبل الفسخ، اذا أمره الأجنبي فالظاهر وجوب ذلك عليه، بل الظاهر أنّه لو لم يفعل أجبره الحاكم. ولكنّ هذه المسألة من مسائل الشرط. والحاصل: أنّ مسألة الاستئمار المعدودة من مسائل شرط الخيار، حقيقتها

٤٩٣

اشتراط أحدهما على صاحبه خياره، بعد أن يأمره الأجنبيّ بالفسخ، أو يأمر صاحبه به.

وتوهّم التلفيق في الانشاء، لأنّ الشرط هو الخيار على تقدير أمر الأجنبيّ ليس في محلّه، لأنّ الأمر هنا معرّف للزمان، فافهم.

مسألة: من أفراد شرط الخيار الشرط بعد ردّ الثمن، ويعبّر عن البيع المشروط فيه: بيع الخيار، وهو بيع الشيء مع اشتراط البائع لنفسه على المشتري الخيار في يده، بأن يردّ الثمن، ويرتجع المبيع. وحاصله شرط السلطنة على الارتجاع بعد تحقّق الردّ، وهو جائز.

وعن التذكرة(١) ، الاجماع عليه، ويدلّ عليه قبله عمومات لزوم الشرط، وجملة من الأخبار الواردة في خصوص المسألة.

منها: موثقة إسحاق بن عمار، قال: حدّثني من سمع أبا عبد اللّه ، سأله رجل وأنا عنده، فقال: رجل مسلم احتاج الى بيع داره، فمشى الى أخيه، فقال له: أبيعك داري هذه، ويكون لك أحبّ إليّ من أن يكون لغيرك، على شرط لي أنّي اذا جئتك بثمنها الى سنةٍ أن تردّها عليّ قال: لا بأس بهذا، إن جاء بثمنها ردّها عليه، قلت: أرأيت لو كان للدار غلّة لمن تكون الغلة؟ فقال: الغلّة للمشتري، ألا ترى أنّها لو أحرقت كانت من ماله(٢) الخبر.

قوله: اذا جئتك بثمنها الى سنةٍ، ظاهره الابتدائي، وإن كان مطلقاً إلاّ أنّه يمكن دعوى كون المراد من ذلك المجيء بالثمن، على أن يكون المشتري الملازم للفسخ الفعلي، نظراً الى أن الغرض من ذلك ليس إلاّ ارتجاع المبيع.

قوله: تردّها عليّ، يحتمل أن يكون المراد هو الردّ الخارجيّ، ويكون المعنى أنّي اذا جئتك بالثمن تردّ المبيع، ولا يكون لك - حينئذٍ - كلام. وحاصل الشرط - حينئذٍ -

____________________

(١) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢١ س ٣٩.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٨ من ابواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٥٥. مع اختلاف في بعض الالفاظ.

٤٩٤

سلطنة البائع على الفسخ الفعلى، وأن يكون المراد هو الإقالة على أن يكون الردّ الخارجيّ كنايةً عن ملزومه الذي هو الإقالة. فالشرط - حينئذٍ - إقالة المشتري عند إقالة البيع. وهذا مخالف لظاهر اللفظ.

ويحتمل - بعيداً - أن يكون المراد من الردّ: الردّ الحكميّ، وهو اخراجه من ماله وإدخاله في مال البائع، وهذا يرجع الى شرط معاوضةٍ جديدة، وهو - مع بعده في نفسه - لا يلائم قوله: اذا جئتك بالثمن، لأنّه ظاهر في الفسخ الفعليّ.

وبالجملة: التمسّك بالرواية لفروض المسألة مشكل.

ومنها: رواية معاوية بن ميسرة، قال: سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد اللّه: عن رجل باع داراً له من رجل، وكان بينه وبين الذي اشترى الدار خلطة، فشرط أنّك إن أتيتني بمالي بين ثلاث سنين فالدار دارك، فأتاه بماله، قال: له شرطه.(١) . الخبر.

قوله: إن أتيتني بمالي هو نظير قوله في الرواية السابقة: إن جئتك بالثمن.

قوله: فالدار دارك، يحتمل أن يكون المراد ظاهره، وهو أنّ الدار لك عند الإتيان بالثمن، فيرجع الى شرط حصول الفسخ بعد الردّ، وأن يكون كناية عن الالتزام بردّ الدار، وعدم السلطنة على منعه عنها، فيكون الشرط سلطنة البائع على الفسخ بالردّ.

وهذا، وإن كان مخالفاً للظاهر، لا يبعد أن تحمل الرواية عليه، نظراً الى ظهور كون السؤال في هذه الأخبار عن حكمه عن المعاملة المتعارفة بين الناس، وهو البيع بشرط خيار البائع، وسلطنته على ردّ الثمن، وارتجاع المبيع.

ومنها: رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : قال: إن بعت رجلاً على شرط، فإن أتاك بمالك، وإلاّ فالمبيع لك(٢) .

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٨ من ابواب الخيار ح ٣ ج ١٢ ص ٣٥٥.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٧ من ابواب الخيار ح ٢ ج ١٢ ص ٣٥٤.

٤٩٥

أقول: يحتمل أن يكون المراد من قوله: (بعت رجلاً) الشراء - بناءً على أنّ لفظ البيع يطلق على المعنى الأعمّ من الشراء والبيع - فيكون المراد من الشرط شرط ردّ المبيع عند ردّ الثمن، ويكون المراد من البيع في قوله: فالبيع لك: المبيع، فيكون كناية عن لزومه، وعدم سلطنة البائع على ردّ الثمن وارتجاع المبيع، وحينئذٍ تكون الرواية من أدلّة ما نحن فيه، أو أن يكون المراد من قوله: بعت معناه الحقيقي، ويكون المراد من الشرط، شرط تعجيل الثمن مثلاً، ويكون المراد من البيع في قوله: فالبيع لك العقد - أي - اختياره إبقاءً ودفعاً لك، فلا دخل له بمسألتنا.

والثاني وإن كان أقرب من الأول - لعدم التجوّز في لفظ البيع - إلاّ أنّ إرادة العقد من البيع بعيد. مع أنّ الظاهر أنّ قولهعليه‌السلام : فإن أتاك بمالك هو تعبير عن الشرط، وكون المراد منه، المال الذي ثبت كونه له بهذا البيع، حتى يكون المراد من إتيانه التعجيل في الاقباض بعيد.

مع أنّ في التعبير بالاتيان، ودخل الدفع والاقباض نوع إيماء إلى أنّ الشرط هو الردّ، لا تعجيل الثمن، ومع ذلك وضوح المسألة أشدّ من أن نحتاج في إثباتها الى هذا الخبر.

ومنها: رواية سعيد بن يسار في الصحيح قال: قلت لأبي عبد اللّهعليه‌السلام : إنّا نخالط اناساً من أهل السواد وغيرهم، ونبيعهم ونربح عليهم في العشرة اثني عشر، وثلاثة عشر، ونؤجّل ذلك فيما بيننا وبينهم السنة، ونحوها، ويكتب لنا رجل منهم على داره أو أرضه بذلك المال، الذي فيه الفضل الذي أخذ منّا شراءً بأنه باع وقبض الثمن، فعنده إن هو جاء بالمال الى وقتٍ بيننا وبينهم أن نردّ عليه الشراء، فإن جاء هذا الوقت، ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا، فما ترى في الشراء؟ فقال: أرى أنّه لك إذا لم يفعله، وإن جاء بالمال للوقت فتردّ عليه(١) .

أقول: قوله (فنعده) الظاهر أنّه ليس المراد من مجرّد الوعد بعد العقد، ولا قبله

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٧ من ابواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٥٤ مع تفاوت يسير.

٤٩٦

على وجهٍ لا يقع البيع على ذلك الشرط، بل المراد التباني على ذلك، على أن يكون البيع مشروطاً بذلك، والردّ المشروط هنا، ومجرّد المال يراد بهما ما مرّ في رواية إسحاق بن عمار.

وهذه الرواية تدلّ على جواز اشتراط ردّ بدل الثمن على تقدير تلفه، فأنّ الثمن - هنا - لكونه في الذمّة يتلف بمجرّد وقوع البيع صحيحاً، فاشتراط الردّ حقيقةً إشتراط الردّ ما يصلح أن يكون أداءً لذلك على تقدير بقائه وهو قبله. ولعلّه يأتي لذلك بيان أوضح من ذلك في بعض المسائل الآتية إن شاء اللّه تعالى.

ثمّ اعلم، أنّ المراد من الردّ: هو تسليط المشتري على الثمن، ودفع البائع منعه عن تصرفه فيه بعد إحضاره إيّاه عند المشتري، وبعبارة اخرى إحضار له عند المشتري بهذا العنوان.

وأمّا قبض المشتري وحصوله تحت يده، فليس معتبراً، وهذا المعنى هو الظاهر من الأخبار. ثم إنّ الردّ بهذا المعنى، قد يجعل شرطاً لحصول الخيار أو مبدأ لحدوثه.

وقد يجعل قيداً للفسخ الذي جعل السلطنة عليه شرطاً في العقد، بمعنى أن يكون الشرط سلطنة المشتري على الفسخ المسبوق بالردّ.

وقد يجعل متعلّق الخيار المشروط على أن يكون فسخاً فعليّاً. وقد عرفت أنّ الأظهر من الأخبار هذا المعنى. وقد يكون الشرط انفساخ البيع عند الردّ كما هو محتمل الرواية الثانية، أو إقالة المشتري كما هو محتمل الرواية الاولى والأخيرة، والشرط بهذين المعنيين خارج عن مسألة شرط الخيار.

وفي صحة الأوّل منهما إشكال، فأنّ ذلك راجع الى شرط حصول ما يتوقّف على أسباب خاصّةٍ بدون حصول تلك الأسباب، فيبتنى صحة الشرط - حينئذٍ - على أن لا يكون التوقّف دائماً كما في مثل توقّف الزوجية على عقد النكاح، إذ على هذا التقدير يكون نفس الشرط في العقد سبباً لحصوله.

والحاصل: إن كان المعهود من الشرع حصوله بامور، وتوقّفه عليها في الجملة كتوقف الملكية على البيع - مثلاً - صحّ الشرط. وإن كان حصوله بها، وتوقّفه عليها

٤٩٧

مطلقاً - بحيث لا يصلح قيام الشرط مقام تلك الأسباب بعد ملاحظة أدلّة وجوب الوفاء، بحيث كان الشرط - حينئذ - مخالفاً للمشروع كاشتراط الزوجية - فهو باطل، ولكن يكفي في الحكم بالصحة الجهل بكونه من القسم الثاني، لأنّ مخالفة الشرع - حينئذٍ - غير معلومةٍ، والأصل عدمها، فيكون داخلاً في (المؤمنون) وخارجاً عن الاستثناء.

وتوهّم أنّه لا مجرى للأصل، لأنّ المعتبر دخوله في المستثنى منه، لا خروجه من المستثنى. والأصل لا يثبت الأوّل. يدفعه أنّ المستثنى منه ليس له عنوان، وجري يخالف الأصل، بل هو الغير المخالف. والأصل ثبّت هذا المفهوم، لأنّه عين مجراه.

فإن قلت: أصل التوقّف معلوم فلا معنى للأصل.

قلنا: التوقّف على وجهٍ يخالف شرط حصوله بدونها غير معلوم، والأصل عدمه، وأصالة عدمه على وجهٍ غير مخالف لا أثر له هنا حتى يعارض به أصالة عدم مشروعيّة على الوجه المخالف.

فإن قلت: هذا الأصل معارض بأصالة عدم حصول الانفساخ بعد الردّ.

قلنا: الشكّ في حصول الفسخ مسبّب عن الشك في صحة الشرط، وإذ قد أحرزنا - ولو بواسطة الأصل - صحته. فلا يبقى شكّ في حصوله.

والحاصل: أنّ أصالة عدم المخالفة حاكم على أصالة عدم تحقّق الانفساخ.

وسيأتي - إن شاء اللّه تعالى وتقدّس - ولي في صحّة التمسك بالأصل إشكال، لأنّ الوصف العنواني - وإن كان مطابقاً للأصل - يكون اتّصاف الموضوع به مشكوكاً غير مسبوق بالتعين، لأنّ حدوثه على أحد الوجهين - أعني متّصفاً بالمخالفة، وعدمها - مشكوك، وليس هذا من قبيل استصحاب طهارة المصلّي، لأنّه راجع الى استصحاب كونه طاهراً، وبعبارة اخرى راجع الى استصحاب اتّحاده مع عنوان الظاهر، وهو مسبوق باليقين.

والحاصل: أنّ إثبات الموضوع بإحراز بعض أجزائه بالوجدان، والبعض الآخر بالأصل، لا يخلو من شوب إشكال، لإمكان أن يقال: إنّ الأصل على وجهٍ يترتّب

٤٩٨

عليه المقصود من الاصول المثبتة؛ إذا لم يكن أصل الاتصاف له حال سابقة يقينيّة، فتأمل. ولعلّ يأتي بعض الكلام في ذلك في باب الشروط، وبعض المسائل الآتية إن شاء اللّه تعالى وتقدّس.

مسائل

الاولى: الظاهر أنّ الخيار ثابت في المدّة المضروبة، وإن لم يدفع المشتري الثمن الى البائع، لأنّ اشتراط الردّ في ثبوت الخيار إنّما هو على تقدير القبض، فالشرط ثبوت الخيار في المدة إذا حصل الثمن عند المشتري، سواء كان بالردّ، أو بحصوله عنده من حين العقد.

ويحتمل أن يقال: بعدم الخيار نظراً الى الظاهر من حيث أنه مشروط بالردّ، الذي يتوقّف على القبض فالشرط هو الخيار على تقدير القبض والردّ، وهو بعيد غاية البعد، لأنّ الغرض من هذه المعاملة التوصّل الى الثمن، عاجلاً مع القدرة على استرداد المبيع آجلاً، وهو ينافي الشرط على هذا الوجه. إلاّ أن يقال:

إنّ ذلك لا يوجب كون الشرط هو الخيار المشروط لحصول الثمن عند المشتري، سواء كان بالردّ بعد القبض، أو بثبوته عنده لعدم القبض، بل مقتضاه اشتراط التعجيل في أداء الثمن، والخيار على تقدير القبض والردّ، فيكون شرط الخيار منحلاً الى شرطين:

أحدهما: تعجيل المشتري وأداء الثمن، والخيار بعد الردّ، وحينئذ، فإن لم يعجّل في القبض يكون له خيار تخلّف الشرط، وإن عجّل فله بعد الردّ خيار الشرط.

وتظهر الثمرة في انقضاء المدّة، فأنّه على تقدير كون الخيار على تقدير عدم القبض مستنداً الى شرط الخيار يلزم العقد اذا لم يفسخ في المدة، وعلى تقدير كونه لتخلّف الشرط يكون باقياً، إن لم نقل بفورية هذا الخيار.

وفي إقباض المشتري وعدم قبض البائع، فأنّه على الأوّل يكون الخيار ثابتاً، لأنّ شرط الخيار حصول الثمن عند المشتري، وهو حاصل وإن كان بسبب عدم قبض

٤٩٩

البائع. وعلى الثاني لا خيار، لأنّ الشرط، وهو إقباض المشتري حاصل، وإنما الامتناع من البائع، فتأمّل.

الثانية: الردّ الذي اعتبر شرطاً لثبوت الخيار، إن اريد منه ردّ خصوص المقبوض فلا إشكال في أنّه لا يحصل الخيار بردّ بدله، سواء كان المقبوض ثمناً، أو أداءً للمضمون في ذمّة المشتري.

وإن أريد منه ردّه على تقدير بقائه، وردّ بدله على تقدير عدم بقائه فلا إشكال في ثبوت الخيار مطلقاً بردّ العين، وردّ بدله على تقدير تلفه. وفي صحّة تعليق الخيار على الرد الأعم من رد العين ورد البدل، حتى في صورة بقاء المقبوض في ملك البائع إشكال.

أمّا إذا كان المقبوض عين الثمن فالظاهر، لأنّه مخالف لمقتضى الفسخ لغة وشرعاً، لأنّ مقتضاه رجوع كلّ من العوضين الى محلّه قبل العقد، والرجوع الى البدل إنّما هو عند تغيير العين، فشرط الخيار المعلّق على الردّ بهدا المعنى مخالف للمشروع، وكذلك الأمر اذا كان المقبوض أداءً لما كان مضموناً في ذمّة المشتري، لأن ذلك المضمون بعد القبض متحد مع المقبوض، فهو - حينئذٍ - عين الثمن. وقد كان مقتضى الفسخ رجوع نفس العوض الى محلّه الأصليّ، مع بقائه في ملك البائع.

ويمكن أن يفرّق بين الصورتين، بأنّ مقتضى الفسخ اذا كان مضموناً في ذمّة المشتري رجوع ذلك الى المشتري، ولمّا كان ذلك حاصلاً عند البائع لم يكن مقتضاه إلاّ رجوعه الى المشتري بوصف حصوله عند البائع، وهذا لا يقتضي إلاّ كونه مضموناً بعد الفسخ في ذمة البائع.

وأمّا تعيّنه في المقبوض قبل الفسخ فالمفروض انه لم يعتبر في العقد، والقبض الواقع بعده لا يقتضي إلاّ تعيّن ما في ذمّة المشتري في المقبوض.

ويرد عليه: أنّ ملك البائع لهذا المقبوض أنّما هو من حيث اتّحاده في المثمن المعتبر في عقد البيع، فاذا رجع ما هو متّحد معه الى المشتري يقتضي الفسخ.

٥٠٠