الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية0%

الرسائل الفشاركية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 604

الرسائل الفشاركية

مؤلف: آية الله السيد محمد الفشاركي
تصنيف:

الصفحات: 604
المشاهدات: 41108
تحميل: 4367

توضيحات:

الرسائل الفشاركية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 604 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41108 / تحميل: 4367
الحجم الحجم الحجم
الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية

مؤلف:
العربية

فإن قلت: اذا لم يعلم جريان التقابل، في العقد المشروط فيه كانت قابلية الانفساخ مشكوكةً، فلا يعلم أنّ الشرط المذكور غير مخالفٍ للكتاب والسنّة، فلا يمكن التمسّك بالعموم، لأنّ الفرد المشكوك دخوله في العامّ أو المخصّص لا يؤخذ فيه بالعموم، بل الواجب الرجوع إلى دليلٍ ثالثٍ في حكمه، ولو كان أصلاً، ولا ريب أنّ الأصل الفساد، لأنّ الأصل عدم وقوع المعاملة المقيّدة بهذا القيد، والأصل عدم تأثير في رفعها - إن قلنا: إنّ الشرط الفاسد لا يؤثّر في فساد العقد - إلاّ أن يقال:

إنّ الصحّة إن تحقّقت على تقدير فساد الشرط فهي مع الخيار، فالخيار ثابت على تقدير فساد الشرط وصحته - إن قلنا بصحة العقد - ولكن في ثبوت الخيار على تقدير الفساد تأمّل. يأتي الكلام فيه في باب الشروط.

قلنا: سيأتي في باب الشروط - إن شاء اللّه تعالى - أنّ المرجع فيما يشكّ مخالفته للسنّة هو العموم، عملاً بأصالة عدم المخالفة. والمناقشة فيها بأنّ الشكّ في المخالفة الدائمية، لا في المخالفة في الجملة، مع اليقين بعدمها في زمانٍ سابقٍ.

توضيحه: أنّ الكتاب - مثلاً - إن كان مخالفاً لشرطٍ خاص. بجميع قيوده فهو مخالف له دائماً، وإن لم يكن مخالفاً فليس كذلك دائماً، فالشك في المخالفة شك في المخالفة الدائمية.

وهكذا الكلام بالنسبة الى مخالفة السنّة. مدفوعة بأنّ مرجع الشك في المخالفة الى الشكّ في جعل الحكم على وجهٍ لا يقبل التخلّف، ولو بالشرط، والأصل عدم الجعل بهذا الوجه.

فإن قلت: أصالة عدم أحد العنوانين لا يثبت العنوان الآخر، ولذا لا يحكم بأصالة عدم الفسق: أنّ مشكوك العدالة عادل.

قلنا: إنّ المستثنى منه في الحديث له عنوان خاصّ، يتوقف إدراج الأفراد المشكوكة فيه على إحراز ذلك العنوان، بل الخارج له عنوان خاصّ، فأصالة عدمه يوجب الدخول فيه.

٥٢١

والحاصل: أنّ الحديث بعد ملاحظة المخصّص يكون مفهومه: كلّ شرط يجب الوفاء به إلاّ المخالف، فكلّما لم يكن مخالفاً، ولو بالأصل داخل في عمومه هذا.

ولكنّ الإنصاف: أنّ دلالة أدلّة الشروط على صحة مثل هذا لشرط لا يخلو من غموض، لأنّ تأثير الفسخ في رفع المعاوضة وغيرها يتوقّف على كونه سبباً شرعيّاً في ذلك في نفسه، وعلى حصول شرطه الذي هو: إمّا رضا من يفسخ عليه، أو ما يقوم مقام الرضا، وشرطه الخيار إن كان المراد منه شرط السببيّة الشرعيّة للفسخ، فهو راجع الى شرط الحكم.

وإن كان المراد منه: حصول حقّ لذي الخيار، يوجب سلطنةً على الفسخ - بحيث يكون التزام المشروط عليه به بمنزلة الرضا الفعلي - فالوفاء به لا يقتضي، إلاّ أنّ المشروط عليه لا يكون مسلّطاً على المنع، ويكون الفسخ على تقدير وقوعه خاصّاً لشرائط الصحة، قابلاً للتأثير في رفع العقد، واقعاً قهراً على المشروط عليه. ويجب الوفاء به عليه على هذا التقدير.

والحاصل: أنّ حقيقة الشرط على هذا التقدير رفع سلطنة المشروط عليه على المنع من الفسخ، وعدم كون رضاه الفعلي شرطاً في تأثير الفسخ.

ولا ريب أنّ نفي شرطيّة الرضا، وقطع سلطنة المشروط عليه على المنع من الفسخ أعمّ من كونه سبباً في رفع العقد ومؤثّراً في ذلك.

لا يقال: حقيقة شرط الخيار هي سلطنة المشروط له على فسخ المعاملة. وقد عرفت أنّ وجوب الوفاء به لازماً مساوٍ لحصول ذلك، فهو يقتضي حصول العلّة التامّة لتأثير الفسخ إذا كانت السلطنة عليه شرطاً في ضمن العقد، فالعموم يقتضي السببيّة الشرعية، وكونه مؤثّراً قهراً على المشروط عليه.

لأنّا نقول: ليس كلّ شرطٍ يجب الوفاء به، بل مورد أدلّة الشروط ما يكون وضعه ورفعه باختيار طرفي الشرط، مع قطع النظر عن الشرط، ويكون الشرط موجباً لتعيّن أحد الأمرين، وسببيّة الفسخ ليست من الامور التي تكون تحت اختيارهما.

فشرط الخيار إن كان المراد منه شرط كون ذي الخيار مسلّطاً على الفسخ - بمعنى

٥٢٢

كون فسخه سبباً ومؤثّراً في ذاته وواقعاً قهراً على المشروط عليه - لا يكون داخلاً في عموم أدلة الشروط، وإن كان المراد منه مجرّد عدم توقّف تأثيره على حصول الرضا الفعلي من المشروط عليه.

فصحّة هذا الشرط معناها: قطع سلطنة المشروط عليه. ووجوب الوفاء بمثل هذا الشرط ليس معناه ترتيب آثار فسخ المعاملة على فسخ ذي الخيار مطلقاً، بل معناه: يجب ترتيب آثار الفسخ عليه على تقدير كونه في نفسه سبباً، ولذاته رافعاً للعقد.

ومن التأمّل فيما ذكرنا يظهر: أنّ منع دلالة أدلّة الشروط - هنا - لا دخل له، باستثناء الشرط المخالف للكتاب، حتى لو فرضنا أنّ الشرط المخالف - أيضاً - داخل تحت العموم كان منع الدلالة هنا متّجهاً، فتأمل.

فتلخّص مما ذكرنا: أنّ كلّ عقدٍ أو إيقاعٍ كان التقابل فيه جارياً يكون مقتضى العموم صحّة شرط الخيار فيه، وكلّ ما لم يكن التقابل فيه جارياً، أو شكّ في جريانه فيه لم يكن مقتضى العموم صحّته، فالمرجع فيه أصالة الفساد. ولكنّ التمسّك بأصالة الفساد - على تقدير البناء على أنّ فساد الشرط لا يوجب فساد العقد - لا يخلو من إشكال، لأنّ المراد منها: إن كان أصالة فساد العقد المقيّد بالشرط بمعنى أصالة عدم وقوعه على وجهٍ أوقعه المتعاقدان مقيّداً فهي لا تنافي حصول الخيار من وجهٍ آخر بعد البناء على وقوع العقد صحيحاً مع فساد قيده و إن كان المراد أصالة فساد الفسخ الصادر من المشروط له، فسيأتي أن مقتضى القاعدة على تقدير صحة العقد ثبوت الخيار لمن حكم بفساد شرطه، فالمشروط له الخيار، سواء حكمنا بفساد شرطه أو صحته، إلا أن يقال بمنع ثبوت الخيار على تقدير فساد الشرط، وللكلام في ذلك محلّ آخر - سيأتي إن شاء اللّه تعالى - اذا عرفت ذلك فيقع الكلام تارةً في العقود الجائزة، واخرى في اللازمة، وثالثةً في الإيقاعات.

فنقول: أمّا الأوّل: فقد يقال بفساد الشرط، نظراً الى أنّ الخيار فيها ثابت دائماً.

قلت: توضيحه أنّ معنى صحّة الشرط كونه موجباً لحصول أمرٍ لو لم يكن الشرط

٥٢٣

لم يكن حاصلاً. وهذا المعنى لا يمكن تحقّقه في العقود الجائزة، لحصول الخيار فيها على تقدير عدم الشرط - أيضاً - دائماً.

لا يقال: الخيار ملك الفسخ، وبعبارة اخرى: حقّ لذي الخيار في العقد يوجب سلطنته على رفع أثر العقد، وليس شيء من العقود الجائزة مورداً للخيار بهذا المعنى، بل الخيار فيها: إمّا من آثار بقاء السلطنة على الملك كما في الوديعة والعارية، والوكالة على التصرف في الاموال، والمضاربة. وإمّا حكم صرفٍ، وهو جواز ارتجاع العين كما في الهيئة الجائزة. وإمّا من آثار بقاء السلطنة على النفس كما في الوكالة على النكاح، إلى غير ذلك من الامور الموجبة للجواز.

والحاصل: أنّ الخيار بمعنى ملك فسخ العقد الناشيء من السلطنة على نفس العقد، وكون أمره باختيار المشروط له ليس حاصلاً في العقود الجائزة.

لأنّا نقول: المراد من شرط الخيار: السلطنة على رفع العقد، وكون منشأه حقّاً في العقد ليس داخلاً في مفهوم الشرط الذي يقيّد به العقد، ولو كان داخلاً في مفهومه فهو مصطلح الفقهاء. وأما عرفاً، فليس إلاّ السلطنة على رفع العقد، وهي حاصلة بدون الشرط.

ولكن يمكن المناقشة في ذلك، بأنّا لا نسلم أنّ معنى الصحة هو التأثير في حصول ما لو لم يكن الشرط لم يكن حاصلاً، بل هي عبارة عن التأثير، غاية الأمر أنّه إن وجد سبب آخر للتأثير كان ذلك الأثر مستنداً الى السببين كما هو الشأن في المؤثّرين المتواردين على أثرٍ واحدٍ، فالخيار - على تقدير عدم الشرط - مستند الى سبب الجواز من الامور المذكورة سابقاً وعلى تقدير الشرط مستند إليهما.

ودعوى الخلوّ عن الفائدة خالية عن الفائدة، لأنّ ذلك لا يمنع الصحة.

لا يقال: مرجع الخيار حقيقةً الى حقّ في العين يوجب السلطنة على ارتجاعه بفسخ العقد، وهذا المعنى لا يعقل حصوله في مثل العارية والوديعة، لأنّ السلطنة على المال حاصلة بجميع أنحائها.

لأنّا نقول: لا نسلّم أن الخيار مرجعه الى ذلك، بل الخيار حقّ في العقد، ولذا

٥٢٤

يتحقّق في العقود التي ليس جهة الماليّة فيها من مقوماتها كما في النكاح، بل لا يتصوّر هذا المعنى في مثل خيار الزوجة، ثم إنّه يتصوّر الفائدة لشرط الخيار بالنسبة الى العقود الجائزة، التي تلزم ببعض الملزمات كالتصرف في الهبة على القول وتلف العين فيها. ولكنّ ذلك خارج عن الفرض، لأنّها بهذا الاعتبار تدخل في العقود اللازمة.

ويمكن أن يستدلّ على الفساد فيها، بأنّ الشرط في العقد الجائز لا يجب الوفاء به، وذلك بالنسبة الى مثل الرهن، الذي يكون لازماً من طرف الراهن لا يتمّ، إذ لو شرط المرتهن لنفسه الخيار كان الوفاء به على الراهن واجباً.

ثمّ إن قلنا: بفساد الشرط فهل يكون موجباً لفساد العقد هنا، كما يكون موجباً له في العقود اللازمة - على القول به - أم لا ملازمة ؟

أقول: إن كان منشأ الفساد كون الرضا بالمقيد، وأنّ عدم القيد موجب لعدم المقيّد فالظاهر الصحة، لأنّ القيد - هنا - حاصل بدون الشرط، ومعنى فساده أنّه لا يكون له دخل في حصول الخيار، وأنّ وجوده كعدمه، وإن كان منشأ الأخبار الخاصّة كما قد يستدلّ بها على ذلك في بابه، والظاهر اطّراد الحكم لما نحن فيه إلاّ أن يمنع دلالة الأخبار، ويدّعى اختصاصها بصورة عدم حصول مطلوب المشروط له أصلاً.

نعم، لو كان الشرط هو الخيار بالمعنى المصطلح عليه، لا مجرد السلطنة على رفع العقد كان القول بفساد الشرط مستلزماً للقول بفساد العقد؛ بناء على أنّ فساده موجب لفساده.

وممّا ذكرنا، علم أنّ التكلم في صحّة شرط الخيار في العقود الجائزة - لا يثبت - يترتّب عليه كثير فائدة، فالاضراب عن إشباع الكلام فيه الى الكلام في العقود اللازمة أولى. فنقول:

منها: ما وقع الاتفاق على عدم دخول شرط الخيار فيه كالنكاح، فقد حكي

٥٢٥

عن الخلاف(١) والمبسوط(٢) والسرائر(٣) وجامع المقاصد(٤) والمسالك(٥) الاجماع على ذلك.

ومنها: ما وقع الاختلاف في دخوله فيه، وهي كثيرة:

منها: الوقف، فأنّ المشهور فيه أنّه لا يدخله. وفي المسالك(٦) أنّه موضع وفاق، وربّما يستظهر من المحكي عن السرائر(٧) والدروس(٨) وجود الخلاف فيه.

وكيف كان، فيمكن أن يستدلّ على عدم الدخول بالموثق - كما قيل -: من أوقف أرضاً، ثم قال: إن احتجت إليها فأنّا أحقّ بها، ثم مات الرجل، فأنّها ترجع ميراثاً(٩) . فأنّ الرجوع ميزان كاشف عن الفساد، وليس ذلك إلاّ لفساد الشرط.

قلت: لا نسلّم أنّ شرط الأحقّيّة معناه شرط الخيار، بل هو إمّا شرط العود عند الحاجة كما هو الظاهر أو شرط كونه من الموقوف عليهم عند الحاجة، وفساد الشرط بأحد المعنيين لا يوجب فساد شرط الخيار.

ودعوى أنّ المستفاد منه، أنّ إبقاء الوقف لنفسه علقة في الوقف، ولو كانت هي الخيار موجب للبطلان جزاف من القول.

وقد يستدلّ - أيضاً - بأنّه فكّ ملكٍ بلا عوضٍ، وبأنّه يعتبر فيه القربة. والكبرى في اولى الصغريين ممنوعة، وأمّا في الثانية فيمكن أن يستدلّ لها بما دلّ على أنّه لا رجوع فيما كان للّه.

____________________

(١) الخلاف: ج ٣ ص ١٦ مسألة ١٧.

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ٨١.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٢٤٦.

(٤) جامع المقاصد: ج ٤ ص ٣٠٣.

(٥) مسالك الافهام: ج ١ ص ١٨١ س ٤.

(٦) مسالك الافهام: ج ١ ص ١٨١. (٧) السرائر: ج ٢ ص ٢٤٥.

(٨) الدروس الشرعيّة: ص ٣٦٠.

(٩) راجع وسائل الشيعة: ب ٣ من ابواب احكام الوقوف والصدقات. ج ١٣ ص ٢٩٦.

٥٢٦

كقولهعليه‌السلام : (لا ينبغي لمن أعطى للّه أن يرجع فيه)(١) .

وقولهعليه‌السلام : (إنّما الصدقة للّه، فما جعل للّه فلا رجعة له)(٢) .

وفي النبويّ: (مثل الراجع في صدقته مثل الراجع في قيئه)(٣) . وفي دلالتها على المدّعى نظر؛ لمنع شمولها للوقف أوّلاً، ومنع دلالتها على المنع، حتى في صورة الاشتراط ثانياً؛ لإمكان أن يقال: إنّها في بيان حكم الصدقة من حيث هي.

ويؤيّده قولهعليه‌السلام - في بعض هذه الأخبار - : (وما لم يعط للّه أو في اللّه فأنّه يرجع فيه)(٤) .

ويؤيده أيضاً قول السائل في بعضها: الرجل يتصدّق بالصدقة أله أن يرجع في صدقته(٥) ؟ فأنّ الظاهر منه أنّه سؤال عن حكمها من حيث هي. إلاّ أن يقال: إنّ ترك الاستفصال في مقام الجواب يدلّ على العموم.

وأمّا صحيحة محمد بن مسلم: ولا يرجع في الصدقة اذا ابتغى وجه اللّه عزّ وجلّ(٦) . واختصاصه بغير الوقف بقرينة قولهعليه‌السلام : (اذا ابتغى. الى آخره) ظاهر. نعم، في النبوي نوع دلالةٍ على المنع إن سلّم شموله لما نحن فيه.

فالعمدة هو الاتفاق المحكيّ في المسالك(٧) المؤيّد بالشهرة، وبما مرّ من القاعدة.

ومنها: الهبة المقصود لها القربة، فأن ظاهر المحكيّ عن التذكرة(٨) دخول خيار الشرط فيه، وفي المحكيّ عن موضع آخر(٩) منها إلحاق مطلق الصدقة بالوقف.

____________________

(١ و ٤) وسائل الشيعة: ب ٣ من ابواب الهبات ح ١ ج ١٣ ص ٣٣٤.

(٢) وسائل الشيعة: ب ١١ من ابواب احكام الوقوف و.. ح ١ ج ١٣ ص ٣١٦.

(٣) وسائل الشيعة: ب ١١ من ابواب احكام الوقوف و.. ح ٢ ج ١٣ ص ٣١٦.

(٥) وسائل الشيعة: ب ١٠ من ابواب الهبات ح ١ ج ١٣ ص ٣٤٢.

(٦) وسائل الشيعة: ب ١١ من ابواب الوقوف و.. ح ٧ ج ١٣ ص ٣١٧.

(٧) مسالك الافهام: ج ١ ص ١٨١ س ٥.

(٨) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢٢ س ٢٩.

(٩) تذكرة الفقهاء: كتاب الوقف ج ٢ ص ٤٣٤ س ٤٠ المطلب الثالث في الالزام.

٥٢٧

ويمكن أن يستدلّ للمنع بما مرّ من الأخبار، الدالّة على أنّه لا رجوع فيما كان للّه - وقد عرفت الكلام في دلالتها - إلاّ أنّ الشكّ في سببيّة الفسخ لرفعها - بناءً على ما مرّ - كافٍ في الحكم بالفساد.

ومنها: الصلح، فعن المبسوط(١) والخلاف(٢) عدم الدخول فيه مطلقاً. وعن التذكرة(٣) دخوله فيه، بل عن المهذّب البارع(٤) : دعوى الإجماع على الدخول فيه. وفصّل في التحرير(٥) بين ما كان في معنى الإبراء فلا يدخله، وبين ما كان معاوضةً فيدخله.

ومثله حكي عن جامع المقاصد(٦) وغيره، وهو الأقوى. أمّا أنّه لا يدخل فيه اذا كان في معنى الابراء فلما سيأتي - إن شاء اللّه تعالى - في الإيقاعات، مضافاً الى ما مرّ من الأصل. وأمّا أنّه يدخله اذا كان معاوضةً فللعموم، وعدم ما يصلح للتخصيص.

ومنها: الرهن. والكلام فيه من حيث الراهن، وإلاّ فهو من حيث المرتهن داخل في العقود الجائزة. وقد حكي عن بعض(٧) المنع عن ذلك، مستدلاً بأنّ الرهن وثيقة للدين. والخيار ينافي الاستيثاق.

واجيب بأنّ غاية الأمر كون وضعه على اللزوم، وهو لا ينافي جواز جعل الخيار بتراضي الطرفين.

أقول: إن كان الخيار منافياً للاستيثاق فلا يقبل التقييد بغير صورة الاشتراط،

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ٨٠.

(٢) الخلاف: ج ٣ ص ١٢ مسألة ١٠.

(٣) تذكرة الفقهاء: كتاب البيع ج ١ ص ٥٢٢ س ١٩.

(٤) المذهب البارع: ج ٢ كتاب الصلح ص ٥٣٨.

(٥) تحرير الاحكام: ج ١ - ٢ كتاب البيع ص ١٦٧ الفصل الثاني س ٣٠.

(٦) جامع المقاصد: ج ٤ ص ٣٠٤.

(٧) المكاسب: الخيارات ص ٢٣٤.

٥٢٨

فالأولى أن يقال: إن اريد من المنافاة منافاته لحكمه الشرعي - لأنّ من أحكامه اللزوم - فهو مطلق ممنوع.

وإن اريد منافاته لمدلوله - نظير منافاة شرط عدم حصول الملك في البيع - فهو ممنوع. ولكنّ الأخير لا يخلو من نظر؛ فأنّ السلطنة على الارتجاع بدون أداء الدين يمكن أن يقال: إنّه منافٍ لكون المال وثيقة عرفاً.

وكيف كان، فإن علم عدم المنافاة فالظاهر - حينئذ - هو الصحة لسلامة العموم عن المعارض. إلاّ أن يقال: إنّ سببيّة فسخ الراهن مجهولة، وعلى تقدير رضا المرتهن بالفسخ فالمؤثر ردّه، لا فسخ الراهن. وقد مرّ أنّ عند الشكّ في السببيّة لا يمكن التمسّك.

وهكذا الأمر على تقدير الشكّ في المنافاة لعدم العلم بالمانع الموجب لتخصيص العموم، إلاّ أن يقال: إنّ الشكّ في المنافاة موجب للشكّ في قصد الإنشاء، فأصل العقد مشكوك الحصول.

وفيه: أنّ ظهور اللفظ في الانشاء حجّة شرعيّة ما لم يدلّ على خلافه دليل، وإن علم المنافاة ففساد الشرط ظاهر، لأنّه إمّا بكون العقد فاسداً رأساً أو هو خاصّة، فهو فاسد على أيّ حال. واحتمال فساد العقد دون الشرط فاسد للقطع بأنّ فساد العقد يوجب فساد الشرط. ولو فرض إمكان صحة الشرط بدون العقد فهنا يستحيل ذلك، لانتفاء متعلّق الشرط على تقدير فساد العقد، كما هو واضح.

وأمّا العقد، فهل الحكم بصحته وفساده مبنيّ على إفساد الشرط الفاسد، وعدمه، أو يختصّ هنا بالبطلان ؟ وإن قلنا بأنّ الشرط لا يكون مفسداً وجهان:

من أنّ المعلوم فساده هو خصوص الشرط، وليس للعقد جهة توجب فساده غير فساد الشرط.

ومن أن القصد الى إنشاء مفهوم العقد المقيّد بالشرط معلوم أنّه غير متحقّق، لأنّ قصد اتحاد المتنافيين لا يأتي من العالم بالمنافاة، وإيجاد المطلق - أيضاً - لا يعلم قصده، بل ظاهر اللفظ يقتضي عدمه، والكلام في مسألة إيجاب فساد الشرط فساد العقد

٥٢٩

إنّما هو بعد إحراز تحقّق الإنشاء، ووقوع المعاهدة من المتعاقدين.

واعلم، أنّ محلّ الكلام إنّما هو ما اذا علم أنّ العاقد لم يقصد التجوّز، ولم يجعل أحد المتنافيين قرينةً على عدم إرادة ظاهر الآخر. وأمّا على هذا التقدير فلا إشكال في أنّ المتّبع قصده.

ومنها: الضمان، فعن ضمان التذكرة(١) ، والقواعد(٢) منع ثبوت الخيار، ولعلّ المنع: إمّا لكون الخيار منافياً لمفهوم التعهد عرفاً، أو لكون الضمان في معنى الإبراء.

قلت: أمّا المنافاة فالظاهر عدمها، لأنّ مفهوم الضمان ليس إلاّ نقل ما في الذمّة الى ذمّةٍ أخرى، وهو لا ينافي التقيّد بالخيار.

وأمّا كونه في معنى الإبراء، فإن اريد منه ترتّب براءة الذمّة عليه فهو مسلّم، ولكن لو أوجب عدم الخيار لكان شرط الخيار في بيع ما في الذمّة - أيضاً - باطلاً، ولا أظنّ أحداً ينكر صحّته.

وإن اريد كونه إنشاء الإبراء فالمنع ظاهر. فالأولى أنّ إناطة الحكم بالصحة والفساد على جريان التقابل فيه وعدمه، كما هو قضية الأصل المقرّر سابقاً.

ثم إنّ المحكيّ عن المبسوط(٣) والتذكرة(٤) دخول خيار الشرط في القسمة وإن لم يشتمل على الردّ وذلك اذا كان التراضي بالسهام، بالقول لا إشكال فيه، بناء على جريان التقابل فيها.

وأمّا اذا كان التراضي بالسهام بالفعل ففيه إشكال، لأنّ ارتباط القول بالفعل لا يخلو تصوّره من إشكال. والمعتبر من الشرط ما كان في متن العقد. ومنه يظهر الإشكال في جريان ذلك في المعاطاة.

____________________

(١) تذكرة الفقهاء: ج ٢ ص ٨٦ س ١.

(٢) قواعد الاحكام: ج ١ - ٢ كتاب الضمان ص ١٧٧ س ١٠.

(٣) المبسوط: ج ٢ ص ٨٢.

(٤) تذكرة الفقهاء: كتاب البيع ج ١ ص ٥٢٢ س ٣٤.

٥٣٠

قلت: إن كان المعتبر في صحة الشرط كونه في متن العقد صريحاً كان الاشكال متوجّهاً. وأمّا إن قلنا بكفاية التباني ووقوع العقد على ذلك البناء - بحيث يعدّ العقد عرفاً مقيّداً، بأن يكون الشرط المنويّ بمنزلة المحذوف من الكلام - فلا إشكال في الصحّة، لإمكان التباني قبل تسهيم المال بالسهام ووقوع التراضي، على أنّ ما يختاره أحدهما، أو كلاهما يكون اختياره له مبنيّاً على السلطنة على الردّ. ثم يجعل المال سهاماً، ويختار كلّ منهما سهماً بانياً على ما وقع عليه المقاولة. وكذلك الكلام في المعاطاة. والظاهر كفاية ذلك، لأنّ اعتبار ذلك ليس إلاّ لأجل أن يكون الإنشاء مقيّداً، وهذا المقدار كافٍ في تقييد الإنشاء.

ومنها: الصرف، فعن الشيخ(١) والغنية(٢) والسرائر(٣) عدم دخوله فيه مدعين على ذلك الإجماع. وعن الشافعي المنع، معلّل بأنّ الغرض من اعتبار التقابض فيه أن يفترقا، ولم يبق بينهما علقة، ولو اثبت الخيار بقيت العلقة.

وفيه: منع كون الغرض من اعتبار التقابض حصول الافتراق، مع عدم العلقة، بل الغرض عدم كون حقّ لإحدهما عند الآخر من العوضين.

وبالجملة: ان ثبت الإجماع - والظنّ خلافه - فهو، وإلاّ فالمتّبع هو العموم بعد القطع بجريان التقايل في العرف.

ومنها: المكاتبة المشروطة، بناء على أنّها من العقود، فعن جماعة - كما في المسالك -(٤) أنّه يجوز خيار الشرط للمولى. وعن الشيخ(٥) جوازه للعبد أيضاً.

وأمّا المطلقة: فظاهر المسالك(٦) الاتفاق على عدم دخوله فيه. والظاهر دخوله

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ٧٩.

(٢) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): ص ٥٢٥ س ٣٦.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٢٤٤.

(٤ و ٥) مسالك الافهام: ج ١ في الخيارات ص ١٨١ س ٦.

(٦) المبسوط: ج ٢ ص ٨٢.

٥٣١

فيها للمولى والعبد، لصحّة التقابل إن لم يثبت على خلافه إجماع، ولابدّ من التتبّع والتأمّل.

وأمّا القسم الثالث - وهو ما وقع الاتّفاق على دخوله فيه - فهو ما عدا ما ذكرنا، كما صرّح بذلك بعض المحقّقين من مشايخنا(١) – قدس ‌سرهم -.

وأمّا الايقاعات: فالظاهر عدم الخلاف في أنّه لا يجوز شرط الخيار فيها. وقد ادّعى في المسالك(٢) الإجماع على ذلك صريحاً في العتق والإبراء. ويظهر منه الاتفاق - أيضاً - في الطلاق.

وعن المبسوط(٣) : نفي الخلاف عن ذلك في الإبراء، ويظهر من التعليل المحكيّ عن السرائر(٤) - لعدم دخوله في الطلاق، بأنّه من الايقاعات - أنّ ذلك من المسلّمات. وكيف كان، فقد استدلّ على ذلك بامور:

منها: أنّ المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين، كما ينبّه عليه الصحيح: من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب اللّه - عزّ وجلّ - فلا يجوز على الذي اشترط عليه(٥) .

وفيه: أنّ كون الشرط بين اثنين غير كونه بين الإيجاب والقبول.

نعم، إن قيل: إنّ الشرط في الإيقاع لا يفتقر الى القبول، كنفس الايقاع كان الوجه دفعه بذلك.

والحاصل: أنّ جريانه في الإيقاع ينافي افتقاره الى القبول، وذلك نظير شرط خدمة العبد عليه مدّةً معينةً في عتقه، إلاّ أن يقال: إنّ ذلك بالنسبة الى المشروط عليه كالشرط الابتدائي.

____________________

(١) جواهر الكلام: ج ٢٣ ص ٦٢.

(٢) مسالك الافهام: ج ١ ص ١٨١ س ٥ - ٤.

(٣) المبسوط: ج ٢ ص ٨٠.

(٤) السرائر: ج ٢ ص ٢٤٦.

(٥) وسائل الشيعة: ب ٦ من ابواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٥٣.

٥٣٢

وفيه: أنّه لا موجب لتخصيص العموم، لأنّ المسلّم خروجه هو الابتدائي من الطرفين.

ومنها: أنّه لا يصدق الشرط على ما وقع في ضمن الايقاعات. ويؤيّده المحكي عن القاموس(١) من أنّه: الالزام والالتزام في البيع ونحوه، ولا أقلّ من الشكّ إلاّ أن يتمسّك لإثبات صحّة الشرط بالعمومات، الدالّة على صحّة ذلك الإيقاع المقيّد بالشرط، بناءً على صحّة التمسّك بأفوا بالعقود، لصحّة العقد والشرط الواقع فيه بتقريب: أنّ الوفاء بالمقيّد هو العمل به على وجهٍ يطابق القيد، وستقف - إن شاء اللّه تعالى - على ما يبيّن به عدم دلالة تلك العمومات على صحّة هذا الشرط، ولو صحّ التمسّك بها لإثبات غير هذا لشرطٍ من الشرائط المقيّدة بها الإيقاعات.

ومنها: أنّ الإيقاعات آثارها رفع العلقة، وبقاء تلك الآثار معناه: استمرار عدم تلك العلقة ولا ريب أنّ العدم لا يرتفع إلاّ بمقتضى الوجود، والفسخ لا يكون مقتضياً لحدوث العلقة، بناءً على أنّ ذا الخيار بتلقي الملك من السبب السابق على العقد، لا من الذي فسخ العقد عليه.

توضيحه: أنّ الطلاق - مثلاً - أثره قطع علقة الزوجيّة، ومعنى استمرار هذا الأثر استمرار عدم الزوجيّة، وهذا العدم لا يرتفع إلاّ بمقتضى الوجود، وهو النكاح.

وأما الفسخ فليس مقتضياً للوجود، بل إنّما هو واقع فيما لم يكن له قابلية الارتفاع إلاّ بمقتضى الوجود، فليس مقتضياً لا يرتفع به.

ولعلّ هذا هو السرّ في إلحاق الصلح المقيّد فائدة الإبراء، أو إسقاط الحقّ بالإيقاعات، فأنّ أثره ليس إلاّ إبراء الذمّة من قدرٍ من المال، أو إسقاط حقّ من الحقوق، فلا يعود ذلك إلاّ بمقتضى العود، والفسخ لا يقتضي العود.

لا يقال: أثر البيع - أيضاً - إزالة الملك، واستمرارها استمرار عدم الملكية.

لأنّا نقول: أثر البيع ملكية المشتري للمبيع، وزوال ملك البائع ليس من آثار

____________________

(١) القاموس المحيط: ج ٢ ص ٣٦٨.

٥٣٣

البيع، لأنّ معناه التمليك، وهو إدخال المال في ملك الغير، لا الإخراج وحده أو هو مع الادخال، وإنّما الخروج المحقّق من جهة عدم إمكان تأثير البيع مع عدمه، فاذا ارتفع أثر البيع - وهو الملكية - أثّر المقتضي لملكية البائع أثره، وانتقل المال إليه، ولكنّ هذا تقريب عقليّ، لا يمكن التمسّك في معارضة العمومات - على تقدير تماميّةٍ، وعدم منع بعض مقدماته - مع إمكان ذلك خصوصاً في العتق، لإمكان أن يقال: إنّ الحرّيّة صفة حادثة في العبد بواسطة العتق، فاذا ارتفع ذلك، وصار قابلاً لتأثير سبب الملك فيه أثّر مقتضيه فيه.

والحاصل: أنّ العبد بعد العتق حرّ، والفسخ يرفع هذه الصفة، فيصير كالكافر الذي لم يدخل تحت يد المسلم قابلاً للتملّك، فالمقتضي للملكية يؤثّر أثره، ونظيره باعتبار حالاته الثلاثة: الوقف، والمباح، والملك الفعليّ.

ومنها: أنّ تأثير الفسخ في الإيقاعات يمتنع، لأنّه يلزم منه إعادة المعدوم.

وفيه: أنّ المراد من المعدوم: إن كان هو العلقة المنقطعة بسبب الإيقاع فلا تختصّ الشبهة بالايقاعات، لأنّ العقد الحادث - كالبيع - كما تؤثّر الملكيّة للمشتري كذلك تؤثّر في رفع ملكيّة البائع.

غاية ما في الباب: أنّ ذلك في البيع بالملازمة، وفي الإيقاع بنفسه، وإن كان المراد منه: هو القابلية التي كانت في أحد طرفي العلقة - كالمالية في العبد التي كانت موجبة لصحة دخوله تحت الملك، وارتفعت بسبب العتق، بناء على أنّ أثر العتق خروج العبد عن المالية، وأنّ زوال الملك المولى عنه بسبب خروجه عن القابلية - ففيه أنّ أثر الفسخ رفع الحرية، وعدم القابلية. وانعدام المالية إنّما هو بسبب عروض هذا الوصف - أعني الحرية - فاذا ارتفعت يعود ذلك.

والمراد من العود: حدوثه بعد عدمه، والتسمية مسامحة، مع أنّ أصل الكلام لا يتمّ إلاّ في العتق، وفي الابراء بنوع من التكلّف، مع أنّ كون أثر العتق زوال المالية ممنوع؛ لجواز أن يقال: أثره زوال ملكية المولى، وعدم الماليّة بسبب عدم المالك، والمنع عن تملّكه، ولكنّه كلام سخيف، وأقوى الوجوه بعد ما مرّ من

٥٣٤

الاتفاق المؤيّد بالشهرة، بل لعدم الخلاف عدم الدليل على الصحة - بعد ما عرفت سابقاً - من أنّ عموم (المؤمنون) ونحوه لا يدلّ على الصحة.

وأمّا التمسّك بعموم صحّة الإيقاعات فالكلام فيه هو الكلام في دلالة أدلّة الشروط، لأنّ معنى شرط الخيار: هو كون المشروط له مسلّطاً على رفع العقد، وتعلّق الخطاب بوجوب الوفاء بهذا الشرط بالمشروط عليه فرع إمكان حصول المعنى في الخارج، وصدوره من المشروط له، فاذا لم يقم دليل على إنشاءات المشروط له - المقصود بها رفع العقد - يؤثّر في ذلك، وكان مقتضى الأصل عدم التأثير لم يكن ذلك منه ممكن الحصول، فلا يكون الوفاء واجباً.

فتلخص: أنّ شمول قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) للعقد المشتمل على شرط الخيار، وكذلك شمول قولهعليه‌السلام : (المؤمنون عند شروطهم) لشرط الخيار فرع معلوميّة تأثير الفسخ في رفع العقد، فإثباته بها لا وجه، بل يشبه الدور.

ودعوى أنّ معنى شرط الخيار هو السلطنة على رفع العقد عرفاً، وإنشاء الفسخ رفع له عرفاً، وإن لم يعلم كونه كذلك واقعاً، وعند الشارع فالتمكّن من رفع العقد حاصل، ووجوب الوفاء بالشرط يوجب الصحة. مدفوعة بالمنع من ذلك، وهو ظاهر، بل الشرط هو السلطنة على الرفع الواقعي.

غاية الأمر: أنّ إنشاء الفسخ سبب عند العرف لحصوله، والشارع له إمضاء ذلك، فيكشف ذلك عن مطابقة العرف للواقع، وله عدم الإمضاء، فيكشف عن خطئهم.

القول في خيار الغبن

وأصله الخديعة. وعن الصحاح(١) : أنّه بالتسكين في البيع، وبالتحريك في

____________________

(١) الصحاح: ج ٦ ص ٢١٧٢.

٥٣٥

الرأي.

وفي اصطلاح الفقهاء: تمليك المال بما يزيد على قيمته، مع جهل صاحب الزيادة. ويسمّي آخذ الزيادة غابناً، ومعطيها مغبوناً.

وهو بالمعنى اللغويّ أخصّ منه بالمعنى الشرعيّ مطلقاً، لاعتبار علم الغابن في الأوّل، دون الثاني. بل لو لم يرد البيع في عبارة الصحاح - مثالاً - كان أوّله أخصّ من الثاني من هذه الجهة أيضاً.

ثمّ إن المراد بما يزيد: إن كانت الزيادة بملاحظة الشيء في نفسه كان البيع لشرط الخيار للمشتري، بما يزيد على قيمة المبيع في نفسه مشتملاً على الغبن، وإن كان مع الشرط لا يكون زيادة.

وإن كانت الزيادة بملاحظة الشيء، والقيود المأخوذة في العقد لم يكن مثل البيع المذكور مشتملاً على الغبن، والظاهر هو الثاني، لأنّ الشرط له قسط من الثمن، والمراد من الزيادة: ما لا يتسامح فيه الناس.

وهل هذا خارج عن الحكم أو عن الموضوع؟ وجهان: وظاهر هذا التعريف يؤيّد الأوّل.

وكيف كان، فالمشهور بين الأصحاب خصوصاً المتأخّرين - كما في المسالك(١) ثبوت الخيار للمغبون اذا كان غبنه بزيادة لا يتسامح فيها، ونسبه في التذكرة(٢) الى علمائنا، وعن نهج(٣) الحق نسبه الى الإماميّة، وعن الغنية(٤) والمختلف(٥) الإجماع عليه صريحاً.

ولكنّ المحكيّ عن كثيرٍ من المتقدّمين عدم ذكره والسكوت عنه، وعن المحقق

____________________

(١) مسالك الأفهام: ج ١ ص ١٧٩ س ١٨.

(٢) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢٢ قوله: البحث الرابع.

(٣) نهج الحق: ص ٤٨١.

(٤) غنية النزوع (الجوامع الفقهيّة): ص ٥٢٦ س ٢١.

(٥) مختلف الشيعة : ج ٢ ص ١٦٨ س ٣١.

٥٣٦

إنكاره في الدروس(١) قبل، ولا يعدّ ذلك خلافاً كسكوت الجماعة.

قلت: أمّا الثاني فظاهر، لأنّه أعمّ من الخلاف. وأمّا إنكار المحقّق خصوصاً على الوجه الذي نقله في المسالك، حيث قال: وعن المصنّف في الدروس(٢) القول بعدمه، حيث يدلّ على استمرار رأيه عليه، فعدم كونه خلافاً مشكل، وإن كان موافقة المعروف في كتبه، وبما يشهد بأنّ إنكاره في الدروس لم يكن قولاً بالعدم.

واستشكل العلاّمة -رحمه‌الله - في التذكرة(٣) في ثبوته، مع بذل الغابن التفاوت. بل عن الرياض(٤) - حكاية القول بعدمه مع البذل، عن بعض الأصحاب، وعن الإسكافي(٥) منعه مطلقاً.

ولكنّ الإنصاف: أنّ مثل هذه الخلافات لا تضرّ بنقل الاتفاق المؤيّد بالشهرة العظيمة باتفاق المتأخّرين ظاهراً. ثمّ إنّه ما يستدلّ به أو يمكن الاستدلال به على ثبوت هذا الخيار امور:

الأوّل: قوله تعالى: (إلاّ أن تكون تجارةً عن تراض منكم)(٦) . كما استدلّ به العلاّمة -رحمه‌الله - في التذكرة، وقال: ومعلوم أنّ المغبون لو عرف الحال لم يرض(٧) .

قلت: لا ريب أنّ عدم الرضا التقديري لا ينافي حصول الرضا الفعليّ. وأيضاً

____________________

(١) نقلاً عن المكاسب: الخيارات، ج ١ ص ٢٣٤ س ٢٢ وفيه هكذا: نعم المحكّيّ عن المحقق (قده) في درسه انكاره. الخ، وعن الدروس: ص ٣٦٢ س ٢١ وفيه: وربما قال المحقّق في الدروس بعدم خيار الغبن.

(٢) مسالك الأفهام: ج ١ ص ١٧٩ س ١٨.

(٣) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢٣ س ١١.

(٤) رياض المسائل: ج ١ ص ٥٢٥ س ١٧ - ١٨

(٥) مختلف الشيعة: ج ٢ ص ١٦٨ س ٢٩. لاحظ.

(٦) النساء، الآية: ٢٩.

(٧) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢٢ س ٤١.

٥٣٧

عدم وجود الرضا. اذا صحّ لزمه عدم الصحة، لا الصحة مع عدم اللزوم كما هو المدّعى.

غاية الأمر أن لحوق الرضا - بناءً على عدم اعتبار مقارنته للعقد في الصحّة - يؤثر الصحّة مع اللزوم.

قال بعض المحقّقين من مشايخنا -رحمهم‌الله -: وتوجيهه أنّ رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضاً عمّا يدفعه مبنيّ على عنوانٍ مفقودٍ، وهو عدم نقصه في المالية، فكأنّه قال:

اشتريت هذا الذي يساوي درهماً بدرهم، فاذا تبيّن أنّه يساوي درهماً تبيّن أنّه لم يكن راضياً به عوضاً، لكن لمّا كان المقصود صفةً من صفات المبيع لم يكن تبيّن فقده كاشفاً عن بطلان البيع، بل كان كسائر الصفات المقصودة، التي لا يوجب تبيّن فقدها إلاّ الخيار، فراراً عن استلزام لزوم المعاملة، إلزامه بما لم يلتزم ولم يرض به.

فالآية إنّما تدلّ على عدم لزوم العقد، فاذا حصل التراضي بالعوض الغير المساوي كان كالرضا السابق لفحوى حكم الفضوليّ، والمكره(١) . انتهى كلامهقدس‌سره .

ثم إنّه ضعّف ذلك بأنّ الوصف المذكور من قبيل الداعي الذي تخلّفه لا يوجب شيئاً، وليس عنواناً للمبيع، بل قد لا يكون داعياً - أيضاً - كما اذا كان المقصود ذات المبيع من دون ملاحظة مقدار ماليّته.

أقول: اذا كان الوصف عنواناً للمبيع كان كلّ من الإنشاء والرضا مقيّداً، فانتفاء الوصف يوجب انتفاء الإنشاء والرضا، لانتفاء المقيّد بانتفاء قيده، فانتقال العاري عن الوصف بالعوض يحتاج الى إنشاء ورضا جديد، ومجرّد كون الشيء من صفات المبيع لا يوجب تعلّق الإنشاء بالمطلق.

____________________

(١) نقلاً عن المكاسب: الخيارات ص ٢٣٤.

٥٣٨

وعلى هذا فرضنا المغبون بعد الاطّلاع على الغبن بالمبادلة - أيضاً - لا يفيد الصحة، لأنّ ذلك ما لم يتحقّق تجارةً لا يكون مملّكاً.

فالآية - على تقدير تسليم كون مساواة المبيع في المالية للثمن عنواناً له يقتضي فساد المعاملة على تقدير انتفاء الوصف، وعدم كون الرضا اللاّحق مقيّداً، فالبيع المشتمل على الغبن أسوء حالاً من البيع الفضولي، حيث أنّه يصحّ بلحوق الرضا به لصدق التجارة عن تراض دون ما نحن فيه.

ودعوى أنّ تعلّق الرضا بالمقيّد ليس على وجهٍ ينتفي بانتفاء قيده، لأنّه على نحو تعدّد المطلوب، والرضا بالمطلق ليس على جميع التقادير حتى يوجب اللزوم، بل هو على تقدير كون البائع مسلّطاً على الردّ والإمضاء.

ولذا، يكون أكل المال ثابتاً على عدم الخيال أكلاً، بدون تجارة عن تراض، فلا يجوز بمقتضى الآية، والبناء يكون عليه تجارة عن تراض، ويكون الرضا المتأخّر - حينئذٍ - مؤثّراً في اللزوم، كما أنّه في البيع الفضولي مؤثّر في الصحة يدفعها أنّ ذلك - على تقدير تسليمه - لا يقتضي الصحّة بعد فرض تقيّد الإنشاء، لأنّ مقتضى الصحّة - كما مرّت الإشارة إليه - هو العقد، والرضا شرط، وما لم يتحقّق المقتضي لا يؤثر وجود الشرط شيئاً، مع أنّ هذا لا ينطبق على كلام المحقّق المذكور -قدس‌سره - فأنّ قوله: (فراراً عن إلزامه، لم يلزم ولم يرض به) ظاهره عدم الرضا بالمطلق.

إلاّ أن يقال: إنّ مراده: عدم الرضا على جميع التقادير، وهو بعيد عن مساق عبارته، فتأمل.

فإن قلت: المشخّص الموصوف اذا كان وصفه المأخوذ عنواناً، ممّا لا يتقوّم هو به لا يوجب فواته عدم صدق المبيع عليه، بل هو عند العرف مبيع، ولذا، يكتفون بالرضا المتأخّر في اللزوم، مع أنّ مقتضى النقل عندهم - أيضاً - هو العقد، فالعقد محقّق عرفاً.

قلت: الصدق العرفيّ مبنيّ على المسامحة، والمسامحة العرفيّة لا توجب تحقّق

٥٣٩

المقتضى، الذي هو مناط الانتقال.

فالأولى أن يقال: إن أخذ الوصف في المبيع الشخصيّ عنواناً، مع عدم كونه من المقوّمات بمنزلة شرط الخيار، على تقدير فقدان الوصف، بمعنى أنّ قولهم: « بعتك هذا العبد الموصوف بكذا » مجمل، قولهم: « بعتك هذا على أن يكون لي الخيار إن لم يكن موصوفاً بكذا » وهذا هو المنشأ لصدق المبيع على فاقد الوصف عرفاً.

ولعلّ هذا، هو المراد من محكيّ النهاية(١) ، والمسالك(٢) من: أنّ الرؤية بمنزلة الاشتراط، فإنّ اشتراط الوصف في العين الشخصيّة لا محصّل له، وإن كان المراد - والشرط هو التعليق - فهو يوجب انتفاء الإنشاء عند انتفاء الوصف.

وتوهّم أنّ الخيار - حينئذ - ثابت بالشرط مدفوع بأنّ ذكر الوصف يؤول اليه عند التحليل، وإلاّ فالبيع بحسب الظاهر غير مقيّد بالخيار، وارد على العين الموصوفة ونرجوا من اللّه جلّ جلاله أن يأتي مزيد بتحقيق ذلك في بعض المسائل الآتية، إن شاء اللّه تعالى.

فانحصر الجواب فيما ذكره المحقّق المذكور -قدس‌سره - ومنع كون الوصف عنواناً وأنّه من قبيل الداعي، بل قد يتّفق أنّه لا يكون داعياً أيضاً.

الثاني: قوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) بناء على أنّ أكل المال على وجه الخدع ببيع ما يساوي درهماً بعشرة، مع عدم تسلّط المخدوع بعد تبيّن خدعه على ردّ المعاملة، وعدم نفوذ ردّه أكل المال بالباطل.

أمّا مع رضاه بعد التبيّن بذلك فلا يعدّ أكلاً بالباطل، ومقتضى الآية، وإن كان حرمة الأكل حتى قبل تبيّن الخدع إلاّ أنّه خرج بالإجماع. وبقي ما بعد اطّلاع المغبون وردّه للمعاملة كذا قال شيخنا -قدس‌سره - في المكاسب(٣) .

____________________

(١) نهاية الاحكام: ج ٢ ص ٥٠١. المكاسب: الخيارات ص ٢٥٠ س ٥.

(٢) مسالك الافهام: ج ١ ص ١٧٥ س ٢٩.

(٣) المكاسب: الخيارات ٢٣٤.

٥٤٠