الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية0%

الرسائل الفشاركية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 604

الرسائل الفشاركية

مؤلف: آية الله السيد محمد الفشاركي
تصنيف:

الصفحات: 604
المشاهدات: 41152
تحميل: 4370

توضيحات:

الرسائل الفشاركية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 604 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41152 / تحميل: 4370
الحجم الحجم الحجم
الرسائل الفشاركية

الرسائل الفشاركية

مؤلف:
العربية

أمّا اذا كان العود بعد فسخه فظاهر، وإن كان قبله فلأنّ فسخ المغبون أنّما يوجب استحقاقه بالسبب السابق على عقده بسبب ارتفاع العقد، وفسخه لا يوجب ارتفاع الناقل الجديد.

ويحتمل العود لا المغبون، نظراً الى ما أشرنا اليه سابقاً في فروع تصرفات المغبون من إمكان رجوع العين للأقربيّة، وإن لم يمكن رجوعه بنفس الفسخ.

وإن كان التصرف غير ناقل للعين فإمّا أن يكون نقلاً للمنفعة أو مغيّراً للعين.

أمّا الأول: فكما لو أجّر العين. وهل تنفسخ الإجارة بفسخ العقد أو تنتقل العين الى المغبون مسلوب المنافع؟ وجهان، بل قولان:

حكي الأوّل عن المحقّق القميّ -قدس‌سره - حجّة القول الأوّل: أنّ ملك منفعة الملك المتزلزل متزلزل، وأنّ فسخ المغبون كاشف عن عدم كون الغابن مالكاً للمنافع الحادثة بعد الفسخ(١) .

أقول: مقتضى ظاهر الوجه الثاني انفساخ الإجارة من حين انفسخ، بل يمكن أن يقال: إنّ مقتضاه عدم صحتها بالنسبة اليه، فإن كان فسخ البيع ردّاً وإلاّ أمكن صحّتها بالإجارة. ومقتضى الوجه الثاني صحتها، وسلطنة المغبون على إبطالها من رأس بإبطال البيع.

فالتنافي بين الوجهين من وجهين: أحدهما: اقتضاء الثاني البطلان بالنسبة الى ما بعد الفسخ. والأوّل صحته مطلقاً.

والثاني: أنّ الأوّل يقتضي الانفساخ من رأس بفسخ البيع، والثاني انفساخه من حيث العقد. اللهمّ إلاّ أن يدفع الثاني بأنّ المراد من تزلزل ملك المنفعة: أنّ ملك المنفعة ما لم يحل زمانها قابلة للزوال بزوال ملك العين اذا كان ملك العين متزلزلاً.

وكيف كان، يرد على الوجه الثاني: أنّ ملك منافع العين بالغ لملكها آناً ما. ولذا حكم بأن بيع العين المستأجرة نقلها مسلوبة المنافع.

____________________

(١) المكاسب: الخيارات ص ٢٤٠.

٥٦١

لا يقال - على هذا- : يجب القول بأنّ تمام منافع العين ملك للطبقة الاولى، فتصحّ إجارتهم لها مدّةً تزيد على مدّة بقائهم.

قلت: ليس تلقّي الطبقة الثانية الملك من الاولى.. ، بل هو من الواقف، وسبب النقل اليهم منه يقتضي ملك المنافع.

لا يقال: زوال ملك الغابن من العين بزوال سببه. وملك المغبون مستند الى السبب الأوّل، فهو ليس متلقّياً له من الغابن.

لأنّا نقول: ليس مناط الفرق مجرّد التلقي من غير مالك العين، بل المناط اقتضاء سبب ملك المالك الثاني انتقال العين غير مسلوب المنافع اليه، والسبب الأوّل - هنا - الموجب لملك المغبون للعين لا يقتضي ملكه لها غير مسلوب المنافع.

ويرد على الأوّل: أنّ التزلزل يحتاج الى دليلٍ، وأصالة بقاء المنافع في ملك مالكها قبل الفسخ يقتضي عدمه، وأدلة الخيار تقتضي رجوع ملك العين بالفسخ، لأنّها لا تقتضي إلاّ السلطنة عليه لمقتضى رجوع العين خاصّة، على أنّ مجرّد تزلزل ملك المنافع لا يقتضي انفساخ الإجارة، بل قضية رجوعها إن أمكن، ورجوع بدلها على تقدير عدم الإمكان كتزلزل ملك العين، فعلى تقدير ثبوته تحت الرجوع الى آخره - مثل المنفعة - جمعاً بين دليل التزلزل، وبين دليل لزوم الإجارة.

ولكنّ الإنصاف أنّ الحكم بعدم استحقاق المغبون بعد الفسخ بشيء من المنفعة، فأجرة مثلها مع كون فوات المنفعة إصراراً - كما اذا كانت مدّة الإجارة طويلة - في غاية الإشكال.

وقد اعترف المحقّق الثاني(١) بالإشكال في حكم الأصحاب لعدم سلطنة الغريم على قلع الغرس، وعدم استحقاقه الاجرة بعد رجوعه اذا غرس المفلّس الارض، أو آجرها مدّةً طويلةً. والمسألة محتاجة الى التأمل.

واذا كان التصرف مغيّراً: فإمّا أن يكون التغيير بالنقيصة، أو بالزيادة، أو

____________________

(١) جامع المقاصد: ج ٥ ص ٢٨٥.

٥٦٢

بالامتزاج.

أمّا الأوّل: فإن كان مما يوجب الإرش، بمعنى أنّه، لو اعتبر وجود الفائت في البيع كان عدم وجودها موجباً لاستحقاق الإرش - كوصف الصحة - كان الواجب ردّ الإرش، لأنّ الفائت مضمون بجزء من العوض، فرجوع تمام العوض الى الغابن يوجب رجوع الوصف إن كان، وبدله إن لم يكن وهو الإرش، ومثله فوات الجزء.

لا يقال: ضمان وصف الصحة بجزء من العوض ليس من مقتضيات العقد، بل استحقاق الإرش تقيّد شرعيّ.

لأنّا نقول: قد علم من بيع الموارد أن حكم وصف الصحّة حكم الأجزاء، ولذا يوجب فواته قبل القبض استحقاق الإرش، وإن لم يكن موجباً للإرش - مثل كتابة العبد - فالظاهر أنّه لا يستحقّ شيئاً، لأنّ الفسخ لا يوجب إلاّ رجوع ما يقابل الثمن الى البائع، وليس مثل وصف الكتابة مقابلاً للثمن، وكون ذلك سبباً لزيادة القيمة لا يقتضي مقابلة ذلك ببعض العوض، ومضموناً به ليقتضي الفسخ رجوع نفسه أو بدله، وان كان بالزيادة.

فيمكن أن يقال: إنّه لا شيء لمحدثها، لأنّ الزيادة الحاصلة ليست بمال مستقلّ يقابل بالمال، وليس عمل العامل بأمر المغبون ليكون مضموناً عليه.

والحاصل: أنّ كون الثوب مقصوراً ليس في نفسه مالاً يقابل بالمال، وليس حدوثه بأمر من المغبون ليكون عمل المقصّر مضموناً عليه.

ويحتمل الفرق بين ما اذا كانت الزيادة موجبة لزيادة القيمة، وبين ما اذا لم يكن كذلك بأن يقال: بحصول الشركة على الأقلّ دون الثاني.

أمّا الثاني: - فلما مرّ - من أنّه ليس عمل محدثها بأمر المغبون ليكون مضموناً عليه.

وأمّاالأول: فلأنّ الموجود مال تبعيّ، لأنّه يقابل بالمال تبعاً للعين، فبفوتها على محدثه لا وجه له.

لا يقال: المقابلة بين الموصوف والثمن إن كان بملاحظة الوصف، وكان الوصف

٥٦٣

مقابلاً ببعض أجزاء الثمن كان الوصف مالاً، فيستحقّه محدثه.

ويشكل - حينئذٍ - ما سبق من أنّ الوصف ما لم يوجب الإرش لا يجب بفواته استحقاق القيمة، وإن كان الوصف موجباً لزيادة القيمة، كانت المقابلة بين ذات الموصوف والثمن.

غاية الأمر: أنّ الزيادة سبب لزيادة القيمة، لم يكن للرجوع الى الإرش وجه، لأنّ الوصف - حينئذٍ - ليس بمال تضمّن انماء وبدونه، فتأمّل.

قد تمّت هذه النسخة الشريفة على يد أقلّ السادات سيّد محسن الموسويّ الخوانساريّ سنة ١٣٢١ هـ.

رسالة في الاجارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد للّه رب العالمين، والصلاة على حبيبه محمّدٍ سيّد المرسلين وآله المعصومين الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين الى يوم الدين.

قوله: (وكلّ موضع يبطل فيه عقد الإجارة).

أقول: المراد: أنّه تجب اجرة ما يستوفيه من المنفعة، كلاً أو بعضاً.

وتنقيح البحث في المسألة: أنّ الإجارة: إمّا على العين المملوكة كالدار، والعبد، وما أشبههما ممّا يقع تحت اليد كالوقف العامّ، وإمّا على الحرّ.

وعلى الأوّل: إمّا أن تكون المنفعة مقبوضةً، وإمّا غير مقبوضةٍ.

وعلى الثاني: إمّا أن يكون الحرّ صدر منه العمل، أو لم يصدر، صور أربع:

أمّا الصورة الاولى: فلا إشكال في أنّه لا ضمان فيها على المستأجر للأصل، بل القطع بعدم موجب للضمان.

كما أنّه لا إشكال في ضمان المستوفاة في الصورة الثانية لقاعدة اليد، واحترام مال المسلم، والاتلاف، ونفي الضرر، إلاّ أن يمنع شمول الأوّل للمنافع.

واقتضاء الثاني زيادة على حرمة التصرف بدون الإذن، وصدق الاتلاف على الاستيفاء، مضافاً الى إرسال المسألة إرسال المسلّمات.

وأمّا على تقدير عدم الاستيفاء ففي الضمان، وعدمه إشكال، وإن كان الأوّل

٥٦٤

٥٦٥

٥٦٦

٥٦٧

لا يخلو عن قوّةٍ لبعض ما سبق.

ويمكن بناء المسألة على ضمان الغير، المستوفاة من منافع المبيع فاسداً، إلاّ أن يفرّق بينهما من حيث الإقدام على الضمان، وقاعدة (ما يضمن)، فأنّهما يقتضيان الضمان هنا، وعدمه هناك، ولكنّه مشكل.

ثم إنّه لا يخفى، أنّ المراد من القبض ليس هو الموجب لسقوط ضمان المؤجر بتخلية يده عن العين، بل المراد: هو الاستيلاء عليها الموجب للاستيلاء على المنفعة.

و أمّا الصورة الثالثة : فالمعروف فيه الضمان أيضاً ، بل لم أعثر على مخالفٍ إلاّ ما يظهر من جامع المقاصد(١) في مسألة الاستثناء الآتية، إن شاء اللّه تعالى.

وكيف كان، فالظاهر هو المعروف لما دلّ على حرمة مال المسلم(٢) وعمله، فأنّ مقتضاه أن يكون الأمر المقدّم على ضمانه ملزماً بتداركه.

إلاّ أن يقال: إنّ العامل لم يخرج عن الاختيار، ولا يدخل عمل المسلم تحت اليد، لأنّ دخول المنفعة تحت اليد بتبعيّة العين لا يدخل في الفرض تحت اليد.

والحاصل: أن مقتضى حرمة العمل أن يكون المستوفي له ملزماً به، ومجرّد الأمر الغير المخرج للعامل عن الاختيار لا يجعل الآمر مستوفياً غايته. أنّه داعٍ للمأمور على العمل، ومجرّد عود نفع العمل الى الغير - أيضاً - لا يوجب الضمان.

ولذا، لو تخيّل أنّه أجير الغير فعمل، فبان خلافه، لا يحكم على الغير بالضمان، بل الجاهل بالفساد في فرض المسألة يرجع الى هذه الصورة حقيقةً.

ومن هنا تبيّن أن الأوجه: هو عدم الضمان، ولكنّ الإنصاف أنّ الالتزام بالعقد، والإقدام على المعاوضة تسلّم للعمل، واستيفاء له.

وتنقيحه: أنّ تسليم كلّ شيء، وتسلّمه بحسبه، وتسليم العمل الى الغير ليس إلاّ إيجاد العمل موافقةً لأمره، واعتماداً على إرادته. وتسلّمه هو الأمر به.

____________________

(١) جامع المقاصد: ج ١ ص ٤٢١ س ٢٦.

(٢) عوالي اللئالي: ح ٩٨، ج ١ ص ٢٢٢.

٥٦٨

ولا ريب أنّ عقد الإجارة بعد اقتضائه التسليم والتسلّم - كما هو شأن عقود المعاوضات - أمر من المستأجر بالعمل، وقبول من الأجير للعمل، وبناء فيه على الموافقة.

فالعمل الجاري على العقل تسليم من الأجير، وبناء المستأجر على العقد، والتزامه به، وعدم ردعه الأجير تسلّم له.

بل يمكن أن يقال: إنّ الردع الصادر بعد العقد ما لم يكن رادعاً للأجر لزعمه صحة الإجارة، وكون المستأجر مبطلاً في ردعه لا يخرج المستأجر عن الالتزام فيه.

ومن بعض ما ذكرنا يظهر: أنّ الأظهر في الصورة الرابعة عدم الضمان، ودعوى أنّ مقتضى قاعدة (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) هو الضمان، لأنّ الأجير الخاصّ اذا سلّم نفسه للعمل، ولم يستوفه المستأجر الى أن انقضى زمان الإجارة يستحق الاجرة - كما يأتي إن شاء اللّه تعالى - مدفوعة بأن القاعدة لم ينعقد عليها إجماع، فالمتّبع في مواردها هو الدليل، ولا دليل - هنا - على الضمان، لأنّه: إمّا قاعدة اليد - وقد عرفت - أنّ عمل الحرّ لا يدخل تحت اليد، أو احترام العمل، وهو تابع لموضوعه المفروض انتفاؤه.

بل يمكن أن يقال: إنّه لا يلزم تخصيص في القاعدة أيضاً، لأنّ الحرّ لا يملك عمله، وأنّما هو مالك، لأنّ بملكه الغير، ودعوى أنّه يصدق عليه أنّه مال مدفوعة بأنّه قبل وجوده لا يكون العامل ذا مال عرفاً، بل هو بتحمّله كلفة الاشتغال يحصّل المال، والفرق بين عمل العبد والحرّ أنّ المولى لا كلفة له في أصل العمل.

ثمّ إنّ الشهيد(١) -رحمه‌الله - استثنى من الحكم بالضمان ما اذا كان الفساد ما اشترط عدم الاجرة في العقد، أو متضمّناً له كما لو لم يذكر اجرةً فأنّه - حينئذٍ - يقوى عدم وجوب الاجرة لدخول العامل على ذلك.

والظاهر، أنّ مراده من تضمّن عدم الاجرة ليس مجرّد عدم ذكرها في متن

____________________

(١) اللمعة الدمشقية: فيما لو اشترط عدم الاجرة في العقد ج ٤، ص ٣٣٥.

٥٦٩

العقد، لأنّ ذلك أعمّ من الدخول على عدم الضمان، لإمكان بكون القصد الى تعيّنها بعد العقد، بل المراد منه أن يكون عدم الذكر ناسياً من التباني على عدم الاجرة، وإجراء بالعقد على ذلك البناء. وحينئذٍ، فالفرق بين الصورتين صراحة الاشتراط في الأوّل، وتضمّن العقد له على الثاني.

وتنقيح البحث: أنّه إن كان المقصود من الإجارة هو العارية، ويكون اعتبار عدم الاجرة قرينةً على إرادتها فلا إشكال في عدم الضمان وإن قلنا بفساد العقد، لأنّ (ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفساده) وكذا اذا كان المقصود هو الإجارة حقيقةً، إذ لا ريب في أنّه لا يمكن القصد الى مفهوم الاجارة، والشرط للتنافي إلاّ من الجاهل بالمنافاة لزعم أنّ الإجارة لا يعتبر فيها العوض، وعليه يكون الداخل على الإجارة داخلاً على ذهاب المال بلا عوض.

والفرق في ذلك بين ما اذا كان القصد الأصلي الى الإجارة، واعتبر عدم العوض لعدم المنافاة، وبين ما اذا كان ابتداء القصد الى التمليك بلا عوض لا وجه له، ضرورة أنّ الدخول على المجّانيّة حاصل على التقديرين.

ثمّ إنّه ربّما يفرّق في المسألة بين ما اذا كان مورد الإجارة منفعة العين محكم بالضمان، لأنّ اشتراط عدم العوض أنّما كان في العقد الفاسد، الذي لا أثر لما تضمّنه من التراضي فحقّه وجوب اجرة المثل، وما لو كان مورد الإجارة منفعة الأجير، فعمل بنفسه مع فسادها فالوجه عدم الضمان، لأنّه متبرّع بالعمل، وهو المباشر لإتلاف المنفعة.

وأورد في المسالك(١) على القسم الأوّل: بأنّ ذكر عدم الاجرة قرينة على إرادة العارية، وعلى الثاني: بأن التبرع أنما يتحقّق اذا عمل الأجير بناء على العقد.

أمّا لو أمره المستأجر بعد العقد فلا يكون متبرّعاً. فينبغي مع عدم ذكر الاجرة ثبوت اجرة المثل، كما هو شأن الآمر لغيره، فعمل من غير عقد.

____________________

(١) مسالك الافهام: فيما لو شرط عدم الاجرة في العقد ج ١، ص ٣٢٢، س ٢٨.

٥٧٠

قلت: ويندفع الأول - مضافاً الى منع كون ذلك قرينةً على إرادة العارية - بأنّ ذلك خروج عن الفرض، إذ الكلام في قصد الإجارة.

والثاني بأنّ الأمر بعد العقد يرجع الى الآمر بالعمل بالقصد، وهو لا يؤثّر في وجوب اجرة المثل إن لم يكن الدخول في العقد الفاسد، موثراً فيه.

والإنصاف: أنّ الفرق بين الصورتين - أيضاً - مشكل، لأنّ الحكم ما بعد الضمان لم يكن لتأثير ما يضمنه العقد الفاسد من التراضي، بل هو إنّما لدخول المالك على التبرّع بالمال، ولذا حكموا بعدم ضمان المتّهب للعين الموهوبة فاسداً، حتى مع العلم بالفساد.

فإن قلت: عموم قاعدة اليد، والإتلاف يقتضي الضمان، ومجرّد الإقدام على المجّانيّة لا دليل على رفعه للضمان.

قلنا: هذا الكلام جارٍ بعينه في الهبة الفاسدة.

وتنقيح الجواب: أنّ عدم الضمان في الأمانات يقتضي العدم - هنا - بالأولويّة، لأنّ عدم الضمان - هناك - إمّا لتسليط المالك غيره على المال من غير تضمينٍ، أو لرفعه الضمان بالتلف دون الإتلاف، أو لكونه جاعلاً لغير المالك بمنزلة المالك.

وعلى جميع التقادير: يكون عدم الضمان - هنا - أولى منه في الأمانات، ضرورة أنّ عدم اعتبار الضمان، أو اعتبار عدمه على بعض التقادير، أو جعل الغير مالكاً تنزيلاً اذا كان واقعاً كان اعتبار العدم المطلق، وجعل الغير مالكاً تحقيقاً أولى بذلك، مع أنّه يمكن أن يقال:

إنّ استفادة عدم الضمان في الأمانات بأحد هذه الوجوه غير معلوم، والحكم في الهبة الفاسدة إجماعيّ.

الاّ أن يقال: إنّ مناط الحكم عند الأصحاب هو المجّانيّة الموجودة هنا، وليس حكمهم بذلك لظفرهم بتعبدٍ لم نظفر به.

والإنصاف: أنّ ذلك لا يخلو عن بعدٍ، بل هو قريب غايته.

بقي - هنا - إشكال ينبغي التنبّه عليه وهو: أنّ التبرّع بالمال اذا كان رافعاً

٥٧١

للضمان كان رفع اليد عنه - بشيء معينٍ - رافعاً للضمان بالزائد، لأنّه راجع الى رفع عن مقدار من الماليّة، وحينئذٍ فلا وجه لتعيّن اجرة المثل، بل الواجب هو أقلّ الأمرين من اجرة المثل والمسمّى. والجواب عنه:

أولاً: أنّ الفارق هو الإجماع، فأنّ تعين اجرة المثل إجماعيّ.

وثانياً: أنّ المالك لم يرفع يده عن عين ماله بلا عوض، وأنّما رفع يده عن مقدار من المالية، وربّما يكون لغرض لا يسلّم له، لفساد العقد بخلافه هنا، فأنّه رفع يده عن عين ماله بلا عوض، ولا دليل على أنّ رفع اليد عن مجرّد الأمر الاعتباريّ مؤثّر في تعيين البدل في أقلّ الأمرين.

قوله: (ويكره أن يستعمل الأجير قبل أن يقاطعه).

أقول: ليس المراد هو الإجارة، ضرورة أنّ صحّتها متوقّف على المقاطعة، بل المراد: أنّه يكره الأمر بالعمل من غير المقاطعة.

ويدلّ على ذلك: ما روي عن الصادق والرضا(١) سلام اللّه عليهما، وعلى آبائهما وأبنائهما الطاهرين.

قوله: (وأن يضمن إلاّ مع التهمة).

أقول: وقد فسر بتفسيرات:

أحدها: أن يشهد شاهدان على تفريطه، فإنّه يكره تضمّنه العين اذا لم يكن متّهماً.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب كراهة استعمال الاجير قبل تعيين اجرته ح ١ و ٢، ج ١٣، ص ٢٤٥.

٥٧٢

الثاني: لو لم تقم عليه بيّنة، وتوجه عليه اليمين يكره تحليفه لتضمّنه كذلك.

الثالث: لو نكل عن اليمين، وقضينا بالنكول كره تضمّنه كذلك.

الرابع: على تقدير ضمانه، وإن لم يفرط كما اذا كان صانعاً - على ما سياتي - يكره تضمّنه - حينئذٍ - مع عدم تهمته بالتقصير.

الخامس: أنّه يكره أن يشترط عليه الضمان بدون التفريط على القول بجواز الشرط.

السادس: لو أقام المستأجر شاهداً عليه بالتفريط كره له أن يحلف معه، لتضمّنه مع عدم التهمة.

السابع: لو لم يقض بالنكول كره له تضمّنه باليمين المردودة.

وأورد على الخامس: بأنّ الحقّ فساد الشرط.قلت: لا دليل على الكراهة - حينئذٍ - لو قلنا بالصحة. نعم، لا بأس به إن قلنا بعموم أدلّة التسامح لفتوى الفقيه، وعلى الأخيرين: بأن جواز الحلف أنّما هو بعد القطع لموجب الضمان، فكيف يكره التضمين مع اختصاص الكراهة بعدم الاتهام ؟

قلت: يمكن أن يقال: إنّ المأمون الذي يكره تضمّنه هو الذي له ملكة الأمانة، التي لا تنافي فعلية الحلاّف، لدواعٍ شديدة خارقةٍ للعادة.

والحاصل: أنّه إن اريد من التهمة ما يقابل هذه الملكة فعدم حصولها لا ينافي التفريط. وأخبار الباب لا تأبى بعضها عن هذا المعنى، ومستند هذا الحكم أخبار ظاهرة في ضمان المتّهم خاصّة، وحيث أن التفصيل مخالف للفتوى حملوه على كراهة التضمين.

وأقول: يمكن أن يقال: إنّ المكروه ليس هو التضمين بعد ثبوت موجب الضمان كما هو مقتضى الوجه الأوّل، والثالث، بل المكروه هو إثبات الموجب عليه.

ويدلّ عليه: خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّهعليه‌السلام : « لا يضمن الصانع،

٥٧٣

ولا القصار، ولا الحائل إلاّ أن يكونوا متّهمين »(١) فيخوف بالبينة، ويستحلف لعلّه يستخرج منه شيئاً.

ولا يبعد أن يقال بكراهة الجميع. وكيف كان فالأمر سهل: قوله الثالث: (أن تكون المنفعة مملوكة) وممّا يفسّر العبارة بالمملوكيّة في قبال ما لا يكون ملكاً لأحدٍ كمنافع المباحات.

والظاهر، أنّ المراد: هو المملوكيّة للمؤجر، لأنّ جواز إجارة المستأجر لا يتفرّع على المملوكيّة منفرداً بهذا المعنى، بل انقسام المملوكيّة بالمعنى الأوّل الى الانفراد والتبعيّة ممنوع. وأيضاً ذكره لإجارة غير المالك تبرّعاً لا وجه له - هنا - بناء على المعنى الأوّل.

نعم، ذكر هذا الشرط في عداد شرائط صحّة العقد يلائم الوجه الأوّل، لأنّه من شرائط الصحة الفعليّة المعبّر عنها في بعض العبائر باللزوم، لا الصحة التأهلية بمعنى القابلية بخلاف الشرائط السابقة.

وكيف كان، فاعتبار الشرط بالمعنى الأوّل من الواضحات، وكذا الثاني بالنسبة الى الصحّة الفعليّة. وأمّا التأهّليّة فاعتباره فيها مبنيّ على جريان الفضوليّ في العقود، وعدمه.

قوله: (وللمستأجر أن يؤجر)

أقول: إجارة المستأجر من غيره جائز، سواء كان المستأجر منه المؤجر، أم غيره. واحتمال المنع عن بعض الوجوه بعد إطلاق العقد الأوّل لا وجه له. وهل له تسليم العين الى غير المؤجر المستأجر منه كما عن المختلف(٢) وغاية المراد(٣) ومجمع

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ان الصانع اذا أفسد متاعاً ضمنه ح ١١، ج ١٣، ص ٢٧٤.

(٢) مختلف الشيعة: فيما لو سلّم العين ج ٢، ص ٤٦٢، س ٣٨.

(٣) الكتاب مخطوط غير مطبوع.

٥٧٤

البرهان(١) والمسالك(٢) والمفاتيح(٣) والرياض(٤) ، أو لا كما عن النهاية(٥) والتحرير(٦) والقواعد(٧) وجامع المقاصد(٨) ، أو الأوّل اذا كان أمينا، والثاني اذا لم يكن كما عن ابن الجنيد(٩) ؟ أقوال.

والظاهر أنّ محلّ الكلام هو التسليم على وجه يتوقف عليه استيفاء المنفعة، إذ التسليم على غير هذا الوجه لا تأمّل في عدم جوازه بغير إذن المالك، فأنّ المستأجر الأوّل لم يكن له التسليم على غير هذا الوجه بغير إذن المالك.

فكيف يملك التسليم الى الغير حجّة المانعين أنّ التسليم تصرّف في مال الغير؟ فالمفروض أنّه بغير إذن المالك حجّة المجوّزين أنّ جواز الإجارة المقتضية للتسليم يستلزم جوازه، لأنّ الإذن في الشيء إذن في لوازمه.

وأجاب عنه المانعون: بأنّ جواز الإجارة أنّما يقتضي تسليم المنفعة، وهو لا يقتضي تسليم العين، لإمكان استيفاء المنفعة ولو باستنابة المؤجر، أو من يرضى به.

والتحقيق أن يقال: إنّ المنفعة المطلقة من حيث استيفاء المستأجر، وغيره اذا لم يمكن استيفاؤها إلاّ بإثبات اليد في الجملة أو مطلقاً، إمّا لتقوّمها به، أو لتوقّفها في الوجود عليه كانت ماهية إثبات اليد في الجملة، أو مطلقاً من توابعها.

____________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ج ١٠ ص ٣٢.

(٢) مسالك الافهام: فيما لو سلّم العين ج ١، ص ٣٢٣، س ٢.

(٣) مفاتيح الشرائع: للمستأجر ان يؤجر غيره ج ٣، ص ١٠٤.

(٤) رياض المسائل: فيما لو سلم العين ج ٢، ص ٥ س ١٩.

(٥) النهاية: فيما لو سلّم العين لغيره ص ٤٤٥.

(٦) تحرير الاحكام: في شرائط الاجارة وما يتعلق بها ج ١، ص ٢٤٥، س ١٦.

(٧) قواعد الاحكام: فيما لو سلّم العين ج ١، ص ٢٢٦، س ٢١.

(٨) جامع المقاصد: فيما لو سلّم العين ج ٧، ص ١٢٤ و ١٢٥.

(٩) مختلف الشيعة: فيما لو كان الاجير اميناً ج ٢، ص ٤٦٢، س ٣٣.

٥٧٥

فكما أن العين يلحق بها توابعها، كذلك يلحق بالمنفعة توابعها، كما أنّ ملك المنفعة يقتضي السلطنة على تسليط الغير على استيفائها، كذلك ملك اللوازم يقتضي السلطنة على تسليط الغير عليه.

لا يقال: إنّ ملك العين يقتضي سلطنة المالك على منع غيره عن الاستيلاء عليه.

لأنّا نقول: ملك العين المسلوب عنها المنفعة بلوازمها: إمّا بإقدام المالك كما في ما نحن فيه، أولا بإقدامه - كالعين الموصى بنفسها لزيدٍ، ومنفعتها في مدة معلومة لعمرو - لا يقتضي سلطنة المالك على إثبات اليد. فكيف يقتضي السلطنة على منع الغير التي هي من وجوهها

ويمكن تقرير الدليل بوجه آخر يختصّ بإقدام المالك على ملك المنفعة بأن يقال: إنّ مقتضى المعاوضة على المنفعة المطلقة إلتزام المالك بتسليمها بإطلاقها، وبأيّ وجهٍ أراد المستأجر استيفاءها.

وبعبارة اخرى: تمليك المنفعة المطلقة متضمّن تمليك أفرادها، وللإلتزام بتسليم جميعها. فاذا أراد المستأجر استيفاء سكنى زيد، المتوقّف على إثبات يده على الدار المستأجرة كان مقتضى الإجارة وجوب تسليم الدار لاستيفاء ذلك، وعدم منع المستأجر عن ذلك.

ولكن، يمكن أن يقال: إنّ الالتزام بتسليم العين، واستحقاق المستأجر إثبات اليد عليها بأيّ وجهٍ اراده لا تقتضي السلطنة على تضييع العين، وجعلها في معرض التلف. فلا يوجب ذلك سلطنة المستأجر على تسليط غير الأمين. فالأقوى هو الوجه الأخير، ثمّ الأوّل.

ولكنّ المسألة تحتاج الى مزيد تأمّل. والاحتياط لا ينبغي تركه، فأنّه سبيل النجاة.

وهل للأجير تسليم ما آجر نفسه للعمل فيه الى غيره اذا لم يشترط عليه مباشرته - كالخياط يستأجر لخياطة الثوب، فيجوز له دفع الثوب الى غيره للخياطة بغير إذن المالك - أو لا يجوز ذلك، فيضمن العين اذا سلّمها الى غيره؟ وجهان:

٥٧٦

من أنّه لا حقّ له على العين، بل يجب عليه تسليم العمل حيث إرادة المستأجر، وإنّما يستحقّ الاجرة اذا سلّم نفسه للعمل ولو لم يستوفه المستأجر، بل اذا منعه من العمل وإثبات اليد لم يملك. ومنع اليد على العين، وكان ضامناً لها غايته أنّه يستحق الاجرة بالتسليم، وله الزامه بقبض العمل اذا كان مطلقاً من حيث المدّة، والرجوع الى الحاكم.

ومن أنّه اذا كان المستأجر الذي يستوفي المنفعة لنفسه، ويعود نفعه اليه مسلطاً على تسليم العين الى غيره كان الأجير الذي يعمل للمالك أولى بتلك. والأقوى هو الأوّل.

وربّما يستدل في المسألة السابقة أيضاً بالأولية فيقال: الأجير الذي يستحقّ العمل اذا جاز له التسليم الى الغير كان مالك المنفعة أولى بذلك، وفيه، وفي سابقه ما لا يخفى.

وهل للحاكم إلزام المالك بالتسليم اذا رجعا اليه في المسألتين، أو له الإلزام في الاولى، دون الثانية، أو لا يلزم مطلقا ؟ وجوه.

وتنقيح الكلام: أنّ إجبار مالك العين على الأذن مناف لسلطنته، والحكم بالصبر على مالك المنفعة حتى يسلّم اليه العين ضرر.

فيمكن أن يقال: إنّ مقتضى حكومة أدلة الضرر على أدلّة السلطنة هو الاجبار على الإذن.

وأن يقال: إن الضرر يندفع بجعل الخيار وفسخ العقد، ولو شرط المؤجر عدم الخيار لأجل تعذر التسليم، وقلنا بصحة هذا الشرط - كان مقدّماً على الضرر - فلا وجه لإلزام مالك العين على الإذن.

ومن هنا ظهر: أنّه ليس للحاكم انتزاع العين من المالك، وتسليمه من المستأجر قهراً عليه، بل هذا أولى ممّا سبق.

كما لا يخفى هذا كلّه في امتناع المالك تسليم العين المستأجرة من مستأجره. وأمّا امتناع المالك من تسليم العين للأجير فالظاهر أنّه لا يوجب إجباره على التسليم.

٥٧٧

غاية الأمر أنّه بتسليم الأجير نفسه، وانقضاء مدّة يمكن فيه العمل يستقر الاجرة عليه.

نعم، لو فرض إمكان استيفاء العمل، بعد انقضاء المدّة المفروضة - كما اذا كان أجير العمل في الذمّة - كان له إلزامه بأحد الأمرين: من تسليم العين للعمل، أو إسقاطه لما في الذمّة وتسليم الاجرة.

قوله: (وأن يشرط عليه استيفاء المنفعة بنفسه، ولو شرط ذلك فسلّم العين المستأجر الى غيره ضمنها).

أقول: الكلام - هنا - يقع في امور:

الأوّل: قد يقال: إن هذا الشرط راجع الى تنويع المنفعة، لأنّ المنفعة كلّيّ قابل للتنويع، وقد قرّر في البيع أنّ القيد - اذا كان المبيع جزئياً - راجع الى الشرط، والشرط - اذا كان المبيع كلّيّاً - راجع الى القيد.

فلو قال: بعتك عبداً، وشرطت أن يكون كاتباً راجع الى بعتك العبد الكاتب.

أقول: لا نسلّم أنّ مناط رجوع الشرط الى التنويع كون المعقود عليه كلّيّاً، بل المناط كون الشيء في نظر المتعاقدين منوّعاً، ومجرّد كون الشيء منوّعاً في الواقع لا يكفي في قصد التنويع.

ولا ريب أن مباشرة الفاعل ليست من منوّعات المنفعة عند العرف، كما أنّ كون الاستيفاء لنفسه لا يكون منوّعاً.

نعم، الفرق بينهما: أنّ اعتبار التنويع في الاستيفاء بنفسه أسهل من اعتباره في الاستيفاء لنفسه. حيث أنّ الأوّل مقسّم خارجيّ، والثاني اعتبار عقليّ محض. الثاني في صحة إجارة المستأجر لغيره لوجه العموم مع هذا الشرط.

فنقول: إن قلنا بكونه راجعاً الى التنويع فلا إشكال في أنّه بالنسبة الى سكنى

٥٧٨

غير المستأجر الأوّل في إجارة الدار - مثلاً - فضولي، يقف على إجازة المالك، وأمّا بالنسبة الى غير ذلك فالظاهر صحّة الإجارة.

نعم، للمستأجر الثاني خيار يشبه خيار التبعّض - وسيأتي بيانه - ودعوى بطلان الإجارة - نظراً الى أنّ بعض المنفعة لا يمكن تسليمه - مدفوعة بأنّ القدرة على التسليم، مع العلم بحصول الإذن، أو رجائه على الإشكال فيه حاصلة.

وإن كان شرطاً: فإن اريد منه عدم سلطنة المستأجر على تسليطه الغير - شرعاً - على الاستيفاء، الراجع الى عدم السلطنة على النقل الى الغير فالشرط فاسد، ولا كلام فيه، لأنّه مناف لمقتضى العقد.

وإن اريد منه عدم النقل الى الغير، فإن قلنا: إنّ مقتضى أدلّة الشرط بطلان الإجارة - كما قيل في شرط عدم الفسخ في البيع باطل - فلا إشكال في وقوف الإجارة على إذن المالك، وإلاّ فالظاهر الصحة، وللمالك خيار تخلّف الشرط.

وإن اريد منه عدم استيفاء الغير - كما هو الظاهر - وكان الاشتراط عليه للحاظ قدرته على تسليط الغير على الاستيفاء كان مقتضى الشرط عدم السلطنة على ذلك.

وذلك لا يوجب عدم السلطنة على الإجارة.

نعم، إن لم يكن استيفاء المستأجر الأوّل، عن الثاني ممكناً أمكن الحكم بفساد الإجارة. حيث أنّ تملك ما لا يحصل السلطنة عليه بوجهٍ من الوجوه معاملة سفهية، إلا أن يقال:

إنّ رجاء ارتفاع المانع يخرجها عن السفهية، مع أن السلطنة على النقل ولو الى المالك حاصلة.

[ الثاني ] ثم إن سلّم العين الى المستأجر الثاني استوفى منها شيئاً من المنفعة، أو لم يستوف كان للمؤجر الأوّل خيار تخلّف الشرط، وللمستأجر الثاني إن قلنا بصحّة الإجارة خيار تعذّر التسليم ان لم يسلم اليه المنفعة بعضاً أو كلاً إن كان جاهلاً بالحال، أو كان عالماً مع البناء على التسليم بوجهٍ شرعيّ، أو مطلقاً كما هو ظاهر العقد.

٥٧٩

ولو علم الإقدام على المعاوضة، عالماً بالحال، ملتزماً بما يرد عليه ففي ثبوت الخيار، وعدمه إشكال.

نعم، لو لم يتحقّق التسليم الى أن انقضى زمان الإجارة انفسخ العقد بالتلف قبل القبض، وكذلك الحكم بالنسبة الى أبعاض المنفعة إن قلنا بجريان قاعدة التلف قبل القبض في ابعاض البيع كما لا يبعد.

لا يقال: قضية الإجارة سلطنة المستأجر على استيفاء المنفعة، والمفروض امتناع حصول هذه السلطنة لمكان الشرط الذي شرط في الإجارة الاولى، فكيف يمكن صحة الإجارة الثانية؟

لأنّا نقول: ذلك من الأحكام المترتّبة على ملك العوضين، وليس داخلاً في مدلول العقد، ولا ريب أنّ ترتّب السلطنة أنّما هو على تقدير عدم استلزامه مزاحمة حقّ الغير، كما في الفرض الثالث في ضمان ما استوفاه المستأجر الثاني.

فنقول: إن قلنا برجوع الشرط الى التنويع فلا يخلو الحال: إمّا أن يردّ المؤجر الإجارة الثانية، أو يجيزها، فعلى الأوّل فلا إشكال في بطلانها.

ويمكن أن يقال: إن المالك يقبض الاجرة المسمّاة في الإجارة الاولى من المستأجر الأوّل، ويأخذ اجرة المثل المنفعة المستوفاة، مخيّراً في رجوعه الى أيّ المستأجرين شاء، لأنّها ملكه كما هو الفرض، وقد غصبها كلّ من المستأجرين، فتجرى أحكام الغصب حين رجوع السابق الى اللاحق، ورجوع اللاحق اليه في زيادة المثل على المسمّى إن كان مغروراً.

ويمكن أن يقال: إنّ المنفعة المغصوبة لعدم إمكان اجتماعها مع المنفعة، التي وقعت عليها الإجارة ليس لها ماليّة منجرّة.

نعم، لها ماليّة بدليّة قد استوفاها المالك بأخذ المسمّى في الأجارة الاولى. وحينئذٍ، فضمان المستأجر الثاني لما استوفاه ليس معناه إلاّ تدارك ما ورد على المستأجر الأوّل من خسارة المنفعة المستوفاة ببذل المسمّى، كما هو الشأن في تعاقب الأيادي على العين المغصوبة.

٥٨٠