كتاب الخراجيات

كتاب الخراجيات0%

كتاب الخراجيات مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 232

كتاب الخراجيات

مؤلف: المحقق الثاني والمحقق الاردبيلي والفاضل القطيفي والفاضل الشيباني
تصنيف:

الصفحات: 232
المشاهدات: 16932
تحميل: 3184

توضيحات:

كتاب الخراجيات
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16932 / تحميل: 3184
الحجم الحجم الحجم
كتاب الخراجيات

كتاب الخراجيات

مؤلف:
العربية

ثم استدلّ علىحكم أراضىالخراج بروايته أبي بردة بن رجاء السالفة، الدالّة على جواز بيع آثار التصرّف دون رقبة الأرض.

وهذا كلام واضح السبيل، ووجهه - من حيث المعنى - أنّ التصرّف في المفتوحة عنوة انما يكون بأذن الإمام -عليه‌السلام - وقد حصل منهم الأذن لشيعتهم حال الغيبة فتكون آثار تصرّفهم محترمة بحيث يمكن ترتب البيع ونحوه عليها.

وعبارة شيخنا في " الدروس "(١) أيضاً ترشد إلى ذلك حيث قال:

" ولا يجوز التصرّف في المفتوح عنوة الا باذن الإمام -عليه‌السلام - ، سواء كان بالبيع أو بالوقف أو غيرهما، نعم في حالة الغيبة ينفذ ذلك ".

وأطلق في " المبسوط " أن التصرّف فيها لا ينفذ، أي: لم يقّيد بحال ظهور الإمام -عليه‌السلام - أوعدمه. ثم قال: وقال ابن ادريس: " إنما يباع ويوقف تحجيرنا وبناؤنا وتصرّفنا لانفس الأرض ".

ومراده بذلك أن ابن إدريس ايضاً أطلق جواز التصرّف في مقابل إطلاق " الشيخ " -رحمه‌الله - عدم جوازه. والصواب: التقييد بحال الغيبة، فينفذ، وعدمه بعدمه، وهذا ظاهر بحمد اللّه تعالي.

____________________

(١) انظر: حقل الجهاد/ص١٦٣.

٢١

المقدمة الثالثة في بيان أرض الأنفال وحكمها

الأنفال جميع نفل بسكون الفاء وفتحها وهو: الزيادة ومنه: النافلة. والمراد به هنا: كل مايخص الإمام -عليه‌السلام - وقد كانت الأنفال لرسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله - في حياته، وهي بعده للإمام القائم مقامه -صلى‌الله‌عليه‌وآله -.

وضابطها: كلّ أرض فتحت من غير ان يوجف عليها بخيل ولاركاب، والأرضون الموات، وتَركَة من لاوارث له من الأهل والقرابات، والآجام، والمفاوز، وبطون الأودية، ورؤوس الجبال، وقطائع الملوك.

وقد تقدم في الحديث السابق الطويل عن أبي الحسن الأول -عليه‌السلام - ذكر ذلك كله(١) . وقدروى الشيخ عن زرارة عن أبي عبداللّه -عليه‌السلام - قال:

قلت له: ماتقول في قول اللّه تعالى: " يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه "؟ قال: الأنفال للّه تعالى وللرسول وهي: كل أرض جلا أهلُها من غير أن يحمل عليها بخيل ولارجال ولاركاب، فهي نفل لله وللرسول(٢) .

وعن سماعة بن مهران قال: سألته عن انفال، فقال: كل أرض خربة أو شيء كان للملوك فهو خالص للإمام -عليه‌السلام - ليس للناس فيها سهم. قال: ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولاركاب(٣) .

وفي مرسلة العباس الوراق عن رجل سمّاه عن أبي عبداللّه -عليه‌السلام - قال:

" اذا غزا قومٌ بغير إذن الإمام -عليه‌السلام - فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام -عليه‌السلام - واذا غزوا بإذن الإمام -عليه‌السلام - فغنموا كان الخمس للإمام "(٤) . ومضمون هذه الرواية مشهور بين الأصحاب، مع كونها مرسلة، وجهالة بعض رجال سندها، وعدم إمكان التمسك بظاهرها؛ إذ من غزا بإذن الإمام لايكون خمس غنيمة كلها للإمام -عليه‌السلام -

____________________

(١) انظر ص/٥١-٥٢ من هذا الكتاب.

(٢) التهذيب /حقل الأنفال/ص١٣٢/ج٤/ح٢٦٨.

(٣) نفس المصدر/ص١٣٣/ح٣٧٣.

(٤) نفس الصدر/ص١٣٥/ح٣٧٨.

٢٢

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ الأرض المعدودة من الأنفال إمّا أن تكون محياة أو مواتاً، وعلى التقديرين، فإمّا أن يكون الواضع يده عليها من الشيعة أولا، فهذه

أربعة أقسام.

وحكمها: أن كلّ ماكان بيد الشيعة من ذلك، فهو حلال عليهم ؛مع اختصاص كلً من الحياة والموالت بحكمه(١) ، لأنّ الأئمة -عليهم‌السلام - أحلّوا ذلك لشيعتهم حال الغيبة. وأمّا غيرهم فإنها عليهم حرام. وان كان لا ينتزع منهم في الحال على الظاهر، حيث انّ المستحق لانتزاعه هو الإمام -عليه‌السلام - فيتوقّف على أمره.

وروى الشيخ عن عمر بن يزيد قال:

رأيت أبا سيّار مسمع بن عبدالملك بالمدينة، و قد كان حمل إلى أبي عبداللّه -عليه‌السلام - مالاً في تلك السنة فردّه عليه، فقلت: لم ردّ عليك ابو عبداللّه -عليه‌السلام - المال الذي حملته إليه ؟فقال: إني قلت حين حملت إليه المال: إني كنت ولّيت الغوص، فاصبت منه أربعمائة ألف درهم، وقد جئتُ بخمسها ثمانين ألف درهم... إلى أن قال: " يا أبا سيّار قد طيبنا لك، فضمّ أليك مالك، وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، محلّل لهم ذلك إلي أن يقوم قائمنا فيجيبهم طسق ما كان في أيدي سواهم، فإن كسبهم من الأرض حرامٌ عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم عنها صغرة "(٢) .

____________________

(١) عبارة المؤلف القائلة باختصاص كل من المحياة والموات بحكمه يكتنفها الغموض فقد سبق للكاتب أن أوضح بأن " الأنفال " للإمام وأنها مباحة للشيعة بحكم أخبار التحليل، وهذا يعني وأنعدام الفارق بين المحياة والموات من الأنفال من حيث التصرّف فيها. ومن الواضح أن الفارق لا تظهر ثمرته إلا في اصطناع بين الأرض المفتوحة عنوة وأرض الأنفال، لأن الأرض المحياة طبيعيا عائدة إما إلى الإمام. أوعائدة إلى المسلمين بناء على القول بأنها داخلة في عموم " كل أرض لارب لها " او عائدة الى المسلمين بناء على القول بدخولها في عموم ملكيّة الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين بل: حتى موات المفتوحة عنوة يسمها طابع التردد المذكور. والمؤلف بصفته قد ردم الفارق بين نمطى الأرض: حينئذٍ كان الأجدر أن يوضع حكم كل من محياة الأنفال ومواتها.

(٢) التهذيب: حقل الأنفال /ص١٤٤/ج٤/ح٤٠٣.

٢٣

قال في الصحاح: " الطسق ": الوظيفة من خراج الأرض، فارسي معرب.

وعن الحرث بن المغيرة النصري قال:

دخلت على ابي جعفر -عليه‌السلام - فجلست عنده، فأذا نجيّة قد استأذن عليه، فاذن له فدخل فجثا على ركبتيه ثم قال:

جعلت فداك إني اريد أن أسالك عن مسألة واللّه ما اُريد بها إلا فكاك رقبتي من النار، فكأنه رقّ له فاستوي جالساً فقال:

يانجيّة سلنى فلا تسألني اليوم عن شيء إلا اخبرتك به، قال:

جعلت فدالك ماتقول في فلان وفلان؟ قال:

يانجية، لنا الخمس في كتاب اللّه ولنا الأنفال ولنا صفو المال، وهما واللّه أول من ظلمنا حقنا في كتاب اللّه وأول من حمل الناس على رقابنا، ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة لظلمنا أهل البيت، وإنّ الناس ليتقلّبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت، فقال نجيّة:

إنا للّه وانا اليه راجعون - ثلاث مرات - هلكنا ورب الكعبة، قال: فرفع فخذه عن الوساة فاستقبل القبلة فدعا بدعاء لم أفهم منه شيئاً إلا أنا سمعناه في آخر دعائه وهو يقول:

اللّهم إنا أحللنا ذلك لشيعتنا. قال: ثم أقبل بوجهه إلينا وقال:

يانجية، ماعلى فطرة ابراهيم -عليه‌السلام - غيرنا وغير شيعتنا.(١) .

وهذان الحديثان ونحوهما من الأحاديث الكثيرة مما لا خلاف في مضمونها بين الأصحاب بلاشك ولامرية، فلاحاجة إلى البحث عن أسنادهما والفحص عن رجالهما، فأن آحاد الاخبار(٢) بين محققىّ الأصحاب والمحصلين منهم إنما

____________________

(١) نفس المصدر: ص١٤٥/ح٤٠٥.

(٢) من الواضح أن " آحاد الاخبار " تشمل كلاً من المعتبر والضعيف، فتقييد الكاتب ملاحظة القرائن بآحاد الأخبار يبدو وكأنه لاضرورة له. الا إذا ذهبنا إلى أن هدف الكاتب هو ان يلمح إلى أن خبر الواحد سواء أ كان مستجمعاً لشروط الاعتبار حسب معايير الحديث او غير مستجمع لها، إنّما يكتسب قيمته بقدر عمل الأصحاب به، سواء أكان ذلك ضعيفاً قد عُمِل به أو معتبراً ولكن هجره الأصحاب.

٢٤

يكفي حجة إذا انضمّ إليها من المتابعات والشواهد وقرائن الأحوال ما يدلّ على صدقها، فما ظنك باجماع الفرقة‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!

فان قيل: ما معنى جعل هذه الأشياء في حال الغيبة للشيعة؟ أهي على العموم أو على جهة مخصوصة؟ وعلى تقدير الثاني، فما هذه الجهة؟

قلنا: ليس المراد حلّها على جهة العموم والالزم سقوط حقّهم -عليهم‌السلام - من الخمس حال الغيبة، وهو خلاف مايدلّ عليه أكثر الأصحاب، بل القول به منسوبٌ إلى الشذوذ، بل يلزم منه جواز تناول حقّهم -عليهم‌السلام - والتصرّف فيه، إلى غير ذلك ممّا هو معلوم البطلان، وإنّما المراد إحلال ما لابّد من المناكح والمساكن والمتاجر، لتطيب ولادتِهم ويخرجوا عن الغصب في المسكن والمطعم ونحوهما: وقد عيّن الأصحاب لذلك مواضع بخصوصها في باب الخمس، فلا حاجة إلى ذكرها هاهنا. فاذا كان بيد أحدنا من أرض الأنفال شيء إمّا بالإحياء او الشراء من بعض المتقبّلين ونحو ذلك _كانت عليه حلالاً باحلال الأئمه -عليهم‌السلام -.

فان قيل: ليس على الشيعة في هذا النوع من الأرض خراج، فهل على غيرهم فيه شيء من ذلك ؟

قلنا: لانعرف في ذلك تصريحاً للأصحاب، ولكن قد وقع في الحديث السابق التصريحُ به ووجهه - من حيث المعنى - أنّه تصرّف في مال الغير بغير إذنه، فلا يكون مجاناً.

فإن قيل: هل يجوز لمن استجمع صفات النيابة حال الغيبة جباية شيء من ذلك؟

٢٥

قلنا: إن ثبت أن جهة نيابته عامة، احتمل ذلك وإلى الآن لم نظفر بشيء فيه(١) وكلام الأصحاب قد يشعر بالعدم، لأن هذا خاصّة الإمام -عليه‌السلام - ، وليس هو كخراج الأرض المفتوحة عنوة، فإن هذا القسم لغيره، كما سيأتي إن شاء اللّه.

فان قيل: فلو استولى سلطان الجور على جباية شيء من خراج هذه الأرضين، اعتقاداً منه أنه يستحقه لزعمه أنه الإمام، فهل يحل تناوله ؟

قلنا: الأحاديث التي تأتي تحل تناول الخارج الذي يأخذه الجائر. وكلام الأصحاب يتناول هذا القسم، وإن كان السابق إلى الأفهام في الخراج ما يؤخذ من المفتوح عنوةً، فلا يبعد الحاقه به(٢) ، ولم أقف على شيء صريح في ذلك سوى إطلاق ما ورد عنهمعليهم‌السلام .

فائدة: لافرق بين غيبة الإمام -عليه‌السلام - وحضوره في زمان التقيّة، لاستوائهما في كونه -عليه‌السلام - موجوداً ممنوعاً من التصرّف. والأخبار وكلام الأصحاب يومئ إلى ذلك، وإباحتهم -عليهم‌السلام - لشيعتهم إنما وقع في زمانهم -عليهم‌السلام - و كذا الأمر بالجمعة وقد احتجّ الأصحاب بذلك، بثبوتهما في زمان الغيبة. وفي الواقع لافرق بينهما.

____________________

(١) بالرغم من أن بعض الفقهاء يحاول أن يميّز بين ملك الإمام وملك المسلمين. بصفة أنّ الأول منهما من الممكن أن يشتثمره الإمام لأفراد باعيانهم، والاخر يصرف في مصالح عامّة، إلا أن هذا الفارق لاشاهد له من النصوص ما دمنا نعرف أن ملكيّة الإمام ليست شخصيّة، بل اعتبار المنصب الرسمي، مما يعني أن الأموال بقسميها موكولة إلى نظره اُصرفت في نطاق أفراد بأعيانهم أو صرفت في مصالح عامة. هذا فضلاً عن أن إشارة الكاتب إلى أن الأنفال من (خاصّة الإمام) لاصلة له بـ(النيابة العامة) التي سوّء الكاتب مشروعيتها في نطاق الخراج المتصل بالأرض المفتوحة عنوة، وتردّد في مشروعيتها بالنسبة الى أرض الأنفال. ففي الحالين، إما أن تكون ثمة قناعة بنيابة القضية أم لا، ولذلك لايظهر أى وجه للفارق الذي اصطنعه الكتاب في هذا الميدان.

(٢) إن عدم استبعاد المؤلف إلحاق الأنفال بالمفتوح عنوة من حيث جباية الخراج، يدلل على ما سبق إن قلناه من عدم الفارق بين نمطي الأرض من حيث صلاحيّة النيابة لها.

٢٦

المقدمة الرابعة في تعيين ما فتح عنوة من الأرضين

إعلم، أن الذي ذكر الأصحاب من ذلك: " مكّة " زادها اللّه شرفاً، والعراق والشام وخراسان وبعض الأقطار ببلاد العجم.

وقدتقدمَ في بعض الأخبار السابقةَ أنّ البحرين من الأنفال. فأما " مكة " ، فأن للأصحاب - في كونها فتحت عنوة أوصلحاً - خلافاً، أشهره أنها فتحت عنوة.

قال الشيخ في " المبسوط "(١) :

ظاهر المذهب (الأصحاب) أن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله - فتح مكة عنوة بالسيف، ثم آمنهم بعد ذلك، وإنّما لم يقسم الأرضين والدور لأنها لجميع المسلمين، كما نقول في كل ما يفتح عنوة اذا لم يكن نقله إلى بلد الإسلام، فإنّه يكون للمسلمين قاطبة. ومنَّ النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله - على رجال من المشركين فأطلقهم.

وعندنا: أنّ للإمام -عليه‌السلام - أن يفعل ذلك. وكذلك اموالهم، منَّ عليهم بها.

وقال العلّامة في " التذكرة "(٢) :

____________________

(١) حقل: الجهاد/ص٣٣/ج٢.

(٢) حقل: الجهاد/ص٤٠٨/ج١.

٢٧

وأمّا أرض مكّة فالظاهر من المذهب أن النبّى -صلى‌الله‌عليه‌وآله - فتحها بالسيف، ثمّ آمنهم بعد ذلك.

وكذا قال في " المنتهى "(١) ونحوه قال في " التحرير "(٢) .

وشيخنا في " الدروس " لم يصرّح بشيء.

واحتجّ " العلّامة " على ذلك بمارواه الجمهور عن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله - أنّه قال لأهل مكّة:

" ماتروني صانعاً بكم؟ فقالوا: أخ كريم وابن أخٍ كريم، فقال: أقول لكم كما قال أخي يوسف لإخوته: لاتثريب عَلَيْكُمُ اليَوْمَ يَغْفِرُ اللّه لكُم وَ هُوَ أرحَم الراحِمين إذهبوا فأنتم الطلقاء ".

ومن طريق الخاصّة: بما رواه الشيخ عن صفوان ين يحيى وأحمد بن محمّد ابن أبي نصر، قالا: " ذكرنا له الكوفة " إلى أن قال:

" إنّ أهل الطائف أسلموا وجعلوا عليهم العشر ونصف الشعر، وإنّ أهل مكّة دخلها رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله - عنوة و كان اُسراء في يده فأعتقهم، وقال: اذهبوا أنتم الطلقاء ".

وأجاب عن حجّة القائلين بأنّها فتحت صلحاً حيث إن النبيّ -صلى‌الله‌عليه‌وآله - دخلها بأمان: لما ورد في قصّة العبّاس وأبي سفيان. وقوله -صلى‌الله‌عليه‌وآله - " من ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن تعلّق بأستار الكعبة فهو آمن " إلاّ جماعة معيّنين، وأنه -صلى‌الله‌عليه‌وآله - لم يقسّم أموالهم ولا أراضيهم.

بانه على تقدير تسليم ذلك إنّها لم يقسّم الأرضين والدور لأنها لجميع المسلمين لايختصّ بها الغانمون، على ما تقرّر من الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين قاطبة،

____________________

(١) حقل: الجهاد/ص٩٣٧.

(٢) حقل: الجهاد/ص١٤٢-١٤٣.

٢٨

والأموال والأنفس يجوز أن يمنّ عليهم بها مراعاة للمصلحة، لأن للإمام -عليه‌السلام - ان يفعل مثل ذلك.

وهذ قريب من كلام ظاهر " المبسوط ".

وأما أرض العراق التى تسمى بـ أرض السواد وهي المفتوحة من أرض الفُرس في أيام الثاني فلا خلاف فيه أنها فتحت عنوة وأنما سمّيت سواداً لأن الجيش لمّا خرجوا من البادية ورأوا هذه الأرض والتفاف شجرها سمّوها السواد لذلك. كذا ذكره العلّامة -رحمه‌الله - في " المنتهى " و " التذكرة ".

قال في المبسوط(١) وهذه عبارته :

" وأمّا أرض السواد: فهي المغنومة من الفرس التى فتحها عمر، وهي سواد العراق، فلما فتحت بعث عمر عمار بن ياسر أميراً، وابن مسعود قاضياً وولياً على بيت المال، وعثمان بن حنيف ماسحاً، فمسح عثمان الأرض، واختلفو في مبلغها، فقال الساجي:(٢) اثنان وثلاثون ألف جريب، وقال ابوعبيدة: ستة وثلاثون ألف جريب، وهي ما بين عبادان وموصل طولاً، وبين القادسيّة وحلوان عرضاً. ثم ضرب علي كل جريب نخلٍ ثمانية دراهم، والرطبة ستة، والشجرة كذالك، والحنطة أربعة، والشعير درهمين. وكتب ألىعمر فأمضاه.

وروي ان ارتفاعها كانت في عهد عمر، مائة وستين ألف ألف درهم، فلما كان في زمن الحجّاج رجع إلى ثمانية عشرألف ألف، فلما ولّي عمر بن عبد العزيز رجع إلى ثلاثين ألف ألف درهم في أول سنة، وفي السنة الثانية بلغ ستين ألف ألف، فقال: لوعشت سنة اُخرى لرددتها إلى ما كان في أيام عمر، فمات في تلك السنة. وكذالك أمير المؤمنين -عليه‌السلام - لما افضى الأمر إليه، امضى ذلك لأنه لم يمكنه أن يخالف ويحكم بماعنده.

____________________

(١) حقل الجهاد/ص٣٣-٣٤/ج٢.

(٢) الساعى(ب).

٢٩

والذي يقتضيه المذهب: أن هذه الأراضي وغيرها من التى فُتحت عنوة يكون خمسها لأهل الخمس، وأربعة أخماسها يكون للمسلمين قاطبة الغانمين وغير الغانمين في ذلك سواء. ويكون للإمام النظر فيها وتقبيلها وتضمينها بماشاء " هذه عبارته بحروفها.

وقال في " المنتهى " وهذه عبارته :

" أرض السواد هي الأرض المفتوحة عنوة من الفرس التى فتحها عمر بن الخطاب، وهي سواد العراق. وحدّه في العرض: من منقطع الجبال بحلوان إلى طرف القادسيّة المتصل بعذيب من أرض العرب، ومن تخوم الموصل طولاً إلى ساحل البحر ببلاد عبادان من شرقي دجلة. فامّا الغربي الذى تليه البصرة فإنما هو اسلامي، مثل شط عثمان بن أبي العاص " الى أن قال:

" وهذه الأرض فتحت عنوة، فتحها عمر بن الخطّاب، ثم بعث إليها بعد فتحه ثلاثة أنفس: عمّار بن ياسر على صلاتهم أميراً وبن مسعود قاضياً، ووالياً علي بيت المال، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض. وفرض لهم في كل يوم شاة، شطرها مع السواقط لعمّار، وشطرها للآخرين، وقال: ماأرى قرية يؤخذ منها كل يوم شاة إلا سرع في خرابها. ومسح عثمان أرض الخراج، واختلفوا في مبلغها فقال الساجي(٢) : اثنان وثلاثون ألف جريب وقال ابوعبيدة: ستة وثلاثون ألف ألف. ثم ضرب على كلّ جريب نخلٍ عشرة دراهم، وعلى الكرم ثمانية دراهم وعلى الحنة أربعه دراهم، وعلى الشعير درهمين. ثم كتب بذلك الى عمر فأمضاه. وروي أن ارتفاعها كان في عهد عمر مائة وستين ألف ألف درهم، فلما كان في زمان الحجّاج رجع ألى ثمانيةعشر ألف ألف، فلما ولي عمربن العزيز "... ثم ساق باقىكلام شيخ بحروفه مازاد ولا نقص، وكذا

____________________

(١) حقل: الجهاد/ص٩٣٧.

(٢) الساعي(ب)

٣٠

أو نحوه صنع في " التذكرة " في باب الجهاد بحروفه.

وأعاد القول بفتح السواد عنوة في باب " إحياء الموات ".

ولم يحضرني وقت كتابة هذه الرسالة - هذا الموضع من كتاب " السرائر " لابن إدريس -رحمه‌الله - لأحكي ما فيه. لكنّه في باب (أحكام الأرضين)(١) من كتاب الزكاة ذكر: أن أرض العراق مفتوحة عنوة، وذكر في أحكامها قريباً من كلام الأصحاب الذي حكيناه.

وروى الشيخ باسناده عن مصعب بن يزيد الأنصاري، وأورده ابن إدريس في " السرائر "، والعلّامة في " المنتهى " قال:(٢)

" استعملني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -عليه‌السلام - على أربعة رساتيق: المدائن: البهقباذات، ونهرسير، ونهرجوير، ونهرالملك، وأمرني أن أضع على كل جريب زرع غليظ درهماً ونصفاً، وعلى جريب وسط درهماً، وعلى كل جريب زرع رقيق ثلثي درهم، وعلى كل جريب كرم عشرة دراهم. وأمرني أن القى على كل نخل شاذ عن القرى لمارة الطريق وابن السبيل ولا أخذ منه شيئاً. وأمرني أن أضع الدهاقين الذين يركبون البراذين ويتختّمون بالذهب على كل رجل منهم ثمانية وأربعين درهماً، وعلى اوساطهم والتجار منهم على كلّ رجل أربعة وعشرين درهماً، وعلى سفلتهم وفقرائهم على كل إنسان منهم قال: وجبيتها ثمانية عشر ألف ألف درهم في سنة ".

قال الشيخ:

توظيف الجزية في هذا الخبر لاينافي ما ذكرناه من أن ذلك منوط بما يراه الإمام -عليه‌السلام - من المصلحة، فلا يمنع أن يكون أميرالمؤمنين -عليه‌السلام - رأى المصلحة في ذلك الوقت، و وضع هذا المقدار. وإذا تغيّرت المصلحة الى

____________________

(١) انظر /ص١١١.

(٢) التهذيب/ حقل: الخراج/ ص١١٩-١٢٠/ج٤/ح٣٤٣.

٣١

زيادة ونقصان غيّره، وإنما يكون منافياً لو وضع ذلك عليهم ونفى الزيادة عليه والنقصان عنه في جميع الأحوال، وليس ذلك في الخبر.

قلت: ومثله القول فى توظيف الخراج وأنه منوط بالمصلحة وعُرف الزمان كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

وهذا التقدير ليس على سبيل التوظيف بل بحسب مصلحة الوقت.

وأعلم، أن الذى أوردته من لفظ الحديث هو ما أورده الشيخ في " التهذيب " ولكن وجدت نسخته مختلفة العبارة في ايراد الرساتيق المذكورة، ففي بعضها " نهرسيريا " و " نهرجوير " وفي بعضها نهر " بسر " بالباء الموحدة، والسين المهملة المكسورة، ونهر " جوين " بالنون والجيم المفتوحة والياء المثناة من تحت بعد الواو المكسورة، وفي بعضها " جوبر " بالجيم والباء الموحّدة بعد الواو.

وقال ابن ادريس - بعد أن أورد الحديث في " السرائر " - بعطف البهقباذات علىالمدائن بالواو.

ونهر (بسر) بالباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة والسين غير المعجمة، هي: " المدائن ".

والدليل على ذلك أن الراوي قال: استعملني علىأربعة رساتيق، ثم عدّد خمسة فذكر المدائن ثم ذكر من جملة الخمسة نهر " سير " فعطف على اللفظ دون المعنى، ثم شرع في بيان جواز مثل هذا العطف إلى أن قال:

" فأما البهقباذات فهي ثلاثة: البهقباذ الأعلى وهو ستة طساسيج، ثم ذكر أسماءها، والبهقباذات الأوسط: أربعة طساسيج، ثم ذكر اسماءها، والبهقباذ الاوسط: اربعة طساسيج، وذكر أسماءها، والبهقباذ الأسفل: خمسة طساسيج، وصنع مثل ذلك.

والذي وجدته في نسخ " التهذيب ": المدائن البهقباذات بغير واو، كما وجدته في "المنتهى" حيث اورد الحديث بلفظه.

وروى الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر -عليه‌السلام - قال:

٣٢

"سألته عن سيرة الإمام -عليه‌السلام - في الأرض التي فتحت عنوة بعد رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله - فقال: إن أميرالمؤمنين -عليه‌السلام - قد سار في أهل العراق بسيرة، فهي إمام لسائر الأرضين"(١) .

فان قلت: أليس قد قال الشيخ في "المبسوط " ما صورته:

" وعلى الرواية التي رواها أصحابنا - أن كلّ عسكر أو فرقة غزت بغير إذن الإمام -عليه‌السلام - فغنمت، تكون الغنيمة للإمام خاصّة "(٢) - تكون هذه الأرضون وغيرها - مما فتحت بعد رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله - إلاّ ما فتح في أيام أمير المؤمنينعليه‌السلام - إنْ صحّ شيء من ذلك يكون للإمام خاصّة، ويكون من جملة الأنفال التي لا يشركه فيها غيره؟ وهذا الكلام يقتضي أن لاتكون أرض العراق من المفتوح عنوة ؟

قلت: الجواب عن ذلك من وجوه:

الأول: انّ الشيخ -رحمه‌الله - قال هذه على صورة الحكاية، وفتواه ما تقّدم في أوّل الكلام، مع أنّ جميع أصحابنا مصرّحون - في هذا الباب - على ما قاله الشيخ في أول كلامه. و" العلّامة " في " المنتهى " و" التذكرة " انما اورد كلام الشيخ هذا حكايةً وايراداً، بعد أن أفتى بمثل كلامه الأوّل: حيث قال في أوّل كلامه: " وهذه الأرض فتحت عنوة"، ولم يتعرض لما ذكره أخيراً بشيء.

الثاني: انّ الرواية التي أشار اليها الشيخ ضعيفة الإسناد، ومرسلة ومثل هذه كيف يحتجّ به أو يسكن إليه، مع أنّ الظاهر من كلامه في " المنتهى" ضعف العمل بها؟

____________________

(١) التهذيب/حقل: الجزية/ص١١٨/ج٤/ح٣٤٠.

(٢) انظر: حقل الجهاد/ص٣٤/ج٢.

٣٣

الثالث: انّا لو سلّمنا صحّة الرواية المذكورة، لم يكن فيها دلالة على أنّ أرض العراق فتحت عنوة بغير إذن إمام -عليه‌السلام - فقد سمعنا: أن عمر استشار أمير المؤمنين -عليه‌السلام - في ذلك. وممّا يدل عليه: فعل عمّار، فإنّه من خلصاء أمير المؤمنين -عليه‌السلام - ولولا أمره لما ساغ له الدخول في أمرها.

وممّا يقطع مادة النزاع، ويدفع السؤال. ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمَّد الحلبي قال:

" سُئلَ أبوعبد اللّه -عليه‌السلام - عن السواد ما منزلته؟ فقال: هو لحميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ولمن يُخلقُ بعد، فقلنا: الشبراء من الدهاقين؟ قال: لايصلح إلاّ أن يشتري منهم على أن يُصيّرها للمسلمين "(١) الحديث.

وروى ايضا عن عبدالرحمن بن الحجاج قال:

سألت أبا عبداللّه -عليه‌السلام - عمّا اختلف فيه ابن أبي ليلى وابن شبرمة في السواد وأرضه، فقلت إن ابن أبي ليلى قال: إنهم اذا أسلموا أحرار، ما في أيديهم من ارضهم لهم. وأمّا ابن شبرمة فزعم أنّهم عبيد وأنّ ارضهم التي بأيديهم ليست لهم. فقال: -عليه‌السلام - في الأرض ما قال ابن شبرمة، وقال: في الرجال ما قال ابن أبي ليلى أنهم إذا أسلموا فهم أحرار.(٢)

وهذا قاطع في الدلالة على ما قلناه، لا سيمّا وفتوى الأصحاب وتصريحهم موافق لذلك، فلا مجال للتردّد.

وأما أرض الشام، فقد ذكر - كونها مفتوحة عنوة - بعضُ الأصحاب. وممّن ذكر ذلك " العلّامة " في كتاب " إحياء الموات " من " التذكرة "، لكن لم يذكر أحد حدودها.

____________________

(١) التهذيب/أحكام الأرضين/ص١٤٦/ج٧/ح٦٥٢.

(٢) نفس المصدر/ص١٥٥/ح٦٨٤.

٣٤

وأمّا البواقي، فذكر حكمها القطب الراوندي في شرح " نهاية " الشيخ وأسند إلى " المبسوط "، هذه عبارته:

" والظاهر - على ما في " مبسوطه " - أنّ الأرضين التي هي من أقصى خراسان إلى كرمان وخوزستان وهمدان وقزوين وما حواليها أخُذَتْ بالسيف ".

هذا ما وجدته فيما حضرني من كتب الأصحاب، واللّه أَعلم بالصواب.

المقدمة الخامسة في تحقيق معنى الخراج وأنه هل يتقدر أم لا

إعلم، أن الخراج هو: ما يضرب على الأرض كالاُجرة لها، وفي معناه المقاسمة غير أن المقاسمة تكون جزءً من حاصل الزرع، والخراج مقدار من النقد يضرب عليها. وهذا هو المراد بـ القبالة والطسق في كلام الفقهاء.

ومرجع ذلك الى نظر الإمام حسب ما تقتضيه مصلحة المسلمين عرفاً، وليس له في نظر الشرع مقدار معّين لا تجوز الزيادة عليه، ولا النقصان منه.

ويدلّ على ذلك وجوه.

الاوّل: أن الخراج و المقاسمة كالاُجرة، وهي منوطة بالعرف، متفاوتة بتفاوت الرغبات. أما الاُولى فلأنها في مقابل منافع الأرض، ولانريد بمشابهتها للاُجرة إلا ذلك. و أما الثانية فظاهرة.

قال العلّامة في " المنتهى "(١) في باب قتال البغاة، في توجيه كلام الشيخ -رحمه‌الله - حيث قال فيها:

لو ادّعى من بيده أرض الخراج - عند المطالبة به بعد زوال يد أهل البغي - اداءه إلى أهل البغي لم يقبل قولهم.

وجهه: أن الخراج معاوضة لأنّه ثمن أو اُجرة فلم يقبل قولهم في أدائه كغيره

____________________

(١) انظر ص٩٨٩.

٣٥

من المعاوضات.

الثاني: قد سبق في الحديث المرويّ عن أبي الحسن الأول(١) -عليه‌السلام - (وهو الحديث الطويل الذى أخذنا منه موضع الحاجة) ما يدل على ذلك، حيث قال:

" والأرض التي اُخذت عنوة بخيل وركاب فهى موقوفة متروكة في ايدي من يعمرها ويحييها، على صلح ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الخراج، النصف او الثلث او الثلثان، وعلى قدر ما يكون صالحاً ولايضرّبهم الحديث ".

وهذا صريح فيما قلناه، فإنّ تنويع الخراج إلى النصف والثلث والثلثين وإناطته بالمصلحه بعد ذلك، صريح في عدم انحصار الأمر في شيء بخصوصه، ولا اعرفُ لهذا رادّاً من الأصحاب.

الثاللث: الاجماع المستفاد من تتبّع كلام من وصل الينا كلامه من الأصحاب، وعدم العثور على مخالف، ولامحكيّاً في كلام المتصدّين لحكاية الخلاف، مشهوراً ونادراً، في مطوّلات كتب المحققين ومختصراتهم.

قال الشيخ في " النهاية "(٢) في حكم الأرض المفتوحة عنوة:

" وكان على الإمام أن يقبّلها من يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع "

وقال في " المبسوط "(٣) في باب حكم الأرضين من كتاب الزكاة في حكم المفتوحة عنوة:

" وعلى الإمام تقبيلها لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث ".

وقال في كتاب (الجهاد) منه عند ذكر سواد العراق وغيره ممّا فتحت عنوة:

" يكون للإمام النظر فيها وتقبيلها بما شاء ويأخذ ارتفاعها ويصرفه في

____________________

(١) انظر: ص٤٧- ٤٨ من هذه الرسالة.

(٢) حقل: الزكاة/ص٣١٢/ج١.

(٣) حقل: الزكاة/ص٢٣٥/ج١.

٣٦

مصالح المسلمين "(١) .

وقال ابن ادريس في " السرائر " - في حكم المفتوحة عنوة -.

" وعلىالإمام أن يقبّلها لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أوالثلث أوالربع أو غير ذلك "

وقال العلّامة في " المنتهى "(٢) .

" وهذه الأرض المأخوذة بالسيف عنوة يقبلها الإمام لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف والثلث ".

وقال في " التذكرة ":(٣)

" الأرض المأخوذة بالسيف يقبّلها الإمام لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أوالثلث وغيره "

وقال في " التحرير "(٤) في المفتوحة عنوة:

" ويقبّلها الإمام -عليه‌السلام - لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أوالثلث ".

وقال في " القواعد "(٥) في هذه الباب أيضا:

" ويُقبّلها الإمام لمن يراه بما يراه، حفظاً للمسلمين، ويصرف حاصلها في مصالحهم ".

وقال في " االأرشاد ":

" ويقبلها الإمام ممن يراه بما يراه ".

وقال " المقداد " -رحمه‌الله - في التنقيح - ولم يحضرني عند كتابة هذه الرسالة لأحكي عبارته - لكن حاصل كلامه - فيه على ما أظنّ- : أن مرجع تعيين الخراج إلى العرف، فكلّما يليق بالأرض عرفاً جاز ضربه عليها.

____________________

(١) حقل: احكام الأرضين /ص١١٠

(٢و٣و٤و٥) انظر ص٩٣٥و٤٢٧و١٤٢و١٠٦.

٣٧

فان قلت: قد صرّحتم أن هذه منوط بنظر الإمام -عليه‌السلام - ورأيه، فكيف يحلّ بدون ذلك؟

قلنا: قد نصّ أئمتنا -عليهم‌السلام - في غير حديث وصرّح اصحابنا كافّة - وسنحكي الأحاديث الواردة وعبارات الأصحاب عن قريب إن شاء اللّه تعالى - بحلّ تناول ما يأخذه الجائر باسم الخراج والمقاسمة و وجهه من حيث المعنى واضح لأن الخراج حقّ شرعي منوط تقديره بالمصلحة عرفاً و ارتباطه بنظر الإمامعليه‌السلام ، فإذا تعدّى الجائر في ذلك إلى ما لايجوز له، وعمل ما هو منوط بنظر الإمام -عليه‌السلام - استقلالاً بنفسه، كان الوزر عليه في ارتكاب مالا يجوز له، ولم يكن المأخوذ حراماً، ولامظنّة حرام، لأنه حق شرعي على الزارع، خارج عن ملكه يستحقّه قوم معلومون. وقد رفع أئمتنا -عليهم‌السلام - المنع من طرفهم بالنسبة إلينا، فكيف يحرم؟

قال في " التذكرة " في كتاب " البيع "(١) :

" ما يأخذه الجائر من الغلات باسم " المقاسمة " ومن الأموال باسم " الخراج " عن حقّ الأرض، ومن الأنعام باسم " الزكاة "، يجوز شراؤه واتّهابه و لايحب إعادته على أصحابه وإن عرفوا، لأنّ هذا مال لايملكه الزارع وصاحب الأنعام و الأرض، فانّه حق اللّه تعالى: أخذه غير مستحقه، فبرئت ذمّته وجاز شراؤه".

والحاصل: إن هذا ممّا وردت به النصوص، واجمع عليه الأصحاب بل: المسلمون، فالمنكر له والمنازع فيه مدافع للنصّ منازع للإجماع، فاذا بلغ معه الكلام إلى هذا المقام، فالأولى الاقتصار معه على قول: " سلام ".

فان قلت: فهل يجوز أن يتولّى من له النيابة حال الغيبة ذلك أعني:

____________________

(١) انظر: ص٤٦٥.

٣٨

الفقيه الجامع للشرائط؟

قلنا: لانعرف للأصحاب في ذلك تصريحاً، ولكن مَن جوَّز للفقهاء - في حال الغيبة - تولي استيفاء الحدود وغير ذلك من توابع منصب الإمامة ينبغي تجويزه لهذا بطريق أولى، لأنّ هذا أقلّ خطراً، لاسيّما واالمستحقّون لذلك موجودون في كل عصر؛ إذ ليس هذا الحق مقصوراً على الغزاة والمجاهدين كما يأتي(١) .

ومن تأمّل في كثير من أحوال الكبراء من علمائنا السالفين مثل السيد الشريف المرتضى علَم الهدى، وأعلم المحققين من المتقدّمين والمتأخرين: نَصير الحق والدين " الطوسي "، وبحر العلوم مفتي العراق جمال الملة والدين: الحسن بن مطهّر، وغيرهم - رضوان اللّه عليهم - نظر متأمّل منصف لم يعترضه الشك في أنهم كانوا يسلكون هذا المنهج، ويفتحون هذا السبيل، وماكانوا ليودعوابطون كتبهم إلا ما يعتقدون صحته.

___________________________

(١) من الواضح أنّ " النيابة " تتحقق فاعليتها في حالة بسط اليد أي: تمكن الفقيه من ممارسة مسؤولية الحكم في تقديره للخراج وصرفه في مصالح المسلمين إلا في حالة افتراض إمكانية التخلص من دفع الخراج إلى الجائر، وحينئذٍ (مع القول بوجوب الدفع) يصبح موضوع (الخراج) مماثلاً للزكوات والاخماس: من حيث دفعها إلى "الفقيه" أو الإذن منه، أو عدمها: أي الدفع مباشرة الى المستحق: أفراداً كانوا أم جهة عامة.

٣٩

المقالة في حلّ الخراج في حضور الإمام -عليه‌السلام - وغيبته

أمّا حال حضوره -عليه‌السلام - فلا شك فيه، وليس للنظر فيه مجال. وقد ذكر أصحابنا في مصرف الخراج: أنّ الأرض جعل الإمام منها أرزاق الغزاة والولاة والحكام وسائر وجوه الولايات.

قال الشيخ في المبسوط(١) في فصل " أقسام الغزاة ":

" مايحتاج إليه للكراع وآلات الحرب كان ذلك في بيت المال من أموال المصالح، وكذلك رزق الحكام و ولاية الأحداث والصلات وغيرذلك من وجوه الولايات، فإنهم يعطون من المصالح، و المصالح تخرج من ارتفاع الأراضي المفتوحة عنوة ".

وكذا قال العلّامة حاكياً عن الشيخ كلامه، فلا حاجة إلى التطويل.

وهذا واضح جليّ وليس المقصود بالنظر.

وأما في حال الغيبة: فهو موضع الكلام ومطمح النظر، ولو تأمل المنصف لوجد الأمر فيه أيظاّ بيناً جلياً، فإن هذا النوع من المال مصرفه ما ذكر، ليس للإمام -عليه‌السلام - قليل ولا كثير. وهذه المصارف التي عددناها لم تتعطل كلّها في حال الغيبة وإن تعطّل بعضها.

____________________

(١) انظر: ص٧٤-٧٥/ج٢.

٤٠