كتاب الخراجيات

كتاب الخراجيات0%

كتاب الخراجيات مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 232

كتاب الخراجيات

مؤلف: المحقق الثاني والمحقق الاردبيلي والفاضل القطيفي والفاضل الشيباني
تصنيف:

الصفحات: 232
المشاهدات: 16977
تحميل: 3217

توضيحات:

كتاب الخراجيات
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 232 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16977 / تحميل: 3217
الحجم الحجم الحجم
كتاب الخراجيات

كتاب الخراجيات

مؤلف:
العربية

وقوله " وأيّ شيء يفعل بحصّتهعليه‌السلام " إن أراد بالحصّة الخمس الواجب له ولقبيله قلنا: الخمس لايتعلّق بالعين كما صرّحوا به حتّى يكون المأخوذ فيه الخمس، ولو سلّمنا أنّه متعلق بالعين فالمصنف - دام ظلّه - يرى عدم وجوب الخمس في زمن الغيبة، وإن أراد أنّ له حصّة في الخراج فغير معلوم استحقاقه بشيء منه، ولو سلّم ذلك فقد أباحوه لنا بإذنهم في تناول الخراج من يد الجائر، أو نقول إنّه لايجب البسط على جميع المستحقين كالزكاة، بل بسطه على جميع المسلمين متعسّر بل متعذّر.

قال - دام ظلّه -: " ونجد أهل هذا الزمان غافلاً عن ذلك كلّه واعتمدوا على ما في رسالة الخراجيّة لعلي بن عبد العالي وغيره مع قوله: لا يجوز العمل بقول الميّت بوجه " إنتهى كلامه دام ظلّه(١) .

أقول: لا وجه لتخصيص الغفلة بأهل هذا الزمان بل هي شاملة لجميع أهل الأعصار، وذلك من أدلّ الدلائل على أنّ ذلك كلّه لايمنع من حلّ الخراج، لأنّ ما أفاده - دام ظلّه - ليس في كمال الدقّة حتّى لم يصل إليه إلاّ هو بل لأجل أنّها أوهام لايعتدّ بها ولايلتفت إليها.

وقوله: " إنّه لايجوز العمل بقول الميّت " إن أراد به التقليد للميّت والإخلاد إلى قوله وترك الحثّ في تحصيل الاجتهاد فهو مسلّم، لكن لايمنع من تقليده في المسائل التي يضطّر إليها قبل تحصيل الاجتهاد، وإن أراد أنّه لايجوز العمل بقوله وإن اضطّر فما قوله فيمن ضاق عليه وقت الصلاة ويريد أن يصلّي فهل يترك الصلاة أو يقلّد الميّت ويصلّي؟ على أنّا نقول إنّ هذه المسألة ليس للاجتهاد فيها دخل لأنّها من المسائل الاجماعيّة و لهذا لم يذكرها العلّامة في مختلفه الذي اجتهد فيه على ذكر المسائل الخلافية.

قال - دام ظلّه -: " ويفهم من كلامه دعوى الاتّفاق ودليله عليه عباراتهم المنقولة في الرسالة ومعلوم أنّها ليست عبارات جميعهم ولابعضهم الذي فيه من يظنّ كونه الامام ولو بجهل النسب على ماقالوه، مع أنّه لايفيد الظّنّ، على أنّ أكثر العبارات التي فيها لاتخلو عن شيء كما ذكر في نقضها، مع أنّ الأصحاب إنّما جوّزوا أخذ ما قبضه الجائر على ما يظهر من كلامهم، فإن الإجماع على تقديره إنما يكون على ذلك لامطلقاً، لأنَّ بعض الأصحاب صرحّ بعدم جواز التناول بغير ذلك "

٢٢١

إنتهى كلامه دام ظلّه(١) .

أقول: لايخفى أنّ الشيخ علي(٢) وغيره ادّعى الاتفاق على حلّ الخراج، و جعلُ المصنّف دليل الإجماع عباراتهم قدح في مثل هذا العالم المتبحّر. على أنّا نقول ذكر العبارات بعد دعوى الاتّفاق لا يدلّ على كونه دليلاً، لجواز أن يكون سبب دعواه الإجماع الأطلاع عليه، وذكر العبارات مؤيّد لذلك كما جرت عادة السلف بتأييد الدليل برواية أبي هريرة وعائشة وغيرهما، ومما يؤيّد ما قلناه، قوله -رحمه‌الله - قبل هذا الكلام الذي ادّعى فيه الاتفاق وذكر عبارات الفقهاء بعده " والحاصل أنّ هذا ممّا وردت به النصوص وأجمع عليه الأصحاب بل المسلمون فالمنكر له والمنازع فيه مدافع للنصّ منازع للإجماع، فاذا بلغ معه الكلام إلى هذا المقام فالأولى الاقتصار معه على قول سلام "(٣) وكأنّ هذا المصنّف - دام بقاه - لم يطّلع على هذا الكلام.

وقوله " على أنّ أكثر عباراتهم لا تخلو من شيء على ما ذكر في نقضها " والذي ذكر في نقضها أنه قول عدد قليل، بعضهم ذكر الابتياع وبعضهم عمّم. وقد قال الشيخ علي -رحمه‌الله - إنّه إذا جاز الابتياع جاز غيره و استدلّ عليه(٤) .

والجماعة الذين ذكرت عباراتهم مثل الشيخ في النهاية(٥) ونجم الدين في

____________________

(١) راجع خراجية المحقق الأردبيلي(ره) ص٢٠.

(٢) قاطعة اللجاج في حلّ الخراج للكركي: ص٨٠.

(٣) نفس المصدر، ص٧٣.

(٤) نفس المصدر، ص٨٠.

(٥) النهاية: كتاب المكاسب ص٣٥٨.

٢٢٢

الشرائع(١) والعلّامة في المنتهى(٢) والتذكرة(٣) والتحرير(٤) والقواعد(٥) والشهيد في حاشية القواعد(٦) ، والعلّامة في الإرشاد(٧) ، والشهيد في دروسه(٨) ، والمقداد في تنقيحه(٩) . فهؤلاء الجماعة لم ينقلوا في هذه الكتب خلافاً لأحد من المسلمين فضلاً عن المؤمنين مع شدّة حرصهم على إيراد الخلاف وإن ضعف، فلا أقلّ أن يكون ذلك قرينة من القرائن الدالة على أنه لا خلاف في هذا الحكم مع قطع النظر عن الاجماع الذي قد ذكر مراراً.

وقوله " مع أنّ الأصحاب إنّما جوّزوا أخذ ما قبضه الجائر " إن أراد جمعهم فهو غير صحيح، وإن أراد بعضهم فمسلّم ويمكن حمله على ما إذا منع منه ولم يأذن فيه قبل القبض، ولو سلّم ذلك كلّه فكيف كان الإجماع إنّها هو على القبض ومن أعجب الاُمور استدلاله على أنّ الإجماع إنّها هو على ذلك بقوله لأنَّ بعض الأصحاب صرّح بعدم جواز التناول بغير ذلك بعد الإحاطة بأنّ الإجماع هو الاتّفاق في العصر الواحد وأنّ معلوم النسب لا يقدح في الإجماع، تقدَّم أو تأخَّر أو قارن.

قال - دام ظلّه -: " ونقل في النقض: أن السيّد ابن عبدالحميد قال في شرحه للنافع: " وإنّما يحلّ بعد قبض السلطان أو نائبه، ولهذا قال المصنّف ما يأخذه باسم المقاسمة فقيّدة بالأخذ " ويفهم من الدروس أيضاً ذلك، بل أخصّ منه على ما نقله فيه، إذ يفهم عدم الجواز عنده إلاّ في المعاوضة حيث قال فيه " وكما

____________________

(١) شرائع الاسلام: كتاب التجارة ص١٣.

(٢) منتهى المطلب: ج٢ - كتاب التجاره - ص٥٨٣.

(٣) تذكرة الفقهاء: ج١ - كتاب البيع - ص٥٨٣.

(٤) تحرير الأحكام: ج١ - كتاب التجارات - ص١٦٣.

(٥) قواعد الأحكام: ج١ - كتاب المتاجر - ص١٢٢.

(٦) حاشية القواعد...

(٧) إرشاد الأذهان: ج١ كتاب المتاجر، ص٣٥٨.

(٨) الدروس: كتاب المكاسب ص٣٢٩.

(٩) التنقيح الرائع: ج٢ - كتاب التجارة - ص١٩.

٢٢٣

يجوز الشراء يجوز بسائر المعاوضات كالهبة والصدقة والوقف ولايحلّ تناولها بغير ذلك "(١) ومنه يعلم أنّ جواز التناول مطلقاً ليس بمجمع عليه أيضاً، بل فيه خلاف حيث يفهم عدمه عند الشهيد(٢) ، وعند السيّد المذكور، وفي النافع أيضاً على مافهمه " إنتهى كلامه دام ظلّه(٣) .

أقول: لايخفى أنّ المفهوم من الروايات ومن كلام الفقهاء أنّ وجه الحلّ كون الخراج حقاً من حقوق المسلمين، وأئمّتنا أذنوا لنا في تناوله، فعلى هذا لاوجه لتوقّف حلّه على قبض الجائر له أو نائبه، نعم لو منع منه الجائر أمكن توقّفه على ذلك، على أنّا نقول: من أذن له الجائر في أخذه كان نائباً للجائر قبضه كقبضه، ولو سلّم ذلك كلّه فأيّ دخل له في تحريم الخراج المأخوذ من يد الظالم أو نائبه؟ ومن الغرائب قوله " ويفهم من الدروس ذلك " مع أنّ التصريح فيها بقوله " ولا فرق بين قبض الجائر إيّاها أو وكيله، وبين عدم القبض "(٤) وأغرب من ذلك قوله " ومنه يعلم أنّ جواز التناول مطلقاً ليس بمجمع عليه الى آخر ما ذكره " مع تصريحه هو - فضلاً عن غيره - أنّ معلوم النسب لا يضرّ خلافه في الإجماع.

قال - دام ظلّه -: " وأمّ‍ا أدلّتهم فهي بعض الأخبار، ولا دلالة ظاهرة فيها، وادّعى النصوصيّة فيها الشيخ علي بن عبدالعالي وهي خبر أبي بكر الحضرمي الذي روى الشيخ عنه، عن أبي عبداللّهعليه‌السلام ، وموضع الدلالة منه قولهعليه‌السلام " ما منع ابن أبي سماك يبعث إليك بعطائك، أما علم أنّ لك في بيت المال نصيباً "(٥) وقال الشيخ علي بن عبدالعالي فيها " قلت: هذا نصّ في الباب - الى قوله -: حيث إِنّه يستحقّ في بيت المال نصيباً، وقد تقرّر في الاُصول

____________________

(١) و (٢) الدروس: كتاب المكاسب ص٣٢٩.

(٣) راجع خراجيتهّ(ره) ص٢٠-٢١.

(٤) الدروس: كتاب المكاسب ص٣٢٩.

(٥) التهذيب: ج٦ ص٣٣٦و٣٣٧ ح٩٣٣.

٢٢٤

تعدّي الحكم بالعلّة المنصوصة "(١) قلت: الحديث غير معلوم الصحة، وعدم ظهور الدلالة إذ غايتها جواز قبول الحضرمي عطاء إبن أبي سماك، لأنّ له في بيت المال نصيباً، فهم بالقياس جواز الأخذ منه لمن كان مثل الحضرمي في الاستحقاق من بيت المال، بأن يكون من المصالح، فلم يدلّ على جواز أخذ الخراج من كلّ جائر، مؤمناً وغيره لكلّ أحد، سواء كان ممّن يستحق من بيت المال أولا، فالاستدلال بمثله في هذه المسألة لايخلو عن إشكال، وأشدّ منه تسميته بالنص، نعم يمكن الاستدلال به في الجملة على جواز أخذ الجائر من الجوائز كما استدلّ به عليه العلّامة في المنتهى وليس بتامّ أيضاً " انتهى كلامه دام ظلّه(٢) .

أقول: قوله " الحديث غير معلوم الصحّة " لوسلّم لا يقتضي عدم جواز الاستدلال به لجواز اعتضاده بما يجبر ضعفه من إجماع أو غيره، وأمّا ظهور دلالته على حمل الخراج للمسلمين فنقول: إنّ الحضرمي إنّما اِستحقّ العطاء من بيت المال الذي من جملته الخراج لكونه صاحب نصيب في بيت المال، ومعلوم أنّ استحقاقه للنصيب إنّما هو من جهة كونه من جملة المسلمين، لأنَّه لو كان له جهة غير ذلك لنقلتها الرواة وأهل التاريخ، بل المجتهدون الذين اشتهر حرصهم على نقل أقلّ من ذلك، ولو نقلوه لشاع وذاع، وإذا كان الأمر كذلك فكلّ مسلم له نصيبت في بيت المال وما ليس له نصيب لا يستحقُّ الأخذ، فانتفى الإشكال، والاشدّ منه ومن العجب قوله " نعم يمكن الاستدلال به على جواز أخذ الجوائز من الجائر " فكيف يعمل بقوله " ألم يعلم أنّ لك في بيت المال نصيباً " لأنّ النصيب في بيت المال لايقضي حلّ الجوائز من غيره، فالدّليل حينئذٍ أخصّ من المدّعى، إذ المدّعى جواز أخذ جوائز الظالم مطلقاً إذا لم يعلم كونها(٣) .

____________________

(١) خراجية المحقق الثاني، المطبوعة في ضمن كلمات المحققين، ص١٨١.

(٢) راجع خراجيتهّ(ره) ص٢١-٢٢.

(٣) احتمال سقوط كلمات من هنا، فتأمل.

٢٢٥

قال - دام ظلّه -: " وأيضاً صحيحة هشام الدالّة على جواز شراء مال الصدقة من الجائر حتّى يعرف أنّه حرام(١) . ولاخفاء في عدم دلالتها على المدعى وهو ظاهر، وأيضاً ما روي أنَّ الحسنينعليهما‌السلام ، قبلاً جوائز معاوية(٢) ، وعدم الدلالة ظاهر "(٣) .

أقول: لايخفى أنّ هذه الرواية كما دلّت على جواز شراء مال الصدقة دلّت على جواز شراء ما يأخذه باسم المقاسمة من الحنطة والشعير، وذلك مصرّح به فيها وهو يشمل الخراج من حاصل الأرض، وقد بيّن أنّ الجائر لايستحقّه ولا يجوز أخذه له، فجواز الشراء منه ليس إلاّ لكونه حقّاً لنا، وإذا كان الأمر كذلك فأين ظهور عدم دلالتها على المدّعى؟ وأمّا قبول الحسنينعليهما‌السلام جوائز معاوية - عليه ما يستحقّه - فهو كما قال المصنّف - دام ظلّه - لكن لاحاجة للقائل بحلّه إلى ذلك لوجود مايكفيه.

قال - دام ظلّه -: " وأيضاً صحيحة عبد الرحمن حين قال له أبو الحسنعليه‌السلام : مالك لاتدخل مع علي في شراء الطعام، إنّي أظنّك ضيّقاً؟ قال: قلت: نعم، فإن شئت وسعت عليّ، قال: اشتره(٤) . ومعلوم أن ليس فيه إِلاّ الدلالة على جواز شراء طعام كان عبدالرّحمن ضيّقاً من شرائه، ولايدّل على جواز أخذ الخراج من كلّ جائر لكلّ أحد بكلّ وجه وهو المدّعى " إنتهى كلامه دام ظلّه(٥) .

أقول: لايخفى أن الطعام عامّ، وقد سلّم الناقض عمومه، فيشمل الخراج وقد جوّز الإمام شراءه، واذا جاز شراء الطعام الذي هو أعمّ من الخراج من الجائر الذي لا يستحقّه ولا يجوز له أخذه كان دليلاً على حلّ الخراج لنا، لأنّ جواز الشراء منه إنّما هو لكون الخراج حقاً لنا.

وفي قول الشيخ علي -رحمه‌الله - " وقد احتجّ بها العلّامة في التذكرة على

____________________

(١) التهذيب: ج٦ ص٣٧٥ ح١٠٩٤.

(٢) التهذيب: ج٦ ص٣٣٧ ح٩٣٥.

(٣) و (٥) راجع خراجيتهه(ره) ص٢٢.

(٤) التهذيب: ج٦ ص٣٣٦ ح٩٣٢.

٢٢٦

تناول مايأخذه الجائر باسم الخراج والمقاسمة "(١) دقيقة وهي أنّ دلالة هذه الروايات على حلّ الخراج غير ظاهرة. فلولا علم العلّامة بأنّ هذا الطعام من مال الخراج والمقاسمة لما استدلّ بها، وإذا كان الأمر كذلك دلّ على جواز أخذ الخراج من كلّ جائر لكلّ واحد من المسلمين لالكلّ أحد، فتأمّل.

قال - دام ظلّه -: " وأيضاً صحيحة جميل بن صالح قال: أرادوا بيع تمرعين أبي زياد فأردت أن اشتريه، ثمّ قلت: حتى أستأذن أبا عبداللّهعليه‌السلام ، فأمرت مصادفاً فسأله فقال: قل له: يشتريه فإن لم يشتره اشتراه غيره(٢) هذه مثل ما قبلها في الدلالة، بل أقل، على أنَّه قد يكون صحّتها موقوفة على توثيق عبدالرحمن ومصادف ونقلها الشيخ علي بن عبد العالي في الخراجيّة، وقال: " وقد استدلّ بالأخير في المنتهى على هذه الدعوى " ثمّ اعترض الشيخ علي على نفسه: " بأنّ جواز الشراء لايدلّ على غيره، وأجاب إنّ حلّ الشراء يستلزم حلّ جميع أسباب النقل "(٣) وأنت تعلم أنّه غير واضح، وقد يكون جواز الشراء لحصول العوض وغير ذلك، ألا ترى أنّ المكاتب يجوز له الشراء ولا يجوز له الهبة! وأيضاً أجاب عن عدم لزوم جواز الأخذ بأمر الجائر من جواز أخذ ما قبضه على تقدير تسليمه بنحو ذلك وهو غير ظاهر " إنتهى كلامه دام ظلّه(٤) .

أقول: قد قال الشيخرحمه‌الله بعد نقل هذه الرواية: " إنّ العلّامة احتجّ على حلّ ذلك بهذه الرواية في المنتهى، وصحّحه "(٥) وهذا اعترف منه، إذ دلالتها على ذلك غير ظاهرة، فلولا أنّ العلّامة اطّلع على أنّ ذلك التمر من الخراج لما استدلّ بها، ولو لم تدلّ على ذلك فنحن لا إحتياج بنا إليها بعد الإحاطة بأنَّ جواز الشراء ليس إلاّ لكون نصيب لنا فيه، وأنّ أئمتنا أذنوا لنا في أخذه، فلا شبهة في

____________________

(١) قاطعة اللجاج في حلّ الخراج للكركي: ص٧٧.

(٢) التهذيب: ج٦ ص٣٧٥ ح١٠٩٢.

(٣) قاطعة اللجاج في حلّ الخراج للكركي: ص٨٠.

(٤) راجع خراجيتهّ(ره) ص٢٢-٢٣.

(٥) قاطعة اللجاج في حلّ الخراج للكركي: ص٧٧.

٢٢٧

جواز غير الشراء بل الأخذ مجّاناً.

ومن العجب قوله: " وقد يكون جواز الشراء لحصول العوض "، اذ حصول العوض للجائر الذي لايجوز له أخذ الخراج ولا تملّكه لانقتضي جواز التسلّط على مال الغير. والتمثيل بالمكاتب الذي يملك ما في يده لكنّه محجور عليه بغير المعاوضة أعجب من ذلك، لأنّ الجائر غير مالك بالإجماع بل لا ولاية له، وإذا ثبت أنّ المأخوذ حقّ بالأصالة فلا فرق بين الأخذ من أيدي الجائر والأخذ بأمره، وذلك ظاهر لمن تدبّره.

قال - دام ظلّه -: " وبالجملة هذه المسألة في الغاية من الاشكال، حيث إنّهم حكموا بها بهذه الأدلة، وقالوا: لا يجوز الأخذ إلاّ باذن الجائر بل نقل الشيخ علي ابن عبدالعالي عن البعض أنّه لا يجوز السرقة والكتمان للزارع مع قولهم بعدم جواز الأخذ للجائر، وأنّه ظالم فلا يجوز البيع منه حينئذٍ، بل لا يمكن تحقّق البيع، وكيف يجوز بيع مال المسلمين الذي الناظر فيه الإمام ومصرفه المصالح أخذه الظالم ظلماً أن يشترى منه أو يتّهب، إلاّ أن يقال هذا استنقاذ لا بيع حقيقة، ولا صدقة، ولكن حينئذٍ شرط القبض أو الإذن غير ظاهر " إنتهى كلامه دام ظلّه(١) .

أقول: لايخفى أنّه لا منافاة بين حلّ الخراج وعدم جواز الأخذ بدون إذن الجائر، ولا يصلح أن يكون ذلك منشأ لمجرّد الإشكال فضلاً عن كونه منشأ للغاية من الإشكال، إذ لا قبح أن يقول الشارع للانسان: لك في بيت المال نصيب ولا يجوز لك أخذه إلاّ بإذن الجائر لمصلحة يعلمها، ونظائر ذلك كثيرة، فإنّ الوقوف العام والزكوات والوصايا والمنتشرين كذلك بل ملك الانسان المختصّ به كالمحجور عليه للسفه كذلك، بل غير المحجور عليه كذلك، كما لو استولى الظالم على مال الانسان، وخاف على نفسه أن يتصرّف بغير إذن الظالم فإنّه لا يجوز

____________________

(١) راجع خراجيتهّ(ره) ص٢٣.

٢٢٨

لأحد من هؤلاء السرقة والكتمان، وإن أراد أنّ منشأ الإشكال الدلائل المذكورة فقط، فمعلوم أيضاً عدم صلاحيّتها له، لأنّ هذه الدلائل إن أفادت الحلّ فلا إشكال، وإن لم تفده فلا إشكال أيضاً وإن أراد إذن الجائر الذي لا يجوز له الأخذ ولا التصرّف، وكيف يجامع حلّ الخراج ويكون منشأ للإشكال؟ فهو ممّا لا وجه له بعد الإحاطة بما قلناه.

ونفي جواز البيع بعد دلالة الروايات والعبارات عليه عجيب لا يليق بهذا الفاضل. وقوله " بل لايمكن تحقق البيع " مع ورود الروايات به ونقل الإجماع عليه أعجب، ولو سلّم يكون استنقاذاً، وإطلاق البيع عليه ليس بعزيز، بل هو موجود في عبارات الفقهاء، كما لو قهر الحربي من ينعتق عليه وباعه.

ونفي ظهور اشتراط قبض الجائر له أو إذنه لا دخل(١) في التحريم والشبهة، بل هو ممّا يحقّق مطلوبنا من حلّ الخراج وكون منشأ حلّه أنّ لنا فيه نصيباً.

قال دام ظلّه: " وكيف لا يجوز لمن في ذمّته السرقة والكتمان، بل ينبغي، بل يجب عدم جواز الإعطاء له إن أمكن، لأنّه لا تبرأ ذمّته على تقدير قدرته على المنع، ولا يتعيّن ما اُخذ منه مالاً للخراج والزكاة، لكن ما جزم بهذا النقل بل قال اظنّ سماعاً عن علي بن هلال، وما نقلوا دليلاً على عدم الجواز إلاّ باذن الجائر والجواز به سوى مامر " إنتهى كلامه دامت أيّامه وكثّر اللّه من مثله وأمثاله(٢) .

أقول: إنّ جميع ماقاله المصنّف - دام ظلّه - إن لم يساعد من يقول بحلّ ما يؤخذ باسم الخراج والزكاة، فلا أقل أن لا يضرّه، إذ المقصود حلّ تناول ما يأخذه الجائر سواء جاز للجائر أخذه أم لا، وسواء حرم على المالك دفعه أم لا، وسواء تعيّن ما أخذه للخراج والزكاة أم لا، ولا يتوقّف إثبات مطلوبنا على شيء من ذلك، على أنّا نقول: الروايات دلّت على تعيين ما أخذه للخراج لقول الامامعليه‌السلام : أما علم أنّ لك يصيباً في بيت المال،(٣) وبيت المال إن لم يعمّ

____________________

(١) لادخل له ظ.

(٢) راجع خراجيتهّ(ره) ص٢٣.

(٣) التهذيب: ج٦ ص٣٣٦و٣٣٧ ح٩٣٣.

٢٢٩

الخراج والزكاة وغيرهما فلا أقلّ أن يكون مختصّاً بهما.

ولا يخفى أنّ الشيخ علي -رحمه‌الله - جازم بالنقل عن الشيخ علي بن هلال وإنّما تردّده بين كونه مشافهة أو بواسطة، بل الراجح عنده أنّه مشافهة، حيث قال " غالب ظنيّ بالمشافهة " واستدلّ على عدم جواز السرقة والجحود والمنع لذلك أو لشيء منه لمن هو عليه، لكونه حقّاً(١) ، فأين قول المصنّف إِنّه ما جزم بهذا النقل؟

قال - دام ظلّه -: " فلولا خوف خلاف الإجماع، لأمكن القول بعدم جواز البيع أيضاً، إذ ليس في الأخبار جواز بيع مال الخراج المبحوث عنه. نعم قد يوجد في بعض الأخبار جواز شراء الزكاة فيحتمل زكاة مال المشتري على طريق الاستنقاذ، وأن يكون المراد ممّن عنده الزكاة لاعين الزكاة، وأن يكون العامل مأذوناً من الإمامعليه‌السلام ، وما كان معلوماً ظاهراً للتقيّة أو يكون للتقية أو قضية في واقعة، فلا يتعدّى وأمثالها كثيرة، وأن يكون لطفاً من اللّه تعالى تسهيلاً للشريعة ونفياً للخراج على تقدير عدم ثبوت براءة الذمّة والضرورة و استحقاق الزكاة فيؤوّل كلام الأصحاب على بعض تلك الوجوه على تقدير الإجماع مثل كون الأخذ من المصالح والمصرف، أو الذي يقدر أن يأخذه ويصرفه في مصرفه، وغير ذلك. وقد احتمل الشيخ إبراهيم القطيفي في النقض كون الجائر مخالفاً بظّن إمامته وكذا المعطي(٢) ويفهم من شرح الشرائع(٣) أيضاً " إنتهى كلامه دام ظله(٤) .

أقول: قول المصنّف " لولا خوف خلاف الإجماع " لاوجه لاختصاصه بهذه المسألة، إذ كلّ مسألة من مسائل الشرع يمكننا أن نقول فيها لولا خوف مخالفة الدليل لأمكننا القول ببطلانها. وهذا اعتراف منه بثبوت الإجماع بعد الانكار له ورجوع إلى الحقّ، ولايخفى أنّ صحيحة هشام(٥) وصحيحة عبدالرحمن(٦)

____________________

(١) قاطعة اللجاج في حلّ الخراج للكركي: ص٩١.

(٢) السراج الوهّاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج: ص١٢٤.

(٣) مسالك الإفهام: ج١ - كتاب التجارة - ص٥٥.

(٤) راجع خراجيتهّ(ره) ص٢٣-٢٤.

(٥) التهذيب: ج٦ ص٣٧٥ ح١٠٦٤.

(٦) التهذيب: ج٦ ص٣٣٦ ح٩٣٢.

٢٣٠

صريحان في جواز بيع مال الخراج وقد بيّنا ذلك فيما مضى بل بيّنا دلالة باقي الروايات فليراجع.

ولايخفى أن هذه المحامل التي ذكرها المصنف قاصرة على مافيها، انما تحسن لوكان في المسألة خلاف أو رواية تدلّ على عدم جواز أخذ الخراج أو مشتراه، أما مع عدم ذلك فأيّ ضرورة على الحمل على تلك المحامل.

وقوله: " وأن يكون لطفاً من اللّه... الخ " ممّا ينادي و يصرّح بالوفاق، لأنّا متى منعنا كون حلّه لطفاً وعدم حلّه حرجاً؟ بل صرّح بعض من ادّعى الإجماع على حلّه أنّه لولا الحّل لزم الحرج على هذه الطائفة(١) ، وقد أسلفنا، وما رأيت أقلّ طالعاً من هذه المسألة لما قرَّروا من أنّ جواز العمل يكفي فيه الظنّ الحاصل من الدليل، وكثير من المسائل يثبتونها بالخبر الضعيف، ويقولون إنّه وإن كان ضعيفاً إلاّ أنّه قد انجبر بعمل الأصحاب أو بغيره، و هذه المسألة قد ادّعى على حلّها الإجماع جماعة من العلماء مثل المحقّق المدقّق فريد عصره وزمانه الشيخ علي بن عبدالعالي(٢) والشيخ المرحوم المبرور الشهيد الثاني الشيخ زين الدين(٣) والفاضل المقداد ودلّت عليه الروايات... قول أحد ممن يسمى باسم العلم بتحريمها ولا دلّت عليه رواية حتّى أنّ الشيخ إبراهيم(٤) المنسوب إليه الخلاف معترف بحلّه وأثبت ذلك في نقضه كما حكيناه عنه سابقاً، فرحم اللّه من أحسن النظر وتفكّر في أمر دينه واعتبر وجعل ضالّته الحقّ، ونزّه نفسه عن التعصّب والجدال، واعترف لأهل الفضل بفضلهم، ونزّل الناس بمنازلهم، وليكن هذا آخر ماخطر لهذا الفقير القاصر. (تمّت).

____________________

(١) مسالك الإفهام: ج١ كتاب التجارة ص١٦٨.

(٢) قاطعة اللجاج في حلّ الخراج للكركي: ص٧٦.

(٣) مسالك الإفهام: ج١ - كتاب التجارة - ص٨٠.

(٤) السراج الوهّاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج: ص١١٨.

٢٣١

الفهرس

كتاب الخراجيات المحقق الثاني والمحقق الاردبيلي والفاضل القطيفي والفاضل الشيباني ١

كتاب الخراجيات تأليف: المحقق الثاني والمحقق الاردبيلي والفاضل القطيفي والفاضل الشيباني قاطعةُ اللجاج في تحقيقِ حلِ الخراج تأليف الشيخ علي بن الحسين بن عبد العالي الكَركي "المحقّق الثاني" ٣

[ تمهيد المؤلف ] ٤

المقدمة الاولى في أقسام الأرضين ٦

المقدمة الثانية في حكم المفتوح عنوة ١٢

المقدمة الثالثة في بيان أرض الأنفال وحكمها ٢٢

المقدمة الرابعة في تعيين ما فتح عنوة من الأرضين ٢٧

المقدمة الخامسة في تحقيق معنى الخراج وأنه هل يتقدر أم لا ٣٥

المقالة في حلّ الخراج في حضور الإمام - عليه‌السلام - وغيبته ٤٠

الخاتمة : في التوابع واللواحق ٥٢

السراج الوهاج لدفع عَجَاجِ قاطعةِ اللجِاجِ تأليف الشيخ إبراهيم بن سُليمان " الفاضلِ القَطيفي " ٥٧

رسالتان في الخَراج تأليف المحقق البارع الشيخ أحمد " المُقدَّسِ الأردَبيلي " ١٨٤

الرسالة الأولى ١٩٧

الرسالة الثانية ٢٠٤

رسالة في الخراج تأليف الشيخ ماجد بن فَلاح " الفاضِلِ الشيبَاني " ٢٠٨

الفهرس ٢٣٢

٢٣٢