الإسلام والفن

الإسلام والفن30%

الإسلام والفن مؤلف:
الناشر: بناية كليوباترا ـ شارع دكّاش ـ حارة حريك
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 191

الإسلام والفن
  • البداية
  • السابق
  • 191 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68987 / تحميل: 26383
الحجم الحجم الحجم
الإسلام والفن

الإسلام والفن

مؤلف:
الناشر: بناية كليوباترا ـ شارع دكّاش ـ حارة حريك
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إملاء مامن به الرحمن

من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن

الجزء الثاني

أبي البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري

(٥٣٨ ـ ٦١٦ هـ)

١

سورة الانفال

بسم اللّه الرحمن الرحيم

(عن الانفال) الجمهور على إظهار النون، ويقرأ بإدغامها في اللام، وقد ذكر في قوله " عن الاهلة " و (ذات بينكم) قد ذكر في آل عمران عند قوله " بذات الصدور " (وجلت) مستقبله توجل بفتح التاء وسكون الواو وهى اللغة الجيدة، ومنهم من يقلب الواو ألفا تخفيفا، ومنهم من يقلبها ياء بعد كسر التاء، وهو على لغة من كسر حرف المضارعة، وانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ماقبلها، ومنهم من يفتح التاء مع سكون الياء فتركب من اللغتين لغة ثالثة، فتفتح الاول على اللغة الفاشية، وتقلب الواو ياء على الاخرى (وعلى ربهم يتوكلون) يجوز أن تكون الجملة حالا من ضمير المفعول في زادتهم، ويجوز أن يكون مستأنفا.

قوله تعالى (حقا) قد ذكر مثله في النساء و (عند ربهم) ظرف، والعامل فيه الاستقرار، ويجوز أن يكون العامل فيه درجات لان المراد به الاجور.

قوله تعالى (كما أخرجك) في موضع الكاف أوجه: أحدها أنها صفة لمصدر محذوف، ثم في ذلك المصدر أوجه تقديره: ثابتة لله ثبوتا كما أخرجك.

والثانى: وأصلحوا ذات بينكم إصلاحا كما أخرجك، وفي هذا رجوع من خطاب الجمع إلى خطاب الواحد.

والثالث تقديره: وأطيعوا الله طاعة كما أخرجك، والمعنى: طاعة محققة.

والرابع تقديره: يتوكلون توكلا كما أخرجك.

والخامس هو صفة لحق تقديره: أولئك هم المؤمنون حقا مثل ما أخرجك.

والسادس تقديره: يجادلونك جدالا كما أخرجك.

والسابع تقديره: وهم كارهون كراهية كما أخرجك: أى ككراهيتهم أو كراهيتك لاخراجك، وقد ذهب قوم إلى أن الكاف بمعنى الواو التى للقسم وهو بعيد، و (ما) مصدرية، و (بالحق) حال، وقد ذكر نظائره (وإن فريقا) الواو هنا واو الحال.

٢

قوله تعالى (وإذ يعدكم) إذ في موضع نصب: أى واذكروا، والجمهور على ضم الدال، ومنهم من يسكنها تخفيفا لتوالى الحركات، و (إحدى) مفعول ثان، و (أنها لكم) في موضع نصب بدلا من إحدى بدل الاشتمال، والتقدير: وإذ يعدكم الله ملكة إحدى الطائفتين.

قوله تعالى (إذ تستغيثون) يجوز أن يكون بدلا من إذ الاولى، وأن يكون التقدير: اذكروا، ويجوز أن يكون ظرفا لتودون (بألف) الجمهور على إفراد لفظة الالف، ويقرأ بآلف على أفعل مثل أفلس، وهو معنى قوله " بخمسة آلاف " (مردفين) يقرأ بضم الميم وكسر الدال وإسكان الراء، وفعله أردف، والمفعول محذوف: أى مردفين أمثالهم، ويقرأ بفتح الدال على مالم يسم فاعله: أى أردفوا بأمثالهم، ويجوز أن يكون المردفون من جاء بعد الاوائل: أى جعلوا ردفا للاوائل، ويقرأ بضم الميم وكسر الدال وتشديدها، وعلى هذا في الراء ثلاثة أوجه: الفتح وأصلها مرتدفين، فنقلت حركة التاء إلى الراء وأبدلت ذالا ليصح إدغامها في الدال، وكان تغيير التاء أولى لانها مهموسة والدال مجهورة. وتغيير الضعيف إلى القوى أولى.

والثانى كسر الراء على إتباعها لكسرة الدال، أو على الاصل في التقاء الساكنين.

والثالث الضم إتباعا لضمة الميم، ويقرأ بكسر الميم والراء على إتباع الميم الراء، وقيل من قرأ بفتح الراء وتشديد الدال فهو من ردف بتضعيف العين للتكثير، أو أن التشديد بدل من الهمزة كأفرجته وفرجته.

قوله تعالى (وماجعله الله) الهاء هنا مثل الهاء التى في آل عمران.

قوله تعالى (إذ يغشيكم) " إذ " مثل " إذ تستغيثون " ويجوز أن يكون ظرفا لما دل عليه " عزيز حكيم " ويقرأ " يغشاكم " بالتخفيف والالف، و (النعاس) فاعله، ويقرأ بضم الياء وكسر الشين وياء بعدها، والنعاس بالنصب: أى يغشيكم الله النعاس، ويقرأ كذلك إلا أنه بتشديد الشين و (أمنة) مذكور في آل عمران (ماء ليطهركم) الجمهور على المد والجار صفة له، ويقرأ شاذا بالقصر وهى بمعنى الذى (رجز الشيطان) الجمهور على الزاى، ويراد به هنا الوسواس، وجاز أن يسمى رجزا لانه سبب للرجز وهو العذاب، وقرئ بالسين، وأصل الرجس الشئ القذر، فجعل مايفضى إلى العذاب رجسا استقذارا له.

٣

قوله تعالى (فوق الاعناق) هو ظرف لاضربوا، وفوق العنق الرأس، وقيل هو مفعول به، وقيل فوق زائدة (منهم) حال من (كل بنان) أى كل بنان

كائنا منهم، ويضعف أن يكون حالا من بنان إذ فيه تقديم حال المضاف إليه على المضاف (ذلك) أى الامر، وقيل ذلك مبتدأ، و (بأنهم) الخبر: أى ذلك مستحق بشقاقهم (ومن يشاقق الله) إنما لم يدغم لان القاف الثانية ساكنة في الاصل وحركتها هنا لالتقاء الساكنين فهى غير معتد بها.

قوله تعالى (ذلكم فذوقوه) أى الامر ذلكم، أو ذلكم واقع أو مستحق، ويجوز أن يكون في موضع نصب: أى ذوقوا ذلكم، وجعل الفعل الذى بعده مفسرا له، والاحسن أن يكون التقدير: باشروا ذلكم فذوقوه، لتكون الفاء عاطفة (وأن للكافرين) أى والامر أن للكافرين.

قوله تعالى (زحفا) مصدر في موضع الحال، وقيل هو مصدر للحال المحذوفة: أى تزحفون زحفا، و (الادبار) مفعول ثان لتولوهم.

قوله تعالى (متحرفا أو متحيزا) حالان من ضمير الفاعل في يولهم.

قوله تعالى (ذلكم) أى الامر ذلكم (و) الامر (أن الله موهن) بتشديد الهاء وتخفيفها، وبالاضافة والتنوين وهو ظاهر.

قوله تعالى (وأن الله مع المؤمنين) يقرأ بالكسر على الاستئناف، وبالفتح على تقدير: والامر أن الله مع المؤمنين.

قوله تعالى (إن شر الدواب عند الله الصم) إنما جمع الصم وهو خبر شر، لان شرا هنا يراد به الكثرة، فجمع الخبر على المعنى، ولو قال الاصم لكان الافراد على اللفظ والمعنى على الجمع.

قوله تعالى (لاتصيبن) فيها ثلاثة أوجه: أحدها أنه مستأنف، وهو جواب قسم محذوف: أى والله لا تصيبن الذين ظلموا خاصة بل تعم.

والثانى أنه نهى، والكلام محمول على المعنى كما تقول: لا أرينك هاهنا: أى لاتكن هاهنا، فإن من يكون هاهنا أراه، وكذلك المعنى هنا، إذ المعنى لاتدخلوا في الفتنة فإن من يدخل فيها تنزل به عقوبة عامة.

٤

والثالث أنه جواب الامر، وأكد بالنون مبالغة، وهو ضعيف لان جواب الشرط متردد فلا يليق به التوكيد، وقرئ في الشاذ " لتصيبن " بغير ألف.

قال ابن جنى: الاشبه أن تكون الالف محذوفة كما حذفت في أم والله.

وقيل في قراء‌ة الجماعة: إن الجملة صفة لفتنة، ودخلت النون على المنفى في غير القسم على الشذوذ.

قوله تعالى (تخافون) يجوز أن يكون في موضع رفع صفة كالذى قبله: أى خائفون، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في مستضعفون.

قوله تعالى (وتخونوا أماناتكم) يجوز أن يكون مجزوما عطفا على الفعل الاول وأن يكون نصبا على الجواب بالواو.

قوله تعالى (وإذ يمكر) هو معطوف على " واذكروا إذ أنتم ".

قوله تعالى (هو الحق) القراء‌ة المشهورة بالنصب، وهو هاهنا فصل، ويقرأ بالرفع على أن: هو مبتدأ، والحق خبره، والجملة خبر كان، و (من عندك) حال من معنى الحق: أى الثابت من عندك (من السماء) يجوز أن يتعلق بأمطر، وأن يكون صفة لحجارة.

قوله تعالى (أن لا يعذبهم) أى في أن لا يعذبهم، فهو في موضع نصب أو جر على الاختلاف، وقيل هو حال، وهو بعيد لان " أن " تخلص الفعل للاستقبال.

قوله تعالى (وماكان صلاتهم) الجمهور على رفع الصلاة ونصب المكاء، وهو ظاهر. وقرأ الاعمش بالعكس وهى ضعيفة، ووجهها أن المكاء والصلاة مصدران، والمصدر جنس، ومعرفة الجنس قريبة من نكرته، ونكرته قريبة من معرفته. ألا ترى أنه لافرق بين خرجت فإذا الاسد أو فإذا أسد، ويقوى ذلك أن الكلام قد دخله النفى والاثبات، وقد يحسن في ذلك مالا يحسن في الاثبات المحض ألا ترى أنه لا يحسن كان رجل خيرا منك، ويحسن ماكان رجلا إلا خيرا منك؟ وهمزة المكاء مبدلة من واو لقولهم مكا يمكو. والاصل في التصدية تصددة، لانه من الصد، فأبدلت الدال الاخيرة ياء لثقل التضعيف، وقيل هى أصل وهو من الصدى الذى هو الصوت.

٥

قوله تعالى (ليميز) يقرأ بالتشديد والتخفيف، وقد ذكر في آل عمران، و (بعضه) بدل من الخبيث بدل البعض: أى بعض الخبيث على بعض. ويجعل هنا متعدية إلى مفعول بنفسها، وإلى الثانى بحرف الجر، وقيل الجار والمجرور حال تقديره: ويجعل بعض الخبيث عاليا على بعض.

قوله تعالى (نعم المولى) المخصوص بالمدح محذوف: أى نعم المولى الله سبحانه.

قوله تعالى (أن ماغنمتم) " ما " بمعنى الذى: والعائد محذوف، و (من شئ) حال من العائد المحذوف تقديره: ماغنمتموه قليلا وكثيرا (فأن لله) يقرأ بفتح الهمزة.

وفى الفاء وجهان: أحدهما أنها دخلت في خبر الذى لما في الذى من معنى المجازاة، و " أن " وماعملت فيه في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره: فالحكم أن لله خمسه.

والثانى أن الفاء زائدة و " أن " بدل من الاولى، وقيل " ما " مصدرية والمصدر بمعنى المفعول: أى واعلموا أن غنيمتكم: أى مغنومكم، ويقرأ بكسر الهمزة في " أن " الثانية على أن تكون " أن " وما عملت فيه مبتدأ وخبرا في موضع خبر الاولى والخمس بضم الميم وسكونها لغتان قد قرئ بهما (يوم الفرقان) ظرف لانزلنا أو لآمنتم (يوم التقى) بدل من يوم الاول، ويجوز أن يكون ظرفا للفرقان لانه مصدر بمعنى التفريق.

قوله تعالى (إذ أنتم) إذ بدل من يوم أيضا، ويجوز أن يكون التقدير: اذكروا إذ أنتم، ويجوز أن يكون ظرفا لقدير، والعدوة بالضم والكسر لغتان قد قرئ بهما (القصوى) بالواو، وهى خارجة على الاصل، وأصلها من الواو. وقياس الاستعمال أن تكون القصيا لانه صفة كالدنيا والعليا، وفعلى إذا كانت صفة قلبت واوها ياء فرقا بين الاسم والصفة (والركب) جمع راكب في المعنى، وليس بجمع في اللفظ، ولذلك تقول في التصغير ركيب كما تقول فريخ، و (أسفل منكم) ظرف: أى والركب في مكان أسفل منكم: أى أشد تسفلا، والجملة حال من الظرف الذى قبله، ويجوز أن تكون في موضع جر عطفا على أنتم: أى وإذ الركب أسفل منكم (ليقضى الله) أى فعل ذلك ليقضى (ليهلك) يجوز أن يكون بدلا من ليقضى بإعادة الحرف، وأن يكون متعلقا بيقضى أو بمفعولا (من هلك) الماضى هنا بمعنى المستقبل، ويجوز أن يكون المعنى: ليهلك بعذاب الآخرة من هلك في

٦

الدنيا منهم بالقتل (من حى) يقرأ بتشديد الياء وهو الاصل لان الحرفين متماثلان متحركان، فهو مثل شد ومد، ومنه قول عبيد: عيوا بأمرهم كما * عيت ببيضتها الحمامه ويقرأ بالاظهار وفيه وجهان: أحدهما أن الماضى حمل على المستقبل وهو يحيا، فكما لم يدغم في المستقبل لم يدغم في الماضى، وليس كذلك شد ومد فإنه يدغم فيهما جميعا.

والوجه الثانى أن حركة الحرفين مختلفة، فالاولى مكسورة والثانية مفتوحة، واختلاف الحركتين كاختلاف الحرفين، ولذلك أجازوا في الاختيار لححت عينه وضبب البلد إذا كثر ضبه، ويقوى ذلك أن الحركة الثانية عارضة، فكان الياء الثانية ساكنة، ولو سكنت لم يلزم الادغام، وكذلك إذا كانت في تقدير الساكن، والياآن أصل وليست الثانية بدلا من واو، فأما الحيوان فالواو فيه بدل من الياء، وأما الحواء فليس من لفظ الحية، بل من حوى يحوى إذا جمع، و (عن بينة) في الموضعين يتعلق بالفعل الاول.

قوله تعالى (إذ يريكهم) أى اذكروا، ويجوز أن يكون ظرفا لعليم.

قوله تعالى (فتفشلوا) في موضع نصب على جواب النهى، وكذلك (وتذهب ريحكم) ويجوز أن يكون فتفشلوا جزما عطفا على النهى، ولذلك قرئ " ويذهب ريحكم ".

قوله تعالى (بطرا ورئاء الناس) مفعول من أجله أو مصدر في موضع الحال (ويصدون) معطوف على معنى المصدر.

قوله تعالى (لا غالب لكم اليوم) غالب هنا مبنية، ولكم في موضع رفع خبر لا، واليوم معمول الخبر، و (من الناس) حال من الضمير في لكم، ولايجوز أن يكون اليوم منصوبا بغالب، ولا من الناس حالا من الضمير في غالب، لان اسم " لا " إذا عمل فيما بعده لا يجوز بناؤه، والالف في (جار) بدل من واو لقولك جاورته، و (على عقبيه) حال.

قوله تعالى (إذ يقول المنافقون) أى اذكروا ويجوز أن يكون ظرفا لزين أو لفعل من الافعال المذكورة في الآية مما يصح به المعنى.

قوله تعالى (يتوفى) يقرأ بالياء، وفى الفاعل وجهان: أحدهما (الملائكة) ولم يؤنث للفصل بينهما ولان تأنيث الملائكة غير حقيقى، فعلى هذا يكون (يضربون وجوههم) حالا من الملائكة أو حالا من الذين كفروا، لان فيها ضميرا يعود عليهما. والثانى أن يكون الفاعل مضمرا: أى إذ يتوفى الله والملائكة على هذا مبتدأ، ويضربون الخبر، والجملة

٧

حال ولم يحتج إلى الواو لاجل الضمير: أى يتوفاهم والملائكة يضربون وجوههم، ويقرأ بالتاء والفاعل الملائكة.

قوله تعالى (كدأب) قد ذكر في آل عمران مايصح منه إعراب هذا الموضع.

قوله تعالى (وإن الله سميع عليم) يقرأ بفتح الهمزة تقديره: ذلك بأن الله لم يك مغيرا وبأن الله سميع، ويقرأ بكسرها على الاستئناف.

قوله تعالى (الذين عاهدت) يجوز أن يكون بدلا من الذين الاولى، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف: أى هم الذين. ويجوز أن يكون نصبا على إضمار أعنى، و (منهم) حال من العائد المحذوف.

قوله تعالى (فإما تثقفنهم) إذ أكدت أن الشرطية بما أكد فعل الشرط بالنون ليتناسب المعنى (فشرد بهم) الجمهور على الدال وهو الاصل، وقرأ الاعمش بالذال وهو بدل من الدال، كما قالوا: خراديل وخراذيل، وقيل هو مقلوب من شذر بمعنى فرق، ومنه قولهم: تفرقوا شذر مذر، ويجوز أن تكون من شذر في مقاله إذا أكثر فيه. وكل ذلك تعسف بعيد.

قوله تعالى (فانبذ إليهم) أى عهدهم فحذف المفعول، و (على سواء) حال.

قوله تعالى (ولاتحسبن الذين) يقرأ بالتاء على الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم، والمفعول الثانى (سبقوا) ويقرأ بالياء، وفى الفاعل وجهان: أحدهما هو مضمر: أى يحسبن من خلفهم، أو لا يحسبن أحد، فالاعراب على هذا كإعراب القراء‌ة الاولى. والثانى أن الفاعل الذين كفروا، والمفعول الثانى سبقوا، والاول محذوف: أى أنفسهم، وقيل التقدير: أن سبقوا، وأن هنا مصدرية مخففة من الثقيلة حكى عن الفراء وهو بعيد لان أن المصدرية موصولة، وحذف الموصول ضعيف في القياس شاذ في الاستعمال (إنهم لايعجزون) أى لايحسبوا ذلك لهذا. والثانى أنه(١) متعلق بتحسب إما مفعول أو بدل من سبقوا، وعلى كلا الوجهين تكون لازائدة وهو ضعيف لوجهين: أحدهما زيادة لا والثانى أن مفعول حسبت إذا كان جملة وكان مفعولا ثانيا كانت فيه إن مكسورة لانه موضع مبتدأ وخبر.

٨

قوله تعالى (من قوة) هو في موضع الحال من " ما " أو من العائد المحذوف في استطعتم (ترهبون به) في موضع الحال من الفاعل في اعدلوا، أو من المفعول لان في الجملة ضميرين يعودان إليهما.

قوله تعالى (للسلم) يجوز أن تكون اللام بمعنى إلى، لان جنح بمعنى مال، ويجوز أن تكون معدية للفعل بنفسها وأن تكون بمعنى من أجل، والسلم بكسر السين وفتحها لغتان، وقد قرئ بهما وهى مؤنثة، ولذلك قال (فاجنح لها).

_____________________

(١) (قوله والثانى أنه الخ) الظاهر أنه مقابل لقوله لايحسبوا ذلك الخ يعنى أنه وجه ثان اه‍. (*)

٩

قوله تعالى (حسبك الله) مبتدأ وخبر، وقال قوم: حسبك مبتدأ، والله فاعله: أى يكفيك الله (ومن اتبعك) في من ثلاثة أوجه: أحدها جر عطفا على الكاف في حسبك، وهذا لايجوز عند البصريين لان العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار لايجوز.

والثانى موضعه نصب بفعل محذوف دل عليه الكلام تقديره: ويكفى من اتبعك.

والثالث موضعه رفع على ثلاثة أوجه(١) : أحدها هو معطوف على اسم الله، فيكون خبرا آخر كقولك: القائمان زيد وعمرو، ولم يثن حسبك لانه مصدر.

وقال قوم: هذا ضعيف لان الواو للجمع، ولا يحسن هاهنا كما لم يحسن في قولهم: ماشاء الله وشئت، وثم هنا أولى. والثانى أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: وحسبك من اتبعك.

قوله تعالى (إن يكن) يجوز أن تكون التامة فيكون الفاعل (عشرون)، و (منكم) حال منها أو متعلقة بيكون، ويجوز أن تكون الناقصة فيكون عشرون اسمها ومنكم الخبر.

قوله تعالى (أسرى) فيه قراء‌ات قد ذكرت في البقرة (والله يريد الآخرة) الجمهور عل نصب الآخرة على الظاهر، وقرئ شاذا بالجر تقديره: والله يريد عرض الآخرة، فحذف المضاف وبقى عمله، كما قال بعضهم:

أكل امرئ تحسبين أمرأ

ونار توقد بالليل نارا أى وكل نار

قوله تعالى (لولا كتاب) كتاب مبتدأ، و (سبق) صفة له. و (من الله) يجوز أن يكون صفة أيضا، وأن يكون متعلقا بسبق والخبر محذوف: أى تدارككم.

قوله تعالى (حلالا طيبا) قد ذكر في البقرة.

قوله تعالى (خيانتك) مصدر خان يخون، وأصل الياء الواو فقلبت لانكسار ما قبلها ووقوع الالف بعدها.

قوله تعالى (من ولايتهم) يقرأ بفتح الواو وكسرها وهما لغتان، وقيل هى بالكسر الامارة، وبالفتح من موالاة النصرة.

_____________________

(١) (قوله على ثلاثة أوجه) لم يذكر منها غير وجهين، وانظر لم اسقط الثالث مع أنه معيب اه‍. (*)

١٠

قوله تعالى (إلا تفعلوه) الهاء تعود على النصر، وقيل على الولاء والتأمر.

قوله تعالى (في كتاب الله) في موضع نصب بأولى: أى يثبت ذلك في كتاب الله.

سورة التوبة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قوله تعالى (براء‌ة) فيه وجهان: أحدهما هو خبر مبتدأ محذوف: أى هذا براء‌ة أو هذه، و (من الله) نعت له، و (إلى الذين) متعلقة ببراء‌ة كما تقول: برئت إليك من كذا. والثانى أنها مبتدأ، ومن الله نعت لها، وإلى الذين الخبر، وقرئ شاذا " من الله " بكسر النون على أصل التقاء الساكنين، و (أربعة أشهر) ظرف لفسيحوا.

قوله تعالى (وأذان) مثل براء‌ة، و (إلى الناس) متعلق بأذان أو خبر له (أن الله برئ) المشهور بفتح الهمزة، وفيه وجهان: أحدهما: هو خبر الاذان: أى الاعلام من الله براء‌ته من المشركين. والثانى هو صفة: أى وأذان كائن بالبراء‌ة، وقيل التقدير: وإعلام من الله بالبراء‌ة، فالباء متعلقة بنفس المصدر (ورسوله) يقرأ بالرفع وفيه ثلاثة أوجه: أحدها هو معطوف على الضمير في برئ، وما بينهما يجرى مجرى التوكيد، فلذلك ساغ العطف.

والثانى هو خبر مبتدأ محذوف: أى ورسوله برئ.

والثالث معطوف على موضع الابتداء، وهو عند المحققين غير جائز، لان المفتوحة لها موضع غير الابتداء بخلاف المكسورة، ويقرأ بالنصب عطفا على اسم إن، ويقرأ بالجر شاذا وهو على القسم، ولايكون عطفا على المشركين لانه يؤدى إلى الكفر.

قوله تعالى (إلا الذين عاهدتم) في موضع نصب على الاستثناء من المشركين ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر فأتموا (ينقصوكم) الجمهور بالصاد، وقرئ بالضاد أى ينقضوا عهودكم فحذف المضاف، و (شيئا) في موضع المصدر.

قوله تعالى (واقعدوا لهم كل مرصد) المرصد مفعل من رصدت، وهو هنا مكان، وكل ظرف لاقعدوا، وقيل هو منصوب على تقدير حذف حرف الجر أى على كل مرصد أو بكل.

قوله تعالى (وإن أحد) هو فاعل لفعل محذوف دل عليه مابعده، و (حتى يسمع) أى إلى أن يسمع أو كى يسمع.

١١

ومأمن مفعل من الامن وهو مكان، ويجوز أن يكون مصدرا ويكون التقدير: ثم أبلغه موضع مأمنه.

قوله تعالى (كيف يكون) اسم يكون (عهد) وفي الخبر ثلاثة أوجه: أحدها كيف وقدم للاستفهام، وهو مثل قوله " كيف كان عاقبة مكرهم ".

والثانى أنه للمشركين، و (عند) على هذين ظرف للعهد، أو ليكون أو للجار، أو هى وصف للعهد.

والثالث الخبر عند الله وللمشركين تبيين أو متعلق بيكون، وكيف حال من العهد (فما استقاموا) في " ما " وجهان أحدهما هى زمانية، وهى المصدرية على التحقيق، والتقدير: فاستقيموا لهم مدة استقامتهم لكم، والثانى هى شرطية كقوله " مايفتح الله " والمعنى: إن استقاموا لكم فاستقيموا، ولاتكون نافية لان المعنى يفسد، إذ يصير المعنى استقيموا لهم لانهم لم يستقيموا لكم.

قوله تعالى (كيف وإن يظهروا) المستفهم عنه محذوف تقديره: كيف يكون لهم عهد أو كيف تطمئنون إليهم (إلا) الجمهور بلام مشددة من غير ياء، وقرئ " إيلا " مثل ريح. وفيه وجهان: أحدهما أنه أبدل اللام الاولى ياء لثقل التضعيف وكسر الهمزة. والثانى أنه من آلى يئول إذا ساس، أو من آل يئول إذا صار إلى آخر الامر، وعلى الوجهين قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ماقبلها (يرضونكم) حال من الفاعل في لا يرقبوا عند قوم، وليس بشئ لانهم بعد ظهورهم لايرضون المؤمنين، وإنما هو مستأنف.

قوله تعالى (فإخوانكم) أى فهم إخوانكم، و (في الدين) متعلق بإخوانكم.

قوله تعالى (أئمة الكفر) هو جمع إمام، وأصله أئمة مثل خباء وأخبية، فنقلت حركة الميم الاولى إلى الهمزة الساكنة وأدغمت في الميم الاخرى، فمن حقق الهمزتين أخرجهما على الاصل، ومن قلب الثانية ياء فلكسرتها المنقولة إليها، ولايجوز هنا أن تجعل بين بين كما جعلت همزة أئذا، لان الكسرة هنا منقولة وهناك أصلية، ولو خففت الهمزة الثانية هنا على القياس لكانت ألفا لانفتاح ماقبلها، ولكن ترك ذلك لتتحرك بحركة الميم في الاصل.

قوله تعالى (أول مرة) هو منصوب على الظرف (فالله أحق) مبتدأ.

١٢

وفي الخبر وجهان: أحدهما هو أحق، و (أن تخشوه) في موضع نصب أو جر: أى بأن تخشوه، وفي الكلام حذف: أى أحق من غيره بأن تخشوه، أو أن تخشوه مبتدأ بدل من اسم الله بدل الاشتمال، وأحق الخبر، والتقدير خشية الله أحق. والثانى أن أن تخشوه مبتدأ، وأحق خبره مقدم عليه، والجملة خبر عن اسم الله.

قوله تعالى (ويتوب الله) مستأنف، ولم يجزم لان توبته على من يشاء ليست جزاء على قتال الكفار، وقرئ بالنصب على إضمار أن.

قوله تعالى (شاهدين) حال من الفاعل في يعمروا (وفى النار هم خالدون) أى وهم خالدون في النار، وقد وقع الظرف بين حرف العطف والمعطوف.

قوله تعالى (سقاية الحاج) الجمهور على سقاية بالياء، وهو مصدر مثل العمارة، وصحت الياء لما كانت بعدها تاء التأنيث، والتقدير: أجعلتم أصحاب سقاية الحاج، أو يكون التقدير: كإيمان من آمن ليكون الاول هو الثانى، وقرئ " سقاة الحاج وعمار المسجد " على أنه جمع ساق وعامر (لايستوون عند الله) مستأنف، ويجوز أن يكون حالا من المفعول الاول والثانى، ويكون التقدير: سويتم بينهم في حال تفاوتهم.

قوله تعالى (لهم فيها نعيم) الضمير كناية عن الرحمة والجنات.

قوله تعالى (ويوم حنين) هو معطوف: على موضع في مواطن، و (إذ) بدل من يوم.

قوله تعالى (دين الحق) يجوز أن يكون مصدر يدينون، وأن يكون مفعولا به، ويدينون بمعنى يعتقدون (عن يد) في موضع الحال: أى يعطوا الجزية أذلة.

قوله تعالى (عزير ابن الله) يقرأ بالتنوين على أن عزيرا مبتدأ، وابن خبره، ولم يحذف التنوين إيذانا بأن الاول مبتدأ، وأن مابعده خبر وليس بصفة، ويقرأ بحذف التنوين وفيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه مبتدأ وخبر أيضا، وفي حذف التنوين وجهان: أحدهما أنه حذف لالتقاء الساكنين، والثانى أنه لاينصرف للعجمة والتعريف وهذا ضعيف لان الاسم عربى عند أكثر الناس، ولان مكبره ينصرف لسكون أوسطه فصرفه في التصغير أولى.

والوجه الثانى أن عزيرا خبر مبتدأ محذوف تقديره: نبينا أو صاحبنا أو معبودنا، وابن صفة، أو يكون عزيرا مبتدأ وابن صفة والخبر محذوف أى عزيرا ابن الله صاحبنا.

١٣

والثالث أن ابنا بدل من عزير، أو عطف بيان، وعزير على ماذكرنا من الوجهين وحذف التنوين في الصفة، لانها مع الموصوف كشئ واحد (ذلك) مبتدأ، و (قولهم) خبره، و (بأفواههم) حال والعامل فيه القول، ويجوز أن يعمل فيه معنى الاشارة، ويجوز أن تتعلق الباء بيضاهون،

فأما (يضاهون) فالجمهور على ضم الهاء من غير همز، والاصل ضاهى، والالف منقلبة عن ياء وحذفت من أجل الواو، وقرئ بكسر الهاء وهمزة مضمومة بعدها وهو ضعيف، والاشبه أن يكون لغة في ضاهى وليس مشتقا من قولهم امرأة ضهياء، لان الياء أصل والهمزة زائدة، ولا يجوز أن تكون الياء زائدة إذ ليس في الكلام فعيل بفتح الفاء.

قوله تعالى (والمسيح) أى واتخذوا المسيح ربا فحذف الفعل وأحد المفعولين، ويجوز أن يكون التقدير: وعبدوا المسيح (إلا ليعبدوا) قد تقدم نظائره.

قوله تعالى (ويأبى الله إلا أن يتم نوره) يأبى بمعنى يكره، ويكره بمعنى يمنع فلذلك استثنى لما فيه من معنى النفى والتقدير: يأبى كل شئ إلا إتمام نوره.

قوله تعالى (والذين يكنزون) مبتدأ، والخبر (فبشرهم) ويجوز أن يكون منصوبا تقديره: بشر الذين يكنزون. ينفقونها الضمير المؤنث يعود على الاموال أو على الكنوز المدلول عليها بالفعل، أو على الذهب والفضة لانهما جنسان، ولهما أنواع، فعاد الضمير على المعنى أو على الفضة لانها أقرب، ويدل ذلك على إرادة الذهب، وقيل يعود على الذهب ويذكر ويؤنث.

قوله تعالى (يوم يحمى) يوم ظرف على المعنى: أى يعذبهم في ذلك اليوم، وقيل تقديره: عذاب يوم، وعذاب بدل من الاول، فلما حذف المضاف أقام اليوم مقامه، وقيل التقدير: اذكر، و (عليها) في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل وقيل القائم مقام الفاعل مضمر: أى يحمى الوقود أو الجمر (بها) أى بالكنوز.

وقيل هى بمعنى فيها: أى في جهنم، وقيل يوم ظرف لمحذوف تقديره: يوم يحمى عليها يقال لهم هذا ما كنزتم.

قوله تعالى (أن عدة الشهور) عدة مصدر مثل العدد، و (عند) معمول له، و (في كتاب الله) صفة لاثنى عشر، وليس بمعمول لعدة، لان المصدر إذا أخبر عنه لايعمل فيما بعد الخبر، و (يوم خلق) معمول لكتاب على أن كتابا هنا مصدر لاجثة، ويجوز أن يكون

١٤

جثة، ويكون العامل في معنى الاستقرار، وقيل في كتاب الله بدل من عند، وهو ضعيف لانك قد فصلت بين البدل والمبدل منه بخبر العامل في المبدل (منها أربعة) يجوز أن تكون الجملة صفة لاثنى عشر، وأن تكون حالا من استقرار، وأن تكون مستأنفة (فيهن) ضمير الاربعة، وقيل

ضمير اثنى عشر، و (كافة) مصدر في موضع الحال من المشركين، أو من ضمير الفاعل في قاتلوا.

قوله تعالى (إنما النسئ) يقرأ بهمزة بعد الياء، وهو فعيل مصدر مثل النذير والنكير، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول: أى إنما المنسوء، وفي الكلام على هذا حذف تقديره: إن نسا النسئ أو إن النسئ ذو زيادة، ويقرأ بتشديد الياء من غير همز على قلب الهمزة ياء، ويقرأ بسكون السين وهمزة بعدها وهو مصدر نسأت، ويقرأ بسكون السين وياء مخففة بعدها على الابدال أيضا (يضل) يقرأ بفتح الياء وكسر الضاد، والفاعل (الذين) ويقرأ بفتحهما وهى لغة، والماضى ظللت بفتح اللام الاولى وكسرها، فمن فتحها في الماضى كسر الضاد في المستقبل، ومن كسرها في الماضى فتح الضاد في المستقبل، ويقرأ بضم الياء وفتح الضاد على مالم يسم فاعله، ويقرأ بضم الياء وكسر الضاد: أى يضل به الذين كفروا أتباعهم، ويجوز أن يكون الفاعل مضمرا: أى يضل الله أو الشيطان (يحلونه) يجوز أن يكون مفسرا للضلال فلا يكون له موضع، ويجوز أن يكون حالا.

قوله تعالى (اثاقلتم) الكلام فيها مثل الكلام في ادارأتم، والماضى هنا بمعنى المضارع: أى مالكم تتثاقلون، وموضعه نصب: أى أى شئ لكم في التثاقل، أو في موضع جر على رأى الخليل، وقيل هو حال: أى مالكم متثاقلين (من الآخرة) في موضع الحال: أى بدلا من الآخرة.

قوله تعالى (ثانى اثنين) هو حال من الهاء: أى أحد اثنين، ويقرأ بسكون الياء وحقها التحريك، وهو من أحسن الضرورة في الشعر، وقال قوم: ليس بضرورة، ولذلك أجازوه في القرآن (إذ هما) ظرف لنصره لانه بدل من إذ الاولى، ومن قال العامل في البدل غير العامل في المبدل قدر هنا فعلا آخر: أى نصره إذ هما (إذ يقول) بدل أيضا، وقيل إذ هما ظرف لثانى (فأنزل الله سكينته) هى فعيلة بمعنى مفعلة: أى أنزل عليه مايسكنه، والهاء في

١٥

(عليه) تعود على أبى بكر رضى الله عنه لانه كان منزعجا، والهاء في (أيده) للنبى صلى الله عليه وسلم (وكلمة الله) بالرفع على الابتداء، و (هى العليا) مبتدأ وخبر، أو تكون هى فضلا، وقرئ بالنصب: أى وجعل كلمة الله، وهو ضعيف لثلاثة أوجه: أحدها أن فيه وضع الظاهر موضع المضمر، إذ الوجه أن تقول كلمته.

والثانى أن فيه دلالة على أن كلمة الله كانت سفلى فصارت عليا، وليس كذلك.

والثالث أن توكيد مثل ذلك بهى بعيد إذ القياس أن يكون إياها.

قوله تعالى (لو كان عرضا قريبا) اسم كان مضمر تقدير ولو كان مادعوتم إليه (لو استطعنا) الجمهور على كسر الواو على الاصل، وقرئ بضمها تشبيها للواو الاصلية بواو الضمير نحو " اشتروا الضلالة " (يهلكون أنفسهم) يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون حالا من الضمير في يحلفون.

قوله تعالى (حتى يتبين) حتى متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام تقديره: هلا أخرتهم إلى أن يتبين أو ليتبين، وقوله " لم أذنت لهم " يدل على المحذوف، ولايجوز أن يتعلق حتى بأذنت، لان ذلك يوجب أن يكون أذن لهم إلى هذه الغاية أو لاجل التبيين، وهذا لايعاتب عليه.

قوله تعالى (خلالكم) ظرف لاوضعوا: أى أسرعوا فيما بينكم (يبغونكم) حال من الضمير في أوضعوا.

قوله تعالى (يقول ائذن لى) هو مثل قوله " ياصالح ائتنا " وقد ذكر.

قوله تعالى (هل تربصون) الجمهور على تسكين اللام وتخفيف التاء، ويقرأ بكسر اللام وتشديد التاء ووصلها والاصل تتربصون، فسكن التاء الاولى وأدغمها ووصلها بما قبلها وكسرت اللام لالتقاء الساكنين، ومثله " نارا تلظى " وله نظائر (ونحن نتربص بكم أن يصيبكم) مفعول نتربص، وبكم متعلقة بنتربص.

قوله تعالى (أن تقبل) في موضع نصب بدلا من المفعول في منعهم، ويجوز أن يكون التقدير: من أن تقبل، و (أنهم كفروا) في موضع الفاعل، ويجوز أن يكون فاعل منع الله، وأنهم كفروا مفعول له: أى إلا لانهم كفروا.

قوله تعالى (أو مدخلا) يقرأ بالتشديد وضم الميم وهو مفتعل من الدخول، وهو الموضع الذى يدخل فيه، ويقرأ بضم الميم وفتح الخاء من غير تشديد، ويقرأ بفتحهما وهما مكانان

١٦

أيضا، وكذلك المغارة وهى واحد مغارات، وقيل الملجأ ومابعده مصادر: أى لو قدروا على ذلك لمالوا إليه.

قوله تعالى (يلمزك) يجوز كسر الميم وضمها وهما لغتان قد قرئ بهما (إذا هم) إذا هنا للمفاجأة، وهى ظرف مكان وجعلت في جواب الشرط كالفاء لما فيها من المفاجأة، ومابعدها ابتداء وخبر، والعامل في إذا (يسخطون).

قوله تعالى (فريضة) حال من الضمير في الفقراء: أى مفروضة، وقيل هو مصدر، والمعنى فرض الله ذلك فرضا.

قوله تعالى (قل أذن خير) أذن خبر مبتدإ محذوف: أى هو ويقرأ بالاضافة أى مستمع خير، ويقرأ بالتنوين ورفع خير على أنه صفة لاذن، والتقدير: أذن ذو خير، ويجوز أن يكون خير بمعنى أفعل: أى أذن أكثر خيرا لكم (يؤمن بالله) في موضع رفع صفة أيضا واللام في (للمؤمنين) زائدة دخلت لتفرق بين يؤمن بمعنى يصدق، ويؤمن بمعنى يثبت الامان (ورحمة) بالرفع عطف على أذن: أى هو أذن ورحمة، ويقرأ بالجر عطفا على خير فيمن جر خيرا.

قوله تعالى (والله ورسوله) مبتدأ، و (أحق) خبره، والرسول مبتدأ ثان وخبره محذوف دل عليه خبر الاول.

وقال سيبويه: أحق خبر الرسول، وخبر الاول محذوف وهو أقوى، إذ لايلزم منه التفريق بين المبتدإ وخبره، وفيه أيضا أنه خبر الاقرب إليه، ومثله قول الشاعر: نحن بما عندنا وأنت بما * عندك راض والرأى مختلف وقيل أحق أن يرضوه خبر عن الاسمين، لان أمر الرسول تابع لامر الله تعالى، ولان الرسول قائم مقام الله بدليل قوله تعالى " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله " وقيل أفرد الضمير وهو في موضع التثنية، وقيل التقدير: أن ترضوه أحق، وقد ذكرناه في قوله " والله أحق أن تخشوه " وقيل التقدير: أحق بالارضاء.
قوله تعالى (ألم يعلموا) يجوز أن تكون المتعدية إلى مفعولين، وتكون (أنه) وخبرها سد مسد المفعولين، ويجوز أن تكون المتعدية إلى واحد، و (من) شرطية موضع مبتدإ، والفاء جواب الشرط، فأما (أن) الثانية فالمشهور فتحها وفيها أوجه أحدها أنها بدل من الاولى، وهذا ضعيف لوجهين: أحدهما أن الفاء التى معها تمنع من ذلك، والحكم بزيادتها ضعيف، والثانى أن جعلها بدلا يوجب سقوط جواب " من " من الكلام.

١٧

والوجه الثانى أنها كررت توكيدا كقوله تعالى " ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة " ثم قال " إن ربك من بعدها " والفاء على جواب الشرط.

والثالث أن " أن " هاهنا مبتدأ والخبر محذوف: أى فلهم أن لهم.

والرابع أن تكون خبر مبتدأ محذوف: أى فجزاؤهم أن لهم، أو فالواجب أن لهم، ويقرأ بالكسر على الاستئناف.

قوله تعالى (أن تنزل) في موضع نصب بيحذر على أنها متعدية بنفسها، ويجوز أن يكون بحرف الجر: أى من أن تنزل، فيكون موضعه نصبا أو جرا على ماذكرنا من اختلافهم في ذلك.

قوله تعالى (أبالله) الباء متعلقة ب‍ (يستهزء‌ون) وقد قدم معمول خبر كان عليها، فيدل على جواز تقديم خبرها عليها.

قوله تعالى (بعضهم من بعض) مبتدأ وخبر: أى بعضهم من جنس بعض في النفاق (يأمرون بالمنكر) مستأنف مفسر لما قبلها.

قوله تعالى (كالذين) الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، وفي الكلام حذف مضاف تقديره: وعدا كوعد الذين (كما استمتع) أى استمتاعا كاستمتاعهم (كالذى خاضوا) الكاف في موضع نصب أيضا، وفى " الذى" وجهان: أحدهما أنه جنس، والتقدير: خوضا كخوض الذين خاضوا، وقد ذكر مثله في قوله تعالى " مثلهم كمثل الذى استوقد ". والثانى أن " الذى " هنا مصدرية: أى كخوضهم وهو نادر.

قوله تعالى (قوم نوح) هو بدل من الذين.

قوله تعالى (ورضوان من الله) مبتدأ، و (أكبر) خبره.

قوله تعالى (واغلظ عليهم ومأواهم جهنم) إن قيل كيف حسنت الواو هنا والفاء أشبه بهذا الموضع ففيه ثلاثة أجوبة: أحدها أنها واو الحال، والتقدير افعل ذلك في حال استحقاقهم جهنم، وتلك الحال حال كفرهم ونفاقهم.

والثانى أن الواو جئ بها تنبيها على إرادة فعل محذوف تقديره: واعلم أن مأواهم جهنم.

والثالث أن الكلام محمول على المعنى، والمعنى: أنه قد اجتمع لهم عذاب الدنيا بالجهاد والغلظة وعذاب الآخرة بجعل جهنم مأوى لهم.

١٨

قوله تعالى (ما قالوا) هو جواب قسم، ويحلفون قائم مقام القسم.

قوله تعالى (ومانقموا إلا أن أغناهم الله) أن وماعملت فيه مفعول نقموا أى وماكرهوا إلا إغناء الله إياهم، وقيل هو مفعول من أجله، والمفعول به محذوف أى ما كرهوا الايمان إلا ليغنوا.

قوله تعالى (لئن آتانا من فضله) فيه وجهان: أحدهما تقديره: عاهد فقال لئن آتانا. والثانى أن يكون عاهد بمعنى قال، إذا العهد قول.

قوله تعالى (الذين يلمزون) مبتدأ، و (من المؤمنين) حال من الضمير في " المطوعين " و (في الصدقات) متعلق بيلمزون، ولايتعلق بالمطوعين لئلا يفصل بينهما بأجنبى (والذين لا يجدون) معطوف على الذين يلمزون، وقيل على المطوعين: أى ويلمزون الذين لايجدون، وقيل هو معطوف على المؤمنين، وخبر الاول على هذه الوجوه فيه وجهان: أحدهما (فيسخرون) ودخلت الفاء لما في الذين من الشبه بالشرط. والثانى أن الخبر (سخر الله منهم) وعلى هذا المعنى يجوز أن يكون الذين يلمزون في موضع نصب بفعل محذوف يفسر سخر تقديره: عاب الذين يلمزون، وقيل الخبر محذوف تقديره منهم الذين يلمزون.

قوله تعالى (سبعين مرة) هو منصوب على المصدر، والعدد يقوم مقام المصدر كقولهم: ضربته عشرين ضربة.

قوله تعالى (بمقعدهم) أى بقعودهم، و (خلاف) ظرف بمعنى خلف (رسول الله) أى بعده، والعامل فيه مقعد، ويجوز أن يكون العامل فرح، وقيل هو مفعول من أجله، فعلى هذا هو مصدر: أى لمخالفته، والعامل المقعد أو فرح، وقيل هو منصوب على المصدر بفعل دل عليه الكلام لان مقعدهم عنه تخلف.

قوله تعالى (قليلا) أى ضحكا قليلا أو زمنا قليلا، و (جزاء) مفعول له أو مصدر على المعنى.

قوله تعالى (فإن رجعك الله) هى متعدية بنفسها ومصدرها رجع، وتأتى لازمة ومصدرها الرجوع.

قوله تعالى (منهم) صفة لاحد، و (مات) صفة أخرى، ويجوز أن يكون منهم حالا من الضمير في مات (أبدا) ظرف لتصل.

١٩

قوله تعالى (أن آمنوا) أى آمنوا، والتقدير: يقال فيها آمنوا، وقيل إن هنا مصدرية تقديره: أنزلت بأن آمنوا، أى بالايمان.

قوله تعالى (مع الخوالف) هو جمع خالفة وهى المرأة، وقد يقال للرجل خالف وخالفة، ولايجمع المذكر على خوالف.

قوله تعالى (وجاء المعذرون) يقرأ على وجوه كثيرة قد ذكرناها في قوله " بألف من الملائكة مردفين ".

قوله تعالى (إذا نصحوا) العامل فيه معنى الكلام: أى لايخرجون حينئذ.

قوله تعالى (ولاعلى الذين) هو معطوف على الضعفاء فيدخل في خبر ليس، وإن شئت عطفته على المحسنين فيكون المبتدأ من سبيل، ويجوز أن يكون المبتدأ محذوفا: أى ولا على الذين إلى تمام الصلة حرج أو سبيل، وجواب إذا (تولوا) وفيه كلام قد ذكرناه عند قوله " كلما دخل عليها زكريا " (وأعينهم تفيض) الجملة في موضع الحال، و (من الدمع) مثل الذى في المائدة، و (حزنا) مفعول له أو مصدر في موضع الحال أو منصوب على المصدر بفعل دل عليه ماقبله (ألا يجدوا) يتعلق بحزن وحرف الجر محذوف، ويجوز أن يتعلق بتفيض.

قوله تعالى (رضوا) يجوز أن يكون مستأنفا، وأن يكون حالا، وقد معه مرادة.

قوله تعالى (قد نبأنا الله) هذا الفعل قد يتعدى إلى ثلاثة أولها " نا " والاثنان الآخران محذوفان تقديره: أخبارا من أخباركم مثبتة، و (من أخباركم) تنبيه على المحذوف وليست " من " زائدة، إذ لو كانت زائدة لكانت مفعولا ثانيا، والمفعول الثالث محذوف وهو خطأ، لان المفعول الثانى إذا ذكر في هذا الباب لزم ذكر الثالث، وقيل " من " بمعنى عن.

قوله تعالى (جزاء) مصدر: أى يجزون بذلك جزاء، أو هو مفعول له.

قوله تعالى (وأجدر أن لايعلموا) أى بأن لا يعلموا.

قوله تعالى (بكم الدوائر) يجوز أن تتعلق الباء بيتربص، وأن يكون حالا من الدوائر (دائرة السوء) يقرأ بضم السين وهو الضرر وهو مصدر في الحقيقة يقال سؤته سوء‌ا ومساء‌ة ومسائية، ويقرأ: بفتح السين وهو الفساد والرداء‌ة.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

( عقدتها ) قائمة على تجربة ( حبّ إسلامي )، بالنحو الذي يبتعث الإثارة التي أشار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أنّ صاحبها لم يخرج من الدنيا إلاّ مغضوباً عليه.

إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( في نصّ آخر ) سُئل عن العشق والعشّاق، فقال بما مؤدّاه:( قلوب خَلت من محبّة الله فابتلاها بحبّ غيره ) ، وهذا يعني أنّ قضية الجنس، سواء أكانت تعبيراً عن صاحبها الذي يُعنى بمعايشتها ( حتى لو لم ينقلها إلى الآخرين )، أو تعبيراً مطلقاً لكنّه يتسبّب في إثارة الآخرين من خلال نقلها، كل أولئك يظل محظوراً في التصوّر الإسلامي لهذا الجانب. كما يعني أنّ تجربة الجنس ينبغي أن تظلّ سجينة داخل أسوار ( الحياة الزوجية )، لا تتجاوز طرفَي العلاقة.

قد يعترض قائل ( كما افترض بعض الإسلاميين ذلك ) فيقرّر: إنّ نقل التجربة الجنسية مادامت لا تؤشِّر إلى امرأة بعينها فلا مانع من ذلك، بعكس ما إذا كانت معروفة لدى القارئ، حيث يستلزم ذلك تشويه سمعتها، فيجيء المنع من جهة ( التشهير )، وليس من تجربة النقل.

والحقّ أنّ ( التشهير ) وعدمه مسألة مستقلّة لا تنحصر في عمل فني أو عادي، كما أنّ المعيار ليس هو تعريف المرأة أو تنكيرها، بل مشروعية ( الغزل ) أو عدمها، فما دام نقل التجربة إلى الآخرين يتسبّب ( الإثارة ) كما قرّر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك، حينئذٍ يظلّ محكوماً بطابع المنع إسلامياً.

مضافاً لِما تقدّم، ثمّة حقيقة بالغة الأهمية إلاّ أنّها غائبة تماماً عن الأذهان، وهي: أنّ العمل الفني القائم على تجربة الجنس، يظل موسوماً بصفة ( العبث ) في حالة افتراضنا عدم حظره شرعياً، فمعَ مثل هذا الافتراض، وهو لا حقيقة له كما أشرنا، نتساءل: ما هي الفائدة العبادية لهذا العمل ؟ أليس الكاتب الإسلامي مطالباً بألاّ يمارِس إلاّ العمل الفني ( الهادف ) ؟ ما هو الهدف الذي ننشده من وراء عرض ( المفاتن والعواطف الجنسية ) ؟ هل نستهدف من ذلك ( تزجية فراغ ) ؟ الإسلام لا يقرّنا على ذلك.

هل نستهدف منه شدّ الآخرين إلى ممارسة هذا السلوك لاستثماره في عمل عبادي آخر ؟ أو التشجيع على المسارعة بالزواج لمعايشة المفاتن والعواطف ؟

الإسلام لا يقرّنا على ذلك أيضاً، بل يرسم لنا طرائق أخرى لتحقيق هذه المهمة، من خلال التوصيات التي تحثّ على الزواج ومهمته البيولوجية والتناسلية.

إذاً لا مسوّغ على الإطلاق لممارسة سلوك فني ( محظور شرعاً )، أو لا أقل لا فائدة فيه، في حين أنّ الإسلام يطالبنا بعمل جاد هادف، ويحذّرنا من كل أشكال اللهو والعبث أو الفراغ، أو مطلق السلوك الذي لا يحقّق غرضاً عبادياً بالنحو الذي أشرنا إليه.

٤١

القصّة والمسرحية

القصة - في أوسع دلالاتها -: عمل فني قائم على بناء هندسي خاص، ( يصطنع ) كاتبها واحداً أو جملة من الأحداث والمواقف والأبطال والبيئات، عبر لغة ( السرد ) أو ( الحوار ) أو كليهما، وتتضمّن ( هدفاً ) فكرياً محدّداً، يُخضع الكاتب عناصره إلى دائرة ما هو ( ممكن ) أو ( محتمل ) من السلوك، كما يمكن إخضاعها لِما هو ( ممتنع ) من السلوك، إلاّ أنّه يتضمّن ( رمزاً ) يحوم على ( الهدف ) الفكري المشار إليه،... كل ذلك وفق عملية ( اصطفاء ) خاصة للعناصر المذكورة.

هذا النمط من العمل الفني قد يكون عملاً ( مقروءاً ) يطلق عليه مصطلح ( القصة )، بمختلف أشكالها: حكاية، أقصوصة، قصة قصيرة، رواية... إلخ. وقد يكون هذا العمل ( مُشاهَداً ) يطلق عليه مصطلح ( المسرحية )، مع ملاحظة الفوارق بينها وبين القصة، من حيث بنائهما وعناصرهما ممّا لا يعنينا الآن أن نعرض لهما.

يعنينا فقط أن نعرض الآن للتصوّر الإسلامي حيالهما، بصفتهما نمطاً من الممارسة الفنية القائمة على ما هو ( متخيّل ) أو ( وهمي ) من السلوك، وليس على ما هو عملي أو واقعي منه، مع ملاحظة الفارق بين عمل تخيّلي مثل الشعر، من حيث كونه يعتمد التخيّل بمثابة ( عنصر ) مساهِم في تجلية الدلالة، بينا تعتمد القصة والتخيّل ( أرضية ) لها وليس مجرّد عنصر. فضلاً عن أنّ التخيّل الشِعري هو إحداث علاقة بين الأشياء ( عنصر الصورة )، بينا تظلّ القصة ( خَلقاً ) لأشياء، وليس لعلاقة بين أشياء، ممّا يسوّغ طرح مثل هذا السؤال القائل: ( هل أنّ الإسلام يقرّ تعاملنا مع الظواهر ( المختلفة ) أساساً، أم أنّ إقراره منحصر في إحداث ( العلاقة ) بين الظواهر، كما هو شأن ( الصورة الفنية ) مثلاً ؟

تاريخياً لم ينشط العمل القصصي ( بشكليه: الروائي والمسرحي ) في مناخ الرسالة الإسلامية، ولا قبله أيضاً. ويحاول مؤرّخو الأدب أن يلتمسوا جملة من الأسباب الكامنة وراء ذلك ؛ مثل ذهاب البعض إلى أنّ الخيال العربي متّسم بالمحدودية بالقياس إلى غيره، بصفة أنّ العمل القصصي قائم في أساسه على عملية تخيّل للأحداث والمواقف والأبطال والبيئات، ممّا لا تسمح الصحراء القاحلة بتنشيطه في العمليات الذهنية.

٤٢

وهناك مَن يذهب إلى أنّ القرن الثاني الهجري قد خبر الشكل القصصي عبر الترجمة التي توفرت لعلوم الأغارقة واليونانيين والفرس والهنود، إلاّ إنّ الطابع ( الوثني ) الذي يسم الفن المذكور وقف حاجزاً عن الاستجابة له.

وأياً كان السبب، فإن ما يعنينا هو إنّ المشرع الإسلامي لم يتعرض لهذا الفنّ: رفضاً أو تقبُّلاً أو تحفُّظاً، إلاّ بعض الإشارات العابرة التي يمكن إخضاعها لتأويل أو آخر. بَيْد أنّ الملاحظ - وهذا هو موضع الأهمية - أنّ النص القرآني الكريم توفّر على العنصر القصصي بنحو لافت كل اللفت للانتباه.

لكن: هل أنّ القصص القرآني مماثل للقصص الأرضي المشار إليه ؟

إنّ التقنية القصصية من الممكن إنّ تتماثل - مع ملاحظة التميُّز من جانب، والفارق الإعجازي من جانب آخر بطبيعة الحال - لدى كل من القصة القرآنية والأرضية، من حيث أدوات البناء وعناصره. إلاّ إنّ الفارق الكبير بينهما هو إنّ القصة القرآنية تتعامل مع (واقع تاريخي)، بينما تتعامل القصة البشرية مع ( واقع مصطنع أو وهمي)، والفارق بينهما بمكان كبير من حيث مسوِّغات الفن.

وبالرغم من أنّ هناك واحداً من أشكال القصة يعرف ب- ( القصة التاريخية )، تتعامل في بعض أنماطها مع ( الواقع التاريخي ) فيما تعرض لأحداث وقعت فعلاً، إلاّ أنها - كما نعرف ذلك - تبقى موشاة بوقائع ( مختلَقة ) أيضاً، ممَّا يخرجها من نطاق حرْفية الواقع.

إنّ معرفتنا بالخطوط العامة لجوهر التشريع الإسلامي، من حيث مطالبته عموماً بأن نتعامل مع الواقع وليس مع اختلاقه، ومعرفتنا بأنّ عملية ( القص ) قد اقترنت ببعض الحظر: مثل ما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذهابه إلى إنّ القاص ممقوت ؛ نظراً لِمَا يصدر عنه من نقيصة أو زيادة في النقل، ومثل ما ورد عن الإمام علي (ع) من أنّه طرد بعض القصَّاص من المسجد....

مضافاً إلى إنّ ( الكذب ) ممقوت أساساً: والقص بعض نماذجه مثلاً.

فضلاً عن أنّ القرآن الكريم لم يعرض إلاّ القصص العملي، أي القصص الذي وقع فعلاً، دون إنّ يتجه إلى اختلاق ذلك.

أولئك جميعاً تجعلنا ( نتحفَّظ ) في إمكانية إنّ يسمح الإسلام بممارسة القصص المختلفة.

لكن بالرغم من ( التحفُّظ ) المذكور، من الممكن أنّ يجاب على ذلك، بأنّ التعامل مع الواقع لا يمنع من إمكانية التعامل مع ما هو ( مختلَق ) إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ القصة مجرد ( افتراض ) لواقعة أو موقف، يقرّ بافتراضه طرفان هما ( القاص والقارئ )، بمعنى أنّ كلاًّ منهما مدرك بأنّه حيال ( عمل مختلق )، يكون بمثابة اتفاق ضمني بين الكاتب الذي يقدِّم لقارئه مادة فنية يتقبَّلها القارئ على أنَّها مصطنعة، تستهدف إيصال بعض الحقائق لا أكثر.

ومع هذا ( العقد ) بين الكاتب والقارئ، تنتفي الملاحظة القائلة بأنّ القصة تتعامل مع الوهم، كما ينتفي طابع ( الكذب) عنها إذا أدركنا أنّ مجرد ( الافتراض ) لشيء ما لا يُدعى ( كذباً )، بل يدعى ( افتراضاً ). فإذا قال أحدهم: ( افترض أنّ

٤٣

حادثة قتل وقعت لمجموعة من الأشخاص، وأنَّ الجُناة مَثَلوا أمام القضاء، فحكم عليهم بالإعدام )... مثل هذا القص عن حادثة القتل ( المفترضة ) لا غبار عليها ما دام الكاتب والقارئ على إحاطة بأنّ الحادثة المذكورة مجرد افتراض، بدليل قوله ( افترض... إلخ )، وأنَّ ذلك صيغ من أجل هدف خاص، هو التنبيه على أنّ ممارسة القتل سوف لا تمرّ على أحد من دون قصاص مثلاً.

وأمّا ما ورد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنّه وسم القاص بأنّه ( ممقوت ) ؛ نظراً لِمَا يزيد إو ينقص في كلامه، فإنَّ ذلك لا علاقة له بعملية ( الفن القصصي )، بل بالقصة الواقعية نفسها ؛ حيث يعرض الشخص لحادثة أو لقصة تاريخية دون أنّ يكون متأكِّداً في نقلها، بل يزيد أو ينقص فيها إمّا عمداً أو نسياناً أو عدم تقيُّد بها، وهو أمر ينسحب على نقل الحديث بعامة، دون أنّ تكون له صلة بالعمل الفني كما هو واضح.

وأمّا ما ورد عن الإمام علي (ع) من أنّه طرد بعض القُصَّاص من المسجد، فمن الممكن أنّ يستند الطرد إلى قدسية المسجد وليس إلى عملية ( القص )، حيث ورد النهي عن انشاد الشعر في المسجد أيضاً، وورد النهي - في سياقات خاصة - عن ( النوم ) في المسجد، أو ( البيع ) فيه أيضاً، وهو أمر لا علاقة له بمشروعية الشعر أو النوم أو البيع، بل بقدسية المسجد الذي ينبغي إنّ يتمحّض للعمل العبادي، وليس لتحقيق الراحة أو المال أو سائر أشكال الإمتاع النفسي والجسمي. هذا فضلاً عن أنّ القاص عصرئذٍ - كما يذكر المؤرِّخون - كان نشاطه مغايراً لِمَا تستهدفه ( القصة الفنية ) من أفكار، حيث كان بعض المرتزقة يحترف القص لاستدرار المال، فيفتعل قصصاً مثيرة من أجل تسلية المستمع وتزجية الفراغ مقابل الفائدة المالية أو الاجتماعية التي يحصل القاص عليها، بخاصة أنّ هناك من الأشخاص - مضافاً للنمط الذي أشرنا إليه - مَن يختلق ( القصة ) كي يلتمس له ( مجداً ) في الجاهلية مثلاً، أو مطلق الأمجاد الزائفة التي كانوا يعنون بها عصرئذٍ.

إذاً من الممكن إلاّ يقترن مع العمل القصصي - بصفته فنّاً - أي محذور شرعي في ضوء الاعتبارات التي أشرنا إليها. والأمر نفسه بالنسبة إلى ( العمل المسرحي ) أيضاً، مادام ( التمثيل ) أو ( التجسيد )، يظل بديلاً عن الكلمة لا غير، حيث يمكن مقارنة ذلك بعملية ( وضوء ) مثلاً يصطنعها شخص مستهدفاً من ذلك تعليم الآخرين لعملية الوضوء المذكورة.

* * *

هنا ينبغي أنّ نقرِّر إلى أنّه بالرغم من عدم ترتب محذور إسلامي من كتابة القصة أو المسرحية في ضوء الاختلاق لظواهر الواقع، إلاّ أنّ المؤكَّد بأنّ التعامل مع الظواهر بنحوها ( الفعلي ) - كما هو شأن القصة القرآنية - يظل أمراً لا غبار عليه ألبتة، كما أنّه يجنِّبنا أي احتمال سلبي نتوقعه حيال كتابة ما هو مصطنع أو وهمي من الظواهر.

إنّه من الممكن حقاً أن نوفّر للقارئ قسطاً من الإمتاع الجمالي من خلال انتقائنا شرائح

٤٤

معينة من الحياة الفعلية وصياغتها وفق بناء عماري خاص، على نسق ما نلحظه من القصص القرآني حيثِ ينتخب في سورة ما أحداثاً ومواقف لأحد الأبطال، وينتخب أحداثاً ومواقف غيرها للبطل نفسه في سورة أخرى: حسب ما يستدعيه سياق السورة.

إنّ انتخاب حدث أو موقف من إحداث ومواقف الثورة الإسلامية مثلاً وسواها، من الممكن أن نقتطع منها ما يتواسق و(وجهه النظر ) التي نستهدفها ونحرص على إبراز مضمونها الإسلامي، حيث نصوغها في ضوء اللغة القصصية التي تنتخب من الحادثة والبطل ما يتجانس مع أدوات الحوار والسرد، وما يواكبها من عمليات التقطيع والاختزال والتكثيف... إلخ.

إنّ القصة تتميَّز بكونها أشد لصوقا بواقع التركيبة البشرية عن سائر أشكال الفن، فالدافع إلى الاستطلاع مثلاً، وطريقة الاستجابة للشيء، تجعلان القصة أشد إثارة من غيرها للنفوس، بخاصة أنّ رصد حركة الآدميين تظل هي التجسيد الحيّ لحركة القارئ نفسه.

وحيال ذلك، فإنّ عملية الرصد لِمَا هو ( فعلي )، يكتسب قدراً من الإثارة أشد ممَّا هو ( محتمل الوقوع)، فالقارئ أو الملاحظ حين يتابع قراءة قصة ( مصطنعة )، بما تنطوي عليه من عناصر الإثارة تشويقاً ومماطلةً ونحوهما، يظل انفعال هذا القارئ أو الملاحظ ( فنياً ) أكثر منه ( وجدانياً)، بمعنى أنّ انفعاله بمضمون القصة ( وهمي )، لا يترك فاعلية ذات أثر إلاّ في حينه، ما دام سلفاً على إحاطة كاملة بأنّه حيال أحداث ( وهمية ) يفتعلها القاص. وهذا بخلاف ما لو علم أنّه حيال حدث فعلي، حينئذٍ فإنَّ انفعاله بالحدث سيكتسب سمة ( الفعلية ) أيضاً، بحيث يترك فاعليته في النفس ويسحب آثاره على عمليات ( التعديل ) للسلوك، حيث تظل عمليات ( التعديل ) هي الهدف من وراء العمل الفني كما هو واضح.

يضاف إلى ذلك أنّ تدريب الشخصية على أنّ تتعامل مع الواقع، يقتادها إلى النضج الانفعالي وتماسك بنائها، على العكس من تدريبها على التغذية من ( الوهم )، حيث يسحب ذلك أثره على بنائها العقلي والنفسي، ومن ثمّ يرشِّحها للوقوع في وهدة الشذوذ الذي يفصلها عن أرض الواقع ويدعها نهباً للخيالات والأوهام والوساوس.

إذاً أنّ ما يتّسق مع التصور الإسلامي للسلوك هو: أن ( يلتزم ) القاص الإسلامي بصياغة العمل الفني المرتكن إلى الواقع الفعلي كما هو طابع القصة القرآنية الكريمة، بخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ ( فعل ) و( ممارسة ) ما يتصل بالحقل التشريعي يظل هو النموذج الأمثل لسلوكنا الذي ينبغي أن نصدر عنه، أي: أنَّ مبادئ الفنّ الشرعي - وهو ما نلحظه في الكتاب والسنّة - ينبغي أن تظل النموذج لسلوكنا الفني أيضاً، بالنحو الذي أكَّدناه عند حديثنا عن عناصر الفن في الصفحات السابقة من هذه الدراسة.

إنّ القاص الإسلامي ينبغي إنّ يصوغ له اتجاهاً قصصياً يتميَّز به ويتفرَّد بممارسته، بحيث

٤٥

يصبح اتجاهاً خاصاً به، مثال الاتجاهات الأرضية في ضوء التميّز الذي يطبع رسالة الإسلام ذاتها.

القاص الإسلامي بدلاً من أن يبذل جهداً فكرياً يتطلّبه انتقاء الحديث والشخصية والموقف (المفتعل)، بدلاً من ذلك، يمكنه أن يبذل الجهد ذاته في انتقاء ما هو (واقع) من الظواهر، وانتقاء ما هو مثير من حوار الأبطال مثلاً، أو ما هو مثير من جزئيات الحوادث المواقف: من حيث طريقة تقطيعها وتوصيلها، وطريقة تعامله مع (الزمن)، من حيث توحيده وتذويبه وفقاً للنمو النفسي أو لنموه الموضوعي حسب ما يستدعيه السياق.

طبيعياً أنَّ الحرص على تسجيل وقائع (فعلية) وما يواكبها من المواقف، لا يمكن أن يتم بسهولة إذا أخذنا بنظر الاعتبار صعوبة رصد العمليات الذهنية بالقياس إلى رصد الأحداث، التي يمكن أن ينتقي منها ما يتواسق ووجهة النظر التي يستهدفها القاص، على العكس من العمليات الذهنية التي لا يمكن تسجيلها البتة إلاّ من خلال النقل المباشر من لسان الأبطال أنفسهم.

فالقصة القرآنية - مثلاً - عندما تنقل لنا أفكار البطل، إنَّما ترتكن إلى كون الله تعالى (عالماً) بما في الصدور، بخلاف القاص الذي لا يمكنه معرفة أعماق الآخرين إلاّ إذا كشفوا هم أنفسهم عمّا تحمله أعماقهم من الأفكار والعواطف والاتجاهات. ولذلك من الممكن التغلّب على هذه الصعوبة من خلال إحدى الوسائل التي تعرض لها، فمثلاً يمكن للقاص أن يدخل إلى أعماق البطل مباشرة، على نحو ما يفعله الخبير أو المرشد النفسي الذي يعقد لقاء مباشراً مع الأشخاص، ثمَّ يبدأ بتسجيل كل ما يتحدَّثون به، موجهاً إليهم مختلف الأمثلة، حيث ينتخب من هذه الإجابات ما يتساوق مع (الهدف الفكري) الذي يريد إبرازه من القصة، ويخضعها لعمليات التقنية التي يتطلّبها شكل القصة.

كما أنّه من الممكن في ضوء الخبرة الثقافية التي يمتلكها القاص بالنسبة إلى التركيبة البشرية وطرائق استجابتها، أن يرصد أعماق البطل فيصفها أو يصوغها من خلال الحوار الداخلي، أو الحوار الجمعي، شريطة ألاَّ يتجاوز المبادئ العامة التي تحكم استجابات الأشخاص عادة، وإلاَّ فإنَّ الأمانة القصصية تُفرض عليه، بخاصة في عمليات الصراع والشدة والمواقف المعقَّدة، حيث لا يمكن التعرُّف على العمليات النفسية والذهنية التي رافقت الأبطال إلاَّ إذا وقف بنفسه على الحديث المباشر لهم.

الوسيلة الأخرى التي يمكن من خلالها للقاص أن يكون أميناً في نقل الحقائق الذهنية والنفسية للأبطال، هي: قصة (الحوار الداخلي) وقصة (السيرة الذاتية)، فهذان الشكلان القصصيان يتيحان للقاص أن يكون هو البطل ذاته. فالشكل الأول يعتمد تداعيات البطل من حيث تحرّك أفكاره من موقف لأخر، والمحاورة مع نفسه. والشكل الآخر يعتمد النقل المباشر لِمَا خبره القاص من الأحداث والمواقف والبيئات التي تخص تجربته. فإذا افترضنا أنّ القاص الإسلامي كان في صدد صياغة عمل قصصي يتّصل بإمكانيات (التعديل) للسلوك ونقل الآخرين من الظلمات إلى النور، سواء أكان ذلك في نطاق الموقف الفلسفي من الكون، أو النطاق السياسي، أو النطاق

٤٦

الأخلاقي أو غيرهما، حينئذ بمقدوره أن يتوكَّأ على تجاربه الشخصية (إذا كانت شخصيته قد شهدت فعلاً معالم هذا التعديل).

وأمَّا إذا كان القاص ذا شخصية (منبسطة) حسب المصطلح القصصي، لم يتعرَّض لأزمات فكرية ونفسية، حينئذ بمقدوره - مادام يستهدف تعديل سلوك الآخرين - أن يختار شخصية أخرى تنطبق عليها سمة الشخصية (النامية)، أي الشخصية التي خبرت (تغييراً) في معالم سلوكها (كما لو كانت ضالة فاهتدت). مثل هذه الشخصية - إذا كان القاص ممَّن يرتبط بعلاقة فردية أو علاقة غير مباشرة - بمقدوره أن يرسمها (بطلاً) لقصته بعد أن يكون قد عقد لقاءات مباشرة معها بالنحو الذي أشرنا إليه.

إذاً ثَمَّة أشكال قصصية يمكن أن ينتجها القاص، بنحو يستطيع من خلاله أن يسجّل (الهدف الفكري) الذي ينشده من وراء كتابة القصة، دون أن يقع في مفارقات (الاختلاق) القصصي، ويلغي - من ثمَّ - تلك الاتفاقية الصامتة بينه وبين القارئ في أسسها المختلقة، ويعوضّها بتقديم قصص (واقعية - قد حدثت فعلاً) في هذا الصدد.

الشخصية في العمل القصصي:

الشخصية أو (البطل) في العمل القصصي (روائياً ومسرحياً) يحتلّ كلّ شيء من العمل المذكور، طالما نعرف أنَّ جميع عناصر (القص): الحادثة، الموقف، البيئة، إنّما يحدّدها (شخص) يصدر عنه هذا الموقف أو ذاك، وهذه الحادثة أو تلك، ويتحرك ضمن هذه البيئة أو تلك.

ونحن لا تعنينا طرائق رسم البطل في القصة مادام نمط الرسم في العمل الفني - أيَّاً كان العمل: قصةً، أم شعراً، أم شكلاً آخر - خاضعاً لِمَا يفرضه السياق الفكري الذي يستهدفه الكاتب، إنَّما يعنينا من رسم البطل ما يتوافق مع التصور الإسلامي للشخصية.

الشخصية قد تكون (منحرفة) وقد تكون (سويّة)، والانحراف بنمطيه: الفسق والكفر، من الممكن أن يُرسم في القصة كما هو شأن القصص القرآني الذي يعرض لهذه الأنماط في ضوء التنبيه على كونها ملغاة من الحساب، أو كونها (تعدّل) من سلوكها في نهاية المطاف. وأمّا الشخصية (السويّة - المؤمنة) فتظل هي النموذج بطبيعة الحال.

إنّ ما ينبغي تأكيده في مجال الرسم للبطل هو: الوقوف أمام التيار الأرضي الذي يعنى بظاهرة (الصراع) في رسمه للأبطال.

الصراع بكل أشكاله: صراع البطل مع نفسه، مع الآخرين، مع القوى الكونية المحيطة به، يظل في الأعمال الأرضية تجسيداً لقمَّة الانتكاس البشري المنعزل عن السماء ومبادئها. لقد بدأ الصراع فنياً مع الفكر الوثني للأغارقة، حيث كان العمل المسرحي يأخذ خطورته عصرئذ، وكان الصراع مع أوثانه (الآلهة الخرافية) يشكل لبنة قوية في أساس الفن الغريقي، ثمَّ نما في الفكر الأوربي

٤٧

الحديث حتى بلغ ذروته في مجالات الجنس والاقتصاد والظاهرة الكونية ذاتها.

إنّ رسم البطل (متصارعاً) مع نفسه، أو الآخرين، أو الوجود، لا يتوافق إسلامياً مع الهدف العبادي الذي يعني: رسم البطل ملتزماً بمبادئ الله، خالياً من التشكيك والتنازع والتوتّر إلاّ في نطاق خاص يتجاوزه البطل في نهاية المطاف.

ويمكننا أن نفيد - كما أشرنا - من القصة القرآنية طرائقَ انتخاب البطل القصصي وفق ما يلي:

١ - انتخاب الأبطال الإيجابيين: كما هو شأن (الأنبياء) الذين رسمهم القرآن الكريم.

٢ - انتخابهم سلبيين: كما هو شأن الأفراد أو المجتمعات التي اكتسحها الطوفان، والريح، والصيحة... إلخ.

٣ - انتخابهم متأرجحين بين الإيجاب والسلب، مع تحديد عدة أشكال لمصائرهم: التحوّل إلى النمط الأخير من الأبطال، بالرغم من كونه يجسّد غالبية مجتمعاتنا، إلاّ أنّ رسمه وفق النموذج القرآني يفضي بالقاص إلى تحقيق مهمته الإسلامية. كما أنّ انتخاب النمط الإيجابي الصرف، بالرغم من ندرته، يفضي إلى الحقيقة ذاتها.

والأمر نفسه بالنسبة لانتخاب البطل السلبي الصرف، مادام المصير المرسوم له يفضي بالمتلقّي إلى أخذ العظة منه، ومن ثمَّ تعديل سلوكه في نهاية المطاف. بَيْد أنّ النمط الثالث (أي: المتأرجح بين الإيجاب والسلب) يظل ميداناً ينبغي للقاص الإسلامي أن يتحرّك من خلاله بحذر كبير، حتى ينجح في تحقيق مهمته الفنية.

ولعل أوضح نماذجه التي ينبغي أن نفيد منها، يتمثَّل في شخوص (السَّحَرَة) الذين رسمهم القرآن الكريم عِبر موقفهم من موسى وفرعون: حيث رسمهم (وقد تحوّلوا إلى الإيجاب) بعد أن عانوا صراعاً تشرحه النصوص المفسِّرة لنا بأنَّه صراع متعدد الأطراف، سواء أكان ذلك ناجماً من نوع المواجهة التي سيرتِّبونها إزاء فرعون، أو كان ناجماً من نوع الاستجابة التي انتهوا إليها.

بَيْد أنّ المتلقّي - وهو يواجه مثل هذا (التحوّل) من السلب إلى الإيجاب - سوف يستثمر ذلك من خلال معطيات متنوعة: فهو أولاً يتعلّم إمكانية التعديل للسلوك ؛ بصفة أنّ الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يمتلك مرونة وطواعية في إمكانات التغيير: حيث تحولّ السحرة من موقف يمثّل الالتواء كلّه، إلى موقف يمثِّل الاستواء كله. ويتعلّم أيضاً شجاعة الموقف وبسالة المواجهة والتحدي لمتسلّطٍ عاتٍ مثل فرعون، حيث هتفوا بوجهه( فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) . ويتعلّم ثالثاً تفاهة الحياة الدنيا قبال العطاء الأُخروي الضخم من خلال هتافهم المذكور.

وهذا النموذج يجسد النمط الأول من الصراع (التحوُّل إلى الإيجاب).

وأمَّا التحوُّل إلى السلب، فتمثّله شخصية (إبليس) فيما لا تعقيب لنا عليها، مادام التحوّل المذكور يفضي بالمتلقّي إلى تعلم السلوك المضاد له.

وأمَّا النموذج الثالث (استمرارية التأرجح بين الإيجاب والسلب)، فتمثِّله

٤٨

شخصية صاحب (الجنَّتين) الذي تباهى مدِّلاً على زميله بما لديه من جنّة ومجد، ثمَّ تشكيكه في قيام الساعة، ثمَّ عودته إلى إمكانية التفكير بها( وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ... ) ، ثمَّ الندم على ذلك( لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً ) ... حيث يفيد القارئ منها في تعديل سلوكه عِبر مواجهة هذا النمط من التمزُّق والتوتر والانسحاق، واستمراريتها في الشخص المذكور.

أخيراً يتعيَّن على القاص الإسلامي إلاَّ يعنى بقضايا (الصراع) إلاَّ من خلال مفهومه الإسلامي، المتمثِّل في مواجهته لوساوس الشيطان ودحرها في نهاية المطاف، ومن خلال تحسُّسه بخطورة الذنوب التي ألمَّ بها مثلاً، مقابل تحسُّسه - من الآن ذاته - بإمكانية تجاوز الله تعالى عنها: حيث يظل التأرجح بين الخوف والأمل (بما يواكبه من توتر) مطبوعاً بسمة الإيجاب، على الضد من التأرجح بين الخير والشر في نماذجه الأرضية التي أشرنا إليها، حيث إنّ التأرجح الأول يُحسِّس الشخصية بواقعها العبادي، في حين يظل التأرجح الآخر بمنأى عن إدراك الشخصية المنحرفة لوظيفتها العبادية التي أوكلتها السماء إلى الإنسان، بالنحو الذي تقدَّم الحديث عنه.

٤٩

الخطبة، الخاطرة، المقالة

ثَمَّة أشكال فنية أخرى لها تميُّزها الشَّكلي عن الشعر والقصة والمسرحية:

منها: الخطبة

وهي شكل فنّي يعتمد الأساس العاطفي في التعبير، مصحوبا بالأدوات الفنية من إيقاع وصورة ونحوهما من العناصر التي تطبع الفن، كل ما في الأمر أنَّ العنصر (العاطفي) - كما قلنا - يظل هو المسيطر عليها بما يواكبها من اللغة المباشرة أيضا.

وتتمثل أهميتها في إحداث التأثير المباشر على الجمهور حيث يستثمر الخطيب: (العقل الجمعي) لدى الجمهور في إحداث الإثارة المشار إليها.

ونظرا لاننا فصلنا الحديث عنها وعن خصائصها الفنية، في الحقل الخاص ب- (الفن التشريعي)، حينئذ نحيل القارئ إلى الحقل المذكور في نهاية الدراسة.

ومنها: الخاطرة

وهي شكل فنّي يعتمد (الإحساس المفرد) أساسا له في التعبير، مصوغة بعبارات قصيرة، مصورة، جميلة: تتناول حركة الإنسان والمجتمع والبيئة في شرائحها اليومية بنحو خاطف وعابر.

أيضا نحيل القارئ إلى حديثنا المفصّل عنها في الحقل الخاص بالفن التشريعي.

ومنها: المقالة

شكل فني يتناول موضوعا محددا من خلال لغة موشحّة بأدوات جالية عابرة دون أن يثقل بها حتى لا يتحول إلى عمل إنشائي، كما لا يتجرّد عن الأدوات المذكورة حتى لا يتحول إلى تعبير علمي.

هذا إلى أنَّنا - كما أشرنا - قد فصّلنا الحديث عن هذا الشكل وسواه في الحقل المتصل بالفن التشريعي، إلاَّ أنَّنا آثرنا الإشارة هنا إلى هذه الأشكال ما دامت بالأجناس الأدبية التي حرصنا على تسجيلها في هذا الحقل، بغية الوقوف عليها واستثمارها في الفن الإسلامي.

٥٠

النحت والرسم

تعدّ ممارسة (النحت) و(الرسم) في الأعمال الأرضية أمراً مألوفاً في حقل الفن، إلاَّ أنَّ ذلك - من حيث التصور الإسلامي - يظل عملاً غير مسموح به فيما يخص التصوير للإنسان والحيوان فحسب.

أمَّا ما يتَّصل بسواهما، فأمر لا غبار عليه إسلامياً، بل يقترن ذلك بعملية (تثمين) على نحو ما يحدِّثنا القرآن الكريم عن سليمانعليه‌السلام ، حيث سخّرت السماء له من قوى الجنّ مَن يعمل المحاريب والتماثيل... إلخ، فيما وردت النصوص عن أهل البيتعليهم‌السلام من أنّها تماثيل الشجر ونحوه وليس تماثيل الإنسان والحيوان.

ويثور السؤال: هل بمقدورنا أن نستكنه السر وراء الحظر لصنع التماثيل المتصلة بالإنسان والحيوان دون غيرهما ؟

عبادياً ليس من مهمَّتنا أن نبحث عن السرّ ؛ ما دمنا نعرف تماماً بأنّ (الأحكام) وغيرها (توقيفية)، لا مجال لمسرح العقول القاصرة فيها، فهناك مئآت من الظواهر المسموح بها أو غير المسموح بها نواجهها خلال قصورنا العقلي، الذي يندّ عن إدراك السمة الايجابية لِمَا هو مأمور به، والسمة السلبية للممارسة المنهي عنها.

وإذا كان البعض فيها قد أوضحته الشريعة ذاتها، والبغض الآخر قد أدركته البشرية خلال نموها العقلي في مراحله المختلفة، فإنّ البعض الثالث منها لا يزال مجهولاً بحكم القصور العقلي حيال استكناه الظواهر. ولعل الكشوفات العلمية لاحقاً تتكفَّل بهذه المهمة في هذا المجال أو ذلك.

المهم، أنَّ استشفاف السرّ إذا كان في بعض حالاته متعذراً، فإنَّه في حالات أخرى، ولو في نطاق ضئيل، من الممكن أن يتوفّر عليه الباحث هنا أو هناك، بقدر ما تسمح به خبراته العلمية والفنية في هذا الصدد.

وفيما يتصل بظاهرة (النحت): إذا كان من المسموح للمعنيّ بشئون الفن أن يضع خبراته في استشفاف بعض الدلالات الكامنة وراء الحظر الإسلامي للفن المذكور، فحينئذ لا مناص من الإشارة في البدء إلى أنّ هناك تفاوتاً في لغة (المنع): من حيث الفارق أولا بين المنع المتصل

٥١

بتصوير الإنسان والحيوان وبين غيرهما. ثمَّ بين عملية الصنع للتماثيل وبين مجرد اقتنائها، وإنْ كان الاقتناء نفسه محكوماً بدرجة أقل من الحظر في تصوّر آخر للظاهرة. ثمَّ إمكانية وجود فارق بين (النحت) وبين (الرسم) مثلاً. وإمكانية الفارق - من جانب رابع - بين مجرد (الرسم) وبين (حياكته) - مثلاً - إذا كانت الصورة قماشاً، أو بين (تجسيمها) من خلال (التطريز) على سبيل المثال كما يتّضح ذلك من خلال النصوص التشريعية الواردة في هذا الحقل.

إنَّ أمثلة هذه الفوارق قد تُلقي بعض الإنارة على محاولة استشفاف الدلالة النفسية، للغة (المنع) أو (التحفُّظ) حيال هذا الشكل الفنّي أو ذاك.

فيما يتصل بالفارق الرئيس، بين تصوير ذوى الأرواح (الإنسان والحيوان) وبين سواها ؛ من الممكن - كما يعلِّل البعض - أن يكون تجسيم ذي الروح مقترناً بظاهرة (الأصنام) وما تواكبها من الممارسات المتصلة بها، فيتجه الحظر إلى ذلك.

ومن الممكن - كما يرى البعض الأخر - أن تكون عملية (التجسيم) إشعاراً بمشاركة الفنان لله تعالى في الإبداع.

أمَّا التعليل الأول، فلا يمكن الاطمئنان إليه إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ التجسيم للشمس مثلاً (وقد وردت الإباحة لها) قد يقترن أيضاً بالتصور (الوثني) لعُبَّاد الشمس، فلماذا لم يتجه المنع إليه ؟ قد يجاب على ذلك بأنَّ (البيئة العربية، التي وردت النصوص في سياقها، لم تألف غير الأصنام )، إلاَّ أنّ ذلك من الممكن أن يُستبعد أيضاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ الممارسة الوثنية قد اختفت في عصور الأئمة المعصومينعليهم‌السلام فيما وردت نصوص الحظر عنهمعليه‌السلام .

أمَّا التصوّر الآخر، ونعني به أنّ التجسيم يحسّس الشخص بمشاركته لله تعالى في الإبداع - فأمر له مسوِّغاته في تصورنا، بخاصة أنّ بعض النصوص المعلِّلة للمنع تحوم على هذه الدلالة، من نحو النص القائل: ( مَن صوّر صورة كلفّه الله تعالى أن ينفخ فيها )، ونحو: ( مَن صوّر صورة من الحيوان يعذّب حتى ينفخ فيها )، ونحو: ( مَن صوّر صورة: عُذِّب وكُلِّف أن ينفخ فيها ).

إنَّ أمثلة هذه النصوص التي تحوم على المطالبة بنفخ الروح ؛ تقتادنا إلى استشفاف أنّ الفنان قد يغمره إحساس خاص حيال عمله الفني، كأنّ يتحسّس بكونه قادراً - مثلاً - بتحريك الكائن المنحوت وفق مشيئته.

طبيعياً أنَّ تجسيم الشمس أو الشجر (كما وردت النصوص تبيح ممارستها) قد يقترن أيضاً بأحاسيس مماثلة، إلاَّ أنَّها تختلف تماماً عن الأحاسيس المتصلة بتجسيم الإنسان والحيوان، فهذا التجسيم يظل على صلة بسِمَتي (الإرادة) و(الإحساس)، حينما تقترنان بالتصوّر البشري حيال تحريكهما وفق مشيئة هذا الفنان أو ذاك، إذ تولِّدان فيه نمطاً من الخبرات الملتوية وتسقطانه في شائبة التصوير للروح بنحو أو بآخر.

٥٢

ومما يعزّز هذا الذهاب أيضاً، ملاحظة الفارق (في لسان بعض النصوص) بين صنع التماثيل وبين اقتنائها، فامتلاكك إيَّاها - مثلاً - لا يقترن مباشرة بمشاعر (الصنع) كما هو واضح ؛ ولذلك نجد بعض النصوص لا تمانع من ذلك، بل تطالب بأن يطرح - مثلاً - شيئاً عليها خلال ممارسة الصلاة... وهذا فيما يتصل بعملية (النحت).

أمَّا ما يتصل بعملية (الرسم)، فقد ورد في بعض النصوص ما يشير إلى المطالبة بتكسير رءوس (التماثيل)، وبتلطيخ رءوس (التصاوير)، حيث نستخلص من ذلك: أنّ المقصود ب- (التصاوير) هو (الرسم) بقرينة (التلطيخ)، وأنَّ المقصود من (التماثيل) هو(النحت) بقرينة (التكسير)، وإلى أنَّ (الرسم) - من ثمَّ - محكوم بنفس المنع. علما بأنَّ عملية التجسيم لِما هو (مرسوم)، من خلال تكثيف عملية الرسم مثلاً، أو تطريزه إذا كان قماشاً، يظل طابعاً مشتركاً مع عملية (النحت) من حيث خضوع كليهما إلى عملية (تجسيم).

وأيَّاً كان الأمر، فإنَّ الممارسات المذكورة، نحتاً كانت أم رسماً، صنعاً كانت أم اقتناءً، من الأفضل عبادياً اجتنابها جمعياً، المحرمة منها إلزاماً، والمتحفّظ حيالها تنزّها، بخاصة إذا أدركنا أنَّ بعض الحروب الإسلامية التي خاضهاعليه‌السلام قد اقترنت بتحطيم التماثيل والرسوم التي واجهها في عملية الفتح.

٥٣

الفنّ واتجاهاته:

تاريخياً نشأت اتجاهات أو مذاهب فنية جاء بعضها صدىً لانعكاسات الفلسفات الأرضية عليها، وبعضها فرضته أوضاع اجتماعية خاصة، وبعضها يمثِّل مجرّد تطوُّر فني أفرزته طبيعة الثقافة العامة لهذا المجتمع أو ذاك.

أمَّا إسلامياً، فلا نعتقد بأهمية مثل هذه الاتجاهات أو المذاهب التي يؤرِّخ لها الأرضيون المعنيُّون بشئون الفن ؛ مادمنا - من جانب - نمتلك تصوراً خاصاً حيال الحياة، ومادامت هذه الاتجاهات - من جانب آخر - لا تجد لها في خارطة الفن المعاصر موقعاً ذا بال، بقدر ما تُمثِّل مرحلة تاريخية تجاوزها المعاصرون، إلاَّ في نطاق محدود لا مانع من العرض لها الآن عابراً حتى نتبيَّن مدى إمكانية التعامل مع دلالاتها ( فنيِّاً )، أو عدم إمكانية ذلك، في ضوء التصور الإسلامي لها.

من هذه المذاهب:

الاتجاه التقليدي:

يتميَّز هذا الإتجاه بطابعه التأريخي من حيث كونه يمثّل مرحلة زمنية تماثلت من خلالها آداب العالم في الخطوط التي طبعتها، فهناك حضارات أُولى أفرزت نمطاً من الآداب يسمها البُعد المنطقي، أي غلبة العنصر (العقلي)، وفخامة اللغة التي فرضها البعد المنطقي المذكور.

ونظراً لانطفاء هذه الحضارات أو توقّف نموها، ثم عودتها مع ما يسمّى بعصور النهضة الحديثة، حينئذٍ فإن إحياءها من جديد فرض فاعليّته على المراحل الأولى من العصر المذكور. ولذلك أصبح هذا التيّار فيما بعد (رمزاً) لمنطلق الآداب القديمة، وأصبح (تراثاً) أكثر منه مذهباً فنياً، بالرغم من أن بعض مبادئه الفنية لازالت محتفظة بفاعليتها من الآداب المعاصرة مثل (عضوية العمل الفني)، أي تلاحم أجزائه الموضوعية بعضاً مع الآخر وارتباطها وفق سببية محكمة، ومثل نظرية ( التطهير - في التراث الأغريقي)، التي تعني إثارة عاطفية (الشفقة) و (الخوف) لدى المتلقِّي، بصفة أن (الخوف) من العقاب يحمل الفرد على تجنّب الخطأ و(الاشفاق) من المصير السلبي للشخص، يحمل الآخرين على التجنّب المذكور.

٥٤

إسلامياً: تظل عملية ( وحدة العمل الفني ) و( التطهير ) أمراً لا غبار عليه، على أنّ يفصل ذلك من السياق الأرضي له. مع ملاحظة أن القصة القرآنية الكريمة، أو السورة من حيث هيكلها العماري العام، تفرز خطوطاً في ميدان ( وحدة النص ) والإثارة العاطفية ما يغنينا عن ذلك، بخاصة إذا أخذنا الاعتبار أن وحدة العمل الفني في تجارب الأرض، بدأت منحصرة في انتقاء ( موضوع ) محدَّد ترتبط مفرداته بقانون السببية، ثمَّ تطوّرت بعد ذلك إلى تعدّد ( الموضوعات )، مع ارتباطها بوحدة ( فكرية ) تجمع بينها، ثمَّ تطورت - ثالثاً - حتى شملت التلاحم بين مختلف العناصر ( موضوعيَّاً وفنّياً )، أي تلاحم الموضوع مع أدوات الفن من لغة وصورة وصوت... إلخ. وكل أولئك يمكننا ملاحظته في النص القرآني الكريم - سورة أم قصة - بنحو يتجاوز مراحل التطور الأرضي المشار إليه، ممّا يقصر عنه التصور الفني المحدود بطبيعة الحال.

ومنها:

الاتجاه الرومانسي

يقول مؤرّخو الفن بأن هذا الاتجاه يمثّل استجابة عاطفية لمنطقية الاتجاه السابق، حيث برز في القرن الماضي، وهو قرن شهد تغييراً في أوضاعه العلمية والاجتماعية سحب آثاره على الفنانين، ولابد أن يتم ذلك على نحو ( انفعالي ) يتناسب مع عمليات التغيير.

وقد صحب هذا الاتجاه أكثر من مبدأ فني، حيث طوّر مفهوم عضوية العمل الأدبي وجعله متسعاً، تتعدد الموضوعات [فيه] بدلاً من قصرها على واحد، مع ربطها بخيط فكرى يوحّد بينها. كما أنه جنح إلى بساطة اللغة بدلاً من الفخامة التي طبعت الاتجاه الأسبق.

إسلامياً: لا غبار على هذا الجانب الفني من الاتجاه المذكور، مادمنا قد أشرنا إلى أنّ وحدة العمل الفني، بجميع مستوياتها، قد أغنانا القرآن الكريم عن استثمار معطياتها. كما أن بساطة اللغة تظل واحداً من أهم المبادئ الفنية التي يشدّد الإسلام عليها، عبر مطالبته ب- ( الوضوح ) في التعبير.

إلاّ أنّ ( البعد العاطفي ) لدى هذا الاتجاه يظل على الضدّ تماماً من التصوّر الإسلامي، حيث سبق أن أوضحنا بأن الإسلام ينظّم استجابة الشخص وفق طابع سوّى، موسوم بالنضج وبالرصانة وبالتعامل الواقعي مع الظواهر، في حين يظل الاتجاه الرومانسي موسوماً ليس ببعده الانفعالي فحسب، بل يتضخّم درجة هذا الانفعال بنحو فَصَلَ بعض ممارسيه عن أرض ( الواقع ) تماماً، وجنح به إلى عوالم الوهم والتخيّل اللذين يثيران الإشفاق ، فضلاً عن سمة ( الابتذال ) التي طبعت هذا الاتجاه ( عقلياً ) مثل ما طبعته في لغته الفنية أيضاً.

المهم أنّ هذا الاتجاه لا فاعلية له في الحياة الأدبية المعاصرة، إلاّ أنّ طابعه ( الذاتي ) يظل محتفظاً ببعض خطوطه، مع تلوّنها بطابع هذا العصر بكل تعقيداته التي لا فائدة من التحدّث عنها الآن. كما أنّ خطوطه الفنية ( وحدة العمل الأدبي وبساطة لغته )، تظل ذات فاعلية موسومة

٥٥

بالمستوى ذاته من النسبية التي أشرنا إليها.

ومنها:

الاتجاه الرمزي

هذا الاتجاه نشأ بدوره في القرن الماضي، منطلقاً من الحقائق النفسية التي تذهب - كما يقول مؤرّخو هذا الاتجاه - إلى أنّ استجاباتنا، أو وعينا للشيء، هو الذي يخلع على الظواهر هذه الدلالة أو تلك، وإلى أنَّ ( اللغة ) بصفتها محدودة - من حيث مفرداتها - ترتطم بالحقائق النفسية التي لا حدود لها ؛ مما يستتلي ذلك اللجوء إلى ( الرمز )، بصفته تعبيراً مكثَّفاً ومليئاً بالإيحاءات المتنوّعة التي تشي بمختلف الدلالات: حسب خبرات الكاتب أو القارئ. وهذا يعني أنّ ( الرمز ) تعبير محدود عن معانٍ لا محدودة.

ويضيف مؤرّخو هذا الاتجاه إلى أن حواس الشخصية ( سمع، بصر، ذوق... ) تتبادل التأثيرات فيما بينها ؛ نظراً للغة النفسية التي توحّد بينها، مما يعني أنّها تثرى الإمكانات الإيحائية للرمز.

إسلامياً: لا غبار على هذا النمط من استخدام اللغة، شريطة أن تظل ( الرموز ) محتفظة بوسيلتها، أي بكونها مجرد ( وسيلة ) للإفصاح عن كثافة الدلالة، لا أن يتحوّل إلى غابة كثيفة، مضببَّة، فيما نلحظ ذلك من نتاج الكثير من أصحاب هذا الاتجاه. إنّ التعبير القرآني الكريم تتخلَّله ( رموز ) متنوّعة - أشرنا إلى جانب منها في الدراسة المتصلة بالفن التشريعي - إلاَّ أنّها تتسم بطابع ( الوضوح )، بحيث يمكن استحضار أطرافها دون إرهاق.

وإذا كانت مبادئ الفنّ - إسلامياً - تتمثّل في الاقتصاد والعمق والوضوح ( كما ألمح أئمة التشريع (عليه‌السلام ) إلى ذلك )، فإن ( الرمز ) - في نصوص القرآن والحديث - يجسد المبادئ المذكورة تماماً ؛ بصفة أنَّ ( الرمز ) نفسه عملية ( اقتصاد لُغوي )، كما أنَّ سعة الدلالة التي يعبّر عنها الرمز تمثِّل المبدأ الآخر للفن، وهو ( العمق ). فإذا تمّ انتخاب الرمز بنحو غير مضبَّب، حينئذٍ فإن المبدأ الثالث، وهو ( الوضوح )، يتحقق في ذلك أيضاً.

إذاً من حيث التصور الإسلامي للغة الفن، يظل ( الرمز ) حاملاً مسوِّغاته بالنحو الذي أشرنا إليه. وأمَّا أرضياً، فإن هذا الاتجاه - بصفته تياراً مستقلاً بذاته - لا يحتفظ بحدوده المستقلة في خارطة الأدب المعاصر، لكنه يحتفظ بفاعلية كبيرة، لعلها لا تضارعها أيَّة فاعلية أخرى: من حيث جوهر ( الرمز ) وإمكاناته الإيحائية التي لا حدود لها، وليس من حيث كونه اتجاهاً له خطوطه التي تميّزه - تاريخياً - عن غيره من الاتجاهات.

ومنها:

الاتجاه السريالي

وهو اتجاه أفاد من مكتشفات علم النفس التحليلي الذي ظهر مع بدايات هذا القرن، و

٥٦

تأكيده على فاعلية الحياة ( اللاشعورية ).

ويقول مؤرِّخو هذا الاتجاه، بأن الفنانين قد استثمروا - فنياً وفكرياً - ظهور هذه المدرسة، بعد أن كانت الحرب العالمية الأولى قد تركت في نفوسهم استجابات مريرة، تتمثّل في خيبة أملهم بالحضارة التي أفرزت مثل هذه الحروب.

وبدلاً من أن يتَّجه الفنَّانون - كما هو شأن الشخصية السوية - إلى رفض القيم المادية التي أفرزت أمثلة ذلك الدمار، بدلاً من ذلك اتجهوا - كما يقول المؤرّخون - إلى سلوك مرضي، هو التمرّد على بقايا الحياة الخُلقية التي احتفظ بها المنعزلون عن مبادئ السماء، فجنحوا إلى الفوضى والتهكُّم والسخرية في ضوء وقوفهم على فوضوية الحياة اللاشعورية ومشروعية رغباتها، وإنْ كانت ممنوعة اجتماعياً.. حسب زعم رائد هذه المدرسة النفسية.

إنَّ ما يعنينا - إسلامياً - من هذا الاتجاه، هو انعكاس المكتشفات اللاشعورية على الصياغة الفنية لروّاده، وهو انعكاس لا ينحصر في هذا الاتجاه، بل يتجاوزه إلى مطلق الفنانين الذين أفادوا من مكتشفات اللاشعور في العمل الفني، حيث ركنوا إلى ظواهر مثل ( الحُلْم ) و( التداعي الذهني ) ونحوهما من الأدوات الفنيّة.

طبيعياً، لا غبار على استخدام أمثلة هذه الأدوات ( الحلم، التداعي الذهني،... ) في العمل الفني، مادامت مجرد أداة فنية، بخاصة أنَّ المشرع الإسلامي نفسه قد أشار إلى الحياة اللاشعورية للإنسان، عبر نصوص وردت عن الإمام عليعليه‌السلام والإمام السجادعليه‌السلام والإمام الصادقعليه‌السلام تتصل بظواهر هفوات اللسان، والمزاح، والتكبر، من حيث صلتها باللاشعور الذي اكتشفه الأرضيون في زمن متأخر.

أمَّا فكرياً، فبالرغم من أنَّ الإسلام أقرّ بفاعلية الحياة اللاشعورية، إلاَّ أنَّه يرفض طبيعة التفسير الأرضي، بخاصة التفسير الجنسي والعدواني الذي تقوم عليه أُسس هذه المدرسة. مع ملاحظة أنَّ تلامذة هذا التيار نفسه، قد شكّكوا بقيمة التفسير المشار إليه، كما أنّ الاتجاه المعاصر لمدرسة التحليل النفسي يرفض بدوره أمثلة هذا التأكيد على ظاهرتي ( الجنس والعدوان )، بل إنّ الاتجاه التحليلي الأحداث بدأ يشدّد على ( الأنا ) أو ( الشعور ) بدلاً من المبالغة في فاعلية اللاشعور، وهو أمر يفسِّر لنا مدى تهافت هذه النظرية وإفلاسها علمياً حتى في نطاق البحث الأرضي لها.

***

اتجاهات فكرية

التيارات التي أشرنا إليها ( الكلاسيكية، الرومانسية، الرمزية، السريالية )، بالرغم من كونها منشطرة إلى ما هو ( فني ) صرف، وإلى ما هو مزيج بين الفن والفلسفة الفكرية التي ترفده، تظل متميزة عن اتجاهات أخرى يغلب عليها الطابع الفكري، وهي اتجاهات بدأت مع القرن الماضي، مثل:

٥٧

( الواقعية ) ( الطبيعية )، ومع القرن الحالي في عقوده الأولى: ( الواقعية الانتقادية ) ( الواقعية الاشتراكية )، وخلال وبعد الحرب العالمية الأخيرة ( الوجودية ) ( اللامعقول )... إلخ.

إنَّ أمثلة هذه الاتجاهات بالرغم من توسّلها بأدوات فنية تفرز اتجاهاً عن آخر، وبالرغم من تباينها فكرياً وزمنيّاً، إلاَّ أنَّها تظل إفرازاً مريضاً من إفرازات الحضارة المنعزلة عن السماء: شرقاً وغرباً، فيما يضادها الإسلام تماماً، وهو أمر يقتادنا ليس إلى رفضها فحسب، بل إلى ضرورة التوفّر على صياغة اتجاه إسلامي محدَّد، يُعنى بالجانب الفنّي في ضوء المبادئ التي نحاول - في هذه الدراسة - الوقوف عندها من خلال مبادئ ( الفن التشريعي ) نفسه - كما كرَّرنا، ومن خلال الخطوط العامة لرسالة الإسلام.

* * *

الحقول المتقدّمة التي عرضنا فيها مجمل التصور الإسلامي للفن، تظل متصلة بظاهرة ( الفن ) من حيث كونه عملاً إبداعياً، وهو أمر يظل متميِّزاً عن عمل آخر، هو دراسة هذا الفنّ من حيث ( تقويمه ) وتبيين قيمه الجمالية والفكرية، وملاحظة مستوياته إيجاباً أو سلباً، حيث ينتظم ذلك حقل خاص هو:

٥٨

الفنّ ودراسته

عندما نطلق كلمة: ( الفن )، فإنَّها تعني حيناً ما يصطلح عليه باسم ( الفن الإنشائي )، وحيناً آخر ( الفن الوصفي أو المعياري ).

أمَّا الفن أو الأدب الإنشائي، فيقصد به: التجربة الوجدانية التي يصوغها الشاعر أو القاص أو الخطيب، وفق أحد الأشكال التي تقدم الحديث عنها ( القصيدة، القصة، المسرحية، الخاطرة، الخطبة... إلخ ).

وأمَّا الفن أو ( الأدب الوصفي )، فيقصد به: دراسة الأشكال الفنية المذكورة ( القصيدة، القصة، المسرحية... إلخ )، أي: تبيين القيمة الفنية لها، من حيث كونها جيدة أم رديئة، بما يواكب ذلك من محاولة تحليلها وتفسيرها. وهذا النمط الأخير - أي: الأدب الوصفي - يتميّز عن سابقه ( الأدب الإنشائي )، بكونه يعتمد: التعبير المباشر أو العلمي أو العادي.

لذلك، فإن إطلاق اسم ( الأدب ) أو ( الفنّ ) عليه، يظل تجوّزاً وليس حقيقة ؛ بصفة أنَّه لا يختلف عن البحث العلمي الذي يتناول دراسة إحدى الظواهر وفق منهج خاص، قائم على الملاحظة والاستقراء والاستنتاج.. ونحوها، مما هو مألوف في دراسة العلوم الإنسانية أو البحتة. كل ما في الأمر، أن الدارس الفني من الممكن أنَّ يعتمد، ولو جزئياً، لغة الفن من: ( تخيّل ) و( عاطفة ) و( إيقاع ) ونحوها.. مما ينتظم الأدب الإنشائي، كما أنه من الممكن إلاَّ يعتمد ذلك، فيحصر معالجته في اللغة العلمية البحتة، أو يوشحها عابراً بلغة الفنّ.

المهم، أنّ دراسة الفنّ تظلّ منتسبة بعامة إلى لغة ( العلم ) وليس إلى لغة ( الفن )، وهو ما نحاول تسجيله في هذا الحقل الذي أسميناه ب- ( الفن ودراسته).

* * *

نظرية الفنّ:

ولعل أول ما ينبغي تسجيله في هذا الحقل، هو: تحديد مستويات ( الدراسة للفن )، حيث يمكن دراسته من خلال (النظرية ) فحسب، كما لو قمنا بعملية تعريف للفن، وماهيته، ووظيفته ،

٥٩

وعناصره، وأشكاله، واتجاهاته... إلخ، وهو ما ينسحب عليه طابع ( الدراسة ) التي قدّمناها في الحقول السابقة.

ويمكن دراسة الفنّ أيضاً ليس من خلال ( النظرية )، التي تعني صياغة القواعد أو المبادئ أو القوانين للفنّ، بل من خلال ( التطبيق )، أي: دراسة النص الإنشائي ( قصة، مسرحية... إلخ ) في ضوء القوانين الفنية المشار إليها، أو دراسة النص الوصفي ( كما لو حاولنا تقويم الدراسة نفسها، مثل تبيين مواطن الجودة أو الرداءة في الدراسة النظرية أو التطبيقية التي يقدّمها الدارس).

بَيْد أن الدراسة ( التطبيقية ) المشار إليها، قد تأخذ طابعاً عاماً ( كما لو درسنا القصيدة من خلال تبيين قيمتها فنياً وفكرياً )، وهو ما يطلق عليه اسم ( النقد الأدبي أو الفنّي ). وقد تأخذ الدراسة طابعاً خاصاً هو: محاولة التأريخ لها، أي: إخضاعها للبعد التاريخي، من حيث نشأة الفن وتطوّره ومراحله... إلخ.

وبالرغم من أن ( النقد الأدبي ) في أحد أشكاله - وهو ( النقد التاريخي ) - من الممكن أنَّ ينهض بهذه المهمة، إلاَّ أن الدارسين اعتادوا أن يفرزوا نمطين من ( التأريخ ):

أحدهما: وضع النص المدروس في إطاره الاجتماعي الذي ولد فيه، وهو ما يخص ( النقد التاريخي ).

والآخر: دراسة الفن من حيث كونه ظاهرة تندرج ضمن التأريخ العام للبشرية، فيؤرَّخ له كما يؤرَّخ للأحداث الاجتماعية أو السياسية أو سواهما، وهو ما يخص ( تاريخ الأدب أو الفنّ ).

وفي ضوء هذا التمييز نتقدّم إلى دراسة ( النقد الأدبي ) أولا، ثمَّ دراسة ( تاريخ الأدب )... حيث نبدأ الآن بدراسة:

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191