كتاب الصلاة الجزء ١

كتاب الصلاة0%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 410

كتاب الصلاة

مؤلف: الميرزا محمد حسين الغروي النائيني
تصنيف:

الصفحات: 410
المشاهدات: 18508
تحميل: 3920


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 410 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18508 / تحميل: 3920
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء 1

مؤلف:
العربية

أثنائها، وذلك لانه لاإشكال في امتياز صلاة البالغ مع غيره ولو باعتبار تبدل صفة الامر وتأكد الطلب بالنسبة إلى البالغ، وحينئذ فمن المحتمل أن يكون لهذه الصفة دخل في استئناف الصلاة التي بلغ في أثنائها وإعادة الصلاة التي بلغ بعدها.

وبعبارة اخرى: لاريب في نقصان صلاة الصبي عن غيره وإن اشتملت على الملاك واتحدت مع غيره في ذلك، إلا أن المراد من اتحاد الملاك هو عدم تباين الملاكين بحيث لم يكن بينهما جهة جامعة أصلا، لا أن يكون المراد منه هو اشتمال عبادة الصبي بتمام ما اشتملت عليه عبادة البالغ بحيث تكون وافية بتمام الغرض، فإنه لاإشكال في أن للبلوغ دخلا ولو في تبدل صفة الامر وحينئذ فمن المحتمل في عالم الثبوت أن يكون المقدار الباقي من المصلحة التي تشتمل عليه عبادة البالغ باعتبار عروض صفة الوجوب لازمة التحصيل أيضا، بحيث يمكن استيفاؤها مع فعل الصبي الصلاة الناقصة ويمكن أن لايكون قابلا للاستيفاء، وهذا البحث سيال في جميع الناقص مع الكامل، كالصلاة بالطهارة الترابية، والصلاة بالطهارة المائية، وغير ذلك من أفراد الناقص والكامل.

وحينئذ فإن كان في مقام الاثبات ما يعين أحدهما فهو، وإلا كان المتبع هو إطلاقات الادلة، إذ لاإشكال في شمول قوله تعالى: أقيموا الصلاة لعموم البالغين سواء فعلوا ما هو وظيفتهم في حال الصباوة من الصلاة أو لم يفعلوا، فحينئذ يلزم على الصبي البالغ أن يمتثل هذا الامر وإن امتثل الامر الاستحبابي قبل ذلك، ولازم ذلك هو استئناف الصلاة لو بلغ في اثنائها وإعادتها لو بلغ بعدها، فتأمل.

فإن التمسك بالاطلاقات بعد الاعتراف باتحاد حقيقة المأمور به وأن صلاة الصبي بناء على الشرعية متحدة بالهوية مع صلاة البالغ، وكذا اتحاد الامر وأن التبدل إنما هو في الصفة فقط، لايخلو عن إشكال فإنه لاموضوع حينئذ

١٢١

لتلك المطلقات، فتأمل فإن المسألة بعد لاتخلو عن إشكال، هذا كله في الصلاة.

وأما الصيام فلا إشكال في عدم وجوب الاتمام لو بلغ بعد الفجر ولو بلحظة، لاعتبار اجتماع شرائط التكليف من أول الوقت، ولم يقم دليل على الاجتزاء لو حصلت في بعض الوقت كما ورد في باب الحج.

بقي الكلام في الطهارة وأنه لو تطهر الصبي ثم بلغ فهل له الصلاة بتلك الطهارة أو يجب إعادتها؟ الظاهر أنه لاينبغي الاشكال أيضا في عدم لزوم الاعادة، لان المفروض أنه تكفي الطهارة المستحبة لاجل الغايات المستحبة في فعل الصلاة الواجبة بهها ولايحتاج إلى إعادتها، لان الطهارة المستحبة كالطهارة الواجبة رافعة للحدث، ولايشترط في الصلاة أزيد من رفع الحدث، وطهارة الصبي بناء على الشرعية تكون كسائر الطهارات المستحبة في رافعيتها للحدث، والبلوغ لم يكن من الاحداث الرافع للطهارة فلا يحتاج لى إعادتها بعد البلوغ، إذ الطهارة حينئذ تكون كسائر الشرائط الحاصلة له قبل البلوغ من الساتر وغيره، فتأمل جيدا.

المسألة الثالثة: لا إشكال في أن مقتضي القاعدة الاولية هو لزوم تحصيل العلم بالوقت مع إمكانه، ولايكتفي بالظن لاصالة حرمة العمل به إلا أن يقوم دليل على اعتباره إما مطلقا أو في الجملة، وحيث إن العلم بدخول الوقت ممكن ولو بالصبر إلى أن يعلم أنه قد زال الزوال أو صار المغرب، وليس الوقت كسائر الموضوعات الاخر التي يمكن تعذر العلم بها، كالقبلة مثلا فإن الشخص يمكن أن لايحصل له العلم بالقبلة أبدا، وهذا بخلاف الوقت فإنه يبعد أن لايحصل العلم به إلى أن يخرج الوقت، فتحصيل العلم بالوقت ممكن لعامة الناس ولو بالصبر، فمقتضى القاعدة هو لزوم الصبر إلى أن يحصل العلم بدخول الوقت وعدم الاعتماد على الظن، خصوصا إذا أمكنه تحصيل العلم به في أول الوقت بلا حاجة إلى

١٢٢

الصبر، فإن الظاهر قيام الاجماع ععلى عدم جواز التعويل بالظن المطلق من أي سبب كان.

وإن كان ربما نسب الخلاف إلى بعض الاعلام على ما في الجواهر(١) إلا أن عبارات من نسب إليه الخلاف لاتدل على جواز العمل بالظن مطلقا حتى مع إمكان تحصيل العلم به في أوله، فراجع الجواهر.

نعم قد تردد في الذخيرة على ما نقل في المسألة، لخبر إبن رياح عن الصادقعليه‌السلام قال: إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت، ولم يدخل الوقت فدخل وأنت في الصلاة، فقد أجزأت عنك، بدعوى إرادة الظن من لفظ " ترى " لكونه معناه(٢) . وأنت خبير بفساده، لان ترى مأخوذ من الرؤية، وهو أقريب إلى العلم من الظن، بل ربما يدعى ظهوره في العلم، وعلى تقدير عدم ظهوره في ذلك فلا أقل من صلاحيته لذلك، فلا يمكن دعوى ظهوره في الظن.

وبالجملة: بعد لم يقم دليل على اعتبار مطلق الظن في معرفة الوقت مع التمكن من تحصيل العلم من غير صبر، ولم يعلم به قائل أيضا. نعم ذهب بعض الاعلام على اعتبار خصوص أذان الثقة العارف بالوقت، لجملة من الاخبار الظاهرة أو الصريحة في جواز التعويل بأذان الثقة التي بإطلاقها تشمل صورة التمكن من تحصيل العلم، فمنها: قول الصادقعليه‌السلام في الصحيح: صل الجمعة بأذان هؤلاء، فإنهم أشد شئ مواظبة على الوقت(٣) ومنها: خبر محمد بن خالد القسري قال له أيضا: أخاف أن اصلي الجمعة قبل أن

____________________

(١) جواهر الكلام: ج ٧ ص ٢٦٥ س ١٣ من كتاب الصلاة.

(٢) ذخيرة المعاد: ص ٢٠٨ س ٣٠ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ٦١٨ باب ٣ من أبواب الاذان والاقامة، ح ١. [ * ]

١٢٣

تزول الشمس، فقال: إنما ذلك على المؤذنين(١) .

ومنها: قولهمعليهم‌السلام : المؤذن مؤتمن(٢) ، والمؤذنون امناء(٣) . وأمثال هذه التعبيرات الظاهرة في اعتبار أذانه، كاعتبار أقوال سائر الامناء في سائر المقامات. وإطلاق هذه الاخبار مع جملة اخرى لم نذكرها تدل على جواز الاعتماد بقول المؤذن في باب الوقت، حتى مع التمكن من تحصيل العلم من دون صبر، وحتى مع عدم حصول العلم من أذان المؤذن. بل في بعضها يقرب من التصريح باعتبار الاذان مع عدم حصول العلم به، كالرواية المتقدمة قال له: أخاف أن اصلي الجمعة قبل أن تزول الشمس، فقالعليه‌السلام : إنما ذلك على المؤذنين.

فإن ظاهره اعتبار الاذان حتى مع الخوف والشك، فحمل هذه الاخبار على صورة حصول العلم بالوقت بأذان المؤذن بعيد في الغاية. مع أنه بناء على هذا لايكون خصوصية في الاذان بل هو كسائر الاسباب المفيدة للعلم، فتخصيص الاذان بالسؤال والجواب يكون بلا وجه، وهذا مبعد آخر على الحمل المذكور. فالانصاف أن دلالة هذه الاخبار على اعتبار أذان المؤذن في غاية القوة.

نعم في خبر علي بن جعفر عن أخيهعليه‌السلام ما يدل على عدم العبرة بأذان المؤذن حتى يحصل له العلم، فإن فيه في الرجل يسمع الاذان، فيصلي الفجر ولايدري أطلع الفجر أم لا، غير أنه يظن لمكان الاذان أنه طلع، قالعليه‌السلام : لايجزيه حتى يعلم أنه طلع(٤) . فهذا الخبر بظاهره يعارض تلك المطلقات بالاعم

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٦١٨ باب ٣ من أبواب الاذان والاقامة، ح ٣، وفيه اختلاف يسير.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٦١٨ باب ٣ من أبواب الاذذان والاقامة، ح ٢.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ٦١٩ باب ٤ من أبواب الاذان والاقامة، ح ٦، وفيه اختلاف يسير.

(٤) الوسائل: ج ٣ ص ٢٠٣ باب ٥٨ من أبواب المواقيت، ح ٤ وفيه اختلاف يسير. [ * ]

١٢٤

المطلق، بل يعارض مع بعضها بالتباين. وحمل الخبر على ما إذا لم يكن المؤذن بمؤتمن وغير عارف بالوقت مما لاشاهد له، كما أنه يبعد تقييد تلك المطلقات بمثل هذا الخبر لقوة تلك المطلقات في الغاية، مع أنه قد عرفت أن في بعضها ما يأبى عن التقييد، فيدور الامر بين طرح تلك المطلقات والاخذ بهذا الخبر والفتوى بضمونه من أنه لابد من تحصيل العلم مع التمكن كما نسب إلى المشهور، بل ربما ادعى عليه الاجماع على ما نقل، أو طرح هذا الخبر والاخذ بتلك المطلقات والفتوى بمضمونها من اعتبار أذان المؤذن مطلقا حتى مع التمكن من تحصيل العلم كما قال به بعض الاعلام، ولم يعلم حال الطبقة الاولى من العلماء الذي يكون عملهم هوالجابر والكاسر، وأنهم هل أفتوا بمضمون المطلقات وطرحوا الخبر أو بالعكس، ومن هنا استشكل شيخنا الاستاذ مدظله في هذه المسألة ولم يرجح أحد الطرفين، ولكن الانصاف أن العمل بالمطلقات لايخلو عن قوة.

ثم إن هذه الاخبار إنما دلت على اعتبار أذان المؤذن فقط، وأما قول المؤذن وإخباره بدخول الوقت من دون أذان فلايبعد إلحاقه بالاذان، ودعوى القطع بعدم خصوصية في الاذان ليست بتلك المثابة من البعد، وإن استشكل في ذلك أيضا شيخنا الاستاذ مد ظله هذا كله في الاذان.

وأما البينة فلاينبغي الاشكال في اعتبارها وأنها في عرض العلم، لعموم قولهعليه‌السلام : والاشياء كلها على ذلك حتى تستبين أو تقوم به البينة(١) . ودعوى أن المشار إليه في ذلك إنما هو خصوص الحلية والحرمة، فلايعم ما نحن فيه وما شابهه من الشرائط والاجزاء وغير ذلك من الموضوعات، ضعيفة

____________________

(١) الوسائل: ج ١٢ ص ٦٠ باب ٤ من أبواب ما يكتسب به، ح ٤ وفيه اختلاف يسير. [ * ]

١٢٥

جدا، فإن المراد من المشار إليه في ذلك ليس خصوص الحلية والحرمة النفسيان، بل المراد منه هو الاصل الجاري في الشئ لو لا العلم وقيام البينة على الخلاف، فيصير المعنى أن الاشياء كلها على ما يقتضيه الاصل فيها إلا مع العلم على الخلاف أو قيام البينة عليه. ومجرد كون الامثلة المذكورة في صدر الرواية من موارد الحليه والحرمة النفسيان لايقتضي اسم الاشارة بذلك، فتأمل جيدا. فالاقوى حجية البينة لوقامت على أي موضوع من الموضوعات التي يتعلق به حكم شرعي، سواء في ذلك الوقت وغيره.

وأما العدل الواحد فالاقوى عدم حجيته في الموضوعات مطلقا، إلا أن يقوم دليل خاص في مورد بالخصوص على اعتباره، فإن ما دل على اعتبار خبر العدل مخصوص بالاحكام ولايشمل الموضوعات، سوى مفهوم آية النبأ(١) ، وفي دلالة آية النبأ على اعتبار خبر العدل محل تأمل كما ذكر في محله، وعلى فرض دلالتها وعمومها للموضوعات تكون مخصصة كغيرها من الادلة على تقدير عمومها أيضا بما دل على اعتبار التعدد في الموضوعات، كقولهعليه‌السلام " والاشياء كلها على ذلك حتى.. إلخ " فإنه حصر طريق إثبات الموضوعات بالعلم أو البينة، فلا عبرة بخبر الواحد فيها.

فتحصل من جميع ما ذكرناه: أنه مع التمكن من تحصيل العلم بالوقت من غير صبر لابد من تحصيل العلم، ولايقوم شئ من الظنون مقامه سوى البينة وسوى أذان المؤذن على إشكال في الاخير تقدم وجهه. وأما مع عدم التمكن من تحصيل العلم إلا بالصبر، فتارة يكون عدم التمكن من

____________________

(١) الحجرات: الآية ٦. [ * ]

١٢٦

جهة وجود العذر العام كالغيم، واخرى من جهة العذر الخاص كالعمى والحبس، فلو كان العذر عاما فربما قيل بالاكتفاء بمطلق الظن ولايلزمه الصبر إلى أن يعلم، بل ربما نسب ذلك إلى المشهور، بل ربما ادعى الاجماع عليه. وقد استدل عليه بما ورد من اعتبار صياح الديك في يوم لايرى فيه الشمس والقمر أو في يوم غيم، كما ورد التعبير بذلك في الاخبار، ففي حسن الفراء كالصحيح قال: قال رجل من أصحابنا للصادقعليه‌السلام : إنه ربما اشتبه علينا الوقت في يوم غيم، فقالعليه‌السلام : تعرف هذه الطيور التي تكون عندكم بالعراق يقال لها الديوك؟ فقال: نعم، قال: إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس، أو قال: فصل(١) . وفي معناه خبران أخران.

ومن المعلوم أن أقصى ما يفيده صياح الديك هو الظن، وبعد إلغاء الخصوصية من الظن المستفاد من صياح الديك، وإلغاء حصوصية الغيم وأن ذكره إنما كان من جهة كونه عذرا لايمكن معه تحصيل العلم، يتم ما أفاده المشهور من جواز الاعتماد على مطلق الظن مع عدم التمكن من العلم، سواء كان ذلك من جهة الغيم أو العمى أو الحبس أو غير ذلك من الاعذار. وأنت خبير بما في دعوى القطع بعدم الخصوصية في صياح الديك وتسرية الحكم إلى كل ظن من المجازفة. وكذا في دعوى القطع بعدم الخصوصية في الغيم وتسرية الحكم إلى كل عذر ولو لم يكن عاما كالعمى والحبس.

فالاقوى على ما اختاره شيخنا الاستاذ مد ظله من الاقتصار على اعتبار خصوص صياح الديك في خصوص العام، واما فيما عداه فيلزمه الصبر حتى يحصل له العلم بدخول الوقت، فتأمل فإن ما ذهب إليه المشهور لايخلو عن قوة.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٢٥ باب ١٤ من أبواب المواقيت، ح ٥ وفيه اختلاف يسير. [ * ]

١٢٧

وربما يستدل للمشهور بامور اخر لاتخلو عن ضعف وإن صلحت للتأييد، فراجع الكتب المبسوطة وتأمل فيها.

ثم إنه لو تبين فساد ظنه فيما جاز التعويل عليه أو تبين خطأ قطعه فمقتضى القاعدة الاولية هو فساد الصلاة ولزوم الاعادة ولو وقعت تكبيرة الاحرام في خارج الوقت، فضلا عن وقوع تمام الصلاة أو معظم الاجزاء في خارجه. وهذا بناء على ما اخترناه في الاصول من عدم اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء في غاية الوضوح، فإن أقصى ما دل على اعتبار الظن أو القطع من النص والعقل هو جواز الصلاة، وأما الاجزاء وعدم لزوم الاعادة لووقع جزء منها في خارج الوقت فلا دلالة فيه على ذلك، فلابد في القول بالاجزاء من التماس دليل يدل على ذلك.

نعم من قال باقتضاء الامر الظاهري للاجزاء يلزمه القول بالصحة وعدم لزوم الاعادة لو وقعت تمام الصلاة في خارج الوقت، فضلا عن وقوع بعض منها فيه، ولابد له من التماس دليلا يدل على عدم الاجزاء على عكس ما اخترناه. إلا أن هذا إنما يتم في خصوص ما إذا اعتمد في الوقت على الحجة الشرعية من البينة وأذان المؤذن وصياح الديك وأمثال ذلك، وأما لو اعتمد على قطعه فمقتضى القاعدة حتى بناء على اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء هو فساد الصلاة ولزوم الاعادة عند تبين الخطأ ووقوع بعض الصلاة في خارج الوقت، فضلا عن وقوع تمامها فيه، إذ لاأمر ظاهري في صورة القطع حتى يقتضي الاجزاء كما لايخفى.

والحاصل: أنه بناء على عدم اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء لايفرق الحال بين ما إذا كان اعتماده على القطع أو الظن المعتبر، وأن في الجميع القاعدة تقتضي الاعادة لو وقعت الصلاة في خارج الوقت أو بعض منها ولو التكبيرة، ولابد من

١٢٨

قيام دليل يدل على الاجزاء إما مطلقا أو في بعض الفروض، وأما بناء على اقتضاء الامر الظاهري للاجزاء ففي صورة الاعتماد على الظن مقتضى القاعدة هو الاجزاء لو وقعت الصلاة في خارج الوقت بتمامها أو بعض منها، ولابد من قيام دليل حينئذ على عدم الاجزاء إما مطلقا أو في بعض الفروض، وأما في صورة الاعتماد على القطع فمقتضى القاعدة أيضا عدم الاجزاء مطلقا، هذا ما يقتضيه القاعدة الاولية.

ولكن ما عليه العمل وفتوى المشهور هو الاعادة والقضاء لو وقعت تمام الصلاة في خارج الوقت، وأما لو وقع جزء منها في الوقت ولو التسليم بناء على كونه جزء فلا إعادة ولاقضاء، من غير فرق بين أن يكون قد اعتمد على الظن المعتبر أو القطع في كلا الفرضين. وربما يظهر من بعض التفصيل بين الظن والقطع، وأن في صورة الاعتماد على الظن تصح الصلاة لو وقع جزء منها في الوقت دون ما إذا وقع تمامها في خارجه، وأما في صورة الاعتماد على القطع فالصلاة فاسدة مطلقا ولو وقع جزء منها في الوقت.

وليس في المسألة نص سوى خبر إبن رياح المتقدم عن الصادقعليه‌السلام قال: إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت، ولم يدخل الوقت فدخل وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك(١) . وهذا إنما يدل على الاجزاء في خصوص ما إذا دخل الوقت في أثناء الصلاة ولو قبل التسليم، وأما إذا لم يدخل الوقت حتى فرغ من الصلاة فهذا الخبر بنفسه يدل على عدم الاجزاء فضلا عن اقتضاء القاعدة ذلك، بداهة أن تخصيصهعليه‌السلام الاجزاء بصورة دخول الوقت في الاثناء يدل على

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٥٠ باب ٢٥ من ابواب المواقيت، ح ١، وفيه اختلاف يسير. [ * ]

١٢٩

عدم الاجزاء عند عدم الدخول، فللقائل باقتضاء الامر الظاهري للاجزاء أن يستدل بهذا الخبر أيضا على عدم الاجزاء لو لم يدخل الوقت في أثناء الصلاة.

وأما لو دخل في الاثناء فلو قلنا إن قولهعليه‌السلام " ترى " ظاهر في خصوص الظن كما تقدم عن بعض فيكون دليلا على القول الاخير من التفصيل بين القطع والظن، وأن في صورة الاعتماد على القطع يلزم الاعادة ولو وقع جزء منها في خارج الوقت، بخلاف ما إذا اعتمد على الظن.

وأما بناء على ما قويناه سابقا من أن لفظة " ترى " مأخوذة من الرؤية فهي مقصورة بصورة العلم، أو الاعتقاد الراجح الشامل للعلم والظن، فيكون الخبر دليلا على ماذهب إليه المشهور، فإن دخول صورة القطع في الخبر بناء على ما اخترناه ظاهر.

وأما الظن فربما يتوهم خروجه لعدم صدق " ترى " عليه، إلا أن الانصاف أنه لو كان الظن من الظنون المعتبرة كما هو مفروض الكلام فلفظة " ترى " شاملة له أيضا، لصدق " ترى " عند الاعتماد على البينة مثلا، فالاقوى ما ذهب إليه المشهور، والمناقشة في سند الرواية مما لاوجه له بعد عمل المشهور بها.

هذا كله لو دخل في الصلاة قاطعا لدخول الوقت أو ظانا له بالظن المعتبر. أما لو دخل في الصلاة عامدا عالما بعدم دخول الوقت، أو جاهلا بشرطية الوقت، أو ناسيا لها أو للوقت، فمقتضى القاعدة البطلان لو وقع جزء منها في خارج الوقت، وأما لو وقعت تمام الصلاة في الوقت فالاقوى الصحة في الجميع إن تمشى منه قصد القربة، وإن كان حصول ذلك في صورة التعمد مشكل، وذلك لان الوقت ليس من الخصوصيات القصدية التي يعتبر قصدها في الصلاة، بل ما هو المعتبر في تحقق قصد المأمور به إنما هو قصد الصلاة في هذا الوقت والزمان، وأما مطابقة الزمان للزوال فهو أمر خارج عن تحت قدرته وإرادته بل هو يدور

١٣٠

مدار واقعه، وفي المقام أبحاث مهمة قد فاتني كتابتها لبعض عوائق الزمان، فنسأل أن يوفقنا لكتابتها بعد ذلك.

مسألة: لاشإكال في لزوم الترتيب بين الفرائض ووجوب فعل الظهر قبل العصر والمغرب قبل العشاء، إلا أن هذا الترتيب ليس شرطا واقعيا تبطل الصلاة بفواتها سهوا بل إنما هو شرط ذكري، فلوسها وقدم العصر على الظهر وكان ذلك في الوقت الاشتراكي أو دخل وهو فيها صحت صلاته ووقعت عصرا لاظهرا، وأما لو وقعت في الوقت الاختصاصي فالاقوى البطلان ولاتحتسب لاظهرا ولا عصرا، وقد تقدم الوجه في ذلك.

وحكم العشاء‌ين كالظهرين، نعم بينهما فرق وهو أنه لو شرع في العشاء في أول وقت المغرب نسيانا ولم يتذكر حتى فرغ منها فلا محالة يقع ركعة منها في الوقت الاشتراكي فتصح، هذا كله إذا لم يتذكر حتى فرغ من الصلاة. وأما إذا تذكرفي الاثناء عدل بينته إلى السابقة إن كان محل العدول باقيا، وهو في الظهرين إلى ما قبل التسليم، وأما في العشاء‌ين فإلى قبل الدخول في ركوع الركعة الرابعة على الاظهر، ولايضر زيادة القيام في العدول لانه من قبيل الزيادة السهوية، كما لايخفى وجهه على المتأمل.

وأما إذا دخل في الركوع فقد أفتى بعض بالبطلان، لعدم إمكان العدول حينئذ وعدم سقوط الترتيب في الاجزاء اللاحقة لتذكره، فلايمكنه تتميم هذه الصلاة عشاء فتبطل، هذا. ولكن الاقوى أيضا الصحة وتتميمها عشاء، وذلك لان الترتيب المعتبر بين الصلاتين هو الترتيب بين مجموع الصلاتين من حيث المجموع، بحيث يقع مجموع إحدى الصلاتين قبل الاخرى، وهذا المعنى بمجرد الشروع في الصلاة اللاحقة نسيانا قبل الاولى يسقط، فشرطية الترتيب تكون حينئذ مقصورة بما إذا كان

١٣١

متذكرا له قبل الصلاة، وأما لو شرع في الصلاة نسيانا ثم تذكر في الاثناء ولو في الركعة الاولى فالترتيب يسقط بالنسبة إلى الاجزاء اللاحقة، لان الترتيب في الاجزاء السابقة سقط بمقتضى النسيان وحديث " لاتعاد "(١) والمفروض أن الترتيب إنما اعتبر بين مجموعو الصلاتين، وهذا المعنى مما يستحيل حصوله بعد وقوع بعد الاجزاء على خلاف الترتيب، لفوات المجموع بفوات بعض الاجزاء، فمقتضى القاعدة لولا أخبار العدول هو أنه لو شرع في الصلاة اللاحقة نسيانا وتذكر في الاثناء صحت صلاته وأتمها على ما افتتحت، غايته أن أخبار العدول دلت على لزوم العدول فيما أمكن، والمفروض فيما نحن فيه عدم إمكان العدول فلابد من تتميمها عشاء، فتأمل جيدا.

مع أنه لوفرض أن الترتيب اعتبر في كل جزء جزء من اللاحقة والسابقة على نحو العام الاصولي، فيمكن أن يقال أيضا بالصحة بالملازمة بين الصحة في الاجزاء السابقة بمقتضى حديث " لاتعاد " والصحة في الاجزاء اللاحقة، وذلك لان المفروض أن الاجزاء السابقة على التذكر مشمولة لحديث " لاتعاد " لان المفروض وقوعها قبل السابقة نسيانا، فالترتيب ساقط بالنسبة إليها ويشملها حديث " لاتعاد " وإذا لم يجب إعادة الاجزاء السابقة فبالملازمة تدل على صحة الاجزاء اللاحقة، وإلا لزم لغوية شمول " لاتعاد " للاجزاء السابقة، فتأمل جيدا فإنه لايخلو عن دقة.

هذا تمام الكلام في المواقيت، وقد وقع الفراغ منها في الليلة الرابعة والعشرين من شهر محرم الحرام سنة ١٣٤٣.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من ابواب القبلة، ح ١. [ * ]

١٣٢

فيما يجب استقباله في حال الصلاة والدفن وغير ذلك.

وقد اختلفت كلمات الاصحاب في ذلك، فقيل: القبلة عبارة عن نفس الكعبة والبناء لمن كان في المسجد، والمسجد قبلة لمن كان في الحرم، والحرم قبلة لمن كان في خارجه من أهل الدنيا. وقد استدل على ذلك بعدة من الاخبار. وقيل: القبلة للقريب هو نفس الكعبة، وللبعيد الجهة بمعنى السمت والطرف.

وقيل: إن القبلة هي عبارة عن نفس الكعبة للقريب والبعيد والمشاهد وغير المشاهد، لكن مع تعميم الكعبة من تخوم الارض إلى عنان السماء، وإن اختلفت كيفية المحاذاة والاستقبال، فإن القريب المشاهد إنما يحاذي نفس البناء والبيت، والبعيد الغير المشاهد إنما يحاذي الفضاء والخط الخارج من البيت إلى عنان السماء.

وهذا هو الحق الذي ينبغي المصير إليه، وذلك للاخبار المستفيضة التي ادعى في الجواهر(١) تواترها، الدالة على أن القبلة هي الكعبة. وهي وإن كانت ظاهرة في

____________________

(١) جواهر الكلام: ج ٧ ص ٣٢٢. [ * ]

١٣٣

نفس البيت والبناء إلا أنه قد ورد عنهم صلوات الله عليهم أجمعين(١) أن الكعبة إنما هي ممتدة إلى عنان السماء، مع وضوح أنه لايمكن استقبال نفس البناء للبعيد مع كروية الارض، بداهة أنه على ذلك إما أن يكون البعيد فوق الكعبة والبيت أو تحتها، فالتكليف باستقبال نفس البناء محال كما هو واضح، فالعبرة في استقبال البعيد إنما هو استقبال الخط الخارج من البيت الممتد إلى عنان السماء، بحيث لو أخرج خط من جبهة المصلي لكان يمر على ذلك الخط الخارج من البيت لامحالة.

والقول بأن قبلة البعيد إنما هو الجهة والسمت وإن لم يصل خط من المصلي إلى الفضاء المحيط بالبيت خال عن الدليل والشاهد، وكيف يمكن القول بذلك مع تضافر الاخبار بأن القبلة هي الكعبة والبيت؟ والحاصل: أنه يعتبر في كل مصل أن يستقبل نفس الكعبة والبناء أو الخط الخارج منها إلى عنان السماء، ولايكفي فيه استقبال السمت والجهة من دون ذلك، كما أنه لايعتبر استقبال نفس البناء بل ذلك كما عرفت محال من جهة كروية الارض، كما أنه لايكفي استقبال المسجد أو الحرم لمن كان خارجا عنهما مع عدم اتصال خط من جبهة المصلي إلى الكعبة أو الخط الخارج منها، كما إذا وقف على أحد أضلاع المسجد بحيث يعلم عدم اتصالل خط منه إلى الكعبة، بل لم يعلم من صاحب هذا القول الاكتفاء بذلك.

____________________

(١) ففي موثقة إبن سنان: صليت فوق أبي قبيس العصر، فهليجزي ذلك والكعبة تحتي؟ قال: نعم، إنما هي قبلة من موضعها إلى السماء (* ١) وفي رواية اخرى: أساس البيت من الارض السابعة إلى السماء العليا (* ٢). " منه ".

(* ١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٤٧ باب ١٨ من أبواب القبلة، ح ١.

(* ٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٤٨ باب ١٨ من أبواب القبلة، ح ٣ وفيه اختلاف. [ * ]

١٣٤

ومن هنا احتمل بعض أن يكون النزاع لفظيا، بمعنى أنه من قال بأن المسجد قبلة لمن كان في الحرم لايريد أن المسجد قبلة لذلك ولو مع عدم مواجهة البيت بوجه من الوجوه بحيث لم يتصل خط من المصلي إليه، بل المراد أنه لو استقبل المسجد يكفي من جهة استلزامه غالبا لاتصال خط منه إلى البيت أو الفضاء المتصل به، وهو كذلك بناء على ما سيأتي من معنى استلزام زيادة البعد لزيادة المحاذاة.

وبذلك يمكن ارجاع ما دل من الاخبار على أن المسجد قبلة لاهل الحرم، والحرم قبلة لاهل الدنيا(١) ، إلى ذلك، بمعنى أن مستقبل المسجد لمن كان في الحرم ومستقبل الحرم لمن كان خارجا منه يكون مستقبلا للكعبة أيضا ولو للخط الخارج منها إلى عنان السماء، كما أنه يمكن إرجاع ممن قال بالسمت والطرف إلى ذلك أيضا، وإن أبت بعض عباراتهم عن ذلك.

والحاصل: أنه يمكن أن يكون مراد الجميع من الاقوال والاخبار أن البعيد إذا توجه نحو الطرف الذي تكون القبلة فيه أو نحو المسجد والحرم فلا محالة يتصل منه خط إلى الخط الخارج من البيت غالبا، وهذا لاينافي بطلان صلاة من علم بعدم ذلك كالمصلي نحو أحد أضلاع المسجد.

فالحري إنما هو بيان اتصال الخطين، فإنه ربما يتوهم أن ذلك محال من جهة صغر جرم البيت، فالمصلي لو فرض أنه صلى في أماكن متعددة بحيث يعلم بزيادة سعة الامكنة التي صلى فيها عن جرم البيت، فكيف يمكن اتصال خط من المصلي من جميع هذه الامكنة إلى البيت، أو إلى الخط الخارج منه إلى عنان السماء؟ وكذا الاشكال في الصف المستطيل، فيلزم بناء على اعتبار اتصال الخطين هو بطلان صلاة بعض الصف، أو بطلان بعض الصلوات بالنسبة إلى الشخص

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٠ باب ٣ من أبواب القبلة ح ١ و ٢ و ٣ و ٤. [ * ]

١٣٥

الواحد المصلي في الامكنة المتعددة، وهذا كما ترى مما لايقول به أحد وبالجملة: القول بأن القبلة نفس الكعبة بناء وفضاء يلازم القول ببطلان صلاة الصف المستطيل، هذا ولكن لايخفى عليك فساد التوهم، وتوضيح ذلك يحتاج إلى بيان مقدمة، وهي أن سعة دائرة رأس الانسان مما يقرب ثلاثين إصبعا وهذه الدائرة بهذا الضيق يكون كل جزء منها محاذيا لجزء من الدائرة المحيطة بالعالم، بحيث لو اخرجت خطوط من الدائرة المحيطة إلى دائرة رأس الانسان فلا محالة جميع تلك الخطوط تتصل (*) إلى دائرة رأس الانسان، كما يشاهد أن الدائرة الصغيرة المرسوم فيما يقرب من قطب الرحى يكون كل جزء منها محاذيا لجزء من الدائرة الوسيعة المرسومة في مبتدأ الرحى.

ثم إن القدر المعتبر في الاستقبال ومواجهة شخص لشخص إنما هو مقدار ثمن دائرة الرأس تقريبا، وهو مقدار أربعة أصابع من مقدم الرأس الذي يكون بين الحاجبين، ولايعتبر في صدق الاستقبال المواجهة بكل ما بين الحاجبين، بل يكفي في صدق الاستقبال عرفا أن يكون مواجها بجزء مما بين الحاجبين، بحيث لو اخرج خط من المستقبل بالكسر من أي جزء من أجزاء جبهته لكان ذلك الخط متصلا إلى المستقبل إليه، ولايحتاج أن تكون جميع الخطوط الخارجة من الجبهة متصلة بالمستقبل إليه، كما لايخفى. وحينئذ نقول: إنه لاإشكال في كون مقدار ما بين الحاجبين قوسيا، ويكون

____________________

[ * ]

١٣٦

محاذيا لقطعة قوسية من دائرة محيط العالم، وإن كان سعة تلك القطعة من دائره المحيط تزداد عن سعة الجبهة بأضعاف مضاعف، لما عرفت من أن الدائرة الصغيرة تحادي الدائرة الكبيرة بتمام أجزائها، فقوس الجبهة تحاذي مقدارا من قوس دائرة المحيط مع كثرة سعته بالنسبة إلى قوس الجبهة، بحيث لو أخرج خطوطا من قوس الدائرة لاتصلت الخطوط بأجمعها بقوس الجبهة فالجبهة مع صغر سعتها تحاذي أضعاف مضاعف منها بآلاف الوف، وذلك ليس إلا من جهة بعد موقف الانسان عن دائرة المحيط، وإذا كان الشخص مواجها لقطعة من قوس دائرة المحيط فلا مجالة يكون مواجها لكل ما كان بينه وبين قوس الدائرة من البلدان والجبال والانهار وغير ذلك.

وهذه المواجهة ليست تظهر للحس من دون أن يكون لها واقع بل مواجهة حقيقية واقعية، والشاهد على ذلك أنه لو أخرج خطوطا من قوس الجبهة مستقيمة معتدلة لكانت الخطوط مارة بجميع ما كان بينه وبين قوس المحيط، بداهة اتصال خطوط الجبهة بالقوس يستلزم مرورها على ما كان متوسطا بينها وبين القوس، فظهر معنى ما يقال من أن زيادة البعد توجب زيادة المحاذاة، وأن الانسان مع صغر حجمه يكون مواجها بقوس الجبهة لكل ما كان بينه وبين محيط العالم من الاودية والابنية ومنها الكعبة المعظمة لو توجه نحوها.

إذا عرفت ذلك فنقول: إن الصف المستطيل كيفما فرضت استطالته لامحالة يكون مواجها للكعبة مع بعده عنها ومع اتحاد جهة أهل الصف بحسب

١٣٧

القبلة، بحيث لو فرض خروج خط من جبهة كل واحد من المصلين لكان مارا على الخط الخارج من الكعبة الممتد إلى عنان السماء، نعم لو اعتبرنا في الاستقبال أن يكون الخط خارجا من بين العينين، ولايكفي خروجه من أحد جانبيها لامتنع اتصال خطوط الصف المستطيل إلى الخط الخارج من الكعبة، إلا أنه قد تقدم عدم اعتبار ذلك في صدق الاستقبال، بل يكفي الاستقبال بأحد طرفي الجبهة.

والحاصل: أن الدوائر المرتسمة بين موقف الشخص وبين محيط العالم على كثرتها يكون الشخص مواجها لقوس منها بقوس جبهته، وكلما فرض بعد الدائرة عن دائرة الموقف يكون القوس المواجه إليه منها أوسع من القوس المواجه إليه من الدائرة التي دونها التي تكون أقرب إلى موقف الشخص منها.

فالشخص يكون مواجها لمقدار شبر من الدائرة التي ترتسم بقرب منه، ويكون مواجها لمقدار شبرين من الدائرة التي ترسم فوق تلك الدائرة، وهكذا يزداد المحاذاة والمواجهة بمقدار بعد الدائرة إلى أن تصل إلى الدائرة المحيطة بالعالم، فتتسع المحاذاة بمقدار اتساع ما يحاذيه من قوس الدائرة، وعليه يكون الانسان محاذيا ومواجها لكل ما كان بينه وبين المحيط.

فإذا توجه الانسان نحو القوس الذي تكون الكعبة فيه فلا محالة يكون مواجها للكعبة ولو لفضائها الممتد إلى السماء، وهذه المواجهة تزداد كلما ازداد الانسان بعدا عنها، فربما يكون الشخص مواجها لجزء يسير من الكعبة إذا كان قريبا منها، وربما يكون مواجها لتمامها لتمامها إذا بعد عنها، وهكذا يزداد المواجهة حتى تصلى المواجهة إلى مرتبة يكون الشخص مواجها لتمام الحرم ومازاد، حتى أنه لو فرض أن الشخص وقف فيما يقرب القطب الجنوبي أو الشمالي يكون مواجها لثمن الدنيا بحسب نسبة الجبهة إلى دائرة الرأس، وقد عرفت أن هذه المواجهة ليس مواجهة وهمية بل مواجهة واقعية حقيقية.

١٣٨

وحينئذ الصف الذي يكون متحد الجهة في القبلة كلما فرض بعده عن مكة يمكن زيادة استطالته، ويكون كل من أهل الصف محاذيا لنفس الكعبة أو الخط الخارج ولو بجزء من الجبهة.

مثلا لو فرض أن الصف انعقد في مسجد الحرام فغاية ما يمكن من استطالته بحيث يكون مواجها للكعبة هو أن يكون بمقدار سعة المسجد بل أقل، وأما لو فرض انعقاده في الحرم يمكن زيادة استطالته على وجه يكون الجميع مواجها لها، وهكذا كلما فرضت بعد مكان الصف عن الكعبة يزدادا في استطالته، حتى قيل: إن في العراق يمكن فرض استطالة الصف على وجه يزيد عن عشرين فرسخا، ويكون الجميع مواجها للخط الخارج من الكعبة إلى عنان السماء، بحيث لو فرض خروج خطوط مستقيمة من مواقف الصف فلامحالة من كل شخص يمر خط من جبهته إلى الخط الخارج من الكعبة، ولايعتبر في الخطوط الخارجة من المواقف أن تكون متوازية بحيث يتساوى بعد ما بين الخطين من مخرجهما إلى منتهاهما، بداهة أنه لو اعتبرت الخطوط هكذا لامتنع اتصال الخطوط من الصف إلى الخط الخارج من الكعبة، لصغر حجم الكعبة بالنسبة إلى الصف ولعل منشأ النقض بالصف المستطيل على من قال باعتبار مواجهة الكعبة سواء في ذلك القريب والبعيد هو هذا، أي تخيل اعتبار أن تكون الخطوط متوازية، ولما رأى استحالة ذلك في الصف المستطيل نقض على صاحب هذا القول بأنه يلزمه القول ببطلان صلاة بعض الصف.

وأنت خبير بأنه لانحتاج في المواجهة أن تكون الخطوط متوازية، بل المدار على صدق المواجهة والاستقبال، وذلك يتحقق باستقامة الخطوط الخارجة من دون حاجة إلى توازيها، فتأمل جيدا في كلمات الاعلام حتى تعرف حقيقة الحال، وأن المراد من الجهة في كلماتهم هو هذا المعنى، لاالجهة بمعنى السمت والطرف مع عدم اتصال خط من المصلي إلى الخط الخارج عن الكعبة، فإن ذلك

١٣٩

ضروري البطلان، وكيف يمكن الالتزام بذلك مع تواتر الاخبار على وجوب استقبال الكعبة؟ فلا محالة يعتبر في صحة الصلاة من اتصال خط من أحد أجزاء جبهته إلى الخط الخارج من الكعبة الممتد إلى عنان السماء، فإن الذي يمكن في حق البعيد هو هذا، وهذا المعنى بمكان من الامكان، ولو فرض أنه صلى في أمكنة متعددة بحيث تزداد سعة الامكنة عن الكعبة فإن من كل مكان يتصل خط إليها بعد معرفة السمت التي تكون الكعبة فيه بالامارات المنصوبة لذلك على ما سيأتي ثم لايخفى عليك أن الدائرة المرسومة عند مسجد المصلي المحيطة بالمكان الذي يشغله في حال الصلاة تكون أوسع من دائرة رأس المصلي، فإن دائرة الرأس تقرب ثلاثين إصبعا كما تقدم، ودائرة المسجد تقرب ذلك المقدار شبرا، فالقوس المواجه لجبهة المصلي من دائرة المسجد يزيد على شبرين، وعليه لو كان الخط الخارج من الكعبة محاذيا لاحد الجانبين من الجبهة كما إذا كان في طرف اليمين مثلا يجوز الانحراف عمدا إلى أن يقع ذلك الخط في طرف الشمال، وذلك يكون بمقدار شبر، فيجوز الانحراف عن القبلة لو كانت في مسجد المصلي عمدا يمينا وشمالا إلى حد يقع خطه القبلة في أحد جانبي الجبهة، لما عرفت سابقا من صدق الاستقبال من أي جزء من أجزاء الجبهة، فتأمل جيدا.

ثم إن الظاهر من الاستقبال هو الاستقبال بالوجه مع مقاديم البدن، فلايكفي المواجهة بالوجه مع اعوجاج مقاديم البدن كلا أو بعضا، إلا أن يكون البعض مما لايضر بالصدق العرفي كاعوجاج أصابع الرجلين مثلا، ولافرق في اعتبار ذلك بين القريب والبعيد.

نعم يختص القريب بأمر آخر، وهو أنه هل يكفي مواجهة بعض البدن كالنصف مثلا للبيت، أو أنه يعتبر مواجهته بجميع البدن، فلايكفي الوقوف مواجها لاحد أضلاع البيت، بحيث يكون نصف البدن مواجها للبناء ونصفه

١٤٠