كتاب الصلاة الجزء ١

كتاب الصلاة0%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 410

كتاب الصلاة

مؤلف: الميرزا محمد حسين الغروي النائيني
تصنيف:

الصفحات: 410
المشاهدات: 18497
تحميل: 3916


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 410 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18497 / تحميل: 3916
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء 1

مؤلف:
العربية

صليت على الراحلة أو في حال المشي دون ما إذا صليت في حال الاستقرار على الارض مطمئنا، أولايختص بذلك بل يعم حال الاستقرار أيضا؟ أما الجهة الاولى فقد تقدم البحث عنها، وأن أصل الجواز مما لاإشكال فيه ولاخلاف، وقد تواترت الاخبار(١) على ذلك.

وأما الجهة الثانيه فقد تقدم أيضا أنه لايعتبر الاستقبال في حال من الاحوال، وأن ما ورد من اعتبار ذلك في بعض الاحوال فمحمول على الافضلية، وإن خالف فيه بعض الاعلام على ما هو المحكي.

وأما الجهة الثالثة فالظاهرر عدم اختصاص الجواز بالسفر بل يعم الحضر، لصحيح عبدالرحمن بن الحجاج سأل أبا عبداللهعليه‌السلام عن الرجل يصلي النوافل في الامصار وهو على دابته حيث ما توجهت به، قال: لابأس(٢) .

وفي حكم الراكب الماشي، وهو وإن لم يدل عليه بالخصوص دليل إلا أن يكفي إطلاقات جواز الصلاة ماشيا من غير تفصيل بين السفر والحضر، فما يظهر من بعض الاعلالام من الاشكال في جواز الصلاة على الراحلة حضرا مما لاوجه له.

وأما الجهة الرابعة فالظاهر أن النزول من الدابة للركوع والسجود مما لايعتبر في الفريضة في مورد جواز أن يصليها على الدابة فضلا عن النافلة، بل لايجوز ذلك لانه فعل كثير يمحو صورة الصلاة، وإن مال إليه في الجواهر(٣) في الفريضة بدعوى أن الصعود والنزول من مقدمات فعل الركوع والسجود فلا يضر، ولايخفى مافيه.

وأما الماشي فالظاهر عدم اعتبار ذلك أيضا، بل يكفي الايماء لهما مع جعل إيماء السجود أخفض، وما تقدم في رواية معاوية بن عمار من أن الماشي يركع

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٣٩ و ٢٤٤ ب ١٥ و ١٦ من أبواب القبلة.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٣٩ باب ١٥ من أبواب القبلة، ح ١.

(٣) جواهر الكلام: ج ٧ ص ٤٢٧. [ * ]

١٨١

ويسجد فمحمول على الافضلية، لصراحة جملة من الاخبار بكفاية الايماء لهما.

وأما الجهة الخامسة فمقتضى الاطلاقات الوارده في الكتاب والسنة هو اشتراط النافلة بالقبلة، كقوله تعالى: فولوا وجوهكم شطره(١) وكقولهعليه‌السلام : لاصلاة إلا إلى القبلة(٢) . وهذا بنفسه شامل للفريضة والنافلة. والقول بأن قوله " فولوا " أمر وهو للوجوب والنافلة لاوجوب لها ففساده غني عن البيان، لان الامر في مثل هذا إنما هو لبيان شرطية القبلة كسائر الاوامر الواردة في بيان الاجزاء والشرائط فيعم النافلة أيضا.

وبالجملة: مقتضى الاوامر الواردة في الكتاب والسنة هو اشتراط النافلة بجميع شرائط الفريضة إلا ما خرج فالعمدة هو ملاحظة المخرج.

وما ورد في بعض الاخبار(٣) من أن الآية إنما نزلت في الفريضة لاينافي ذلك أيضا، لان مورد النزول لايوجب التخصيص كما هو الشأن في غالب الآيات الواردة في الكتاب. نعم لو دل دليل بأن الحكم بتولية الوجه شطر المسجد مختص بالفريضة لكان اللازم خروج النافلة عنه، إلا أن ظاهر الخبر ليس كذلك، فإن فيه قالعليه‌السلام : استقبل القبلة بوجهك ولا تقلب وجهك من القبلة فتفسد صلاتك، فإن الله عزوجل يقول لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الفريضة: فول وجهك.. إلخ.

وهذا كما ترى لا يدل على أن الحكم مختص بالفريضة، بل أقصاه أن الآية نزلت عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في الفريضة، كما ورد(٤) التفسير بذلك حيث كانصلى‌الله‌عليه‌وآله في صلاة العصر وهو مستقبل لبيت المقدس، فنزلت هذه

____________________

(١) البقرة: الآية ١٤٤ و ١٥٠.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢١٧ باب ٢ من أبواب القبلة، ح ٩.

(٣) الفقيه: ج ١ ص ٢٧٨ باب القبلة، ح ٨٥٦.

(٤) مجمع البيان: ج ١ ص ٢٢٣، البرهان: ج ١ ص ١٥٨. وفيهما " قد صلى من الظهر ركعتين ".

١٨٢

الآية فحول وجههصلى‌الله‌عليه‌وآله نحو الكعبة، فمن هذه الجهة لايمكن الخدشة في إطلاق الآية، مع أن في إطلاق السنة كفاية، فتأمل.

فلابد حينئذ من ملاحظة المخرج فنقول: قد ثبت بمقتضى الادلة السابقة جواز فعل النافلة إلى غير القبلة في حال الركوب والمشي، وبعد لم يقم دليل على جواز فعلها إلى غير القبلة في حال الركون والاستقرار على الارض، وما ورد في عدة من الروايات(١) من أن قوله تعالى: فأينما تولوا فثم وجه الله نزلت في النافلة. لايدل على ذلك أيضا لتقييدها في جميعها أو غالبها بأنها نزلت في النافلة في السفر، ومعلوم أن المراد من السفر هو حال التلبس به من الركوب والمشي، فلا يعم حال الاستقرار في منازل السفر، فتأمل.

فالاقوى أن النافلة لو صليت على الارض مستقرا يعتبر فيها كل ما يعتبر في الفريضة من الاجزاء والشرائط إلا ما استثني من الترخيص بالقعود فيها وترك السورة. هذا كله لوصليت على الارض مستقرا. وأما لو صليت في السفينة فالظاهر عدم اعتبار القبلة فيها كما لو صليت على الراحلة، للتصريح بسقوط القبلة فيها في رواية العياشي(٢) المتقدمة، مضافا إلى الاخبار(٣) الواردة في أن قوله تعالى: فأينما تولوا.. إلخ نزلت في النافلة في السفر الذي تعم الصلاة في السفينة أيضا كما لايخفي.

الخلل الواقع في القبلة

فاعلم أن الخلل الواقع في الصلاة من جهة القبلة

____________________

(١) و (٣) الوسائل: ج ٢ ص ٢٤٢ ٢٤٣ باب ١٥ من أبواب القبلة، ح ١٨ و ١٩ و ٢٣.

(٢) تفسير العياشي: ج ١ ص ٥٦ ص ح ٨١. [ * ]

١٨٣

تارة يكون عن عمد وعلم بالحكم والموضوع، واخرى يكون عن جهل بالحكم قصورا أو تقصيرا، وثالثة يكون عن نسيان كما إذا نسي وصلى إلى غير القبلة، ورابعة يكون عن غفلة، وخامسة يكون عن خطأ في الاجتهاد والتحري فيما كان تكليفه ذلك.

ثم إن الخلل الواقع تارة يكون منحرفا عن القبلة ولم يبلغ اليمين واليسار، واخرى يكون بالغا لهما بأن صلى إلى نفس النقطتين، وثالثة يكون متجاوزا منهما ولم يبلغ الاستدبار، ورابعة بلغ الاستدبار، فهذه جملة الاقسام المصورة في الخلل الواقع في القبلة، ولابد من تنقيح كل منها على وجه الاختصار، فنقول: لاإشكال في بطلان الصلاة إذا وقع الخلل عن عمد في جميع الاقسام، سواء كان إلى بين النقطتين أو إلى نفسهما أو تجاوز عنهما بلغ إلى الاستدبار أو لم يبلغ، والسر في ذلك واضح لان لازم جعل القبلة شرطا في الصلاة هو ذلك كما لايخفى.

وأما لو كان الخلل واقعا عن جهل فإن كان عن تقصير فكذلك أيضا، للاجماع على أن الجاهل المقصر في حكم العامد خطابا وعقابا إلا في القصر والاتمام والجهر والاخفات، فهو مكلف بالتوجه إلى القبلة الواقعية فلا تعمه الاخبار الآتية المصححة للصلاة إذا وقعت بين المغرب والمشرق المعللة بأن ما بين الشرق والمغرب قبلة، لان توسعة القبلة إلى هذا الحد إنما يكون في مورد سقوط الخطاب بالقبلة الواقعية، فتكون ما بين المغرب والمشرق قبلة في طول القبلة الواقعية لافي عرضها، وإلا لصح التوجه إلى ما بينهما عمدا واختيارا، وقد عرفت أن ذلك خلاف التحقيق، وإن قيل به فمورد هذه الاخبار إنما هو فيما إذا لم يتمكن المكلف من التوجه إلى القبلة الواقعية بحيث يوجب سقوط خطابها، والخطاب عن الجاهل المقصر غير ساقط إجماعا. وبهذا البيان يمكن خروج الجاهل القاصر أيضا عن عموم الاخبار الآتية،

١٨٤

لان الساقط عن الجاهل القاصر ليس إلا العقاب وأما الخطاب فغير ساقط عنه لتمكنه من التوجه إلى القبلة، والجهل بالحكم لايوجب سلب قدرته عنه، لعلمه بموضوع القبلة وكان جاهلا في حكمها، كما إذا كان الجاهل في نفس مسجد الحرام المشاهد للكعبة، بداهة أنه يمكنه التوجه إلى القبلة، فهو عن عمد واختيار لم يوقع صلاته نحوها وإن كان ذلك لجهله بالحكم، فحينئذ لاوجه لسقوط خطاب القبلة عن الجاهل القاصر وإن كان معذورا من حيث العقاب، فإذا لم يسقط خطاب القبلة عنه فلا تعمه الاخبار الآتية، لان موردها الغير المتمكن من التوجه إليها الموجب لسقوط خطابها، هذا ما أفاده شيخنا الاستاذ في هذا المقام، فتأمل جيدا.

وأما لو كان الخلل الواقع في القبلة من جهة النسيان أو الغفلة أو الخطأ في الاجتهاد فهو داخل في عموم الاخبار، واختصاص بعضها بصورة الخطأ في الاجتهاد لاينافي إطلاق الباقي وعمومها للناسي والغافل.

والاولى ذكر جملة من الاخبار الوارده في المقام وهي على طوائف ثلاث: منها: ما دل على عدم وجوب الاعادة لافي الوقت ولافي خارجه، كصحيح إبن عمار عن الصادقعليه‌السلام قلت له: الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف يميمنا وشمالا، فقال له: قد مضت صلاته ومابين المغرب والمشرق قبلة(١) . وكموثق عمار عنهعليه‌السلام أيضا في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاه قبل أن يفرغ من صلاته، قال: إن كان متوجها فيما بين المغرب والمشرق فليحول وجهه إلى القبلة ساعه يعلم، وإن كان متوجها إلى دبر القبلة

____________________

(١) تهذيب الاحكام: ج ٢ ص ٤٨، ح ٢٥. [ * ]

١٨٥

فليقطع صلاته ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتح الصلاة(١) . والمروي عن قرب الاسناد: من صلى إلى غير القبلة وهو يرى أنه على القبلة ثم عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه فيما بين المغرب والمشرق(٢) . وفي رواية الراوندي من صلى على غير القبلة فكان إلى غير المشرق والمغرب فلايعيد الصلاة(٣) . وقول أبي جعفرعليه‌السلام في صحيح زرارة: لاصلاة إلى إلى القبلة، قال: قلت: أين حد القبلة؟ قال: ما بين المغرب والمشرق قبلة كله(٤) ، الخبر. وفي معناها عدة من الاخبار الاخر.

وهذه الاخبار كما ترى ظاهرة أو صريحة في أنه لو وقعت الصلاة بين لمغرب والمشرق فلا إعادة، وهي وإن كانت مطلقة بالنسبة إلى الوقت وخارجه بناء على شمول الاعادة لفعل الشئ في خارج الوقت أيضا وكانت النسبة بينها وبين ما يأتي من الاخبار الظاهرة في وجوب الاعادة في الوقت دون خارجه بالعموم من وجه، لان هذه الاخبار أعم من التذكر في الوقت وخارجه وإن كانت في خصوص ما بين المغرب والمشرق، والاخبار الآتية أعم مما إذا كانت الصلاة بين المغرب والمشرق وما إذا كانت ماوراء ذلك، لكنها أخص من حيث كونها مختصة بصورة التذكر في خارج الوقت، فلكل منهما جهة عموم وجهة خصوص.

وكما أنه يمكن حمل الاخبار الآتية على خصوص ما إذا كانت الصلاة واقعة فيما وراء المغرب والمشرق أو إلى نفس النقطتين، كذلك يمكن حمل هذه الاخبار المتقدمة على خصوص التذكر في خارج الوقت. وقد حكي عن صاحب

____________________

(١) و (٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٩ باب ١٠ من أبواب القبلة، ح ٤ و ٥ وفيهما اختلاف يسير.

(٣) بحار الانوار: ج ٨٤ ص ٦٩ باب القبلة وأحكامها، ح ٢٦، وفيه: فكان إلى المشرق والمغرب.

(٤) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ٢. [ * ]

١٨٦

الحدائق(١) رحمه‌الله الميل إلى ذلك، والتزم بوجوب الاعادة في الوقت مطلقا. ولايرد عليه ما أورده الجواهر(٢) رحمه‌الله من أن معاملة العموم من وجه إنما هو فيما إذا كان بين موضوعي الحكمين لابين الموضوع والحكم كما في المقام، حيث إن أعمية هذه الاخبار بالنسبة إلى عدم وجوب الاعادة في الوقت وفي خارجه إنما تكون في الحكم لافي الموضوع، وهذا بخلاف الاعمية في الاخبار الآتية لانها تكون في الموضوع وهو المصلي ما بين المغرب والمشرق والمصلي إلى ماوراء ذلك.

وبالجملة: أن الموضوع في الاخبار الآتية هو الصلاة إلى غير القبلة الاعم مما بين المغرب والمشرق وماوراء ذلك، والموضوع في الاخبار المتقدمة هو خصوص الصلاة ما بين المغرب والمشرق الاعم في الحكم وعدم وجوب الاعادة في الوقت وفي خارجه، وفي مثل هذا لايعامل معه معاملة التعارض من وجه، كما لايعامل معاملة التعارض من وجه في مثل (اضرب الجهال في الليل لافي النهار) و (لاتضرب زيدا) وليس ذلك إلا من جهة أن العموم في اضرب الجهال إنما هو في الموضوع وهو الجهال الشامل لزيد ولغيره، والعموم في لاتضرب زيدا في الحكم الشامل لليل والنهار الذي يكون ظرف النفي.

وذلك للفرق بين المثال وأخبار الباب، فإن في المثال أعمية لاتضرب زيدا لايصلح إلا في طرف الحكم، وهذا بخلاف أخبار الباب فإن الموضوع فيها ليس إلا المصلي إلى غير القبلة، وهذا الموضوع في الاخبار المتقدمة يكون أعم من المتذكر في الوقت وفي خارجه، وفي الاخبار الآتية يكون أعم مما بين المغرب والمشرق وغيره، كما أن الموضوع في الاول يكون خاصا في خصوص المصلي ما بين المغرب والمشرق، وفي الثاني يكون خاصا في المتذكر في خارج الوقت، فالانصاف

____________________

(١) الحدائق الناضرة: ج ٦ ص ٤٣٧ من كتاب الصلاة.

(٢) جواهر الكلام: ج ٨ ص ٢٦ من كتاب الصلاة. [ * ]

١٨٧

أن النسبة بينهما كما ذكره في الحدائق بالعموم من وجه. إلا أنه مع ذلك لابد من القول بعدم الاعادة مطلقا في الوقت وفي خارجه إذا كانت الصلاة بين المغرب والمشرق، لقولهعليه‌السلام في عذة من الاخبار(١) المتقدمة: إن ما بين المغرب والمشرق قبلة. وهذا يكون حاكما على الاخببار الآتية ومفسرا لموضوعها وأن الصلاة إلى غيرالقبلة إنما هي الصلاة التي لم تكن بين المغرب والمشرق لان ما بينهما يكون قبلة، ومع هذه الحكومة لامجال لملاحظة النسبة وأنها تكون بالعموم من وجه.

وبالجملة: أن هذه الاخبار كما تكون حاكمة على قولهعليه‌السلام : لاتعاد الصلاة إلا من خمس(٢) وعد منها القبلة فإن هذه الاخبار توسع دائرة القبلة، كذلك تكون حاكمة على قولهعليه‌السلام في الاخبار الآتية " من صلى إلى غير القبلة " فلا محيص عن القول بعدم وجوب الاعادة مطلقا إذا كانت الصلاة بين المشرق والمغرب.

الطائفة الثانية: من الاخبار هي الاخبار المفصلة بين التذكر في الوقت فالاعادة وخارجه فلا إعادة.

كصحيح عبدالرحمن عن الصادقعليه‌السلام : إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك صليت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد، وإن فاتك الوقت فلاتعد(٣) . وكخبر يعقوب بن يقطين قال: سالت عبدا صالحاعليه‌السلام عن رجل صلى في يوم سحاب على غير القبلة، ثم طلعت الشمس وهو في وقت، أيعيد

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ٢ وص ٢٢٨ باب ١٠ و ٢.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ج ١.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٩ باب ١١ من أبواب القبلة، ح ١. [ * ]

١٨٨

الصلاة إذا كان قد صلى على غير القبلة؟ وإن كان قد تحرى القبلة بجهده أتجزيه صلاته؟ فقال: يعيد ما كان في الوقت، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة(١) . وفي معناهما عدة من أخبار(٢) اخر. وهذه الاخبار وإن كانت مطلقة بالنسبة إلى ما كانت الصلاة بين المغرب والمشرق وماوراء شذلك حتى الاستدبار، إلا أنه لابد من تقييدها بغير ما كانت بين المغرب والمشرق للاخبار المتقدمة، كما لابد من تقييدها بغير صورة الاستدبار لما يأتي من دلالة بعض الاخبار(٣) على لزوم الاعادة عند الاستدبار مطلقا في الوقت وفي خارجه.

الطائفة الثالثة: ما دلت على وجوب الاعادة مطلقا في صورة الاستدبار، ونحن وإن لم نعثر على خبر يدل بالصراحة على ذلك سوى ما أرسله الشيخقدس‌سره في النهاية(٤) من " أنه رويت رواية أن من صلى إلى استدبار القبلة ثم على بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة. وهذا هو الاحوط وعليه العمل " وظاهر قوله أخيرا " وعليه العمل " أن عمل الصحابة كان على ذلك لاعمل نفسه، خصوصا بعد قوله " وهذا هو الاحوط ". إلا أنه يمكن الاستدلال على ذلك أيضا بما دل من بطلان الصلاة عن الالتفات إلى ماوراء القبلة.

وبيان ذلك: هو أنه وإن كان بين هذه المسألة التي نحن فيها ومسألة الالتفات التي تأتي في قواطع الصلاة إن شاء‌الله فرق، من جهة أن الالتفات إنما اعتبر قاطعا للصلاة وذلك لايكون إلا في أثناء الصلاة، وهذا بخلاف القبلة

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٣٠ باب ١١ من أبواب القبلة، ح ٢.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٣٠ و ٢٣١ باب ١١ من أبواب القبلة، ح ٤ و ٥ و ٦ و ٨ و ٩.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٩ باب ١٠ من أبواب القبلة، ح ٤ وص ٢٣١ باب ١١، ح ١٠.

(٤) النهاية: ص ٦٤. [ * ]

١٨٩

حيث إنها اعتبرت شرطا في الصلاة، ولابد من تحقق الشرط من ابتداء الصلاة إلى آخرها، وبعبارة اخرى: الالتفات إنما يكون قاطعا للهيئة فاعتباره إنما يكون في أكوان الصلاة من غير دخل له في أفعالها، والقبلة إنما تكون شرطا لافعال الصلاة، إلا أنه لو وقعت بعض أفعال الصلاة في أثنائها إلى غير القبلة يصدق الالتفات أيضا، لانه يكون حينئذ التفاتا وزيادة.

والحاصل: أنه يمكن أن يتحقق الالتفات القاطع من دون إخلال بما هو الشرط في أفعال الصلاة من القبلة، كما إذا التفت إلى ماورائه ثم رجع من دون أن يأتي بشئ من أفعال الصلاة، ولكن لايمكن العكس بأن بأتي بشئ من أفعال الصلاة إلى دبر القبلة من دون أن يكون هناك التفات كما لايخفى.

إذا عرفت ذلك فنقول: الاستدلال على بطلان الصلاة الواقعة على دبر القبلة بالاخبار الدالة على بطلان الصلاة عند الالتفات إلى ماوراء القبلة في أثناء الصلاة يتوقف على امور: الاول: أن أخبار الباب الدالة على أن من صلى إلى غير القبلة يعيد في الوقت لافي خارجه تعم الناسي ايضا ولاتختص بالمجتهد المتحري كما قدمناه، وكذا الاخبار الدالة على أن الالتفات مبطل تعم الناسي أيضا ولاتختص(١) بالعامد الملتفت كما لايخفى على من راجعها.

____________________

(١) بل يمكن أن يكون مساقها الاختصاص بصورة النسيان. لان أخذ قيد الالتفات بلكه أو إلى الخلف كما في بعض أخبار الالتفات إنما يناسب صورة النسيان ولايعم العامد، إذ في صورة العمد لايحتاج إلى الالتفات بالكل أو الخلف بل تبطل الصلاة بأقل من ذلك، ونفس الادلة الاولية الدالة على شرطية القبلة تكفي في بطلان الصلاة عند التعمد ولايحتاج إلى أخبار الالتفات، فأخبار الالتفات سؤالا وجوابا إنما تكون مسوقة لصورة النسيان كمالايخفى. ومن الغريب دعوى صاحب الجواهر (*) بأن المتيقن من أخبار الالتفات صورة العمد، فراجع وتأمل. " منه ".

(*) جواهر الكلام: ج ٨ ص ٣٥. [ * ]

١٩٠

الامر الثاني: أنه لاإشكال في صدق الصلاة على غير القبلة فيما إذا وقعت ركعتين أو ركعة منها إلى غير القبلة، ولا تختص بما إذا وقعت الصلاة من أولها إلى آخرها إلى غير القبلة، فمن كبر إلى القبلة ثم أوقع باقي الصلاة إلى غير القبلة يصدق أنه صلى إلى غير القبلة، وذلك واضح أيضا.

الامر الثالث: أنه لا إشكال في أولوية الصلاة بتمام أجزائها إلى غير القبلة بالبطلان من الصلاة الواقعه ركعتين منها مثلا إلى غير القبلة لوقام الدليل على بطلانها كذلك، بداهة أنه لو كان وقوع بعض أفعال الصلاة إلى غير القبلة موجبا لبطلانها لكان وقوعها بتمام أجزائها إلى غير القبلة أولى بالبطلان.

الامر الرابع: أنه لو قام الدليل على عدم بطلان الصلاة لو وقعت إلى ما بين المغرب والمشرق، ولاتحتاج إلى الاعادة لافي الوقت ولافي خارجه، أو عدم القضاء فقط لو وقعت إلى نفس النقطتين، فالالتفات إلى ما بين المغرب والمشرق يكون أولى بعدم البطلان، وكذا الالتفات إلى نفس النقطتين يكون أولى بعدم القضاء، لما عرفت من الملازمة بين وقوع الصلاة إلى غير القبلة مع تحقق الالتفات إلى غيرها ولاعكس، فلو كانت الصلاة إلى ما بين المغرب والشرق صحيحة وغير موجبة للاعادة والقضاء لكان الالتفات المجرد عن فعل الصلاتي إلى ما بين المغرب والمشرق أولى بالصحة كما لايخفى.

إذا عرفت هذه الامور فاعلم أن في أخبار الباب وفي أخبار الالتفات مطلقات ينبغي ملاحظتها وما يستفاد منها، أو مطلقات الباب فهي ما ذكرناه من الطائفة الثانية الدالة على عدم وجوب القضاء لمن صلى على غير القبلة، فإنها تعم صورة الاستدبار وعدمه، وأما مطلقات باب الالتفات فهي مادلت على وجوب الاعادة والقضاء. على من التفت إلى غير القبلة، كقول الصادقعليه‌السلام في

١٩١

خبر أبي بصير: إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد(١) . فإنها تعم صورة الالتفات على وجه الاستدبار أو دون ذلك إلى طرف المغرب والمشرق وما بينهما، هذا.

ولكن بعد ما كان الصلاة إلى ما بين المغرب والمشرق غير موجب للاعادة والقضاء، وكان الصلاة إلى نفس النقطتين غير موجب للقضاء‌فقط لكان اللازم هو عدم وجوب الاعادة والقضاء لو التفت إلى ما بين المغرب والمشرق نسيانا، لما عرفت من أن الصلاة إلى ما بينها يلازم الالتفات أيضا، فإذا لم تكن الصلاة إلى ذلك موجبة للاعادة والقضاء فالالتفات الخالي عن فعل الصلاة بطريق أولى يكون غير مجب لذلك، فلا يبقى في مطلقات باب الالتفات إلا صورة واحدة وهي صورة الاستدبار، فتكون نصا في بطلان الصلاة عند الالتفات إلى الاستدبار. ولايعارضه أخبار الباب الدالة على عدم وجوب القضاء عند الصلاة إلى غير القبلة، لان شمول هذه الاخبار للاستدبار إنما يكون بالاطلاق والظهور، ومقتضى تحكيم النص على الظاهر هو حمل مطلقات الباب على غير صورة الاستدبار وهو ما إذا كانت الصلاة على نفس النقطتين، فصورة الاستدبار تكون خارجة عن تحت هذه المطلقات، وحينئذ يتم الاستدلال بأخبار باب الالتفات لما نحن فيه من بطلان الصلاة في صورة الاستدبار لبعض المقدمات السابقة، لانه لو كان الالتفات إلى الاستدبار موجبا للبطلان فالصلاة إلى ذلك ولو في الاثناء أولى بالبطلان، ولو كان الصلاة في الاثناء إلى دبر القبلة موجبا للبطلان فالصلاة التامة الواقعة إلى دبر القبلة نسيانا أولى بالبطلان، وبعد ملاحظة المقدمات السابقة لامحيص عن القول بذلك.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ٤ مع اختلاف يسير. [ * ]

١٩٢

نعم لو قلنا بأن أخبار الباب مختصة بصورة التحري والاجتهاد ولاتعم الناسي كما اختاره صاحب الجواهرقدس‌سره لكانت أخبار الالتفات أجنبية عن المقام ولايمكن الاستدلال بها فيه، إلا أن دعوى اختصاصها بذلك مما لاوجه لها، مع أن صاحب الجواهر(١) رحمه‌الله اعترفبأن الطائفة الاولى من أخبار الباب الدالة على عدم وجوب الاعادة والقضاء لو وقعت الصلاة إلى ما بين المغرب والمشرق تعم الناسي أيضا، وإنما قال بالاختصاص في خصوص الطائفة الثانية، ولكن الانصاف أنه لم يظهر وجه للتفرقة بين الطائفتين، فتأمل(٢) .

وكذا لايمكنم الاستدلال بأخبار باب الالتفات لما نحن فيه، لو منعنا الاولوية وأنه لاملازمة بين بطلان الصلاة إلى دبر القبلة لو كان ذلك في الاثناء وبطلانها لو وقعت من أول الامر إلى دبر القبلة، أو قلنا بعدم صدق الصلاة إلى دبر القبلة لوكان في الاثناء، أو قلنا بأن أخبار الالتفات تختص بالعامد ولاتعم الناسي.

ولكن منع الملازمة بين الاول والاثناء وعدم صدق الصلاة إلى غير القبلة لو كان ذلك في الاثناء واختصاص الالتفات بصورة العمد كل ذلك مشكل بل لاسبيل إليه، فالاقوى القول ببطلان الصلاة لو وقعت إلى دبر القبلة، كما عليه عمل الاصحاب حسب ما يستفاد من عبارة الشيخ(٣) رحمه‌الله المتقدمة في ذيل المرسل الذي حكاه، فتأمل فيما ذكرناه فإن الاستدلال بأخبار الالتفات لما نحن فيه لايخلو من إعمال لطف.

____________________

(١) جواهر الكلام: ج ١١ ص ٤٢.

(٢) سيأتي وجه التفرقة بين الطائفتين في آخر البحث فانتظر وراجع.

(٣) النهاية: ص ٦٤ وقد عدل شيخنا الاستاذ مدظله عن هذا التقريب عند البحث في القواطع في مسألة قاطعية الالتفات، وقوى في نظره عدم ثبوت المفهوم لصحيحة البزنطي (*)، وهذا التقريب منبي على ثبوت المفهوم فتأمل. " منه".

(*) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٤٩ باب ٣ من أبواب قواطع الصلاة، ح ٨. [ * ]

١٩٣

ويمكن تقريب الاستدلال بوجه آخر، وهو أنه في أخبار باب الالتفات ما يكون أخص من مطلقات هذا الباب، وهو صحيح البزنطي: سألت الرضاعليه‌السلام عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: إذا كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلى ولايعتد به(١) ، الخبر. وفي معناه رواية اخرى. وجه كون ذلك أخص من مطلقات الباب واضح، فإن قولهعليه‌السلام " من صلى إلى غير القبلة يعيد في الوقت لافي خارجه "(٢) يعم صورة الاستدبار وغيرها، وما في صحيح البزنطي في أخبار الالتفات مختص بصورة الاستدبار كما هو الظاهر من الخلف، فتكون النسبة بينهما أعم أخص مطلقا.

ولايتوهم أن صحيح البزنطي أعم من جهة التذكر في الوقت وفي خارجه فتكون النسبة بينهما بالعموم من وجه. وذلك لان الاعادة عند التذكر في الوقت مما اتفق عليه كلتا الطائفتين من أخبار الباب وصحيح البزنطي، فلا تعارض بينهما بالنسبة إلى ذلك، وإنما التعارض في صورة التذكر في خارج الوقت، فإن صحيح البزنطي يوجب القضاء عند الالتفات إلى خصوص الاستدبار، وأخبار الباب تنفي القضاء عند الاستدبار أيضا لكن بالعموم الشامل له ولغيره، فتكون النسبة أعم مطلقا لامن وجه.

وحينئذ لابد من تقييد أخبار الباب بما في صحيح البزنطي، وخروج صورة الصلاة على وجه الاستدبار عن تحت قولهعليه‌السلام " من صلى إلى غير القبلة " وذلك بعد ما تقدم من أولوية بطلان الصلاة على وجه الاستدبار من البطلان عند

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٤٩ باب ٣ من ابواب قواطع الصلاة، ح ٨.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٩ باب ١١ من أبواب القبلة، نقلا بالمضمون. [ * ]

١٩٤

الالتفات إلى الخلف الخالي عن الصلاة واضح لاشبهة فيه، فإذا خرجت صورة الاستدبار عن عموم قوله " من صلى على غير القبلة، وخرجت صورة الصلاة إلى ما بين المغرب والمشرق عن عمومه أيضا بما تقدم من الاخبار(١) الدالة على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة، فلا يبقى حينئذ تحت قولهعليه‌السلام " من صلى إلى غير القبلة " إلا صورة واحدة وهيالصلاة إلى نفس النقطتين وما يلحق بذلك على ما يأتي بيانه.

وتكون النسبة حينئذ بين أخبار الباب مع مطلقات باب الالتفات بالاعم المطلق، لان قولهعليه‌السلام في الخبر المتقدم " إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد "(٢) يعم صورة الاستدبار وغيره، وهذا بخلاف أخبار الباب فإنها بعد التخصيص بما عرفت تكون مختصة بصورة الصلاة إلى نفس النقطتين وما يلحق بذلك، فتكون النسبة بينهما بالاعم المطلق، وإن كان قبل تخصيص أخبار الباب بما عرفت تكون النسبة بالعموم من وجه، ولكن بالتخصيص تنقلب النسبة، فلا بد من حمل مطلقات باب الالتفات الدالة في فساد الصلاة عند الالتفات بغير صورة الالتفات إلى النقطتين، لما تقدم أيضا من أن الصلاة إلى ذلك لو كان غير موجب للقضاء، فالالتفات لايكون موجبا له بالاولوية القطعية.

وعلى كل حال لابد في الاستدلال بأخبار الالتفات لما نحن فيه من شمول قولهعليه‌السلام " من صلى إلى غير القبلة " لصورة النسيان وعدم اختصاصه بالمتحري، فإنه لولا ذلك لكان باب الالتفات أجنبيا عن المقام كما تقدم في شمول قولهعليه‌السلام : " من صلى إلى غير القبلة " لصورة النسيان نوع خفاء،

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٨ باب ١٠ من أبواب القبلة، ح ١ و ٢.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ٤. [ * ]

١٩٥

لان نسبة قولهعليه‌السلام : " من صلى إلى غير القبلة " مع قولهعليه‌السلام " لاتعاد الصلاة إلا من خمس ومنها القبلة "(١) إنما تكون بالعموم من وجه، وذلك لان " لاتعاد الصلاة إلا من خمس " مقصور بصورة النسيان كما يأتي بيانه إن شاء‌الله في باب الخلل، لان عقد المستثنى منه وهو عدم الاعادة في غير الخمس إنما يكون مختصا بمورد النسيان ولايعم العامد وغيره، فيكون عقد المستثنى وهو الاعادة من الخمس ايضا مقصورا بصورة النسيان. وهذا لاينافي وجوب الاعادة في الخمس في غير صورة النسيان أيضا، لان كون الحكم كذلك خارجا لايلازم أعمية عقد المستثنى لغير صورة النسيان، فإن المستثنى تابع للمستثنى منه، فإذا كان المستثنى منه مختصا بصورة النسيان فيكون المستثنى أيضا كذلك.

وعليه تكون النسبة بين حديث " لاتعاد " وبين قوله " من صلى إلى غير القبلة " بالعموم من وجه، فإن الموضوع في " لاتعاد " وإن كان يشمل صورة وقوع الصلاة على نفس النقطتين وعلى الاستدبار وعلى ما بين المغرب والمشرق ولكن يختص بصورة النسيان، وهذا بخلاف قولهعليه‌السلام " من صلى إلى غير القبلة " فإنه وإن كان مختصا بصورة وقوع الصلاة إلى نفس النقطتين وما بحكمه حسبما تقدم إلا أنه أعم من جهة النسيان وغيره من الغافل والمتحري فتكون النسبة بالعموم من وجه، وكما يمكن تخصيص حديث " لاتعاد " بغير صورة الصلاة إلى النقطتين كذلك يمكن تخصيص قوله " من صلى إلى غير القبلة " بغير صورة النسيان.

ولعله إلى هذا كان نظر صاحب الجواهر(٢) رحمه‌الله حيث ذهب إلى عدم

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٢٢٧ باب ٩ من أبواب القبلة، ح ١.

(٢) جواهر الكلام: ج ٨ ص ٣٥. [ * ]

١٩٦

شمول قوله " من صلى إلى غير القبلة " لصورة النسيان وكونه مختصا بالمتحري، وهذا بخلاف قوله " ما بين المغرب والمشرق قبلة " فإنه وإن كان النسبة بينه وبين حديث " لاتعاد " بالعموم من وجه أيضا إلا أنه حيث كان لسان " ما بين المغرب والمشرق قبلة " لسان الحكومة يقدم على حديث " لاتعاد " ولا تلاحظ النسبة وهذا بخلاف " من صلى إلى غير القبلة " فإنه لايكون حاكما على حديث " لاتعاد " بل معارضا له بالنسبة إلى خارج الوقت، وأما في الوقت فلا تعارض بينهما لاتفاقهما على وجوب الاعادة فيه، هذا. ولكن مع كون النسبة بينهما بالعموم من وجه يمكن أن يقال بأظهرية قوله " من صلى إلى غير القبلة " في شموله لصورة النسيان من شمول " لاتعاد " إلى الصلاة إلى النقطتين وما بحكمه.

وبيان ذلك: هو أنه ليس المستفاد من عقد المستثنى في حديث " لاتعاد " إلا قضية جزئية وهو إعادة الصلاة من القبلة في الجملة، وليس لها إطلاق بالنسبة إلى جميع الاحوال، بداهة أن حديث " لاتعاد " إنما سيق لبيان حكم المستثنى منه وهو عدم إعادة الصلاة من غير الخمسة، ولم يرد لبيان حكم الاعادة من الخمسة، فلايمكن أن يقال: إن فوات كل واحد من الخمسة موجب لبطلان الصلاة مطلقا، بل المستفاد منه ليس إلا البطلان في الجمله، لان رفع السلب الكلي الذي دل عليه عقد المستثنى منه إنما يصدق بالايجاب الجزئي الذي هو مفاد عقد المستثنى، فالقول ببطلان الصلاة مطلقا وفي جميع الاحوال لايستفاد من حديث " لاتعاد " إلا بمعونة مقدمات اخر من أن الايجاب الجزئي في قوة الاهمال، وخروج عقد المستثنى عن الفائدة مع كون المتكلم بصدد البيان، وغير ذلك من مقدمات الحكمة. وهذا بخلاف الاطلاق المستفاد من قوله " من صلى إلى غير القبلة " فإن

١٩٧

الاطلاق وشمول النسيان إنما يستفاد من نفس القضية، لان الصلاة إلى غير القبلة نسيانا ليس بمثابة يكون اللفظ منصرفا عنه.

وبالجملة: الانصاف أن إطلاق قولهعليه‌السلام " من صلى إلى غير القبلة " وشموله لصورة النسيان يكون أقوى من إطلاق حديث " لاتعاد " وشموله لبطلان الصلاة على نفس النقطتين.

بل قد عرفت أنه لاإطلاق في عقد المستثنى في حديث " لاتعاد " بل هو نظير المفهوم المستفاد من قولهعليه‌السلام " إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ "(١) فإن مفهومه ليس إلا أن الماء إذا لم يبلغ قدر كر ينجسه شئ، ولايستفاد منه انه ينجسه كل شئ إلا بضم مقدمات اخر من الخارج، وليس ذلك إلا لاجل أن القضية لم تسق إلا لبيان مطهرية الكر ولم تسق لبيان نجاسة غيره، فتأمل فإن المقام لايسع زيادة على ذلك من الكلام.

بقي الكلام في معنى الاستدبار الموجب لبطلان الصلاة مطلقا في الوقت وفي خارجه. والظاهر أن يكون المراد منه مقدار ثلث الدائرة الذي يكون مقابلا للثلث الذي تكون القبلة فيه، بحيث، لو قسمنا الدائرة التي يكون المصلي فيها إلى ثلاثة أثلاث يكون ثلث منها بطرف القبلة وما بحكمها مما بين المغرب والمشرق الذي تصح الصلاة فيه وغير موجب للاعادة والقضاء، ويكون ثلث آخر منها في طرف المغرب والمشرق (سدس للمغرب وسدس للمشرق) والثلث الآخر يكون في دبر القبلة.

وبالجملة: دائرة الاستدبار تكون أوسع من دائرة الاستقبال، فإن المعتبر في الاستقبال إنما هو ما بين الجبينين على ما تقدم تفصيله وهذا يكون قريبا من عشر

____________________

(١) الوسائل: ج ١ ص ١١٧ باب ٩ من أبواب الماء المطلق، ج ١ و ٢ و ٦ وفيه: إذا كان الماء..

إلخ. [ * ]

١٩٨

الدائرة، وأما الاستدبار فالمعتبر منه هو الخلف وما بين الكتفين، وهذا يكون قريبا من ثلث الدائرة، إذ الظاهر صدق الاستدبار والخلف إلى هذا المقدار، فتأمل جيدا. هذا كله لو ظهر الخطأ بعد إتمام الصلاة.

وأما لو ظهر في الاثناء فلو كان ما بين المغرب والمشرق استقام والاستئناف، ولو كان إلى نفس النقطتين فإن تذكر في خارج الوقت، بأن كانت صلاته في آخر الوقت بحيث لم يدرك منه إلا ركعة، وفي الركعة الثانية التي وقعت في خارج الوقت تذكر أنه أخطأ في القبلة، وكانت صلاته إلى نفس النقطتين فكذلك أيضا استقام بلا استئناف، لان تذكره كان في خارج الوقت الذي لايوجب القضاء إذا وقعت الصلاة بتمامها إلى نفس النقطتين، فعدم وجوب القضاء لو وقعت ركعة منها كذلك يكون أولى.

ولو تذكر في الوقت فالظاهر وجوب الاستئناف، لان التذكر في الوقت موجب للاعادة إذا كان بعد الصلاة فكذلك لو كان في الاثناء، لان ما هو شرط الكل شرط للبعض أيضا، فتأمل. ولو كان إلى دبر القبلة فالظاهر أيضا وجوب الاستئناف مطلقا في الوقت وفي خارجه، لان ما هو المبطل للكل مبطل للبعض أيضا، مضافا إلى دلالة بعض الروايات عليه.

١٩٩

بقي الكلام في بعض الفروع التي تعرض لها في الشرائع، والظاهر أنه لاثمرة مهمة في ذكرها، فالاولى عطف عنان الكلام إلى ما هو الشرط الثالث في الصلاة وهو الساتر وحيث كان البحث عن الساتر يشتمل على امور مهمة أفردنا بجزء مستقل، فراجع.

لباس المصلي وبحث المكان

ويعتبر فيه امور:

أن لايكون من جلد الميتة

وغيره من سائر أجزائها سواء دبغ أولا، وسواء كان مأكولة اللحم أولا، وسواء كانت مما لها نفس سائلة أولا، كل ذلك لاطلاق الادلة على تأمل في الاخير يأتي الاشارة إليه إن شاء‌الله. واعتبار ذلك في اللباس مما انعقد عليه الاجماع ظاهرا واستفاضت به النصوص فلا كلام فيه، ولكن يقع الكلام في مقامين: الاول: في بيان الحال عند الشك في كون الجلد جلد ميتة، وأنه هل يجوز الصلاة فيه أولا.

ربما يقال بابتناء المسألة على كون التذكية شرطا أو الموت مانعا، فإن قلنا بالاول فلابد من إحرازها ولايجوز عند الشك فيها، كما هو الشأن في كل ما اعتبر شرطا، ولو قلنا بالثاني فيمكن دفعه بالاصل عند الشك في تحققه، كما هو الشأن أيضا في كل ما اعتبر مانعا، هذا.

٢٠٠