كتاب الصلاة الجزء ١

كتاب الصلاة0%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 410

كتاب الصلاة

مؤلف: الميرزا محمد حسين الغروي النائيني
تصنيف:

الصفحات: 410
المشاهدات: 18503
تحميل: 3918


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 410 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18503 / تحميل: 3918
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء 1

مؤلف:
العربية

كذلك تنزل ما كان له مانعا عن الوقتية من جهة ابتلائه بصاحبته مع وجود المتقضي فيه منزلة الوقت.

وبعبارة واضحة: أن القاعدة كما توجد المقتضي لخارج الوقت وتجعله وقتا، كذلك ترفع المانع عنه.

فالاقوى أن من أدرك من الظهر مقدار ركعة يجب عليه، وإن وقع الباقي منها في الوقت المختص بالعصر، لعموم قاعدة " من أدرك " الحاكم على أدلة الاختصاص.

هذا تمام الكلام في وقت الظهرين من المختص والمشترك، وما يتفرع عليهما من الفروع. نعم بقي الكلام في معرفة الزوال، الذي هو أول وقت الظهرين. وطريق معرفة ذلك إنما هو زيادة الظل بعد نقصانه، فيما كان عرض البلد مخالفا لميل الشمس في المقدار إلى جهة الشمال، أو حدوثث الظل بعد انعدامه فيما كان موافقا للميل الاعظم، أو انقص منه إلى جهة الجنوب.

وتوضيح ذلك، على وجه الاجمال: هو أنه لاإشكال في حركة الشمس بالنسبة إلى الفصول الاربعة تختلف، من حيث كونها في الشتاء والخريف تكون في البروج الجنوبية، وفي الصيف والربيع تكون في البروج الشماليه، والبعد بين تمام ميلها إلى البروج الجنوبية الذي هو أول الجدي، وبين منتهى ميلها إلى البروج الشمالية الذي هو في أول السرطان مقدار أربع وعشرين درجة، فالبلاد الواقعة بين هذين الميلين لامحالة الظل ينعدم فيها في كل سنة يومين، في حال صعودها إلى البرج الشمالي، وفي حال نزولها إلى البرج الجنوبي، فإنه في مثل هذه البلاد تسامت الشمس في كل سنة يومين على رؤوس أهل البلد، ويختلف ذلك اليومان باعتبار اختلاف البلاد في قربها إلى الميل الاعظم وبعدها، فرب بلد ينعدم الظل فيه يومين، يوم قبل السرطان ويوم بعد السرطان، لقربه عن الميل الاعظم، ورب بلد يكون الانعدام فيه بعشرة أيام أو عشرين يوما قبل ذلك،

٤١

كما قيل: إنه ينعدم الظل في مكة قبل السرطان بستة وعشرين يوما، ثم يحدث بعد ذلك ظل إلى أن ينتهي الميل الاعظم للشمس، وتأخذ في النزول، فإذا مضى من السرطان أيضا ستة وعشرون يوما ينعدم الظل فيها أيضا يوما واحدا.

والحاصل: أن اليومين يختلفان باعتبار قرب البلد وبعده عن خط الاستواء الذي يكون تحت الميل الاعظم، وأما البلاد الواقعة تحت خط الاستواء المساوي للميل الاعظم كمدينة الرسول على ما قيل فيعدم الظل فيه يوما واحدا في كل سنة، وهو اليوم[ الذي ] ينتهي ميل الشمس إلى البرج الشمالي وهو أول السرطان، لان في ذلك اليوم تكون الشمس مسامتة لرؤوس أهل البلد الموافق في العرض للميل الاعظم، وبعد ذلك اليوم لامحالة يحدث ظل، لخروج الشمس عن المسامتة، ففي هذين الطائفتين من البلاد الظل ينعدم لامحالة إما يوما أو يومين.

وأما إذا لم يكن البلد بين الميلين ولا كان مساويا للميل الاعظم، بل كان خارجا عنه إلى جهة الشمال كالعراق، فالظل لاينعدم فيه أصلا، لعدم اتفاق مسامتة الشمس لرؤوس أهل البلد في طول السنة، نعم يختلف الظل الباقي عند الزوال زيادة ونقصانا بحسب اختلاف بعد البلد إلى جهة الشمال عن الميل الاعظم كما هوواضح، وأما الاراضي الواقعة في منتهى ميل الشمس إلى جهة الجنوب، فحيث لم تكن مسكونة لايهمنا التعرض عنها.

إذا عرفت ذلك فنقول: إن علامة الزوال إنما هي حدوث ظل الشاخص المنصوب على سطح الارض نصبا مستقيما بعد انعدامه، في البلاد التي ينعدم فيها الظل يوما أو يومين، وزيادة الظل بعد نقصانه في غير تلك البلاد، أو فيها في غير اليوم واليومين، ولكن هذه العلامة إنما تظهر للحس بعد مضي مقدار من الزوال مما يزيد على نصف ساعة، فلم تكن علامة لمعرفة أول الزوال حقيقة، فإن أردت أن تعرف أوله الحقيقي فلابد من إعمال الدائرة الهندية المجعولة لذلك.

٤٢

وطريق معرفتها هو أن تدير على أرض مسطحة دائرة، وتنصب على مركزها مقياسا محدد الرأس مخروطي الشكل يكون طوله قد ربع الدائرة، ولابد من أن يكون ذلك النصب نصبا مستقيما، ثم إن الشمس لامحالة إذا طلعت يحدث للمقياس ظل مستطيل إلى جهة المغرب، ولايزال ينقص كلما ارتفعت الشمس حتى يصل الظل إلى رأس الدائرة، فإذا وصل إلى ذلك اجعل له علامة، ثم لايزال الظل أيضا ينقص حتى ينتهي نقصانه أو ينعدم على اختلاف البلاد، وبعد ذلك يأخذ في الزيادة وينقلب الظل إلى جهة المشرق، وكذلك يزيد إلى أن يتجاوز عن الدائرة، فإذا وصل رأس الظل إلى منتهى الدائرة وأراد الخروج عنها اجعل له أيضا علامة، ثم تصل ما بين العلامتين بخط مستقيم وتنصف ذلك الخط، ثم تصل ما بين مركز الدائرة ومنتصف ذلك الخط بخط، وذلك خط نصف النهار، فإذا أردت معرفة الزوال في غير يوم العمل تنظر إلى ظل المقياس، فمتى وصل إلى هذا الخط كانت الشمس في وسط السماء، فإذا ابتدأ رأس الظل يخرج عنه فقد زالت.

ويعرف الزوال أيضا بميل الشمس إلى الحاجب الايمن مما يلي الانف لمن يستقبل نقطة الجنوب، سواء كانت قبلة له كالموصل ومن والاها أو لم تكن قبلة له، ضرورة عدم التفاوت في ذلك، بل المدار على استقبال نقطة الجنوب، فإن الشمس عند الزوال تحاذي نقطة الجنوب، وتكون الشمس بين الحاجبين لمن استقبل النقطة، فإذاا مالت إلى الحاجب الايمن يعرف تحقق الزوال، فحصر هذه العلامة بمن كانت نقطة الجنوب قبلة له كما في بعض المتون مما لاوجه له. نعم هذه العلامة أيضا لاتظهر للحس إلا بعد مضي مدة من الزوال.

٤٣

في بيان وقت المغرب والعشاء

اعلم أنه قد اتفق الاصحاب على أن أول وقت صلاة المغرب هو غروب الشمس، ولكن وقع الخلاف في تعيين الغروب، وأنه هل هو استتار القرص عن افق المصلي، أو أنه ذهاب الحمرة المشرقية وتجاوزها عن قمة الرأس. ومنشأ الاختلاف في ذلك هو اختلاف الاخبار، وقبل ذكرها ينبغي تقديم امور: الاول: أن الجمع بين الدليلين بالاطلاق والتقييد لاينحصر فيبما إذا كان المقيد من أفراد المطلق، كقوله (اعتق رقبه) و (اعتق رقبة مؤمنة) إذ ليس كل مطلق يوجب التوسعة، حتى يكون المقيد موجبا للتضييق وخروج بعض مالولاه لكان داخلا في المطلق، فإنه رب إطلاق يوجب التضييق، والتقييد يوجب التوسعة، كما يقال: إطلاق العقد يوجب التعجيل أو نقد البلد وغير ذلك، وكما يقال: إطلاق الامر يوجب النفسية والعينية والتعيينية، فإن مثل هذا الاطلاق يوجب التضييق، بداهة تخصيص العقد بنقد البلد أو التعجيل، وكذا تخصيص الامر التعييني يوجب الضيق، بخلاف ما لو قيد هذا الاطلاق بعدم لزوم نقد البلد أو التعجيل، أو قيد الواجب بعدم التعيينية، فإن هذا التقييد يوجب التوسعة.

فمن هنا يعلم أنه ليس التقييد منحصرا بما كان المقيد من أفراد المطلق، بداهة أن غير نقد البلد أو الواجب التخييري لم يكن من أفراد نقد البلد أو الواجب التعييني الذي اقتضياهما الاطلاقان، ففي المثالين لوقام الدليل على إرادة الاعم من نقد البلد أو غير الواجب التعييني، لم يعامل ما بينه وبين ما دل على خصوص نقد البلد أو الواجب التعييني بالاطلاق معاملة المتعارضين بالتباين، بل يكون

٤٤

هذا الدليل مقيدا لذلك الاطلاق وبمنزلة القرينة له، ويعامل معهما معاملة المطلق والمقيد، وإن لم يكن المقيد من أفراد المطلق، وذلك واضح.

الثاني: أنه ربما يكون الدليل بحسب ظهوره الاطلاقي لايعم غير شخص ما تعلق به، ولكن يرد دليل آخر على دخول التوابع والملحقات بما تعلق به ذلك الدليل الذي لم يعم بحسب ظهوره الاطلاقي تلك التوابع والملحقات، وحينئذ لايعامل مع الدليلين معاملة المتعارضين بالتباين، بل يقدم ما دل على دخول التوابع ويقيد به ذلك الاطلاق، وإن لم تكن تلك التوابع داخلة في المطلق، لما عرفت في الامر الاول من أنه لايعتبر في المقيد من أن يكون من أفراد المطلق وداخلا فيه لولا التقييد. مثلا لو قال (جاء‌زيد) فهذا القول بحسب ظهوره يدل على أن الجائي شخص زيد، من غير شمول زيد لمواليه وتوابعه، ولو قال بعد ذلك أن مرادي من (جاء زيد) ليس شخص زيد فقط بل هو مع توابعه، لم يكن هذا القول معارضا للقول الاول، بل يكون حاكما عليه، ومقدما على ذلك الظهور، ومقيدا لذلك الاطلاق، من غير استلزام المجازية، كما لايخفى.

الثالث: أن التحديدات الشرعية الواردة في بيان تحديد الموضوعات العرفية الظاهرة في خلاف ما حدده الشارع لايعامل معها معاملة التعارض، مثلا لو ورد أن المسافر حكمه كذا، والمقيم حكمه كذا، وماء الكثير حكمه كذا، فلو لم يرد من الشارع تحديد كان ما يفهمه العرف من هذه الموضوعات هو المتبع، فربما لايرى العرف صدق الماء الكثير على الكر، وكذا لايرى صدق السفر والاقامة على ثمانية فراسخ أو إقامة عشرة ايام. ولكن بعد تحديد الشارع الماء الكثيير بالكر، والسفر بثمانية فراسخ، والاقامة بعشرة أيام، لايعامل مع هذا التحديد معاملة المعارض، لما أخد نفس الماء الكثير

٤٥

والسفر والاقامة موضوعا، وإن كان ظاهر ما يترأى من الموضوع منافيا لهذا التحديد، فإن هذا الظهور إنما يكون متبعا إذا لم يرد تحديد للشارع لبيانه، وبعد ورود التحديد يؤخذ به ويطرح ذلك الظهور، فإنه يكون نظير التخطئة في المصداق، وذلك أيضا واضح.

الرابع: أنه لو لم يكن بين المتعارضين جمع دلالي، كالاطلاق والتقييد والنص والظاهر، تصل النوبة حينئذ إلى المرجحات السندية، وتكون مقدمة على موافقة العامة ومخالفتهم كما بين في محله، لكن هذا إذا لم يكن في أحد الدليلين ما يوجب الظهور في صدوره تقية، أو كان مضمون أحد الدليلين مما تفردت به العامة، بحيث صار شعارا لهم وكانوا يعرفون بذلك، كمعرفة الخاصة بما تضمنه الدليل الآخر.

والحاصل: أن ملاحظة المرجحات السندية إنما يكون بعد جريان الاصول الجهتية، من أصالة الصدور لبيان الحكم الواقعي، وأصالة عدم صدوره تقية، وأما مع عدم جريان الاصول الجهتية، إما لاحتفاف أحد الدليلين بما يوجب القطع أو الظن العقلائي على كونه صادرا تقية، وإما لكون ما تضمنه أحد الدليلين من المعنى كان يعد في زمان الصدور من شعار العامة وكانوا يعرفون به، عكس ما تضمنه الدليل الآخر من كونه كان شعارا للخاصة ويعرفون به، فلاتصل النوبة إلى المرجحات السندية.

إذا عرفت هذه الامور فلنشرع في ذكر الاخبار، وهي وإن كانت من الجانبين كثيرة إلا أنا نقتصر بما هو صريح أو ظاهر الدلالة، ثم نعقبه بما يقتضيه النظر الصحيح في الجمع بينها، فنقول: أما ما دل على أن الغروب إنما هو بذهاب الحمرة المشرقية عن قمة الرأس ولايكفي استتار القرص فهي على طوائف أربع: منها: ما تدل على أن وقت استتار القرص وغيبوبة الشمس إنما هو ذهاب الحمرة المشرقية، وفي بعضها تقييد الذهاب بتجاوزها عن قمة الرأس.

٤٦

ففي مرسلة ابن أبي عمير عن الصادقعليه‌السلام : وقت سقوط القرص ووقت الافطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار وسقط القرص(١) . وما رواه الكليني عن الباقرعليه‌السلام قال: إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من ناحية المشرق فقد غابت الشمس من شرق الارض وغربها(٢) . وفي المحكي عن فقه الرضاعليه‌السلام : أن وقت المغرب سقوط القرص إلى أن قال: والدليل على غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق(٣) .. إلخ. وفي رواية اخرى عن ابن أبي عمير عن القاسم بن عروة عن بريد بن معاوية العجلي قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: إذا غابت الشمس من هذا الجانب يعني ناحية المشرق فقد غابت الشمس في شرق الارض وغربها(٤) .

ومعلوم أن المراد من غيبوبة الشمس من ناحية المشرق غيبوبتها بتوابعها وملحقاتها من الشعاع والحمرة، لاأن المراد خصوص غيبوبة جرم الشمس، إذ لايكون حينئذ معنى لقولهعليه‌السلام " من ناحية المشرق " فإن جرم الشمس إذا غاب يغيب من المشرق والمغرب لاخوص المشرق، فيعلم من ذلك أن المراد منه غيبوبتها بتوابعها ولوازمها، وقد عرفت في الامر الثاني صحة إطلاق اللفظ وإرادة الاعم منه ومن توابعه وملحقاته إذا كانت هناك قرينة متصلة أو منفصلة تدل

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٢٧ باب ١٦ من أبواب المواقيت، ح ٤.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٢٦ باب ١٦ من أبواب المواقيت، ح ١.

(٣) المستدرك: ج ١ ص ١٩٠ باب ١٣ من أبواب المواقيت، ح ٣.

(٤) الوسائل: ج ٣ ص ١٢٦ من أبواب المواقيت، ح ١، وفيه اختلاف يسير. [ * ]

٤٧

على إرادة الاعم، وإن كان اللفظ مع تجرده عن تلك القرينة يكون ظاهرا في شخص ما وضع له ولايعم التوابع. وفي معناها روايات اخر ظاهرة الدلالة من أن مغيب الشمس واستتار القرص إنما يكون بذهاب الحمرة المشرقية.

ومنها: ما تدل على أن وقت المغرب إنماهو ذهاب الحمرة المشرقية، أو ما يقرب من هذا التعبير، مثل رؤية الكوكب وأمثال ذلك، من غير بيان أن استتار القرص أو غيبوبة الشمس يتحقق بذلك. ففي مرسلة ابن أشيم عن الصادقعليه‌السلام قال: سمعته يقول: وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق(١) ، الحديث.

وما رواه محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن بكر بن محمد عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه سأله سائل عن وقت المغرب، فقال: إن الله يقول في كتابه لابراهيم: فلما جن عليه الليل رأى كوكبا فقال هذا ربي(٢) ، وهذا أول الوقت، وآخرذلك غيبوبة الشفق(٣) .. إلخ. ومعلوم أن ذهاب الحمرة ملازمة لرؤية الكوكب لغالب الناس المتعارفة في البصر، فلاعبرة بمن يراه قبل ذلك. وفي معناها أيضا عدة روايات اخر لاتخفى على المتتبع.

ومنها: ما تدل على ثبوت الفصل بين مغيب الشمس وصلاة المغرب.

ففي رواية أبان بن تغلب قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : أي ساعة كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوتر؟ فقال: على مثل مغيب الشمس إلى صلاة

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٢٦ باب ١٦ من ابواب المواقيت، ح ٣.

(٢) الانعام: ٧٦.

(٣) الوسائل: ٣ ص ١٢٧ باب ١٦ من أبواب المواقيت، ح ٦. [ * ]

٤٨

المغرب(١) . بداهة ظهوره في ثبوت الفصل في الجملة بينهما، ومعلوم أن الفصل في الجملة يلازم ذهاب الحمرة المشرقية هذا، مع عدم القول بالفصل.

ومنها: ما تدل على الامر بالمساء بصلاة المغرب، وأن فعلهمعليهم‌السلام لهاه عند استتار القرص، إنما كان لاجل التقية.

ففي رواية جارود قال: قال لي ابوعبداللهعليه‌السلام : يا جارود ينصحون فلايقبلون، وإذا سمعوا بشئ نادوا به، أو حدثوا بشئ اذاعوه، قلت لهم: مسوا بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم، فأنا الآن اصليها إذا سقط القرص(٢) . ولايخفى ظهور قولهعليه‌السلام أخيرا " فأنا الآن اصليها إذا سقط القرص " في التقية لان لايعرف بما أذاعوه ونادوا به كما يدل على ذلك صدرها، فحينئذ يكون قولهعليه‌السلام " مسوا بالمغرب قليلا " بمعنى التأخير عن استتار القرص في الجملة، حتى لاينافي ظهور فعلهعليه‌السلام (٣) لها عند الاستتار إنما كان لاجل التقية، لكن التأخير لاعلى وجه يوجب اشتباك النجوم كما صنعه أبوالخطاب واصحابه، وقد عرفت أن التأخير عن الاستتار في الجملة يلازم القول بذهاب الحمرة.

هذا ما أردنا ذكره من الاخبار الدالة على أن وقت المغرب إنما هو ذهاب الحمرة المشرقية، وفي معناها أخبار اخر كثيرة ظاهرة الدلالة في ذلك، ولكن اسقطناها للاستغناء بما ذكرناه.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٢٧ من أبواب المواقيت، ح ٥.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٢٩ باب ١٦ من أبواب المواقيت، ح ١٥.

(٣) إذ لو كان المساء بمعنى فعلها عند الاستتار لما كان فعلهعليه‌السلام لها في ذلك الوقت لاجل التقية وهذا مناف لظاهره فتأمل جيدا " منه ". [ * ]

٤٩

فلنذكر الآن الاخبار الدالة على أن وقت المغرب إنما هو استتار القرص، ونقتصر أيضا على ما هو ظاهر الدلالة في ذلك، وهي أيضا طوائف: منها: ما دل على أن وقت المغرب إنما هو غيبوبة الشمس أو استتار القرص، من غير ذكر شئ آخر فيها. ففي رواية محمد بن علي بن الحسين قال: قال أبوجعفرعليه‌السلام : وقت المغرب إذا غاب القرص(١) . قال: وقال الصادقعليه‌السلام : إذا غابت الشمس فقد حل الافطار ووجبت الصلاة(٢) . وفي رواية جابر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا غاب القرص أفطر الصائم ودخل وقت الصلاة(٣) . وفي رواية داود بن أبى يزيد قال: قال الصادقعليه‌السلام : إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب(٤) . وغير ذلك مما علق دخول وقت المغرب بمجرد غيبوبة الشمس واستتار القرص، وهي كثيرة.

ومنها: ما دل على منع الامامعليه‌السلام أن يمسي بالمغرب، وأنه كان يصليعليه‌السلام إذا غربت الشمس. ففي رواية عبيدالله بن زرارة عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: صحبني رجل كان يمسي بالمغرب ويغلس بالفجر، وكنت أنا اصلي المغرب إذا غربت الشمس، واصلي الفجر إذا استبان، فقال الرجل: مايمنعك أن تصنع مثل ما أصنع؟ فإن الشمس تطلع على قوم قبلنا وتغرب عنا وهي طالعة على قوم

____________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل: ج ٣ ص ١٣٠ باب ١٦ من أبواب المواقيت، ح ١٨ و ١٩ و ٢٠.

(٤) الوسائل: ج ٣ ص ١٣١ باب ١٦ من أبواب المواقيت، ح ٢١. [ * ]

٥٠

آخرين بعد، فقلت له: إنما علينا أن نصلي إذا غربت الشمس عنا وإذا طلع الفجر عندنا(١) ، الحديث.

ومنها: ما دل على فعل الصادقعليه‌السلام صلاة المغرب عند غيبوبة الشمس، مع التصريح فيه بأن شعاع الشمس بعد موجود في الافق.

ففي رواية أبان بن تغلب وأبان بن أرقم وغيرهم، قالوا: أقبلنامن مكة حتى إذا كنا بوادي الاخضر إذا نحن برجل يصلي، ونحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا في أنفسنا فجعل يصلي ونحن ندعو عليه ونقول هو شباب من شباب أهل المدينة، فلما أتيناه إذا هو أبوعبدالله جعفر بن محمدعليه‌السلام ، فنزلنا فصلينا معه وقد فاتتنا ركعة، فلما قضينا الصلاة قمنا إليه، فقلنا له: جعلنا فداك هذه الساعة تصلي؟ فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت(٢) .

ومنها: ما دل على أن وقت المغرب إنما هو بغيبوبة القرص، مع زيادة تحديده بأنه إذا نظرت إليه لم تره، كما في رواية علي بن الحكم عن أحدهما أنه سئل عن وقت المغرب، فقال: إذا غاب كرسيها، قلت: وما كرسيها؟ قال: قرصها، فقلت: متى يغيب قرصها؟ قال: إذا نظرت إليه فلم تره(٣) .

ومنها: ما دل على امتداد وقت المغرب من حين غيبوبة الشمس إلى أن تشتبك النجوم أو سقوط الشفق. فعن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: وقت المغرب من حينتغيب الشمس إلى أن تشتبك النجوم(٤) .

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٣١ باب ١٦ من أبواب المواقيت، ح ٢٢ وفيه اختلاف يسير.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٣١ باب ١٦ من أبواب المواقيت، ح ٢٣ وفيه اختلاف يسير.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ١٣٢ باب ١٦ من أبواب المواقيت، ح ٢٥.

(٤) الوسائل: ج ٣ ص ١٣٢ باب ١٦ من أبواب المواقيت، ح ٢٦. [ * ]

٥١

وفي رواية اخرى عنه أيضاعليه‌السلام قال بعد سؤاله عن وقت المغرب: رقت المغرب ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق(١) .

هذا ما أردنا ذكره أيضا من الاخبار الدالة على أن وقت المغرب إنما هو غيبوبة الشمس. والذي يقتضيه النظر الصحيح في الجمع بينها هو الاخذ بما دل على اعتبار ذهاب الحمرة المشرقية، فإن ما دل على خلافها من كون العبرة بغيبوبة الشمس والقرص لايقاومه من جهات. أما الطائفة الاولى الدالة على دخول الوقت بغيبوبة الشمس واستتار القرص بقول مطلق من غير ضميمة فهي محكومة بالطائفة الاولى من تلك الاخبار، التي حددت استتار القرص وغيبوبة الشمس بذهاب الحمرة المشرقية.

وقد تقدم في الامر الثالث أنه لايعامل في ما ورد من التحديدات الشرعية للموضوعات العرفية معاملة المعارض، بل تكون حاكمة على الظاهر الاولي من الموضوع، ومقيدة لاطلاقه، ومبينة للمراد منه.

وكيف يعامل معاملة التعارض بين ما دل على دخول الوقت بغيبوبة الشمس بقول مطلق، وبين ما دل على أن غيبوبة الشمس إنما يتحقق بذهاب الحمرة المشرقية؟ وهل يتوقف أحد في كون الثاني مفسرا للاول ومبينا له؟ ولابعد في إرادة ذهاب الحمرة أيضا من استتار القرص، ولم يكن الكلام خارجا عن المتعارف لان الحمرة من توابع القرص وملحقاته، وقد عرفت في الامر الثاني من أن إرادة التوابع أيضا من لفظ المتبوع لايستلزم المجازية، فضلا عن خروج الكلام عما هو المتعارف، فالطائفة اولى من هذه الاخبار محكومة طرا بالطائفة الاولى

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٣٣ باب ١٦ من أبواب المواقيت، ح ٢٩. [ * ]

٥٢

من تلك الاخبار.

وأما الطائفة الثانية من هذه الاخبار المشتملة على فعلهعليه‌السلام صلاة المغرب عند غيبوبة الشمس مع منعه من أن يمسي بالمغرب فبعد ما عرفت من أن غيبوبة الشمس قد فسرت بذهاب الحمرة بمقتضى الطائفة الاولى من تلك الاخبار فلا دلالة فيها على كون فعلهعليه‌السلام إنما كان عند غياب الشمس مع عدم ذهاب الحمره، بل مقتضى التفسير أن فعله كان بعد ذهاب الحمرة، ولا ينافيه المنع من أن يمسي بالمغرب، إذ لعل المراد ب‍ " يمسي " هو فعلها بعد سقوط الشفق.

ولعل المصاحب كان من أصحاب أبي الخطاب، واحتمال ذلك يكفي في سقوط الاستدلال بها، ولاينافي أيضا ما ذكرنا من أن المراد بقولهعليه‌السلام " إنما علينا أن نصلي إذا غربت الشمس " في غروبها مع ذهاب الحمرة، ما في ذيل الرواية " وعلى اولئك أن يصلوا إذا غربت الشمس عنهم "(١) بداهة أنه ربما تذهب الحمرة عن مكان، بل يسقط الشفق أيضا، مع عدم غيبوبة الشمس في مكان آخر، فهذه الطائفة أيضا غير معارضة لما دل من اعتبار ذهاب الحمرة.

وأما الطائفة الثالثة الدالة على فعل الصادقعليه‌السلام لها مع بقاء شعاع الشمس فلابد من حملها على التقية، لان في نفس الرواية دلالة على أن فعل الصلاة في ذلك الوقت كان من شعار العامة بحيث كانوا يعرفون به، حتى أن القوم قبل معرفة الامامعليه‌السلام كانوا يدعون عليه، ويتخيلون أنه شاب من شباب المدينة، فما هذا شأنه كيف يمكن الاستدلال به؟ فلابد من حمل جميع ماورد بالتحديد بغيبوبة الشمس على التقية.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ١٣١ باب ١٦ من أبواب المواقيت، ح ٢٢. [ * ]

٥٣

ويؤيد ذلك الطائفة الرابعة حيث عبر فيها باستتار الكرسي تارة وباستتار القرص اخرى، فإنه يعلم منه أن الامامعليه‌السلام كان بصدد الطفرة عن الجواب حتى أن السائل كرر سؤاله، فالتجأ الامامعليه‌السلام بتحديد استتار القرص بأنه إذا نظرت إليه لم تره، مع احتمال أن يكون ضمير " إليه " راجعا إلى القرص بتوابعه من الحمرة، وإن كان خلاف الظاهر.

وأما الطائفة الخامسة فلا دلالة فيها أيضا، لان قولهعليه‌السلام " وقت المغرب ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق "(١) أو " اشتباك النجوم "(٢) بعد تحديد غيبوبة الشمس في تلك الاخبار بذهاب الحمرة، لايكون له ظهور في كون غروب الشمس غروب نفس الجرم، ولو كان له هذا الظهور مع قطع النظر عن ذلك التحديد. نعم لو لم يكن بين ذهاب الحمرة وسقوط الشفق أو اشتباك النجوم فصل لما أمكن حمل الغروب على ذهاب الحمرة، إلا أن الامر ليس كذلك.

فتحصل مما ذكرنا: أنه لامعارضة بين الاخبار حتى تصل النوبة إلى المرجحات السندية، لان ما دل على التحديد بغروب الشمس أو استتار القرص، إما محكومة بما دل على أن الغيبوبة إنما تحصل بذهاب الحمرة وهي أكثرها، واما محمولة على التقية، لاشتمالها على قرينة تدل على ذلك، وقد تقدم في الامر الرابع أن ملاحظة المرجحات إنما هو بعد الفراغ عن جريان الاصول الجهتية.

ولو أغمضنا عن ذلك كله وقلنا بالمعارضة فلا إشكال أيضا في أن الترجيح على ما دل على اعتبار ذهاب الحمرة، لامن جهة الاكثرية والاشهرية، بل من جهة

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٣٣ باب ١٦ من أبواب المواقيت، ح ٢٩.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٣٢ باب ١٦ من أبواب المواقيت، ح ٢٦. [ * ]

٥٤

مخالفتها للعامة، بخلاف ما دل على أن العبرة باستتار القرص، فإنها موافقة للعامة ويجب طرحها.

وما ذكرنا من أن رتبة الموافقة والمخالفة للعامة متأخرة عن المرجحات السندية صحيح إلا أنه ليس في المقام من المرجحات شئ، لان في كلتا الطائفتين من الصحاح ما لايخفى، والعدالة والوثاقه ة متحققة في كليهما، ولاأشهرية في البين لان كلتا الطائفتين مشهورتان عند الرواة والشهرة العملية ما لم تصل إلى حد الاعراض عن الاخرى لا اعتبار بها، مع أن الشهرة العملية في تلك الطائفة، لانه لم ينسب القول باستتار القرص من الطبقة الاولى التي هي العبرة في كون عملهم جابرة وكاسرة، إلا عن الكاتب والصدوق والمرتضى والشيخ وسلار والقاضي(١) ، مع أن عبارات بعضهم على ما نقل غير صريحة في ذلك، بل نقل عن بعضهم خلاف ما نسب إليه، فلا إشكال في أن الشهرة أو الاشهرية في تلك الطائفة.

فليس في مادل على اعتبار استتار القرص من المرجحات لو لم تكن في مقابلها، ولا محالة تصل النوبة إلى موافقة العامة ومخالفتهم، ولا إشكال في موافقة ذلك للعامة بحيث كانوا يعرفون به كما سمعت، ولا أظن بعدما ذكرنا التوقف في الحكم ممن له أدنى روية في الجمع بين الاخبار.

فالاقوى أن أول وقت المغرب إنما هو ذهاب الحمرة المشرقية عن قمة الرأس، كما صرحت به بعض الروايات المتقدمة، وبه يقيد ما دل على اعتبار الحمرة من غير تقييد بتجاوزها عن ذلك الحد. وأما آخره فالمشهور أنه يمتد إلى مقدار أربع ركعات من نصف الليل مطلقا ولو للمختار. وقيل إلى ثلثه.

وقيل: إلى سقوط الشفق، وما بعد ذلك إلى انتصاف

____________________

(١) جواهر الكلام: ج ٧ ص ١٠٧. [ * ]

٥٥

الليل يكون وقتا للمضطر.

وقيل: إن وقت الاضطراري يمتد إلى الطلوع. وربما تكون في المسألة أقوال اخر، هذا بالنسبة إلى المغرب.

وأما العشاء فالمشهور ايضا أن أول وقتها إنما هو بعد فعل المغرب، وآخر وقتهاللمختار إلى انتصاف الليل.

وقيل: إن وقتها إنما هو غيبوبة الشفق، وآخر وقتها للمختار ثلث الليل، وما بعد ذلك إلى نصف الليل وقت لمضطر. وربما تكون في المسألة أيضا أقوال اخر. وليس هذا الاختلاف مختصا بالعشاء‌ين، بل في الظهرين أيضا اختلفت كلمات الاصحاب، فالمشهور على أنه يمتد وقت الظهرين إلى الغروب اختيارا، كما أن المشهور هو دخول وقت العصر بمجرد فعل الظهر، بل مجمع عليه، وإن كان يظهر من بعض العبائر وقوع الخلاف فيه.

وقيل: إن آخر وقت الظهر هو القدمان، وآخر وقت العصر هو أربعة أقدام للمختار، وبعد ذلك وقت للمضطر إلى الغروب.

وقيل: إن آخر وقت الظهر هو المثل، وآخر وقت العصر المثلان للمختار.

وقيل غير ذلك أيضا.

وبالجملة: اختلفت كلمات الاصحاب بالنسبة إلى آخر وقت الظهر والعصر، بعد اتفاقهم ظاهرا على أول وقت الظهرين، وكذا اختلفت كلماتهم بالنسبة إلى آخر وقت العشاء‌ين وأول وقت العشاء، بعد اتفاقهم على أول وقت المغرب وهو الغروب، وإن وقع الخلاف في ما يتحقق به الغروب، وأنه هل هو الاستتار أو ذهاب الحمرة على ما تقدم بيانه، وكذلك اختلفت كلماتهم في آخر وقت صلاة الفجر، بعد اتفاقهم أيضا على الظاهر في أوله وأنه هو الفجر الصادق.

ولكن المشهور بين الاعلام هو امتداد وقت الظهرين إلى الغروب مطلقا ولو للمختار، وامتداد وقت العشاء‌ين إلى نصف الليل مطلقا، ودخول وقت العشاء

٥٦

بمجرد فعل المغرب، وامتداد وقت الصبح إلى طلوع الشمس أيضا مطلقا ولو للمختار، هذا هو المشهور، وفي مقابله أقوال اخر لاتخفى على المتتبع، ولعلها تمر عليك في طي الاستدلال لما ذهب إليه المشهور. فينبغي التكلم في مقامات ثلاث: الاول: في امتداد وقت الظهرين للمختار إلى الغروب.

المقام الثاني: امتداد وقت العشاء‌ين إلى نصف الليل حتى للمختار، وندرج فيه دخول وقت العشاء بمجرد فعل المغرب. المقام الثالث: امتداد وقت صلاة الفجر إلى طلوع الشمس للمختار أيضا.

أما المقام الاول: فقد علمت أنه المشهور، وهو الاقوى في النظر، وبيان ذلك يتوقف على ذكر ما ورد من الاخبار في وقت الظهرين، وهي على طوائف: منها: المطلقات الدالة على امتداد وقت الظهرين إلى الغروب. كقولهعليه‌السلام " ثم أنت في وقت منهما إلى غروب الشمس "(١) وهي كثيرة جدا، وقد تقدم شطر منها في أول بحث المواقيت.

ومنها: ما دل على امتداد وقت الظهر إلى أربعة أقدام. كخبر الكرخي قال: سألت أباالحسنعليه‌السلام متى يدخل وقت الظهر قال: إذا زالت الشمس، فقلت: متى يخرج وقتها؟ فقال: من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام، وإن وقت الظهر ضيق ليس كغيره(٢) .. إلخ. وفي معناه رواية اخرى وردت في باب طهر الحائض بعد أربعة أقدام من الزوال، حيث قالعليه‌السلام : إنها تصلي العصر فإن وقت الظهر قد خرج(٣) .

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ٩٢ باب ٤ من أبواب المواقيت، ح ٥ وفيه اختلاف يسير.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٩ باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ٣٢.

(٣) الوسائل: ج ٢ ص ٥٩٨ باب ٤٩ من أبواب الحيض، ح ٢ من كتاب الطهارة نقلا بالمضمون. [ * ]

٥٧

وقد افتى بعض بمضمون هذا الخبر مع زيادة امتداد وقت العصر إلى ثمانية أقدام مع أنه ليس في الخبر ذلك، بل فيه امتداد وقت العصر إلى غروب الشمس، حيث قال: قلت: فمتى يدخل وقت العصر؟ فقال: إن آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر، فقلت: متى يخرج وقت العصر؟ فقال: وقت العصرإلى أن تغرب الشمس(١) .

ومنها: ما دل على امتداد وقت الظهر إلى المثل والعصر إلى المثلين. ففي خبر محمد بن حكيم قال: سمعت العبد الصالح وهو يقول: إن أول وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة من الزوال، وأول وقت العصر قامة وآخر وقتها قامتان(٢) . وفي معناه روايات اخر. وقد أفتى بمضمونها بعض لكن بعد تقييده بالمختار، لما دل من امتداد الوقت لصاحب العذر إلى الغروب.

ومنها: ما دل على أن وقت الظهر هو القدمان(٣) أو القدم(٤) أو الذراع(٥) ، ووقت العصر أربعة أقدام(٦) أو ذراعان(٧) من غير تعرض أن ذلك آخر وقت الفرضين، بل في بعضها دلالة على أن ذلك أول وقتها، ومع ذلك ذهب بعض إلى أن ذلك آخر وقت الفرضين للمختار، ولعله توهم أن تلك الاخبار في مقام تحديد

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٩ باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ٣٢.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٨ من أبواب المواقيت، ح ٢٩.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٢ باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ١ و ٢.

(٤) الوسائل: ج ٣ ص ١١٠ باب ٨ من أبواب المواقيت، ح ٣٤.

(٥) الوسائل: ج ٣ ص ٤٣ باب ١٤ من أبواب أعداد الفرائض، ح ٦.

(٦) و (٧) الوسائل: ج ٣ ص ١٠٢ و ١١١ باب ٨ و ٩ من أبواب المواقيت، ح ١ و ٢. [ * ]

٥٨

آخر الوقت، مع أن ظاهر الاخبار يأباه، وأن ذلك أول الوقت لخصوص المتنفل، فراجع.

ومنها: ما دل على امتداد وقت العصر للمختار حتى يصير الظل ستة أقدام. كما في خبر سليمان بن خالد: العصر على ذراعين، فمن تركها حتى تصير على ستة أقدام فذلك المضيع(١) . وفي معناه رواية اخرى(٢) ، وقد أفتى بمضمونه بعض.

وفي المسألة أيضا أقوال خالية عن الشاهد، إذ الاخبار الواردة في الباب هي ما ذكرناها، وقد عرفت أن هذه الاخبار المفصلة بين المثل والمثلين والاقدام وغير ذلك كلها مقيدة بصورة الاختيار، لما ورد من أن وقت المضطر ممتد إلى الغروب أو إلى اصفرار الشمس على اختلاف في ذلك أيضا، والاخبار المقيدة أيضا كثيرة لاتخفى على المراجع، كما في صحيح ابن سنان عن الصادقعليه‌السلام في حديث: لكل صلاة وقتان، وأول الوقت افضلهما، ولاينبغي تأخير ذلك عمدا، ولكنه وقت من شغل أو نسي أو نام، وليس لاحذ أن يجعل آخر الوقتين وقتا، إلا من عذ أو علة(٣) .

إذا عرفت ذلك فيقع الكلام حينئذ في موضعين: الموضع الاول: في الجمع بين هذه الاخبار المفصلة الدالة على عدم امتداد الوقت إلى الغروب للمختار بمقتضى الاخبار المقيدة، وبين المطلقات الدالة بإطلاقها على امتداد الوقت مطلقا حتى للمختار إلى الغروب.

الموضع الثاني: في الجمع بين نفس هذه الاخبار.

____________________

(١) الوسائل: ج ٣ ص ١١١ باب ٩ من أبواب المواقيت، ح ٢.

(٢) الوسائل: ج ٣ ص ١١١ باب ٩ من أبواب المواقيت، ح ٤.

(٣) الوسائل: ج ٣ ص ٨٧ باب ٣ من أبواب المواقيت، ح ٤، وفيه اختلاف يسير. [ * ]

٥٩

المفصلة، حيث إنها بنفسها متعارضة من حيث اعتبار المثل والمثلين وأربعة أقدام والذارعين وغير ذلك مما تقدم. أما الكلام في الموضع الاول فالمشهور على حمل الاخبار المفصلة على بيان مراتب وقت الفضيلة، وحمل المطلقات على بيان وقت الاجزاء، من غير فرق بين المضطر والمختار، وفي مقابله الاقوال الاخر، حيث حملوا المطلقات على الوقت الاضطراري، والاخبار المفصلة على الوقت الاختياري، هذا.

ومقتضى القواعد الاصولية مع فطع النظر عن القرائن الخارجية هو حمل المطلقات على الوقت الاضطراري، وتقييدهها بما دل على عدم امتداد الوقت للمختار إلى الغروب، فإن المطلقات بإطلاقها تشمل المختار والمضطر في امتداد الوقت إلى الغروب، وأخبار القدم والقدمين والمثل والمثلين الظاهرة في خروج الوقت بذلك بعد تقييدها بالمختار تكون مقيدة لتلك المطلقات. فيكون الغروب وقتا للمضطر.

وهذا الجمع بحسب القواعد مقدم من حمل الاخبار المفصلة على الاستحباب والفضيلة كما صنعه المشهور، لما تبين في باب المطلق والمقيد من أن ما دل على التقييد يكون حاكما ومبينا للمراد من المطلق، فالاصول اللفظية الجارية في المقيد من ظهور أمره في الوجوب تكون حاكمة على الاصول الجارية في المطلق من ظهوره في الاطلاق، وإن كان ظهور الامر في الوجوب في المقيد يكون أضعف بمراتب من ظهور المطلق في الاطلاق، لان الشك في إطلاق المطلق يكون مسببا عن الشك في كون الامر في المقيد للوجوب، وبعد جريان أصالة ظهور الامر فيه في الوجوب يرتفع موضوع الشك في المطلق، ومن المعلوم أن الاصل الجاري في السبب يكون مقدما على الاصل الجاري في المسبب، ولا يلاحظ أقوائية الظهور كما سنعه بعض الاعلام، فظهور أمر (اعتق رقبة مؤمنة) حاكم على ظهور المطلق في الاطلاق وإن

كان ذلك من أضعف الظهورات وهذا من أقواها.

٦٠