كتاب الصلاة الجزء ٢

كتاب الصلاة0%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 400

كتاب الصلاة

مؤلف: الميرزا محمد حسين الغروي النائيني
تصنيف:

الصفحات: 400
المشاهدات: 24724
تحميل: 3779


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 24724 / تحميل: 3779
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا كله مضافا إلى رواية عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبدالله عن إقامة بغير أذان في المغرب فقال: ليس به بأس وما احب أن يعتاد(١) فإنه صريح في عدم وجوب الاذان في المغرب وقولهعليه‌السلام وما احب أن يعتاد يكون شاهدا على أن النهي عن ترك الاذان في المغرب محمول على الكراهة.

واما وجوب الاقامة في مطلق الصلاة اليومية فقد استدل له بطوائف من الاخبار: منها ما دل على أن من صلى بأذان وإقامة فقد صلى خلفه صفان من الملائكة ومن صلى بإقامة فقط صلى خلفه صف من الملائكة وقد ورد بهذا المضمون عدة من الروايات وقد عقد لذلك باب(٢) في الوسائل إلا أن دلالتها على وجوب الاقامة ضعيفة جدا بل نفس لسان هذه الطائفة من الاخبار ينادي بالاستحباب كمالا يخفى.

ومنها ما دل على أنه يجزي إقامة واحدة في السفر أو في الحضر أيضا وهي عدة من الروايات أيضا، وقد عقد لها في الوسائل باب(٣) على حدة إلا أنها لا تدل أيضا على الوجوب لما عرفت الكلام فيما يتعلق بلفظة يجزي فلا نعيده.

ومنها ما تقدم من الروايات الدالة على وجوب الاذان والاقامة في المغرب والصبح والاقامة فقط في سائر الصلوات وقد عرفت الجواب عنها. ومنها ما دل على أن الاقامة جزء للصلاة ويبطلها كل ما يبطل الصلاة كقول الصادقعليه‌السلام لابي هارون المكفوف: يا أبا هارون الاقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم ولا تؤم بيدك(٤) ، هذا. ولكن الانصاف أنه لا دلالة لهذه الطائفة على الوجوب أيضا، فإنه - مضافا إلى أنه لابد من حملها على خلاف ظاهرها، لما استفاضت النصوص به، من أن

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٦٢٣ باب ٦ من ابواب الاذان والاقامة، ح ٦.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٦١٩ باب ٤ من ابواب الاذان والاقامة.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ٦٢١ باب ٥ من ابواب الاذان والاقامة.

(٤) الوسائل: ج ٤ ص ٦٣٠ باب ١٠ من ابواب الاذان والاقامة، ح ١٢. (*)

٢١

أول الصلاة التكبير وآخرها التسليم(١) ، فلا يمكن القول بجزئية الاقامة للصلاة - لا دلالة لها على الوجوب إذ لا ملازمة بين الجزئية والوجوب كما لا يخفى. فالاقوى عدم وجوب الاقامة أيضا في مطلق الصلوات نعم استحبابها آكد من الاذان للنصوص المتقدمة.

موارد سقوط الاذان والاقامة

وفيه أبحاث(٢) . البحث الاول: في سقوط الاذان فقط: اعلم أنه قد ذكر الاعلام موارد يسقط فيه الاذان، ثم اختلفوا في أن سقوطه هل هو عزيمة أو رخصة؟ وقبل ذكر الموارد لابد من بيان المراد من الرخصة والعزيمة فنقول: إن المراد من العزيمة هو عدم مشروعية الاذان في هذه الموارد بمعنى أنه لا يجوز التعبد به وفعله بداعي الامر كما هو الشأن في كل عبادة لم تكن مشروعة وأما معنى الرخصة فليس المراد منها الرخصة في الترك الذي هو لازم الامر الاستحبابي فإن الرخصة بهذا المعنى لا يختص بهذه الموارد الخاصة بل بعد البناء على استحباب الاذان والاقامة يكون الشخص مرخصا في تركهما في جميع الموارد وإلا خرجا عن كونهما مستحبين، فالرخصة بمعنى جواز ترك المستحب قطعا ليس بمراد في المقام وكذا ليس المراد من الرخصة الاباحة بمعنى تساوي الطرفين إذ العبادة لا يمكن

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ باب ١ من ابواب تكبيرة الاحرام وباب ١ من ابواب التسليم.

(٢) ذكر المصنف -رحمه‌الله - بحثا واحدا، ولم يتطرق عن موارد سقوط الاقامة، فتأمل. (*)

٢٢

تساوي طرفيها فلابد من أن يكون المراد من الرخصة هو أقلية الفضل بالنسبة إلى ما عدا هذه الموارد لا بمعنى أن يكون تركهما في تركهما في موارد سقوطهما أفضل من فعلهما بأن ينطبق عنوان على الترك يكون أفضل من الفعل نظير العبادات المكروهة التي لا بدل لها فإن ذلك بعيد في المقام.

بل الاقرب في المقام هو أن يراد من الرخصة أقلية الفضل من سائر الموارد وإن كان فعلهما في هذه الموارد فيه الفضل من دون أن يكون تركهما أفضل، ولكن لا يخفى عليك أن ثبوت الرخصة بهذا المعنى يحتاج إلى قيام الدليل عليه وإلا الاصل يقتضي أن يكون السقوط عزيمة إذ ما دل على السقوط في هذه الموارد يكون مخصصا للعمومات والاطلاقات الدالة على مشروعية الاذان والاقامة واستحبابهما كما سيأتي بيانه.

ثم إن كلمات العلماء في موارد السقوط وكونه عزيمة أو رخصة مضطربة غاية الاضطراب وتطبيقها على الدليل في غاية الاشكال. فالاولى الاقتصار على ما أفاده شيخنا الاستاذ - دام ظله - في المقام فنقول: موارد سقوط الاذان هو موارد الجمع بين الصلاتين ولكن الجمع بين الصلاتين تارة يكون مستحبا وأخرى يكون عدم الجمع والتفريق مستحبا وثالثة يكون كل من الجمع والتفريق متساويان من دون أن يكون بينهما تفاوت في الفضل، وقبل بيان الاقسام وأحكامها لابد من بيان معنى الجمع والتفريق فنقول: المراد من الجمع هو الجمع بين الصلاتين بالنسبة إلى الوقت بأن يأتي بالاولى في وقت الثانية أو الثانية في وقت الاولى من دون فصل بينهما عرفا وفي كون الفصل بالنافلة مخلا بالجمع كلام يأتي بيانه والمراد من التفريق تفريق الصلاتين على اوقاتهما مع الفصل بينهما عرفاولا يكفي مجرد التفريق على الاوقات من دون الفصل العرفي كما إذا صلى الظهر في آخر وقت فضلها والعصر في أول وقت فضلها فإن ذلك يكون من الجمع لعدم الفصل العرفي بينهما، ففى التفريق لابد

٢٣

من كلا القيدين التفريق على الاوقات والفصل العرفي، ثم إن الجمع بين الصلاتين تارة يكون أفضل من التفريق كما في يوم الجمعة وعرفة بالنسبة إلى الظهرين والمزدلفة بالنسبة إلى العشاء‌ين غايته أن في يوم الجمعة ويوم عرفة يستحب فعل الثانية في وقت الاولى وفي المزدلفة يستحب فعل الاولى وهي المغرب وفي وقت الثانية وأخرى يكون التفريق أفضل كما في سائر الايام إذ يستحب تفريق الصلوات على أوقاتها وثالثة يتساوى الجمع والتفريق كقضاء الصلوات إذ لا يتفاوت فيه بين الجمع والتفريق.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يقتضيه الجمع بين الروايات هو أنه لو كان الجمع أفضل فأذان الثانية ساقط عزيمة إن لم يتنفل بين الصلاتين ورخصة إن تنفل ولو كان التفريق أفضل فعند الجمع مع التنفل في البين يسقط أذان الثانية رخصة ومع عدم التنفل يكون السقوط عزيمة إلا أن يكون إجماع على خلافه ولو تساوى كل من الجمع والتفريق كان السقوط أيضا عزيمة، وليس في هذا مظنة الاجماع على كون السقوط رخصة كما كان مظنته في موارد استحباب التفريق فجمع بلا تنفل كما يشعر إليه كلام الشهيد -رحمه‌الله - في اللمعة(١) .

وينبغي حينئذ ذكر الاخبار حتى يعلم انطباقها على ما قلناه فنقول: منها خبر غياث: الاذان الثالث يوم الجمعة بدعة(٢) . وبهذا الخبر قد استدل على سقوط أذان العصر في يوم الجمعة لان الاذان الاول في يوم الجمعة هو أذان الصبح والاذان الثاني أذان الظهر فيكون الثالث أذان العصر هذا، ولكن الظاهر أن يكون المراد من الاذان الثالث الاذان الثاني لصلاة الجمعة الذي أبدعه عثمان أو معاوية

____________________

(١) (١) اللمعة: ج ١ ص ١٠٩.

(٢) الوسائل: ج ٥ ص ٨١ باب ٤٩ من ابواب الصلاة الجمعة، ح ١. (*)

٢٤

حيث إنه كان يفعل لصلاة الجمعة أذانين قبل الخطبتين وبعدهما ويدل على ذلك لفظ البدعة.

ومنها: صحيح عبدالله بن سنان: السنة في الاذان يوم العرفة أن تؤذن وتقيم للظهر ثم تصلي ثم تقيم للعصر بغير أذان وكذلك المغرب والعشاء بمزدلفة(١) . وفي معناه عدة من الروايات(٢) ، وهو بظاهره يدل على أن الاذان للعصر في يوم عرفة وللعشاء في المزدلفة ليس من السنة بل هو عزيمة، فيكون دليلا على سقوط الاذان عزيمة في موارد استحباب الجمع، وهو بإطلاقه وإن كان يعم ما إذا تنفل بينهما فيدل بإطلاقه على عدم مشروعية الاذان في موارد استحباب الجمع ولو تنفل بين الصلاتين إلا أن في موثق محمد بن حكيم عنهعليه‌السلام : الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع(٣) .

وهذا الموثق وإن كان ظاهره نفي أصل الجمع مع التطوع ويكون دليلا على عدم سقوط الاذان لا رخصة ولا عزيمة مع التطوع إلا أنه ورد أيضاأن التطوع في البين لا ينافي الجمع المسقط للاذان كما في خبر أبان بن تغلب قال: صليت خلف أبي عبدالله المغرب بالمزدلفة فلما انصرف أقام الصلاة فصلى العشاء الآخرة لم يركع بينهما، ثم صليت معه بعد ذلك بسنة فصلى المغرب ثم قام فتنفل بأربع ركعات ثم أقام فصلى العشاء الآخرة(٤) . فهذا الخبر يدل على أن التنفل غير مانع عن الجمع المستحب في المزدلفة وعن سقوط الاذان أيضا.

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٦٦٥ باب ٣٦ من ابواب الاذان والاقامة، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٦٦٥ باب ٣٦ من ابواب الاذان والاقامة، ح ٢ وج ٣ ص ١٦٧ باب ٣٢ من أبواب المواقيت، ح ١ وج ١٠ ص، ص ٩ من ابواب احرام الحج والوقوف بعرفة، ح ١.

(٣) و (٤) الوسائل: ج ٣ ص ١٦٣ من أبواب المواقيت، ح ٣ و ١.

٢٥

ونحن لو خلينا وأنفسنا لقلنا إن سقوط الاذان عزيمة مطلقا ولو تنفل بينهما إلا أنه ورد في خبر زريق عن الصادقعليه‌السلام : أنه ربما كان يصلي يوم الجمعة ركعتين إذا ارتفع النهار وبعد ذلك ست ركعات أخر وكان إذا ركدت الشمس في السماء قبل الزوال أذن وصلى ركعتين فما يفرغ إلا مع الزوال ثم يقيم الصلاة الظهر ويصلي بعد الظهر أربع ركعات ثم يؤذن ويصلي ركعتين ثم يقيم ويصلي العصر(١) .

وهذا يدل على عدم سقوط الاذان مع التنفل بين الصلاتين، فيكون مقتضى الجمع بين الروايات هو أنه في موارد استحباب الجمع كيوم الجمعة وعرفة والمزدلفة يسقط الاذان للصلاة الثانية عزيمة إن لم يتنفل بينهما ورخصة إن تنفل، فتأمل، فتأمل جيدا. هذا كله في موارد استحباب الجمع.

وأما في موارد استحباب التفريق كسائر الايام فإن جمع بين الصلاتين مع التنفل بينهما فلا يبعد دعوى كون السقوط أيضا رخصة للاولوية فإنه لو كان التنفل في موارد استحباب الجمع موجبا لكون السقوط رخصة ففي غير موارد استحباب الجمع يكون السقط رخصة مع التنفل أولى. وأما مع عدم التنفل بينهما فمقتضى القاعدة كون السقوط عزيمة لعدم دليل لفظي يدل على ثبوت الاذان مع ماورد من فعل الائمة والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من ترك الاذان مع الجمع في عدة من الروايات(٢) .

ودعوى أن مجرد عدم فعلهمعليه‌السلام للاذان لا يوجب تخصيص المطلقات الدالة على استحباب الاذان لكل صلاة لجواز تركهم المستحب أو كان تركهم لبيان ذلك فاسدة فإن تركهم المستحب لم يعهد عنهم وبيانهم لجواز الترك

____________________

(١) الوسائل: ج ٥ ص ٢٧ باب ١٣ من ابواب المواقيت، ح ٤.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٦٦٥ من باب ٣٦ من أبواب الاذان والاقامة ح ٢، وج ٣ ص ١٦٧، باب ٣٢ من أبواب المواقيت، ح ١ وج ١٠ ص ٩ باب ٩ من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة، ح ١. (*)

٢٦

لا ينحصر بالفعل إذ يمكن البيان بالقول فلا معنى لتركهم المستحب لمجرد بيان جواز الترك فتأمل جيدا. وكذا القول فيما لا يستحب فيه الجمع والتفريق كقضاء الصلوات بل كون السقوط في ذلك عزيمة أولى لقيام الدليل اللفظي على السقوط كما تقدم

٢٧

المقصد الثاني: في أفعال الصلاة(النية)

اعلم أن الكلام في النية يقع من جهتين:

الجهة الاولى: في كيفية اعتبارها وأنها كيف يمكن أخذها في متعلق التكليف مع كونها هي الداعي إلى إرادة الفاعل نحو الفعل وتنبعث الارادة عنها؟ فهي واقعة فوق دائرة الارادة وما كان فوق الارادة لا يمكن أن يرد الارادة عليه ويكون تحت دائرتها بحيث تتعلق الارادة بها نحو تعلقها بالفعل الصادر عن الفاعل فإذا لم يمكن تعلق إرادة الفاعل بها لا يمكن تعلق إرادة الآمر بها بحيث يطالب بها نحو طالبه بما يقع تحت إرادة الفاعل من الفعل الصادر عنه لان إرادة الآمر إنما تتعلق بما يتعلق به إرادة الفاعل لان الارادة الآمرية هي المحركة للارادة الفاعلية فلا يمكن أن يكون متعلق إرادة الآخر أوسع من متعلق إرادة الفاعل.

وهذا الاشكال وارد على اعتبار النية، وكونها متعلقة للطلب على جميع الوجوه والتفاسير حتى لو قلنا: إن النية والقربة المعتبرة في العبادات عبارة عن إتيان الفعل لله تعالى، مضافا إلى ما يرد على التفاسير الاخر من كونها عبارة عن قصد الامر وقصد الوجه وغير ذلك من لزوم الدور، وأن مالا يأتي إلا من قبل الامر كيف يمكن أخذه في المتعلق، فإن الدور يختص بما إذا قلنا: إنها عبارة عن قصد الامر وما يشبه ذلك وأما لو قلنا: إنها عبارة عن إتيان

٢٨

الفعل لله تعالى فلا دور، إلا أنه يرد عليه ما تقدم من الاشكال فإن الاشكال المتقدم وارد على كل حال كما لا يخفى.

الجهة الثانية: فيما يعتبر في النية وشرائطها وأركانها.

والبحث عن الجهة الاولى راجع إلى مسألة اصولية، وعن الجهة الثانية إلى مسألة فقهية، والمقصود في المقام إنما هو البحث عن الجهة الثانية، وفيه مباحث:

البحث الاول:

حقيقة النية ليس إلا الارادة الباعثة على الفعل، ولكن في العبادات تتقوم بأمرين، الاول: القصد إلى المأمور به الذي به يكون الفعل اختياريا وصادرا عنه بالارادة ويمتاز عن فعل النائم والساهي والغافل. الثاني: إنبعاث هذا القصد عن الداعي المقرب إليه تعالى دون سائر الدواعي الذي به يمتاز العبادة عن غيرها فحقيقة النية في العبادة إنما هي متقومة بهذين الامرين وكان كل منهما ركنا في النية وإن كان الثاني في طول الاول وربما يطلق النية على خصوص الثاني أي ما يمتاز به العبادة عن غيرها وعلى كل حال لابد في كل عبادة من تحقق هذين الركنين فلابد من التكلم في كل منهما على حدة.

ويعتبر في الركن الاول أي القصد إلى المأمور به امور: الاول: أن يتعلق القصد بذات المأمور به وبحقيقته وهويته التي بها يمتاز عما عداه وبعبارة أخرى لابد من القصد إلى واقع المأمور به بحيث يحمل عليه بالحمل الشائع الصناعي أنه هو فلا يكفي القصد إلى مفهوم الصلاة والصيام بل لابد من القصد إلى العنوان الذي أمر به سواء انحصر ما في ذمته في واحد معين أو لم ينحصر فإن الانحصار وعدم الانحصار لا دخل له بما نحن بصدده من القصد إلى المأمور به الذي قد عرفت أن بذلك يكون الفعل اختياريا ويمتاز عن فعل النائم والساهي.

٢٩

والحاصل أن الفعل الاختياري هو ما كان عن قصد وإرادة فأي مقدار من الفعل دخل تحت القصد وتعلقت به الارادة يكون الفعل بذلك المقدار اختياريا فلو تعلق القصد بذات الفعل والقدر المشترك بين الانواع والاصناف كان الاختياري هو ذلك القدر المشترك دون الخصوصيات المنوعة والمصنفة وذلك واضح غايته.

وحينئذ لو كان المأمور به نوعا خاصا من صوم الكفارة وصلاة الظهر وأمثال ذلك فلابد من القصد إلى ذلك النوع ويكون هو متعلق الارادة بوجه من الوجوه، ولا يكفي القصد إلى القدر المشترك من القصد إلى الصيام المطلق والصلاة كذلك عن قصد الكفارة والظهر وإن لم يكن في ذمته إلا ذلك فإن انحصار ما في الذمة في خصوص صوم الكفارة أو صلاة الظهر لا يوجب وقوع صوم الكفارة وصلاة الظهر من دون أن تتعلق الارادة بهما والقصد إليهما بل يقع باطلا حينئذ لعدم القصد إلى ما هو المأمور به حقيقة، وقد عرفت أن القصد إلى حقيقة المأمور به مما لا بد منه.

وبذلك يظهر أنه لو نوى القصر(١) مقام التمام أو نوى الجمعة بدل الجنابة والعصر بدل الظهر يقع باطلا وإن اعتقد أن ذلك هو المأمور به، وليس ذلك من الخطأ في التطبيق لان مورد الخطأ في التطبيق إنما هو بعد القصد إلى حقيقة المأمور به، وحقيقة الامر على ما سيأتي في الركن الثاني، وبعبارة أخرى موقع الخطأ في التطبيق إنما هو الخصوصيات الخارجة عن حقيقة المأمور به وعن حقيقة الامر من الاداء والقضاء والوجوب والاستحباب، وأما الخصوصيات التي لها دخل في حقيقة المأمور به أو في حقيقة الامر فلابد من القصد إليها ولمعرفة أن أي خصوصية تكون داخلة في حقيقة المأمور به وأي خصوصية تكون خارجة عنه مقام آخر لابد من استظهار ذلك من الادلة والغرض في المقام مجرد بيان الفرق بين

____________________

(١) سيأتي ان نية القصر والتمام مما لاتعتبر ولكن نية الخلاف مما يضر. " منه ". (*)

٣٠

الخصوصيتين وبيان مورد الخطأ في التطبيق.

وحاصل الكلام أن القصد إلى واقع المأمور به مما لابد منه ولا يكفي القصد إلى مفهوم المأمور به إذ المفهوم ليس متعلق التكليف بل متعلق التكليف هو ما يحمل عليه بالحمل الشائع الصناعي أنه مأمور به والحاجة إلى قصد المأمور به مما لا يحتاج إلى إقامة برهان عليه بل نفس تصوره يغني عن إقامة البرهان عليه، بداهة أنه لو لم يقصد حقيقة المأمور به لما كان الفعل اختياريا له ولما امتاز عن فعل الساهي والقصد إلى الجنس لا يكون قصدا إلى المأمور به بعدما كان المأمور به هو نوع خاص من الصيام مثلا أو الصلاة أو الغسل ولا يتوهم كفاية قصد الامر عن قصد المأمور به إذا لم يكن في ذمته إلا واحد فإن قصد الامر متأخر عن قصد المأمور به إذ لابد من فعل المأمور به بقصد أمره فقصد الامر لا يكون إلى قصد المأمور به إلا إذا كان قصد الامر ملازما لقصد المأمور به كما إذا نوى في الوقت المختص للظهر صلاة أربع ركعات بداعي أمرها الفعلي فإن القصد إلى ذلك قصد لما هو المأمور به حقيقة نعم لو لم يكن المأمور به إلا الصلاة ركعتين بلا عنوان كالصلوات المبتدأة لا يحتاج إلى أزيد من القصد إلى صلاة ركعتين إذ ليس حقيقة المأمور به إلا الصلاة ركعتين، وكذلك في صوم يوم الغدير وأيام البيض مثلا لا يحتاج إلى أزيد من قصد صوم الغد، وأما قصد كونه من غدير أو أيام البيض فهو مما لا يحتاج إليه لان الخصوصية الزمانية تدور مدار واقعها من دون أن تحتاج إلى القصد ومنه يظهر عدم اعتبار قصد الاداء والقضاء لان الاداء ليس إلا عبارة عن فعل الشئ في وقته ويقابله القضاء وهذا يدور مدار الواقع فإن كان الفعل واقعا في الوقت فهو أداء لا محالة ولو نوى ضده وهذا بخلاف القصر والتمام والظهر والعصر ونافلة الصبح وفريضتها وأمثال ذلك من العناوين المنوعة للمأموربه فإنه لابد من القصد وليس شيئا منها مورد الخطأ في التطبيق كما تقدمت الاشارة إليه

٣١

ويأتي توضيحه إن شاء الله.

الامر الثاني: أن يكون قاصدا وناويا للعمل المأمور به بجملته بما له من الاجزاء والقيود فلا يكفي القصد إلى كل جزء مستقلا وبنفسه إذ لم يكن كل جزء مستقلا مأمورا به، وقد عرفت أن القصد إلى المأمور به مما لابد منه. نعم لو قصد كل جزء بما له من الجزئية، وبوصف كونه جزء صح لان قصده كذلك يرجع إلى قصد الجملة في الحقيقة.

والحاصل أنه بعد ما عرفت من اعتبار قصد المأمور به بهويته وحقيقته فلا محيص من اعتبار قصد المركب بما له من الاجزاء نعم لا يعتبر العلم بتفاصيل الاجزاء حال النية بل يكفي القصد إليها إجمالا كما لو صلى الجاهل بها مع علمه بتعليم من يعلمه كلا منها في موقعه ومحله لان عدم العلم بها تفصيلا لا يخل بالنية إليها، فلو علم إجمالا أن الصلاة مشتملة على عدة من الاجزاء والشرائط مع عدم علمه بها تفصيلا ولكن نوى الصلاة بما لها من الاجزاء والقيود صح مع معرفة تلك الاجزاء في محالها.

الامر الثالث: مما يعتبر في الركن الاول من النية التعيين إذا تعدد ما في ذمته من نوع واحد كما إذا كان عليه صوم كفارة رمضان وكفارة الظهار إذ مع عدم التعيين لا يقع عن واحد منهما بعد صلاحية كل منهما لان ينطبق على المنوي وبالجملة: لو تعدد ما في الذمة على وجه كان المأتي ممكن الانطباق على كل واحد مما في الذمة بحسب الزمان والخصوصيات كان قصد التعيين مما لابد منه لان وقوع المأتي على أحدها ترجيح بلا مرجح فلو لم يعين يبطل ولا يقع عن واحد منها، فلو كان أجيرا من شخصين لابد في مقام العمل من تعيين المنوب عنه وإلا لم يقع عن واحد منهما.

نعم لو كان المتعدد مما في الذمة من صنف واحد من دون أن يكون له جهة تعيين سوى الزمان كما إذا كان عليه قضاء يومين من رمضان فلا يحتاج إلى قصد التعيين بل يكفي قصد صوم القضاء عن رمضان ولا يحتاج إلى

٣٢

تعيين كونه من اليوم الاول أو الثاني فإن ما اشتغلت ذمته ليس الا صوم يومين قضاء عن رمضان فلو صام يومين كذلك فرغت ذمته كما إذا اشتغلت ذمته بدرهمين على التدريج وأعطى كل يوم درهما فإنه لا يحتاج إلى تعيين كون هذا الدرهم عوضا عن الدرهم الاول الذي اشتغلت ذمتي به.

وكذلك لو كان أحد ما في ذمته يحتاج إلى القصد دون الآخر كما إذا كان عليه قضاء من نفسه وقضاء عن غيره فإن الذي يحتاج إلى القصد هو القضاء عن الغير وأما القضاء عن نفسه فلا يحتاج إلى القصد إذ صرف الفعل الذي باشره الفاعل عن نفسه وجعله عن الغير يحتاج إلى القصد وإلا الفعل بحسب طبعه يقع للمباشر حتى لو لم تشتغل ذمة المباشر بالفعل يقع باطلا إلا إذا صرفه عن نفسه وقصد الغير به فالتحمل والنيابة هي التي يحتاج إلى القصد.

فتحصل مما ذكرنا أن اشتغال الذمة بالمتعدد يكون على أقسام ثلاثة أحدها: احتياج كل من المتعدد إلى قصده بخصوصه وإلا لم يقع الفعل عن واحد من المتعدد وذلك كما إذا كان متحملا عن اثنين أو كان عليه صوم كفارتين من متعدد النوع، والسر في احتياج هذا القسم إلى القصد واضح لان تعيين وقوع الفعل عن أحدهما يكون بلا معين وينحصر المعين في القصد والتعيين. ثانيها: عدم احتياج كل من المتعدد إلى القصد والتعيين وذلك كما إذا كان عليه صوم يومين عن رمضان واحد بل رمضانين.

والسر في عدم الحاجة إلى التعيين في هذا القسم أيضا واضح لان ما اشتغلت به ذمته ليس إلا صوم يومين قضاء عن رمضان وقد عرفت أن الخصوصية الزمانية مما لا تحتاج إلى القصد. ثالثها: احتياج واحد من المتعدد إلى القصد دون الآخر وذلك كما إذا كان المتعدد عن نفسه وعن غيره فإن الذي يحتاج إلى القصد هو كونه عن الغير دون كون عن نفسه.

وقد ظهر أيضا مما ذكرنا أن الخصوصيات المأخوذة في المأمور به تختلف

٣٣

بحسب اعتبار قصدها وعدم اعتباره فمنها مالايعتبر قصدها مطلقا كالخصوصيات الزمانية من صوم الغدير وأيام البيض والمبعث ونوافل شهر رمضان ونصف شعبان وأمثال ذلك، ومن ذلك الاداء والقضاء إلا إذا توقف قصد النوع المأمور به أو بعينه عليه، ومنها ما يعتبر القصد إليها مطلقا وهي كل خصوصية تكون مميزة لنوع المأمور به وحقيقته كقصد الظهر والعصر والقصر والتمام، ومنها ما يعتبر القصد إليها إذا تعدد اشتغال الذمة دون ما إذا انحصر وهي كل خصوصية توجب تعيين المأتي وتطبيقه على أحد ما اشتغلت الذمة به، ومن ذلك يظهر الفرق بين الخصوصيات التي إذا لم تكن مقصودة يوجب عدم القصد إلى نوع المأمور به وبين ما يوجب ذلك عدم تعيين المأمور به، وحكي عن بعض إرجاع ما يرجع إلى النوع إلى التعيين وجعل اعتبار القصد إلى الخصوصية لاجل التعيين الذي قد عرفت أن مورده صورة تعدد اشتغال الذمة وألقى اعتبار القصد إلى نوع المأمور به مع انحصار مافي الذمة فتأمل في المقام جيدا. هذا كله فيما يعتبر في الركن الاول من النية وهو القصد إلى المأمور به.

وأما ما يعتبر في الركن الثاني منها وهو الداعي فامورأيضا: الاول: القربة بأن يكون الداعي والباعث مقربا إليه تعالى وينحصر ذلك بقصد امتثال الامر وما يقوم مقامه كما ستعرف. الثاني: أن يكون مقربيته إليه تعالى هي الموجبة لارادة الفعل، ومعلوم أن ما يكون مقربا إليه تعالى ليس إلا العبادة والفعل بنفسه لا يكون عبادة إلا في مثل السجود له تعالى حيث إنه بذاته عبادة له تعالى، لما فيه من الخضوع والتذلل.

وأما غير السجود من سائر الافعال فلا يكون بذاته عبادة مقربا لديه سبحانه بل ينحصر عبادية الفعل بإتيانه بداعي الامر والامتثال فلا محيص من انتهاء العبادة إلى قصد الامر والامتثال غايته أنه تارة يكون الامر بنفسه باعثا ومحركا نحو الفعل ويكون

٣٤

هوالغاية القصوى والمقصود بالاصالة من دون نظر إلى ما تستتبع فعلها من الدرجات وما يستتبع تركها من الدركات بل كان النظر هو نفس امتثال الامر حيث إنه تعالى أهل لان يمتثل أمره كما قالعليه‌السلام : ما عبدتك خوفا من نارك.. إلخ. وأخرى يكون الامر باعثا بمعونة الغايات القربية من سلسلة علل الامر كالمصالح والمفاسد وسلسلة معلولاته كالثواب والعقاب مطلقا دنيويا كان أو أخرويا.

والحاصل: أنه بعد ما كان المقرب هو الفعل العبادي لاذات الفعل فلابد في العبادة من قصد امتثال الامر إذ بذلك يكون الفعل عباديا ثم إن باعثية الامر ومحركيته نحو الفعل لابد وأن يكون له جهة تقع جوابا لسؤال من يسأل لم قصدت الامر وكان باعثا لك نحو الفعل إذ لا يمكن أن يكون نفس الامر بما هو أمر باعثا وإلا كان ينبغي أن يكون كل أمر صادر من كل أحد باعثا فلابد في باعثية الامر من أن يعلل بعلة تقع جوابا لقول القائل لم صار الامر باعثا لك نحو الفعل فهذه العلة والجهة تارة تكون أهليته تعالى لان يمتثل أمره واستحقاقه للعبودية فيكون أمر الله تعالى من حيث إنه أمر صادر ممن يكون أهلا لان يمتثل أمره هو المحرك بالاصالة والغاية المقصودة من دون أن يكون هناك نظر إلى سلسلة علل الامر ومعلولاته بل كانت العبادة أقصى غاية أمله وهذا المعنى هو المعني بقولهعليه‌السلام " بل وجدتك أهلا لذلك " بداهة أن الاميرعليه‌السلام إنما كان يعبدالله تعالى لكونه أهلا للعبادة.

وقد عرفت أن عبادة الله إنما تكون بقصد امتثال الامر الذي به يتحقق العبادة وليس مراد الاميرعليه‌السلام أني ما كنت قاصدا لامتثال الامر بل كان المحرك لي على العمل هو أهليتك فإن كون الاهلية بنفسها تكون محركة للعمل بلا توسيط قصد الامر إنما يكون فيما إذا كان ذلك العمل بنفسه وبذاته مقربا لديه تعالى وهو منحصر بالسجود وأما في غيره

٣٥

فلابد من توسيط قصد الامر الذي به يكون العمل عبادة وأخرى تكون العلة والجهة التي يكون الامر باعثا نحو العمل غير الاهلية من الفوز برضاه والامن من سخطه وأمثال ذلك مما كان معلولا للامر.

وبذلك ظهر فساد ما في بعض الكلمات من جعل قصد الامر في عرض قصد التخلص من العقاب أو نيل الثواب حتى أنهى بعض نية التقرب إلى عشرة وجعل كل واحد منها مناطا لعبادية العمل.

وجه الفساد هو أن التخلص من العقاب والنيل إلى الثواب معلول لقصد الامر وفي طوله وما كان في طول الشئ لايمكن أن يكون في عرضه بل لو قصد التخلص من العقاب بلا توسيط قصد الامر كان عمله باطلا إذا التخلص من العقاب ليس من لوازم نفس العمل بل من لوازم العبادة والعبادة لا بد فيها من قصد الامر بحيث يكون هو الباعث والمحرك وسيأتي مزيد توضيح لذلك إن شاء الله(١) .

وعلى كل حال لابد من أن يكون الباعث هو الامر إما بنفسه وإما بأثره ومعلوله. وأما إذا لم يكن الامر بنفسه باعثا ولا بمعلوله كان العمل باطلا كما إذا كان الباعث هو الاجرة والمال الذي يبذله الباذل لمن صلى صلاة الليل مثلا بداعي امتثال أمرها.

وتصحيح بعض الاعلام ذلك وجعله من باب الداعي [ إلى ] الداعي سخيف غايته صغرى وكبرى، أما الصغرى فلان داعي الداعي إنما يصح فيما إذا كان الداعي الاول الذي أوجب داعي الامر من معلولات الامر ومن الآثار المترتبة عليه شرعا كالثواب والعقاب ولو كان دنيويا بوعد من الشارع.

وأما إذا لم يكن الداعي واقعا في سلسلة معلولات الامر بل كان أمرا أجنبيا عن الامر

____________________

(١) وسيأتى أيضا أن الاقوى ما صنعه بعض الاعلام من عد الجميع في عرض واحد وكفاية قصد التخلص من العقاب والنيل إلى الثواب في صحة العباده ولو من دون توسيط قصدالامر " منه ".

٣٦

كالاجرة والمال الذي يبذله الباذل فلا يصلح لان يكون داعيا لقصد امتثال الامر بل لا يكون هناك إلا قصد أخذ المال ولا يمكنه قصد الامر حقيقة وشتان ما بين الثواب والعقاب وبين أخذ الاجرة فإن الثواب والعقاب حيث كان معلولا للامر وكان من آثار قصد الامر أمكن أن يكون التخلص عن العقاب أو النيل إلى الثواب داعيا إلى قصد الامر بعدالعلم بأن التخلص والنيل لايحصل إلا بفعل العبادة المتوقفة على قصد الامر وأما الاجرة فهي ليست من الاثار المترتبة على قصد الامر شرعا بل كان الترتب لبذل باذل لها وكان أخذ المال هو الغاية المقصودة وهو المحرك له نحو العمل حقيقة فكيف يمكن أن يكون داعيا إلى قصد الامر وهل يكون قصد الامر في مثل هذا إلا مجرد التصور والخطرت القلبية من دون أن يكون له حقيقة.

وبالجملة: من راجع وجدانه يعلم أنه لا يمكن أن يكون قصد أخذ المال داعيا حقيقة إلى قصد الامر وأما الكبرى فعلى فرض تسليم إمكان كون أخذ الاجرة يصير داعيا إلى قصد الامر إلا أن مجرد ذلك لا يكفي في العبادة.

بل يعتبر في عبادية العبادة أن يكون قصد الامر هو المقصود بالاصالة والغاية والقصوى ولو بأثره ولايكفي توسيط قصد الامر مع كون المقصود بالاصالة أخذ المال، إذ ليس لنا إطلاق يدل على أن مجرد قصد الامر يكفي في العبادة مع كون المقصود بالاصالة أخذ المال بل البحث في المقام بعد قيام الدليل على اعتبار نية القربة يكون عقليا، والذي يحكم به العقل هو أن يكون المقصود بالاصالة قصد الامتثال والامر ولا يكفي مجرد توسيط ذلك مع كون المقصود بالاصالة أخذ المال وسيأتي أن قصد الثواب والعقاب ولو كان نيويا لا ينافي كون المقصود هو قصد الامر. وأما الاجرة فعلى كل تقدير تكون هي المقصود بالاصالة، نعم لو لم يكن لاخذ المال دخل في تأثير إرادته قصد الامتثال وكان قاصدا للامر على كل حال

٣٧

سواء كان هناك باذلا أو لم يكن صح عمله وكان عبادة وجاز له حينئذ أخذ المال إن كان بذله إباحة مجانية وإن لم يكن مجانيا بل على نحو المعارضة حرم أخذ المال وفسدت المعاوضة لانه يعتبر في عقد المعاوضة أن يكون المعوض مما يمكن حصوله للباذل فإن كان من الاعيان ينتقل إليه ويصير ملكه وإن كان من الاعمال كما فيما نحن فيه يصير عمله ويكون في الحقيقة هو العامل للعمل لا بنفسه بل بنائبه أو وكيله أو أجيره ولا يكفي في صحة المعاوضة أن يكون الباذل ممن ينتفع بعمل الاجير إذ مجرد الانتفاع لا يكفي في صحة الاجارة بل لا بد من أن يكون العمل ممكن الحصول للمستأجر وفي المقام ليس العمل ممكن الحصول للمستأجر إذا العمل الذي يعمله العامل إنما يقع لنفسه ولا يقع للباذل، فلا تصح المعاوضة بالاجارة ولا بالجعالة بناء على كونها من عقود المعاوضة.

فتحصل من جميع ماذكرنا أنه إن كان لاخذ الاجرة تأثير في فعل العبادة فالعبادة باطلة ويحرم أخذ تلك الاجرة وإن لم يكن له تأثير فالعبادة صحيحة، وحل أخذ الاجرة أيضا إن كان دفعها على وجه المجانية وإن كان على وجه المعاوضة حرم أخذ الاجرة لانه يكون من أكل المال بالباطل لعدم حصول عوض الاجرة لباذلها.

وقد ظهر مما ذكرنا أن تصحيح أخذ الاجرة على العبادات الواجبة على فاعلها أو تصحيح العبادة المستأجر عليها الواجبة على المنوب عنه بإرجاعها إلى باب داعي الداعي ضعيف جدا، بل لا يصح أخذ الاجرة على ما كان واجبا على فاعله مطلقا عباديا كان أو غيره إلا إذا كان من الواجبات النظامية كالصناعات وتصحيح أخذ الاجرة فيما كان واجبا أو مستحبا على المنوب عنه وصحة وقوعه عبادة إنما يكون بوجه آخر غير باب داعي الداعي قد أشرنا إليه في كتاب القضاء.

الامر الثالث: مما يعتبر في النية الخلوص بأن لا تكون نيته مشوبة بالرياء

٣٨

بوجه من الوجوه فلو أدخل في النية أدنى شائبة الرياء بطلت عبادته مضافا إلى كونه من الكبائر الموبقة ثم الظاهر أنه لاإشكال في بطلان العبادة إذا كان الرياء تمام الداعي بحيث لم يقصد بالعبادة وجه الله تعالى، ولو كان الرياء جزء الداعي فقد يتوهم عدم بطلان العبادة بذلك وإن عصى نظرا إلى أنه لا يعتبر في صحة العبادة أزيد من قصد الامر ولا يعتبر الخلوص بحيث يكون الامر تمام الداعي بل يكفي توسيط قصد الامر ولو كان على نحو الجزئية، هذا.

ولكن الظاهر من أدلة اعتبار الخلوص هو خلوص النية عن جميع الشوائب على وجه لا يريد بالعبادة غير وجه الله تعالى فلو أدخل في نيته غير وجه الله تعالى ولو على وجه التبعية والضميمة بطلب العبادة فضلا من أن يكون قصد الغير جزء الداعي بحيث لو لم يضم إليه قصد الامر لا ستقل بالداعوية كما هو الشأن في العلل المجتمعة.

وبالجملة: الذي يظهر من الاخبار هو بطلان العبادة بأدنى شائبة الرياء سواء كان في جزئها أو شرطها أو وصفها واجبا كان أو مستحبا حتى في مثل وصف الجماعة بل في مثل التحنك وغير ذلك مما له دخل في العبادة بوجه من الوجوه.

كان ذلك لصدق أنه أدخل فيه رضا أحد من الناس كما في قولهعليه‌السلام في رواية زرارة: لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله والدار الآخرة وأدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا(١) .

وغير ذلك من الاخبار الدالة على بطلان العبادة بأدنى شائبة الرياء، فتأمل فيما ورد من الاخبار في المقام جيدا. هذا كله في الرياء.

وأما غير الرياء فلو ضم إلى الصلاة أمر آخر فلا يخلو إما أن يكون ذلك الامر من سنخ أفعال أو أقوال الصلاة وإما أن لا يكون من سنخ أفعال وأقوال الصلاة بل كان أمرا آخرا اجنبيا وذلك الامر الآخر إما أن يكون مباحا وإما أن يكون

____________________

(١) الوسائل: ج ١ ص ٤٩ باب ١١ من ابواب مقدمة العبادات، ح ١١. (*)

٣٩

راجحا، فلو ضم إلى الصلاة مما كان من سنخ أفعال الصلاة كانت الصلاة باطلة، وإن لم يقصد بذلك الفعل الجزئية لصدق أنه زاد في صلاته، وإن كان من سنخ أقوال الصلاة من الدعاء والذكر فإن كان ذلك محرما كقراء‌ة العزيمة بطلت صلاته أيضا سواء اقتصر عليها أو قرأ سورة أخرى أيضا لانه كلام منهي عنه، فهو إما من كلام الآدمي موضوعا وإما ملحق به حكما، بداهة أن الخارج من مطلق الكلام في الصلاة هوالدعاء والذكر الغير المنهي عنه فيبقى الذكر المنهي عنه تحت إطلاقات مبطلية مطلق الكلام من غير تقييد بكلام الآدمي كقولهعليه‌السلام في رواية أبي بصير: إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة(١) ودعوى انصرافه إلى كلام الآدمي ممنوع.

وإن لم يكن الذكر منهيا عنه فإن لم يقصد به الجزئية فلا بأس وصحت صلاته، وإن قصد به الجزئية بطلت، لصدق الزيادة فيدخل في قولهعليه‌السلام " من زاد في صلاته.. إلخ "(٢) وإن كانت الضميمة أجنبيا عن سنخ أفعال الصلاة وأقوالها فإن لم ينوها مع الصلاة بأن لم تكن تلك الضميمة جزء الداعي والمحرك لفعل الصلاة فلا بأس به، وإن كانت جزء الداعي فقد حكي التفصيل بين كونها مباحة أو راجحة فإن كانت مباحة فالصلاة باطلة. لعدم استقلال الامر الصلاتي للداعوية، وإن كانت راجحة فلا بأس، هذا.

ولكن الظاهر عدم الفرق بين الضميمة الراجحة والمباحة والاقوى البطلان فيهما جميعا لما ذكر من عدم استقلال الامر الصلاتي للداعوية إلا أن تكون الضميمة على وجه التبعية بحيث لو لم تكن لكان الامر الصلاتي محركا له نحوها فتأمل في المقام، فإنه يحتاج إلى بسط من الكلام لا يسعنا،

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ١٢٧٥ باب ٢٥ من ابواب قواطع الصلاة، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٥ ص ٣٣٢ باب ١٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح ٢. (*)

٤٠