كتاب الصلاة الجزء ٢

كتاب الصلاة0%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 400

كتاب الصلاة

مؤلف: الميرزا محمد حسين الغروي النائيني
تصنيف:

الصفحات: 400
المشاهدات: 24731
تحميل: 3779


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 24731 / تحميل: 3779
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء 2

مؤلف:
العربية

شك فيها ولا في احتياطه، فإن الاحتياط بناء على الاستقلالية وإن كان يجب فورا، إلا أن كل واجب فوري لا يمكن أن يزاحم الواجب الموقت المضيق بل يقدم صاحب الوقت لا محالة. وأما بناء على الجزئية، فالخلل الحاصل ليس إلا فوات الموالاة بين الاجزاء، وهي ليست ركنا كما تقدم.

وأما إن شرع في صلاة لم يتضيق وقتها، فإن شرع فيها عمدا بطلت مطلقا سواء كانت مترتبة أو غير مترتبة. وسواء قلنا بالجزئية أو قلنا بالاستقلالية، فإن القائل بالاستقلالية أيضا يقول: بحرمة فعل المنافي بين الصلاة وبين الاحتياط، غايته أنه حرمة تكليفية صرفة لا تستتبع وضعا. والصلاة التي دخل فيها قبل الاحتياط تكون مصداقا للمنافي فتحرم. فتبطل، وليس حرمتها من جهة وجوب فعل الاحتياط فورا حتى يقال: إن ذلك مبني على اقتضاء الامر للنهي عن الضد، بل حرمتها من جهة حرمة النافي.

فلا ينبغي الاشكال في بطلان الصلاة التي دخل بها قبل فعل الاحتياط عمدا، وأما بطلان الصلاة التي شك فيها فمبني على الاستقلالية والجزئية، فإن قلنا بالاستقلالية لم تبطل، وإن قلنا بالجزئية تبطل أيضا لتفويته الموالاة عمدا بلا أمر من الشارع. وأما إن شرع في الثانية سهوا. فإن لم يكن مترتبة على الاولى فلا إشكال في صحة الثانية وكذا الاولى مطلقا [ سواء ] قلنا بالجزئية أو الاستقلالية، غايته أنه بناء على الاستقلالية، غايته أنه بناء على الاستقلالية يجب إتمام الثانية ثم الاحتياط، لان فعل الاحتياط قبل إتمام الثانية يوجب فوات الموالاة بين أجزاء الثانية بلا موجب.

وأما بناء على الجزئية ففي وجوب إتمام الثانية ثم الاحتياط أو وجوب الاحتياط ثم إتمام الثانية أو التخيير وجوه، تقدمت الاشارة اليها في بعض المباحث السابقة، وتقدم أن المختار هو إتمام ما بيده، ثم إتمام الاولى لان تفويت الموالاة عما بيده.

٣٤١

بلا موجب فراجع ما تقدم.

وإن كانت الصلاة التي شرع فيها مترتبة على الاولى فلا إشكال أيضا في عدم بطلان الاولى. وإنما الاشكال في جواز إتمام الثانية وعدم جوازه، وذلك مبني على أن الترتيب المعتبر بين الصلاتين هل هو على نحو العام المجموعي أو على نحو العام الاصولي بحيث يكون كل جزء من اللاحقة مترتبة على كل جزء من السابقة؟، فإن كان على نحو العام المجموعي جاز له إتمام الثانية وإن كان على نحو العام الاصولي [ لم يجز ] وقد تقدم أيضا تفصيل ذلك في بعض المباحث السابقة. ثم بناء على عدم جواز إتمام الثانية فهل له العدول بها إلى صلاة الاحتياط أو ليس له العدول؟ ربما يقال: بأن أدلة العدل منصرفة إلى العدول إلى صلاة مستقلة، لا إلى مثل صلاة الاحتياط التي هي جزء للصلاة السابقة كما هو مبنى البحث، هذا.

ولكن في الانصراف تأمل المسألة السادسة: قد تقدم بعض الكلام في جواز الاقتداء بصلاة الاحتياط مطلقا، أو عدم الجواز مطلقا، أو التفصيل بين صورة الاقتداء بالصلاة التي أوجب الشك فيها الاحتياط على كل من الامام والمأموم وبين عدم الاقتداء بها، فالجواز في الاول مطلقا سواء اتحد موجب الشك لكل من الامام والمأموم، كما إذا شك كل منهما بين الثلاث والاربع أو اختلف موجب الشك، كما إذا شك أحدهما بين الاثنتين والاربع، والآخر بين الثلاث والاربع أو التفصيل بين صورة الاتحاد وعدمه، فالجواز في الاول دون الثاني. وتقدم أن المختار عند شيخنا الاستاذ - مد ظله - هو التفصيل الاخير.

وحاصله: جواز الاقتداء في خصوص ما إذا كان مقتديا بالصلاة التي أوجبت الاحتياط مع ما يقتضيه الشك لكل من الامام والمأموم، كما إذا كان كل منهما شاكا بين الثلاث والاربع. وأما فيما عدا ذلك فلا يجوز الاقتداء مطلقا، هذا ولكن

٣٤٢

في المقام احتاط في جواز الاقتداء في هذه الصورة أيضا مراعاة لجانب احتمال النفلية فتأمل جيدا. هذا تمام الكلام في المسائل المتعلقة بصلاة الاحتياط.

الامر الثاني: من الامور التي أردنا ذكرنا في الخاتمة: في بيان ما يجب قضاؤه من الاجزاء المنسية، وقد تقدم أن الذي يجب قضاؤه ليس إلا السجدة الواحدة والتشهد. وتقدم أيضا كثير من أحكام ذلك في طي مباحث الخلل، كتعيين ما يتحقق به النسيان من المحل الذي لا يجب بعده العود إلى المنسي، وهو الدخول في الركن اللاحق فيما عدا الركعة الاخيرة، وفيها الفراغ من التسليم الواجب، على ما سبق تفصيله. والذي ينبغي تنقيحه في المقام هو بيان أنه هل لا يعتبر عدم تخلل المنافي بينها وبين الصلاة، بحيث لو تخلل بطلت الصلاة. أو أنه لا يعتبر عدم تخلل المنافي ولا يوجب ذلك بطلان الصلاة، أو التفصيل بين ما إذا كان تذكره لنسيان السجدة أو التشهد بعد الصلاة، وبعد فعل المنافي، فلا يوجب ذلك بطلان الصلاة، وبين ما إذا تذكر قبل فعل المنافي فليس له فعل المنافي وإذا فعله بطلت صلاته. وجوه بل أقوال.

أما وجه اعتبار عدم تخلل المنافي فلظهور الادلة في بقاء الاجزاء المنسية على جزئيتها وعدم خروجها من ذلك بالنسيان، غايته أنه تبدل محلها. فيكون تخلل المنافي موجبا للبطلان لوقوعه في أثناء الصلاة. وأما وجه عدم الاعتبار فلظهور الادلة في محللية التسليم، وأن التسليم يخرج عن الصلاة ويكون انصرافا عنها، ولا مخصص لتلك الادلة في المقام، كما كان أدلة الاحتياط مخصصة لها، حيث كانت ظاهرة في كون الاحتياط هو المتمم على ما تقدم بيانه. وأما في المقام فأقصى ماتقتضيه الادلة هو وجوب قضاء الاجزاء المنسية فورا وذلك لا يقتضي بقاء‌ها على جزئيتها.

وبالجملة: ليس في المقام ما يوجب رفع اليد عن ظهور محللية التسليم، وأنه به

٣٤٣

يخرج عن الصلاة. وذلك بضميمة " لا تعاد " يقتضي عدم بطلان الصلاة بنسيان السجدة الواحدة أو التشهد وإن تخلل المنافي بينها وبين قضائهما. وأما وجه التفصيل فيمكن أن يكون لدلالة رواية موثقة عمار عليه. قال: سألته عن الرجل نسي سجدة فذكرها بعد ما قام وركع. قال: يمضي في صلاته ولا يسجد حتى يسلم. فإذا سلم سجد مثل ما فاته. قلت: فإن لم يذكر إلا بعد ذلك قال: يقضي ما فاته إذا ذكره(١) . وذلك بدعوى دلالة قوله " فإذا سلم سجد " على جزئية السجدة التي ذكر نسيانها.

حيث إن الاوامر الواردة في باب المركبات ظاهرة في الغيرية وأنها لبيان الاجزاء والشرائط والموانع، وليست باقية على ما يقتضيه الاصل الاولي من الاستقلالية فيكون قوله " فإذا سلم سجد " لبيان جزئية السجدة، فيعتبر عدم تخلل المنافي. وهذا بخلاف ما إذا لم يتذكر إلا بعد الصلاة بعد فعل المنافي كما يدل على ذلك إطلاق قوله " يقضي ما فاته إذا ذكره " فإنه بضميمة ترك الاستفصال يدل على عدم مضرية تخلل المنافي، وأن ذلك لا يوجب بطلان الصلاة، هذا.

ولكن يمكن أن يقال: إن ظهور قوله " فإذا سلم سجد " في كونه بيان جزئية السجدة ممنوع. بعد ظهور الادلة في الفراغ عن الصلاة بالتسليم، فإن أقصى ما يقتضيه هو وجوب السجدة بعد التسليم بلا فصل، وهذا لا يدل على جزئيتها بحيث لا يكون السلام مخرجا، ويكون المخرج هو السجدة، وما ذكر من أن الاوامر الواردة في المركبات تكون ظاهرة في الغيرية مسلم ولكن إذا ورد أمر في طرف المركب فقوله (إركع في الصلاة) وفي المقام يكون الامر خارج الصلاة بمقتضى

____________________

(١) الوسائل: ج ٥ ص ٣٤٢ باب ٢٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح ٤. (*)

٣٤٤

محللية التسليم.

والحاصل: أنه ليس في الادلة ما يدل على جزئية الاجزاء المنسية بحيث يوجب رفع اليد عن ظهور محللية التسليم، وأنه به يحصل الانصراف. وكان بناء شيخنا الاستاذ - مد ظله - قبل هذا على جزئية الاجزاء المنسية. ولكن عدل عن ذلك في هذا المقام والتزم بعدم الجزئية، وهو الحق لعدم قيام دليل على الجزئية. بل ظاهر رواية عمار السابقة عدم الجزئية كما لا يخفى.

ثم إنه تظهر الثمرة بين القولين في موارد: منها: ما تقدم من عدم مضرية تخلل المنافي بين الصلاة وبين الاجزاء المنسية. ولا يوجب ذلك بطلان الصلاة. ولكن ذلك لا يوجب جواز تعمد فعل المنافي فإنه لم يعهد من أحد جواز ذلك تكليفا. وإنما الكام في جوازه وضعا. فبناء على الجزئية لا يجوز وضعا أيضا. وبناء على الاستقلالية يجوز وضعا. وإن كان لا يجوز تكليفا. فتأمل.

ومنها: وجوب مراعاة الترتيب بين الاجزاء المنسية بناء على الجزئية. فلو كان المنسي أولا هو السجدة وجب قضاؤها أولا مقدما على التشهد. ولو نسي من كل ركعة سجدة وجب التعيين في مقام القضاء. وأن هذه السجدة من أي ركعة مقدما للاول فلاول. ولو اشكل في وجوب تعيين ذلك، فلا أقل من أن لا يقصد خلاف الترتيب بأن ينوي قضاء السجدة من الركعة الاخيرة قبل قضاء السجدة من الركعة السابقة. وهذا بخلاف ما لو قلنا بالاستقلالية فإنه لا يجب الترتيب. بل له قصد خلاف الترتيب.

ومنها: وجوب سجدة السهو لو تكلم مثلا نسيانا بين الصلاة وبين الاجزاء المنسية بناء على الجزئية.

وكذا فعل كل ما يوجب سجود السهو بخلاف القول بالاستقلالية.

٣٤٥

ومنها: ما لو علم بفوات كل من السجدة والتشهد وشك في المتقدم والمتأخر، فإنه بناء على الجزئية يجب التكرار حتى يحصل الترتيب. بخلاف القول بالاستقلالية. ومنها: غير ذلك مما لا يخفى على المتأمل.

وقد يتخيل أن من الثمرات اعتبار الشرائط المعتبرة في الصلاة من الطهارة والاستقبال والستر وغير ذلك في قضاء الاجزاء المنسية بناء على الجزئية، وعدم الاعتبار بناء على الاستقلالية. ولكن شيخنا الاستاذ - مد ظله - منع من هذه الثمرة. وقال: بعدم الفرق بين القولين في اعتبار الشرائط، فإن مقتضى التبعية وكونها قضاء لاجزاء الصلاة هو اعتبار الشرائط فيها.

الامر الثالث: من الامور التي أردنا إيرادها في الخاتمة: في البحث عن سجود السهو. وتنقيح البحث في ذلك يستدعي رسم امور: الاول: فيما يوجب سجدو السهو: اعلم أن الاخبار في المقام مختلفة مضطربة متعارضة جدا. فالاولى ذكر شطر منها.

ولنذكر أولا الروايات الخاصة الواردة في الموارد الخاصة كل في بابه، ثم نذكر الروايات العامة، ثم البحث عن دلالتها، وكيفية الجمع بينها. فما ورد في باب التشهد ما رواه أبوبصير قال: سألته عن الرجل ينسى أن يشهد قال: يسجد سجدتين يتشهد فيها(١) . وفي هذه الروايات أثبت وجوب التشهد في سجدتي السهو فليكن في ذكر منك. وفي باب نسيان التشهد عدة من الروايات تدل على وجوب سجدتي السهو، وفي بعضها الامر بها قبل التكلم كرواية الحلبي عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا قمت في الركعتين من الظهر أو

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٩٩٦ باب ٧ من أبواب التشهد. ح ٦. (*)

٣٤٦

غيرها فلم تتشهد فيهما إلى أن قال: وإن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك حتى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلم(١) . وهذه الرواية دلت على عدة من الاحكام كالتفصيل في وجوب سجدتي السهو بين ما إذا تذكر قبل الركوع، فليجلس ويتشهد ولا شئ عليه، وبين ماإذا لم يذكر حتى ركع، فيجب عليه سجدتا السهو. وكون السجدتين بعد الصلاة. وكونها قبل أن يتكلم.

فليكن في ذكر منك. لانك تحتاج إلى ذلك فيما بعد.

وفي باب التشهد جملة من روايات أخر دلت على وجوب التشهد في سجدتي السهو. واعتبار وقوعهما قبل التكلم، وفي بعض أخبار التشهد التصريح بنفي سجدتي السهو لو تذكر نسيان التشهد كرواية الحلبي قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد قال: يرجع فيتشهد. قلت: ليسجد سجدتي السهو؟ فقال: ليس في هذا سجدتا السهو(٢) . وهذه الرواية تدل أيضا على نفي وجوب سجدتي السهو للقيام في موضع القعود، فليكن في ذكر منك أيضا.

وبعد لم نعثر في نسيان التشهد [ على ] ما يدل على نفي سجود السهو إلا ما ذكره الصدوق في المقنع(٣) أنه في رواية زرارة نفي الشئ عمن نسي التشهد، ولكن الظاهر أنه لم يعمل بتلك الرواية. فلا ينبغي الاشكال في وجوب سجود السهو عند نسيان التشهد مع عدم التذكر قبل الركوع. ومن الروايات الواردة في باب نسيان السجود ما رواه أحمد بن محمد البرقي قال سئل أحدهم عن رجل ذكر أنه لم يسجد في الركعتين الاوليين إلا سجدة وهو

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٩٨٨ باب ٩ من ابواب التشهد، ح ٣.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٩٨٨ باب ٩ من أبواب التشهد، ح ٤.

(٣) الجوامع الفقهية (المقنع): ص ٩. (*)

٣٤٧

في التشهد الاول؟ قال: فليسجدها ثم ينهض، وإذا ذكره وهو في التشهد الثاني قبل أن يسلم، فليسجدها ثم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو(١) . وهذه الرواية وإن تضمنت ما لا عامل به من قضاء السجدة المنسية قبل التسليم، إلا أنها تدل على وجوب سجود السهو لنسيان السجدة، ولا يضر بالاستدلال عدم العمل بتلك الفقرة.

وبعد لم نعثر في باب نسيان السجدة على ما يدل على وجوب سجود السهو غير هذه الرواية، وغير مادل عموما على وجوب سجود السهو لكل زيادة ونقيصة، وسيأتي البحث عن هذا العموم. مع أنه في جملة من الروايات ما يدل على نفي سجود السهو لنسيان السجدة. والروايات في ذلك متعددة، ولكن الظاهر أنه لم يعمل بها المشهور بل عملهم على وجوب سجود السهو. وهو المتعين بعد عدم عمل المشهور بالروايات النافية.

ومما دل على وجوب سجود السهو عند التكلم ناسيا، ما رواه عبدالرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم قال: يتم صلاته ثم يسجد سجدتين(٢) . وقد ورد أيضا في بعض أخبار الشك بين الاثنتين والاربع ما يدل على وجوب سجود السهو عند التكلم أيضا، وفي بعض أخبار القيام موضع القعود ورد ذلك، كما سيأتي. وقد ورد في عدة من الروايات ما يدل على نفي سجود السهو في التكلم ناسيا، منها ما رواه زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم، قال: يتم ما بقي من صلاته تكلم أولم يتكلم ولا شئ عليه(٣) . وفي معناها جملة من الروايات تنفي الشئ عن التكلم ناسيا، ولكن دلالة نفي الشئ على عدم

____________________

(١) المحاسن: ص ٣٢٧ وعلل الشرائع. ح ٧٩.

(٢) الوسائل: ج ٥ ص ٣١٣ باب ٤ من أبواب الخلل، ح ١.

(٣) الوسائل: ج ٥ ص ٣٠٨ باب ٣ من أبواب الخلل، ح ٥. (*)

٣٤٨

سجود السهو إنما يكون بالاطلاق، فلا يقاوم مادل على وجوب سجود السهو عند التكلم ناسيا، فالعمل عليه كما عليه المشهور.

ومما دل على وجوب سجود السهو عند التسليم في غير موضعه ناسيا، ما رواه عمار عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن رجل صلى ثلاث ركعات وهو يظن أنها أربع فلما سلم ذكر أنها ثلاث قال: يبني على صلاته متى ما ذكر ويصلي ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهور، وقد جازت صلاته(١) . وفي معناها رواية اخرى عن الفقيه. وقد أفتى المشهور بمضمونها، وفي بعض الروايات ما يدل على نفي الشئ عليه. ولكن نفي الشئ لا ينافي وجوب السجود للسهو كما لايخفى. فالعمل على ماهو المشهور.

ومما دل على وجوب سجود السهو عند الشك بين الاربع والخمس، ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، ثم سلم بعدهما(٢) ، وفي معناها عدة روايات اخر. وقد عمل بها المشهور. ولم نعثر على رواية تدل على خلاف ذلك، فيتعين العمل على ماهو المشهور. وهذه المواقع الخمس مما ذهب المشهور إلى وجوب سجود السهو فيها. وقد عرفت أدلتهم مع معارضاتها.

ثم إن في المقام أدلة أخر دلت على وجوب سجود السهو في بعض الموارد الخاصة، كالشك بين الثلاث والاربع مع غلبة الظن بالاربع، وكالشك بين الاثنتين والاربع مع اعتدال الشك. وغير ذلك من الموارد الخاصة، وهي كثيرة كما لا تخفى على المراجع. إلا أن المشهور أعرض عنها. ولم يعمل بها، مع ما في بعضها في المعارض.

____________________

(١) الوسائل: ج ٥ ص ٣١٠ باب ٣ من أبواب الخلل، ح ١٤.

(٢) الوسائل: ج ٥ ص ٣٢٦ باب ١٤ من أبواب الخلل، ح ١. (*)

٣٤٩

وأما الادلة العامة فهي على طائفتين: طائفة تدل على وجوب سجود السهو للشك في النقص والزيادة، كرواية زرارة قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص، فليسجد سجدتين وهو جالس، وسماها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمرغمتين(١) . وفي روايات اخر ما يدل على ذلك أيضا.

وطائفة تدل على وجوبهما لكل زيادة ونقيصة، كرواية سفيان السمط عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: تسجد سجدتين في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان(٢) . ولا يخفى ما في كلتا الطائفتين من الخلل، حيث لا يمكن الاعتماد عليها. أما في الطائفة الدالة على وجوبهما للشك في الزيادة والنقيصة فلاجمال أخبارها. وإعراض الاصحاب عنها، مع أن العمل بها بما هو أظهر معانيها يوجب فقها جديدا. أما إجمالها فلاحتمالها أحد المعاني الثلاثة:

الاول: أن يكون المعنى إذا شك في الزيادة وعدمها أو في النقيصة وعدمها فيجب سجدتا السهو لكل منهما.

الثاني: إذا علم إجمالا بوقوع أحدهما.

الثالث: في أنه هل وقع نقص أوزيادة أو لم يقع شئ منها.

والرواية وإن كانت أظهر في المعنى الثاني. إلا أن الالتزام به يوجب فقها جديدا، لانه في موارد العلم الاجمالي بالنسبة إلى الاركان طرا، لا يمكن الالتزام بصحة الصلاة والاكتفاء بسجدتي السهو. وهكذا العلم الاجمالي بنقصان ركعة أو زيادتها، نعم في العلم الاجمالي بالنسبة إلى سائر الموارد الالتزام بهذا المعنى

____________________

(١) الوسائل: ج ٥ ص ٣٢٦ باب ١٤ من أبواب الخلل، ح ٢.

(٢) الوسائل: ج ٥ ص ٣٤٦ باب ٣٢ من أبواب الخلل، ح ٣. (*)

٣٥٠

لا محذور فيه، إلا أنه ينفي وجوبها عدة من الاخبار المذكورة في محالها من أنه لو علم بعد الصلاة تفصيلا بنقصان الاذكار في الركوع والسجود، وبزيادتها أو علم بهما في القراء‌ة ونحوها من القنوت، لا شئ عليه. وأما حملها على الشك في الزيادة وعدمها أو النقيصة وعدمها أو المعنى الثالث فينفي السجدتين قاعدة الفراغ والتجاوز. وأما إعراض الاصحاب عنها، فلانه لم يذهب إلى مدلولها غير شاذ نادر وهو العلامة في المختلف(١) ويحكى أن الشيخ نقل في الخلاف عن بعض الاصحاب(٢) . ومال إليه الشهيد الثاني -رحمه‌الله - في الروض(٣) .

وبالجملة: إمكان حمل بعض العبائر على هذا المدلول، وميل بعض إليه. وفتوى خصوص العلامة -رحمه‌الله - في خصوص المختلف، لا يؤثر في العمل، مع ما عرفت فيها من إجمال الدلالة، ومعارضتها للاخبار الدالة على أن الشك واليقين في غير الاركان لا أثر له. فالحق عدم وجوب سجدتي السهو بأي معنى حملت الرواية.

وأما في الطائفة الثانية وهي مورد العلم بالزيادة أو النقيصة، فالرواية الدالة على وجوب السجدتين، وإن كانت معتبرة، للاجماع على صحة ما يصح عن ابن أبي عمير، بل كانت مراسيله كمسانيده، لجلالة قدره وأنه لا يروي إلا عن الثقات إلا أنه لا يمكن الاخذ بما هو ظاهرها.

أما أولا: فلانه لابد من حملها على زيادة غير الاركان أو نقصها.

وثانيا: يلزم إخراج جملة من الاجزاء المنسية التي تداركها في محلها، لعدم وجوب سجدتي السهو حينئذ قطعا.

____________________

(١) المختلف: ص ١٤١.

(٢) الخلاف: ج ١ ص ٤٥٩ جماعة المدرسين.

(٣) روض الجنان ص ٣٥٣. (*)

٣٥١

وثالثا: يعارضها الاخبار الكثيرة الدالة على أن نسيان القراء‌ة، وذكر الركوع.

ونسيان الجهر والاخفات، لا يوجب سجدتي السهو. لان في الجميع نفي وجوب شئ على الناسي. وفي بعضها قالعليه‌السلام : " تمت صلاته " فراجع الاخبار الواردة في القراء‌ة. فإن الفقيه يشرف على القطع بأن نسيانها. ونسيان الجهر والاخفات فيها، لا يوجب شيئا. هذا مضافا إلى أنه لم يعمل بمضمونها إلا من في طبقة العلامة وبعده. والعجب أن الشهيد -رحمه‌الله - مع أنه قال في الدروس: لم أظفر بقائله ولا بمأخذه(١) أفتى بمضمون الرواية في اللمعة(٢) . ثم بناء على تقديم الاخبار الدالة على أن نسيان ما عدا الاركان لايوجب شيئا. لا يمكن الفتوى باستحبابهما لكل زيادة أو نقيصة سهوية، إلا أن تحمل على نفي وجوب شئ ولزومه، لا على نفي مشروعية شئ.

وبالجملة: الانصاف أن المسألة مشكلة بحسب الادلة فالفتوى بوجوبهما لكل زيادة ونقيصة إذا وقعتها سهوا مشكلة جدا. والاصل العملي نفي الوجوب. والتمسك بوجوبهما لهما برواية القصاب: " أسهو في الصلاة وأنا خلف الامام. فقالعليه‌السلام : إذا سلم فاسجد سجدتين، ولا تهب "(٣) في غير محله.

فإن الامامعليه‌السلام وإن لم يستفصل بين الموارد التي نقول بجوبهما للسهو فيها وغيرها، وترك الاستفصال يوجب العموم في المقام. إلا أن هذه الرواية ناظرة إلى حيث كون الساهي خلف الامام، وأن الاقتداء هل يوجب ضمان الامام عن سهو المأموم أم لا. فالامامعليه‌السلام بصددبيان أن ما عليه العامة من أن الامام ضامن لسهو من خلفه غير تام. بل ليس هو ضامنا إلا القراء‌ة.

____________________

(١) الدروس: ج ٤٩.

(٢) شرح اللمعة: ج ١ ص ٧٠٣.

(٣) الوسائل: ج ٥ ص ٣٣٩ باب ٢٤ من أبواب الخلل، ح ٦. (*)

٣٥٢

وبالجملة: العموم المخصص بتخصيص كثير لا يمكن الاتكال إليه. مع أن العمل بهذين العامين نشأ من زمان العلامة -رحمه‌الله -.

الامر الثاني: في كيفية سجدتى السهو: والذي يجب فيها امور: الاول: النية على النحو المعتبر في سائر العبادات من قصد التقرب. إنما الكلام في أنه لو تعدد الموجب. وقلنا بأنه تتعدد السجدة سواء كان الموجب من جنس واحد أو من أجناس مختلفة - بناء على ما هو الحق من أصالة عدم التداخل مطلقا - فهل يجب تعيين الموجب أم لا؟ وجهان الحق هو الثاني. لان تعيين الموجب لازم فيما إذا كان السبب معنونا بعنوان خاص كعنوان الظهرية. والعصرية، لا في مثل المقام. فإن قصده كونه للكلام أو للسلام أونحوها، مع أن نسيان المنسيات صار موجبا للسجدتين، لا خصوصية كل واحد.

بلا موجب وهكذا يجب التعيين فيما لو كان السبب متعددا، وكان بينهما ترتب أو خصوصية لا يمتاز المتخصص بها إلا بتعيينه. كما لو كان أجيرا لاشخاص أو كان عليه أداء وقضاء. وأما في مثل المقام لا خصوصية ولا ترتب، أما الاول فواضح. وأما الترتب فالاسباب وإن تحققت مترتبة، ويقتضي كل سبب سابق أن يشغل المحل قبل إشغال المتأخر له، إلا أنه مع ذلك هذا الترتيب لا يقتضي إلاوقوع كل سجدتين مرتبا عن موجبه قهرا، وينطبق كل ما يؤتى به أولا في السبب السابق قهرا، من دون اعتبار قصد كون الاول للاول، والثاني للثاني. وهكذا.

بل يمكن أن يقال: لو قصد الاول للآخر صح. لان الترتيب بين الاسباب ليس إلا من باب الاتفاق، ومن جهة أن الزماني يقع في زمان لا محالة. ولذا في قضاء الصوم لو نوى السنة المتأخرة لاسقاط الكفارة عن ذمته صح. لان الصوم أيضا لا ترتيب بين أيامه. وإن كانت نفس الايام مرتبة.

وبالجملة: لو قصد أولا

٣٥٣

قضاء يوم الثلاثين وثانيا قضاء يوم التاسع والعشرين، وهكذا يصح صومه، لانه لا يراد منه إلا إتيان ثلاثين بدلا عن ثلاثين. فقصد خلاف الترتيب لا يضربما هو مطلوب منه. فضلا عن عدم القصد.

الثاني: التكبيرة. فينسب إلى الشيخ -رحمه‌الله - وجوبها. والمشهور استحبابها. ولكنه ليس في الادلة ما يدل على وجوبها أو استحبابها سوى قضية ذي الشمالين في إحدى الروايات المتضمنة لهذه القضية(١) ، ورواية عمار الساباطي عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن سجدتي السهو فيهما تسبيح وتكبير؟ فقال: لا، إنهما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها هو الامام كبر إذا سجد وإذا رفع رأسه، ليعلم من خلفه أنه قد سها، وليس عليه أن يسبح، ولا فيهما تشهد بعد السجدتين(٢) . وهذه الرواية صريحة في اختصاصها بالامام، وعدم شرعيته للمأموم والمنفرد. وقضية ذي الشمالين أيضا وارده فيما كانصلى‌الله‌عليه‌وآله إمام.

ومع هكذا فالاعتماد على هذيه الدليلين للفتوى بالوجوب للامام، مع ظهور الاخير بكونها للاعلام.

مشكل. فضلا عن القول بوجوبها مطلقا. هذا مع اشتمال رواية عمار على نفي التسبيح والتشهد مع عدم التزام المشهور به. فالحق عدم استحبابها أيضا لخلو جميع الاخبار عنها. نعم الاتيان بها رجاء لا محذور فيه.

الثالث: الذكر. ويدل عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال: نقول في

____________________

(١) الوسائل: ج ٥ ص ٣١١ باب ٣ من أبواب الخلل ح ١٦.

(٢) الوسائل: ج ٥ ص ٣٣٤ من أبواب الخلل، ح ٣ باختلاف يسير.

٣٥٤

سجدتي السهو بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد. قال: وسمعته مرة اخرى يقول: بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته(١) . ولا يعارضها مثل رواية عمار الساباطي التي نفي التسبيح فيهما.

أما (أولا:) فلعدم دلالة نفي التسبيح على نفي هذا الذكر الخاص، لانه ليس كالتسبيح في الركوع والسجود في الصلاة.

(وثانيا:) مع ضعف رواية عمار وإعراض الاصحاب عن العمل بها لانهم لم يعملوا بما تثبته هذه الرواية وهو التكبير وما تنفيه وهو التشهد.

فالاقوى وجوب الذكر فيهما. وعدم تعرضه في الروايات لايكشف من عدم الوجوب، لانها واردة مورد حكم آخر، وهو بيان الموارد التي يجب فيها سجدتا السهو، وليست في مقام بيان ما يعتبر في سجدتي السهو. فأصل الوجوب لا إشكال فيه إنما الكلام في أن المعتبر هل خصوص الصلاة أو قوله السلام عليك. ثم الصلاة على قسمين مروي عن الحلبي ففي الفقيه(٢) مثل ماذكرنا. وفي الكافي(٣) مروي عنه اللهم صل على محمد وآله محمد، وهكذا في السلام ففي الكافي مروي عنه كما ذكرنا.

وفي التهذيب(٤) مروي عنه مع الواو، وبعضهم عامل مع هذه الاختلاف معاملة اختلاف الروايات، وأفتى بالتخيير بين إحدى هذه الاذكار الاربعة، ولكنه لا يخفى أن التخيير بين الصلاة والسلام في محله. لان الحلبي وروى كليهما عن الامامعليه‌السلام . ومراده من أن سمعته مرة يقول: السلام عليك أي في جواب سؤال شخص آخر. لا أن الامامعليه‌السلام في

____________________

(١) الوسائل: ج ٥ ص ٣٣٤ باب ٢٠ من أبواب الخلل ح ١.

(٢) من لا يحضره الفقيه: ج ١ ص ٣٤٢ ح ٩٩٧، ط جماعة المدرسين.

(٣) الكافي: ج ٣ ص ٣٥٦ باب من تكلم في صلاة...، ح ٥.

(٤) التهذيب: ج ٢ ص ١٩٦ باب أحكام السهو ح ٧٤. (*)

٣٥٥

سجدتي السهو يقول، حتى ينافي الامامة.

وأما التخيير في السلام بين " السلام عليك " أو " والسلام عليك " بلا وجه. لان التخيير ثبت في تعارض الروايات على خلاف الاصل، ولا يمكن التعدي عنه إلى غيرها. فالصواب إتيان السلام بلا واو، لان نسخة الكافي أضبط وهي بلا واو، والتهذيب يروي إما عنه أو عن الفقيه، وإلا هو بنفسه ليس له طريق آخر إلى الحلبي، فإذا لم يكن في النسختين واو فالعمل على نسخة التهذيب أو التخيير بينهما أو الجمع بينهما بلا موجب. نعم الاحتياط هو الجمع بينها رجاء كما أن لو أراد الساجد أن يأتي بالصلاة، فالاحتياط وجوبا هو الجمع بين اللهم صل... إلخ وصلى الله لاختلاف نسخة الفقيه مع الكافي، وعدم إمكان الترجيح بينهما.

الرابع: التشهد. ويدل عليه عدة من الروايات. وتقدم بعضها، وهو المشهور، بل ادعي الاجماع عليه أيضا. ولا يعارض رواية عمارة الساباطي لعدم مقاومتها سندا وعملا، للاخبار الدالة على الوجوب، حتى يحمل ما دل على الوجوب على الاستحباب، كما هو المعمول بين الاصحاب فيما ورد خبر يدل على الوجوب، وخبر على عدم الوجوب من جهة حمل الظاهر على النص. فالاقوى وجوبه.

ثم إن المراد من " الخفيف " الوارد في أخبار الباب هو الخفة في مقابل التطويل، أي المشتمل على المستحبات، لا قول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وذلك لان المتبادر من المطلقات هو التشهد الواجب في الصلاة، فالتقييد بالخفيف تقييد لهذا التشهد. وأما إرادة التشهد في الاذان والاقامة فيحتاج إلى قرينة.

الخامس: الصلاة على النبي وآله بعد التشهد.

٣٥٦

وهذا مضافا إلى أنه إجماعي بناء على وجوب صلى التشهد، هو المتبادر أيضا من قولهمعليه‌السلام : " تشهد" لما ذكرنا أن الظاهر من هذه الاخبار الامر بالتشهد الذي يجب في الصلاة. وهو علم لمجموع الشهادتين والصلاة.

السادس: التسليم. ويدل عليه جملة من الاخبار، وتقدم بعضها. والظاهر أنه كلما أطلق فيه السلام فهو عبارة عن " السلام عليكم " فالاقوى والاحوط الاتيان بخصوص الصيغة، لانه على فرض التخيير بينهما أيضا كاف، مع احتمال كونه هو المتعين.

الامر الثالث: في أحكامهما، وفيه مسائل: الاولى: يعتبر فيهما ما يعتبر في سجود الصلاة، من الطهارة والستر والاستقبال ونحوها من وضع الاعضاء السبعة على الارض، ووضع الجبهة على ما يصح السجود عليه. لا لان السجود في الشرع منصرف إلى ما كان مشتملا على هذه الشرائط. وإلا لزم اعتبارهما في سجدة التلاوة أيضا، بل لان الظاهر من الاخبار الواردة في المقام الدالة على الفورية والمبادرة بهما بعد التسليم وقبل الكلام، مع عدم التعرض لما يعتبر فيهما، أنهما في الحكم كالسجدة الصلاتية، وعدم التعرض للشرائط في أخبار الباب إنما هو لوجودهما غالبا بعد السلام. ولكن لايخفى أن هذا مجرد استحسان لا عتبار به. فالاقوى بحسب الادلة عدم اعتبار الشرائط فيها وأن الاحوط ذلك.

الثانية: المشهور أن محلها بعد التسليم مطلقا.

ويدل عليه عدة من الاخبار، كرواية ابن الحجاج المتقدمة في الكلام، ورواية عمار المتقدمة في السلام، ورواية فضيل المتقدمة في التشهد المنسي، والروايات الواردة في الشك بين الاربع والخمس، وسائر الشكوك. وتقدم بعضها ورواية القداح عن جعفر بن محمد بن

٣٥٧

أبيه عن عليعليه‌السلام : قال: سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام(١) . وقيل: إن محلهما قبل التسليم مطلقا. ويدل عليه رواية أبي الجارود قال: قلت لابي جعفرعليه‌السلام : متى أسجد سجدتي السهو؟ قالعليه‌السلام : قبل التسليم فإنك إذا سلمت فقد ذهبت حرمة صلاتك(٢) . وقيل بالتفصيل بين مورد النقص والزيادة. ويدل عليه رواية سعد الاشعري قال: قال الرضاعليه‌السلام في سجدتي السهو: إذا نقصت قبل التسليم، وإذا زدت فبعده(٣) . ولكن لا يخفى أن المتيقن وجوبهما بعد التسليم مطلقا. لان الاخبار الدالة على وجوبهما بعده مطلقا فوق حد الاستفاضة، بل يمكن دعوى تواترها.

فلا يمكن أن يعارضها هذان الخبران. فما يحكى عن الذخيرة من قوله: " ويمكن الجمع بين الاخبار بالتخيير"(٤) . لايمكن الالتزام به، لان التخيير فرع التكافؤ سندا ودلالة وجهة، مع ما فيهما من موافقة كل منهما لمذهب كثير من العامة.

الثالثة: يجب إتيانهما بعد الصلاة فورا. لظاهر عدة من الاخبار وأصرح [ ما ] فيها رواية القداح، ثم رواية الفضيل، فإن قوله " إذا سلم سجد سجدتين " ظاهر في التوقيت. ثم الاخبار المشتملة على لفظة " ثم " وبالجملة: لا وجه للمناقشة في اعتبار الفورية. نعم لا يستفاد من الاخبار الشرطية الفورية لسجود السهو، بحيث لو أخل بها لم تجب بعد ذلك. ولا شرطيتها للصلاة. فالاخلال بالفورية عمدا لا يوجب فساد الصلاة، فضلا عن سجود السهو.

____________________

(١) الوسائل: ج ٥ ص ٣١٤ باب ٥ من أبواب الخلل، ح ٣.

(٢) و (٣) نفس المصدر الحديث ٥ و ٤.

(٤) ذخيرة المعاد: ص ٣٨١ في ذيل قول الماتن وهما سجدتان بعد الصلاة. (*)

٣٥٨

فيما تشرع فيه الجماعة

لاإشكال في أنه لا تجب الجماعة أصالة إلا في الجمعة والعيدين، مع تحقق شرائط وجوبهما المذكورة في محلها. وقد تجب لعارض كالنذر وشبهه، وربما قيل بوجوبها أيضا بأمر الوالدين، وبالنسبة إلى من لم يتمكن من القراء‌ة إما لآفة في لسانه، وإما لجهله بها مع ضيق الوقت عن التعلم. هذا.

ولكن الاقوى عدم وجوبها بذلك، أما أمر الوالدين فلانه لا دليل على وجوب متابعتهما في ذلك، بل المسلم هو حرمة إيذائهما بالضرب والشتم ونحوه، وأما وجوب متابعتهما بما يرجع إلى المال والنفس، فلم يقم عليه دليل على وجه الكلية، وإلا لوجب إطاعتهما عند أمرهما ببذل المال، نعم ربما يجب إطاعتهما في بعض الافعال، كما لو نهيا عن السفر، وذلك يرجع إلى إيذائهما.

وأما من لم يتمكن من القراء‌ة فوجوب الجماعة عليه مبني على أن تكون الجماعة أحد فردي الواجب التخييري، ويكون الصلاة مع القراء‌ة فرادى فرده الآخر، حتى تجب الجماعة عينا عند تعذر الصلاة مع القراء‌ة، كما هو الشأن في كل واجب تخييري، حيث يتعين بعض أفراده عند تعذر الآخر. ولكن قد تقدم هنا الاشكال في ذلك في مبحث القراء‌ة. وأن الصلاة جماعة ليست أحد فردي الواجب التخييري، بل الواجب ليس إلا الصلاة مع القراء‌ة عند التمكن. والجماعة إنما تكون مستحبة، غايته أنه تسقط القراء‌ة عندها. على ما تقدم تفصيله، وحينئذ الواجب على من لم يتمكن من القراء‌ة ذاتا لآفة في لسانه هو فعل الصلاة حسب تمكنه، ولا تجب عليه الجماعة، ومن لم يتمكن من القراء‌ة لجهله بهما. فهو وإن وجب عليه تعلم القراء‌ة. إلا أنه لولم يتعلم إلى أن ضاق الوقت فالعبرة بما يتمكنه في ذلك الوقت، ولا تجب عليه الجماعة أيضا، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط في ذلك.

فتحصل: أنه لا تجب الجماعة إلا فيماذكر. وأما فيما عدا ذلك فهي ليست بواجبة إجماعا. نعم هي مستحبة في الفرائض الاصلية من اليومية وغيرها، وفي بعض النوافل. أما استحبابها في الفرائض فيدل عليه صحيحة زرارة والفضيل قالا: قلنا له: الصلاة في الجماعة فريضة هي؟ فقال: الصلاة فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها، ولكنه سنة من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له(١) .

وجه الدلالة هو أن قولهعليه‌السلام : " وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها " ليس المراد منه عموم السلب، بحيث لاتجب الجماعة في كل صلاة صلاة على نحو العام الاستغراقي الانحلالي، حتى يكون وجوب الجماعة في الجمعة والعيدين تخصيصا لهذا العموم، بل المراد منه سلب العموم على نحو العام

____________________

(١) الوسائل: ج ٥ ص ٣٧١ باب ١ من ابواب صلاة الجماعة، ح ٢ باختلاف يسير. (*)

٣٥٩

المجموعي. فيكون المعنى أن الجماعة ليست بواجبة في جميع الصلوات. وهذا لا ينافي وجوبها في بعض الصلوات. وقولهعليه‌السلام بعد ذلك " ولكنه سنة " ظاهر في إثبات الاستحباب للصلوات التي نفى عنها الوجوب قبل ذلك. وهي الصلوات المفروضة. فلا تدل هذه الصحيحة على استحباب الجماعة في مطلق الصلاة. بل خصوص الصلاة المفروضة. فتدل على استحباب الجماعة في كل صلاة مفروضة، بمقتضى إطلاق الصحيحة، وعدم ذكر فريضة خاصة فيها. ولو لا إطلاق هذه الصحيحة لاشكل إثبات مشروعية الجماعة في جميع الفرائض. إذ لم يقم دليل بالخصوص في استحبابها في كل فريضة فريضة، وإن قام ذلك في البعض كالصلوات اليومية، وصلوات الآيات، وصلاة الاموات. وليس أيضا ما يدل بعمومه على استحبابها في جميع الفرائض إلا إطلاق هذه الصحيحة، وفيها الغنى والكفاية.

فلا مجال بعد ذلك للوسوسة في شرعية الجماعة في صلاة الطواف. بعدما كانت من الفرائض الاصلية فتندرج في إطلاق الصحيحة. ومجرد عدم نقل وقوع الجماعة في صلاة الطواف عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع. مع نقل جميع ما صدر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك الحجة من الخصوصيات، لا يدل على عدم مشروعيتها في الطواف: إذ لعل عدم نقل ذلك لعدم وقوع الجماعة في صلاة الطواف اتفاقا، من باب عدم اجتماع طائفة معصلى‌الله‌عليه‌وآله في الطواف، وكان طوافه انفراديا، أو عدم الاهتمام بنقل وقوع الجماعة فيها، أوغير ذلك من الاسباب، وبالجملة: مجرد عدم نقل ذلك لا يصلح أن يكون دليلا على عدم المشروعية فيها. فالاقوى استحباب الجماعة في صلاة الطواف كغيرها من الفرائض الاصلية. وأما استحبابها في الصلاة التي عرض عليها الفرض بالنذر وشبهه فيشكل. من

٣٦٠