كتاب الصلاة الجزء ٢

كتاب الصلاة0%

كتاب الصلاة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 400

كتاب الصلاة

مؤلف: الميرزا محمد حسين الغروي النائيني
تصنيف:

الصفحات: 400
المشاهدات: 24708
تحميل: 3777


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 24708 / تحميل: 3777
الحجم الحجم الحجم
كتاب الصلاة

كتاب الصلاة الجزء 2

مؤلف:
العربية

ولعله يأتي في بعض المباحث الآتية إن شاء الله.

البحث الثاني:

في تفصيل الدواعي القربية ويذكر في طي مسائل: الاولى: قد تقدم أن إرادة العمل إن كانت منبعثة عن الامر وكان هو المحرك له، فهذا مما لا إشكال في صحة العبادة وكفايته في المقربية، سواء كان نفس الامتثال هو المقصود بالاصالة، حيث يراه جل شأنه أهلا للعبادة، أو يكون الوصول إلى الغايات المترتبة عليه موجبا للانبعاث عن الامر بحيث يكون الموجب للانبعاث عن الامر الوصول إلى ماأوعده الله تعالى للمطيع من الثواب والعقاب، أخرويين كانا أو دنيويين.

المسألة الثانية: حكي عن الجواهر -قدس‌سره - عدم كفاية قصد الجهة من الحسن الذاتي والملاك في صحة العبادة، خصوصا مع سقوط الامر عن العبادة بواسطة مزاحمتها للاهم - كما في موارد التزاحم - مع أهمية أحد المتزاحمين، حيث إن الامر عن المهم يسقط فلا يكفي فعل المهم بداعي المحبوبية الذاتية ولا يوجب عباديته، بل لابد في وقوع الشئ عبادة من قصد الامر، وغاية ما يمكن أن يوجه ذلك هو أن يقال: إن في صورة سقوط الامر بالمزاحم الاهم لا سبيل لنا إلى إحراز الجهة والملاك والحسن الذاتي حتى تكون هي الداعي، بداهة أن الكاشف عن الملاك إنما هو الامر، إذ لا طريق لنا لاحرازه سوى الامر، وبعد سقوط الامر بالمزاحمة لا يمكن القول ببقاء الملاك، لاحتمال أن تكون للقدرة دخل في الملاك، ويكون الشارع قد اكتفى عن أخذها في لسان الدليل بحكم العقل باعتبارها لقبح مطالبة العاجز.

وحاصل الكلام: أن سقوط الامر عن المزاحم المهم إنما هو لاجل عدم قدرة

٤١

المكلف على فعله مع فعل مزاحمة الاهم، وعدم إمكان الجمع بينهما، ودعوى أن سقوط الامر لاجل عدم القدرة على متعلقه لا يوجب ارتفاع الملاك إلا إذا اخذت القدرة شرطا شرعيا، والمفروض في باب التزاحم عدم أخذها شرطا شرعيا، بل الامر بالنسبة إليها مطلق والتقييد بها إنما هو لحكم العقل بقبح مطالبة العاجز بما لا يقدر عليه، والقدرة العقلية مما لا دخل لها بالملاك، دون إثباتها خرط القتاد، إذا لا مانع من أن يكون للقدرة العقلية دخل في الملاك كالقدرة الشرعية، فمن أين يمكن إحراز الملاك في موارد سقوط الامر بالمزاحمة.

ودعوى ان إطلاق الامر وعدم تقييده بصورة القدرة يكشف عن عدم دخل القدرة في الملاك، ووجوه في كلتا صورتي القدرة وعدمها، إذ لو كانت القدرة العقلية مما لها دخل في الملاك لكان اللازم تقييد الامر بها(١) فإطلاق الامر يكشف عن وجودها، ففيها أن إطلاق الامر لا يكشف عن عدم دخلها في الملاك، فإن إطلاق الامر إنما يكشف عن عدم كون شئ قيدا إذا لم يكن القيد مما استقل العقل الضروري به، ومع استقلال العقل به يكون بمنزلة المخصص والمقيد المتصل، والتقييد بالقدرة في المقام مما استقل العقل به لقبح مطالبة العاجز بما لا يقدر عليه، وهذا الحكم الضروري العقلي لو لم يكن قرينة على تقييد الامر شرعا بصورة القدرة.

فلا أقل من صلاحيته للقرينية، ومع صلاحيته لذلك لا يمكن استكشاف بقاء الملاك مع سقوط [ الامر ] ولا يكون إطلاق الامر كاشفا عنه، وحينئذ لا يمكن تصحيح العبادة بقصد الملاك عند سقوط الامر في باب التزاحم، بل لا يمكن تصحيحها بالامر الترتبي أيضا لان الامر الترتبي على القول به إنما هو بعد إحراز الملاك ومع عدم إحرازه كما أوضحناه لا يمكن القول بالامر

____________________

(١) مع أن تقييد الامر بها يوجب خروجها عن كونها قدرة عقلية وتكون حينئذ شرعية كما لا يخفى " منه ". (*)

٤٢

الترتبي هذا ولا بد لكل من قال بصحة العبادة في باب التزاحم إما بالملاك وإما بالامر الترتبي من دفع هذا الاشكال هذا.

وقد أفاد شيخنا الاستاذ - مد ظله - في دفع الاشكال بما حاصله: ان حكم العقل بقبح مطالبة العاجز لا يمكن أن يكون حينئذ ثبوتا مماله دخل في الملاك، بل هو واقع لا محالة في المرتبة المتأخرة عن الملاك، وكذا لا يمكن أن يكون هذا الحكم العقلي إثباتا مقيدا لاطلاق الامر بحيث يصلح أن يمنع كاشفية إطلاق الامر عن وجود الملاك في كلتا صورتي القدرة وعدمها، فهذا الحكم العقلي لا يصلح للقرينية فضلا عن كونه قرينة.

أما عدم إمكان أن تكون القدرة العقلية مما لها دخل في الملاك ثبوتا، فلان حكم العقل بقبح مطالبة العاجز إنما هو من شرائط حسن الخطاب، فهو واقع في مرتبة المانع، ومعلوم أن رتبة المانع متأخرة عن رتبة المقتضي، فلابد أن يكون المقتضي في حد نفسه تاما بحيث يمكن أن يستتبعه الخطاب، فعند ذلك العقل يمنع عن توجه الخطاب نحو العاجز، ويحكم بقبح مطالبته فهذا الحكم العقلي دائما يمنع عن توجه الخطاب بعد أن تم مقتضيه، إذ مع عدم تمامية المقتضي يستند عدم الخطاب إلى عدم مقتضيه لا إلى عدم القدرة على متعلقه.

وحاصل الكلام: أنه قد مرمنا مرارا أن رتبة المانع متأخرة عن رتبة المقتضي، وعدم الشئ إنما يستند إلى المانع بعد وجود المقتضي، والمانع دائما يزاحم المقتضي في تأثيره، وحينئذ نقول: إن حكم العقل باعتبار القدرة وقبح مطالبة العاجز إنما هو واقع في رتبة المانع، وهو يتوقف على تمامية المقتضي وما هو ملاك الحكم، والسر في ذلك هو ما أشرنا إليه من أن حكم العقل باعتبار القدرة إنما هو من شرائط حسن الخطاب، فلابد من أن يكون المقتضي للخطاب موجود، بحيث يقتضي بنفسه استتباع الخطاب حتى تصل النوبة إلى منع العقل عند عجز

٤٣

المكلف، لكي يستند عدم الخطاب حينئذ إلى عدم القدرة فلو لم يكن المقتضي للخطاب تاما كان عدم الخطاب مستنداإلى عدم المقتضي لا إلى عدم القدرة على متعلقه، فحكم العقل بقبح مطالبة العاجز لا يعقل أن يكون في مرتبة الملاك والمقتضي، حتى يمكن توهم دخله في الملاك بل هذا الحكم العقلي دائما متوسط بين الملاك وبين الخطاب رتبته تكون متأخرة عن الملاك ومقدمة عن الخطاب كما لا يخفى.

وأما عدم إمكان صلاحية حكم العقل باعتبار القدرة للقرينية في مرحلة الاثبات، وعدم منعه عن كاشفية إطلاق الامر لثبوت الملاك في كلتا صورتي العجز وعدمه، فلان الخطاب إما أن يكون مقيدا بالقدرة وإما أن لا يكون، فإن كان مقيدا بالقدرة، فهذه القدرة حينئذ تكون شرعية لا عقلية، إلا أن يكون التقييد لتقرير حكم العقل ولا إشكال في دخل القدرة الشرعية في الملاك كسائر القيود الشرعية إلا أن هذا خارج عما نحن فيه، والكلام في القدرة العقلية، وإن لم يكن الخطاب مقيدا بالقدرة فإن كان الدليل مجملا ودار الامر بين أن يكون مشروطا بالقدرة الشرعية وأن لا يكون فالمتيقن منه الاشتراط، كما هو الشأن في كل ما دار الامر بين الاطلاق والاشتراط، وإن لم يكن الدليل مجملا فلا يمكن أن يكون حكم العقل بقبح مطالبة العاجز مانعا عن الاطلاق الكاشف لعدم دخل شئ في الملاك، لان حكم العقل بقبح مطالبة العاجز إنما هو بعد إطلاق الدليل وعدم اشتراطه بالقدرة، وإلا لما كان حاجة إلى هذا الحكم العقلي، فهذا الحكم العقلي فرع ثبوت الاطلاق فكيف يكون مانعا عنه، وحاصل الدعوى: إنما هي صلاحية حكم العقل الضروري بقبح مطالبة العاجز لتقييد إطلاق الدليل وجعله على حد ما إذا كان مقيدا بالقدرة صريحا في اللفظ، وكما أن في صورة التقييد بالقدرة لفظا لايمكن القول ببقاء الملاك عند

٤٤

سقوط الامر بالعجز كما في باب الحج فكذلك ما هو بمنزلة التصريح بالتقييد بها لفظا، وهو حكم العقل بقبح مطالبة العاجز.

وحاصل دفعها: أن هذا الحكم العقلي لا يمكن أن يكون مقيدا للدليل بصورة القدرة على حد تقييده لفظا، لان العقل إنما يحكم بقبح مطالبة العاجز، إذا كان الدليل مطلقا وشاملا لكلتا صورتي العجز وعدمه، فإنه عند ذلك العقل يستقل بقبح مطالبة العاجز، وقصر الحكم بصورة القدرة، فإذا كان هذا الحكم العقلي متأخرا رتبة عن إطلاق الدليل، فكيف يمكن أن يمنع عنه، إذ المنع عن الاطلاق معناه، أن يجعل اللفظ مجملا صالحا لان يكون مقيدا بالقدرة، فيكون كما إذا كان اللفظ من أول الامر مجملا، الذي قد عرفت أن المتيقن منه هو اشتراطه بالقدرة، وقد عرفت أنه إنما تصل النوبة إلى حكم العقل بقبح مطالبة العاجز، إذا كان اللفظ مطلقا ولم يحتف به ما يصلح لتقييده بالقدرة. فكيف يمكن أن يدعى أن نفس هذا الحكم العقلي مما هو محتف باللفظ وصالح للتقييد، وهل يستلزم ذلك إلا الدور فتأمل في المقام جيدا.

فالانصاف أن إطلاق الامر بنفسه كاشف عن ثبوت الملاك في كلتا صورتي العجز وعدمه، ويترتب عليه حينئذ بقاء الملاك عند سقوط الامر بالمزاحمة.

فإن قلت: إن التمسك بالاطلاق إنما هو لاجل مقدمات الحكمة، ومن مقدمات الحكمة أنه لو لم يكن الاطلاق بمراد للزم إيقاع المكلف على خلاف المراد والواقع، وهذه المقدمة فيما نحن فيه مفقودة، إذ لم يلزم من الاطلاق عند عدم إرادته محذور وقوع المكلف على خلاف الواقع، إذ على فرض أن لا يكون الاطلاق بمراد، وكان في الواقع الامر مقيدا بصورة القدرة، فالمكلف لا يقع في مخالفة الواقع، إذ عند العجز هو تارك للمتعلق لا محالة، فالاطلاق وعدمه سيان فيما نحن فيه، ومعه لا يمكن التشبث بالاطلاق والقول بكشفه عن ثبوت الملاك مطلقا.

٤٥

قلت: أولا: ليس من مقدمات الحكمة أنه لو لم يكن الاطلاق بمراد يلزم إيقاع المكلف على خلاف الواقع، بل مقدمة الحكمة إنما هي عبارة عن أن الآمر حيث كان بصدد بيان ماله دخل في غرضه ومراده، فلابد من أن يكون الاطلاق هو تمام المراد، سواء وقع المكلف بخلاف الواقع أو لم يقع، وثانيا: أنه يلزم فيما نحن فيه وقوع المكلف بخلاف الواقع، كما في باب التزاحم، فتأمل جيدا(١) .

فقد ظهر لك وجود الملاك عند سقوط الامر بالمزاحم الاهم وعليه يستقيم الامر الترتبي إذا عرفت ذلك فلنعد إلى ما كنا فيه، فنقول: إنه قد حكي عن الجواهر -قدس‌سره - عدم كفاية قصد الجهة والملاك في صحة العبادة، بل لابد من قصد الامر، وقد حكي عن الشيخ -قدس‌سره - بأن قصد الجهة أدخل في العبادة وأقوى من قصد الامر في صدق الاطاعة، كما يتضح ذلك بمراجعة ديدن العقلاء في مقام إطاعة العبيد لمواليهم العرفية، فإنه لو أمر المولى بالماء لجهة رفع عطشه، فالعبد تارة يجئ بالماء لان المولى أمره بذلك، واخرى يجئ به لكثرة حبه لمولاه، واشتياقه إليه، وتألمه من عطشه، بحيث يكون الداعي إلى العبد هو رفع عطش المولى، حيث لا يقدر أن يرى مولاه عطشانا، ولا إشكال في أن رتبة مثل هذا العبد عند المولى أعلى من رتبة من كان قصده امتثال الامر، وكان هذا العبد أقوى إطاعة من ذلك، هذا.

وقد أشكل على ذلك شيخنا الاستاذ - مد ظله - بما حاصله: أنه تارة تكون

____________________

(١) إذا اطلاق الامر بالمهم وعدم تقييده بالقدرة يوجب ايقاع المكلف على خلاف الواقع، لو كانت القدرة في الواقع شرطا وقيدا، فان المكلف من اطلاق الامر يستكشف اطلاق الملاك ووجوده في صورة سقوط الامر بالمزاحمة، فيأتي به بداعي الملاك بعد عصيانه الاهم، ويكتفي به ولم يأت به ثانيا عند عود الامر به، لضيق وقته أو لفوات الاهم وارتفاع موضوعه، مع أنه لو كانت القدرة شرطا لكان ما أتى به أولا خاليا عن الملاك وكان لغوا وكان اللازم فعله ثانيا، فاطلاق الامر هو الذي أوقع المكلف في خلاف الواقع، وأوجب عدم اتيان المكلف به ثانيا، بحسبان أنه قد أتى بما هو مشتمل على الملاك الذي استفاده من اطلاق الامر فتأمل. " منه ".

٤٦

الجهة والملاك معلومة لدى العبد تفصيلا، كالعطش في المثال المتقدم، واخرى لا تكون كذلك. بل يعلم إجمالا أن هناك جهة باعثة للآمر تكون محبوبة عنده، كما هو الشأن في غالب الاوامر الشرعية بالنسبة إلى أغلب الناس، حيث لا يعلمون الملاك تفصيلا، والقدر المسلم في أقوائية الاطلاعة والادخلية في العبادة هو ما إذا كانت الجهة معلومة بالتفصيل، ويكون داعيه تحصيل تلك الجهة لكثرة الاشتياق والمحبة.

وهذا لا يتفق إلا لاوحدي، وأما لو كانت الجهة معلومة إجمالا، فكونها أدخل وأقوى في الطاعة والعبادة ممنوعا، نعم يمكن أن يقال: إن الفعل لا يؤمر به على وجه العبادية إلا إذا كانت هناك جهة تقتضي العبادية، وإن لم تكن تلك الجهة معلومة لنا بالتفصيل، فالمعيار في العبادية إنما هي تلك الجهة، وقصد الامر إنما يكفي في وقوع الفعل عبادة، لانه يكون قصد إجمالي إلى تلك الجهة التي يدور عليها العبادة، فقصد نفس ذلك الجهة إجمالا يكون أولى في وقوع الفعل عبادة. وحينئذ لا ينبغي الاشكال في أن قصد الجهة يكفي في صحة العبادة. ككفاية قصد الامر فتأمل جيدا.

المسألة الثالثة: لو كان الداعي إلى الفعل هي الغايات المترتبة على الامتثال، كالفوز برضاه تعالى، أو النيل إلى الثواب، والامن من العقاب، وامثال ذلك بدون توسيط قصد الامر، ففي كفايته في الصحة إشكال، وقد حكي عن العلامة(١) -قدس‌سره - المنع عن كفايته، وتبعه غير واحد، وقد يوجه ذلك.

بأن الامن من العقاب، والنيل إلى الثواب، لا يترتب على ذات العمل، إذ ذات الصلاة بما هي هي لا يترتب على فعلها ثواب، ولا على تركها عقاب بل الذي يترتب الثواب والعقاب عليه إنما هو العبادة، والصلاة الواقعة على وجه العبادة.

____________________

(١) التذكرة: ج ١ ص ١١١ البحث الثاني في النية. (*)

٤٧

وبعبارة اخرى: الثواب إنما يترتب على فعل العبادة، والعقاب يترتب على ترك العبادة فلا يمكن أن يكون النيل إلى الثواب، والامن من العقاب موجبا لعبادية الشئ، بل لابد من قصد الامر الذي به يكون الشئ عبادة.

ومن هنا اشكل على من عد قصد النيل إلى الثواب والامن من العقاب في عرض قصد الامر، وجعل كل منهما موجبا للعبادة بما حاصله: أن قصد الثواب والعقاب في طول قصد الامر، لما عرفت من أنهما مترتبان على العبادة المتوقفة على قصد الامر، ومعه لا يمكن أن يكونا في عرض قصد الامر، فلابد في العبادة من توسيط قصد الامر، إلا إذا كان الشئ بنفسه عبادة، كالسجود لله، وقد تقدم شطر من الكلام في ذلك في أوائل مباحث النية، هذا وقد اختار شيخنا الاستاذ مدظله كفاية قصد ذلك في صحة العبادة.

وذلك لان الكلام في المقام بعد الفراغ عن إشكال كيفية اعتبار الداعي في العبادة، وأنه كيف يمكن الامر بالعبادة، مع أن العبادة متوقفة على الاتيان بالدواعي القربية، والدواعي لا يمكن أخذها في متعلق الامر، لانها لا تتعلق بها إرادة الفاعل، وما لا يتعلق به إرادة الفاعل لا يمكن أن يتعلق به إرادة الآمر، وقد عرفت أن الاشكال مطرد في جميع الدواعي القربية، من دون خصوصية لقصد الامر، مضافا إلى ما يرد من أخذ خصوص قصد الامر في المتعلق من المحاذير الاخر، على ما أوضحناه في باب التعبدي والتوصلي، وبالجملة: الكلام في المقام في تعداد الدواعي القربية، مع قطع النظر عن الاشكال الوارد في وجه إعتبارها في العبادة المأمور بها، فدعوى أن الامن من العقاب والنيل إلى الثواب لا يترتبان على ذات العمل، بل على ما هو عبادة.

فلا يعقل أن يكون الشئ عبادة بهما، هي بعينها ترجع إلى الاشكال في كيفية اخذ الدواعي في متعلق العبادة، وليس إشكالا آخر كما لا يخفى وجهه، على المتأمل. وقد عرفت أن كلامنا في المقام

٤٨

متمحض لما يصح أن يكون داعيا بعد دفع ذلك الاشكال بوجه على ما بيناه في محله، فحينئذ نقول: أولا: أنه بعد العلم بتعلق الامر بالشئ يكون قصد الامن من العقاب، والنيل إلى الثواب، مع كونهما من الغايات المترتبة على الامتثال قصدا للامر إجمالا، ولا ينفك قصدهما عن قصده لامحالة.

وثانيا: على فرض أنه يمكن التفكيك بينهما وأن قصدهما لا يكون قصدا إلى الامر اجمالا، نقول: إن قصد الامر لم يرد في آية ولا رواية حتى يقال بانحصار صحة العبادة فيه، بل الذي دلت عليه الروايات هو الاتيان بالفعل لله تعالى، وابتغاء لوجهه الاعلى ولمرضاته، فكلما كان الفعل لله كان العمل صحيحا. وقصد التخلص من عقابه تعالى، او النيل إلى ثوابه يوجب صدق هذا المعنى العام، وهو كون الفعل لله وبذلك يستقيم ما صنعه بعض من عد ذلك في عرض قصد الامر.

وبالجملة: ليس فيما بايدينا من الادلة ما يدل على انحصار صحة العبادة بقصد الامر أو وجه الامر، بل الذي يدل عليه الادلة هو أن تكون العبادة لله وابتغاء وجهه الاعلى، ومعنى العبادة لله وابتغاء وجهه الاعلى، وإن لم نعرفه تفصيلا إلا أنه يكفي في صحة العبادة هو هذا المعنى العام، فتأمل جيدا.

المسألة الرابعة: لو كان الداعي إلى فعل العبادة هو التوصل بها إلى غرض دنيوي، فلا يخلو الامر إما أن يكون ذلك الغرض الدنيوي مما أوعد به الله تعالى، وإما أن لا يكون والثاني إما يكون بوعد من غيره تعالى، وإما أن لا يكون بوعد، بل كان ذلك من الخواص المترتبة على الشئ، كما لو جرب أن صلاة الليل موجبة للتوسعة في الرزق، فقصد من صلاة الليل مجرد التوسعة، من دون أن يكون ذلك بوعد منه تعالى، ثم ما كان موعودا منه تعالى فتارة يكون الداعي هو نفس ذلك الغرض الدنيوي الموعود منه بلا توسيط قصد الامر، واخرى يكون ذلك من

٤٩

باب داعي الداعي، بأن كان غرضه من قصد الامر هو الوصول إلى ذلك الغرض، فهذه جملة الاقسام المتصورة في المقام. فإن لم يكن الغرض موعودا منه تعالى، فلا ينبغي الاشكال في بطلان العبادة، إذا كان غرضه منها هو الوصول إلى ذلك الغرض الدنيوي، سواء كان ذلك موعودا من غيره تعالى أو كان من الخواص المجربة، إذ لم يقصد بالعبادة لا الامر ولا جهته ولا ذلك المعنى العام الذي اخترناه في صحة العبادة،، وكذا لو كان الغرض الدنيوي موعودا منه تعالى، ولكن كان الداعي إلى فعل العبادة هو الوصول إلى ذلك الغرض، من دون نظر إلى الامر ولا يكون قصده قصدا إليه إجمالا(١) فإن هذا لم يأت بالعبادة لله بل أتى بها لسعة الرزق فقط.

وأما لو كان داعيه ذلك بتوسيط قصد الامر، فالاقوى فيه الصحة، وإن حكي عن بعض الخلاف فيه، فإن نفس الوعد منه تعالى إيجادا للداعي إلى التقرب بها، ويكون من غايات الامتثال، وإلا لغى الوعد منه تعالى كما لا يخفى، وشتان مابين أن يكون الوعد منه تعالى وما بين أن يكون من غيره، من بذل باذل، فإنه لو كان الداعي هو الوصول إلى ما يبذله الباذل لكان الغاية القصوى والمقصد الاعلى هو غير الله تعالى، ولو أمكن توسيط قصد الامر أيضا والحاصل: أنه قد تقدم أنه لو كان الداعي هو الاجرة وأمكن أن يكون من باب الداعي [ إلى ] الداعي، وإن كان ذلك ممنوعا جدا، على ما عرفت، كان توسيط قصد الامر مما لا أثر له: بعدما كان المقصود بالاصالة هو أخذ الاجرة، وهذا بخلاف ماإذا كان الادعي هو ما أوعده الله تعالى، فإنه بالاخرة يرجع إلى الله ويكون مقربا كما

____________________

(١) وإن كان يمكن أن يقال: إن قصد التوصل إلى غرض موعود منه تعالى لا ينفك عن قصد الامر ولو إجمالا كما تقدم ذلك في قصد الثواب والعقاب فتأمل " منه ".

٥٠

لا يخفى، فتأمل جيدا.

البحث الثالث:

قد عرفت أن المعتبر في النية أمران: قصد هوية المأمور به وقصد أمره الواقعي، وبعد تحقق هذين الامرين لايجب القصد إلى شئ من أوصاف المأمور به الخارجة عن حقيقته، وأوصاف الامر الذي يراد امتثاله، فمثل الاداء والقضاء والوجوب والندب مما لا يعتبر القصد إليها، بل لو نوي أحدهما مكان ضده صح، إذا إذا اكن ذلك منافيا لليقين أو مغيرا للنوع، وتفصيل ذلك هو أنه قد تقدم أن الخصوصيات في كلا ناحية الامر والمأمور به مختلفة، إذ منها ما تكون داخلة في هوية الامر أو المأمور به، ومنها ما تكون خارجة عنها، والذي لا محيص عن قصده هو الخصوصيات الداخلة في هوية المأمور به أو الامر، سواء تعدد مافي الذمة أو اتحد، وأما الخصوصيات الخارجة عن الهوية فلا يعتبر القصد إليها كالوجوب والندب والاداء والقضاء، سواء أخذ وصفا في ناحية الامر أو في ناحية المأمور به، فلا يعتبر قصد الصلاة الواجبة لامرها الوجوبي، بل لو قصد أحد هذه الخصوصيات مكان ضده، كأن قصده في مكان الامر الوجوبي الندبي أو في مكان الصلاة الواجبة الصلاة المندوبة صح أيضا، سواء كان جهلا حتى يكون من الخطأ في التطبيق، أو علما تشريعا إذا لم يؤخذ الوصف قيدا لكي يرجع إلى عدم قصد الامر أو المأمور به.

نعم ربما يكون قصد الضد مغيرا للنوع المأمور به، أو يكون عدم قصد الخصوصية منافيا للتعيين.

أما الاول: فكالقصر والاتمام، فإن الخصوصية القصرية والتمامية وإن كانت من الخصوصيات المنوعة لحقيقة المأمور به، إلا أنها لا يعتبر القصد إلى تلك

٥١

الخصوصية مع وحدة ما في ذمة المكلف، إلا أن قصدا أحدهما مكان الآخر يوجب البطلان، لعدم القصد إلى ماهو المأمور به، بداهة تضاد الصلاة ركعتين مع الاربع، فيكون قصد الضد مغيرا للنوع، والظاهر انحصار المثال في خصوصية لا يعتبر القصد إليها ابتداء، إلا أن قصد صدها يوجب تغيير النوع بمثل خصوصية القصرية والنوعية.

ولعل السر في ذلك هو أن خصوصية القصرية والتمامية ليست إلا عبارة عن قلة الاجزاء وكثرتها، وقد تقدم أن القصد إلى الاجزاء تفصيلا مما لا يعتبر بل يكفي القصد إليها إجمالا وإن لم يعرفها تفصيلا، فيكفي القصد إلى صلاة الظهر مثلا بداعي أمرها الفعلي وإن جهل بكونها قصرا أو تماما، ولكن أتى بما هو المأمور به من القصر والتمام بأن سلم على الركعتين لو كان القصر هو المأمور به.

وعلى الاربع لو كان التمام هو المأمور به، ولكن لو قصد القصر ما كان التمام أو العكس ولو جهلا لكان موجبا لعدم القصد إلى ما هو المأمور به واقعا، ويكون قد قصد نوعا لم يكن بمأمور به واقعا.

وأما الثاني: وهو ما إذا كان عدم قصد الخصوصية منافيا للتعيين، فكالوجوب والندب والاداء والقضاء.

٥٢

تكبيرة الاحرام

التي هي أول أفعال الصلاة ومن أجزائها، وبها يحرم كل ما كان يحل قبلها من منافيات الصلاة.

وتنقيح البحث فيها يستدعي رسم امور: الاول: المعروف بين الاصحاب كون تكبيرة الاحرام من أركان الصلاة التي توجب نقصها أو زيادتها بطلان الصلاة، ولو كان ذلك عن سهو ونسيان، أما في صورة النقص فالظاهر أنه لاإشكال فيه وقد حكي الاجماع مستفيضا على بطلان الصلاة يترك تكبيرة الاحرام عمدا أو سهوا، ويدل عليه قبل ذلك الاخبار تكبيرة الافتتاح(١) وفي معناها عدة من الروايات(٢) المصرحة بإعادة الصلاة عند ترك التكبيرة سهوا.

نعم ورد في جملة من الاخبار ما ظاهره الصحة وعدم بطلان الصلاة بذلك، كرواية زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قلت له: الرجل ينسي أول تكبيرة

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧١٥ باب ٢ من ابواب تكبيرة الاحرام، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧١٥ باب ٢ من ابواب تكبيرة الاحرام.

٥٣

من الافتتاح، فقالعليه‌السلام : إن ذكرها قبل الركوع كبر ثم قرأ ثم ركع، وإن ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراء‌ة وبعد القراء‌ة. قلت: فإن ذكرها بعد الصلاة؟ قال: فليقضها ولا شئ عليه(١) . وفي معناها عدة من الروايات(٢) على اختلاف يسير بينها.

وقد ارم بعض الاعلام تطبيقها على القاعدة، وجعلها من باب الخطأ في التطبيق، بتقريب أن الناسى لتكبيرة الاحرام يتخيل أنه قد سقط عنه الامر بها ويكبر للركوع، بتخيل أن تكبيرة الركوع هي المأمور بها فعلا، مع أن في الواقع ما هو المأمور به تكبيرة الاحرام، فهو يقصد المأمور به الفعلي غايته أنه يتخيل أنه تكبيرة الركوع، ويكون حينئذ من قبيل قصد القضاء مع كون المأمور به هو الاداء وبالعكس.

فكما أن قصد القضائية يلغو وتصح صلاته، فكذلك قصد كون التكبيرة للركوع يلغو وتحسب تكبيرة الاحرام، غايته أنه يكون ناسيا للقراء‌ة وهو ليس، بمحذور، هذا.

ولكن لا يخفى عليك مافيه فإنه قد عرفت في مبحث النية أن مورد الخطأ في التطبيق إنما هو الاوصاف الخارجة عن حقيقة الامور والمأمور به، كالوجوب والاستحباب والاداء والقضاء على ما تقدم تفصيله، ولا إشكال أنه تفترق تكبيرة الاحرام عن تكبيرة الركوع بالحقيقة والهوية وإن اشتركا في الصورة، فإن تكبيرة الاحرام متقومة بالقصد، وليس هي عبارة عن تكبرة بل لابد من القصد إلى كونها إحراما وافتتاحا، لا نقول: إنه يعتبر القصد إلى الاحرامية والافتتاحية، بل نقول: إنه لا بد من القصد إلى أنه بها يدخل في الصلاة، ويكون بها شروعا فيها

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧١٧ باب ٢ من ابواب تكبيرة الاحرام، ح ٨.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧١٧ باب ٢ من ابواب تكبيرة الاحرام، ح ٩ و ١٠. (*)

٥٤

الذي بذلك تمتار عن سائر التكبيرات الافتتاحية المسحبة. وعن تكبيرة الركوع والسجود.

والحاصل: أن دعوى اتحاد تكبيرة الاحرام مع سائر التكبيرات بالهوية والحقيقة والصورة وأن الاحرامية والافتتاحية من الاوصاف الخارجة عن الحقيقة التي لا يعتبر القصد إليها بل لا يضر قصد خلافها كما هو الشأن في مثل وصفي الاداء والقضاء، بعيدة جدا.

بل ينبغي القطع بخلافها، وعلى تقدير التسليم وقلنا باتحاد الحقيقة فلا بد أيضا من القصد إليها وتعيينها، لما تقدم في مبحث النية، من أنه إذا تعدد مافي ذمة المكلف من متحد الحقيقة، فلابد في مقام الامتثال من التعيين ولو بالاوصاف الخارجة عن الحقيقة، كما في مثل نافلة الصبح وفريضتها فراجع، والمقام يكون حينئذ من ذلك القبيل فتأمل.

فالاول طرح الاخبار المخالفة وحملها على التقية كما عليه المعظم، هذا كله في نقصان التكبيرة سهوا.

وأما زيادتها فلا إشكال في البطلان في صورة العمد. وأما في صورة السهو فقد ادعي الاجماع على البطان أيضا ولم ينقل الخلاف عن أحد، فإن تم الاجماع فهو وإلا فالبطلان بالزيادة السهوية يكون خاليا عن الدليل مع أن الاصل لا يقتضيه، كما بين في محله.

وإطلاقات أدلة الزيادة من مثل قولهعليه‌السلام : " من زاد في صلاته فعليه الاعادة "(١) مقصورة بصورة العمد أو الاركان حسب مايقضيه الجمع بين أدلة الزيادة وحديث " لا تعاد "(٢) ، والكلام بعد في ركنية تكبيرة الاحرام وبالجملة: ليس مطلق الزيادة مطلقة للصلاة، بل المبطل حسب ما يقتضيه

____________________

(١) الوسائل: ج ٥ ص ٣٣٢ باب ١٩ من ابواب الخلل الواقع في الصلاة، ج ٢.

(٢) الوسائل ج ١١ ص ٢٩٥ باب ٥٦ من ابواب جهاد النفس، ح ١.

٥٥

الجمع بين الادلة - على مايأتي تفصيله في محله إن شاء الله - هي الزيادة العمدية، أو الزيادة في فرض الله، كما ورد في المسافر الذي أتم أن عليه الاعادة لانه زاد في فرض الله(١) .

وكما في حديث " لا تعاد "(٢) في أن الركوع والسجود فرض الله، فيظهر من ذلك أن كل ما كانت الزيادة في فرض الله فالصلاة باطلة وإن كانت الزيادة سهوية، وتكبيرة الاحرام إن كانت من فرض الله فزيادتها السهوية أيضا مبطلة، وتكون من الركن بالمعنى المصطلح، وهو ما يوجب زيادته ونقصانه العمدية والسهوية البطلان، وإن لم تكن من فرض الله فزيادتها السهوية غير مبطلة، والكلام بعد في كونها من فرض الله، اللهم إلا أن يستشعر ذلك مما ورد من مثل تحريمها التكبير(٣) ، وأنه لا صلاة بلا افتتاح(٤) وأمثال ذلك، ولا ينافي عدم ذكر التكبيرة في حديث " لا تعاد " بعد دلالته على البطلان في كل ما كان من فرض الله وإن أبيت عن ذلك كله كان المستند في المسألة هو الاجماع، فالاقوى أن الزيادة السهوية كالنقيصة مبطلة.

ثم إنه إن كانت الزيادة عمدية فلا إشكال في اقتضائها البطلان، والاحتياج إلى تكبيرة ثالثة بها تنعقد الصلاة، ولايمكن انعقادها بتلك التكبيرة لكونها منهيا عنها، فلا تصلح وقوعها تكبيرة الاحرام، إلا إذا قلنا ببطلان الصلاة بمجرد قصد التكبيرة الزائدة، بتوهم أنه يكون من القصد المنافي الهادم للاستدامة الحكمية، فحينئذ لا مانع من انعقاد الصلاة بالتكبيرة الثانية، لبطلان الصلاة قبل ذلك بالقصد، وبطلان الصلاة بمجرد قصد المنافي مع عدم وقوع فعل صلاتي منه في

____________________

(١) لوسائل: ج ٥ ص ٥٣٠ باب ١٧ من ابواب صلاة المسافر.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٦٨٣ باب ١ من ابواب افعال الصلاة ح ١٤.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ١٠٠٣ باب ١ من ابواب التسليم.

(٤) الوسائل: ج ٤ ص ٧١٦ باب ٢ من ابواب تكبيرة الاحرام، ح ٧. (*)

٥٦

ذلك الحال محل تأمل، إلا إذا قلنا بالجزء الصوري والهيئة الاتصالية، حتى يكون ذلك القصد واقعا في حال الجزء الصلاتي، وقد استقصينا الكلام عن الجزء الصوري وما فيه في الاصول، فتأمل جيدا، وأما الزيادة السهوية، فاقتضاؤها البطلان كما عرفت، وأما عدم انعقاد الصلاة بها فمحل بحث، بل ربما مال إلى الانعقاد بعض الاعلام، بدعوى أنه لا مانع من انعقاد الصلاة بها بعد كونها عن سهو فتبطل بها التكبيرة الاولى وتنعقد بها أيضا الصلاة، ولكن يدفعه أنه لا تبطل الاولى إلا بعد تمام التكبيرة الثانية إذ الركن عبارة عن مجموع التكبيرة، فمع عدم إتمامها لم يزد ركنا فلا موجب لبطلان الاولى، وإذا كان بطلان الاولى لا يتحقق إلا بعد إتمام الثانية فكيف ينعقد بها الصلاة أيضا، فتأمل جيدا، وقد تنظر الشيخ -قدس‌سره - في ذلك في صلاته.

الامر الثاني: يعتبر في التكبيرة أن تكون بصورتها المعهودة وهي " الله اكبر " ولا تنعقد بما يرادفها من اللغة العربية، فضلا عن سائر اللغات. وقد أطالوا الكلام في البحث عن صورة التكبيرة، إلا أن الكل واضح فراجع. نعم ينبغى البحث عما نسب إلى المشهور، من أنه يعتبر عدم وصل التكبيرة بما قبلها من الادعية وغيرها، بحيث تمقط همزة " الله " في الكلام.

وكذلك يعتبر الوقف على راء " أكبر " بلا وصلها بالبسلمة أو الاستعاذة، وربما استدل على ذلك بما ورد من الامر بالتكبير مترسلا الذي هو بمعنى التأني المناسب للقطع، وفيه نظر، وليس في المسألة دليل يعتمد عليه، فلا بد من الرجوع إلى الاصل الجاري في المسألة والذي يقوي في بادي النظر هو كون الاصل في المقام البراء‌ة، لان المقام من صغريات دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطي، أو من دون الامريين التخيير والتعيين.

ولكن مال شيخنا الاستاذ - مد ظله - في المقام إلى أن الاصل فيه هو الاشتغال، وإن قلنا بالبراء‌ة في الاصل والاكثر، وسبقه إلى ذلك الشيخ

٥٧

-قدس‌سره - في صلاته بتقريب: أن المأمور به هو الافتتاح والتحريم. والتكبيرة تكون من قبيل المحصل لذلك، وبدون القطع من الاول والآخر يشك في حصول هذا العنوان، فيكون من مجاري الاشتغال فتأمل جيدا.

الامر الثالث: يستحب افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات، وهذا في الجملة مما لا إشكال ولا خلاف فيه، إنما الكلام في تعيين تكبيرة الاحرام منها والمحتملات، بل الاقوال خمسة: أحدها: تعيين جعلها الاولى. ثانيها: تعيين جعلها الاخيرة. ثالثها: التخيير بين جعلها أي منها من الاولى والاخيرة وما بينهما. رابعها: جعلها جملة تكبيرة الاحرام. خامسها: عدم لزوم تعيينها، بل هي تتعين في الواقع من جملة السبعة بحسب علم الله، ولا يجب على المصلي تعيينها. أما الاخير فضعيف غايته لما تقدم من لزوم القصد إلى تكبيرة الاحرام. وليست هي من الامور الواقعية بحيث تقع قهرا علهى.

وأما الاقوال الاخر فمنشأها اختلاف الانظار فيما يستفاد من الاخبار، ولا بأس بالاشارة إلى جملة منها: فمنها: مارواه البختري عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في الصلاة وإلى جانبه الحسين بن علي عليهما السلام فكبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يحر الحسينعليه‌السلام بالتكبير ثم كبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يحر الحسينعليه‌السلام التكبير فلم يزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكبر ويعالج الحسن فلم يحر حتى أكمل سبع تكبيرات فأحار الحسينعليه‌السلام التكبير في السابعة فقال أبوعبداللهعليه‌السلام : فصارت سنة(١) .

وفي معناها رواية اخرى(٢) . وقد استدل بها من قال بلزوم كون الاولى تكبيرة

____________________

(١) الوسائل: ج ٤ ص ٧٢١ باب ٧ من ابواب تكبيرة الاحرام، ح ١.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٢٢ باب ٧ من ابواب تكبيرة الاحرام، ح ٤. (*)

٥٨

الاحرام، ولكن لا يخفى عليك ضعف الاستدلال بذلك، إذا لا دلالة فيها على لزوم تعيين الاولى لتكبيرة الاحرام، إذ غاية ما يمكن تسليمه هو كون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعل الاولى تكبيرة الاحرام وكان ذلك أيضا قبل تشريع التكبيرات الافتتاحية، نعم لو كان دأبهصلى‌الله‌عليه‌وآله على جعله الاولى تكبيرة الاحرام بعد تشريع التكبيرات، واستدام على ذلك. لكان فيه دلالة على ذلك.

مع أنه أيضا يمكن منعه، خصوصا بعد ملاحظة الاخبار الاخر، هذا مضافا إلى ماقيل: من معارضة هذه الرواية بماورد(١) من كون علة التشريع هو أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ليلة المعراج كبر عند كل حجاب تكبيرة واحدة وكانت الحجب سبعة، فلذلك صارت الكتبيرات الافتتاحية سبعة، هذا ولكن الانصاف أنه لا معارضة بينهما.

لامكان أن يكون ماصدر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ليلة المعراج علة للتشريع في الواقع وعالم الباطن، وما صدر عنهعليه‌السلام في قضية الحسينعليه‌السلام علة التشريع في عالم الظاهر.

ومنها: خبر أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إذا افتتحت الصلاة فكبر. إن شئت بواحدة وإن شئت ثلاثا وإن شئت خمسا وإن شئت سبعا، وكل ذلك مجز عنك غير أنك إذا كنت إماما لم تجهر إلا بتكبيرة(٢) .

وقد استدل بهذه الرواية من قال بحصول تكبيرة الاحرام بالمجموع، وفيه أنه لو لم يكن قوله في الذيل غير أنك إذا كنت إماما... إلخ، لكان استظهار ذلك، في محله. إلا أنه ذيله يدل على كون تكبيرة الاحرام واحدة، ويكون فائدة الاجهار بها علم المأمومين بدخول الامام في الصلاة، لان لايحرموا قبل الامام، فهذه الرواية على القول بالتخيير أدل

____________________

(١) الوسائل ج ٤ ص ٧٢٢ باب ٧ من ابواب تكبيرة الاحرام ح ٥ و ٧.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٢١ باب ٧ من ابواب تكبيرة الاحرام ج ٣. (*)

٥٩

كما لا يخفى، هذا مضافا إلى أنه لم ينقل القول بذلك إلا عن والد المجلسي(١) -رحمه‌الله - وقد أدعي الاجماع على خلافه، وإن حكي عن بعض المتأخرين الميل إليه.

ومنها: صحيحة الحلبي فإذا كنت إماما يجزيك أن تكبر واحدة تجهر فيها وتستر ستا(٢) وفي معناه عدة من الروايات(٣) . والانصاف أن هذه الروايات قوية الدلالة على القول بالتخيير، وفي غاية القوة من الظهور.

ومنها: رواية أبي بصير وفيها بعد ذكر الدعاء بعد التكبيرات الثلاث بقوله اللهم أنت الملك الحق المبين... إلخ، والدعاء عقيب الاثنين بقوله لبيك وسعديك... إلخ. وعقيب السادسة بقوله يا محسن قد أتاك المسئ قالعليه‌السلام : ثم تكبر للاحرام.

ومنها: الرضوي: واعلم أن السابعة هي تكبيرة الاحرام، وقد استدل بذلك على لزوم تعيين كون الاخيرة تكبيرة الاحرام، وظهورها في ذلك مما لاينكر، إلا أن أخبار التخيير أقوى ظهورا منها، وحينئذ لابد من رفع اليد عن ظهورها في الوجوب وحملها على الافضلية والرجحان الذي هي بالنسبة إلى ذلك نص، بخلاف دلالتها على الوجوب فإنها بالاطلاق ويصير حاصل الفتوى هو التخيير مع أفضلية جعلها الاخيرة.

فعليك بالتأمل في سائر ماورد من الاخبار في المقام، هذا تمام الكلام فيها يهم من مباحث تكبيرة الاحرام. وسائر مباحثها مما لا يهمنا التعرض لها.

____________________

(١) بحار الانوار: ج ٨٤ ص ٣٥٧.

(٢) الوسائل: ج ٤ ص ٧٣٠ باب ١٢ من ابواب تكبيرة الاحرام، ح ٣.

(٣) الوسائل: ج ٤ ص ٧٣٠ باب ١٢ من ابواب تكبيرة الاحرام. (*)

٦٠