اللمعة الدمشقية

اللمعة الدمشقية21%

اللمعة الدمشقية مؤلف:
تصنيف: علم الفقه
الصفحات: 272

اللمعة الدمشقية
  • البداية
  • السابق
  • 272 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 81024 / تحميل: 7950
الحجم الحجم الحجم
اللمعة الدمشقية

اللمعة الدمشقية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

(١٧) كتاب الحجر

وأسبابه ستة: الصغر والجنون والرق والفلس والسفه والمرض.

ويمتد حجر الصغير حتى يبلغ ويرشد بأن يصلح ماله وإن كان فاسقا، ويختبر بما لاء‌مه، ويثبت الرشد بشهادة النساء في النساء لا غير، وبشهادة الرجال مطلقا.

ولا يصح إقرار السفيه بمال ولا تصرفه في المال، ولا يسلم عوض الخلع إليه، ويجوز أن يتوكل لغيره في سائر العقود.

ويمتد حجر المجنون حتى يفيق، والولاية في مالهما للاب والجد فيشتركان في الولاية، ثم الوصي ثم الحاكم، والولاية في مال السفيه الذي لم يسبق رشده كذلك وإن سبق فللحاكم، والعبد ممنوع مطلقا، والمريض ممنوع مما زاد عن الثلث وإن نجز على الاقوى.

ويثبت الحجر على السفيه بظهور سفهه وإن لم يحكم به الحاكم، ولا يزول إلا بحكمه، ولو عامله العالم بحاله استعاد ماله فإن تلف فلا ضمان، وفي إيداعه أو إعارته أواجارته فيتلف العين نظر، ولا يرتفع الحجر عنه ببلوغه خمسا وعشرين سنة، ولا يمنع من الحج

١٢١

الواجب مطلقا، ولا من المندوب إن استوت نفقته، وينعقد يمينه، ويكفر بالصوم، وله العفو عن القصاص لا الدية.

١٢٢

(١٨) كتاب الضمان

وهو التعهد بالمال من البرئ، ويشترط كماله وحريته إلا أن يأذن المولى فيثبت في ذمة العبد، إلا أن يشترطه من مال المولى.

ولا يشترط علمه بالمستحق ولا الغريم بل تمييزهما.

والايجاب: ضمنت أو تكفلت وتقبلت، وشبهه.

ولو قال مالك عندي، أو علي، أو ماعليه فعلي، فليس بصريح، فيقبل المستحق وقيل يكفي رضاه فلا يشترط فورية القبول.

ولا عبرة بالغريم نعم لا يرجع عليه مع عدم إذنه، ولو اذن رجع بأقل الامرين مما أداه ومن الحق، ويشترط فيه الملاء‌ة أو علم المستحق بإعساره، ويجوز الضمان حالا ومؤجلا عن حال ومؤجل.

والمال المضمون ما جاز أخذ الرهن عليه، ولو ضمن للمشتري عهدة الثمن لزمه في كل موضع يبطل فيه البيع من رأس كالاستحقاق، ولو ضمن درك ما يحدثه من بناء أو غرس فالاقوى جوازه، ولو أنكر المستحق القبض فشهد عليه الغريم قبل مع عدم التهمة، ومع عدم قبول قوله لو غرم الضامن رجع في موضع الرجوع بما أداه أولا، ولو لم يصدقه على الدفع رجع بالاقل.

١٢٣

(١٩) كتاب الحوالة

وهي التعهد بالمال من المشغول بمثله، ويشترط فيه رضاء الثلاثة فيتحول فيهاالمال كالضمان ولايجب قبولها على الملئ، ولو ظهر إعساره فسخ المحتال.

ويصح ترامي الحوالة ودورها وكذا الضمان، والحوالة بغير جنس الحق، والحوالة بدين عليه لواحد على دين للمحيل على اثنين متكافلين.

ولو أدى المحال عليه وطلب الرجوع لانكار الدين وادعاه المحيل تعارض الاصل والظاهر، والاول أرجح فيحلف ويرجع، سواء كان بلفظ الحوالة أو الضمان.

١٢٤

(٢٠) كتاب الكفالة

وهي التعهد بالنفس، وتصح حالة ومؤجلة إلى أجل معلوم، ويبرأ الكفيل بتسليمه تاما عند الاجل أو في الحلول، ولو امتنع فللمستحق حبسه حتى يحضره أو يؤدي ما عليه، ولو علق الكفالة بطلت، وكذا الضمان والحوالة، نعم لو قال إن لم أحضره إلى كذا كان علي كذا، صحت الكفالة أبدا ولا يلزمه المال المشروط.

ولو قال علي كذا إن أحضره، لزمه ما شرط من المال إن لم يحضره.

وتحصل الكفالة بإطلاق الغريم من المستحق قهرا، فلو كان قاتلا لزمه إحضاره أو الدية، ولو غاب المكفول أنظر بعد الحلول بمقدار الذهاب والاياب، وينصرف الاطلاق إلى التسليم في موضع العقد، ولو عين غيره لزم.

ولو قال الكفيل لا حق لك حلف المستحق، وكذا لو قال أبرأته، فلو رد اليمين عليه برئ من الكفالة والمال بحاله، ولو تكفل اثنان بواحد كفى تسليم أحدهما، ولو تكفل بواحد لاثنين فلا بد من تسليمه إليهما

١٢٥

ويصح التعبير بالبدن والرأس والوجه دون اليد والرجل، وإذا مات المكفول بطلت إلا في الشهادة على عينه بإتلافه أو المعاملة.

١٢٦

(٢١) كتاب الصلح

هو جائز مع الاقرار والانكار إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا فيلزم بالايجاب والقبول الصادرين من الكامل الجائز التصرف.

وهو أصل في نفسه، ولا يكون طلبه إقرارا.

ولو اصطلح الشريكان على أخذ أحدهما رأس المال والباقي للآخر ربح أو خسر صح عند انقضاء الشركة، ولو شرطا بقاء‌هما على ذلك ففيه نظر.

ويصح الصلح على كل من العين والمنفعة بمثله وجنسه ومخالفه، ولو ظهر استحقاق العوض المعين بطل الصلح، ولا يعتبر في الصلح على النقدين القبض في المجلس.

ولو أتلف عليه ثوبا يساوي درهمين فصالح على أكثر أو أقل فالمشهور الصحة، ولو صالح منكر الدار على سكنى المدعي فيها سنة صح، ولو أقربها ثم صالحه على سكنى المقر صح ولا رجوع، وعلى القول بفرعية العارية له الرجوع.

ولما كان الصلح مشروعا لقطع التجاذب ذكر فيه أحكام من التنازع.

ولنشر إلى بعضها في مسائل: لو كان بيدهما درهمان فادعاهما أحدهما وادعى الآخر

١٢٧

احدهما فللثاني نصف درهم وللاول الباقي، وكذا لو أودعه رجل درهمين وآخر درهما وامتزجا لا بتفريط وتلف أحدهما.

الثانية: يجوز جعل السقي بالماء عوضا للصلح وموردا له، وكذا إجراء الماء على سطحه أو ساحته، بعد العلم بالموضع الذي يجري منه الماء.

الثالثة: لو تنازع صاحب السفل والعلو في جدار البيت حلف صاحب السفل، وفي جدران الغرفة يحلف صاحبها وكذا في سقفها، ولو تنازعا في سقف البيت أقرع بينهما.

الرابعة: إذا تنازع صاحب غرف الخان وصاحب بيوته في المسلك حلف صاحب الغرف في قدر ما يسلكه، وحلف الآخر على الزائد، وفي الدرجة يحلف العلوي، وفي الخزانة تحتها يقرع.

الخامسة: لو تنازع راكب الدابة وقابض لجامها حلف الراكب، ولو تنازعا ثوبا في يد أحدهما أكثره فهما سواء، وكذا في العبد وعليه ثياب لاحدهما، ويرجح صاحب الحمل في دعوى البهيمة الحاملة، وصاحب البيت في الغرفة عليه، وإن كان بابها مفتوحا إلى الآخر.

السادسة: لو تداعيا جدارا غير متصل ببناء أحدهما أو متصلا ببنائهما، فإن حلفا أو نكلا فهو لهما، وإلا فهو للحالف، ولو اتصل بأحدهما حلف، وكذا لو كان عليه جذع، أما الخوارج والروازن فلا ترجيح بها إلا معاقد القمط في الخص.

١٢٨

(٢٢) كتاب الشركة

وسببها قد يكون ارثا وعقدا، وحيازة دفعة ومزجا لا يتميز.

والمشترك قد يكون عينا ومنفعة وحقا.

والمعتبر شركة العنان لا شركة الاعمال والوجوه والمفاوضة.

ويتساويان في الربح والخسران مع تساوي المالين، ولو اختلفا اختلف، ولو شرطا غيرهما فالاظهر البطلان.

وليس لاحد الشركاء التصرف إلا بإذن الجميع، ويقتصر من التصرف على المأذون فإن تعدى ضمن ولكل المطالبة بالقسمة عرضا كان المال أو نقدا.

والشريك أمين لا يضمن إلا بتعد أو تفريط، ويقبل يمينه في التلف وإن كان السبب ظاهرا.

وتكره مشاركة الذمي وإبضاعه وإيداعه، ولو باع الشريكان سلعة صفقة وقبض أحدهما من ثمنها شيئا شاركه الآخر فيه، ولو ادعى المشتري شراء شي ء لنفسه أو لهما حلف.

١٢٩

(٢٣) كتاب المضاربة

وهي أن يدفع مالا إلى غيره ليعمل فيه بحصة معينة من ربحه.

وهي جائزة من الطرفين، ولا يصح اشتراط اللزوم أو الاجل فيها، لكن يثمر المنع من التصرف بعد الاجل إلا بإذن جديد.

ويقتصر من التصرف على ماأذن المالك له، ولو أطلق تصرف بالاسترباح، وينفق في السفر كمال نفقته من أصل المال، وليشتر نقدا بنقد البلد بثمن المثل فما دون، وليبع كذلك بثمن المثل فما فوقه، وليشتر بعين المال إلا مع الاذن في الذمة، ولوتجاوز ما حد له المالك ضمن والربح على الشرط.

وإنما تجوز بالدراهم والدنانير، وتلزم الحصة بالشرط.

والعامل أمين لا يضمن إلا بتعد أو تفريط، ولو فسخ المالك فللعامل أجرة مثله إلى ذلك الوقت إن لم يكن ربح، والقول قول العامل في قدر رأس المال وقدر الربح.

وينبغي أن يكون رأس المال معلوما عند العقد، وليس للعامل

١٣٠

أن يشتري ما فيه ضرر على المالك كمن تنعتق عليه، ولا يشتري من رب المال شيئا، ولو أذن في شراء أبيه صح وانعتق وللعامل الاجرة، ولو اشترى أبا نفسه صح، فإن ظهر فيه ربح انعتق نصيبه ويسعى المعتق في الباقي.

١٣١

(٢٤) كتاب الوديعة

وهي استنابة في الحفظ.

وتفتقر إلى إيجاب وقبول، ولا حصر في الالفاظ الدالة عليهما، ويكفي في القبول الفعل، ولو طرحها عنده أوأكرهه على قبضها لم تصر وديعة فلا يجب حفظها، ولو قبل وجب الحفظ.

ولا ضمان عليه إلا بالتعدي أو التفريط، ولو أخذت منه قهرا فلا ضمان، ولو تمكن من الدفع وجب مالم يؤد إلى تحمل الضرر الكثير كالجرح وأخذ المال، نعم يجب عليه اليمين لو قنع بها الظالم فيوري.

وتبطل بموت كل منهما وجنونه وإغمائه، وتبقى أمانة شرعية لا يقبل قول الودعي في ردها إلا ببينة.

ولو عين موضعا للحفظ اقتصر عليه إلا أن يخاف تلفها فيه فينقلها ولا ضمان.

وتحفظ الوديعة بما جرت العادة به كالثوب والنقد في الصندوق، والدابة في الاصطبل، والشاة في المراح ولو استودع من طفل أو مجنون ضمن ويبرأ بالرد إلى وليهما.

وتجب إعادة الوديعة على المودع ولو كان كافرا، ويضمن لو أهمل بعد المطالبة، أو أودعها من غير ضرورة، أو سافر بها كذلك، أو طرحها

١٣٢

في موضع تتعقن فيه أوترك سقي الدابة أو علفها مالا تصبر عليه عادة أو ترك نشر الثوب للريح، أو انتفع بها أو مزجها، ولترد إلى المالك أو وكيله، فإن تعذر فالحاكم عند الضرورة إلى ردها.

ولو أنكر الوديعة حلف، ولو أقام بها بينة قبل حلفه ضمن، إلا أن يكون جوابه لا يستحق عندي شيئا وشبهه، والقول قول الودعي في القيمة لو فرط، وإذا مات المودع سلمها إلى وارثه أو إلى من يقوم مقامه، ولو سلمها إلى البعض ضمن للباقي، ولا يبرأ بإعادتها إلى الحرز لو تعدى أو فرط، يقبل قوله بيمينه في الرد.

١٣٣

(٢٥) كتاب العارية

ولا حصر أيضا في ألفاظها ويشترط كون المعير كاملا جائز التصرف.

ويجوز اعارة الصبي بإذن الولي وكون العين مما يصح الانتفاع بها مع بقائها وللمالك الرجوع فيها متى شاء إلا في الاعارة للدفن بعد الطم.

وهي أمانة لا تضمن إلا بالتعدي أو التفريط.

وإذا استعار أرضا غرس أو زرع أو بنى، ولو عين له جهة لم يتجاوزها، ويجوز له بيع غروسه وأبنيته ولو على غير المالك.

ولو نقصت بالاستعمال لم يضمن، ويضمن العارية باشتراط الضمان وبكونها ذهبا أو فضة، ولو ادعى التلف حلف، ولو ادعى الرد حلف المالك، وللمستعير الاستظلال بالشجر، وكذا للمعير.

ولا يجوز إعارة العين المستعارة إلا بإذن المالك، ولو شرط سقوط الضمان في الذهب والفضة صح، ولو شرط سقوطه مع التعدي أو التفريط احتمل الجواز، كما لو أمره بإلقاء متاعه في البحر.

ولو قال الراكب أعرتنيها، وقال المالك آجرتكها، حلف

١٣٤

الراكب وقيل المالك، وهو أقوى.

ولكن يثبت له أجرة المثل، إلا أن تزيد على ما ادعاه من المسمى.

١٣٥

(٢٦) كتاب المزارعة

وهي معاملة على الارض بحصة من حاصلها إلى أجل معلوم، وعبارتها زارعتك أو عاملتك أو سلمتها إليك وشبهه، فتقبل لفظا وعقدها لازم.

ويصح التقايل، ولا تبطل بموت أحدهما، ولا بد من كون النماء مشاعا تساويا فيه أو تفاضلا، ولو شرط أحدهما على الآخر شيئا بضميمة مضافاإلى الحصة صح.

ولو مضت المدة والزرع باق فعلى العامل الاجرة وللمالك قلعه.

ولا بد من إمكان الانتقاع بالارض بأن يكون لها ماء من نهر أو بئر مصنع أو تسقيها الغيوث غالبا، ولو انقطع في جميع المدة انفسخت، وفي الاثناء يتخير العامل، فإن فسخ فعليه بنسبة ما سلف.

وإذا أطلق المزارعة زرع ماشاء، ولو عين لم يتجاوز.

فلو زرع الاضر قيل يتخير المالك بين الفسخ فله أجرة المثل، وبين الابقاء فله المسمى مع الارش.

ولو كان أقل ضررا جاز، ويجوز أن يكون من أحدهما الارض حسب ومن الآخر البذر والعمل والعوامل، وكل

١٣٦

واحدة من الصور ممكنة جائزة.

ولواختلفا في المدة حلف منكر الزيادة، وفي الحصة صاحب البذر، ولو أقاما بينة قدمت بينة الآخر، وقيل يقرع.

وللمزارع ان يزارع غيره أو يشارك غيره، إلا أن يشترط عليه المالك الزرع بنفسه.

والخراج على المالك إلا مع الشرط، وإذا بطلت المزارعة فالحاصل لصاحب البذر وعليه الاجرة، ويجوز لصاحب الارض الخرص على الزارع مع الرضا فيستقر بالسلامة، فلو تلف فلا شئ.

١٣٧

(٢٧) كتاب المساقاة

وهي معاملة على الاصول بحصة من ثمرتها وهي لازمة من الطرفين.

وإيجابها ساقيتك أو عاملتك أوسلمتها إليك أو ما أشبهه.

والقبول الرضا به، وتصح إذابقي للعامل عمل يزيد به الثمرة ظهرت او لا.

ولا بد من كون الشجر ثابتا ينتفع بثمرته مع بقاء عينه، وفيما له ورق كالحناء نظر.

ويشترط تعيين المدة ويلزم العامل مع الاطلاق كل عمل متكرر كل سنة، لو شرط بعضه على المالك صح لا جميعه، وتعيين الحصة بالجزء المشاع لا المعين، ويجوز اختلاف الحصة في الانواع إذا علماها.

ويكره أن يشترط رب المال على العامل ذهبا أو فضة فلو شرط وجب بشرط سلامة الثمرة، وكلما فسد العقد فالثمرة للمالك وعليه أجرة مثل العامل، ولو شرط عقد مساقاة في عقد مساقاة فالاقرب الصحة.

ولو تنازعا في خيانة العامل حلف، وليس للعامل أن يساقي غيره.

والخراج على المالك إلا مع الشرط، وتملك الفائدة بظهور

١٣٨

الثمرة، وتجب الزكاة على كل من بلغ نصيبه النصاب، ولو كانت المساقاة بعد تعلق الزكاة وجوزناه فالزكاة على المالك.

وأثبت السيد ابن زهرة الزكاة على المالك في المزارعة والمساقاة دون العامل.

والمغارسة باطلة ولصاحب الارض قلعه، وله الاجرة لطول بقائه، ولو نقصت بالقلع ضمن أرشه، ولو طلب كل منهما ما لصاحبه بعوض لم يجب على الآخر إجابته، ولو اختلفا في الحصة حلف المالك، وفي المدة يحلف المنكر.

١٣٩

(٢٨) كتاب الاجارة

وهي العقد على تمليك المنفعة المعلومة بعوض معلوم، وإيجاب آجرتك أو أكريتك أو ملكتك منفعتها سنة.

ولو نوى بالبيع الاجارة فإن أورده على العين بطل، وإن قال بعتك سكناها مثلا، ففي الصحة وجهان، وهي لازمة من الطرفين.

ولو تعقبها البيع لم تبطل سواء كان المشتري هو المستأجر أو غيره، وعذر المستأجر لا يبطلها كما لو استأجر حانوتا فيسرق متاعه، أما لو عم العذر كالثلج المانع من قطع الطريق فالاقرب جواز الفسخ لكل منهما، ولا تبطل بالموت إلا أن تكون العين موقوفة.

وكل ما صح الانتفاع به مع بقاء عينه تصح إعارته وإجارته، منفردا كان أو مشاعا، ولا يضمن المستأجر العين إلا بالتعدي أو التفريط، ولو شرط ضمانها فسد العقد.

ويجوز اشتراط الخيار لهما ولاحدهما، نعم ليس للوكيل أو الوصي فعل ذلك إلا مع الاذن أو ظهور الغبطة.

ولابد من كمال المتعاقدين وجواز تصرفهما، ومن كون المنفعة والاجرة معلومتين، والاقرب أنه لا يكفي المشاهدة في الاجرة عن

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وانتهت الوفود إلى دمشق لعرض آرائها على عاهل الشام ، وقد قام معاوية بضيافتهم والإحسان إليهم.

مؤتمرُ الوفود الإسلاميّة :

وعقدت وفود الأقطار الإسلاميّة مؤتمراً في البلاط الاُموي في دمشق لعرض آرائها في البيعة ليزيد ، وقد افتتح المؤتمر معاوية بالثناء على الإسلام ، ولزوم طاعة ولاة الاُمور ، ثمّ ذكر يزيد وفضله وعمله بالسّياسة ، ودعاهم لبيعته.

المؤيّدون للبيعة :

وانبرت كوكبة مِنْ أقطاب الحزب الاُموي فأيّدوا معاوية ، وحثّوه على الإسراع للبيعة ، وهم :

1 ـ الضحّاك بن قيس

2 ـ عبد الرحمن بن عثمان

3 ـ ثور بن معن السلمي

4 ـ عبد الله بن عصام

5 ـ عبد الله بن مسعدة

وكان معاوية قد عهد إليهم بالقيام بتأييده ، والردّ على المعارضين له.

٢٠١

خطابُ الأحنف بن قيس :

وانبرى إلى الخطابة زعيم العراق وسيّد تميم الأحنف بن قيس ، الذي تقول فيه ميسون اُمّ يزيد : لو لمْ يكن في العراق إلاّ هذا لكفاهم(1) . وتقدّم فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ التفت إلى معاوية قائلاً :

أصلح الله أمير المؤمنين ، إنّ الناس في منكر زمان قد سلف ، ومعروف زمان مؤتنف ، ويزيد ابن أمير المؤمنين نعم الخلف ، وقد حلبت الدهر أشطره.

يا أمير المؤمنين ، فاعرف مَنْ تسند إليه الأمر مِنْ بعدك ثمّ اعصِ أمر مَنْ يأمرك ، ولا يغررك مَنْ يُشير عليك ولا ينظر لك ، وأنت أنظر للجماعة ، وأعلم باستقامة الطاعة ، مع أنّ أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا ، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيّاً.

وأثار خطاب الأحنف موجةً مِن الغضب والاستياء عند الحزب الاُموي ، فاندفع الضحّاك بن قيس مندِّداً به ، وشتم أهلَ العراق ، وقدح بالإمام الحسن (عليه السّلام) ، ودعا الوفد العراقي إلى الإخلاص لمعاوية والامتثال لما دعا إليه. ولمْ يعن به الأحنف ، فقام ثانياً فنصح معاوية ودعاه إلى الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه مِنْ تسليم الأمر إلى الحسن (عليه السّلام) مِنْ بعده ؛ حسب اتفاقية الصلح التي كان من أبرز بنودها إرجاع الخلافة مِنْ بعده إلى الإمام الحسن (عليه السّلام) ، كما أنّه هدّد معاوية بإعلان الحرب إذا لمْ يفِ بذلك.

__________________

(1) تذكرة ابن حمدون / 81.

٢٠٢

فشلُ المؤتمر :

وفشلَ المؤتمر فشلاً ذريعاً بعد خطاب الزعيم الكبير الأحنف بن قيس ، ووقع نزاع حاد بين أعضاء الوفود وأعضاء الحزب الاُموي ، وانبرى يزيد بن المقفّع فهدّد المعارضين باستعمال القوّة قائلاً : أمير المؤمنين هذا ـ وأشار إلى معاوية ـ ، فإنْ هلك فهذا ـ وأشار إلى يزيد ـ ، ومَنْ أبى فهذا ـ وأشار إلى السيف ـ.

فاستحسن معاوية قوله ، وراح يقول له : اجلس فأنت سيّد الخطباء وأكرمهم.

ولمْ يعن به الأحنف بن قيس ، فانبرى إلى معاوية فدعاه إلى الإمساك عن بيعة يزيد ، وأنْ لا يُقدّمَ أحداً على الحسن والحسين (عليهما السّلام). وأعرض عنه معاوية ، وبقي مصرّاً على فكرته التي هي أبعد ما تكون عن الإسلام.

وعلى أي حالٍ ، فإنّ المؤتمر لمْ يصل إلى النتيجة التي أرادها معاوية ؛ فقد استبان له أنّ بعض الوفود الإسلاميّة لا تُقِرّه على هذه البيعة ولا ترضى به.

سفرُ معاوية ليثرب :

وقرّر معاوية السفر إلى يثرب التي هي محطّ أنظار المسلمين ، وفيها أبناء الصحابة الذين يُمثّلون الجبهة المعارضة للبيعة ؛ فقد كانوا لا يرون يزيداً نِدّاً لهم ، وإنّ أخذ البيعة له خروجٌ على إرادة الأُمّة ، وانحراف عن الشريعة الإسلاميّة التي لا تُبيح ليزيد أنْ يتولّى شؤون المسلمين ؛ لما عُرِفَ به مِن الاستهتار وتفسّخ الأخلاق.

٢٠٣

وسافر معاوية إلى يثرب في زيارة رسمية ، وتحمّل أعباء السفر لتحويل الخلافة الإسلاميّة إلى مُلْكٍ عضوض ، لا ظل فيه للحقّ والعدل.

اجتماعٌ مغلق :

وفور وصول معاوية إلى يثرب أمر بإحضار عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، وعقد معهم اجتماعاً مغلقاً ، ولمْ يُحضر معهم الحسن والحسين (عليهما السّلام) ؛ لأنّه قد عاهد الحسن (عليه السّلام) أنْ تكون الخلافة له مِنْ بعده ، فكيف يجتمع به؟ وماذا يقول له؟ وقد أمر حاجبه أنْ لا يسمح لأي أحدٍ بالدخول عليه حتّى ينتهي حديثه معهم.

كلمةُ معاوية :

وابتدأ معاوية الحديث بحمد الله والثناء عليه ، وصلّى على نبيّه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فقد كبر سنّي ، ووهن عظمي ، وقرب أجلي ، وأوشكت أنْ اُدعى فأُجيب ، وقد رأيت أنْ استخلف بعدي يزيد ، ورأيته لكم رضا. وأنتم عبادلة قريش وخيارهم وأبناء خيارهم ، ولمْ يمنعني أنْ أُحضِرَ حسناً وحُسيناً إلاّ أنّهما أولاد أبيهما علي ، على حُسنِ رأي فيهما ، وشدّة محبّتي لهما ، فردّوا على أمير المؤمنين خيراً رحمكم الله.

ولم يستعمل معهم الشدّة والإرهاب ؛ استجلاباً لعواطفهم ، ولمْ يخفَ عليهم ذلك ، فانبروا جميعاً إلى الإنكار عليه.

٢٠٤

كلمةُ عبد الله بن عباس :

وأوّل مَنْ كلّمه عبد الله بن عباس ، فقال بعد حمد الله ، والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّك قد تكلّمت فأنصتنا ، وقلت فسمعنا ، وإنّ الله جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه اختار محمّداً (صلّى الله عليه وآله) لرسالته ، واختاره لوحيه ، وشرّفه على خلقه ، فأشرف الناس مَنْ تشرّف به ، وأولاهم بالأمر أخصّهم به ، وإنّما على الأُمّة التسليم لنبيّها إذا اختاره الله له ؛ فإنّه إنّما اختار محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بعلمه ، وهو العليم الخبير ، واستغفر الله لي ولكم.

وكانت دعوة ابن عباس صريحةً في إرجاع الخلافة لأهل البيت (عليهم السّلام) ، الذين هم ألصق الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأمسّهم به رحماً ؛ فإنّ الخلافة إنّما هي امتداد لمركز رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فأهل بيته أحقّ بمقامه وأولى بمكانته.

كلمةُ عبد الله بن جعفر :

وانبرى عبد الله بن جعفر ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة إنْ أُخذ فيها بالقرآن فاُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، وإنْ أُخذ فيها بسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاُولوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وإنْ أُخذ فيها بسنّة الشيخين أبي بكر وعمر فأي الناس أفضل وأكمل وأحق بهذا الأمر مِنْ آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)؟ وأيمُ الله ، لو ولّوها بعد نبيّهم لوضعوا الأمر موضعه ؛ لحقّه وصدقه ، ولأُطيع الرحمن وعُصي الشيطان ، وما اختلف في الأُمّة سيفان ، فاتقِ الله يا معاوية ، فإنّك قد صرت راعياً ونحن رعيّة ، فانظر لرعيتك فإنّك مسؤول عنها غداً ،

٢٠٥

وأمّا ما ذكرت مِن ابنَي عمّي وتركك أنْ تحضرهم ، فوالله ما أصبت الحقّ ، ولا يجوز ذلك إلاّ بهما ، وإنّك لتعلم أنّهما معدن العلم والكرم ، فقل أو دع ، واستغفر الله لي ولكم.

وحفل هذا الخطاب بالدعوة إلى الحقّ ، والإخلاص للأُمّة ، فقد رشّح أهل البيت (عليهم السّلام) للخلافة وقيادة الأُمّة ، وحذّره مِنْ صرفها عنهم كما فعل غيره مِن الخلفاء ، فكان مِنْ جرّاء ذلك أنْ مُنِيَتِ الأُمّة بالأزمات والنّكسات ، وعانت أعنف المشاكل وأقسى الحوادث.

كلمةُ عبد الله بن الزبير :

وانطلق عبد الله بن الزبير للخطابة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة لقريش خاصة ، نتناولها بمآثرها السنيّة وأفعالها المرضيّة ، مع شرف الآباء وكرم الأبناء ، فاتّقِ الله يا معاوية وأنصف نفسك ؛ فإنّ هذا عبد الله بن عباس ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وهذا عبد الله بن جعفر ذي الجناحين ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأنا عبد الله بن الزبير ابن عمّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وعلي خلّف حسناً وحُسيناً ، وأنت تعلم مَنْ هما وما هما؟ فاتّقِ الله يا معاوية ، وأنت الحاكم بيننا وبين نفسك.

وقد رشح ابن الزبير هؤلاء النفر للخلافة ، وقد حفّزهم بذلك لمعارضة معاوية وإفساد مهمّته.

٢٠٦

كلمةُ عبد الله بن عمر :

واندفع عبد الله بن عمر ، فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيّه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة ليست بهرقليّة ، ولا قيصريّة ، ولا كسرويّة يتوارثها الأبناء عن الآباء ، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي ، فوالله ما أدخلني مع الستّة مِنْ أصحاب الشورى إلاّ على أنّ الخلافة ليست شرطاً مشروطاً ، وإنّما هي في قريش خاصة لمَنْ كان لها أهلاً ؛ ممّن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ، ممّن كان أتقى وأرضى ، فإنْ كنت تريد الفتيان مِنْ قريش فلعمري أنّ يزيد مِنْ فتيانها ، واعلم أنّه لا يُغني عنك مِن الله شيئاً.

ولمْ تعبّر كلمات العبادلة عن شعورهم الفردي ، وإنّما عبّرت تعبيراً صادقاً عن رأي الأغلبية السّاحقة مِن المسلمين الذين كرهوا خلافة يزيد ، ولمْ يرضوا به.

كلمةُ معاوية :

وثقلَ على معاوية كلامهم ، ولمْ يجد ثغرة ينفذ منها للحصول على رضاهم ، فراح يشيد بابنه فقال : قد قلت وقلتم ، وإنّه قد ذهبت الآباء وبقيت الأبناء ، فابني أحبّ إليّ مِن أبنائهم ، مع أنّ ابني إنْ قاولتموه وجد مقالاً ، وإنّما كان هذا الأمر لبني عبد مناف ؛ لأنّهم أهل رسول الله ، فلمّا مضى رسول الله ولّى الناس أبا بكر وعمر مِنْ غير معدن المُلْك والخلافة ، غير أنّهما سارا بسيرةٍ جميلةٍ ، ثمّ رجع المُلْك إلى بني عبد مناف ، فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة ، وقد

٢٠٧

أخرجك الله يابن الزبير ، وأنت يابن عمر منه ، فأمّا ابنا عمّي هذان فليسا بخارجين مِن الرأي إنْ شاء الله(1) .

وانتهى اجتماع معاوية بالعبادلة ، وقد أخفق فيه إخفاقاً ذريعاً ؛ فقد استبان له أنّ القوم مصمّمون على رفض بيعة يزيد. وعلى إثر ذلك غادر يثرب ، ولمْ تذكر المصادر التي بأيدينا اجتماعه بسبطي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقد أهملت ذلك ، وأكبر الظن أنّه لمْ يجتمع بهما.

فزعُ المسلمين :

وذُعِرَ المسلمون حينما وافتهم الأنباء بتصميم معاوية على فرض ابنه خليفة عليهم ، وكان مِنْ أشدّ المسلمين خوفاً المدنيون والكوفيون ، فقد عرفوا واقع يزيد ، ووقفوا على اتجاهاته المعادية للإسلام.

يقول توماس آرنولد : كان تقرير معاوية للمبدأ الوراثي نقلة خطيرة في حياة المسلمين الذين ألِفوا البيعة والشورى ، والنُّظم الاُولى في الإسلام ، وهم بعدُ قريبون منها ؛ ولهذا أحسّوا ـ وخاصة في مكّة والمدينة ، حيث كانوا يتمسّكون بالأحاديث والسّنن النّبوية الاُولى ـ أنّ الاُمويِّين نقلوا الخلافة إلى حكم زمني متأثر بأسباب دنيوية ، مطبوع بالعظمة وحبّ الذات بدلاً مِنْ أنْ يحتفظوا بتقوى النّبي وبساطته(2) .

لقد كان إقدام معاوية على فرض ابنه يزيد حاكماً على المسلمين تحوّلاً خطيراً في حياة المسلمين الذين لمْ يألفوا مثل هذا النظام الثقيل الذي فُرِضَ عليهم بقوّة السّلاح.

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 180 ـ 183 ، جمهرة الخطب 2 / 233 ـ 236.

(2) الخلافة ـ لتوماس / 10.

٢٠٨

الجبهةُ المعارضة :

وأعلن الأحرار والمصلحون في العالم الإسلامي رفضهم القاطع لبيعة يزيد ، ولمْ يرضوا به حاكماً على المسلمين ، وفيما يلي بعضهم :

1 ـ الإمام الحسين (عليه السّلام) :

وفي طليعة المعارضين لبيعة يزيد الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، فقد كان يحتقر يزيد ويكره طباعه الذميمة ، ووصفه بأنّه صاحب شراب وقنص ، وأنّه قد لزم طاعة الشيطان وترك طاعة الرحمن ، وأظهر الفساد ، وعطّل الحدود ، واستأثر بالفيء ، وأحلّ حرام الله وحرّم حلاله(1) . وإذا كان بهذه الضِعة ، فكيف يبايعه ويقرّه حاكماً على المسلمين؟!

ولمّا دعاه الوليد إلى بيعة يزيد قال له الإمام (عليه السّلام) : «أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النّبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا يختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب الخمر ، وقاتل النّفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».

ورفض بيعة يزيد جميع أفراد الأُسرة النّبوية تبعاً لزعيمهم العظيم ، ولمْ يشذّوا عنه.

الحرمان الاقتصادي :

وقابل معاوية الأسرة النّبوية بحرمان اقتصادي ؛ عقوبةً لهم لامتناعهم عن بيعة يزيد ، فقد حبس عنهم العطاء سنةً كاملة(2) ، ولكنّ ذلك لمْ يثنهم عن عزمهم في شجب البيعة ورفضها.

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير.

(2) تاريخ ابن الأثير 3 / 252 ، الإمامة والسياسة 1 / 200.

٢٠٩

2 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

ومِن الذين نقموا على بيعة يزيد عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقد وسمها بأنّها هرقلية ، كلّما مات هرقل قام مكانه هرقل آخر(1) . وأرسل إليه معاوية مئة ألف درهم ليشتري بها ضميره فأبى ، وقال : لا أبيع ديني(2) .

3 ـ عبد الله بن الزبير :

ورفض عبد الله بن الزبير بيعة يزيد ، ووصفه بقوله : يزيد الفجور ، ويزيد القرود ، ويزيد الكلاب ، ويزيد النشوات ، ويزيد الفلوات(3) . ولمّا أجبرته السّلطة المحلّية في يثرب على البيعة فرّ منها إلى مكّة.

4 ـ المنذر بن الزبير :

وكره المنذر بن الزبير بيعة يزيد وشجبها ، وأدلى بحديث له عن فجور يزيد أمام أهل المدينة ، فقال : إنّه قد أجازني بمئة ألف ، ولا يمنعني ما صنع بي أنْ أخبركم خبره. والله ، إنّه ليشرب الخمر. والله ، إنّه ليسكر حتّى يدع الصلاة(4) .

5 ـ عبد الرحمن بن سعيد :

وامتنع عبد الرحمن بن سعيد مِن البيعة ليزيد ، وقال في هجائه :

__________________

(1) الاستيعاب.

(2) الاستيعاب ، البداية والنهاية 8 / 89.

(3) أنساب الأشراف 4 / 30.

(4) الطبري 4 / 368.

٢١٠

لستَ منّا وليس خالُك منّا

يا مضيعَ الصلاةِ للشهواتِ(1)

6 ـ عابس بن سعيد :

ورفض عابس بن سعيد بيعة يزيد حينما دعاه إليها عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال له : أنا أعرَفُ به منك ، وقد بعتَ دينك بدنياك(2) .

7 ـ عبد الله بن حنظلة :

وكان عبد الله بن حنظلة مِن أشدّ الناقمين على البيعة ليزيد ، وكان مِن الخارجين عليه في وقعة الحرّة ، وقد خاطب أهل المدينة ، فقال لهم : فو الله ، ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أنْ نُرمى بالحِجارة مِن السّماء.

حياة الإمام الحُسين

إنّ رجلاً ينكح الأُمّهات والبنات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، والله لو لمْ يكن معي أحدٌ مِن الناس لأبليت لله فيه بلاءً حسناً(3) .

وكان يرتجز في تلك الواقعة :

بعداً لمَنْ رام الفساد وطغى

وجانب الحقّ وآيات الهدى

لا يبعد الرحمنُ إلاّ مَنْ عصى(4)

__________________

(1) الحُسين بن علي (عليه السّلام) 2 / 6.

(2) القضاة ـ للكندي / 310.

(3) طبقات ابن سعد.

(4) تاريخ الطبري 7 / 12.

٢١١

موقفُ الأُسرة الاُمويّة :

ونقمت الأُسرة الاُمويّة على معاوية في عقده البيعة ليزيد ، ولكن لمْ تكن نقمتهم عليه مشفوعة بدافع ديني أو اجتماعي ، وإنّما كانت مِنْ أجل مصالحهم الشخصية الخاصة ؛ لأنّ معاوية قلّد ابنه الخلافة وحرمهم منها ، وفيما يلي بعض الناقمين :

1 ـ سعيد بن عثمان :

وحينما عقد معاوية البيعة ليزيد أقبل سعيد بن عثمان إلى معاوية ، وقد رفع عقيرته قائلاً : علامَ جعلت ولدك يزيد وليّ عهدك؟! فوالله لأبي خير مِنْ أبيه ، وأُمّي خير مِنْ أُمّه ، وأنا خيرٌ مِنه ، وقد ولّيناك فما عزلناك ، وبنا نلت ما نلت!

فراوغ معاوية وقال له : أمّا قولك إنّ أباك خير مِنْ أبيه فقد صدقت ، لعمر الله إنّ عثمان لخير مِنّي ؛ وأمّا قولك إنّ أُمّك خير مِنْ أُمّه فحسب المرأة أنْ تكون في بيت قومِها ، وأنْ يرضاها بعلها ، ويُنجب ولدها ؛ وأمّا قولك إنّك خير مِنْ يزيد ، فوالله ما يسرّني أنّ لي بيزيد ملء الغوطة ذهباً مثلك ؛ وأمّا قولك إنّكم ولّيتموني فما عزلتموني ، فما ولّيتموني إنّما ولاّني مَنْ هو خير مِنكم عمر بن الخطاب فأقررتموني.

وما كنت بئس الوالي لكم ؛ لقد قمت بثأركم ، وقتلتُ قتلة أبيكم ، وجعلت الأمر فيكم ، وأغنيت فقيركم ، ورفعت الوضيع منكم ...

٢١٢

وكلّمه يزيد فأرضاه ، وجعله والياً على خراسان(1) .

2 ـ مروان بن الحكم :

وشجب مروان بن الحكم البيعة ليزيد وتقديمه عليه ، فقد كان شيخ الاُمويِّين وزعيمهم ، فقال له : أقم يابن أبي سفيان ، واهدأ مِنْ تأميرك الصبيان ، واعلم أنّ لك في قومك نُظراء ، وأنّ لهم على مناوئتك وزراً.

فخادعه معاوية ، وقال له : أنت نظير أمير المؤمنين بعده ، وفي كلّ شدّة عضده ، فقد ولّيتك قومك ، وأعظمنا في الخراج سهمك ، وإنّا مجيرو وفدك ، ومحسنو وفدك(2) .

وقال مروان لمعاوية : جئتم بها هرقلية ، تُبايعون لأبنائكم!(3) .

3 ـ زياد بن أبيه :

وكره زياد بن أبيه بيعة معاوية لولده ؛ وذلك لما عرف به مِن الاستهتار والخلاعة والمجون.

ويقول المؤرّخون : إنّ معاوية كتب إليه يدعوه إلى أخذ البيعة بولايته العهد ليزيد ، وإنّه ليس أولى مِن المغيرة بن شعبة. فلمّا قرأ كتابه دعا برجل مِنْ أصحابه كان يأتمنه حيث لا يأتمن أحداً غيره ، فقال له : إنّي اُريد أنْ ائتمنك على ما لم ائتمن على بطون الصحائف ؛ ائت معاوية وقل له : يا أمير المؤمنين ، إنّ كتابك ورد عليّ بكذا ، فماذا يقول

__________________

(1) وفيات الأعيان 5 / 389 ـ 390.

(2) الإمامة والسّياسة 1 / 128.

(3) الإسلام والحضارة العربية 2 / 395.

٢١٣

الناس إنْ دعوناهم إلى بيعة يزيد ، وهو يلعب بالكلاب والقرود ، ويلبس المصبغ ، ويدمن الشراب ، ويمسي على الدفوف ، ويحضرهم ـ أي الناس ـ الحُسين بن علي ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر؟! ولكن تأمره أنْ يتخلّق بأخلاق هؤلاء حولاً أو حولين ، فعسانا أنْ نموه على الناس. وسار الرسول إلى معاوية فأدّى إليه رسالة زياد ، فاستشاط غضباً ، وراح يتهدّده ويقول :

ويلي على ابن عُبيد! لقد بلغني أنّ الحادي حدا له أنّ الأمير بعدي زياد. والله ، لأردّنه إلى أُمّه سُميّة وإلى أبيه عُبيد(1) .

هؤلاء بعض الناقدين لمعاوية مِن الأُسرة الاُمويّة وغيرهم في توليته لخليعه يزيد خليفة على المسلمين.

إيقاعُ الخلاف بين الاُمويِّين :

واتّبع معاوية سياسة التفريق بين الاُمويِّين حتّى يصفو الأمر لولده يزيد ؛ فقد عزل عامله على يثرب سعيد بن العاص واستعمل مكانه مروان بن الحكم ، ثمّ عزل مروان واستعمل سعيداً مكانه ، وأمره بهدم داره ومصادرة أمواله ، فأبى سعيد مِنْ تنفيذ ما أمره به معاوية فعزله وولّى مكانه مروان ، وأمره بمصادرة أموال سعيد وهدم داره ، فلمّا همّ مروان بتنفيذ ما عهد إليه أقبل إليه سعيد وأطلعه على كتاب معاوية في شأنه ، فامتنع مروان مِن القيام بما أمره معاوية.

وكتب سعيد إلى معاوية رسالة يندّد فيها بعمله ، وقد جاء فيها : العجب ممّا صنع أمير المؤمنين بنا في قرابتنا له ، أنْ يضغن بعضنا

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 196.

٢١٤

على بعض! فأمير المؤمنين في حلمه وصبره على ما يكره مِن الأخبثين ، وعفوه وإدخاله القطيعة بنا والشحناء ، وتوارث الأولاد ذلك!(1) .

وعلّق عمر أبو النّصر على سياسة التفريق التي تبعها معاوية مع أُسرته بقوله : إنّ سبب هذه السّياسة هو رغبة معاوية في إيقاع الخلاف بين أقاربه الذين يخشى نفوذهم على يزيد مِنْ بعده ، فكان يضرب بعضهم ببعضٍ حتّى يظلّوا بحاجة إلى عطفه وعنايته(2) .

تجميدُ البيعة :

وجمّد معاوية رسمياً البيعة ليزيد إلى أجل آخر حتّى يتمّ له إزالة الحواجز والسدود التي تعترض طريقه. ويقول المؤرّخون : إنّه بعد ما التقى بعبادلة قريش في يثرب ، واطّلع على آرائهم المعادية لما ذهب إليه ، أوقف كلّ نشاط سياسي في ذلك ، وأرجأ العمل إلى وقت آخر(3) .

اغتيالُ الشخصيات الإسلاميّة :

ورأى معاوية أنّه لا يمكن بأي حالٍ تحقيق ما يصبوا إليه مِنْ تقليد ولده الخلافة مع وجود الشخصيات الرفيعة التي تتمتّع باحترام بالغ في نفوس المسلمين ، فعزم على القيام باغتيالهم ؛ ليصفو له الجو ، فلا يبقى أمامه أي مزاحم ،

__________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 18.

(2) السياسة عند العرب ـ عمر أبو النّصر / 98.

(3) الإمامة والسياسة 1 / 182.

٢١٥

وقد قام باغتيال الذوات التالية :

1 ـ سعد بن أبي وقاص :

ولسعد المكانة العليا في نفوس الكثيرين مِن المسلمين ، فهو أحد أعضاء الشورى ، وفاتح العراق ، وقد ثقل مركزه على معاوية فدسّ إليه سُمّاً فمات منه(1) .

2 ـ عبد الرحمن بن خالد :

وأخلص أهل الشام لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وأحبّوه كثيراً ، وقد شاورهم معاوية فيمَنْ يعقد له البيعة بعد وفاته ، فقالوا له : رضينا بعبد الرحمن بن خالد ، فشقّ ذلك عليه ، وأسرّها في نفسه.

ومرض عبد الرحمن ، فأمر معاوية طبيباً يهودياً كان مكيناً عنده أنْ يأتيه للعلاج فيسقيه سقية تقتله ، فسقاه الطبيب فمات على أثر ذلك(2) .

3 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

وكان عبد الرحمن بن أبي بكر مِنْ أقوى العناصر المعادية لبيعة معاوية لولده ، وقد أنكر عليه ذلك ، وبعث إليه معاوية بمئة ألف درهم فردّها عليه ، وقال : لا أبيع ديني بدنياي. ولمْ يلبث أنْ مات فجأة بمكة(3) .

وتعزو المصادر سبب وفاته إلى أنّ معاوية دسّ إليه سُمّاً فقتله.

__________________

(1) مقاتل الطالبيِّين / 29.

(2) الاستيعاب.

(3) المصدر نفسه.

٢١٦

4 ـ الإمام الحسن (عليه السّلام) :

وقام معاوية باقتراف أعظم جريمة وإثم في الإسلام ، فقد عمد إلى اغتيال سبط النّبي (صلّى الله عليه وآله) وريحانته الإمام الحسن (عليه السّلام) ، الذي عاهده بأنْ يكون الخليفة مِنْ بعده.

ولم يتحرّج الطاغية مِنْ هذه الجريمة في سبيل إنشاء دولة اُمويّة تنتقل بالوارثة إلى أبنائه وأعقابه ، وقد وصفه (الميجر اُوزبورن) بأنّه مخادع ، وذو قلب خال مِنْ كلّ شفقة ، وأنّه كان لا يتهيّب مِنْ الإقدام على أيّة جريمة مِنْ أجل أنْ يضمن مركزه ؛ فالقتل إحدى وسائله لإزالة خصومه ، وهو الذي دبّر تسميم حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، كما تخلّص مِنْ مالك الأشتر قائد علي بنفس الطريقة(1) .

وقد استعرض الطاغية السفّاكين ليعهد إليهم القيام باغتيال ريحانة النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، فلمْ يرَ أحداً خليقاً بارتكاب الجريمة سوى جُعيدة بنت الأشعث ؛ فإنّها مِنْ بيت قد جُبِلَ على المكر ، وطُبِعَ على الغدر والخيانة ، فأرسل إلى مروان بن الحكم سُمّاً فاتكاً كان قد جلبه مِنْ مَلكِ الروم ، وأمره بأنْ يُغري جُعيدة بالأموال وزواج ولده يزيد إذا استجابت له ، وفاوضها مروان سرّاً ففرحت ، فأخذت مِنه السُّمّ ودسّته للإمام (عليه السّلام) ، وكان صائماً في وقت ملتهب مِن شدّة الحرّ ، ولمّا وصل إلى جوفه تقطّعت أمعاؤه ، والتفت إلى الخبيثة فقال لها : «قتلتيني قتلك الله. والله لا تصيبنَّ مِنّي خَلفاً ، لقد غرّك ـ يعني معاوية ـ وسخر مِنك ، يخزيك الله ويخزيه».

وأخذ حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) يعاني الآلام الموجعة مِنْ شدّة السُّمّ ،

__________________

(1) روح الإسلام / 295.

٢١٧

وقد ذبلت نضارته ، واصفرّ لونه حتّى وافاه الأجل المحتوم. وقد ذكرنا تفصيل وفاته مع ما رافقها مِن الأحداث في كتابنا (حياة الإمام الحسن (عليه السّلام».

إعلانُ البيعة رسميّاً :

وصفا الجو لمعاوية بعد اغتياله لسبط الرسول (صلّى الله عليه وآله) وريحانته ، فقد قضى على مَنْ كان يحذر منه ، وقد استتبت له الاُمور ، وخلت السّاحة مِنْ أقوى المعارضين له ، وكتب إلى جميع عمّاله أنْ يبادروا دونما أي تأخير إلى أخذ البيعة ليزيد ، ويُرغموا المسلمين على قبولها. وأسرع الولاة في أخذ البيعة مِن الناس ، ومَنْ تخلّف عنها نال أقصى العقوبات الصارمة.

مع المعارضين في يثرب :

وامتنعت يثرب مِنْ البيعة ليزيد ، وأعلن زعماؤهم وعلى رأسهم الإمام الحُسين (عليه السّلام) رفضهم القاطع للبيعة ، ورفعت السّلطة المحلّية ذلك إلى معاوية ، فرأى أنْ يسافر إلى يثرب ليتولّى بنفسه إقناع المعارضين ، فإنْ أبوا أجبرهم على ذلك. واتّجه معاوية إلى يثرب في موكب رسميّ تحوطه قوّة هائلة مِن الجيش ، ولمّا انتهى إليها استقبله أعضاء المعارضة فجفاهم وهدّدهم.

وفي اليوم الثاني أرسل إلى الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، وإلى عبد الله بن عباس ، فلمّا مَثُلا عنده قابلهما بالتكريم والحفاوة ، وأخذ يسأل الحُسين (عليه السّلام) عن أبناء أخيه والإمامُ (عليه السّلام) يُجيبه ، ثمّ خطب معاوية فأشاد بالنّبي (صلّى الله عليه وآله) وأثنى عليه ، وعرض إلى بيعة يزيد ، ومنح ابنه الألقاب الفخمة ، والنعوت الكريمة ، ودعاهما إلى بيعته.

٢١٨

خطابُ الإمام الحُسين (عليه السّلام) :

وانبرى أبيّ الضيم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أمّا بعد يا معاوية ، فلن يؤدّي المادح وإنْ أطنب في صفة الرسول (صلّى الله عليه وآله) مِنْ جميع جزءاً ، وقد فهمتُ ما لبست به الخلف بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مِنْ إيجاز الصفة ، والتنكّب عن استبلاغ النّعت ، وهيهات هيهات يا معاوية! فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السُّرج ، ولقد فضلّتَ حتّى أفرطت ، واستأثرتَ حتّى أجحفت ، ومنعتَ حتّى بخلت ، وجُرْتَ حتّى جاوزت ، ما بذلت لذي حقٍّ مِنْ اسمٍ حقّه مِنْ نصيب حتّى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ، ونصيبه الأكمل.

وفهمتُ ما ذكرته عن يزيد مِن اكتماله ، وسياسته لأُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) ؛ تريد أنْ توهم الناس في يزيد ، كأنّك تصف محجوباً ، أو تنعت غائباً ، أو تُخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد مِنْ نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به مِن استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحَمام السبق لأترابهنَّ ، والقيان ذوات المعازف ، وضروب الملاهي تجده ناصراً ، ودع عنك ما تحاول ؛ فما أغناك أنْ تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه ، فوالله ما برحتَ تقدح باطلاً في جور ، وحنقاً في ظلم حتّى ملأت الأسقية ، وما بينك وبين الموت إلاّ غمضة ، فتُقدم على عمل محفوظ ، في يوم مشهود ، ولات حين مناص.

ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تُراثاً ، ولعمر الله أورثنا الرسول (صلّى الله عليه وآله) ولادة ، وجئت لنا بها ما حججتم به القائمَ عند موت الرسول ، فأذعن للحجّة بذلك ، وردّه الإيمان إلى النّصف ، فركبتم الأعاليل ، وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم : كان

٢١٩

ويكون ، حتّى أتاك الأمر يا معاوية مِنْ طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا اُولي الأبصار.

وذكرتَ قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وتأميره له ، وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له ، وما صار ـ لعمر الله ـ يومئذ مبعثهم حتّى أنِفَ القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدّوا عليه أفعاله ، فقال (صلّى الله عليه وآله) : لا جرم يا معشر المهاجرين ، لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري. فكيف تحتجّ بالمنسوخ مِنْ فعل الرسول في أوكد الأحكام وأولاها بالمجتمع عليه مِن الصواب؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعاً وحولك مَنْ لا يُؤمن في صحبته ، ولا يعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطّاهم إلى مسرف مفتون ، تريد أنْ تُلبس الناس شبهةً يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك؟! إنّ هذا لهو الخسران المبين! واستغفر الله لي ولكم».

وفنّد الإمام (عليه السّلام) في خطابه جميع شبهات معاوية ، وسدّ عليه جميع الطرق والنوافذ ، وحمّله المسؤولية الكبرى فيما أقدم عليه مِنْ إرغام المسلمين على البيعة لولده. كما عرض للخلافة وما منيت به مِن الانحراف عمّا أرادها الله مِنْ أنْ تكون في العترة الطاهرة (عليهم السّلام) ، إلاّ أنّ القوم زووها عنهم ، وحرفوها عن معدنها الأصيل.

وذُهل معاوية مِنْ خطاب الإمام (عليه السّلام) ، وضاقت عليه جميع السّبل ، فقال لابن عباس : ما هذا يابن عباس؟!

ـ لعمر الله إنّها لذرّيّة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وأحد أصحاب الكساء ، ومِن البيت المطهّر ، فاله عمّا تريد ؛ فإنّ لك في الناس مقنعاً حتّى يحكم الله

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272